الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قِيلَ وَلَا دَلَالَةَ فِي الْحَدِيثِ عَلَى التَّرْتِيبِ لِأَنَّ الْوَاوَ لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ إِلَّا أَنْ يُقَالَ التَّرْتِيبُ الذِّكْرِيُّ الصَّادِرُ مِنَ الْحَكِيمِ لَا يَخْلُو عَنْ حِكْمَةٍ (قَالَ أَبُو قِلَابَةَ بَدَأَ) أَيِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (ثُمَّ قَالَ) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ ثُمَّ قَالَ أَبُو قِلَابَةَ (وَأَيُّ رَجُلٍ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ فَأَيُّ رَجُلٍ (يُعِفُّهُمُ اللَّهُ بِهِ) مِنَ الْإِعْفَافِ أَيْ يَكُفُّهُمْ بِهِ عَمَّا لَا يَحِلُّ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ
3 -
(باب ما جاء في الضيافة وغاية الضيافة إلى كم هي)
قَوْلُهُ [1967](أَبْصَرَتْ عَيْنَايَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَسَمِعَتْهُ أُذُنَايَ حِينَ تَكَلَّمَ بِهِ) فَائِدَةُ ذِكْرِهِ التَّوْكِيدُ (مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ يُؤْمِنُ الْإِيمَانَ الْكَامِلَ وَخَصَّهُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ إِشَارَةً إِلَى الْمَبْدَأِ وَالْمَعَادِ أَيْ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ الَّذِي خَلَقَهُ وَآمَنَ بِأَنَّهُ سَيُجَازِيهِ بِعَمَلِهِ (فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ) قَالُوا إِكْرَامُ الضَّيْفِ بِطَلَاقَةِ الْوَجْهِ وَطِيبِ الْكَلَامِ وَالْإِطْعَامِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْأَوَّلِ بِمَقْدُورِهِ وَمَيْسُورِهِ وَالْبَاقِي بِمَا حَضَرَهُ مِنْ غَيْرِ تَكَلُّفٍ وَلِئَلَّا يَثْقُلَ عَلَيْهِ وَعَلَى نَفْسِهِ وَبَعْدَ الثَّلَاثَةِ يُعَدُّ مِنَ الصَّدَقَاتِ إِنْ شَاءَ فَعَلَ وَإِلَّا فَلَا (جَائِزَتَهُ) هِيَ الْعَطَاءُ مُشْتَقَّةٌ مِنَ الْجَوَازِ لِأَنَّهُ حَقُّ جَوَازِهِ عَلَيْهِمْ وَانْتِصَابُهُ بِأَنَّهُ مَفْعُولٌ ثَانٍ لِلْإِكْرَامِ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْإِعْطَاءِ أَوْ هُوَ كَالظَّرْفِ أَوْ مَنْصُوبٌ بِنَزْعِ الْخَافِضِ أَيْ بِجَائِزَتِهِ (قَالَ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ) أَيْ جَائِزَتُهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ
وَجَوَازُ وُقُوعِ الزَّمَانِ خَبَرًا عَنِ الْجَنَّةِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ لَهُ حُكْمَ الظَّرْفِ وَإِمَّا فِيهِ مُضَافٌ مُقَدَّرٌ تَقْدِيرُهُ أَيْ زَمَانُ جَائِزَتِهِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ (وَالضِّيَافَةُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَمَا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ صدقة) قال بن بَطَّالٍ سُئِلَ عَنْهُ مَالِكٌ فَقَالَ يُكْرِمُهُ وَيُتْحِفُهُ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ضِيَافَةً
قَالَ الْحَافِظُ اخْتَلَفُوا هَلِ الثَّلَاثُ غَيْرُ الْأُوَلِ أَوْ يُعَدُّ مِنْهَا فَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ يَتَكَلَّفُ لَهُ فِي
الْيَوْمِ الْأَوَّلِ بِالْبِرِّ وَالْإِلْطَافِ وَفِي الثَّانِي وَالثَّالِثِ يُقَدِّمُ لَهُ مَا حَضَرَهُ وَلَا يَزِيدُهُ عَلَى عَادَتِهِ ثُمَّ يُعْطِيهِ مَا يَجُوزُ بِهِ مَسَافَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَتُسَمَّى الْجِيزَةُ وَهِيَ قَدْرُ مَا يَجُوزُ بِهِ الْمُسَافِرُ مِنْ مَنْهَلٍ إِلَى مَنْهَلٍ
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ الْآخَرُ أُجِيزُوا الْوَفْدَ بِنَحْوِ مَا كُنْتُ أُجِيزُهُمْ
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ إِذَا نَزَلَ بِهِ الضَّيْفُ أَنْ يُتْحِفَهُ وَيَزِيدَهُ فِي الْبِرِّ عَلَى مَا بِحَضْرَتِهِ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَفِي الْيَوْمَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ يُقَدِّمُ لَهُ مَا يَحْضُرُهُ فَإِذَا مَضَى الثَّلَاثُ فَقَدْ قَضَى حَقَّهُ فَمَا زَادَ عَلَيْهَا مِمَّا يُقَدِّمُهُ لَهُ يَكُونُ لَهُ صَدَقَةً
وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ عِنْدَ أَحْمَدَ وَمُسْلِمٍ بِلَفْظِ الضِّيَافَةُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَجَائِزَتُهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى الْمُغَايَرَةِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَأَجَابَ الطِّيبِيُّ بِأَنَّهَا جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ بَيَانٌ لِلْجُمْلَةِ الْأُولَى كَأَنَّهُ قِيلَ كَيْفَ يُكْرِمُهُ قَالَ جَائِزَتُهُ وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ مُضَافٍ أَيْ زَمَانُ جَائِزَتِهِ أَيْ بِرُّهُ وَالضِّيَافَةُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ
فَهَذِهِ الرِّوَايَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَرِوَايَةُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَلَى الْيَوْمِ الْأَخِيرِ أَيْ قَدْرَ مَا يَجُوزُ بِهِ الْمُسَافِرُ مَا يَكْفِيهِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ
فَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَى هَذَا عَمَلًا بِالرِّوَايَتَيْنِ انْتَهَى
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَجَائِزَتَهُ بَيَانًا لِحَالَةٍ أُخْرَى وَهِيَ أَنَّ الْمُسَافِرَ تَارَةً يُقِيمُ عِنْدَ مَنْ يَنْزِلُ عَلَيْهِ فَهَذَا لَا يُزَادُ عَلَى الثَّلَاثِ بِتَفَاصِيلِهَا أَوْ تَارَةً لَا يُقِيمُ فَهَذَا يُعْطَى مَا يَجُوزُ بِهِ قَدْرَ كِفَايَتِهِ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَلَعَلَّ هَذَا أَعْدَلَ الْأَوْجُهِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ
قَالَ النَّوَوِيُّ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى الضِّيَافَةِ وَأَنَّهَا مِنْ مُتَأَكِّدَاتِ الْإِسْلَامِ
ثُمَّ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى وَالْجُمْهُورُ وَهِيَ سُنَّةٌ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ
وَقَالَ اللَّيْثُ وَأَحْمَدُ هِيَ وَاجِبَةٌ يَوْمًا وَلَيْلَةً عَلَى أَهْلِ الْبَادِيَةِ وَأَهْلِ الْقُرَى دُونَ أَهْلِ الْمُدُنِ وَتَأَوَّلَ الْجُمْهُورُ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ وَأَشْبَاهَهَا عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَتَأَكُّدِ حَقِّ الضَّيْفِ كَحَدِيثِ غُسْلِ الْجُمُعَةِ واجب على كل محتلم أَيْ مُتَأَكِّدُ الِاسْتِحْبَابِ وَتَأَوَّلَهَا الْخَطَّابِيُّ رحمه الله وَغَيْرُهُ عَلَى الْمُضْطَرِّ انْتَهَى
قُلْتُ قَدِ اخْتَارَ الْقَاضِي الشَّوْكَانِيُّ وُجُوبَ الضِّيَافَةِ وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِدَلَائِلَ عَدِيدَةٍ فَقَالَ فِي النَّيْلِ وَالْحَقُّ وُجُوبُ الضِّيَافَةِ لِأُمُورٍ ثُمَّ ذَكَرَهَا فَمِنْهَا إِبَاحَةُ الْعُقُوبَةِ بِأَخْذِ الْمَالِ لِمَنْ تَرَكَ ذَلِكَ وَهَذَا لَا يَكُونُ فِي غَيْرِ وَاجِبٍ وَمِنْهَا قَوْلُهُ فَمَا كَانَ وَرَاءَ ذَلِكَ فَهُوَ صَدَقَةٌ فَإِنَّهُ صَرِيحٌ أَنَّ مَا قَبْلَ ذَلِكَ غَيْرُ صَدَقَةٍ بَلْ وَاجِبٌ شَرْعًا وَمِنْهَا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةُ الضَّيْفِ حَقٌّ وَاجِبٌ فَهَذَا تَصْرِيحٌ بِالْوُجُوبِ لَمْ يَأْتِ مَا يَدُلُّ عَلَى تَأْوِيلِهِ
قُلْتُ وُجُوبُ الضِّيَافَةِ هُوَ الظَّاهِرُ الرَّاجِحُ عِنْدِي وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ