الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْمُخَاطَبُ خِطَابًا عَامًّا (أَخَاكَ) أَيِ الْمُسْلِمَ (بِمَا يَكْرَهُ) أَيْ بِمَا لَوْ سَمِعَهُ لَكَرِهَهُ
قَالَ النَّوَوِيُّ اعْلَمْ أَنَّ الْغِيبَةَ مِنْ أَقْبَحِ الْقَبَائِحِ وَأَكْثَرِهَا انْتِشَارًا فِي النَّاسِ حَتَّى لَا يَسْلَمُ مِنْهَا إِلَّا الْقَلِيلُ مِنَ النَّاسِ وَذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ عَامٌّ سَوَاءً كَانَ فِي بَدَنِهِ أَوْ دِينِهِ أَوْ دُنْيَاهُ أَوْ نَفْسِهِ أَوْ خُلُقِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ وَلَدِهِ أَوْ وَالِدِهِ أَوْ زَوْجِهِ أَوْ خَادِمِهِ أَوْ ثَوْبِهِ أَوْ مَشْيِهِ وَحَرَكَتِهِ وَبَشَاشَتِهِ وَعُبُوسَتِهِ وَطَلَاقَتِهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهِ سَوَاءٌ ذَكَرْتَهُ بِلَفْظِكَ أَوْ كِتَابِكَ أَوْ رَمَزْتَ أَوْ أَشَرْتَ إِلَيْهِ بِعَيْنِكَ أَوْ يَدِكَ أَوْ رَأْسِكَ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَضَابِطُهُ أَنَّ كُلَّ مَا أَفْهَمْتَ بِهِ غَيْرَكَ نُقْصَانَ مُسْلِمٍ فَهُوَ غِيبَةٌ مُحَرَّمَةٌ وَمِنْ ذَلِكَ الْمُحَاكَاةُ بِأَنْ يَمْشِيَ مُتَعَرِّجًا أَوْ مُطَأْطَأً أَوْ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْهَيْئَاتِ مُرِيدًا حِكَايَةَ هَيْئَةِ مَنْ يُنَقِّصُهُ بِذَلِكَ (قَالَ أَرَأَيْتَ) أَيْ أَخْبِرْنِي (إِنْ كَانَ فِيهِ) أَيْ فِي الْأَخِ (مَا أَقُولُ) مِنَ الْمَنْقَصَةِ وَالْمَعْنَى
أَيَكُونُ حِينَئِذٍ ذِكْرُهُ بِهَا أَيْضًا غِيبَةً كَمَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ عُمُومِ ذِكْرِهِ بِمَا يَكْرَهُ (قَالَ إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ) أَيْ مِنَ الْعَيْبِ (فَقَدِ اغْتَبْتَهُ) أَيْ لَا مَعْنَى لِلْغِيبَةِ إِلَّا هَذَا وَهُوَ أَنْ تَكُونَ الْمَنْقَصَةُ فِيهِ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدْ بَهَتَّهُ) بِفَتْحِ الْهَاءِ الْمُخَفَّفَةِ وَتَشْدِيدِ التَّاءِ عَلَى الْخِطَابِ أَيْ قُلْتَ عَلَيْهِ الْبُهْتَانَ وَهُوَ كَذِبٌ عَظِيمٌ يُبْهَتُ فِيهِ مَنْ يُقَالُ فِي حَقِّهِ
قَوْلُهُ (وفي الباب عن أبي برزة وبن عُمَرَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو) وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي بَرْزَةَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ ص 124 ج 4
وأما حديث بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالطَّبَرَانِيُّ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ كَذَا فِي التَّرْغِيبِ
وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَأَخْرَجَهُ الْأَصْبَهَانِيُّ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّهُمْ ذَكَرُوا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلًا فَقَالُوا لَا يَأْكُلُ حَتَّى يُطْعَمَ وَلَا يَرْحَلُ حَتَّى يُرْحَلَ لَهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم اغْتَبْتُمُوهُ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا حَدَّثَنَا بِمَا فِيهِ قَالَ حَسْبُكَ إِذَا ذَكَرْتَ أَخَاكَ بِمَا فِيهِ
4 -
(بَاب مَا جَاءَ فِي الْحَسَدِ)
وَهُوَ تَمَنِّي الشَّخْصِ زَوَالَ النِّعْمَةِ عَنْ مُسْتَحِقٍّ لَهَا أَعَمُّ مِنْ أَنْ يسعى في ذلك أولا فإن
سَعَى كَانَ بَاغِيًا وَإِنْ لَمْ يَسْعَ فِي ذَلِكَ وَلَا أَظْهَرَهُ وَلَا تَسَبَّبَ فِي تَأْكِيدِ أَسْبَابِ الْكَرَاهَةِ الَّتِي نُهِيَ الْمُسْلِمُ عَنْهَا فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ نَظَرٌ فَإِنْ كَانَ الْمَانِعُ لَهُ مِنْ ذَلِكَ الْعَجْزُ بِحَيْثُ لَوْ تَمَكَّنَ لَفَعَلَ فَهَذَا مَأْزُورٌ وَإِنْ كَانَ الْمَانِعُ لَهُ مِنْ ذَلِكَ التَّقْوَى فَقَدْ يُعْذَرُ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ دَفْعَ الْخَوَاطِرِ النَّفْسَانِيَّةِ فَيَكْفِيهِ فِي مُجَاهَدَاتِهَا أَنْ لَا يَعْمَلَ بِهَا وَلَا يَعْزِمَ عَلَى الْعَمَلِ بِهَا
وَقَدْ أَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عن إسماعيل بن عُلَيَّةَ رَفَعَهُ ثَلَاثٌ لَا يَسْلَمُ مِنْهَا أَحَدٌ الطِّيَرَةُ وَالظَّنُّ وَالْحَسَدُ قِيلَ فَمَا الْمَخْرَجُ مِنْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ إِذَا تَطَيَّرْتَ فَلَا تَرْجِعْ وَإِذَا ظَنَنْتَ فَلَا تُحَقِّقْ وَإِذَا حَسَدْتَ فَلَا تَبْغِ
وَعَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ مَا مِنْ آدَمِيٍّ إِلَّا وَفِيهِ الْحَسَدُ فَمَنْ لَمْ يُجَاوِزْ ذَلِكَ إِلَى الْبَغْيِ وَالظُّلْمِ لَمْ يَتْبَعْهُ مِنْهُ شَيْءٌ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي
قَوْلُهُ [1935](لَا تَقَاطَعُوا) أَيْ لَا يُقَاطِعُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَالتَّقَاطُعُ ضِدُّ التَّوَاصُلِ (وَلَا تَدَابَرُوا) قَالَ الْخَطَّابِيُّ لَا تَتَهَاجَرُوا فَيَهْجُرَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ مَأْخُوذٌ مِنْ تَوْلِيَةِ الرَّجُلِ الْآخَرَ دُبُرَهُ إِذَا أَعْرَضَ عَنْهُ حين يراه
وقال بن عَبْدِ الْبَرِّ قِيلَ لِلْإِعْرَاضِ مُدَابَرَةٌ لِأَنَّ مَنْ أَبْغَضَ أَعْرَضَ وَمَنْ أَعْرَضَ وَلَّى دُبُرَهُ وَالْمُحِبُّ بِالْعَكْسِ انْتَهَى
(وَلَا تَبَاغَضُوا) أَيْ لَا تَتَعَاطَوْا أَسْبَابَ الْبُغْضِ لِأَنَّ الْبُغْضَ لَا يُكْتَسَبُ ابْتِدَاءً (وَلَا تَحَاسَدُوا) أَيْ لَا يَتَمَنَّى بَعْضُكُمْ زَوَالَ نِعْمَةِ بَعْضٍ سَوَاءٌ أَرَادَهَا لِنَفْسِهِ أَوْ لَا (وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا) أَيْ يَا عِبَادَ اللَّهِ بِحَذْفِ حَرْفِ النِّدَاءِ وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أنكم عبيد الله فحقكم أن تتواخوا بِذَلِكَ وَقِيلَ قَوْلُهُ عِبَادَ اللَّهِ خَبَرٌ لِقَوْلِهِ كُونُوا وَإِخْوَانًا خَبَرٌ ثَانٍ لَهُ
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ الْمَعْنَى كُونُوا كَإِخْوَانِ النَّسَبِ فِي الشَّفَقَةِ وَالرَّحْمَةِ وَالْمَحَبَّةِ وَالْمُوَاسَاةِ وَالْمُعَاوَنَةِ وَالنَّصِيحَةِ (وَلَا يَحِلُّ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثٍ) تَقَدَّمَ شَرْحُهُ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مَالِكٌ وَالْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَخْصَرَ مِنْهُ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ والزبير بن العوام وبن عمر وبن مسعود وأبي
هُرَيْرَةَ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ ص 3 ج 1
وَأَمَّا حَدِيثُ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالْبَزَّارُ بإسناد جيد والبيهقي
وأما حديث بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ هَذَا
وَأَمَّا حَدِيثُ بن مَسْعُودٍ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ مَالِكٌ وَالشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُدَ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مُخْتَصَرًا فِي بَابِ ظَنِّ السَّوْءِ
قَوْلُهُ [1936](لَا حَسَدَ) قَالَ الْعُلَمَاءُ الْحَسَدُ قِسْمَانِ حَقِيقِيٌّ وَمَجَازِيٌّ فَالْحَقِيقِيُّ تَمَنِّي زَوَالِ النِّعْمَةِ عَنْ صَاحِبِهَا وَهَذَا حَرَامٌ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ مَعَ النُّصُوصِ الصَّحِيحَةِ وَأَمَّا الْمَجَازِيُّ فَهُوَ الْغِبْطَةُ وَهُوَ أَنْ يَتَمَنَّى مِثْلَ النِّعْمَةِ الَّتِي عَلَى غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ زَوَالِهَا عَنْ صَاحِبِهَا فَإِنْ كَانَتْ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا كَانَتْ مُبَاحَةً وَإِنْ كَانَتْ طَاعَةً فَهِيَ مُسْتَحَبَّةٌ
وَالْمُرَادُ بِالْحَسَدِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَعْنَاهُ الْمَجَازِيُّ أَيْ لَا غِبْطَةَ مَحْبُوبَةً إِلَّا فِي هَاتَيْنِ الْخَصْلَتَيْنِ وَمَا فِي مَعْنَاهُمَا (إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ) بِتَاءِ التَّأْنِيثِ أَيْ لَا حَسَدَ مَحْمُودًا فِي شَيْءٍ إِلَّا فِي خَصْلَتَيْنِ وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ (رَجُلٌ) بِالرَّفْعِ وَالتَّقْدِيرُ خَصْلَةُ رَجُلٍ حُذِفَ الْمُضَافُ وَأُقِيمَ الْمُضَافُ إِلَيْهِ مَقَامَهُ (آتَاهُ اللَّهُ) بِالْمَدِّ فِي أَوَّلِهِ أَيْ أَعْطَاهُ اللَّهُ مِنَ الْإِيتَاءِ وَهُوَ الْإِعْطَاءُ (مَالًا) نَكِرَةً لِيَشْمَلَ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ (فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النهار) قال النووي أي ساعاته وواحدة إنا وأنا وَإِنْيٌ وَإِنْوٌ أَرْبَعُ لُغَاتٍ انْتَهَى
وَقَالَ فِي الصُّرَاحِ آنَاءُ اللَّيْلِ سَاعَاتُهُ وَاحِدُهَا إِنًى مِثْلُ مِعًى وَأَمْعَاءٌ وَإِنْيٌ وأَنْوٌ أَيْضًا يُقَالُ مَضَى إِنْوَانِ وَإِنْيَانِ مِنَ اللَّيْلِ انْتَهَى
(فَهُوَ يَقُومُ بِهِ) الْمُرَادُ بِالْقِيَامِ بِهِ الْعَمَلُ مُطْلَقًا أَعَمُّ مِنْ تِلَاوَتِهِ دَاخِلَ الصَّلَاةِ أَوْ خَارِجَهَا مِنْ تَعْلِيمِهِ وَالْحُكْمِ وَالْفَتْوَى بِمُقْتَضَاهُ
وَلِأَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ الْأَخْنَسِ السُّلَمِيِّ رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ فَهُوَ يَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ وَيَتَّبِعُ مَا فِيهِ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ
قَوْلُهُ (وَقَدْ رُوِيَ عن بن مَسْعُودٍ) أَخْرَجَ رِوَايَتَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْعِلْمِ وَفِي الزَّكَاةِ وَفِي الْأَحْكَامِ وَفِي الِاعْتِصَامِ وَمُسْلِمٌ فِي الصلاة والنسائي في العلم وبن مَاجَهْ فِي الزُّهْدِ (وَأَبِي هُرَيْرَةَ إِلَخْ) أَخْرَجَ رِوَايَتَهُ الْبُخَارِيُّ فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ وَالنَّسَائِيُّ