الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المجلد الثاني
باب ما جاء في التغليظ فيمن عبد الله عند قبر رجل صالح فكيف إذا عبده
؟!
…
باب ما جاء في التغليظ فيمن عبد الله عند قبر رجل صالح فكيف إذا عبده؟!
في "الصحيح" عن عائشة رضي الله عنها أن أم سلمة رضي الله عنها ذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم كنيسة رأتها بأرض الحبشة وما فيها من الصور..
المتنطع: الباحث عما لا يعنيه، أو الذي يدقق نظره في الفروق البعيدة فيفرق بين متلائمين، أو يجمع بين متفرقين، فهذا النظر والبحث غير مرضي ولا محمود. قال ابن مسعود رضي الله عنه "إياكم والتنطع والتعمق وعليكم بالعتيق1") 2، يعني: ما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم، يعني: اتركوا البدعة، فإنها بريد من الشرك، وإنما يعبد الله بما شرع، ولا يعبد بالأهواء3 والبدع.
{باب ما جاء في التغليظ فيمن عبد الله عند قبر رجل صالح فكيف إذا عبده}
{في"الصحيح" عن عائشة رضي الله عنها أن أم سلمة رضي الله عنها "ذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم كنيسة رأتها بأرض الحبشة وما فيها من الصور"} الكنيسة متعبد اليهود والنصارى، أو الكفار، والبيعة للنصارى،
_________
1 في كل النسخ مصحفة إلى: (التعتيق) .
2 "الباعث على إنكار البدع والحوادث": (ص 15)، وفي أوله: تعلموا العلم قبل أن يقبض وقبضه ذهاب أهله ألا وإياكم
…
وذكره.
3 في"ر"بالإفراد: (بالهوى) .
فقال: " أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح أو العبد الصالح بنو على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله " فهؤلاء جمعوا بين الفتنتين: فتنة القبور، وفتنة التماثيل.
ولهما عنها قالت: لما نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم طفق يطرح خميصة له على وجهه فإذا اغتم بها كشفها.
والجمع: بيع، ذكرتها أم سلمة1 في مرض موت النبي صلى الله عليه وسلم {فقال:" أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح أو العبد الصالح} شك من الراوي {بنو على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله "2 فهؤلاء جمعوا بين الفتنتين3 فتنة القبور، وفتنة التماثيل4} أي: التصاوير. {ولهما عنها قالت لما نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم} أي: نزل به ملك الموت والملائكة الكرام عليهم السلام {طفق} أي: جعل {يطرح خميصة [له] 5 على وجهه} الخميصة: ثوب له أعلام {فإذا [اغتم] 6 بها كشفها}
_________
1 قوله: (أم سلمة) سقطت من النسخ كلها غير"الأصل".
2 [.. 1 ح]"صحيح البخاري مع الفتح": (1/ 531، ح 434) ، كتاب الصلاة، باب الصلاة في البيعة. و"صحيح مسلم مع شرح النووي":(5/ 14، ح 16) ، كتاب المساجد، ومواضع الصلاة، باب النهي عن بناء المساجد على القبور
…
انظر بقية التخريج للحديث في الملحق.
3 في"المؤلفات"بالتنكير: (فتنتين) ، والمثبت هو الموافق للمصدر.
4 هذا من كلام ابن القيم، نقله عنه الشيخ محمد بن عبد الوهاب. انظر:"إغاثة اللهفان": (1/ 287) .
5 إضافة: (له) من"المؤلفات"، وهو الموافق لما في أصل الحديث.
6 ما بين القوسين من"ع"، و"المؤلفات"، وهو المواقق لأصل الحديث، وفي بقية النسخ:(غم) .
فقال -وهو كذلك-: "لعنة الله على اليهود والنصارى.
أي: رفعها عن وجهه {فقال- وهو كذلك-:} في النزع " لعنة الله على اليهود والنصارى "1 وفي رواية أبي هريرة: " قاتل الله اليهود والنصارى "2 أصله اليهوديون حذفت منه ياء النسبة واشتقاقه من الهود، وهو التوبة والميل والرجوع من الشيء إلى ضده، يقال: هاد إذا تاب أو مال أو رجع من خير أو شر وعليه قوله تعالى: {إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ} 3 أي: تبنا إليك أو ملنا أو رجعنا إليك [فسموا] 4 بذلك لأنهم تابوا عن عبادة العجل، ومالوا عن5 الحق إلى الباطل، ورجعوا من الخير إلى الشر،6 والنصارى: جمع نصران ونصرانه كندامى في جمع ندمان وندمانة، واشتقاقه قيل: من النصرة، لنصرة بعضهم بعضا، أو سموا بذلك نسبة إلى قرية تسمى
_________
1 [101 ح] انظر لبيان هذه العبارة ومثيلاتها من الروايات الأخرى في الملحق. فقد روى الحديث- أيضا- أبو هريرة، وابن عباس، وأسامة بن زيد- رضي الله عنهم.
2 [101 ج]"مسند الإمام أحمد": (2/ 285، 454، 518) ."السنن الكبرى"للبيهقي: (6/ 135)، و"دلائل النبوة"له:(7/ 204) . الحديث رُوي عن أبي هريرة، وعن عمر بن عبد العزيز مرسلا. انظر بقية الروايات للتفريق بينها وبين هذه في الملحق.
3 سورة الأعراف، الآية:156.
4 في"الأصل": (فسمعوا) ، وهو خطأ من الناسخ، والصواب ما أثبته من بقية النسخ.
5 في بقية النسخ غير"الأصل": (ومالوا من الحق) .
6"القاموس المحيط": (ص 420) ، هود، و"لسان العرب":(3/ 439)، مادة:(هود)، و"تفسير البغوي":(1/ 78- 79) ، تفسير سورة البقرة، الآية:62.
اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد
ناصرة1 " اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد "} قال في"التوشيح": هو في اليهود واضح،2 وفي النصارى مشكل3 إذ نبيهم لم يقبر بل لا يزعمون نبوة عيسى عليه الصلاة والسلام بل يدعون فيه أنه ابن الله، أو إله، ولا هو ميت حتى يكون له قبر فيشكل ضمهم إلى اليهود، ووجه بأن لهم أنبياء غير رسل كالحواريين ومريم في قول، أو الجمع في قوله أنبيائهم: بأن الجمع من اليهود والنصارى، والمراد الأنبياء، ويؤيده رواية مسلم:" قبور أنبيائهم وصالحيهم "4، والمراد اتخاذ أعم من الابتداع والاتباع،
_________
1 انظر"لسان العرب": (5/ 211)، مادة:(نصر)، و"تفسير البغوي":(1/ 79) .
2 [101 ح]"صحيح البخاري مع الفتح": (1/ 532، ح 435، 436) ، كتاب الصلاة، باب 55، و (3/ 200،ح1330) ، كتاب الجنائز، باب ما يكره من اتخاذ المساجد."صحيح مسلم مع شرح النووي":(5/ 15، 16، ح 19/ 529، ح 21/ 530) ، كتاب المساجد، باب النهي عن بناء المسجد على القبور. انظر بقية التخريج في الملحق. وقد جاءت روايات تفرد اليهود باللعن وقد خرجتها في الملحق. انظر:(101 ح)، ومنها ما أخرجه الإمام أحمد في"مسنده":(2/ 366)، عن أبي هريرة:"لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد".
3 أحال الشارح هذا الاستشكال إلى كتاب"التوشيح"، ولم أجد هذا الكتاب، إلا أنني وقفت على هذا الاستشكال ورده في"فتح الباري"لابن حجر:(1/ 532) .
4 هذا جزء من حديث في"صحيح مسلم". انظره مع"شرح النووي": (5/ 16- 17، ح 23) ، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب النهي عن بناء المساجد على القبور واتخاذ الصور فيها، والنهي عن اتخاذ القبور مساجد. أخرجه ابن سعد في"الطبقات":(2/ 240) عن جندب."البداية والنهاية"لابن كثير: (6/ 305) . والحديث سيأتي ذكره كاملا في متن"كتاب التوحيد": (ص 231) .
يحذر مما صنعوا، ولو ذلك أبرز قبره غير أنه خشي أن يتخذ مسجدا " أخرجاه.
فاليهود ابتدعت، والنصارى اتبعت، ولا ريب أن النصارى تعظم كثيرا من القبور التي تعظمها، والمراد قبور المسلمين خشية أن يعبد فيها القبور بقرينة1 خبر:
"اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد"2 قالت عائشة- رضي الله عنها3 -: {يحذر} أمته {مما4 صنعوا5} "، ولولا ذلك [أبرز] 6 قبره، غير أنه خشي أن يتخذ مسجدا7} فيصلى فيه {أخرجاه} 8 وقد نهى صلى الله عليه وسلم
_________
1 في"ر"، و"ع"، و"ش"صحفت هذه الكلمة إلى:(يقبر فيه، يقر فيه، يقر) على الترتيب، وما أثبته من"الأصل".
2 [102 ح]"موطأ الإمام مالك": (1/ 172، ح 85) ، كتاب قصر الصلاة في السفر، باب 24، و"مسند الإمام أحمد":(2/ 246)،"حلية الأولياء"لأبي نعيم:(7/ 317) . والحديث رُوي عن أبي هريرة، وزيد بن أسلم، وفي"الموطأ"من طريق عطاء بن يسار. والحديث قال الألباني عنه في"تحذير الساجد" (ص 19) : سنده صحيح. انظر لزيادة تخريجه في الملحق.
3 قوله: (قالت عائشة- رضي الله عنها) سقطت من كل النسخ غير"الأصل".
4 في "المؤلفات": (مما صنعوا) ، وهو الموافق لما في "صحيح البخاري".
5 قوله: (يحذر مما صنعوا) من كلام عائشة وهو في "صحيح البخاري".انظره مع"الفتح": (1/ 532، ج 435، 436)، و"صحيح مسلم". انظره مع"شرح النووي":(5/ 16، ح 22/ 531) .
6 هذا من"المؤلفات"، وهو الموافق لما في أصل الحديث، وفي"الأصل"، و"ع"، و"ش":(لأبرز)، وفي"ر":(لبرز) .
7 قوله: (ولولا ذلك لأبرز قبره غير أنه خشي أن يتخذ مسجدا) - أيضا- هو من كلام عائشة- رضي الله عنها، وهو في"صحيح البخاري". انظره مع"الفتح":(3/ 255، ح 1390)، و"صحيح مسلم". انظره مع"شرح النووي":(5/ 15، ح 19/ 529) .
8 تقدم تخريج الحديث في أوله عند قول النبي صلى الله عليه وسلم:"لعنة الله على اليهود والنصارى" وانظر الملحق: (101 ح) .
عن تجصيص القبور كما رواه مسلم عن جابر،1 ونهى عن الكتابة عليها، وأن يزاد عليها غير ترابها، كما رواه أبو داود عن جابر.2
وهؤلاء يتخذون الألواح ويكتبون عليها القرآن وغيره، ويزيدون عليها التراب والآجر والأحجار، فحادوا الله ورسوله وناقضوه.
فرع: اختلف أصحابه في موضع قبره صلى الله عليه وسلم فقال قوم: ندفنه في البقيع، وقال آخرون: في المسجد، وقال قوم: يحبس حتى يحمل إلى أبيه إبراهيم، فقال أبو بكر -رضي الله عنه3 -: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "ما دفن نبي إلا حيث يموت "4 أخرجه ابن ماجه، ومالك في"الموطأ"، وغيرهما،5 وكان
1 انظر الحديث في هذا في"صحيح مسلم مع شرح النووي": (7/ 41، ح 94) ، كتاب الجنائز، باب 32.
2"سنن أبي داود": (3/ 552-553، ح 3226) ، كتاب الجنائز، باب في البناء على القبر. والحديث صححه الألباني. انظر:"صحيح سنن أبي داود": (2/ 621، ح 2763) .
3 جاء هنا في النسخ الثلاث غير"الأصل"زيادة كلمة: (يقول) ولا معنى لزيادتها.
4 الترمذي: الجنائز (1018) ، وأحمد (1/7) .
5 [103 ح]"سنن ابن ماجه": (1/ 520- 521، ح 1628) ، كتاب الجنائز، باب ذكر وفاته ودفنه صلى الله عليه وسلم."موطأ مالك":(1/ 231، ح 27) ، كتاب الجنائز، باب ما جاء في دفن الميت. انظر:"سنن الترمذي": (3/ 329، ح 1018) ، كتاب الجنائز، باب 33. الحديث في المصادر السابقة لم يأت بهذا اللفظ وأقربها ما جاء في"الموطأ"بلفظ:"ما دفن نبي قط إلا في مكانه الذي توفي فيه". قال الألباني في"أحكام الجنائز"(ص 137) عنه: حديث ثابت بما له من الطرق والشواهد ثم ذكرها. وقال ابن حجر في"الفتح"(1/ 529) : هذا الحديث رواه ابن ماجه
…
وفي إسناده حسين بن عبد الله الهاشمي وهو ضعيف، ثم ذكر رو، الآية أخرى للحديث من"سنن النسائي الكبرى"وقال بعدها: إسناده صحيح لكنه موقوف. لزيادة التخريج انظر الملحق.
ولمسلم عن جندب بن عبد الله قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس، وهو يقول: " إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل، فإن الله قد اتخذني خليلا.
موته في بيته، وهو بيت عائشة الذي كانت تسكنه، فدفن فيه، وهو ملاصق المسجد.
{ولمسلم عن جندب بن عبد الله1} رضي الله عنه {قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت2 بخمس، وهو يقول:" إني3 أبرأ4 إلى الله أن يكون لي منكم خليل، فإن الله قد اتخذني خليلا" انقطع إليه، ولا
_________
1 هو: جندب بن عبد الله بن سفيان البجلي، العلقي، صاحب النبي صلى الله عليه وسلم ، ذكره البخاري في"التاريخ"فيمن توفي من الستين إلى السبعين من أقواله:(قد أظلتكم فتنة من قام لها أردته)، قال فقلنا: فما تأمرنا- أصلحك الله- إن دخل علينا مصرنا؟ قال: (ادخلوا دوركم)، قلنا: فإن دخل علينا دورنا؟ قال: (ادخلوا بيوتكم)، قلنا: فإن دخل علينا بيوتنا؟ قال: (ادخلوا مخادعكم)، قلنا: فإن دخل علينا مخادعنا؟ قال: (كن عبد الله المقتول ولا تكن عبد الله القاتل) . انظر ترجمته في:"أسد الغابة": (1/ 360- 361)،"الإصابة":(2/ 104- 105)،"الطبقات"لابن سعد:(6/ 35) .
2 في"ع"، و"ش":(قبل موته) ، والمثبت من النسخ الأخرى و"المؤلفات"هو الموافق لأصل الحديث.
3 في النسخ المخطوطة: (يقول في خطبته)، وفي"المؤلفات"وأصل الحديث بدون قوله:(في خطبته) ، وقد صححت النص بهذا.
4 هكذا في"الأصل"، و"المؤلفات"، وهو كذلك في"صحيح مسلم"، وفي بقية النسخ: (أنا أبرأ
…
) .
كما اتخذ إبراهيم خليلا.
يسعه مخالة غيره، ولجأ إليه في سد خلالته فكفاه ووقاه، ولا يحتاج إلى المخلوقين، قال ابن القيم -رحمه الله تعالى-:(الخلة تتضمن كمال المحبة ونهايتها، بحيث لا يبقى في قلب المحب سعة لغير محبوبه، وهي منصب لا يقبل المشاركة بوجه ما) 1 {كما اتخذ إبراهيم خليلا} قال الله تعالى: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً} 2 ولما أظهر الجعد بن درهم3 إنكار كلام الله لموسى ومخالته لإبراهيم ضحى به خالد بن عبد الله القسري45 في آخر دولة بني أمية، فخطب خالد الناس يوم عيد
_________
1"الجواب الكافي"لابن القيم: (ص 275)، وانظر:"روضة المحبين": (ص 47) بنحوه.
2 قوله: (قال الله تعالى {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً} سقط من النسخ غير"الأصل".
3 هو: جعد بن درهم من الموالي، وكان من أهل الشام، وهو شيخ الجهم بن صفوان الذي تنسب إليه الجهمية. وقد كان ابتدع القول بأن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا، ولا كلم موسى تكليما وأن ذلك لا يجوز على الله. وقد قال له وهب: إني لأظنك من الهالكين، لو لم يخبرنا الله أن له يدا وأن له عينا ما قلنا ذلك، وقد قتله خالد بن عبد الله القسري يوم العيد سنة 118 هـ. انظر ترجمته في:"ميزان الاعتدال": (1/ 399)،"سير أعلام النبلاء":(5/ 433) ،"البد، الآية والنه، الآية": (10/ 22- 23) .
4 في"ر"، و"ش":(القشيري)، وفي"ع":(خالد بن الوليد بن عبد الله القشيري) ، والصواب ما أثبته من"الأصل".
5 هو: خالد بن عبد الله بن يزيد- أبو الهيثم- البجلي القسري الدمشقي، ولي مكة وولي العراق في الخلافة الأموية. قال الذهبي: فيه نصب معروف، وقال ابن معين: رجل سوء يقع في علي، قتل الجعد بن درهم الجهمي المعروف، وقتل المغيرة بن سعيد ى البجلي الرافضي الكذاب. انظر ترجمته في:"سير أعلام النبلاء": (5/ 425- 432)،"وفيات الأعيان":(2/ 226- 231)،"تهذيب التهذيب":(3/ 101)،"شذرات الذهب":(1/ 169) .
ولو كنت متخذا من أمتي خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجد
الأضحى فقال: "يا أيها الناس ضحوا تقبل الله ضحاياكم، وإني مضح بالجعد بن درهم فإنه يزعم أن الله تعالى لم يتخذ إبراهيم خليلا، ولم يكلم موسى تكليما، ثم نزل فذبحه" كما ذكر قصته غير واحد من العلماء، منهم البخاري في كتاب"خلق أفعال العباد"" ولو كنت متخذا من أمتي خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا "1 فيه التصريح بأن الصديق أفضل الصحابة، والإشارة إلى خلافته رضي الله عنه {ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم2 مساجد3} فيه الرد على الطائفتين اللتين هما أشر أهل البدع، بل أخرجهم بعض السلف من الثنتين والسبعين فرقة، وهم الرافضة والجهمية، وبسبب الرافضة حدث الشرك وعبادة القبور وهم أول
_________
1 الترمذي: الدعوات (3373)، وابن ماجه: الدعاء (3827) .
2 هكذا في جميع النسخ وكذا في"المؤلفات"، ولكن في"صحيح مسلم"زيد قوله:(وصالحيهم) .
3 إيراد هذا النص هنا يوقع في اللبس، والأولى إلحاقه بتتمته القادمة في موضع واحد، وتقديم الشرح الآتي بعده لموافقة السياق، لذلك فإن قوله:(فيه الرد على الطائفتين) هنا يوهم أن المراد اليهود والنصارى، وليس كذلك بدليل ما بعده، حيث يقول:(اللتين هما أشر البدع) ، ثم تفسيره لهما بأنهما الرافضة والجهمية.
من بنى عليها المساجد، قال الكرماني1 الجهمية فرقة من المبتدعة ينسبون إلى جهم بن صفوان2 مقدم الطائفة القائلة أن لا قدرة للعبد أصلا وهم الجبرية3 بفتح الجيم وسكون الموحدة، ومات جهم بن صفوان مقتولا في زمن هشام بن عبد الملك،4 وليس الذي أنكروه على الجهمية
1 هو: محمد بن يوسف بن علي الكرماني، عالم بالحديث، أصله من كرمان، واشتهر ببغداد، وتصدى لنشر العلم بها ثلاثين سنة، وأقام بمكة مدة وفيها فرغ من تأليف"شرح صحيح البخاري"، وُلد سنة 717هـ، وتوفي سنة 786هـ. انظر ترجمته في:"الأعلام"للزركلي: (7/ 153)،"الدرر الكامنة":(4/310)،"بغية الوعاة":(120) .
2 هو: جهم بن صفوان- أبو محرز- السمرقندي أس الضلالة ورأس الجهمية الضال المبتدع، كان ينكر الصفات وينزه الباري عنها بزعمه، ويقول بخلق القرآن، ويقول بأن الله في الأمكنة كلها، ويقول الإيمان عقد بالقلب وإن تلفظ بالكفر، هلك سنة 128 هـ. انظر ترجمته في:"سير أعلام النبلاء": (6/ 26- 27)،"ميزان الاعتدال":(1/ 426)،"الكامل"لابن الأثير:(5/ 342- 344) .
3 أي: الخالصة التي لا تثبت للعبد فعلا، فيقولون: لا قدرة للعبد أصلا، والله سبحانه وتعالى لا يعلم الشيء قيل وقوعه، وعلمه تعالى حادث لا في محل. ومن الجبرية متوسطة يسندون الفعل إلى الله، ويثبتون للعبد كسبا. انظر:"لوامع الأنوار": (1/ 90) .
4 هو: هشام بن عبد الملك بن مروان- أبو الوليد- القرشي الأموي، وهو الرابع من ولد عبد الملك الذين ولوا الخلافة، نقل عنه أنه كان يكره سفك الدماء، حفظ له من الشعر:. إذا أنت لم تعص الهوى قادك الهوى إلى بعض ما فيه عليك مقال ولد سنة 70 هـ، ومات سنة 125 هـ. انظر ترجمته في:"البد، الآية والنه، الآية": (9/ 395- 399)،"سير أعلام النبلاء":(5/ 351- 353)،"شذرات الذهب":(1/ 163- 165) .
ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، إني أنهاكم عن ذلك ".
فقد نهى عنه في آخر حياته، ثم إنه لعن وهو في السياق من فعله، والصلاة عندها من ذلك وإن لم يبن مسجد، وهو معنى قولها: أخشى أن يتخذ مسجدا، فإن الصحابة لم يكونوا ليبنوا حول قبره مسجدا وكل موضع قصدت الصلاة فيه فقد اتخذ مسجدا، بل كل موضع يصلى فيه يسمى مسجدا كما قال صلى الله عليه وسلم " جعلت لي الأرض مسجدا وطهورًا "
مذهب الجبر خاصة وإنما الذي أطبق السلف على ذمهم بسبب إنكارهم الصفات، حتى قالوا: إن القرآن ليس كلام الله، وأنه مخلوق، {ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، إني1 أنهاكم عن ذلك2"} قال الشيخ -رحمه الله تعالى-: {فقد نهى عنه في آخر حياته، ثم إنه لعن وهو في السياق من فعله،3 والصلاة عندها من ذلك، وإن لم يبن مسجد وهو معنى قولها: أخشى أن يتخذ مسجدا4 فإن الصحابة لم يكونوا ليبنوا حول قبره مسجدا، وكل موضع قصدت الصلاة فيه فقد اتخذ مسجدا، بل كل موضع يصلى فيه يسمى مسجدا، كما قال صلى الله عليه وسلم " جعلت لي الأرض مسجدا وطهورًا "5.
_________
1 في"ر"، و"المؤلفات":(فإني) ، والمثبت يتفق مع"صحيح مسلم".
2 تقدم ذكر جزء من الحديث في الشرح: (ص 227) ، وخرج هناك.
3 يعني به: حديث"لعنة الله على اليهود والنصارى
…
"الحديث، وقد تقدم تخريجه مختصرا (ص 225) ، وتم تخريجه برقم (101 ح) .
4 جاء في"المؤلفات"قوله: (وهو معنى قولها خشي أن يتخذ مسجدا) ، وهو الموافق لما سبق في الرو، الآية من أن القول هو لعائشة. انظر:(ص 227) .
5 [104 ح] هذا جزء من حديث طويل ذكر فيه الخصال التي ميزت بها هذه الأمة، وهو في:"صحيح البخاري مع الفتح": (1/ 435- 436، ح 335) ، كتاب التيمم باب 1،"صحيح مسلم مع شرح النووي":(5/ 6-7، ح 3/ 521) ، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب 1، والحديث مروي من طريق جابر بن عبد الله في البخاري ومسلم، فهو من المتفق عليه. انظر زيادة تخريجه في الملحق.
ولأحمد بسند جيد عن ابن مسعود مرفوعا: " إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء، والذين يتخذون القبور مساجد ".
ولأحمد بسند جيد عن ابن مسعود مرفوعا: " إن من شرار الناس من تدركهم الساعة " أي: تقوم عليهم {وهم أحياء} وعن ابن مسعود رضي الله عنهقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تقوم الساعة إلا على شرار الناس " رواه مسلم، وأحمد في"مسنده" 1، وعن أنس رضي الله عنهقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض الله الله "2 رواه مسلم، والترمذي، وأحمد في"مسنده" 3 {والذين يتخذون القبور مساجد" 45 يعني: أن الذين يتخذون القبور مساجد كذلك من
_________
1 [105 ح]"صحيح مسلم مع شرح النووي": (18/ 300، ح 131) ، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب قرب الساعة. و"مسند الإمام أحمد":(1/ 394) . انظر زيادة تخريجه في الملحق.
2 في"ر": (لا إله إلا الله)، وقد جاء بهذا اللفط في"المسند":(3/ 268) ، والمثبت من (صحيح مسلم) وغيره.
3 [106 ح]"صحيح مسلم مع شرح النووي": (2/ 537، ح 234) ، كتاب الإيمان، باب ذهاب الإيمان في آخر الزمان."سنن الترمذي":(4/ 492، ح 2207) ، كتاب الفتن، باب 35. انظر لزيادة تخريجه في الملحق.
4 في"المؤلفات"زاد هنا قوله: (ورواه أبو حاتم في صحيحه) .
5"مسند الإمام أحمد": (1/ 435) . وهو في"صحيح البخاري"بلفظ:"إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء". انظره مع"الفتح": (13/ 14، ح 7067) ، كتاب الفتن، باب ظهور الفتن.