المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب لا يقال السلام على الله - تحقيق التجريد في شرح كتاب التوحيد - جـ ٢

[عبد الهادي البكري]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الثاني

- ‌باب ما جاء في التغليظ فيمن عبد الله عند قبر رجل صالح فكيف إذا عبده

- ‌باب ما جاء أن الغلو في قبور الصالحين يصيرها أوثانا تعبد من دون الله

- ‌باب ما جاء في حماية المصطفى صلى الله عليه وسلم جناب التوحيدوسده كل طريق توصل إلى الشرك

- ‌باب ما جاء أن بعض هذه الأمة تعبد الأوثان

- ‌باب ما جاء في السحر

- ‌باب بيان شيء من أنواع السحر

- ‌باب ما جاء في الكهان ونحوهم

- ‌باب ما جاء في النشرة

- ‌باب ما جاء في التطير وغيره

- ‌باب ما جاء في التنجيم

- ‌باب ما جاء في الاستسقاء بالأنواء

- ‌باب قول الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ}

- ‌باب قول الله تعالى: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِين}

- ‌باب قول الله تعالى: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}

- ‌باب قول الله تعالى: {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَاّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ}

- ‌باب الإيمان بالله والصبر على قدر الله

- ‌باب ما جاء في الرياء

- ‌باب من الشرك إرادة الإنسان بعمله الدنيا

- ‌باب من أطاع العلماء والأمراء في تحريم ما أحل الله وتحليل ما حرم الله فقد اتخذهم أربابا

- ‌باب قول الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ

- ‌باب من جحد شيئا من الأسماء والصفات

- ‌باب قول الله تعالى: {يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ}

- ‌باب ما جاء فيمن لم يقنع [بالحلف] بالله تعالى

- ‌باب قول ما شاء الله وشئت

- ‌باب من سب الدهر فقد آذى الله

- ‌باب التسمي بـ"قاضي القضاة" ونحوه

- ‌باب احترام أسماء الله تعالى وتغيير الاسم لأجل ذلك

- ‌باب من هزل بشيء فيه ذكر الله تعالى أو القرآن أو الرسول

- ‌باب ما جاء في قول الله تعالى {وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي} الآية

- ‌باب قول الله تعالى: {فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ}

- ‌باب قول الله تعالى: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا}

- ‌باب لا يقال السلام على الله

- ‌باب قول: اللهم اغفر لي إن شئت

- ‌باب لا يقول عبدي وأمتي

- ‌باب لا يرد من سأل بالله تعالى

- ‌باب لا يسأل بوجه الله إلا الجنة

- ‌باب ما جاء في اللو

- ‌باب لا تسبوا الريح

- ‌باب قول الله تعالى: {يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ

- ‌باب ما جاء في منكر القدر

- ‌باب ما جاء في المصورين

- ‌باب ما جاء في كثرة الحلف

- ‌باب ما جاء في ذمة الله تعالى وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم

- ‌باب ما جاء في الإقسام على الله تعالى

- ‌باب لا يستشفع بالله تعالى على خلقه

- ‌باب ما جاء في حماية النبي صلى الله عليه وسلم حمى التوحيد وسد طرق الشرك

- ‌باب ما جاء في قول الله تعالى {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} الآية

الفصل: ‌باب لا يقال السلام على الله

رواه الترمذي، وقال: الصحيح أنه موقوف.

وفي"صحيح البخاري" عن بجالة بن عبدة، قال: "كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن اقتلوا كل ساحر وساحرة

{رواه الترمذي، وقال: الصحيح أنه موقوف} .1

{وفي"صحيح البخاري" عن بجالة بن عبدة2} بجالة بفتح الباء [الموحدة] 3 وتخفيف الجيم، وعبدة بسكون الباء الموحدة. {قال: كتب عمر4 بن الخطاب رضي الله عنه} وفي رواية: قال: أتانا كتاب عمر رضي الله عنه قبل موته بسنة5 {أن اقتلوا كل ساحر وساحرة6

_________

1 [6 ث]"سنن الترمذي": (4/ 60، ح 1460) ، كتاب الحدود، باب ما جاء في حد الساحر. والحديث قال عنه الترمذي: هذا حديث لا نعرفه مرفوعا إلا من هذا الوجه [ثم ذكر علته وأن مدارها على إسماعيل بن مسلم ثم قال:] والصحيح عن جندب موقوف. ولكن الحاكم في"المستدرك"(4/ 360) قال: هذا حديث صحيح الإسناد، وإن كان الشيخان تركا حديث إسماعيل بن مسلم فإنه غريب صحيح. وقال الذهبي في"التلخيص": صحيح غريب، وإن كان قد ترك إسماعيل. انظر بقية تخريجه في الملحق.

2 هو: بجالة بن عبدة التميمي العنبري البصري، كان كاتبا لجزي بن معاوية عم الأحنف ابن قيس، وهو مكي ثقة، روى عن عمرو بن دينار وعن ابن العباس. انظر ترجمته في:"تهذيب التهذيب": (1/ 417)، كتاب"الجرح والتعديل":(2/ 437)،"طبقات ابن سعد":(7/ 130) .

3 كلمة: (الموحدة) سقطت من"الأصل"، وأثبتها من بقية النسخ.

4 في بقية النسخ: (ابن الخطاب) دون التصريح باسمه.

5 هذا القدر من الرو، الآية جاء في"صحيح البخاري"، و"المسند".

6 زيد هنا كلمة: (قال) في"المؤلفات".

ص: 273

قال: فقلنا ثلاث سواحر".

وصح "عن حفصة رضي الله عنها أنها أمرت بقتل جارية لها سحرتها، فقتلت".

قال: فقلنا ثلاث سواحر1} امتثالا لأمره واعتمادا على قوله {وصح} في"الموطأ"{عن حفصة2 رضي الله عنها} زوج النبي صلى الله عليه وسلم {أنها أمرت بقتل جارية لها سحرتها} وقد كانت دبرتها،3 فأمرت بقتلها {فقتلت،4

_________

1 [7 ث] جاء في"صحيح البخاري مع الفتح": (6/ 257، ح 3156)، كتاب الجزية والموادعة. الأثر عن بجالة بلفظ:"فرقوا بين كل ذي محرم من المجوس". ولهذا قال الشيخ سليمان بن عبد الله في"تيسير العزيز الحميد": هذا الأثر رواه البخاري كما ذكره المصنف لكنه لم يذكر قتل السحرة. إلا إنني قد وجدت أن ابن حجر رحمه الله في"الفتح": (6/ 261) حين شرحه قد ذكر أن في بعض الروايات وهما رو، الآية مسدد وأبي يعلى قد جاء هذا اللفظ الذي ذكره الشيخ محمد بن عبد الوهاب:"اقتلوا كل ساحر وساحرة"قال: فقتلنا في يوم ثلاث سسواحر. وهو بهذا النص في"مسند الإمام أحمد": (1/ 190- 191)، و"سنن أبي داود":(3/ 431، ح 3043) . انظر بقية تخريج الحديث في الملحق.

2 هي: حفصة بنت عمر بن الخطاب- رضي الله عنهما وهي أخت عبد الله لأبيه تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة ثلاث من الهجرة وكانت قبله عند خنيس بن حذافة، وُلدت قبل البعثة بخمس سنين، وتوفيت سنة 45 هـ. انظر ترجمتها في:"طبقات ابن سعد": (8/ 81- 86)،"حلية الأولياء":(2/ 50- 51)،"الإصابة":(12/ 197- 199) .

3 أي: كانت فد علقت عتقها بموتها.

4 [8 ث]"موطأ مالك": (2/ 871، ح 14) ، كتاب العقول، باب ما جاء في الغيلة والسحر."السنن الكبرى"للبيهقي:(8/ 136) ، كتاب القسامة، باب تكفير الساحر وقتله إن كان ما يسحر به كلام كفر صريح. والأثر قد صححه الشيخ محمد بن عبد الوهاب. انظر بقية تخريجه في الملحق.

ص: 274

وكذلك صح عن جندب.

قال أحمد عن ثلاثة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.

وكذلك صح عن جندب1} بن عبد الله.

{قال أحمد عن ثلاثة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم2} اعلم أنه يتعلق بالساحر ثلاثة أحكام:

الحكم الأول: إذا ظهر أنه قتل بسحره فعند الشافعي أنه يقتل بذلك قصاصا، وأن له حقيقة3 وعند غيره لا حقيقة له فيقتل حدا.4

الحكم الثاني: في حكم قتله وتوبته فقال مالك -رحمه الله تعالى-:

_________

1 انظر:"التاريخ الكبير"للبخاري: (2/ 222) ."السنن الكبرى"للبيهقي: (8/ 136) ، كتاب القسامة، باب تكفير الساحر وقتله، والأثر- كما ترى- قد صححه الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وصححه- أيضا- الدوسري في"النهج السديد":(ص 143، ح 283) . وقد تقدم قريبا رو، الآية جندب:"حد الساحر ضربه بالسيف"، والخلاف في رفعها. وقد اختلف في تعيين قاتل الساحر هل هو جندب بن عبد الله أو جندب بن كعب أو جندب بن زهير، وفد رجح البخاري وابن منده وابن حجر أنه جندب بن كعب، وقال علي بن المديني ونقل ابن عبد البر عن الزبير بأنه ابن زهير. واختلف في صحبته. انظر:"تهذيب التهذيب": (2/ 118) .

2 انظر:"المسائل والرسائل المروية عن الإمام أحمد": (2/ 105) رو، الآية رقم:(599)، والمعني بالثلاثة: عمر بن الخطاب، وجندب بن عبد الله، وحفصة بنت عمر.

3 انظر:"الأم"للشافعي: (1/ 256) ، كتاب الاستسقاء، الحكم في الساحر والساحرة. و"مختصر المزني":(ص 255) ، كتاب القسامة، باب الحكم في الساحر إذا قتل بسحره. و"المجموع شرح المهذب"للنووي:(20/ 307) .

4 انظر:"المغني"لابن قدامة: (12/ 302) .

ص: 275

يقتل ولا تقبل توبته; لأنه لا يوثق بتوبته كالزنديق،1 وقيل: كالمحارب إن تاب قبل أن يقدر عليه لم يقتل وقبلت توبته، وإن كان بعد القدرة عليه قتل ولم تقبل توبته، ولم يستتب، وقيل: هو كالمرتد في الاستتابة وقبول التوبة.2

الحكم الثالث: أن أخذ العوض على السحر حرام، وقد فسر قوله تعالى:{وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ} 3 [أنهم] 4 كانوا يعطون الأجرة [عليه] 5 فذلك اشتراؤهم، وقيل: المراد6 بالاشتراء ابتياع السحر بدين الله تعالى، وأما أخذ العوض على الرقبة فجائز للخبر الوارد بذلك في [الذين] 7 رقوا على الملدوغ8 بفاتحة الكتاب.9

1 انظر:"الموطأ"للإمام مالك: (2/ 736) ، كتاب الأقضية، باب القضاء فيمن ارتد، و"البيان والتحصيل":(16/ 443- 444) .

2"المغني"لابن قدامة: (8/ 153- 154) .

3 سورة البقرة، الآية:102.

4 في"الأصل": (لأنهم) ، والصواب ما أثبته من بقية النسخ.

5 كلمة: (عليه) سقطت من"الأصل"، وأثبتها من بقية النسخ.

6 وفي غير"الأصل": (وقيل: أراد) .

7 في"الأصل": (الذي) ، وصححته من بقية النسخ.

8 هكذا في كل النسخ.

9 والحديث الوارد في هذا في"صحيح البخاري"راجعه مع"الفتح": (9/ 54) عن أبي سعيد الخدري قال: كنا في مسير لنا فنزلنا، فجاءت جارية فقالت: إن سيد الحي سليم وإن نفرنا غيب فهل منكم راق، فقام معها رجل ما كنا نأبنه برقية فرقاه فبرأ، فأمر لنا بثلاثين شاة وسقانا لبنا، فلما رجع قلنا له: أكنت تحسن رقية أو كنت ترقي، قال: لا ما رقيت إلا بأم الكتاب، قلنا: لا تحدثوا شيئا حتى نأتي أو نسأل النبي صلى الله عليه وسلم فلما قدمنا المدينة ذكرناه للنبي صلى الله عليه وسلم فقال:" وما كان يدريه أنها رقية؟ اقسموا واضربوا لي بسهم ".

ص: 276

‌باب بيان شيء من أنواع السحر

قال أحمد حدثنا محمد بن جعفر حدثنا عوف عن حيان بن العلاء حدثنا قطن بن

{باب بيان شيء من أنواع السحر}

{قال أحمد حدثنا محمد بن جعفر1 حدثنا عوف2 [عن] 3 حيان4 ابن العلاء5 حدثنا قطن بن

_________

1 هو: محمد بن جعفر أبو عبد الله الهذلي مولاهم البصري الكرابيسي المعروف بغندر، كان ثبتا حافظا مجودا، روى عن حسين المعلم وعبد الله بن سعيد وشعبة وغيرهم، وروى عنه علي بن المديني وأحمد بن حنبل ويحيى بن معين، وُلد سنة بضع عشرة ومائة، وتوفي سنة 193 هـ، وقيل: 194 هـ. انظر ترجمته في:"تهذيب التهذيب": (9/ 96- 98)،"تذكرة الحفاظ":(1/ 300- 302)،"شذرات الذهب":(1/ 333)،"سير أعلام النبلاء":(9/ 98- 102) .

2 هو: عوف بن أبي جميلة العبدي الهجري أبو سهل البصري المعروف بالأعرابي، عداده في صغار التابعين، روى عن أبي رجاء العطاردي وأبي عثمان النهدي وأبي العالية وآخرين، وروى عنه شعبة والثوري وابن المبارك وآخرون، ولد سنة 58 هـ، وقيل: 59 هـ، وتوفي سنة 146 هـ، وقيل: 147 هـ. انظر ترجمته في:"تهذيب التهذيب": (8/ 166- 167)،"شذرات الذهب":(1/ 217)،"الجرح والتعديل":(7/ 15) .

3 في"الأصل": (ابن) وهو خطأ، والصواب المثبت من بقية النسخ و"المؤلفات".

4 هذا صواب السند، وقد أسقط منه في"ع"قوله:(حدثنا عوف عن)، وأسقط منه في"ش"قوله:(محمد بن جعفر حدثنا) .

5 اختلف في اسم أبيه، فقال بعضهم: حيان بن العلاء، وقال بعضهم: ابن المخارق، وقال بعضهم: حيان بن عمير، قال الإمام أحمد وابن معين: ليس هو ابن عمير، يروي عن قطن بن قبيصة، قال الحافظ: مقبول من السادسة. انظر ترجمته في:"تهذيب التهذيب": (3/ 68)،"تقريب التهذيب":(1/ 208)،"الجرح والتعديل":(3/ 248) .

ص: 277

قصيبة عن أبيه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن العيافة والطرق والطيرة من الجبت " إسناده جيد.

قبيصة1 عن أبيه} أي: قبيصة2 {أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم قال:" إن العيافة والطرق والطيرة من الجبت "3 إسناده جيد4} .

_________

1 هو: قطن بن قبيصة بن المخارق الهلالي أبو سهلة البصري، روى عن أبيه قبيصة، قال النسائي: لا بأس به، وذكره ابن حبان في"الثقات". انظر ترجمته في:"تهذيب التهذيب": (8/ 381)، كتاب"الجرح والتعديل":(7/ 137) .

2 هو: قبيصة بن المخارق بن عبد الله بن شداد- يكنى: أبا بشر- قال البخاري: له صحبة، روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن الصدقة لا تحل إلا لأحد ثلاثة

"الحديث. انظر ترجمته في:"أسد الغابة": (4/ 83) ،"الاستيعاب": (9/ 39) ،"الإصابة": (8/ 132) .

3 [124 ح]"مسند الإمام أحمد": (5/ 60) . والحديث في"سنن أبي داود": (4/ 228- 229، ح 3907) ، كتاب الطب، باب في الخط وزجر الطير. و"سنن البيهقي":(8/ 139) ، كتاب القسامة، باب العيافة والطرق والطيرة. والحديث- كما ترى- قد قال عنه الشيخ محمد بن عبد الوهاب: إسناده جيد. وحسنه النووي في"رياض الصالحين": (ص 535، ح 1679) . وقال السيوطي في"الجامع الصغير"مع"الفيض"(4/ 395) : صحيح. انظر بقية التخريج في الملحق.

4 قوله: (إسناده جيد) أخرت في"المؤلفات" خلافا لبقية النسخ.

ص: 278

قال عوف: "العيافة زجر الطير، والطرق الخط يخط في الأرض"

وقال الحسن: "الجبت رنة الشيطان".

ولأبي داود والنسائي وابن حبان في"صحيحه"المسند منه.

قال الشيخ رحمه الله: {قال عوف: العيافة: زجر الطير، والطرق: الخط يخط في الأرض،1 [والجبت: قال الحسن] 2 رنة الشيطان} .34

{ولأبي داود والنسائي وابن حبان في"صحيحه5"المسند منه6} . في أبي داود7 عن معاوية بن الحكم السلمي8 رضي الله عنه –

_________

1"سنن أبي داود": (4/ 229، ح 3908) ، كتاب الطب، باب في الخط وزجر الطير،"مسند الإمام أحمد"، و"سنن البيهقي"في الموضعين السابقين.

2 في النسخ المخطوطة: (وقال الحسن: الجبت

) ، والمثبت من "المؤلفات" وهو الموافق للمصادر.

3 هكذا في كل النسخ و"المؤلفات"، وفي المصادر:(إنه الشيطان) بالهمز بدل الراء.

4 قول الحسن في"المسند"و"سنن البيهقي"في الموضعين السابقين.

5 [125 ح] تقدم تخريجه من"سنن أبي داود". وأما النسائي فهو في"سننه": (3/ 14- 18، ح 1218) ، كتاب السهو، باب الكلام في الصلاة. وأما ابن حبان فهو في"صحيحه"، انظر:"موارد الظمآن": (ص 345، ح 1426) ، باب ما جاء في الطيرة. انظر بقية التخريج في الملحق.

6 قال الشيخ سليمان بن عبد الله في"تيسير العزيز الحميد"(ص 400) : (يعني أن هؤلاء رووا الحديث واقتصروا على المرفوع منه ولم يذكروا التفسير الذي فسره به عوف) .

7 انظر:"سنن أبي داود": (4/ 229- 230، ح 3909) ، كتاب الطب، باب في الخط وزجر الطير.

8 هو: معاوية بن الحكم السلمي، قال البخاري: له صحبة، وقال ابن عبد البر: كان ينزل المدينة ويسكن في بني سليم، وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثا يتعلق بالحمد لمن عطس في الصلاة وتشميته. انظر ترجمته في"الإصابة":(9/ 229 - 230)،"أسد الغابة":(4/ 431- 432)،"تهذيب التهذيب":(10/ 205) .

ص: 279

قال: قلت: يا رسول الله، ومنا رجال يخطون،1 قال:" كان نبي من الأنبياء يخط فمن وافق خطه فذاك " وأخرجه مسلم والنسائي.2

قال الخطابي قوله:"فمن وافق خطه فذاك3"، يحتمل أن يكون معناه الزجر عنه، أو كان من4 بعده لا يوافق خطه ولا ينال خطه من الصواب; لأن ذلك إنما كان [لذلك] 5 النبي، فليس لمن بعده أن يتعاطاه طمعا في نيله والله أعلم.6

وفي"القاموس": الطرق كضرب الكاهن بالحصا.7

1 هنا أضيف في النسخ كلها كلمة: (فالخط) ، وليست في"المؤلفات"، ولا في أصل الحديث مما ذكره.

2 انظر:"صحيح مسلم مع شرح النووي": (5/ 23- 25، ح 33) ، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب تحريم الكلام في الصلاة. و"سنن النسائي":(3/ 14-18، ح 1218) ، كتاب السهو، باب الكلام في الصلاة.

3 قوله: (وأخرجه مسلم والنسائي، قال الخطابي قوله فمن وافق خطه فذاك) سقطت من"ر"، ولعله سبق نطر من الناسخ إلى ما بعد كلمة فذاك الثانية.

4 كلمة: (من) سقطت من"ر".

5 كلمة: (لذلك) في غير"الأصل"، وفي النسخة الأصل:(ذلك) .

6 انظر:"معالم السنن"للخطابي: (4/ 230) . وانظر:"شرح النووي على صحيح مسلم": (5/ 27) ، كتاب المساجد، باب تحريم الكلام في الصلاة.

7 انظر:"القاموس المحيط": (ص 1166)، مادة:(طرق) .

ص: 280

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من اقتبس شعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر، زاد ما زاد " رواه أبو داود بإسناد صحيح.

وللنسائي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه" من عقد عقدة ثم نفث فيها فقد سحر، ومن سحر فقد أشرك ".

{وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" من اقتبس شعبة من النجوم} أي: تعلم [نوعا] 1 من علم النجوم {فقد اقتبس شعبة من السحر} أي: نوعا من السحر {زاد ما زاد "2، رواه أبو داود بإسناد3 صحيح4} . {وللنسائي من حديث أبي هريرة " من عقد عقدة ثم نفث فيها فقد سحر، ومن سحر فقد أشرك "56} .

_________

1 في"الأصل": (أي تعلم علما) ، والمثبت من بقية النسخ.

2 أي: زاد اقتباس السحر بقدر اقتباسه علم النجوم أو زاد من السحر ما زاد من النجوم انظر"عون المعبود": (10 /400) .

3 في"المؤلفات": (وإسناده صحيح) .

4 [126 ح]"سنن أبي داود": (4/ 226-227، ح 3905) ، كتاب الطب، باب في النجوم. وكذا أخرجه ابن ماجه في"سننه":(2/ 1228، ح 3726) ، كتاب الأدب، باب تعلم النجوم. والحديث قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب- كما ترى- أعلاه:(إسناده صحيح) . وحسنه الألباني، انظر:"صحيح سنن أبي داود": (2/ 739، ح 3305)، و"سلسلة الأحاديث الصحيحة":(2/ 435، ح 793) . انظر بقية تخريجه والحكم عليه في الملحق.

5 هكذا في كل النسخ، وزاد في"المؤلفات":(ومن تعلق شيئا وكل إليه) ، وهي موافقة.

6 [127 ح]"سنن النسائي": (7/ 112، ح 4079) ، كتاب تحريم الدم، باب الحكم في السحرة. وفي"الترغيب والترهيب":(4/ 32) . الحديث نقل كل من الشيخ سليمان بن عبد الله في"التيسير": (ص 401)، والشيخ عبد الرحمن بن حسن في"فتح المجيد":(ص 328) عن ابن مفلح أنه حسن الحديث، وقد بحثت عن قوله في مظنته في الآداب الشرعية فلم أجده. انظر بقية تخريج الحديث في الملحق.

ص: 281

قوله:" من عقد عقدة " أي: عقد الخيط عقدة حين يرقي عليها، والنفث: النفخ مع ريق قليل، وقيل: إنه النفخ فقط. واختلفوا في جواز النفث في الرقى والعوذ الشرعية المستحبة: فجوزه الجمهور من الصحابة والتابعين، ومن بعدهم، ويدل عليه حديث عائشة رضي الله عنها قالت:" كان رسول الله إذا مرض أحد من أهله نفث عليه بالمعوذات

" الحديث.1

وأنكر جماعة النفث والتفل في الرقى، وأجازوا النفخ2 بلا ريق، قال عكرمة:3 لا ينبغي للراقي أن ينفث ولا يمسح ولا يعقد.4 وقيل: النفث في العقد إنما يكون مذموما إذا كان بسحر مضر بالأرواح والأبدان،5 وإذا كان النفث لإصلاح الأرواح والأبدان وجب أن لا يكون مذموما ولا مكروها بل هو مندوب إليه.

1"صحيح مسلم مع شرح النووي": (14/ 432، ح 50) ، كتاب السلام، باب رقية المريض بالمعوذات والنفث.

2 في"ر": (النفث بالثاء) ، وهو خطأ مخالف للنسخ الأخرى ويتضح من السياق.

3 هو: عكرمة بن عبد الله البربري المدني أبو عبد الله مولى عبد الله بن عباس، تابعي، كان من أعلم الناس في التفسير والمغازي، وُلد سنة 25 هـ، وتوفي سنة 105 هـ. انظر ترجمته في:"تهذيب التهذيب": (7/ 263- 273)،"حلية الأولياء":(3/ 326 - 347)،"طبقات ابن سعد":(5/ 287- 293) .

4"تفسير القرطبي": (20/ 258) .

5 انظر: المصادر السابقة: (20/ 258) .

ص: 282

وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ألا هل أنبئكم ما العضه؟ هي النميمة، القالة بين الناس " رواه مسلم.

{وعن} عبد الله {ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" ألا هل أنبئكم ما العضه؟ هي النميمة، القالة بين الناس " رواه مسلم1} .

العضه- بفتح العين وإسكان الضاد المعجمة، وبالهاء على وزن الوجه، وروى العضه -بكسر العين وفتح الضاد المعجمة على وزن العدة-: وهي الكذب والبهتان.2

وعلى الرواية الأولى: العضه مصدر، ويقال: عضهه عضها، أي: رماه بالعضه، قيل: إن عمل النمام أضر من عمل الشيطان [لأن عمل الشيطان] 3 بالوسوسة، وعمل النمام بالمواجهة.

واعلم أنه ينبغي أن لا يعتمد على قول الواشي ومن حمل إليه نميمة، قيل: إنه يلزمه ستة أمور:4

_________

1 [128 ح]"صحيح مسلم مع شرح النووي": (16/ 396، ح 102/ 2606) ، كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم النميمة. وانظر:"سنن البيهقي"- أيضا-: (10/ 246) ، كتاب الشهادات. انظر بقية التخريج في الملحق.

2 انظر:"النه، الآية"لابن الأثير: (3/ 254- 255)، و"الفائق"للزمخشري:(2/ 443) .

3 قوله: (لأن عمل الشيطان) سقط من"الأصل"، وهو ثابت في النسخ الأخرى.

4 انظر:"إحياء علوم الدين": (3/ 165- 166) . وهذا إذا علم المنقول إليه أن الناقل واش، ولا غرض له إلا الإفساد والتفريق، أما إذا علم منه أنه مدافع عن سنة أو محارب لبدعة فإن تلك الأمور لا تلزم السامع نحوه، مع الحذر من الحكم إلا بعد التبين.

ص: 283

الأول: أن لا يصدقه; لأن النمام فاسق، وهو مردود الخبر.

الثاني: أن ينهاه عن ذلك وينصحه ويقبح فعله.

الثالث: أن يبغضه في الله تعالى، فإنه بغيض عند الله تعالى.

الرابع: أن لا يظن بالمنقول [عنه] 1 سوءا لقوله تعالى: {اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ} 2

الخامس: أن لا يحملك ما حكي لك على التجسس لقوله تعالى: {وَلا تَجَسَّسُوا}

السادس: أن لا يرضى [لنفسه] 3 بما نهاه عنه فلا يحكي نميمته. وقد جاء أن رجلا ذكر لعمر بن عبد العزيز رضي الله عنه رجلا يشي فقال عمر: إن شئت نظرنا في أمرك فإن كنت كاذبا فأنت من أهل هذه الآية {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} 4 وإن كنت صادقا فأنت من أهل هذه الآية {هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ} 5

1 كلمة: (عنه) أضفتها ليستقيم الكلام ولا وجود لها في جميع النسخ.

2 سورة الحجرات، الآية:12.

3 كلمة: (لنفسه) أضفتها من المصدر لتستقيم العبارة.

4 سورة الحجرات، الآية:6.

5"الأذكار"للنووي: (ص 431)، وتتمته: وإن شئت عفونا عنك، قال العفو يا أمير المؤمنين لا أعود إليه أبدا. وهو في"إحياء علوم الدين"- أيضا-:(3/ 166) .

ص: 284

ولهما عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن من البيان لسحرا ".

والعاقل لا يغتر بحيلة المفسد النمام الواشي، فغرضه غرض فاسد، إما التشفي حيث أنه قد حقن الغضب في باطنه، وإما يريد رفعة نفسه، وخفض غيره، وإما زوال النعمة التي هو فيها، فيذكره بالسوء -نعوذ بالله من حاله وأفعاله-. وفي الخبر قال النبي صلى الله عليه وسلم " النميمة والشتيمة والحمية لا يجتمعن في قلب مؤمن1 ") {ولهما عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" إن من البيان لسحرا "2.

_________

1 الذي وجدته:"النميمة والشتيمة والحمية في النار"، وهي رو، الآية عن ابن عمر- رضي الله عنهما. وفي لفظ آخر:" إن النميمة والحقد في النار لا يجتمعان في قلب مسلم ". ولعل الشارح رحمه الله قد جمع بين الروايتين من حفظه فكون اللفظ المدون. انظر:"الترغيب والترهيب": (3/ 497- 498، ح 4، 5) . وقال: أحال المنذري على الطبراني، والحديث فيه. انظر:"المعجم الكبير": (12/ 13615) .

2 [129 ح]"صحيح البخاري مع الفتح": (9/ 201، ح 5146) ، كتاب النكاح، باب الخطبة."صحيح مسلم مع شرح النووي":(6/ 406- 407، ح 47) ، كتاب الجمعة، باب تخفيف الصلاة والخطبة. لكنه في"صحيح مسلم"عن عمار بن ياسر لا عن ابن عمر كما يفهم من عبارة المصنف رحمه الله. انظر بقية التخريج في الملحق.

ص: 285

‌باب ما جاء في الكهان ونحوهم

روى مسلم في"صحيحه"عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من أتى عرافا فسأله عن شيء فصدقه لم تقبل له صلاة أربعين يوما "

وأصل الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قدم رجلان من المشرق [فخطبا] 1 فعجبا الناس لبيانهما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم"إن من البيان لسحرا" رواه أحمد والبخاري وأبو داود والترمذي.2

البيان: إظهار المقصود بأبلغ لفظ، وهو من الفهم، وذكاء القلب، وأصله الكشوف والظهور، وقيل: معناه أن الرجل يكون عليه الحق، وهو أقوم بحجته من خصمه، فيقلب الحق ببيانه إلى نفسه; لأن معنى السحر قلب الشيء في عين الإنسان، وليس بقلب الأعيان. ألا ترى أن البليغ يمدح الإنسان حتى يصرف قلوب السامعين إلى حبه، ثم يذمه حتى يصرفها إلى بغضه، فإذا كانت الفصاحة في الكلام يحصل بها مضرة صارت نوعا من السحر.

{25- باب ما جاء في الكهان ونحوهم}

{روى مسلم في"صحيحه" عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من أتى عرافا فسأله عن شيء فصدقه لم تقبل له صلاة أربعين يوما " 3} .

_________

1 في"الأصل": (فخطبنا) ، وهو خطأ من الناسخ، والصواب من بقية النسخ.

2 تقدم تخريجه قريبا. ارجع إلى تخريجه في الملحق.

3 [130 ح]"صحيح مسلم مع شرح النووي": (14/ 478، ح 125/ 2230) ، كتاب السلام، باب تحريم الكهانة وإتيان الكهان دون قوله:(فصدقه) . وانظره بنصه الذي ذكره المصنف في"مسند الإمام أحمد": (5/ 308) . انظر بقية تخريجه في الملحق.

ص: 286

وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم " رواه أبو داود.

قال في"القاموس": العراف: الكاهن1 وقال في"النهاية": العراف: المنجم، والذي يدعي علم الغيب2. {وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" من أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم " رواه أبو داود3} . الكاهن: هو الذي يدعي مطالعة علم الغيب، ويخبر الناس عن الكوائن.

والكهانة أصناف، منها ما يتلقاه الكاهن من الجن، فإن الجن كانوا يصعدون إلى جهة السماء فيركب بعضهم بعضا، فلما جاء الإسلام ونزل القرآن حرست السماء من الشياطين، وأرسلت عليهم الشهب، فبقي من

_________

1 انظر:"القاموس المحيط": (ص 1081)، وانظر:"لسان العرب": (9/ 237) .

2 انظر:"النه، الآية في غريب الحديث": (3/ 218) .

3 [131 ح]"سنن أبي داود": (4/ 225- 226، ح 3904) ، كتاب الطب، باب في الكاهن إلا أنه جاء فيه بلفظ:"فقد برئ مما أنزل الله على محمد". وهو بلفظه في"مسند الإمام أحمد": (2/ 476) إلا أنه صدر بقوله:"من أتى حائضا أو امرأة في دبرها

". الحديث قال الألباني في"آداب الزفاف" (ص 106) : سنده صحيح. وصححه في"إرواء الغليل": (7/ 68- 69، ح 2006) .

ص: 287

وللأربعة والحاكم، وقال: صحيح على شرطهما عن أبي هريرة رضي الله عنه " من أتى عرافا أو كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم ".

استراقهم ما يخطفه الأعلى فيلقيه إلى الأسفل قبل أن يصيبه الشهاب، قال تعالى:{إِلَاّ مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ} 1 {وللأربعة2 والحاكم3 وقال: صحيح على شرطهما عن [أبي هريرة] 4 رضي الله عنه " من أتى عرافا أو كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم "5} .

_________

1 سورة الصافات، الآية:10.

2 جاء في كل النسخ الخطية: (والأربعة) بالعطف على أبي داود ولا يصح ذلك فإن أبا داود أحد الأربعة. وجاء في"المؤلفات": (وللأربعة والحاكم

إلخ) على أنه تابع للحديث الآتي، وهو خطأ أيضا، فإن الحديث الآتي لم يروه أحد من الأربعة، وقد أشار إلى ذلك الشيخ سليمان بن عبد الله في"تيسير العزيز الحميد":(ص 409)، واعتذر للشيخ محمد بن عبد الوهاب بأنه ربما تبع في ذلك الحافظ ابن حجر فإنه قد عزاه في"فتح الباري"إلى أصحاب السنن. انظر:"فتح الباري": (10/ 217) .

3 كلمة: (الحاكم) في"الأصل"و"المؤلفات"، وقد سقطت من بقية النسخ والسياق يقتضي وجودها.

4 في جميع النسخ: (عن ابن عباس)، وفي"المؤلفات":(عن أبي هريرة) ، وأشار بعض المحققين إلى أنه قد بيض في بعض النسخ وعدت إلى"تيسير العزيز الحميد"فوجدته قد بيض له، وعدت إلى"فتح المجيد"فوجدت في بعض الطبعات نسبة الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم من غير راو، وفي بعضها بيض له، والصواب أن راويه أبو هريرة، وانظر تخريج الحديث.

5 [132 ح]"مسند الإمام أحمد": (2/ 429) ."مستدرك الحاكم": (1/ 8) ، كتاب الإيمان، التشديد في إتيان الكاهن وتصديقه. الحديث روي عن أبي هريرة وعبد الله بن مسعود، ولم أجد الحديث مرويا عن ابن عباس، فلعله سبق قلم أو فهم من إطلاق اسم عبد الله في بعض المصادر أن المراد به ابن عباس، وإنما هو ابن مسعود، فقد روي الحديث عنه كما ذكره المصنف بعد هذا الحديث. والحديث صححه الحاكم فقال: هذا صحيح على شرطهما، وقال الذهبي: إسناده قوي، وصححه العراقي. انظر:"فيض القدير": (6/ 23) . انظر بقية تخريجه في الملحق.

ص: 288

ولأبي يعلى بسند جيد عن ابن مسعود رضي الله عنه مثله موقوفا.

{ولأبي يعلى بسند جيد عن ابن مسعود رضي الله عنه مثله [موقوفا] 1 عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " مفاتيح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله، لا يعلم أحد ما يكون في غد إلا الله ولا يعلم أحد ما يكون في الأرحام إلا الله، ولا يعلم أحد متى تقوم الساعة إلا الله، ولا تدري نفس بأي أرض تموت إلا الله، ولا يدري أحد متى يجيء المطر إلا الله تعالى "2 قال الله تعالى في3 سورة لقمان:

_________

1 في كل النسخ: (مرفوعا) ، والصواب ما أثبته من"المؤلفات"، فكل المصادر التي رجعت إليها تقضي بكونها موقوفة.

(2)

"مسند أبي يعلى الموصلي": (9/ 280، ح 442/ 5408)،"مسند البزار":"كشف الأستار": (2/ 443)،"معجم الطبراني الكبير":(10/ 93، ح 10005) . والحديث قال الهيثمي في"مجمع الزوائد"(5/ 118) : (رواه البزار ورجاله رجال الصحيح خلا هبيرة بن مريم وهو ثقة) . وقال ابن حجر في"الفتح"(10/ 217) : (إسناده جيد) .

2 [133 ح]"صحيح البخاري مع الفتح": (2/ 524، ح 1039) ، كتاب الاستسقاء، باب 29،"مسند الإمام أحمد":(2/ 24) . انظر بقية تخريج الحديث في الملحق.

3 في"ر"حذف من الحديث قوله: (ولا يعلم أحد ما يكون في غد إلا الله، ولا يعلم أحد ما يكون في الأرحام إلا الله

إلى قوله: ولا يدري أحد متى يجيء المطر إلا الله تعالى قال الله تعالى في) .

ص: 289

وعن عمران بن حصين رضي الله عنه موقوفا: "ليس منا من تطير أو تطير له، أو تكهن أو تكهن له، أو سحر أو سحر له ومن أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم".

{إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} 1.

قال أبو ذؤيب2:

يقولون لي لو كان بالرمل لم يمت

نبيشة والكهان يكذب قيلها3

وقال آخر:

جعلت لعراف اليمامة حكمه

وعراف نجد4 إن هما شفيان5.6

{وعن عمران بن حصين رضي الله عنه مرفوعا:"ليس منا} أي: ليس ممن حقق التوحيد {من تطير أو تطير له، أو تكهن أو تكهن له، أو سحر أو سحر له، ومن أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم".

_________

1 سورة لقمان، الآية:34.

2 زاد هنا في بقية النسخ غير"الأصل"كلمة: (شعرًا) .

3 انظر: الاستشهاد في "معالم السنن" للخابي (/255) .

4 حرفت في كل النسخ إلى: (عراف نجران) فصححتها.

5 حرفت في كل النسخ إلى (سفيان) فصححتها.

6 انظر: نفس الموضع السابق من "المعالم".

ص: 290

رواه البزار بإسناد جيد.

ورواه الطبراني بإسناد حسن من حديث ابن عباس دون قوله:"من أتى

" إلى آخره.

رواه البزار1 بإسناد جيد2} .

{ورواه الطبراني3 بإسناد حسن من حديث ابن عباس} رضي الله عنهما {دون قوله:"ومن أتى." إلى آخره4} .

_________

1 هو: الإمام الحافظ أحمد بن عمرو بن عبد الخالق أبو بكر العتكي البصري المعروف بالبزار، حافظ من العلماء بالحديث من أهل البصرة، له مسندان، أحدهما كبير سماه:"البحر الزاخر"، والثاني صغير، وُلد سنة نيف عشرة ومائتين، وتوفي سنة 292 هـ. انظر ترجمته في:"تذكرة الحفاظ": (2/ 653)،"شذرات الذهب":(2/ 209)،"تاريخ بغداد":(4/ 334) .

2 [134 ح] انظر:"كشف الأستار"للهيثمي: (3/ 399- 400، ح 3044) ، كتاب الطب، باب الطيرة والكهانة والسحر. و"مجمع الزوائد":(5/ 117) ، كتاب الطب، باب في السحر والكهانة والطيرة. والحديث قال الهيثمي في"مجمع الزوائد" (5/ 117) : رجاله رجال الصحيح خلا إسحاق بن الربيع وهو ثقة. وقال المنذري في"الترغيب"(4/ 33، ح 4) : (رواه البزار بسند جيد) . وصححه الألباني في"سلسلة الأحاديث الصحيحة": (5/ 228، ح 2195)، و"صحيح الجامع":(2/ 956، ح 5435) . انظر بقية تخريج الحديث في الملحق.

3 زاد في"المؤلفات": (في الأوسط) .

4"المعجم الكبير"للطبراني: (18/ 355) ، (10/ 93، ح 10005) . و"مجمع الزوائد": (5/ 117) ، كتاب الطب، باب في السحر والكهانة والطيرة. و"كشف الأستار عن زوائد البزار":(3/ 399، ح 3043) ، كتاب الطب، باب الطيرة والكهانة والسحر.

ص: 291

قال البغوي: العراف: الذي يدعي معرفة الأمور بمقدمات يستدل بها على المسروق، ومكان الضالة ونحو ذلك، وقيل: هو الكاهن، والكاهن: هو الذي يخبر عن المغيبات في المستقبل، وقيل: الذي يخبر عما في الضمير.

وقال أبو العباس ابن تيمية: العراف: اسم للكاهن والمنجم والرمال ونحوهم ممن يتكلم في معرفة الأمور بهذه الطرق. وقال ابن عباس في قوم يكتبون أبا جاد وينظرون في النجوم: "ما أرى من فعل ذلك له عند الله من خلاق" انتهى.

قال الشيخ -رحمه الله تعالى-: {قال البغوي: العراف: الذي يدعي معرفة الأمور بمقدمات يستدل بها على المسروق، ومكان الضالة ونحو ذلك1 وقيل: هو الكاهن، والكاهن: هو الذي يخبر عن المغيبات في المستقبل، وقيل: الذي يخبر عما في الضمير.

وقال أبو العباس ابن تيمية: العراف: اسم للكاهن والمنجم والرمال ونحوهم ممن يتكلم في معرفة الأمور بهذه الطرق2

{وقال ابن عباس: في قوم يكتبون أبا جاد وينظرون في النجوم: "ما أرى من فعل ذلك له عند الله من خلاق"3 انتهى4} .

_________

1 انظر:"شرح السنة"للبغوي: (12/ 182) ، و"النه، الآية في غريب الحديث": (4/ 215) .

2 ما بين القوسين سقط من"الأصل"، فأثبته من بقية النسخ و"المؤلفات"، ولعله قد سبق نظره إلى:(ابن عباس) الآتي بعده فكتب ما بعده. (3) انظر:"مجموع الفتاوى": (35/ 173) .

3"شرج السنة"للبغوي: (12/ 183) .

4 كلمة: (انتهى) لم تأت في"المؤلفات".

ص: 292

‌باب ما جاء في النشرة

عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن النشرة فقال: " هي من عمل الشيطان " رواه أحمد بسند جيد، وأبو داود، وقال: سئل أحمد عنها فقال: ابن مسعود يكره هذا كله.

ولله در القائل1:

وأعلم علم اليوم والأمس قبله

ولكنني عن علم ما في غد عمي2

{باب ما جاء في النشرة}

{عن جابر} بن عبد الله {رضي الله عنه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن النشرة فقال: هي من عمل الشيطان " رواه أحمد بسند جيد، وأبو داود3 وقال4 سئل أحمد عنها فقال: ابن مسعود يكره هذا كله5} .

_________

1 زاد هنا في"ر"قوله: (حيث قال شعرا) .

2 انظر: "لسان العرب": (15/96) وقد نسبه ابن منظور إلى زهير.

3"مسند الإمام أحمد": (3/ 294) ."سنن أبي داود": (4/ 201، ح 3868) ، كتاب الطب، باب في النشرة. وأخرجه البزار والطبراني في"الأوسط":"مجمع الزوائد": (5/ 102) ، باب النشرة، عن أنس بن مالك. الحديث: قال ابن حجر في"الفتح"(10/233) : (ووصله أحمد وأبود داود بسند حسن) . وقال ابن مفلح في"الآداب الشرعية"(3/ 77) : إسناده جيد وقد نقله عنه المصنف. وصححه الألباني كما في"صحيح سنن أبي داود": (2/733، ح 3277)،"مشكاة المصابيح":(2/ 1284، ح 4553) .

4 في كل النسخ بالواو، وفي"المؤلفات"بدونها: (قال: سئل أحمد

إلخ) .

5 انظر:"الآداب الشرعية"لابن مفلح: (3/ 77) قال في فصل النشرة: (قال جعفر سمعت أبا عبد الله سئل عن النشرة، فقال: ابن مسعود يكره هذا كله) .

ص: 293

وفي البخاري عن قتادة قال: قلت لابن المسيب: "رجل به طب أو يؤخذ عن امرأته

هو من ترك المصلحة خوفا من المفسدة، قال الخطابي: قلت: النشرة ضرب من الرقية والعلاج، يعالج به من كان يظن به مس الجن، وقيل: سميت نشرة; لأنه ينشر بها عنه، أي: يحل عنه، وقال الحسن:(النشرة من السحر) .

قال الأصمعي12:

أدعوك دعوة ملهوف كأن به

مسا من الجن أو ريحا من النشر3

{وفي البخاري عن قتادة قال4 قلت لابن المسيب: رجل به طب} بكسر الطاء، أي: به سحر، كنوا عن السحر بالطب تفاؤلا كما يقال للديغ: سليم {أو يؤخذ عن امرأته} بفتح الواو المهموزة، وتشديد الخاء المعجمة، أي: يحبس عن امرأته ولا يقدر على جماعها.

_________

1 قوله: (قال الأصمعي) حذفت من"ر".

2 هو: عبد الملك بن قريب بن علي الباهلي أبو سعيد الأصمعي البصري راوية العرب وأحد أئمة العلم باللغة والشعر والبلدان وتصانيف كثيرة منها:"الأضداد"،"خلق الإنسان"،"الفرق"، وُلد سنة 122 هـ، وتوفي سنة 216 هـ. انظر ترجمته في:"تهذيب التهذيب": (6/ 415- 417)،"شذرات الذهب":(2/ 36 -38)،"سير أعلام النبلاء":(10/ 175- 181) .

3 انظر:"معالم السنن"للخطابي على"سنن أبي داود": (4/ 201) ، كتاب الطب، باب في النشرة،"النه، الآية في غريب الحديث": (5/ 54)، مادة:(نشر) . وانظر:"تيسير العزيز الحميد": (ص 416)، و"فتح المجيد":(ص 343) .

4 قوله: (قال) حذفت من"ر".

ص: 294

أيحل عنه أو ينشر؟ قال: لا بأس به، إنما يريدون به الإصلاح، فأما ما ينفع فلم ينه عنه". انتهى.

وروي عن الحسن أنه قال: "لا يحل السحر إلا ساحر"

{أيحل عنه أو ينشر؟ قال: لا بأس به، إنما يريدون به الإصلاح، فأما ما ينفع فلم ينه عنه1 انتهى} .

وأخرج [الطبري] 2 في"التهذيب" عن سعيد بن المسيب أنه كان لا يرى بأسا إذا كان بالرجل سحر أن3 يمشي إلى من يطلقه عنه4.

وقد سئل الإمام أحمد عمن يطلق السحر عن المسحور فقال: لا بأس به5.

{وروي عن الحسن أنه قال: (لا يحل السحر إلا ساحر6"} أي: لا يعلم ذلك إلا ساحر، وقال ابن الجوزي: النشرة حل السحر عن المسحور ولا يكاد يقدر عليه إلا من يعرف السحر7.

_________

1"صحيح البخاري مع الفتح": (10/ 232) ، كتاب الطب، باب هل يستخرج السحر."شرح السنة"للبغوي:(12/ 190) ، كتاب الطب والرقى، باب السحر.

2 في كل النسخ: (الطبراني) ، وهو خطأ، والصواب ما أثبته. وانظر:"فتح الباري": (10/ 233) ، كما يدل على ذلك اسم الكتاب فإن"تهذيب الآثار"للطبري.

3 سقطت: (أن) من"ر".

4 انظر:"فتح الباري": (10/ 233)، وقد أحاله ابن حجر على الطبري في"التهذيب". والمراد هنا بالممشى إليه: من يرقي بالعوذ الشرعية كما يتضح ذلك من كلام ابن القيم الآتي قريبا.

5 انظر:"الآداب الشرعية": (3/ 77) .

6 انظر:"الآداب الشرعية": (3/ 77) .

7"غريب الحديث"لابن الجوزي: (2/ 408) .

ص: 295

قال ابن القيم -رحمه الله تعالى-: النشرة حل السحر عن المسحور وهي نوعان:

الأول: حل سحر بسحر مثله وهو الذي من عمل الشيطان، وعليه يحمل الحديث، وقول الحسن، فيتقرب الناشر والمنتشر إلى الشيطان بما يحب، فيبطل عمله عن المسحور.

والثاني: النشرة بالرقية والمعوذات والدعوات والأدوية المباحة فهذا جائز.

قال الشيخ -رحمه الله تعالى-: {قال ابن القيم -رحمه الله تعالى-: النشرة حل السحر عن المسحور وهي نوعان:

الأول1 حل سحر بسحر2 مثله وهو الذي من عمل الشيطان، وعليه يحمل الحديث، وقول الحسن3 فيتقرب الناشر والمنتشر إلى الشيطان بما يحب، فيبطل عمله عن المسحور.

الثاني: النشرة بالرقية والمعوذات والدعوات والأدوية المباحة4 فهذا جائز5} . وهو المعتمد وبه يزول الإشكال، والله سبحانه أعلم.

_________

1 في"المؤلفات": (أحدهما) .

2 في"المؤلفات": (حل بسحر)، وفي كل النسخ كما أثبت:(حل سحر بسحر) .

3 في"المؤلفات"سقط قوله: (وعليه يحمل قول الحسن) .

4 في"المؤلفات": (والتعوذات والأدوية والدعوات المباحة) بتأخير كلمة: (الدعوات) فإن وصف المباح قد يطلق على الأدوية، وقد يطلق على الأدعية.

5 انظر:"أعلام الموقعين"لابن القيم: (4/ 396) آخر فصل فتاوى النبي صلى الله عليه وسلم في الطب.

ص: 296

ومن الأدوية ما ذكر ابن بطال1 أن يأخذ سبع ورق من السدر ثم تدق بين حجرين، ثم تضرب بالماء، ثم يحسو منها ثلاثا ثم يغسل بالباقي2 قال ابن عباس وعائشة3 رضي الله عنهم:"كان غلام من اليهود يخدم النبي صلى الله عليه وسلم فدنت إليه اليهود فلم يزالوا به حتى أخذ مشاطة رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم وعدة أسنان من مشطه، فأعطاها اليهود، فسحروه4 فيها وتولى ذلك لبيد بن أعصم5 من بني زريق حليف اليهود، وقد كان منافقا، فنزلت المعوذتان6 فكان كلما قرأ آية انحلت عقدة، حتى انحلت العقد كلها، فقام7 النبي صلى الله عليه وسلم كأنما نشط من عقال".

1 هو: علي بن خلف بن عبد الملك بن بطال القرطبي المالكي، أبو الحسن كان من أهل العلم والمعرفة والفهم- عني بالحديث عن، الآية تامة-، وقد ألف شرحا لـ"صحيح البخاري"، توفي سنة 449هـ. انظر ترجمته في:"سير أعلام النبلاء": (18/47)،"الديباج المذهب":(2/ 105- 106)،"معجم المؤلفين":(7/ 87) .

2 انظر:"فتح الباري": (10/ 233) . وقد ذكر سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز عند هذا الموضع أن هذا ليس من البدع بل هو من باب التداوي المباح الذي يدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: عباد الله تداووا ولا تتداووا بحرام. انظر تعليقه على"فتح المجيد": (ص 316) ، طبعة دار العلم.

3 كلمة: (عائشة) سقطت من"ر"، وهي ثابتة في بقية النسخ.

4 في كل النسخ عدا"الأصل": (فسحروه)، وفي"الأصل"بالمفرد:(سحره) .

5 هو: لبيد بن أعصم، كان من يهود بني زريق، وهو الذي سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم في مشط ومشاطة في جف طلعة ذكر، وقد استمر الحال ستة أشهر حتى أنزل الله سورتي المعوذتين، فاستخرج السحر وأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم من يخرجه. انظر ترجمته في:"كتاب السيرة النبوية"لابن هشام: (2/ 157) ،"البد، الآية والنه، الآية": (6/ 45) .

6 في غير"الأصل": (المعوذات) بالجمع، وفي"الأصل"ما أثبته.

7 في"ر": (فقال) وهو تحريف ظاهر.

ص: 297

ويروى أنه لبث ستة أشهر، واشتد عليه ذلك ثلاث ليال فنزلت المعوذتان12.

وفي مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه "أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد اشتكيت؟ قال: نعم، قال: بسم الله أرقيك عن كل شيء يؤذيك، ومن شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك، بسم الله أرقيك "3.

عن عائشة- رضي الله عنها: " أن النبي صلى الله عليه وسلم سحر حتى كان يخيل إليه أنه صنع شيئا ولم يصنعه"4.

وفي البخاري: "كان يرى أنه يأتي النساء ولم يأتهن "5.

قال سفيان6 وهذا أشد ما يكون من السحر7.

1 في كل النسخ: (المعوذات)، وفي"الأصل":(المعوذتان) .

2 "تفسير البغوي": (4/ 546)، و"تفسير القرطبي":(20/ 254) . و"تفسير ابن كثير": (4/ 614) .

3 انظر:"صحيح مسلم مع شرح النووي": (14/ 420- 421، ح 40) ، كتاب السلام، باب الطب والمرض والرقى. و"سنن ابن ماجه":(2/ 1164، ح 3523) ، كتاب الطب، باب ما عوذ به النبي صلى الله عليه وسلم وما عوذ به. و"مسند الإمام أحمد":(5/ 323) .

4"صحيح البخاري مع الفتح": (6/ 334، ح 3268) ، كتاب بدء الخلق، باب صفة إبليس وجنوده. و"مسند الإمام أحمد":(6/ 57) . وجاء في"سنن النسائي": (7/ 112-113، ح 4080) بلفظ آخر عن زيد بن أرقم.

5"صحيح البخاري مع الفتح": (10/ 232، ح 5765) ، كتاب الطب، باب هل يستخرج السحر.

6 هو: ابن عيينة، كما صرح به ابن حجر في"الفتح":(10/ 234)، وقد تقدمت ترجمته. انظر:(ص 195) .

7 نفس المصدر السابق برقمه ومكانه.

ص: 298

‌باب ما جاء في التطير وغيره

وقول الله تعالى: {أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ} وقوله تعالى: {قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ

{باب ما جاء في التطير وغيره1}

{وقول الله تعالى: {أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ} يعني: ما أصابهم من الخيرات والجدبات والشر كله من الله، قال ابن عباس رضي الله عنهما: طائرهم ما قضى لهم وقدر لهم من عند الله، وفي رواية:"شؤمهم عند الله"، ومعناه: إنما جاءهم بكفرهم بالله، وقيل: الشؤم العظيم هو الذي لهم عند الله من عذاب النار2.

{وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ} يعني: ما أصابهم من الله تعالى3 وإنما قال: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ} لأن أكثر الخلق يضيفون الحوادث إلى الأسباب، ولا يضيفونها إلى القضاء والقدر4.

{وقوله تعالى: {قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ} 5} أي: شؤمكم معكم بكفركم وتكذيبكم، يعني: أصابكم الشؤم من قبلكم6 قال ابن عباس -رضي

_________

1 في"المؤلفات": (باب ما جاء في التطير) بدون قوله: (وغيره) .

2 انظر:"تفسير البغوي": (2/ 190) .

3 سورة الأعراف، ال، الآية:131.

4 انظر:"تفسير الفخر الرازي": (14/ 217) .

5 سورة يس، الآية:19.

6"تفسير البغوي": (4/ 9)، وانظر:"تفسير القرطبي": (15/ 16)، و"تفسير ابن الجوزي":(7/ 12) .

ص: 299

َإِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ}

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر " أخرجاه.

الله عنهما-:"حظكم من الخير والشر"1 {أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ} يعني: اتطيرتم لئن ذكرتم ووعظتم {بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ} 2 أي: في ضلالتكم وشرككم متمادون في غيكم3.

{عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر " أخرجاه4} فقال أعرابي: " ما بال الإبل تكون في الرمل كأنها الظباء، فيخالطها البعير الأجرب فيجربها؟ قال: فمن أعدى الأول 5") قال معمر6 قال الزهري7 فحدثني رجل عن أبي

_________

1"تفسير الطبري": (12/ 22/ 157)،"تفسير البغوي":(4/ 9)،"تفسير القرطبي":(15/ 16) .

2 سورة يس، الآية:19.

3"تفسير الزمخشري": (3/ 318) .

4 [135 ح]"صحيح البخاري مع الفتح": (10/ 215، ح 5757) ، كتاب الطب، باب لا هامة. و"صحيح مسلم مع شرح النووي":(14/ 464- 465، ح 101- 102) ، كتاب السلام، باب لا عدوى ولا طيرة

إلخ. انظر بقية تخريجه في الملحق.

5"صحيح البخاري مع الفتح": (10/ 171، ح 5717) ، كتاب الطب، باب لا صفر، و (10/ 241، ح 5770) ، كتاب الطب، باب لا هامة.

6 هو: معمر بن راشد الأزدي- أبو عروة بن أبي عمرو البصري، روى عن ثابت البناني وقتادة والزهري، كان فقيها حافظا متقنا ورعا، توفي سنة 152 هـ، أو 153 هـ. انظر ترجمته في:"تهذيب التهذيب": (10/ 243- 246)،"تذكرة الحفاظ":(1/ 190- 191)،"طبقات ابن سعد":(5/ 546) .

7 هو: محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله القرشي الزهري، تابعي، كان حافظا، حدث عن بعض الصحابة، قال الزهري: ما صبر أحد على العلم صبري ولا نشره أحد نشري، وقال عمر بن عبد العزيز عنه:(لم يبق أحد أعلم ماضيه من الزهري) ، وُلد سنة 50 هـ، وتوفي سنة 124هـ. انظر ترجمته في:"تذكرة الحفاظ": (1 / 108-113)،"تهذيب التهذيب":(9 / 445 - 451)،"حلية الأولياء":(3 / 360- 381) .

ص: 300

هريرة- رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لا يوردن ممرض على مصح 1") قال فراجعه الرجل فقال: أليس قد حدثتنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا عدوى ولا صفر ولا هامة " قال: لم أحدثكموه، قال الزهري: قال أبو سلمة2 قد حدث به، وما سمعت أبا هريرة نسي حديثا قط غيره3 قوله:"لا يوردن ممرض على مصح " قال الممرض الذي

1 [136 ح]"صحيح البخاري مع الفتح": (10 / 241، ح 5771) ، كتاب الطب، باب لا هامة."صحيح مسلم مع شرح النووي":(14 / 466، ح 2221) ، كتاب السلام، باب لا عدوى ولا طيرة ولا هامة. انظر بقية تخريجه في الملحق.

2 اسمه عبد الله، وقيل: إسماعيل بن عبد الرحمن بن عوف القرشي الزهري، الحافظ، أحد كبار التابعين وأعلام المدينة، عرف بكنيته، وقد حدث عن أبيه وأسامة بن زيد وعبد الله بن سلام وآخرين، وحدث عنه عروة والشعبي والزهري وغيرهم، وُلد سنة بضع وعشرين، وتوفي سنة 94هـ، وقيل: سنة 104هـ. انظر ترجمته في:"تذكرة الحفاظ": (1/63)،"تهذيب التهذيب":(12 / 115- 118)،"سير أعلام النبلاء":(4 / 287- 292) .

3 انظر الخبر في:"صحيح البخاري مع الفتح": (10 / 241، ح 5771) ، في نه، الآية الحديث الذي تقدم تخريجه. وفي"سنن أبي داود":(4 / 232، ح 3911) ، كتاب الطب، باب في الطيرة. وذكره النووي في"شرح مسلم":(14 / 464) كتاب السلام، باب لا عدوى ولا طيرة.

ص: 301

مرضت ماشيته، والمصح هو صاحب الصحاح1 قال النووي: إنما نهى عنه؟ لأنه ربما أصابها المرض المعدي بفعل الله وقدره، الذي أجرى به العادة لا بطبعه، فيحصل لصاحبها ضرر، ولئلا2 يقع في نفس صاحبها أن المرض يعدي بطبعه فيكفر3.

وفي البخاري ومسلم عن أسامة بن زيد4 رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تدخلوها، وإذا وقع بأرض وأنتم فيها فلا تخرجوا منها "5 قيل: علة النهي مخافة الفتنة على

1 انظر:"معالم السنن"للخطابي مع"مسند أبي داود": (14 / 231) . و"شرح النووي على صحيح مسلم": (14 / 468) ، كتاب السلام، باب لا عدوى ولا طيرة ولا هامة.

2 في بقية النسخ: (لئلا) بإسقاط الواو.

3 انظر:"شرح النووي على صحيح مسلم": (14 / 468) ، كتاب السلام، باب لا عدوى ولا طيرة ولا هامة.

4 هو: أسامة بن زيد بن حارثة الكلبي، أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم على جيش عظيم، فلما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم أنفذه أبو بكر وكان في غزاة فأدرك كافرا هو وأحد الأنصار، قال: فلما شهرنا عليه السلاح، قال: أشهد أن لا إله إلا الله فلم نبرح عنه حتى قتلناه فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرناه خبره فقال: يا أسامة، من لك بلا إله إلا الله، فقلت: يا رسول الله، إنما قالها تعوذا من القتل، فقال: من لك يا أسامة بلا إله إلا الله؟ فوالذي بعثه بالحق ما زال يرددها عليَّ حتى وددت أن ما مضى من إسلامي لم يكن وأني أسلمت يومئذ ، توفي آخر أيام معاوية سنة 58 هـ، وقيل: توفي سنة 54 هـ. انظر ترجمته في:"الإصابة": (1 / 31)،"أسد الغابة":(1 / 79- 81)،"طبقات ابن سعد":(4 / 61-72) .

5 [137 ح]"صحيح البخاري"، انظره مع"الفتح":(10 / 178- 179، ح 5728) ، كتاب الطب، باب ما يذكر في الطاعون. و"صحيح مسلم"أيضا انظره مع"شرح النووي":(14 /- 454- 455، ح 92 /2218) ، كتاب السلام، باب الطاعون والطيرة والكهانة. انظر بقية التخريج في الملحق.

ص: 302

الناس بأن يظنوا أن هلاك القادم إنما حصل بقدومه، وسلامة الفرار1 إنما كانت بفراره، ولا مخافة أن يصيبه غير القدر2.

قوله:"ولا طيرة" بكسر ففتح من التطير، التشاؤم بالطيور وغيرها3 والهامة بتخفيف الميم وهو طائر يتشاءمون به إذا صاح، وقيل: إنه يسكن الخربة، وقيل: هو دابة، وقيل: إن أهل الجاهلية كانوا يزعمون أنه إذا قتل منهم قتيل خرج طائر من القبر ينادي بأخذ الثأر، ممن قتله فنفاه نبينا صلى الله عليه وسلم4.

وقد أخرج [الطبري] 5 عن عكرمة قال: "كنت عند6 ابن عباس فمر طائر فصاح فقال: [رجل خير فقال] 7 لا عند هذا خير ولا شر"8

1 هكذا في كل النسخ، وفي المصدر:(الفار) .

2 انظر:"شرح النووي على صحيح مسلم": (14 / 456) على الحديث السابق الإشارة إليه.

3 انظر:"لسان العرب": (4/512)، مادة:(طير)، و"شرح النووي على صحيح مسلم":(14 / 469-470) . و"فتح الباري شرح صحيح البخاري": (10 / 212) ، كتاب الطب، باب الطيرة.

4 انظر:"لسان العرب": (12 / 624- 625)، مادة:(هوم)، و"فتح الباري على صحيح البخاري":(10 / 241) ، كتاب الطب، باب لا هامة، و"شرح النووي على صحيح مسلم":(14 / 466) ، كتاب السلام، باب لا عدوى ولا طيرة....

5 في كل النسخ: (الطبراني) ، وما أثبته هو الصواب كما صحح في"ش"، وكما هو في المصادر.

6 سقطت كلمة: (عند) من"ر"، وهي ثابتة في بقية النسخ.

7 ما بين القوسين سقط من"الأصل"، وأثبته من بقية النسخ.

8"فتح الباري على صحيح البخاري": (10 / 215) كتاب الطب، باب الفأل. ولم أجده في"تفسير الطبري"، فلعله في"تهذيب الآثار"أو غيره. أو لعله اعتمد على النقل من"فتح الباري". وانظر:"تفسير القرطبي": (7 / 266)

ص: 303

قوله:"ولا صفر " كانت العرب تزعم أن في البطن حية يقال لها: الصفر، تصيب الإنسان إذا جاع وتؤذيه، وأنها تعدي، فأبطل الإسلام ذلك1 وقيل2 أراد به [النسيء] 3 الذي كانوا يفعلونه في الجاهلية وهو تأخير المحرم إلى صفر، ويجعلون صفر هو الشهر الحرام فأبطله الإسلام4 وفي الحديث:"صفرة في سبيل الله خير من حمر النعم"5 أي: جوعه يقال: صفر الوطب6 إذا خلا من اللبن، قيل: إن رجلا أصابه الصفر فنعت له السكر7 [والصفراء] 8 اجتماع الماء في البطن، كما يعرض للمستسقي يقال: صفر فهو مصفور، وصفر صفرا فهو صفر، والصفر دود يقع في الكبد و [شراسف] 9 الأضلاع10 فيصفر منه

1 انظر:"لسان العرب": (4 / 463)، مادة:(صفر) . و"فتح الباري على صحيح البخاري": (10 / 171) ، كتاب الطب، باب لا صفر. و"شرح النووي على صحيح مسلم":(14 / 465- 466) ، كتاب السلام، باب 33.

2 في"ر": (قيل) بدون الواو.

3 في"الأصل"غير واضحة، وقد صححتها من النسخ الأخرى.

4 نفس المصادر بصفحاتها.

5 ذكره ابن حجر في"الفتح": (10 / 171) من غير سند ولا راو ولا إحالة. وهو في"غريب الحديث"لابن الجوزي: (1 / 593) . وفي"النه، الآية"لابن الأثير: (3 / 36) .

6 الوطب: سقاء اللبن، وجمعه أوطب وأوطاب، وهو جلد الجذع فما فوقه. انظر:"لسان العرب": (1 / 797)، مادة:(وطب) .

7 انظر:"فتح الباري": (10 / 171) ، قال ابن حجر عنده بأنه تقدم في الأشربة وهو كما ذكر في نفس الجزء (ص 79) .

8 في"الأصل"، و"ع"، و"ش":(الصفر) ، والمثبت من"ر".

9 في كل النسخ: (سراصيف) ، ولعلها قد صحفت، والمثبت هو الصواب كما في"القاموس":(ص 1064)، و"فتح الباري":(10 / 171) .

10 الشرسوف: غضروف معلق بكل ضلع أو مقط الضلع وهو الطرف المشرف على البطن. انظر:"القاموس المحيط": (ص 1064)، و"فتح الباري":(10 / 171) .

ص: 304

زاد مسلم: " ولا نواء ولا غول "

الإنسان جدا وربما قتله {زاد مسلم:" ولا نوء ولا غول 1"} فيه إبطال ما يتحدثون به [عنها] 2 من تغولها واختلاف ألوانها، وإضلالها الناس من الطريق وسائر ما يحكى عنها، يقول: لا تصدقوا بذلك، ولا تخافونها3 فإنها لا تقدر على شيء من ذلك إلا بإذن الله عز وجل وورد في الحديث:"الغيلان سحرة الجن4") قيل: إن خلقها خلق الإنسان، [ورجلها رجل حمار]5.

_________

1 زيادة:"ولا نوء"جاءت عند مسلم من رو، الآية العلاء عن أبيه عن أبي هريرة، وزيادة:(ولا غول) جاءت من رو، الآية جابر- رضي الله عنه. انظر:"صحيح مسلم مع شرح النووي": (14 / 468) ، كتاب السلام، باب لا عدوى ولا طيرة.

2 كلمة: (عنها) سقطت من"الأصل"، وألحقتها من بقية النسخ.

3 قوله: (الناس من الطريق وسائر ما يحكى عنها، يقول: لا تصدقوا بذلك ولا تخافونها) حذف من"ر".

4 الحديث في"مكائد الشيطان"لابن أبي الدنيا: (ص 24- 25، ح 3) سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الغيلان قال:" هم سحرة الجن "، وفي"أحكام الجان"للشبلي:(ص 36)، وفي"الجامع الصغير مع الفيض":(4 / 418، ح 825) . والحديث رمز له السيوطي بالضعف. وقد أورد ابن الأثير في"النه، الآية": (3 / 396) حديث:"لا غول ولكن السحالى"ثم قال: السحالى سحرة الجن لا أنه حديث. وذكر مثل ذلك النووي في"شرحه لمسلم": (14 / 367)، والقاضي عياض في"مشارق الأنوار":(2 / 140) .

5 في"الأصل": (قيل: إن خلقها خلق الإنسان ورجلاها رجلا حمار)، وقد ألحق في الهامش. (6) "فيض القدير شرح الجامع الصغير":(4 / 418) .

ص: 305

ولهما عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا عدوى ولا طيرة، ويعجبني الفأل، قالوا: وما الفأل؟ قال: الكلمة الطيبة "

حكي أنه لقي الغول1 جمع من الصحابة منهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين سار إلى الشام قبل الإسلام، وضربه بالسيف.2

{ولهما عن أنس) ابن مالك- رضي الله عنه {قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا عدوى ولا طيرة، ويعجبني الفأل، قالوا: وما الفأل؟ قال: الكلمة الطيبة "3 وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم" الفأل مرسل 4"- أي: من قبل الله عز وجل يستقبلك به كالبشير5.

_________

1 الغول: وجمعه غيلان، اختلف في كونه حقيقة أولا، وفي معنى نفي النبي صلى الله عليه وسلم له في قوله:"لا غول". وجمع بين ذلك بأن نفي وجود الغول ليس مرادًا، وإنما معناه إبطال ما تزعمه العرب من تلون الغول بالصور المختلفة واغتيالها، واستدل على وجودها وحقبها بحديث:"إذا تغولت الغيلان فنادوا بالآذان" وقد اختلف في تصحيح هذا الحديث فضعفه الألباني في "السلسلة الضعيفة": (3/277، ح1140)، وأورده ابن خزيمة في "صحيحه":(4/125، ح2549) . انظر: "النهاية في غريب الحديث": (3/393)، و"شرح النووي على صحيح مسلم": (14/467".

2 "فيض القدير شرح الجامع الصغير": (4/418) .

3 [138 ح]"صحيح البخاري مع الفتح": (10 / 244، ح 5776) ، كتاب الطب، باب لا عدوى. و"صحيح مسلم مع شرح النووي":(14 / 470، ح 112 / 2224) ، كتاب السلام، باب الطيرة والفأل وما يكون فيه من الشؤم. انظر بقية تخريجه في الملحق.

4 عزاه صاحب"كنز العمال": (10 / 115، ح 28581) إلى الحكيم عن الرويهب. وفي الجامع الصغير مع الفيض": (4 / 461، ح 5974) . والحديث رمز له السيوطي بالضعف.

5 انظر:"فيض القدير": (4/416) .

ص: 306

ولأبي داود بسند صحيح عن عقبة بن عامر

قال الحليمي1 (وإنما كان صلى الله عليه وسلم يعجبه الفأل؟ لأن التشاؤم سوء ظن بالله تعالى بغير سبب محقق، والتفاؤل حسن ظن به، والمؤمن مأمور بحسن الظن بالله تعالى على كل حال)2.

وهو أن يسمع الإنسان الكلمة الحسنة فيتفاءل بها، ويتبرك بها، مثل أن يسمع المريض قائلا يقول: يا سالم، والطالب الحاجة يا واجد، والطيرة بخلافها مأخوذة من اسم3 الطير.

{ولأبي داود بسند صحيح عن عقبة بن عامر4} رضي الله عنه

_________

1 هو: الحسين بن الحسن بن محمد بن حليم البخاري الشافعي- أبو عبد الله- مما ألفه:"المنهاج في شعب الإيمان"، وقد نقل البيهقي منه في كتابه"الشعب"كثيرا، كان من أذكياء زمانه ومن فرسان النظر، وُلد سنة 338 هـ، وتوفي سنة 403 هـ. انظر ترجمته في:"تذكرة الحفاظ": (3 / 1030- 1031)،"العبر":(2 / 205) ،"البد، الآية والنه، الآية": (11 / 390- 391) .

2 انظر: كتاب"المنهاج في شعب الإيمان"للحليمي: (2 / 25) مثله. وانظره نصا في"فتح الباري على صحيح البخاري": (10 / 215) ، كتاب الطب، باب الفأل.

3 قوله: (من اسم) سقط من"ر"، وهو ثابت في بقية النسخ.

4 في جميع النسخ، وفي"المؤلفات":(عقبة بن عامر) ، ولعل الشيخ محمد بن عبد الوهاب قد نقله عن ابن السني، والصواب عروة بن عامر. انظر تخريج الحديث، وانظر:"أسد الغابة": (3 / 525، ت 3642) ، وقد استدرك ذلك على المصنف في"فتح المجيد"و"تيسير العزيز الحميد"، واستدرك ذلك الدوسري في تخريجه لكتاب"التيسير":(ص 161)، وقد استدرك الألباني ذلك على ابن السني في"سلسلة الأحاديث الضعيفة":(4 / 123) .

ص: 307

قال: "ذكرت الطيرة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أحسنها الفأل، ولا ترد مسلما، فإذا رأى أحدكم ما يكره فليقل: اللهم لا يأت بالحسنات إلا أنت، ولا يدفع السيئات إلا أنت، ولا حول ولا قوة إلا بك "

وعن ابن مسعود مرفوعا: " الطيرة شرك

{قال: "ذكرت الطيرة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"أحسنها الفأل، ولا ترد مسلما "} بل يمضي في حاجته ويتوكل على الله تعالى الذي منه النفع والضر. {فإذا رأى أحدكم ما يكره فليقل: اللهم لا يأت بالحسنات إلا أنت، ولا يدفع السيئات إلا أنت، ولا حول ولا قوة إلا بك "1} يستحب إلى من سبق إلى قلبه الكراهة أن يدعو بهذا الدعاء فإنه يزيلها.

{وعن ابن مسعود} رضي الله عنه {مرفوعا: " الطيرة شرك "2}

_________

1"سنن أبي داود: (4 / 235، ح 3919) ، كتاب الطب، باب في الطيرة."السنن الكبرى"للبيهقي: (8 / 139) ،"عمل اليوم والليلة"لابن السني: (ص 144- 145، ح 293) . الحديث: مروي عن عروة بن عامر وليس عن عقبة، ولعله تصحيف من الناسخ أو صحف في المصدر الذي نقل منه الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله فهو في"عمل اليوم والليلة": (ص 144، ح 293) عن عقبة. والحديث: صدره الشيخ محمد بن عبد الوهاب بقوله: (بسند صحيح) ، وقال الألباني في"سلسلة الأحاديث الضعيفة" (4 / 123، ح 1619) : ضعيف الإسناد. وقد ضعفه الدوسري في"النهج السديد": (ص 161، ح 324) ، وكذا العصيمي في"الدر النضيد": (ص 103) .

2 في"المؤلفات"كرر قوله: (الطيرة شرك)، وهو هكذا في"سنن أبي داود"بزيادة قوله:(ثلاثا)، والمثبت موافق لـ"سنن الترمذي"إلا أنه في الترمذي بلفظ:"الطيرة من الشرك".

ص: 308

وما منا إلا، ولكن الله يذهبه بالتوكل " رواه أبو داود، والترمذي

يقدح في التوحيد {وما منا إلا} قال في"النهاية" هو من قول ابن مسعود1 أدرجه في الحديث2 هكذا جاء في الحديث ولم يذكر المستثنى، ومعناه: وما منا إلا من يعتريه التطير، ويسبق إلى قلبه الكراهة، فحذفه اختصارا للكلام، واعتمادا على3 فهم السامع4.

قال محمد بن إسماعيل5 كان سليمان بن حرب6 ينكر هذا ويقول: هذا الحرف ليس من كلام7 رسول الله صلى الله عليه وسلم وكأنه قول ابن مسعود- 8 -. {ولكن الله يذهبه بالتوكل} يعني: أن الواقع في القلب من ذلك مع كراهية لا يضر، إذا9 لم يرده ولم يعمل بذلك الخاطر غفره الله له ولم يؤاخذه به (رواه أبو داود، والترمذي

_________

1 زاد هنا في"الأصل"قوله: (ولكن) .

2 قوله: (هكذا جاء في الحديث) سقطت من بقية النسخ.

3 قوله: (على) سقطت من"ر".

4 انظر:"النه، الآية في غريب الحديث": (3 / 152) .

5 يعني: البخاري صاحب"الصحيح".

6 هو: سليمان بن حرب بن بجيل أبو أيوب الواشحي الأزدي البصري الإمام الثقة الحافظ، حدث عن شعبة وحماد بن سلمة، وجرير بن حازم، وروى عنه البخاري وأبو داود والحميدي، وقد ولي قضاء مكة ثم عزل، توفي سنة 224 هـ، وقيل غير ذلك، والأول أصح. انظر ترجمته في:"تذكرة الحفاظ": (1 / 393)،"تاريخ بغداد":(9 / 33)،"تهذيب التهذيب":(4 / 178- 180) .

7 هكذا في"الأصل": (كلام)، وفي بقية النسخ:(قول) .

8 انظر:"سنن الترمذي": (4 / 161)، و"فيض القدير":(4 / 294) .

9 هكذا في جميع النسخ، والسياق يستقيم بإضافة واو قبل إذا.

ص: 309

وصححه، وجعل آخره من قول ابن مسعود.

ولأحمد من حديث ابن عمرو- رضي الله عنهما: " من ردته الطيرة عن حاجته فقد أشرك، قالوا: فما كفارة ذلك؟ قال: أن يقول: اللهم لا خير إلا خيرك، ولا طير إلا طيرك [ولا إله غيرك] "

وصححه1 وجعل2 آخره من قول ابن مسعود3} أدرجه في الحديث.

{ولأحمد} رحمه الله {من حديث ابن [عمرو] 4 رضي الله عنهما:

"من ردته الطيرة عن حاجته فقد أشرك، قالوا: فما كفارة ذلك؟ قال: أن يقول: اللهم لا خير إلا خيرك، ولا طير إلا طيرك [ولا إله غيرك] "56

_________

1 [139 ح]"سنن أبي داود": (4 / 230، ح 3910) ، كتاب الطب، باب في الطيرة."سنن الترمذي":(4 / 160- 161، ح 1614) ، كتاب السير، باب ما جاء في الطيرة. الحديث: قال فيه الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وروى بالسند عن سليمان بن حرب أنه قال إن قوله:"وما منا إلا ولكن الله يذهبه بالتوكل"من قول عبد الله بن مسعود. وصححه الألباني في"سلسلة الأحاديث الصحيحة": (1 / 716، ح 429) . انظر بقية تخريج الحديث والحكم عليه في الملحق.

2 يعني: الترمذي.

3 وذلك بما أورده من الرو، الآية السابقة عن سليمان بن حرب.

4 في كل النسخ: (ابن عمر) ، والمثبت من"المؤلفات"، وهو الموافق للمصادر.

5 زاد هنا في"المؤلفات"قوله: (ولا إله غيرك) ، وهو الموافق لأصل الحديث.

6 "مسند الإمام أحمد": (2 / 220)،"معجم الطبراني":"مجمع الزوائد": (5 / 105)،"عمل اليوم والليلة"لابن السني:(ص 144، ح 292)، باب ما يقول إذا تطير بشيء. الحديث: قال الهيتمي: فيه ابن لهيعة وحديثه حسن، وفيه ضعف، وبقية رجاله ثقات. وصححه الألباني كما في"سلسلة الأحاديث الصحيحة":(3 / 53- 54، ح 1065) .

ص: 310

وله من حديث الفضل بن العباس: " إنما الطيرة ما أمضاك أو ردك ".

يعني: الخير والشر والنفع والضر من الله، وبقضائه وقدره، ولا معبود بحق إلا هو جل وعلا.

{وله من حديث الفضل بن العباس1 "إنما الطيرة ما أمضاك أو ردك"2 يعني: حقيقة الطيرة المذمومة ما أمضاك في الشيء أو ردك عنه شؤما وحذرا، وعملت3 بموجبه4.

تتمة: عن سعد بن (مالك) أبي وقاص5 رضي الله عنه أن رسول

_________

1 هو: الفضل بن العباس بن عبد المطلب الهاشمي ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أكبر إخوانه، غزا مع النبي صلى الله عليه وسلم مكة وحنينا، وثبت معه يومئذ، وشهد معه حجة الوداع، مات في طاعون عمواس سنة 18 هـ. انظر ترجمته في:"طبقات ابن سعد": (7 / 399)،"أسد الغابة":(4 / 66)،"الإصابة":(8 / 102- 103) .

2"مسند الإمام أحمد": (1 / 213)،"مسند الطيالسي":"المنحة": (1 / 348، ح 1779) . الحديث: قال فيه ابن مفلح في"الآداب الشرعية"(3 / 361) : رواه أحمد من رو، الآية محمد بن عبد الله بن علاثة وهو مختلف فيه وفيه انقطاع.

3 في"ر": (علمت) ، وهو تصحيف ظاهر.

4 ذكر معنى هذا في"تيسير العزيز الحميد": (ص 440)، وفي"فتح المجيد":(ص 364) .

5 وهو المعروف بسعد ابن أبي وقاص، واسم أبي وقاص مالك بن أهيب- أبو إسحاق- القرشي الزهري المكي، أحد العشرة المبشرين بالجنة، وقد خاطبه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله:" يا سعد ارم فداك أبي وأمي "، وكان- رضي الله عنه مستجاب الدعوة، توفي- رضي الله عنه سنة 56 هـ، وقيل: 58 هـ، وله من العمر 82 سنة. انظر ترجمته في:"طبقات ابن سعد": (3 / 139- 149)،"حلية الأولياء":(1 / 92- 95)،"سير أعلام النبلاء":(1 / 92)،"أسد الغابة":(2 / 214- 217) .

ص: 311

الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "لا هامة ولا عدوى ولا طيرة وإن تكن الطيرة في شيء ففي الفرس والمرأة والدار "1 قيل: شؤم الدار ضيقها وسوء جوارها، وشؤم الفرس أن لا يغزو عليها، وشؤم المرأة أن لا تلد2 وقيل: إن كانت لأحدكم دار يكره سكناها أو امرأة يكره صحبتها أو فرس لا يعجبه ارتباطه3 فيفارق المرأة، وينتقل عن الدار ويبيع الفرس4.

وفي الحديث قال النبي صلى الله عليه وسلم " ثلاثة لا يسلم منها أحد: الطيرة والحسد والظن، قيل: فما نصنع؟ قال: إذا تطيرت فامض، وإذا حسدت فلا تبغ، وإذا ظننت فلا تحقق "5.

1 [140 ح]"سنن أبي داود": (4 / 236، ح 3921) ، كتاب الطب، باب في الطيرة،"مسند الإمام أحمد":(1 / 174) . الحديث صححه الألباني. انظر:"سلسلة الأحاديث الصحيحة": (2 / 431، ح 789) . و"صحيح سنن أبي داود": (2 / 3320) . انظر بقية تخريجه في الملحق.

2 معالم السنن مع"سنن أبي داود": (4 / 237) .

3 في"ر"، و"ع":(ارتباطها) .

4 انظر: معنى ذلك في:"فتح الباري": (6 / 62) ، كتاب الجهاد، باب ما يذكر من شؤم الفرس.

5 [141 ح]"النه، الآية في غريب الحديث": (3 / 152)، وهو بلفظه. وانظر:"شعب الإيمان"للبيهقي: (2 / 63، ح 1172)، و"مصنف عبد الرزاق":(10 / 403، ح 19504) . الحديث: مروي من طريق إسماعيل بن أمية. والحديث قال فيه ابن حجر في"الفتح"(10 / 213) : هذا مرسل أو معضل لكن له شاهد وذكره. وقد ورد له شاهد آخر عند الطبراني كما في"مجمع الزوائد": (8 / 78) عن حارثة بن النعمان. وقال الهيتمي: فيه إسماعيل بن قيس الأنصاري وهو ضعيف. انظر بقية التخريج في الملحق.

ص: 312

‌باب ما جاء في التنجيم

قال البخاري في"صحيحه": قال قتادة: "خلق الله هذه النجوم لثلاث: زينة للسماء، ورجوما للشياطين، وعلامات يهتدى بها، فمن أول فيها غير ذلك أخطأ وأضاع نصيبه، وتكلف ما لا علم له به"

{باب ما جاء في التنجيم}

{قال البخاري في"صحيحه": قال قتادة: "خلق الله هذه النجوم لثلاث: زينة للسماء، ورجوما للشياطين، وعلامات يهتدى بها، فمن أول1 فيها غير ذلك أخطأ وأضاع نصيبه، وتكلف ما لا علم له به"2} .

_________

1 في"المؤلفات": (تأول) ، وهو الموافق لـ"صحيح البخاري".

2 [9 ث]"صحيح البخاري مع الفتح": (6 / 295) ، كتاب بدء الخلق، باب في النجوم،"تفسير الطبري":(29 / 3- 4) . انظر بقية تخريج الأثر في الملحق. وقد علق الداودي كما في"فتح الباري": (6 / 295) على كلام قتادة فقال: (قول قتادة في النجوم حسن إلا قوله أخطأ وأضاع نفسه، فإنه قصر في ذلك بل قائل ذلك كافر) اهـ. ثم قال ابن حجر: (ولم يتعين الكفر في حق من قال ذلك، وإنما يكفر من نسب الاختراع إليها، واما من جعلها علامة على حدوث أمر في الأرض فلا) . وقد قسم الشيخ سليمان بن عبد الله في"تيسير العزيز الحميد": (ص 441- 442) التنجيم من حيث الحكم إلى ثلاثة أقسام: 1- قسم كفر بإجماع المسلمين وهو القول بأن الموجودات في العالم السفلي مركبة على تأثير الكواكب والروحانيات وأن الكواكب فاعلة مختارة. 2- وقسم محرم ومختلف في تكفير قائله ورجح هو تكفيره، وهو الاستدلال على الحوادث الأرضية بمسير الكواكب واجتماعها وافتراقها ونحو ذلك. 3- وقسم جائز وهو تعلم المنازل، وقد كان من السلف من يكره تعلمه.

ص: 313

وكره قتادة تعلم منازل القمر ولم يرخص ابن عيينة فيه، ذكره حرب

قال الشاعر القحطاني1 في"نونيته":

إن النجوم على ثلاث أضرب

فاسمع مقال الناقد الدهقان

بعض النجوم جعلن زينا للسماء

كالدر فوق قلائد النسوان

ومعالما تهدي المسافر للسرى

ورجوم كل مثابر شيطان2

والمنهي من علم النجوم ما يدعى من علم الكوائن3 التي ستقع في مستقبل الزمان من المطر والمرض ونحوها، وأما ما يستدل به على أوقات الصلاة ومعرفة القبلة ففرض كفاية، وقد يكون فرض عين في نحو السفر.4

قال الشيخ- رحمه الله تعالى-: {وكره قتادة تعلم منازل القمر، ولم يرخص ابن عيينة فيه، ذكره حرب5

_________

1 نسبت هذه القصيدة لأبي محمد بن عبد الله بن محمد الأندلسي القحطاني السلفي المالكي، ونسبت إلى محمد بن صالح القحطاني المعافري الأندلسي، وكان فقيها حافظا، توفي سنة 387 هـ. انظر ترجمته في:"الأعلام": (6 / 162)،"الأنساب"للسمعاني:(1 / 345) .

2"نونية القحطاني": (ص 26- 27)، وانظر:"ديوان مشرف": (ص 130) .

3 قوله: (ما يدعى) سقط من"ر".

4 انظر:"معالم السنن مع سنن أبي داود": (4 / 226-227) .

5 هو: الإمام الحافظ حرب بن إسماعيل أبو محمد الكرماني الفقيه تلميذ الإمام أحمد بن حنبل، روى عن أحمد وإسحاق بن راهويه وسعيد بن منصور، وروى عنه القاسم بن محمد الكرماني وأبو حاتم الرازي وأبو بكر الخلال، وله كتاب"المسائل"، توفي سنة 239 هـ. = = انظر ترجمته في:"المنهج الأحمد في تراجم أصحاب الإمام أحمد": (1 / 394)،"تذكرة الحفاظ":(2 / 613)،"شذرات الذهب":(2 / 176)،"سير أعلام النبلاء":(13 / 244) .

ص: 314

عنهما، ورخص في تعلم المنازل أحمد وإسحاق. انتهى.

عنهما،1 ورخص في تعلم المنازل أحمد وإسحاق.2 انتهى) .

والجبال علامات النهار، والنجوم علامات الليل، ورد الله سبحانه وتعالى على الفلاسفة والمنجمين بقوله عز وجل {وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ} 3 لأنهم يعتقدون أن هذه النجوم هي الفاعلة المتصرفة في العالم السفلي، فأخبر الله تعالى أن هذه النجوم مسخرات في نفسها مذلالات لأمر ربها، مقهورات تحت قهره، ويصرفها كيف يشاء ويختار، وأنها ليس لها تصرف في نفسها4 فضلا عن غيرها، خلقها لمنافع عباده.

_________

1 ذكر الشيخ سليمان بن عبد الله صاحب"تيسير العزيز الحميد"أن هذين الأثرين عن قتادة وابن عيينة ربما رواهما حرب في كتابه"المسائل التي سئل عنها الإمام أحمد". انظر:"تيسير العزيز الحميد": (ص 449) .

2 هو: إسحاق بن إبراهيم بن مخلد بن إبراهيم- المعروف بابن راهويه- المروزي، كان إماما عالما حافظا، سمع من ابن المبارك، قال عنه الإمام أحمد: لا أعلم بالعراق له نظيرا، قال عنه محمد بن أسلم: ما أعلم أحدا كان أخشى لله من إسحاق. وُلد سنة 161 هـ، وتوفي سنة 237 هـ. انظر ترجمته في:"تهذيب التهذيب": (1 / 216- 219)،"شذرات الذهب":(2 / 89)،"معجم المؤلفين":(2 / 228) .

3 سورة النحل، الآية:12.

4 قوله: (مذلالات لأمر ربها، مقهورات تحت قهره، ويصرفها كيف يشاء ويختار، وأنها ليس لها تصرف في نفسها) سقط من النسخ الأخرى غير"الأصل".

ص: 315

قال الشاعر لله دره:

لا ترقم النجم في أمر تحاوله

وانهض بعزم وجد أيها الرجل

مع السعادة ما للنجم من أثر

فلا يضرك مريخ ولا زحل

واعزم متى شئت فالأوقات واحدة

فالله يفعل لا جدي ولا حمل1

عن الربيع بن سبرة الجهني2 قال: "لما غزا عمر بن الخطاب- رضي الله عنه، وأراد الخروج إلى الشام خرجت معه، فلما أراد أن يدلج نظرت إلى السماء فإذا القمر في الدبران،3 فأردت أن أذكر لعمر، فعرفت أنه يكره ذكر النجوم، فقلت له: يا أبا حفص، انظر إلى القمر، ما أحسن استواءه الليلة، فنظر فإذا هو في الدبران، فقال: قد عرفت4 ما تريد يا ابن سبرة، تقول: إن القمر في الدبران، والله ما نخرج لا بشمس ولا بقمر إلا بالله الواحد القهار"5.

1 انظر: الأبيات الماضية.

2 هو: الربيع بن سبرة بن معبد الجهني المدني، تابعي ثقة، روى عن أبيه، وله صحبة، وعمر بن عبد العزيز وعمرو بن مرة الجهني، وروى عنه عبد الملك وعبد العزيز ابنا الربيع بن سبرة. انظر ترجمته في:"تهذيب التهذيب": (3/244)،"الجرح والتعديل":(3/ 462) .

3 الدبران: بفتح الدال والباء- سمي بذلك لاستدباره الثريا وهو نجم أحمر صغير منير، ويطلقون عليه- أيضا- المجدح- بكسر أو ضم الميم وسكون الجيم وفتح الدال. انظر:"فتح الباري": (2 / 524) ، كتاب الاستسقاء.

4 في"ر": (ما عرفت) ، وهو خطأ من الناسخ، ويخالف النسخ الأخرى.

5 انظر:"تهذيب تاريخ ابن عساكر": (5 / 305)، وفي"أصل تاريخ ابن عساكر"المخطوط:(6 / 218) .

ص: 316

عن أبي موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ثلاثة لا يدخلون الجنة: مدمن خمر، وقاطع رحم، ومصدق بالسحر" رواه أحمد وابن حبان في"صحيحه".

{عن أبي موسى} الأشعري1 رضي الله عنه {قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ثلاثة لا يدخلون الجنة: مدمن الخمر، وقاطع الرحم، ومصدق بالسحر "2 رواه أحمد وابن حبان3 في"صحيحه" قوله:" مدمن خمر "

_________

1 هو: عبد الله بن قيس بن سليم بن حضار- أبو موسى الأشعري- صحابي جليل، كان عالما صالحا، حسن الصوت بالقرآن، وكان عابدا صواما قواما كبير القدر، وهو أحد الحكمين بين علي ومعاوية، كان مع معاذ- رضي الله عنه على اليمن في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ولي في عهد عمر وعثمان وعلي، توفي- رضي الله عنه في مكة سنة 42 هـ، وقيل: سنة 44 هـ. انظر ترجمته في:"تذكرة الحفاظ": (1 / 23- 24)،"أسد الغابة":(3 / 263- 265)،"الإصابة":(6 / 194- 196) .

2 في"المؤلفات"قدم: (مصدق بالسحر) ، والصواب الموافق للأصول ما أثبت من النسخ الخطية.

3"مسند الإمام أحمد": (4 / 399) ."صحيح ابن حبان":"الإحسان": (7 / 366- 367، ح 5322) . وأخرجه الطبراني وأبو يعلى"مجمع الزوائد": (5 / 74) . الحديث- كما ترى- قد أخرجه ابن حبان في"صحيحه". وكذلك أخرجه الحاكم في"المستدرك"(4/146) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وحسنه الألباني. انظر:"سلسلة الأحاديث الصحيحة": (2 / 295) . وضعف بعض زياداته. انظر:"سلسلة الأحاديث الضعيفة": (3 / 658، ح 1463) .

ص: 317

هو الذي يداوم شربها، ويلازمه، وعنه صلى الله عليه وسلم " الخمر1 أم الخبائث2 ") .

وفي الحديث: " مدمن الخمر كعابد الوثن 3") وهذا تغليظ في أمرها وتحريمها، و"قاطع الرحم": الذي يقطع صلة أرحامه.

عن أبي هريرة- رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الله تعالى خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال: نعم، قال: أما ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك، قالت: بلى، قال: فذاك لك، " ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقرؤوا إن شئتم {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} 4 رواه البخاري، ومسلم.5

1 قوله: (هو الذي يداوم شربها، ويلازمه، وعنه صلى الله عليه وسلم الخمر) سقط من"ر"، وذلك لسبق نظره إلى كلمة:(الخمر) المتأخرة.

2"معجم الطبراني الأوسط"كما في"المجمع": (5 / 72) . و"مسند الشهاب"للقضاعي: (1 / 68، ح 38)،"سنن الدارقطني":(4 / 247)، كتاب الأشربة. الحديث: قال الهيتمي: (وواه الطبراني في"الأوسط"عن شيخه شباب بن صالح، ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات، وفي بعضهم كلام لا يضر) . وحسنه الألباني كما في"السلسلة الصحيحة": (4 / 469، ح 1854) .

3 [142 ح]"التاريخ الكبير"للبخاري: (1 / 1 / 129، ح 5926) عن أبي هريرة، وعن عبد الله، ولعله ابن عباس. وجاء بلفظ:"مدمن الخمر إن مات لقي الله كعابد وثن"عن ابن عباس، وقد أخرجه الإمام أحمد في"المسند":(1 / 272) . الحديث: حسنه الألباني في"سلسلة الأحاديث الصحيحة": (2 / 292، ح 677)، فقال: إنه بمجموع طرقه حسن أو صحيح. انظر بقية تخريجه والحكم عليه في الملحق.

4 سورة محمد، الآيتان: 22-23.

5 [143 ح]"صحيح البخاري مع الفتح": (13 / 465- 466، ح 7502) ، كتاب التوحيد، باب قوله تعالى:{يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ} ."صحيح مسلم مع شرح النووي": (16 / 347- 348، ح 16 / 2554) ، كتاب البر والصلة والأدب، باب صلة الرحم وتحريم قطيعتها. انظر بقية تخريجه في الملحق.

ص: 318

وعنه صلى الله عليه وسلم قال: "إن الملائكة لا تنزل على قوم فيهم قاطع رحم " رواه الطبراني.1

وقال صلى الله عليه وسلم " الرحم معلقة بالعرش، تقول: من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله " رواه البخاري.2

وهو مأمور بوصلها، قال صلى الله عليه وسلم " من أحب أن يبسط له في رزقه وأن ينسأ في أثره فليصل رحمه " أخرجه البخاري عن أبي هريرة- رضي الله عنه.3

1 نسبه الهيثمي إلى الطبراني ولم يحدد. انظر:"مجمع الزوائد": (8 / 151)،"جمع الجوامع"للسيوطي. راجع:(ح 5926) . والحديث من حديث ابن أبي أوفى."الترغيب والترهيب": (3 / 345، ح 41) . والحديث قال فيه الهيثمي: وفيه آدم المحاربي وهو كذاب. وحكم عليه الألباني بالوضع في"ضعيف الجامع": (ح 1791 / 570) .

2 [144 ح] اللفظ ليس في"صحيح البخاري"، وإنما هو في"صحيح مسلم". انظره مع"شرح النووي":(16 / 348، ح 17 / 2555) ، كتاب البر والصلة والآداب، باب صلة الرحم وتحريم قطعها. وأما في البخاري فقد ورد بلفظ:"الرحم شجنة فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته"، وهو في"صحيح البخاري مع الفتح":(10 / 417، ح 5989) ، كتاب الأدب، باب من وصل وصله الله. والحديث: من رو، الآية عائشة- رضي الله عنها. انظر بقية تخريجه والحكم عليه في الملحق.

3 [145 ح]"صحيح البخاري مع الفتح": (10 / 415، ح 5985) ، كتاب الأدب، باب من بسط له في الرزق بصلة الرحم. إلا أنه بلفظ:"من سره"، لكن لفظ:"من أحب"جاء عن أنس بعده، ولعل الشارح قد خلط بينهما من حفظه أو نقله."صحيح مسلم مع شرح النووي":(16 / 350، ح 21 / 2557) ، كتاب البر والصلة، باب صلة الرحم. انظر بقية التخريج في الملحق.

ص: 319

‌باب ما جاء في الاستسقاء بالأنواء

وقول الله تعالى: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ}

قوله:"يبسط له في رزقه"، أي: يوسع1 له، وقوله:"ينسأ له"، أي: يؤخر له، وقوله:"في أثره"، أي: في أجله.

{باب ما جاء في الاستسقاء الأنواء} 2

{وقول الله تعالى: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ} أي: حظكم ونصيبكم {أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} قال الحسن في هذه الآية: خسر عبد لا يكون حظه من كتاب الله إلا التكذيب،3 وقال جماعة من المفسرين: معناه وتجعلون شكركم أنكم تكذبون- أي: بنعمة الله عليكم- وهذا في الاستسقاء بالأنواء، وذلك أنهم كانوا إذا مطروا يقولون: مطرنا بنوء كذا ولا يرون ذلك المطر من فضل الله عليهم، فقيل لهم: أتجعلون رزقكم، أي: شكركم بما رزقكم

_________

1 قوله: (في رزقه، أي: يوسع له) مثبت من"الأصل"، وقد سقط من بقية النسخ.

2 قوله: (بالأنواء) في"الأصل"و"المؤلفات"، وسقط من بقية النسخ.

3"تفسير الطبري": (13 / 27 / 209)، و"تفسير البغوي":(4 / 290) .

ص: 320

وعن أبي مالك الأشعري- رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أربع من أمر الجاهلية لا يتركونهن: الفخر بالأحساب، والطعن في الأنساب

التكذيب،1 فمن نسب الإنزال إلى النجم [فقد] 2 كذب برزق الله ونعمه، وكذب بما جاء به القرآن، والمعنى: تجعلون بدل الشكر التكذيب.

{وعن أبي مالك الأشعري- رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أربع من أمر3 الجاهلية لا يتركونهن: الفخر بالأحساب، والطعن في الأنساب " وكلهم لآدم وحواء قال صلى الله عليه وسلم " ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان، ولا الفاحش، ولا البذيء 4") وللترمذي وحسنه: " لينتهين أقوام

_________

1"تفسير البغوي": (4 / 290) .

2 كلمة: (فقد) سقطت من"الأصل"، وهي ثابتة في بقية النسخ.

3 هكذا في جميع النسخ، وفي"المؤلفات": (أربع في أمتي من أمر

) ، وهو الموافق لـ"صحيح مسلم".

4 [146 ح]"سنن الترمذي": (4 / 350، ح 1977) ، كتاب البر والصلة، باب ما جاء في اللعن."مسند الإمام أحمد":(1 / 404، 405)،"السنن الكبرى"للبيهقي:(10 / 193) . الحديث: مروي عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه. والحديث قال فيه الهيثمي في"مجمع الزوائد": (1 / 97) بعد أن أحاله على البزار: فيه عبد الرحمن بن مغراء وثقه أبو زرعة وجماعة وضعفه ابن المديني، وبقية رجاله رجال الصحيح. وصححه الألباني. انظر:"صحيح سنن الترمذي": (2 / 89، ح 1610) . انظر بقية تخريجه في الملحق.

ص: 321

يفتخرون بآبائهم الذين ماتوا، إنما هم فحم جهنم، أو ليكونن أهون على الله من الجعل،1 إن الله أذهب عنكم عبية الجاهلية، وفخرها بالآباء إنما هو مؤمن تقي، أو فاجر شقي، الناس بنو آدم [وآدم] ،2 خلق من تراب "3

العبية- بتشديد الباء وكسرها-: الكفر والفخر،4 وفي رواية:" قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية "5

وجاء في الحديث: " قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم من أكرم الناس؟ قال:

1 الجعل: دابة سوداء من دواب الأرض، جمعه جعلان، ويقال له: أبو جعران. انظر:"لسان العرب": (11 / 112)، مادة:(جعل) .

2 في"الأصل"، و"ر":(الناس بنو آدم خلق من تراب) . وفي بقية النسخ: (خلقوا من تراب) . وقد أضفت ما بين القوسين من مصادر الحديث.

3 [147 ح]"سنن الترمذي": (5 / 734، ح 3955) ، كتاب المناقب، باب فضل الشام واليمن."سنن أبي داود":(5 / 340) ، كتاب الأدب، باب في التفاخر بالأحساب. الحديث: من طريق أبي هريرة- رضي الله عنه. والحديث- كما ترى- قد حسنه الترمذي، ووافقه الألباني. انظر:"صحيح سنن الترمذي": (3 / 254، ح 3100) . انظر بقية تخريجه في الملحق.

4 وأما العين فتضم وتكسر. انظر:"غريب الحديث"للخطابي: (1 / 290)، وانظر:"معالم السنن في سنن أبي داود"في موضع الحديث.

5"مسند الربيع بن حبيب": (2 / 8، ح 419)، وانظر:"إتحاف السادة المتقين": (8 / 419) .

ص: 322

أكثرهم ذكرا للموت وأحسنهم استعدادا، قال الله تعالى:{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} 1.2

قال الشاعر:

بي الإسلام لا أب لي سواه

إذا افتخروا بقيس أو تميم3

وقال آخر:4

لعمرك ما الإنسان إلا ابن دينه

فلا تترك التقوى اتكالا على النسب

وقد رفع الإسلام سلمان الفارسي

كما وضع الشرك اللعين أبا لهب5

وعن أبي هريرة- رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا كان يوم القيامة أمر الله مناديا ينادي: ألا إني جعلت نسبا وجعلتم نسبا،

1 سورة الحجرات، الآية:13.

2 [148 ح]"سنن ابن ماجه": (2 / 1423، ح 4259) ، كتاب الزهد، باب ذكر الموت والاستعداد له."معجم الطبراني الصغير":"مجمع الزوائد": (10 / 309) . إلا أن الحديث قد صدر فيهما بـ"أي المؤمنين أكيس؟ أو من أكيس الناس؟ ". والحديث عن ابن عمر. والحديث قال فيه الهيثمي: (إسناده حسن) . وحسنه الألباني بمجموع طرقه. انظر:"سلسلة الأحاديث الصحيحة": (3 / 372- 373، ح 1384) . انظر بقية تخريجه في الملحق.

3 ذكر الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في"الأضواء": (7 / 635) أنه ينسب إلى سلمان الفارسي. وانظر:"الكامل"للمبرد: (3 / 179)، و"شعر الخوارج"لعبد الرزاق حسين:(ص 35) ، وقد نسباه إلى نهار بن توسعة.

4 قوله: (وقال آخر) سقطت من"ر"، وهي ثابتة في بقية النسخ.

5 انظر:"جامع العلوم والحكم"لابن رجب: (ص 305)، وانظر:"ديوان علي ابن أبي طالب"المنسوب إليه: (ص 12) .

ص: 323

والاستسقاء بالنجوم، والنياحة، وقال: النائحة إذا لم تتب قبل موتها، تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب".

فجعلت أكرمكم أتقاكم فأبيتم إلا أن تقولوا: فلان ابن فلان خير من فلان ابن فلان، فاليوم أرفع نسبي وأضع نسبكم، أين المتقون" وفي رواية:"فليقم المتقون"1

وعن جابر- رضي الله عنه قال: "خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في وسط أيام التشريق، فقال: يا أيها الناس إن ربكم واحد وإن أباكم واحد لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، ألا هل بلغت، قالوا: نعم يا رسول الله، قال: فليبلغ الحاضر الغائب "2

{والاستسقاء بالنجوم، والنياحة} على الميت {وقال: "النائحة إذا لم تتب قبل موتها، تقوم يوم القيامة وعليها سربال من قطران، ودرع من جرب "3

_________

1 [149 ح]"شعب الإيمان"للبيهقي: (4 / 289- 290، ح 5139، 5140) ."معجم الطبراني الصغير":"الروض": (1 / 383- 384، ح 632) ."تفسير السيوطي": (7 / 580)، وأحاله على الطبراني وابن مردويه. الحديث: قال الهيثمي في"مجمع الزوائد"(8 / 84) : فيه طلحة بن عمرو وهو متروك. وقال البيهقي بعد الرو، الآية الأولى الموقوفة: هذا هو المحفوظ بهذا الإسناد موقوف. انظر بقية التخريج في الملحق.

2"شعب الإيمان"للبيهقي: (4 / 289، ح 5137)،"الترغيب والترهيب":(3 / 612- 613، ح 9)، وأحاله على البيهقي. الحديث: قال البيهقي بعده: في هذا الإسناد بعض من يجهل.

3 قوله: (ودرع من جرب) طمست في"ر"، وهي ثابتة في النسخ الأخرى، وموافقة لنص الحديث في"صحيح مسلم".

ص: 324

رواه مسلم.

رواه مسلم.12

السربال3 والدرع كالقميص.

وفي رواية: "تجيء النائحة يوم القيامة تنبح كنبح الكلاب4") وعن أبي سعيد الخدري- رضي الله عنه قال: " لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم النائحة والمستمعة "5

_________

1 [150 ح]"صحيح مسلم مع شرح النووي": (6 / 489- 490، ح 29 / 934) ، كتاب الجنائز، باب التشديد في النياحة. و"السنن الكبرى"للبيهقي:(4 / 63) . انظر بقية تخريجه في الملحق.

2 زيد هنا في"ر"كلمة: (الدرع) خطأ إذ لا مناسبة لوجودها.

3 زيد هنا في"ع"كلمة: (الجرب) خطأ.

4 ونص هذه الرو، الآية كما جاء في"الترغيب والترهيب":(4 / 351، ح 13) :"إن هذه النوائح يجعلن يوم القيامة صفين في جهنم صف عن يمينهم، وصف عن يسارهم، فينبحن على أهل النار كما تنبح الكلاب"، وأحاله على الطبراني في"الأوسط"، وهو في"مجمع الزوائد":(3 / 14) . الحديث من رو، الآية أبي هريرة- رضي الله عنه. الحديث: قال الهيثمي: فيه سليمان بن داود اليمامي وهو ضعيف.

5 [151 ح]"سنن أبي داود": (3 / 493- 494، ح 3128) ، كتاب الجنائز، باب في النوح."مسند الإمام أحمد":(3 / 65) . الحديث فيه محمد بن الحسن بن عطية العوفي عن أبيه عن جده، وثلاثتهم ضعفاء، أفاده في تحقيق"شرح السنة":(5 / 439) . وقال الهيثمي في"مجمع الزوائد": (3 / 14) بعد أن أورد الحديث عن ابن عمر: رواه الطبراني في"الكبير"وفيه الحسن بن عطية وهو ضعيف. انظر بقية تخريجه في الملحق.

ص: 325

ولهما عن زيد بن خالد- رضي الله عنه قال: "صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح بالحديبية على إثر سماء كانت من الليل

واعلم أن النياحة رفع الصوت بالندب، وهو تعديد النادبة محاسن الميت، وقيل: هو البكاء مع تعديد محاسنه.

تنبيه: يحرم تهيئة الطعام للنائحات؟ لأنه إعانة على معصية {ولهما عن زيد بن خالد1 رضي الله عنه قال: صلى لنا رسول الله2 صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح بالحديبية} قال النووي: الحديبية معروفة، وهي بئر قريب من مكة دون مرحلة، ويجوز فيها تخفيف الياء وتشديدها، والتخفيف هو الصحيح المختار، وهو قول الشافعي وأهل اللغة، والتشديد قول وهب3 وأكثر المحدثين.4

{على إثر سماء كانت من الليل} السماء هنا: المطر؟ لأنه نزل منها، قال الشاعر:

_________

1 هو: زيد بن خالد الجهني، أبو عبد الرحمن، وقيل: أبو زرعة، وقيل: أبو طلحة، صحابي سكن المدينة وشهد الحديبية وكان معه لواء جهينة يوم الفتح، روى عنه من الصحابة: السائب بن يزيد والسائب بن خلاد الأنصاري، ومن التابعين: ابناه خالد وأبو حرب وابن المسيب، واختلف في وفاته بين سنة 72 هـ، وسنة 78 هـ، وسنة 50 هـ. انظر ترجمته في:"تهذيب التهذيب": (3 / 410- 411)،"أسد الغابة":(2 / 132- 133) .

2 في غير"الأصل": (قال: قال رسول الله

إلخ) ، وسقط قوله: (صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم .

3 تقدمت ترجمته (ص 13) .

4 انظر:"تهذيب الأسماء واللغات"للنووي: (3 / 1 / 81) .

ص: 326

فلما انصرف أقبل على الناس فقال: "هل تدرون ماذا قال ربكم؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي، كافر بالكوكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا، فذلك كافر بي

إذا سقط السماء بأرض قوم

رعيناه وإن كانوا غضابا1

وقال غيره:2

عصت عاد رسولهم فأمسوا

عطاشا ما تبلهم السماء

والإثر- بكسر الهمزة، وإسكان الثاء، ويقال:[بفتحهما]،3 لغتان4 "فلما انصرف أقبل على الناس فقال:" هل تدرون ماذا قال ربكم؟ "قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: 5 "أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا، فذلك كافر بي

_________

1 انظر:"شرح الخطابي على سنن أبي داود": (4 / 227)، وهو لمعاوية بن مالك. وانظر:"تفسير الشوكاني": (5 / 85) . وانظره في:"لسان العرب": (14 / 399)، مادة:(سمو) .

2 قوله: (وقال غيره) سقط من"ر".

3 كلمة: (بفتحهما) في"ر"، و"ع". وفي"الأصل"و"ش"بفتحها بالإفراد، وهو خطأ من الناسخ.

4 انظر:"لسان العرب": (4 / 5) . و"القاموس المحيط": (ص 435) .

5 في"المؤلفات"كرر قوله: (قال) ، وهو موافق لـ"صحيح مسلم"، والمثبت يتفق مع رو، الآية البخاري.

ص: 327

مؤمن بالكوكب"

مؤمن بالكوكب 1"2} النوء: واحد الأنواء من المنازل، وهي الكواكب الثمانية والعشرون التي هي منازل القمر، كانوا يزعمون أن القمر إذا نزل بعض تلك الكواكب مطروا، فأبطل رسول الله صلى الله عليه وسلم قولهم، وجعل سقوط المطر3 من فعله سبحانه دون فعل غيره، وقيل: النوء سقوط نجم من المنازل يقال: [ناء] 4 النجم ينوء إذا سقط وغاب، وقيل: ناء إذا ظهر وطلع.5

قال العلماء- رحمهم الله تعالى-: إن قال مسلم مطرنا بنوء كذا مريدا أن النوء هو الموجد والفاعل المحدث للمطر صار كافرا مرتدا مسلوب الإيمان خارجا عن ملة6 الإسلام بلا شك.7

_________

1 هكذا في"الأصل"و"ش"و"ع"، وهو الموافق للأصول الحديثية، وفي"ر":(الكواكب) بالجمع، وهو هكذا في كتاب"الأم"للإمام الشافعي:(1 / 252) .

2 [152 ح]"صحيح البخاري مع الفتح": (2 / 333، ح 846) ، كتاب الأذان، باب يستقبل الإمام الناس."صحيح مسلم مع شرح النووي":(2 / 419، ح 125 / 71) ، كتاب الإيمان، باب بيان كفر من قال: مطرنا بالنوء. انظر بقية تخريجه في الملحق.

3 صحفت في كل النسخ إلى: (القمر) .

4 هذا من"ر"و"ش"، وهو الموافق لما في"لسان العرب":(1 / 175- 176)، وفي"الأصل"و"ع":(أناء) .

5 انظر:"غريب الحديث"لابن الجوزي: (2 / 439- 440)، و"فتح الباري":(2 / 524) .

6 هكذا في"الأصل"، وفي بقية النسخ:(خارجا من دين الإسلام) .

7 وهذا مقيد بتحقق الشروط وانتفاء الموانع في ذلك الشخص.

ص: 328

وإن قال مريدا أنه علامة لنزول المطر فينزل المطر عند هذه العلامة ونزوله بفعل الله تعالى وخلقه لم يكفر، والمختار أنه مكروه; لأنه من ألفاظ الكفار، ومن شعار الجاهلية.

وهذا ظاهر الحديث، ونص عليه الشافعي- رحمه الله تعالى-. قال في"الأم"- وغيره والله أعلم-:(فمن لا يعتقد تدبيره وتأثيره فيكون المراد بالكفر كفر النعمة لله تعالى، لاقتصاره على إضافة الغيث إلى الكواكب) .1

ويؤيده حديث أبي هريرة- رضي الله عنه: " ما أنزل الله من السماء من بركة إلا أصبح فريق بها كافرين "2 فقوله:"بها" يدل على أنه كفر بالنعمة، والله أعلم.

1 انظر:"الأم"للشافعي: (1 / 252)، ونص قول الشافعي رحمه الله:(وأرى معنى قوله - والله أعلم-: أن من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك إيمان بالله لأنه يعلم أنه لا يمطر ولا يعطي إلا الله عز وجل، وأما من قال مطرنا بنوء كذا وكذا على ما كان بعض أهل الشرك يعنون من إضافة المطر إلى أنه أمطره نوء كذا فذلك كفر، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن النوء وقت والوقت مخلوق لا يملك لنفسه ولا لغيره شيئا ولا يمطر ولا يصنع شيئا، فأما من قال مطرنا بنوء كذا وكذا على معنى مطرنا بوقت كذا فإنما ذلك كقوله مطرنا في شهر كذا ولا يكون هذا كفرا وغيره من الكلام أحب إليَّ منه) .

2 [153 ح]"صحيح مسلم مع شرح النووي": (2 / 421- 422، ح 126 / 72) ، كتاب الإيمان، باب بيان كفر من قال مطرنا بالنوء."سنن النسائي":(3 / 164، ح 1524) ، باب كراهة الاستمطار بالكوكب. ولفظه يختلف يسيرا. انظر بقية التخريج في الملحق.

ص: 329

{ولهما من حديث ابن عباس} رضي الله عنهما {بمعناه، وفيه قال بعضهم: لقد صدق نوء كذا وكذا، فأنزل الله هذه الآية: {فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ} إلى قوله: {تُكَذِّبُونَ} 1 2 3"وعن أبي سعيد الخدري- رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لو أمسك الله القطر عن عباده خمس سنين لأصبحت طائفة من الناس كافرين يقولون: سقينا بنوء المجدح " أخرجه النسائي،4 المجدح- بكسر الميم وسكون الجيم

_________

1 هكذا في كل النسخ بالاختصار، وفي"المؤلفات"صرح بذكر الآيات إلى قوله:(تكذبون) .

2 سورة الواقعة، الآيات: 75ـ82

3 لم أجده في مظنته من"صحيح البخاري"، وهو في"صحيح مسلم"، انظره مع"شرح النووي":(2 / 422- 423، ح 127 / 73) ، كتاب الإيمان، باب بيان كفر من قال مطرنا بالنوء. ولم يعزه المزي في"تحفة الأشراف":(4 / 469) إلا إلى مسلم.

4 [154 ح]"سنن النسائي": (3 / 165، ح 1526) ، كتاب الاستسقاء، باب كراهية الاستمطار بالكوكب. و"مسند الإمام أحمد":(3 / 7) مع اختلاف يسير في الألفاظ. الحديث قال الألباني في"السلسلة الضعيفة"(4 / 210، ح 1721) : إسناده ضعيف. وانظر:"ضعيف سنن النسائي": (ص 60، ح 96 / 1526) . انظر بقية التخريج في الملحق.

ص: 330

‌باب قول الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ}

الآية.

وقوله تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ.

آخرها حاء مهملة-: نجم يقال له: الدبران.1

{باب) قول الله تعالى {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ} 2 الآية تقدم تفسيرها في باب تفسير التوحيد، وشهادة أن لا إله إلا الله3 وقوله تعالى:{قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ} وقرئ على الجمع وعشيراتكم،4 العشيرة: الأدنون

_________

1 انظر:"لسان العرب": (2 / 421)، مادة:(جدح) . وهناك قول آخر أنه ثلاثة كواكب كالأثافي تشبيها بالمجدح الذي له ثلاث شعب. وقيل: المجدح نجم صغير بين الدبران والثريا. وضبطها (المجدح) بكسر الميم وتسكين الجيم وفتح الدال. (الدبران) بفتح الدال المشددة وفتح الباء. انظر:"النه، الآية في غريب الحديث": (1 / 243)، و"لسان العرب":(2 / 421، 422) ، و (4 / 271) .

2 سورة البقرة، الآية:165.

3 انظر ذلك: (ص 115- 116) .

4 انظر:"تفسير البغوي": (2 / 277)، و"تفسير ابن الجوزي":(3 / 412)، و"تفسير الزمخشري":(2 / 181)، وزاد قوله:(وقرأ الحسن وعشائركم) .

ص: 331

وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ

من أهل الإنسان الذين يعاشرونه دون غيرهم1 {وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا} يعني: اكتسبتموها2 {وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا} يعني: بفراقكم لها3 {وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا} يعني: تستوطنوها راضين بسكناها4 {أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} يعني: أحب إليكم من الهجرة إلى الله ورسوله {وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ} 5 قال الله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ} 6 الآية، أي: فرض عليكم الجهاد.

روى البخاري ومسلم عن أبي ذر " أن رجلا قال: يا رسول الله، أي الأعمال أفضل؟ قال: إيمان بالله وجهاد في سبيله (7 وفي مسلم والترمذي والنسائي والبيهقي عن أبي هريرة قال: " قيل يا رسول الله، أخبرنا

_________

1 انظر:"تفسير ابن الجوزي": (3 / 412) .

2"تفسير الطبري": (6 / 10 / 98)، و"تفسير القرطبي":(8 / 95) .

3"تفسير الطبري": (6 / 10 / 98)، و"تفسير ابن الجوزي":(3 / 413) .

4 انظر:"تفسير البغوي": (2 / 277) .

5"تفسير الطبري": (6 / 10 / 99) .

6 سورة البقرة، الآية:216.

7 [155 ح]"صحيح البخاري مع الفتح": (5 / 148، ح 2518) ، كتاب العتق، باب أي الرقاب أفضل."صحيح مسلم مع شرح النووي":(2 / 433- 434، ح 136) ، كتاب الإيمان، باب بيان كون الإيمان بالله أفضل الأعمال. انظر بقية التخريج في الملحق.

ص: 332

َتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} .

بما يعدل الجهاد في سبيل الله؟ قال: لا تستطيعونه، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: مثل المجاهد في سبيل الله كمثل القائم الصائم القانت بآيات الله لا يفتر في صيام وصلاة حتى يرجع المجاهد إلى أهله 1.2")

{فَتَرَبَّصُوا} أي: فانتظروا3 {حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ} 4بقضائه، وهذا أمر تهديد وتخويف5 {وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} 6 يعني: الخارجين عن طاعته،7 بين الله سبحانه وتعالى أنه يجب تحمل المضار في الدنيا ليبقى

_________

1 [156 ح]"صحيح مسلم مع شرح النووي": (13 / 28، ح 110 / 1878) ، كتاب الإمارة، باب فضل الشهادة في سبيل الله تعالى. و"سنن الترمذي":(4 / 164، ح 1619) ، كتاب فضائل الجهاد، باب ما جاء في فضل الجهاد. و"سنن النسائي":(6 / 18، ح 3127) ، كتاب الجهاد، باب مثل المجاهد في سبيل الله عز وجل. و"السنن الكبرى"للبيهقي:(9 / 158) ، كتاب السير، باب فضل الجهاد في سبيل الله. انظر بقية تخريجه في الملحق.

2 من قوله: (قال الله تعالى: (كتب عليكم القتال...." إلى هنا، ألحقته من حاشية"الأصل"، وقد أشير لإلحاقه بالنص بإشارة، ولا يوجد في بقية النسخ.

3"تفسير الطبري": (6 / 10 / 99)، و"تفسير القرطبي":(8 / 95)، و"تفسير البغوي":(2 / 277) .

4 في"المؤلفات"توقف في ذكر ال، الآية إلى هنا ولم يتمها.

5 انظر:"تفسير البغوي": (2 / 277) .

6 سورة التوبة، الآية:24.

7"تفسير البغوي": (2 / 277) .

ص: 333

الدين سليما، وأنه يجب على المسلم ترجيح مصالح الدين على مصالح الدنيا، ويقدمها. ومن دقائق أسرار التوحيد الغامضة المحبة لله وإلى هذا المقام أشار في خطبته صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة حيث قال:" أحبوا الله من كل قلوبكم "1 وعلامة محبة الله تعالى متابعة نبيه صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} 2 قال الشاعر:

تعصي الإله وأنت تظهر حبه

هذا لعمري في القياس بديع

لو كان حبك صادقا لأطعته

إن المحب لمن يحب مطيع

في كل يوم يبتديك بنعمة

منه وأنت لشكر ذاك مضيع3

قال الحسن: قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم "إنا نحب ربنا حبا شديدا فأحب الله أن يجعل فيه علما فأنزل الله هذه الآية4 "عن أبي الدرداء.....

1"دلائل النبوة"للبيهقي: (2 / 524- 525)، وانظر:"كلمة الإخلاص"لابن رجب: (ص 36)،"سير ابن هشام":(2 / 146- 147)، وانظر:"كنز العمال": (16 / 124- 125، ح 44147) . والحديث من طريق أبي سلمة ابن عبد الرحمن بن عوف.

2 سورة آل عمران، الآية:31.

3 انظر:"كتاب الشفا"للقاضي عياض: (2 / 9- 10)، وانظر:"تفسير الآلوسي": (3 / 129)، وقد نسبها الآلوسي إلى الوراق. وذكره الغزالي في"الإحياء":(5 / 321)، وهو في"ديوان الشافعي":(ص 55)، وهو في"جامع العلوم والحكم منسوبا إلى بعض المتقدمين. انظر:(ص 397) .

4 يعني بال، الآية قوله تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ

} الآية: 24 من سورة التوبة. انظر:"تفسير الطبري": (3 / 3 / 232)، و"تفسير ابن الجوزي":(1 / 373)، و"تفسير السيوطي":(2 / 178)، و"كلمة الإخلاص"لابن رجب:(ص 33) .

ص: 334

عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين " أخرجاه.

رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " كان من دعاء داود عليه الصلاة والسلام: اللهم إني أسألك حبك وحب من يحبك، والعمل الذي يبلغني حبك، اللهم اجعل حبك أحب إلي من نفسي وأهلي، ومن الماء البارد " رواه الترمذي،1 وقال: حديث حسن.

{عن أنس) بن مالك- رضي الله عنه {أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين "[أخرجاه] .23

اعلم أن محبة نبينا صلى الله عليه وسلم شرط للإيمان حتى يكون أحب إليك من ولدك ووالدك والناس أجمعين، ومن نفسك أيضا.

_________

1"سنن الترمذي": (5 / 522- 523، ح 3490) ، كتاب الدعوات، باب 73."مستدرك الحاكم":(2 / 433)،"حلية الأولياء":(1 / 226- 227) . والحديث مروي عن أبي الدرداء- رضي الله عنه. والحديث قال عنه الترمذي- وقد نقله عنه الشارح-: حديث حسن. وقال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وتعقبه الذهبي. وضعفه الألباني. انظر:"ضعيف سنن الترمذي": (ص 453، ح 691) .

2 ما بين القوسين ألحقته من"المؤلفات"، وقد سقط من جميع النسخ، والصواب إثباتها بدلالة تخريج الحديث منهما، وبما جاء في أول الحديث الآتي من قوله:(ولهما) .

3 [157]"صحيح البخاري مع الفتح": (1 / 58، ح 15) ، كتاب الإيمان، باب حب الرسول صلى الله عليه وسلم من الإيمان. و"صحيح مسلم مع شرح النووي":(2 / 375، ح 70) ، كتاب الإيمان، باب وجوب محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم. انظر بقية تخريجه في الملحق.

ص: 335

ولهما عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما

عن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم لأنت أحب إلي من كل شيء إلا نفسي التي بين جنبي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:" لن يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه فقال عمر: والذي أنزل عليك الكتاب لأنت أحب إلي من نفسي التي بين جنبي، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم الآن يا عمر "1

وسئل علي بن أبي طالب- رضي الله عنه كيف كان حبكم لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"كان والله أحب إلينا من أموالنا وأولادنا وآبائنا وأمهاتنا، ومن الماء البارد على الظمأ "2

وحقيقة المحبة له صلى الله عليه وسلم متابعته والانقياد لسنته وعدم مخالفته.

{ولهما عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ثلاث من كن فيه وجد3 حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما " ومن هنا يعلم أنه لا تتم شهادة أن لا إله إلا الله إلا4 بشهادة أن محمدا رسول الله، فإنه

_________

1"صحيح البخاري مع الفتح": (11 / 523، ح 6632)، كتاب الأيمان والنذور."مسند الإمام أحمد":(4 / 336) . و"الشفا"للقاضي عياض: (2 / 19)، باب لزوم محبته صلى الله عليه وسلم. وفي"كنز العمال":(1 / 284، ح 1386) ، وعزاه إلى العدني في"الإيمان"ولم أجده فيه.

2"الشفا"للقاضي عياض: (2 / 22) .

3 في"المؤلفات"زيادة كلمة: (بهن) ، وفي النسخ المخطوطة لإسقاطها، ولا يتغير المعنى بالإسقاط أو الإثبات، والإسقاط يتفق مع رو، الآية البخاري، والإثبات يتفق مع رو، الآية مسلم.

4 في"ر"أسقط الناسخ كلمة: (إلا) سهوا، وهو خطأ كبير يغير المعنى.

ص: 336

إذا علم أنه لا تتم محبة الله إلا بمحبة رسوله وكراهة ما يكرهه، ولا طريق إلى معرفة ما يحبه وما يكرهه إلا من جهة محمد المبلغ عن الله ما يحبه وما يكرهه، فصارت محبة الله مستلزمة لمحبة رسوله وتصديقه ومتابعته، ولهذا قرن الله1 بين محبته ومحبة رسوله في الآية الكريمة التي في أول الباب، كما قرن بين طاعته وطاعة رسوله في مواضع كثيرة من القرآن.2

[سئل ذو النون3 متى أحب ربي؟ قال: إذا كان ما يبغضه عندك أمر من الصبر] 45

واعلم أنه ورد أدلة من الكتاب والسنة بوجوب محبة أهل البيت عليهم السلام6 واحترامهم قال الله تعالى: {قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَاّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} 7 وقال صلى الله عليه وسلم في حديث: "أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي- كررها ثلاثا " رواه مسلم.

1 لفظ الجلالة: (الله) سقط من"ر".

2"كلمة الإخلاص"لابن رجب: (ص 42- 43) .

3 هو: ثوبان بن إبراهيم المصري أبو الفياض أو أبو الفيض أحد الزهاد العباد المشهورين من أهل مصر، كانت له فصاحة وحكمة وشعر، قال السلمي: ذو النون أول من تكلم ببلدته في ترتيب الأحوال ومقامات الأولياء، فهجره علماء مصر، مات سنة 245 هـ، وقيل: 246 هـ، في مصر. انظر ترجمته في:"سير أعلام النبلاء": (11 / 532- 536)،"تاريخ بغداد":(8 / 393- 397)،"وفيات الأعيان":(1 / 315- 318) .

4 ما بين القوسين ألحقته من بقية النسخ الأخرى غير"الأصل".

5"حلية الأولياء": (9 / 363)، و"كلمة الإخلاص"لابن رجب:(ص 31) .

6 التعبير بـ عليه السلام لغير الأنبياء تقدم التنبيه عليه: (ص 21) .

7 سورة الشورى، الآية:23.

ص: 337

وغيره،1 وقال صلى الله عليه وسلم " أحبوا أهل بيتي بحبي " أخرجه الترمذي وحسنه، والحاكم، وقال: صحيح على شرط البخاري ومسلم.2

وقال صلى الله عليه وسلم للعباس- رضي الله عنه: " والذي نفسي بيده لا يدخل الإيمان قلب رجل حتى يحبكم الله ورسوله " رواه الإمام أحمد والحاكم وصححه3 إلى غير ذلك من الأحاديث النبوية.4

1 [158 ح]"صحيح مسلم مع شرح النووي": (15 / 188-189، ح 36) ، كتاب فضائل الصحابة، باب 4."مسند الإمام أحمد":(4 / 367) . انظر بقية التخريج في الملحق.

2 [159 ح]"سنن الترمذي": (5 / 664، ح 3789) ، كتاب المناقب، باب في مناقب أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم."المستدرك"للحاكم:(3 / 149- 150)، كتاب معرفة الصحابة. الحديث مروي عن ابن عباس. والحديث قال عنه الترمذي: حديث حسن غريب. وقال عنه الحاكم: صحيح على شرط البخاري ومسلم، وقد نقله الشارح عنهما كما ترى. وقد وافق الذهبي الحاكم على ذلك في"التلخيص". انظر بقية التخريج في الملحق.

3"مسند الإمام أحمد": (1 / 207)، و"مستدرك الحاكم":(3 / 333)، و"سنن الترمذي":(5 / 652، ح 3758) ، كتاب المناقب، باب مناقب العباس. والحديث قال الحاكم:(يزيد وإن لم يخرجاه فإنه أحد أركان الحديث في الكوفيين) . وقال الترمذي: (حديث حسن صحيح) . وضعف الألباني هذا الجزء من الحديث. انظر:"مشكاة المصابيح": (3 / 1735- 1736، ح 6147) ، كتاب المناقب، باب مناقب أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم.

4 الأسطر الماضية من قوله: (واعلم أنه ورد أدلة من الكتاب والسنة بوجوب محبة أهل البيت

إلى هنا) من"الأصل"، وقد سقط من النسخ الأخرى.

ص: 338

وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله

" وأن يحب المرء" المسلم " لا يحبه إلا لله" قال صلى الله عليه وسلم " المتحابون في الله على كراسي من ياقوت حول العرش "1 وقال صلى الله عليه وسلم " المؤمنون كرجل واحد إن اشتكى رأسه اشتكى كله، وإن اشتكى عينه اشتكى كله "2 قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} 3 وقال: {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} 4 عن النعمان بن بشير5 رضي الله عنه مرفوعا: "مثل

_________

1"معجم الطبراني":"مجمع الزوائد": (10 / 277)،"الكامل"لابن عدي:(4 / 1474)، وقد زاد كلمة:(أحمر) فقال: ياقوت أحمر."الجامع الصغير مع الفيض": (6 / 260، ح 9167) . الحديث عن أبي أيوب الأنصاري. والحديث قال فيه الهيثمي في"المجمع": وفيه عبد الله بن عبد العزيز الليثي وقد وثق على ضعف كثير. ورمز له السيوطي بالصحة. وقال ابن عدي بان إسناده غير محفوظ. وقال الألباني في"السلسلة الضعيفة"(2 / 96، ح 636) : منكر.

2"صحيح مسلم مع شرح النووي": (16 / 376 - 377، ح 67 / 2586) ، الرو، الآية الثانية، كتاب البر والصلة والآداب، باب تراحم المؤمنين. و"مسند الإمام أحمد":(4 / 271)،"حلية الأولياء":(4 / 126) . والحديث روي عن النعمان بن بشير.

3 سورة الحجرات، الآية:10.

4 سورة المائدة، الآية:54.

5 هو: النعمان بن بشير بن سعد الأنصاري الخزرجي، يكنى: أبا عبد الله، له ولأبيه صحبة، وهو يعد من صغار الصحابة، استعمله معاوية على حمص، ولما توفي معاوية = = دعا إلى بيعة ابن الزبير فخالفه أهل حمص فخرج فاتبعوه وقتلوه سنة 64 هـ. انظر ترجمته في:"الإصابة": (10 / 158- 159)،"أسد الغابة":(4 / 550- 553)،"طبقات ابن سعد":(6 / 53) .

ص: 339

المؤمنين في توادهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى "1 عن أبي هريرة- رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إن الله تعالى يقول يوم القيامة أين المتحابون بجلالي؟ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي " رواه أحمد ومسلم،2 وعن أبي هريرة- رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لو أن رجلين3 تحابا في الله عز وجل واحد في المشرق وآخر في المغرب لجمع الله بينهما يوم القيامة يقول: هذا الذي كنت تحبه في 4") وعن أبي هريرة- رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى

1 [160 ح]"صحيح البخاري مع الفتح": (10 / 438، ح 6011) ، كتاب الأدب، باب رحمة الناس والبهائم."صحيح مسلم مع شرح النووي":(16 /376، ح 66) ، كتاب البر والصلة، باب تراحم المؤمنين. انظر بقية تخريج الحديث في الملحق.

2"مسند الإمام أحمد": (2 / 338) . و"صحيح مسلم مع شرح النووي": (16 / 359، ح 37 / 2566) ، كتاب البر والصلة والأدب، باب فضل الحب في الله."سنن الدارمي":(2 / 221، ح 276) ، كتاب الرقائق، باب المتحابين في الله.

3 هكذا في"الأصل": (رجلين)، وفي بقية النسخ:(عبدين) ، وهو موافق لما في"شعب الإيمان"و"المشكاة"، وقد جاء بلفظ:(رجلين) في"تفسير ابن كثير": (4 / 144) .

4"مشكاة المصابيح": (3 / 1398، ح 5024)،"شعب الإيمان"للبيهقي:(6 / 492، ح 9022)،"تفسير ابن كثير":(4 / 144) .

ص: 340

وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه منه كما يكره أن يقذف في النار ".

تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم، أفشوا السلام بينكم " رواه مسلم.1

{وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقده الله منه} بالإسلام {كما يكره أن يقذف2 في النار 3 4"} ومن لم يكن كذلك كان ممن يعبد الله على حرف إن أصابه خير اطمأن به، وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة، لأن إيمانه ضعيف، ولم يحسن إسلامه.

_________

1 [161 ح]"صحيح مسلم مع شرح النووي": (2 / 395، ح 93 / 54) ، كتاب الإيمان، باب بيان أنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون. وكذا هو في"سنن الترمذي":(5 / 52، ح 2688) ، كتاب الاستئذان، باب في إفشاء السلام. انظر بقية التخريج في الملحق.

2 هكذا في"الأصل"، وهو الموافق لما في الأصول الحديثية، وفي بقية النسخ:(أن يقذف به) .

3 [162 ح]"صحيح البخاري مع الفتح": (1 / 60، ح 16) ، كتاب الإيمان، باب حلاوة الإيمان."صحيح مسلم مع شرح النووي":(2 / 372- 373، ح 67 / 43) ، كتاب الإيمان، باب بيان خصال من اتصف بهن وجد حلاوة الإيمان. انظر بقية تخريجه في الملحق.

4 جاء هنا في"المؤلفات"زيادة قوله: (وفي رو، الآية لا يجد أحد حلاوة الإيمان.... حتى إلى آخره) .

ص: 341

وعن ابن عباس- رضي الله عنهما[قال] : "من أحب في الله، وأبغض في الله، ووالى في الله، وعادى في الله، فإنما تنال ولاية الله بذلك، ولن يجد عبد طعم الإيمان وإن كثرت صلاته وصومه حتى يكون كذلك".

{وعن ابن عباس- رضي الله عنهما[قال] 1 "من أحب في الله، وأبغض في الله، ووالى في الله، وعادى في الله، فإنما تنال ولاية الله بذلك، ولن يجد عبد طعم الإيمان وإن كثرت صلاته وصومه حتى يكون كذلك"2

عن ابن عباس- رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر: "يا أبا ذر أي عرى الإيمان أوثق؟ قال: الله ورسوله أعلم، قال: الموالاة في الله، والحب في الله، والبغض في الله " رواه البيهقي في"شعب الإيمان"3.

وعن أبي ذر- رضي الله عنه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أتدرون أي الأعمال أحب إلى الله تعالى؟ " قال قائل: الصلاة والزكاة، وقال قائل: الجهاد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن أحب الأعمال إلى الله تعالى

_________

1 كلمة: (قال) سقطت من"الأصل"، وأثبتها من بقية النسخ.

2 كتاب"الزهد"لابن المبارك: (ص 120، ح 353) . وروي الحديث في"الحلية": (1 / 312) عن ابن عمر مرفوعا. وفي"معجم الطبراني الكبير"كما في"مجمع الزوائد": (1 / 90) عن ابن عمر أيضا موقوفا. والحديث قال الهيثمي عقبه: وفيه ليث ابن أبي سليم والأكثر على ضعفه.

3 [163 ح]"شعب الإيمان"للبيهقي: (7 / 70، ح 9513) . وقد روي الحديث عن ابن مسعود- رضي الله عنه في كثير من كتب السنة منها:"مستدرك الحاكم": (2 / 480)،"مسند أبي داود الطيالسي":(ص 50، ح 378) . انظر تفصيل التخريج في الملحق.

ص: 342

وقد صارت عامة مؤاخاة الناس على أمر الدنيا، وذلك لا يجدي على أهله شيئا رواه ابن جرير. وقال ابن عباس في قوله:{وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ} قال: المودة.

الحب في الله والبغض في الله " رواه أحمد.1 والحب في الله والبغض في الله والموالاة في الله، والمعاداة في الله، أصل من أصول الدين وبهما يكمل الإيمان.

{وقد صارت عامة مؤاخاة الناس على أمر الدنيا، وذلك لا يجدي على أهله شيئا رواه ابن جرير.2

وقال ابن عباس} رضي الله عنهما {في قوله: {وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ} 3 قال:"المودة"4} .

_________

1"مسند الإمام أحمد": (5 / 146) . وأورده الهيثمي في"مجمع الزوائد": (1 / 90)، وأحاله على"المسند". وأخرجه أبو داود في"سننه"طرفا منه. انظر:(5 / 7، ح 4599) ، كتاب السنة، باب مجانبة أهل الأهواء. و"مشكاة المصابيح":(3 / 5021) . والحديث قال فيه الهيثمي: فيه رجل لم يسم.

2 بحثت في تفسيره في مظانه فلم أجده. لكنه في كتاب"الزهد"لابن المبارك: (ص 120، ح 353)، باب جليس الصدق وغير ذلك. عن ابن عباس. وقد رواه أبو نعيم في"الحلية":(1 / 312)، لكنه عن ابن عمر مرفوعا."معجم الطبراني":"مجمع الزوائد": (1 / 90) من دون قوله: وذلك لا يجدي على أهله شيئا. قال الهيثمي في"مجمع الزوائد": وفيه ليث ابن أبي سليم والأكثر على ضعفه.

3 سورة البقرة، الآية:166.

4"تفسير الطبري": (2 / 2 / 71) ، ونقل ذلك أيضا عن مجاهد، وفي"المستدرك":(2 / 272) ، كتاب التفسير،"تفسير ابن كثير":(1 / 209)، و"تفسير السيوطي":(1 / 402) .

ص: 343

{باب}

{قول الله تعالى: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ} يعني: الشيطان يخوفكم يا معشر المؤمنين بأوليائه،1 وقيل: معناه يعظم أولياءه في صدوركم فتخافوهم2 3 {فَلا تَخَافُوهُمْ} يعني: فلا تخافوا أولياء الشيطان، ولا تقعدوا عن قتالهم ولا تجبنوا عليهم4 {وَخَافُونِ} أي: فجاهدوا في سبيلي مع رسولي فإني وليكم وناصركم5 {إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِين} 6 مصدقين بوعدي أني متكفل7 لكم بالنصر والظفر8 وإخلاص الخوف من الله تعالى من الفرائض ومن شروط الإيمان.

قال الفضيل بن عياض: من خاف الله خافه كل شيء، ومن لم يخف من الله خوفه من كل شيء9

_________

1"تفسير الطبري": (3 / 4 / 183)، و"تفسير القرطبي":(4 / 282) .

2 في"ر": (فتخافونهم) .

3"تفسير البغوي": (1 / 376) .

4 انظر:"تفسير الزمخشري": (1 / 481)، و"تفسير الرازي":(9 / 103) .

5 نفس المصدرين السابقين.

6 سورة آل عمران، الآية:175.

7 في"ر"حرفت إلى: (متكلف)، وفي"ع"حرفت إلى:(متكل) .

8 انظر:"تفسير البغوي": (1 / 376) .

9 انظر:"إحياء علوم الدين": (4 / 170) . قال العراقي في"المغني عن حمل الأسفار"في نفس الموضع من"الإحياء": الحديث رواه أبو الشيخ ابن حبان في كتاب"الثواب"من حديث أبي أمامة بسند ضعيف جدا. ورواه ابن أبي الدنيا في كتاب"الخائفين"بإسناد ضعيف معضل.

ص: 344

وقوله تعالى: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ

{وقوله تعالى: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} بين في1 هذه الآية من هو المستحق لعمارة المساجد، وهو من آمن بالله، فإن الإيمان شرط فيمن يعمر المسجد لأنه2 يعبد الله فيه، فمن لم يكن مؤمنا بالله امتنع أن يعمر مسجدا لله يعبد الله فيه،34 وقوله:{وَالْيَوْمِ الآخِرِ} يعني: وآمن باليوم الآخر أنه حق كائن لأن عمارة المسجد لأجل عبادة الله عز وجل وجزاء أجره إنما يكون في الآخرة، فمن أنكر الآخرة لم يعبد الله، ولم يعمر له مسجدا5 والإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم داخل في الإيمان بالله، فإن من آمن بالله واليوم الآخر فقد آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم6 {وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ} وكان ذلك مما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن أقام الصلاة وآتى الزكاة فقد آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم7 وقوله تعالى

_________

1 سقط حرف: (في) من النسخ الثلاث"ر"و"ع"و"ش".

2 في"ر": (لا يعبد الله فيه) ، وهو خطأ ظاهر مخالف لبقية النسخ.

3 قوله: (فمن لم يكن مؤمنا بالله امتنع أن يعمر مسجدا لله يعبد الله فيه) سقط من"ر"و"ش".

4 انظر:"تفسير الرازي": (16 / 9) .

5 نفس المصدر: (16 / 9) .

6 انظر:"تفسير الزمخشري": (2 / 180) .

7 قوله السابق: "وأقام الصلاة وآتى الزكاة

) إلى هنا) سقط من"ر"و"ع".

ص: 345

لَمْ يَخْشَ إِلَاّ اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ}

وقول الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ

{وَلَمْ يَخْشَ إِلَاّ اللَّهَ} 1 2يعني: ولم يخف في الدين غير الله، ولم يترك أمرا لخشية الناس.3

{وقول الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ} أي: أصابه بلاء من الناس افتتن {جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ} 4 أي: جعل أذى الناس وعذابهم كعذاب الله في الآخرة، والمعنى: أنه جزع من أذى الناس، ولم يصبر عليه، فأطاع الناس كما يطيع الله تبارك وتعالى من يخاف من عذابه56 وهو المنافق إذا أوذي في الله، رجع عن الدين وكفر7 {وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ} أي: وقع فتح ودولة للمؤمنين {لَيَقُولُنَّ} يعني: هؤلاء المنافقين للمؤمنين {إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ} أي: على عدوكم، وكنا مسلمين، وإنما أكرهنا حتى قلنا ما قلنا8 فأكذبهم الله تعالى فقال

_________

1 في كل النسخ جاءت ال، الآية إلى هنا، وفي"المؤلفات"أتم ال، الآية إلى قوله: فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين.

2 سورة التوبة، الآية:18.

3"تفسير البغوي": (2 / 274) .

4 في"المؤلفات"اقتصر في ال، الآية إلى هنا، وأشار إلى تمامها.

5 في غير"الأصل": (عقابه) .

6"تفسير البغوي": (3 / 462) .

7 بهذا فسره السدي وابن زيد. انظر:"المصدر السابق": (3 / 462) .

8 قوله: (ما قلنا) سقط من "ر".

ص: 346

أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا}

عن أبي سعيد الخدري- رضي الله عنه مرفوعا: " إن من ضعف اليقين أن ترضي الناس بسخط الله وأن تحمدهم على رزق الله

تعالى {أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ} أي: من الإيمان والنفاق

{وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا} 1 أي: صدقوا فثبتوا على2 الإسلام عند البلاء، قيل: نزلت هذه الآية في أناس كانوا يؤمنون بألسنتهم، فإذا أصابهم بلاء من الناس، أو مصيبة في أنفسهم افتتنوا3.

} عن أبي سعيد الخدري –رضي الله عنه مرفوعا:"إن من ضعف اليقين أن ترضى الناس بسخط الله4 {وذلك بأن تترك شيئا أوجبه الله عليك، أو تفعل شيئا حرمه الله عليك خوفا أو رجاء لغير الله تعالى، وتؤثر رضا المخلوق بما يسخط الخالق، وهو من ضعف اليقين، وعدم التصديق بوعد الله ووعيده} وأن تحمدهم على رزق الله {لأنهم لا يستحقون الحمد والثناء، فصرفك الثناء الذي يستحقه المنعم إلى من لا يستحقه من ضعف اليقين أيضا.

قال الشاعر:

لا تخضعن لمخلوق على طمع

فإن ذلك نقص منك في الدين

_________

1 سورة العنكبوت، الآية: 10-11.

2 في "الأصل": (في) ، والمثبت من بقية النسخ.

3 تفسير الآية إلى هذا الموضع منقول من "تفسير البغوي": (3/462) .

4 في "المؤلفات": (بسخط الله تعالى)، وفي بقية النسخ:(بسخط الله) ، وهو الموافق لأصل الحديث.

ص: 347

وأن تذمهم على ما لم يؤتك الله، إن رزق الله لا يجره حرص حريص ولا يرده كراهية كاره"

واسترزق الله مما في خزائنه

فإن ذلك بين الكاف والنون1

[ما لله موليك فضل فاحمدنه

فما لدى غيره نفع ولا ضرر] 2 3

{وأن تذمهم على ما لم يؤتك الله} قال الله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ} 4 ولا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع " {إن رزق الله لا يجره حرص حريص ولا يرده كراهية كاره} 5") لأن الرزق الذي قسمه الله وكتبه له وهو في بطن أمه لا يزيد ولا ينقص قال الشاعر:

أتعبت نفسك فيما لست تدركه

وضاع عمرك في هم وفي نكد

_________

1 انظر:"أدب الدنيا والدين": (ص 285)، و"جامع العلوم والحكم":(ص 202)، ولم يصرح فيهما بذكر القائل. وجاء ذكرهما في"الديوان"المنسوب لعلي ابن أبي طالب:(ص 96) .

2 هذا البيت سقط من"الأصل"، وأثبته من بقية النسخ.

3"شرح ابن عقيل": (1 / 169) ، ولم ينسبه لأحد.

4 سورة التوبة، الآية:58.

5"شعب الإيمان"للبيهقي: (1 / 221، ح 207) ."حلية الأولياء"لأبي نعيم: (5 / 106) ، (10 / 41)، وزاد:"وإن الله تعالى بحكمه وجلاله جعل الفرح والروح في الرضا، وجعل الهم والحزن في الشك والسخط". الحديث قال فيه البيهقي عقبه: بأن فيه محمد بن مروان وهو ضعيف. وقال الألباني في"سلسلة الأحاديث الضعيفة": (3 / 673- 674، ح 1482) بأن الحديث موضوع وآفته محمد بن مروان السدي.

ص: 348

وعن عائشة- رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من التمس رضا الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه الناس، ومن التمس رضا الناس بسخط الله سخط الله عليه، وأسخط عليه الناس"

لو طرت بين السماء والأرض مجتهدا

في شربة الماء فوق الرزق1 لم تجد

هون عليك فإن الرزق على قدر

يأتي ولو أنه في جبهة الأسد

وقال آخر:

إني لأعلم والأرزاق جارية

أن الذي هو رزقي سوف يأتيني

أسعى له فيعنيني تطلبه

ولو قعدت أتاني لا يعنيني2

وعن عائشة- رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من التمس رضا الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه الناس" لأنه آثر دينه على دنياه وآثر رضاء الله على رضا الناس، ووالى وعادى في الله تعالى، فرضي الله عنه جزاء وفاقا، وزاده فأرضى عنه الناس تفضلا منه وتكرما "ومن التمس رضا الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط [السخط: هو الغضب وهو ضد الرضا] ،3 عليه الناس" عامله الله بنقيض4 ما أراد من

_________

1 قوله: (فوق الرزق) سقطت من"ر".

2"ديوان عروة بن أذينة": (ص 385- 386)، و"عيون الأخبار"لابن قتيبة:(3 / 207) . ومعنى هذا البيت غير سليم، فإن طرق الأسباب للحصول على الرزق أمر محمود والقعود عنها مذموم، قال تعالى:{فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} (الملك: من الآية15) .

3 قوله: (السخط هو الغضب وهو ضد الرضا) سقط من"الأصل"، وأثبته من"ر"، وفي"ش"و"ع"جاء ذكره بعد الجملة:(وأسخط عليه الناس) .

4 في"ر"حرفت كلمة: (بنقيض) إلى: (بتفضيل) .

ص: 349

رواه ابن حبان في"صحيحه".

الناس، فأسخطهم عليه عقوبة [له] ،1 {رواه ابن حبان في"صحيحه"2} .

واعلم أن من التمس رضا الناس بسخط الله فقصده الدنيا وحطامها فيصير من عبيدها، ومن عبيد الهوى الذين أطاعوا هواهم وعصوا مولاهم، قال صلى الله عليه وسلم " تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد القطيفة، تعس عبد الخميصة، تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش (3

عن أبي هريرة- رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لعن الله عبد الدينار، وعبد الدرهم " رواه الترمذي.4

_________

1 المثبت من غير "الأصل"، وفي "الأصل":(عليه) .

2 [164 ح]"صحيح ابن حبان":"الإحسان": (1 / 247، ح 267) ."مسند الشهاب"للقضاعي: (1 / 300، ح 499) ."سنن الترمذي": (4 / 610، ح 2414) ، كتاب الزهد، باب 64، بلفظ يختلف يسيرا. والحديث صححه الألباني مرفوعا وموقوفا. انظر:"السلسلة الصحيحة": (5 / 392، ح 2311)، وتخريجه على"شرح الطحاوية":(ص 299) . انظر تخريجه مفصلا في الملحق.

3 [165 ح]"صحيح البخاري مع الفتح": (6 / 81، ح 2887) ، كتاب الجهاد، باب الحراسة في الغزو في سبيل الله."سنن ابن ماجه":(2 / 1386، ح 4136) ، كتاب الزهد، باب في المكثرين. الحديث عن أبي هريرة- رضي الله عنه. لزيادة تخريجه انظر الملحق. ومفردات هذا الحديث سيأتي شرحها:(ص 384) .

4"سنن الترمذي": (4 / 587، ح 2375) ، كتاب الزهد، باب 42،"مشكاة المصابيح":(3 / 1431، ح 5180) . والحديث قال الترمذي عقبه: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه.

ص: 350

{وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ} 1 {وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} 2 وقال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} 3

{باب}

{قول الله تعالى: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} 4 التوكل من الفرائض ومن شروط الإيمان وهو تفويض الأمر إلى الله تعالى ثقة بحسن تدبيره، وهو مقام عظيم من مقامات5 الأبرار، قال ذو النون:"التوكل هو خلع الأرباب وقطع الأسباب، وهو التعلق بالله في كل الأحوال فيكون الإنسان بين يدي الله تعالى كالميت بين يدي الغاسل يقلبه كيف يشاء"6

_________

1 سورة القصص، الآية:5.

2 سورة ص، الآية:26.

3 سورة محمد، الآية:28.

4 سورة المائدة، الآية:23.

5 في بقية النسخ جاء بصيغة الإفراد: (مقام) ، والأصح ما أثبت من"الأصل".

6 انظر:"إحياء علوم الدين": (4 / 281، 278) . هذه العبارة من الألفاظ المجملة التي لا تعطي التوكل معناه الشرعي الحقيقي، وقد بين أهل العلم أن الالتفات إلى الأسباب بالكلية شرك في التوحيد، ومحو الأسباب أن تكون أسبابا نقص في العقل، والإعراض عن الأسباب المأمور بها قدح في الشرع. انظر:"مجموع الفتاوى"لابن تيمية: (8 / 528) . وبينوا أن تحقيق التوكل لا ينافي السعي في الأسباب التي قدر الله سبحانه المقدورات بها وجرت سنته في خلقه بها. انظر:"جامع العلوم والحكم"لابن رجب: (ص 498) . وأما تشبيه المتعلق بالله في كل الأحوال بالميت بين يدي الغاسل فهو مقتبس مما يعبر به الصوفية عن حال المريدين مع شيوخهم. ولا وجه للتشبيهين.

ص: 351

وقول الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ

{وقول الله تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} من الله تعالى في هذه الآية ذكر1 صفات المؤمنين وأحوالهم فقال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ} ولفظة: {إنما} تفيد الحصر، والمعنى: ليس المؤمنين الذين يخالفون الله ورسوله إنما المؤمنون الصادقون في إيمانهم الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم، أي: خضعت وخافت ورقت قلوبهم، وقيل: إذا خوفوا بالله انقادوا خوفا من عقابه، وقال أهل الحقائق:2 الخوف على قسمين: خوف العقاب وهو خوف العصاة، وخوف الهيبة والعظمة وهو خوف الخواص لأنهم يعلمون عظمة الله عز وجل فيخافونه أشد خوفًا.

_________

1 في بقية النسخ سقطت كلمة: (ذكر) وهي في"الأصل".

2 التعبير بـ (أهل الحقائق) يرد في كلام العلماء، وقد يراد به الصوفية، وقد يراد به المتكلمون في السلوكيات مطلقا، ولعل الشارح أراد هنا الغزالي وابن القيم فقد ذكرا مثل كلامه كما سيأتي ذكر موضعه.

ص: 352

وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً.

وأما العصاة فيخافون عقابه، فالمؤمن إذا ذكر الله وجل قلبه وخاف على قدر مرتبته في ذكر الله عز وجل.1

والخوف ثمرة التوحيد، قال بعض العلماء: الخوف سوط يسوق الخائف إلى المقامات المحمودة.2

وقوله تعالى: {وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً} أي: إذا قرئ عليهم آيات القرآن زادتهم تصديقا،3 والإيمان هو التصديق بالقلب والإقرار باللسان والعمل بالجوارح، ويقبل الزيادة والنقص لقوله تعالى:

_________

1 انظر:"إحياء علوم الدين"للغزالي: (4 / 167)، و"مدارج السالكين"لابن القيم:(1 / 513)، ومعلوم أن الخوف إذا أطلق شمل القسمين بخلاف الهيبة والخشية والإجلال. قال ابن القيم في"مدارج السالكين" (1 / 512- 513) :(الوجل والخوف والخشية والرهبة ألفاظ متقاربة غير مترادفة) . ثم وضح ذلك بما ملخصه: أن الخوف هرب القلب من حلول المكروه عند استشعاره. والرهبة: الإمعان في الهروب من المكروه. والوجل: رجفان القلب وانصداعه لذكر من يخاف منه. والهيبة: خوف مقارب للتعظيم والإجلاء. وإن الخشية أخص من الخوف فإن الخشية للعلماء بالله كما قال تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} (فاطر: من الآية28)، وكما قال رسوله صلى الله عليه وسلم: إني أتقاكم لله وأشدكم له خشية. وأن الخوف لعامة المؤمنين- وهو الذي عبر عنه في قول الشارح- بـ (خوف العصاة) ، وأن الخشية للعلماء العارفين، والهيبة للمحبين، والإجلال للمقربين.

2 انظر:"الإحياء": (4 / 165)، و"المدارج":(1 / 513) .

3"تفسير ابن كثير": (2 / 297) .

ص: 353

{زَادَتْهُمْ إِيمَاناً} وإذا قبل الزيادة قبل النقص.1

قال الشيباني2 رحمه الله في"عقيدته":

إيماننا قول وفعل ونية ويزداد بالتقوى وينقص بالردى3

وقوله تعالى: {وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} 4 يعني: يفوضون جميع أمورهم إليه، ولا يرجون غيره، ولا يخافون سواه.

واعلم أن المؤمن إذا كان واثقا بوعد الله ووعيده كان من المتوكلين عليه لا على غيره، وهذه درجة عالية ومرتبة شريفة.

وهذه المراتب الثلاث- أعني: الوجل عند ذكر الله، وزيادة الإيمان عند تلاوة القرآن، والتوكل على الله- من أعمال القلوب.

{وقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} 5}

_________

1 وهذا هو التعريف الصحيح للإيمان الموافق لما جاء في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولما سار عليه السلف الصالح من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليوم.

2 هو: محمد بن الحسن- أبو عبد الله- من أصحاب أبي حنيفة، وأخذ عن مالك، قيل: إنه لما احتضر قيل له: أتبكي مع العلم؟ قال: أرأيت إن أوقفني الله، وقال: يا محمد، ما أقدمك الري الجهاد في سبيلي أم ابتغاء مرضاتي ماذا أقول؟ وقد نسب الشيبانية له في"كشف الظنون"و"هدية العارفين"، توفي سنة 189 هـ. انظر ترجمته في:"سير أعلام النبلاء": (9 / 134- 136)، و"كشف الظنون":(2 / 1142)، و"هدية العارفين"مع"كشف الظنون":(6 / 8) .

3 انظر: متن الشيبانية ضمن"مجموع المتون": (ص 36) .

4 سورة الأنفال، الآية:2.

5 سورة الأنفال، الآية:64.

ص: 354

وقوله: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ

أي: كافيك وكافي من اتبعك من المؤمنين.1

روى سعيد بن جبير عن ابن عباس- رضي الله عنهما أن هذه الآية نزلت في إسلام عمر بن الخطاب- رضي الله عنه، قال سعيد بن جبير: أسلم مع النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة وثلاثون رجلا وست نسوة، ثم أسلم عمر فنزلت هذه الآية.2

فعلى هذا القول تكون الآية مكية كتبت في سورة مدنية بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم3 وقيل: أراد بقوله: {وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} الأنصار.4

والآية نزلت بالمدينة، وقيل: أراد جميع المهاجرين والأنصار.5

{وقوله: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} 6يعني: من يثق بالله فيما نابه كفاه ما أهمه، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا "7

_________

1"تفسير الطبري": (6 / 10 / 37)، و"تفسير الفخر الرازي":(15 / 191) .

2"تفسير السيوطي": (4 / 101)، و"تفسير البغوي":(2 / 260)، و"تفسير القرطبي":(8 / 42- 43)، و"تفسير الفخر الرازي":(15 / 191)، و"تفسير ابن كثير":(2 / 337) .

3"تفسير القرطبي": (8 / 42)، و"تفسير الفخر الرازي":(15 / 191) .

4 انظر:"تفسير الفخر الرازي": (15 / 191) .

5"تفسير القرطبي": (8 / 43) .

6 كتبت ال، الآية في"المؤلفات"إلى هنا، وفي"ع"و"ش"تمم ال، الآية إلى قوله تعالى:{قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً} .) (الطلاق: من الآية3)

7 [166 ح]"سنن الترمذي": (4 / 573، ح 2344) ، كتاب الزهد، باب في التوكل على الله."المستدرك"للحاكم:(4 / 318) ."سنن ابن ماجه": (2 / 1394، ح 4164) ، كتاب الزهد، باب التوكل واليقين. الحديث عن عمر بن الخطاب. والحديث قال فيه الترمذي: حديث حسن صحيح. وقال الحاكم عقبه: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وصححه الألباني. انظر:"سلسلة الأحاديث الصحيحة": (1 / 557، ح 310) . انظر زيادة تخريجه في الملحق.

ص: 355

{إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً}

عن ابن عباس- رضي الله عنهما قال: "حسبنا الله ونعم الوكيل، قالها إبراهيم صلى الله عليه وسلم حين ألقي في النار

(إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ} أي: منفذ أمره وممض في خلقه ما قضاه {قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً} 1 أي: جعل لكل شيء من شدة أو2 رخاء أجلا3 ينتهي.

قال مسروق4 في هذه الآية (إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ} توكل عليه أم لم يتوكل عليه غير أن المتوكل يكفر عنه سيئاته، ويعظم له أجرا.56

(عن ابن عباس- رضي الله عنهما قال: "حسبنا الله ونعم الوكيل، قالها إبراهيم صلى الله عليه وسلم حين ألقي في النار" قال: وقد حقق ذلك حيث لم

_________

1 سورة الطلاق، الآية:3.

2 قوله: {قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً} أي: جعل كل شيء من شدة أو) سقط من"ر".

3"تفسير القرطبي": (18 / 161) .

4 هو: مسروق بن الأجدع بن مالك- الوادعي الهمداني الكوفي- أبو عائشة- تابعي جليل، كان فقيها أعلم بالفتوى من شريح، كان يصلي حتى تتورم قدماه، وقد صلى خلف أبي بكر الصديق، توفي سنة 63 هـ. انظر ترجمته في"تذكرة الحفاظ":(1 / 29)،"شذرات الذهب":(1 / 71)،"طبقات ابن سعد":(6 / 76- 84)،"أسد الغابة":(4/380) .

5 في"ر": (الأجر) .

6 انظر:"تفسير الطبري": (14 / 28 / 139)،"تفسير البغوي":(4 / 358)، و"تفسير القرطبي":(18 / 161) .

ص: 356

يستعن بأحد من الملائكة حين ألقي في النار وفوض أمره إلى الله وقد استقبله جبريل عليه السلام وقال: يا إبراهيم ألك حاجة؟ فقال: أما إليك فلا فقال جبريل: فاسأل ربك فقال إبراهيم: [من] 1 سؤالي علمه بحالي حسبي الله ونعم الوكيل.2

{وقالها محمد صلى الله عليه وسلم حين قالوا [له] 3 {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً} أي تصديقا ويقينا4 {وَقَالُواحَسْبُنَا اللَّهُ} أي: كافينا الله5 {وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} 6 [رواه البخاري والنسائي] 78

_________

1 في كل النسخ: (على سؤالي) ، وصححته من مصدره.

2"تفسير البغوي": (3 / 250) . و"تفسير ابن الجوزي": (5 / 366- 367) . و"تفسير القرطبي": (11 / 303)، ولم يأت في آخره:"حسبي الله ونعم الوكيل"، وقد رواه الطبري في"تفسيره":(10 / 17 / 44) مختصرا بسند فيه مجهول، وقد جاءت عبارة"حسبي الله ونعم الوكيل"كما في"تفسير البغوي"عندما قال له خازن المياه وخازن النار:"ألك حاجة؟ "فقال:"لا حاجة لي إليكم حسبي الله ونعم الوكيل".

3 ما بين القوسين أضفته من"المؤلفات".

4 انظر:"تفسير الطبري": (3 / 4 / 178) .

5 انظر:"تفسير الطبري": (3 / 4 / 178) .

6 سورة آل عمران، الآية:173.

7 ما بين القوسين أضفته من"المؤلفات".

8 [10 ث]"صحيح البخاري مع الفتح": (8 / 229، ح 4563) ، كتاب التفسير، باب الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم. و"السنن الكبرى"للنسائي كما ذكره في"تحفة الأشراف":(5 / 238) . انظر بقية التخريج في الملحق.

ص: 357

والتحسب لا يكون إلا لله عز وجل ولا يجوز أن يقال: أنا في حسب فلان.1

(باب)

{أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَاّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} 2 أي: إلا من خسر في أخراه وهلك3 مع الهالكين.4

{وقوله: {وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَاّ الضَّالُّونَ} 5 يعني: من ييأس من رحمة ربه إلا المكذبون،6 وأخبر أن القانط من رحمة الله ضال; لأن القنوط من رحمة الله كبيرة كالأمن من مكر الله، ولا يحصل إلا7 عند من جهل كون أن8 الله تعالى قادر على ما يريد.

_________

1 قوله: (والتحسب لا يكون

إلخ) هو كذلك في كل النسخ، وكان الأولى أن يقدم على عبارة (ونعم الوكيل) .

2 سورة الأعراف، الآية:99.

3 في"ر"و"ع": (وهكذا) وهو خطأ ظاهر.

4 انظر:"تفسير الطبري": (6 / 9 / 9) .

5 سورة الحجر، الآية:56.

6 انظر:"تفسير القرطبي": (10 / 36) .

7 زيد في"الأصل"هنا كلمة: (من) ، ولا يستقيم بها الكلام فأسقطتها.

8 في"الأصل"سقطت كلمة: (أن) .

ص: 358

عن ابن عباس- رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "سئل عن الكبائر فقال: الشرك بالله، واليأس من روح الله، والأمن من مكر الله ".

وعن ابن مسعود- رضي الله عنه قال: " أكبر الكبائر الشرك بالله، والأمن من مكر الله، والقنوط من رحمة الله، واليأس من روح الله "

{عن ابن عباس- رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " سئل عن الكبائر فقال:"الشرك بالله "1 أي: يعبد معه غيره من حجر، أو شجر، أو شمس، أو قمر، أو نبي، أو شيخ، أو جني، أو نجم، أو غير ذلك." واليأس من روح الله " أي: من رحمة الله والأمن من مكر الله 2 أي: عقوبته.

{وعن3 ابن مسعود- رضي الله عنه قال: " أكبر الكبائر الشرك4 بالله، والأمن من مكر الله، والقنوط من رحمة الله، واليأس من روح الله "

_________

1 البخاري: الزكاة (1410)، ومسلم: الزكاة (1014)، والترمذي: الزكاة (661)، والنسائي: الزكاة (2525)، وابن ماجه: الزكاة (1842) ، وأحمد (2/331)، ومالك: الجامع (1874)، والدارمي: الزكاة (1675) .

2"تفسير ابن كثير": (1 / 495-496) ."تفسير السيوطي": (2 / 503) ."معجم الطبراني":"مجمع الزوائد": (1 / 104)، وليس فيه:"الأمن من مكر الله"."مسند البزار":"كشف الأستار": (1 / 71)، وليس فيه:"الأمن من مكر الله". والحديث قال فيه الهيثمي: رجاله موثقون. وقال ابن كثير بعد إحالة الحديث على البزار: وفي إسناده نظر. والأشبه أن يكون موقوفا. وحسنه العراقي في"تخريج الإحياء": (4 / 19) .

3 هكذا في"الأصل"و"المؤلفات"، وفي النسخ الثلاث صرح باسم الصحابي (عبد الله) .

4 في"ر"و"المؤلفات": (الإشراك) بدل: (الشرك) .

ص: 359

رواه عبد الرزاق.

رواه عبد الرزاق1} وأخرجه ابن2 أبي حاتم.3

قال الله تعالى: {إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَاّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} 4

اعلم أنه لا يجوز أن يظن العاصي أنه لا مخلص له من العذاب فإن اعتقد ذلك فهو قانط من رحمة الله; لأن لا أحد من العصاة إلا ومتى تاب زال عقابه، وصار من أهل المغفرة والرحمة.

_________

1 هو: عبد الرزاق بن همام بن نافع أبو بكر الحميري مولاهم الصنعاني الحافظ الكبير، عالم اليمن صاحب التصانيف. قال الذهبي: نقموا عليه التشيع وما كان يغلو فيه، بل كان يحب عليًّا- رضي الله عنه ويبغض من قاتله، وقد قال سلمة بن شبيب: سمعت عبد الرزاق يقول: والله ما انشرح صدري قط أن أفضل عليًّا على أبي بكر وعمر، وُلد سنة 126 هـ، وتوفي سنة 211 هـ. انظر ترجمته في:"تذكرة الحفاظ": (1 / 364)،"شذرات الذهب":(2/27)،"تهذيب التهذيب":(6 / 310- 315)،"الأعلام":(3 / 353) .

2 كلمة: (ابن) في"الأصل"، وقد سقطت من بقية النسخ، والصواب إثباتها كما في"الأصل".

3"تفسير عبد الرزاق الصنعاني": (1 / 155)، و"مصنف عبد الرزاق":(10 / 459- 460، ح 19701) . ولم أجد أن ابن أبي حاتم قد أخرج هذه الرو، الآية عن ابن مسعود، وذلك فيما بحثت فيه من المراجع."معجم الطبراني الكبير"عن"مجمع الزوائد":(1 / 104)،"تفسير ابن كثير":(1 / 496) . والحديث قال فيه ابن كثير: هو صحيح إليه بلا شك. وقال الهيثمي: إسناده صحيح. انظر بقية تخريجه في الملحق.

4 سورة يوسف، الآية:87.

ص: 360

‌باب الإيمان بالله والصبر على قدر الله

وقوله تعالى: {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} قال علقمة: هو الرجل تصيبه

روي "عن ابن مسعود- رضي الله عنه أنه دخل المسجد فإذا قاص يقص1 وهو يذكر النار والأغلال، فقام على رأسه فقال: لم تقنط الناس؟ ثم قرأ: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} 2")

{باب الإيمان بالله والصبر على قدر الله4}

{وقوله تعالى: {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} 5 6} قال الشيخ- رحمه الله تعالى-: {قال علقمة:7 هو الرجل تصيبه

_________

1 زاد في هذا الموضع في"الأصل"و"ر"كلمة: (النار) ، ولا فائدة من زيادتها.

2 سورة الزمر، الآية:53.

3 [11 ث]"تفسير الطبري": (12 / 24 / 16)، و"تفسير البغوي":(4 / 83)، و"تفسير ابن كثير":(4 / 64) . انظر التوسع في تخريجه في الملحق.

4 في"المؤلفات": (باب من الإيمان بالله الصبر على أقدار الله) .

5في"المؤلفات"تمم ال، الآية فأضاف:{وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} .

6 سورة التغابن، الآية:11.

7 هو: علقمة بن قيس بن عبد الله بن مالك- أبو شبل- النخعي الكوفي- خال فقيه العراق إبراهيم النخعي- كان فقيها عالما مقرئا مجودا، طلب العلم والجهاد، لازم ابن مسعود حتى رأس في العلم والعمل، حدث عن بعض الصحابة، وحدث عنه بعض التابعين، وُلد في عصر النبوة، وتوفي سنة 61 هـ، أو 62 هـ، أو 63 هـ. انظر ترجمته في:"سير أعلام النبلاء": (4 / 53- 61)،"طبقات ابن سعد":(6 / 86- 92)، و"المعرفة والتاريخ":(2 / 552- 559) .

ص: 361

المصيبة فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلم.

[وفي صحيح مسلم]، عن أبي هريرة- رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"اثنتان في الناس هما بهم كفر: الطعن في النسب، والنياحة على الميت "

المصيبة فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلم) 1.

2 {عن أبي هريرة- رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " اثنتان في الناس هما بهم كفر: الطعن في النسب، والنياحة على الميت "3

قال الله تعالى: {فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} 4 حكي عن بعض العلماء العاملين المخلصين، قال: النسب نسبان: نسب طيني، ونسب ديني، فالنسب الديني أفضل من النسب الطيني، فالعلماء ورثة الأنبياء كما في الحديث5؟ لأن الميراث ينتقل للأقرب، وأقرب الأمة في نسب الدين

_________

1 [11 ث]"فتح الباري": (8 / 652) ، كتاب التفسير، باب يقولون لئن رجعنا إلى المدينة. و"تفسير الطبري":(14 / 28 / 123)، و"تفسير ابن كثير":(8 / 183- 184) . انظر بقية التخريج في الملحق.

2 زاد هنا في"المؤلفات"قوله: (وفي صحيح مسلم) ، وقد سقط من النسخ الأخرى.

3 [167 ح]"صحيح مسلم مع شرح النووي": (2 / 417، ح 121 / 67) ، كتاب الإيمان، باب إطلاق اسم الكفر على الطعن في النسب والنياحة. و"مسند الإمام أحمد":(2 / 496) . انظر تخريجه بالتفصيل في الملحق.

4 سورة النجم، الآية:32.

5 الحديث المشار إليه عن أبي الدرداء- رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" من سلك طريقا يطلب فيه علما سلك الله به طريقا من طرق الجنة، وأن الملائكة لتضع أجنحتها رضا لطالب العلم، وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض والحيتان في جوف الماء، لأن فضل العالم على العابد كفضل القمر = = ليلة البدر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ولا درهما، ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر ". وهو في"سنن أبي داود": (4 / 57- 58، ح 3641) ، كتاب العلم، باب الحث على طلب العلم. و"سنن الترمذي":(5 / 48- 49، ح 2682) ، كتاب العلم، باب ما جاء في فضل الفقه على العبادة. و"سنن الدارمي":(1 / 83، ح 349) مقدمة. والحديث قال فيه الترمذي: لا نعرف هذا الحديث إلا من حديث عاصم بن رجاء بن حيوة وليس هو عندي بمتصل وإنما يروى عن عاصم بن رجاء بن حيوة عن داود بن جميل عن كثير بن قيس عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذا أصح. وأخرجه ابن حبان في"صحيحه":"الإحسان": (1 / 151 - 152، ح 88) . وحسنه الألباني. انظر:"صحيح الترغيب والترهيب": (1 / 105، ح 67) .

ص: 362

العلماء- رضي الله عنهم.

عن عياض بن حمار1 الصحابي- رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الله تعالى أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يبغي أحد على أحد، ولا يفخر أحد على أحد "2 وفي الحديث: " من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه "3.

1 هو: عياض بن حمار ابن أبي حمار المجاشعي التميمي، الصحابي، كان صديقا لرسول الله صلى الله عليه وسلم قديما وروى عنه، وعنه مطرف ويزيد ابنا عبد الله بن الشخير وله حديث عند مسلم، عاش إلى حدود الخمسين. انظر ترجمته في:"الاستيعاب مع الإصابة": (9 / 66- 67)،"أسد الغابة":(4 / 22- 23)،"طبقات ابن سعد":(7 / 36)،"تهذيب التهذيب":(8 / 200) .

2 [168 ح]"صحيح مسلم مع شرح النووي": (17 / 205- 206، ح 64 / 2865) ، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب الصفات التي يعرف بها في الدنيا أهل الجنة وأهل النار. و"سنن أبي داود":(5 / 203، ح 4895) ، كتاب الأدب، باب في التواضع. انظر بقية تخريجه في الملحق.

3 [169 ح] وهو حديث مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم رواه أبو هريرة- رضي الله عنه. انظر خ في"صحيح مسلم مع شرح النووي": (17 / 24- 25، ح 38 / 2699) ، كتاب الذكر والدعاء، باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن وعلى الذكر. وفي"سنن أبي داود":(4 / 59، ح 3643) ، كتاب العلم، باب الحث على طلب العلم. انظر بقية تخريجه في الملحق.

ص: 363

ولهما عن ابن مسعود- رضي الله عنه مرفوعا: " ليس منا من ضرب الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية "

{ولهما عن ابن مسعود- رضي الله عنه مرفوعا: " ليس منا من ضرب الخدود، وشق الجيوب " أي: ليس في كمال الإيمان بالقدر والصبر على المصائب من ضرب خده، وشق جيبه عند المصيبة (ودعا بدعوى الجاهلية1 أي: يدعو لعصبية حمية وأنفة، ولما قال المهاجري:[يا] 2 للمهاجرين، وقال الأنصاري:[يا] ،2 للأنصار،3 قال النبي صلى الله عليه وسلم:

_________

1 [170 ح]"صحيح البخاري مع الفتح": (3 / 1366، ح 1297) ، كتاب الجنائز، باب ليس منا من ضرب الخدود."صحيح مسلم مع شرح النووي":(2 / 469، ح 165 / 803) ، كتاب الإيمان، باب تحريم ضرب الخدود وشق الجيوب والدعاء بدعوى الجاهلية. انظر بقية التخريج في الملحق.

2 ياء النداء في الموضعين سقط من"الأصل"، وألحقته من بقية النسخ موافقة لأصل الحديث.

3 [171 ح]"صحيح البخاري مع الفتح": (6 / 546، ح 3518) ، كتاب المناقب، باب ما ينهى من دعوى الجاهلية."صحيح مسلم مع شرح النووي":(16 / 373- 374، ح 62 / 2584) ، كتاب البر والصلة، باب نصر الأخ ظالما أو مظلوما. والحديث عن جابر بن عبد الله. وانظر بقية تخريجه في الملحق.

ص: 364

وعن أنس- رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا أراد الله بعبده الخير، عجل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافي به يوم القيامة "

"أبدعوى1 الجاهلية وأنا بين أظهركم، وغضب لذلك غضبا شديدا"2

وعن أنس بن مالك- رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا أراد الله بعبده الخير، عجل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد3 بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافي به يوم القيامة "4.

وعن أبي هريرة- رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يزال البلاء بالمؤمن حتى يلقى الله وليس عليه خطيئة " رواه أحمد وابن ماجه

_________

1 في كل النسخ: (أتدعوا) ، ولعلها صحفت عن أبدعوى.

2 هذا اللفظ لم أجده، وإنما وجدت في"صحيح البخاري"و"مسلم":" ما بال دعوى الجاهلية "، وكذا في المصادر التي ذكرتها في الملحق ولم يذكر فيها أن النبي صلى الله عليه وسلم غضب غضبا شديدا.

3 هكذا في"الأصل"، وفي بقية النسخ:(أراد الله بعبده) ، وقد جاءت الروايات باللفظين.

4 [721 ح]"سنن الترمذي": (4 / 601، ح 2396) ، كتاب الزهد، باب في الصبر على البلاء. و"مستدرك الحاكم":(1 / 349) من رو، الآية عبد الله بن مغفل. والحديث قال الترمذي فيه: حديث حسن غريب، وقال الحاكم عنه: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وصححه الألباني. انظر:"سلسلة الأحاديث الصحيحة": (3 / 220، ح 1220) . انظر بقية التخريج في الملحق.

ص: 365

وابن أبي شيبة.12

وعن سعد بن أبي وقاص- رضي الله عنه قال: " قلت: يا رسول الله، أي [الناس أشد] 3 بلاء؟ قال: الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، - يبتلى الرجل على حسب دينه " رواه الترمذي، وصححه ابن حبان والحاكم4

1 [173 ح]"مسند الإمام أحمد": (2 / 287، 450) ."مصنف ابن أبي شيبة": (3 / 231) . ولم أجده في"سنن ابن ماجه"، ولم أجد في الفهارس نسبته إليه، فلعله سهو من الشارح صلى الله عليه وسلم. والحديث أخرجه ابن حبان في"صحيحه":"الإحسان": (4 / 254، ح 2913) . وقال الترمذي في"سننه": (4 / 602، ح 2399) : هذا حديث حسن صحيح. ووافقه الألباني في"صحيح سنن الترمذي": (2 / 286، ح 1957) . انظر بقية تخريج الحديث في الملحق.

2 هو: عبد الله بن محمد بن القاضي أبي شيبة- أبو بكر- العبسي، من مؤلفاته:"المصنف"و"المسند"و"التفسير"، أخوه الحافظ عثمان ابن أبي شيبة، وابن أخيه هذا محمد بن عثمان ابن أبي شيبة صاحب كتاب"العرش"، فهو بيت علم، وهو من أقران الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه وعلي بن المديني، توفي سنة 235 هـ. انظر ترجمته في:"تاريخ بغداد": (10 / 66- 71)،"تهذيب التهذيب":(6 / 2- 4)،"سير أعلام النبلاء":(11 / 122- 127) .

3 في"الأصل": (أي: أشد الناس) ، وهو خطأ من الناسخ، والصواب الموافق للأصول ما أثبته من بقية النسخ.

4 [174 ح]"سنن الترمذي": (4 / 601- 602، ح 2398) ، كتاب الزهد، باب ما جاء في الصبر على البلاء. و"صحيح ابن حبان":"الإحسان": (4 / 253، ح 2890) ، (4 / 352، ح 2910) . و"مستدرك الحاكم": (1 / 41)، كتاب الإيمان. والحديث قال عنه الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وصححه ابن حبان كما ترى، ولم يتكلم عنه الحاكم، وعلق الذهبي عليه بقوله: وله شواهد كثيرة، ووافق الألباني الترمذي فقال في"صحيح سنن الترمذي"(2 / 286، ح 1956) : حسن صحيح، وانظر:"السلسلة الصحيحة": (1 / 225، ح 143) . انظر بقية تخريج الحديث في الملحق.

ص: 366

وفي لفظ:" الأنبياء، قال ثم من؟ قال: العلماء، قال ثم من؟ قال: الصالحون "1.

عن إبراهيم2 السلمي3 عن أبيه عن جده4 قال: قال رسول الله

1 [175 ح]"مستدرك الحاكم": (1 / 40) ، كتاب الإيمان، بلفظه، وفي:(4 / 307) بدون قوله: (ثم من؟ قال: العلماء) . و"سنن ابن ماجه": (2 / 1334- 1335، ح 4024) ، كتاب الفتن، باب الصبر على البلاء إلا أنه لم يأت فيه ذكر العلماء. والحديث بهذا اللفظ عن أبي سعيد الخدري- رضي الله عنه. والحديث سكت عنه الحاكم في الموضع الأول، وفي الموضع الثاني قال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وقال الذهبي في الموضعين: على شرط مسلم. وصححه الألباني، انظر:"سلسلة الأحاديث الصحيحة": (1 / 226، ح 144) . انظر بقية التخريج في الملحق.

2 هو: إبراهيم بن مهدي المصيصي بغدادي الأصل، صاحب حديث روى عن حماد بن زيد وأبي المليح وإبراهيم بن سعد، وعنه أبو داود وأحمد بن حنبل وابن أبي الدنيا، توفي سنة 225 هـ، وقيل: 224 هـ. انظر ترجمته في:"تهذيب التهذيب": (1 / 169)،"الجرح والتعديل":(2 / 138- 139)،"سير أعلام النبلاء":(10 / 556- 557) .

3 يعني به هنا: محمد بن خالد كما يدل عليه سند الحديث في"سنن أبي داود"، وليس إبراهيم الذي تقدمت ترجمته، ويؤيد ذلك ما ذكره ابن حجر في"التهذيب": أن أبا المليح قد روى عن محمد بن خالد المذكور حديثا في الرقى. أقول: وكذا الحديث المذكور هنا فإنه من رو، الآية أبي المليح عنه. انظر ترجمته في:"الجرح والتعديل": (7 / 242)،"سنن أبي داود":(3 / 470)،"تهذيب التهذيب":(9 / 145) .

4 الصواب هنا أن يقال: عن محمد بن خالد عن أبيه عن جده، وقد حصل اللبس على من = = نقله بسبب أن أبا داود قال في"السنن": حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي وإبراهيم بن مهدي المصيصي قالا: حدثنا أبو المليح عن محمد بن خالد. قال أبو داود: قال ابراهيم بن مهدي: السلمي عن أبيه عن جده- وكانت له صحبة من رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ذكر الحديث. فالذي ظهر لي أن أبا داود قد عرف بمحمد بن خالد بأن إبراهيم بن مهدي قد قال عنه بأنه السلمي فالتبس ذلك على البعض فظن أن السلمي هو إبراهيم. فالمقصود بالسلمي محمد بن خالد وهو الذي له صحبة كما ذكره أبو داود، وكما جاء في"التهذيب":(9 / 145) . وأما إبراهيم فقد توفي سنة 225 هـ، كما جاء في"سير أعلام النبلاء":(10 / 556) . وبسبب هذا الالتباس حكم الألباني على الحديث في"المشكاة": (1 / 493- 494، ح 1568) بأن سنده ضعيف، وقال بأن محمد بن خالد مجهول، وكان قد حكم عليه في"صحيح سنن أبي داود":(2 / 597، ح 2649) بالصحة. والصواب تصحيح الحديث لاتصال سنده، ولعدم جهالة محمد بن خالد، فالمجهول غيره.

ص: 367

صلى الله عليه وسلم "إن العبد إذا سبقت له من الله منزلة لم يبلغها بعلمه ابتلاه الله تعالى في جسده أو في ماله ثم صبره على ذلك حتى يبلغه المنزلة التي سبقت له من الله تعالى 1") كذا في "روضة المصابيح"2

1 [176 ح]"سنن أبي داود": (3 / 470، ح 3590) ، كتاب الجنائز، باب الأمراض المكفرة للذنوب"مسند الإمام أحمد":(5 / 272) . والحديث صحة روايته عن محمد بن خالد عن أبيه عن جده. والحديث صححه الألباني. انظر:"صحيح سنن أبي داود": (2 / 597، ح 2649)، وأحال على"السلسلة الصحيحة":(2599) . انظر بقية تخريجه في الملحق.

2 لعل الشارح أو الناسخ قد سها فكتب"روضة المصابيح"بدلا من"مشكاة المصابيح"، فقد وجدت الحديث فيه أو أن هذا كتاب معروف للشارح لم أقف عليه.

ص: 368

وقال النبي صلى الله عليه وسلم " إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله تعالى إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط " حسنه الترمذي.

{وقال النبي صلى الله عليه وسلم " إن عظم الجزاء مع عظم البلاء " يعني: أن كثرة الأجر من الله تعالى يوم القيامة مع كثرة البلاء الذي أصابه في الدنيا {وإن الله تعالى إذا أحب قوما ابتلاهم} أي: علامة حب الله العبد ابتلاؤه بالأمراض والمصائب بشرط الصبر عليها، والرضا بما قضاه وقدره {فمن رضي} بما قضاه الله {فله الرضا} بما يعطيه في الآخرة من الخير والكرامة جزاء وفاقا {ومن سخط بما قضاه وقدره عليه {فله السخط} لأن الجزاء من جنس العمل نسأل الله رضاه والجنة ونعوذ به من سخطه والنار حسنه الترمذي.1

وعن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من سعادة ابن آدم رضاه بما قضاه الله له، ومن شقاوة ابن آدم سخطه بما قضاه الله له " رواه أحمد والترمذي.2

_________

1"سنن الترمذي": (4 / 601، ح 2396) ، كتاب الزهد، باب ما جاء في الصبر على البلاء. وهو- أيضا- في"سنن ابن ماجه":(2 / 1338، ح 4031) ، كتاب الفتن، باب الصبر على البلاء. و"شرح السنة"للبغوي":(5 / 245، ح 1435) . والحديث عن أنس بن مالك- رضي الله عنه. والحديث قال فيه الترمذي: حسن غريب. وقال الألباني: سنده حسن، ورجاله كلهم ثقات، رجال الشيخين، غير ابن سنان وهو صدوق له أفراد.

2 [177 ح]"مسند الإمام أحمد": (1 / 168) . "سنن الترمذي": (4 / 455، ح 2151) ، كتاب القدر، باب ما جاء في الرضا بالقدر."مستدرك الحاكم":(1 / 518)، كتاب الدعاء. والحديث قال فيه الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. وقال ابن حجر في"الفتح"(11 / 153) : سنده حسن. انظر بقية تخريجه والحكم عليه في الملحق.

ص: 369

في هذه الأحاديث بشارة عظيمة إذا ابتلى الله المؤمن وحمد1 الله تعالى وصبر.

وفي الحديث: " عجبت من قضاء الله للمؤمن إن أصابه خير حمد الله وشكر، وإن أصابته مصيبة حمد الله وصبر، فالمؤمن يؤجر في كل أمره "2 وفيها نذارة شديدة لمن لم يصبر ويرضى بحكمه ويسلم لقضائه، قال النبي صلى الله عليه وسلم " أوحى الله تعالى إلى موسى عليه السلام، يا موسى، من لم يصبر على [قضائي] ،3 ولم يصبر على بلائي، ولم يشكر على نعمائي، فليخرج من أرضي وسمائي، وليطلب ربًّا سواي "

خاتمة: اعلم أن الصبر والشكر من أركان الإيمان قال النبي صلى الله عليه وسلم "الإيمان نصفان: نصف صبر، ونصف شكر"4 قال الله تعالى:

1 في"ر"صحفت كلمة: (حمد) إلى: (رحمه) .

2"مسند الإمام أحمد": (1 / 173)،"السنن الكبرى"للبيهقي:(3 / 376) ."معجم الطبراني الصغير"كما في"مجمع الزوائد": (7 / 209- 210) . والحديث عن سعد ابن أبي وقاص. والحديث قال عنه الهيثمي: رواه أحمد بأسانيد ورجالها كلها رجال الصحيح.

3 في"ر": (لمن لم يصبر على قضائي) .

4 [178 ح]"مسند الشهاب": (1 / 127- 128، ح 159)، باب 112."شعب الإيمان"للبيهقي:(7 / 123، ح 9715) . والحديث مروي عن أنس بن مالك- رضي الله عنه. والحديث رمز له السيوطي في"الجامع الصغير"بالضعف، انظره مع"الفيض":(3 / 188، ح 3106) . وقال الألباني في"السلسلة الضعيفة"(2 / 89، ح 625) : ضعيف جدا. انظر بقية تخريجه في الملحق.

ص: 370

{وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا} 1 وقال: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} 2

ومدح الله الصبر في القرآن في نيف وسبعين موضعا3 "وسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان فقال: الصبر4") وقال [النبي] 5 صلى الله عليه وسلم " أفضل الأعمال الصبر "6 وقال صلى الله عليه وسلم "أفضل الأعمال ما أكرهت عليه النفوس "7 وقال

1 سورة السجدة، الآية:24.

2 سورة الزمر، الآية:10.

3 انظر مواضع ذلك في:"المعجم المفهرس لألفاظ القرآن"حاشية على المصحف: (ص 507-509) .

4 [179 ح] انظر:"المغني عن حمل الأسفار مع الإحياء": (4 / 64) . والحديث قال العراقي عنه: أخرجه أبو منصور الديلمي في"مسند الفردوس"من رو، الآية يزيد الرقاشي عن أنس مرفوعا:"الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد"، ويزيد ضعيف. وقد جاء الحديث بلفظ آخر أنه حينما سئل ما الإيمان؟ قال:"الصبر والسماحة". وهو في مصادر كثيرة انظر الملحق.

5 أضفت كلمة: (النبي) من بقية النسخ.

6 انظر:"الجامع الصغير مع الفيض": (2 / 29) . وقد أحاله المناوي في"الفيض"على البيهقي في"الزهد"، وصحح إسناد تلك الرو، الآية، ولم أجدها في كتاب"الزهد"المطبوع بنصها.

7"إحياء علوم الدين": (4 / 64) . و"محاسبة النفس"لابن أبي الدنيا: (ص 82، ح 113)، وهو من كلام عمر بن عبد العزيز. قال العراقي في حاشيته على الإحياء"المغني عن حمل الأسفار": لا أصل له مرفوعًا إنما هو من قول عمر بن عبد العزيز. وفضيلة العمل مع كراهية النفس يحصل فيما لو حان الأمر الشرعي وكرهت النفس القيام به، لا أن يتكلف الإنسان إكراه نفسه على ما له فيه سعة ويظن أن في ذلك فضلا كمن يتوضأ بالماء البارد في الشتاء مع وجود الساخن.

ص: 371

صلى الله عليه وسلم " إذا أحب الله عبدا ابتلاه ببلية لا دواء لها، فإن صبر اجتباه، وإن رضي اصطفاه "1 قال ابن عباس- رضي الله عنهما: "الصبر على ثلاثة: صبر على أداء فرائض الله فله ثلاث مائة درجة، وصبر عن محارم الله فله ستمائة درجة، وصبر في المصيبة عند الصدمة الأولى فله تسعمائة درجة"2.

1 انظر:"إحياء علوم الدين": (4 / 305)، و"فردوس الأخبار":(1 / 311، ح 976) . قال العراقي في"تخريج الإحياء": (وذكره صاحب"الفردوس"من حديث علي ولم يخرجه ولده في"مسنده") . قال: والطبراني من حديث أبي عتبة إذا أراد الله بعبد خيرا ابتلاه وإذا ابتلاه اقتناه لا يترك له مالا ولا ولدا وسنده ضعيف. والاجتباء والاصطفاء من المترادفات كما جاء في"اللسان". انظر: (14 / 130- 131)، وانظر:(14 / 463) ، ومن هذا الحديث على تقدير ثبوته يكون الاصطفاء درجة أعلى من الاجتباء.

2"الجامع الصغير"ضمن"فيض القدير": (4 / 234- 235، ح 5137) ."فردوس الأخبار": (2 / 577، ح 3662) بنحوه. وقد أحاله في"الجامع الصغير"إلى ابن أبي الدنيا في فضل الصبر، وأبو الشيخ في الثواب. والحديث لم أجد من رواه عن ابن عباس، وإنما روي عن علي- رضي الله عنه. والحديث حكم عليه ابن الجوزي بالضعف. انظر:"الموضوعات": (3 / 184) . ورمز له السيوطي بالضعف. انظر:"الجامع"كما سبق. وحكم عليه الألباني بالضعف. انظر:"ضعيف الجامع": (ص 516- 517، ج 3532) .

ص: 372

{باب ما جاء في الرياء}

{وقول الله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ} قال ابن عباس رضي الله عنهما: "علم الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم التواضع لئلا يزهو على خلقه، فأمره أن يقر فيقول: إني آدمي مثلكم إلا أنني خصصت بالوحي، فأكرمني الله به"1 {إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} لا شريك له في ملكه وألوهيته {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ} أي: يخاف المصير إليه، وقيل: يؤمل رؤية ربه، فالرجاء هنا بمعنى الخوف والأمل جميعا.2 قال الشاعر:

[فلا] كل ما [ترجو] من الخير كائن

ولا كل ما [ترجو] ، من الشر واقع3

فجمع بين المعنيين.

وقوله {فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً} أي: من حصل له رجاء لقاء الله والمصير إليه فليستعمل نفسه بالعمل الصالح {وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً} 4 أي: لا يرائي بعمله، ولما كان العمل الصالح قد يراد به وجه الله تعالى، وقد

_________

1"تفسير البغوي": (3 / 187)، و"تفسير ابن الجوزي":(5 / 202) .

2"تفسير البغوي": (3 / 187) .

3 انظر: نفس المصدر: (3 / 187) ، وقد صححت ما بين القوسين منه.

4 سورة الكهف، الآية:110.

ص: 373

عن أبي هريرة- رضي الله عنه مرفوعًا قال الله تعالى: "أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك فيه غيري تركته وشركه " رواه مسلم.

يراد به الرياء والسمعة، اعتبر فيه قيدان، أحدهما: أن يراد به الله تعالى.

والثاني: أن يكون مبرءا من جهة الشرك جميعا.1

عن جندب بن عبد الله البجلي- رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم " من سمع سمع الله به، ومن يرائي يرائي الله به " أي: شهره الله يوم القيامة، أخرجاه.2

{عن أبي هريرة- رضي الله عنه مرفوعا قال الله تعالى: " أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك3 فيه غيري تركته وشركه " رواه مسلم4} .

ولغير مسلم:"فأنا منه بريء، هو للذي عمله5"قال الكلبي6 في

_________

1 انظر:"تفسير الفخر الرازي": (21 / 177) .

2 [180 ح]"صحيح البخاري مع الفتح": (11 / 335- 336، ح 6499) ، كتاب الرقاق، باب الرياء والسمعة. و"صحيح مسلم مع شرح النووي":(18 / 326، ح 48 / 2987) ، كتاب الزهد، باب من أشرك في عمله غير الله (تحريم الرياء) . انظر بقية تخريجه في الملحق.

3 في"المؤلفات": (أشرك معي فيه)، وفي"صحيح مسلم":(أشرك فيه معي) .

4 [181 ح]"صحيح مسلم مع شرح النووي": (18 / 326، ح 46 / 2985) ، كتاب الزهد، باب من أشرك في عمله غير الله (تحريم الرياء) . وهو كذلك في"سنن ابن ماجه":(2 / 1405، ح 4202) ، كتاب الزهد، باب في الرياء والسمعة. انظر بقية التخريج في الملحق.

5 انظر:"سنن ابن ماجه"، وقد تقدم ذكر موضعه منه.

6 هو: محمد بن السائب بن بشر الكلبي- أبو النضر- المفسر، وكان- أيضا- رأسا في الأنساب، قال الذهبي: إلا أنه شيعي متروك الحديث. وقال ابن خلكان: كان من أصحاب عبد الله بن سبأ، يقول بأن علي ابن أبي طالب لم يمت، وإنه راجع إلى الدنيا، مات سنة 146 هـ. انظر ترجمته في:"سير أعلام النبلاء": (6 / 248)،"وفيات الأعيان":(4 / 309- 311)،"تهذيب التهذيب":(9 / 178- 181) .

ص: 374

قوله تعالى: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} 1 يعني: بالرياء والسمعة؟ لأن الله تعالى لا يقبل من الأعمال إلا ما كان خالصا لوجهه الكريم،2 وقال الفضيل:(ترك العمل لأجل الناس رياء، والعمل لأجل الناس شرك، والإخلاص أن يعافيك الله منهما)3.

عن أنس بن مالك- رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " قال ربكم: أنا أهل أن أتقى فلا يجعل معي إله، فمن اتقى أن يجعل معي إلها، فأنا أهل أن أغفر له " متفق عليه.4

1 سورة محمد، الآية:33.

2"تفسير البغوي": (4 / 47) .

3"شعب الإيمان"للبيهقي: (5/ 347 ح 6879)"حلية الأولياء": (8/ 95)"الأذكار"للنوي: (ص7) و"الكبائر"للذهبي: (ص11) .

4 [182 ح] لم أجد هذا الحديث في"صحيح البخاري"ولا في"صحيح مسلم"، ويدل عليه كلام العلماء الآتي. والحديث في"سنن الترمذي":(5 / 340، ح 3328) ، كتاب تفسير القرآن، باب من سورة المدثر. و"سنن ابن ماجه":(2 / 1437، ح 4299) ، كتاب الزهد، باب ما يرجى من رحمة الله يوم القيامة. والحديث قال فيه الترمذي: هذا حديث غريب، وسهيل ليس بالقوي في الحديث، قد تفرد بهذا الحديث عن ثابت. وقال الحاكم في"المستدرك" (2 / 508) : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وقال الألباني في"طلال الجنة على كتاب السنة"(2 / 469، ح 969) : حديث حسن. وإسناده ضعيف، قال: وإنما حسنته لشاهد له. انظر بقية تخريج الحديث في الملحق.

ص: 375

وعن أبي سعيد مرفوعًا: " ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدجال؟ قالوا: بلى [يا رسول الله] ، قال: الشرك الخفي: يقوم الرجل فيصلي فيزين صلاته لما يرى من نظر الرجل " رواه أحمد.

{وعن أبي سعيد} الخدري- رضي الله عنه {مرفوعًا: " ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدجال؟ قالوا: بلى، 1 قال: الشرك الخفي: يقوم الرجل 2 فيصلي فيزين صلاته لما يرى من نظر الرجل " رواه أحمد} .3

قوله:"فيزين صلاته" يعني: بتطويلها، وزيادة الخشوع فيها، ليعتقد فيه من يراه أنه من أهل الدين والصلاح، وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر، قالوا: وما الشرك الأصغر؟ قال: الرياء"4

_________

1 في"المؤلفات": (بلى يا رسول الله) ، والمثبت هو الموافق لأصل الحديث في"المسند".

2 في"المؤلفات": (من نظر رجل) ، وهو الموافق لما في"سنن ابن ماجه".

3"مسند الإمام أحمد": (3 / 30)، وفيه:"أن يقوم الرجل يعمل لمكان رجل". وانظر:"سنن ابن ماجه": (2 / 1406، ح 4204) ، كتاب الزهد، باب 21. والحديث حسنه الألباني. انظر:"صحيح الترغيب والترهيب": (1 / 89، ح 27) . و"تخريج مشكاة المصابيح": (3 / 1466، ح 5333)، و"صحيح سنن ابن ماجه":(2 / 410، ح 3389) . وحسن إسناده البوصيري في"مصباح الزجاجة": (4 / 237) ، باب الرياء، من كتاب الزهد.

4 تقدم تخريجه (ص 92) ، وانظر لزيادة تخريجه في الملحق [48 ح] .

ص: 376

واعلم أن الرياء بأصل الإيمان أغلظ أبواب الرياء، وصاحبه مخلد في النار، وهو الذي يظهر الإسلام، ويبطن التكذيب، وهو النفاق الأكبر. والدرجة الثانية: أن يكون مصدقا بالله، ولكنه يرائي بالصلاة والزكاة والصوم، فهذا دون الأول. الدرجة الثالثة: الذي يرائي بالنوافل والسنن، ورد في الحديث:"أن أدنى الشرك أن تحب على شيء من الجور أو تبغض على شيء من العدل، وهل الدين إلا الحب في الله والبغض في الله"1

خاتمة فيما يذهبه:

عن أبي بكر الصديق- رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الشرك فيكم يعني: أيها الأمة أخفى من دبيب النمل، وسأدلك على شيء إذا فعلته أذهب عنك صغار الشرك وكباره، تقول: اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم، تقولها ثلاث مرات "2

1 [183 ح]"مستدرك الحاكم": (2 / 291) كتاب التفسير."تفسير ابن كثير": (1 / 366)،"حلية الأولياء"لأبي نعيم:(8 / 368) . والحديث عن عائشة- رضي الله عنها. والحديث قال فيه الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، وقال: عبد الأعلى قال الدارقطني: ليس بثقة. وقال ابن الجوزي في"العلل المتناهية"(2 / 823، ح 1378) : لا يصح. وضعفه الألباني كما في"ضعيف الجامع": (ص 502، ح 3432) . انظر بقية تخريج الحديث والحكم عليه في الملحق.

2 [184 ح]"مسند أبي يعلى": (1 / 60- 62، ح 58)،"الأدب المفرد"للبخاري:(ص 242، ح 717)،"مسند أبي بكر الصديق":(ص 55- 56، ح 18) . والحديث قال الهيثمي في"مجمع الزوائد"(10 / 223- 224) : رواه أبو يعلى من رو، الآية ليث ابن أبي سليم عن أبي محمد عن حذيفة وليث مدلس، وأبو محمد إن كان هو الذي روى عن ابن مسعود أو الذي روى عن عثمان بن عفان فقد وثقه ابن حبان، وإن كان غيرهما فلم أعرفه، وبقية رجاله رجال الصحيح. وضعفه الألباني كما في"ضعيف الجامع":(ص 502، ح 3433) . وانظر بقية تخريجه في الملحق.

ص: 377

‌باب من الشرك إرادة الإنسان بعمله الدنيا

وقول الله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلَاّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا

{باب من الشرك إرادة الإنسان بعمله الدنيا}

{وقول الله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا} يعني: بعمله الذي يعمله من أعمال البر.1

نزلت في كل من عمل عملا يبتغي به غير الله تعالى2 يروى أن رجلا كان يلازم مسجد موسى عليه السلام فمسخ أرنبا، فسأل الله موسى أن يعيده إلى حالته، فأوحى الله تعالى إليه أنه كان يطلب الدنيا بالدين فمسخه الله أرنبا {نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا} يعني: أجور أعمالهم الذين عملوا لطلب الدنيا، وذلك أن الله تعالى يوسع عليهم في الرزق، ويدفع عنهم المكاره في الدنيا، وما أشبه ذلك3 {وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ} يعني: أنهم لا ينقصون من أجور أعمالهم التي عملوها في الدنيا، بل يعطون أجورهم في الدنيا كاملة موفرة45 {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلَاّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا}

_________

1"تفسير الزمخشري": (17 / 198- 199) .

2"تفسير البغوي": (2 / 376) .

3 انظر:"تفسير البغوي": (2 / 376)،"تفسير الزمخشري":(2 / 262) .

4 في"ر"و"ع": (موفورة) .

5 انظر:"تفسير الطبري": (7 / 12 / 11)،"تفسير البغوي":(2 / 376) .

ص: 378

وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}

يعني: وبطل ما عملوا في الدنيا1 من أعمال البر2 {وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} 3 لأنه لغير الله تعالى.

عن أبي هريرة- رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " أول من يقضى عليه يوم القيامة رجل استشهد، فأتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال: ما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت، قال: كذبت، ولكنك قاتلت ليقال جريء فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار، ورجل تعلم العلم وعلمه، وقرأ القرآن، فأتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم وعلمته وقرأت القرآن فيك، قال: كذبت، ولكنك تعلمت ليقال عالم، وقرأت القرآن4 ليقال هو قارئ فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار، ورجل وسع الله عليه، وأعطاه من أصناف المال كله، فأتي به فعرفه نعمه فعرفها فقال: ما عملت فيها؟ قال: ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك، فقال: كذبت، ولكنك فعلت ليقال هو جواد فقد قيل ذلك، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار "5

_________

1 في"ر": (فيها) بالإضمار.

2 انظر:"تفسير الزمخشري": (2 / 262) .

3 سورة الأعراف، الآيتان: 15ـ16.

4 قوله: (فيك، قال: كذبت، ولكنك تعلمت ليقال عالم، وقرأت القرآن) سقط من"ر"، وهو مثبت في بقية النسخ. كما أنه ثابت في أصل الحديث.

5 [185 ح]"صحيح مسلم مع شرح النووي": (13 / 54- 55، ح 152 / 1905) ، كتاب الإمارة، باب من قاتل للرياء والسمعة استحق النار."سنن الترمذي":(4 / 591- 593، ح 2382) ، كتاب الزهد، باب ما جاء في الرياء والسمعة. انظر بقية تخريجه في الملحق.

ص: 379

وفي الحديث أن معاوية1 لما بلغه هذا الحديث بكى حتى غشي عليه، فلما أفاق قال: صدق الله ورسوله، قال الله تعالى:{مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا....} الآية،2 وأغلظها أن يكون مقصد الإنسان التمكن من معصية الله تعالى كالذي يرائي بعبادته، ويظهر التقوى والورع وغرضه أن يعرف بالأمانة حتى يولى القضاء والأوقاف والوصايا ومال اليتيم لأجل أن يأكلها.3

1 هو: معاوية ابن أبي سفيان- القرشي الأموي- أول خلفاء بن أمية، وُلد قبل البعثة بخمس سنين، وقيل: غير ذلك، ورجح الحافظ ابن حجر الأول، وأسلم بعد الحديبية، وكان يخفي إسلامه وأظهره عام فتح مكة، وصحب النبي صلى الله عليه وسلم وكتب له الوحي، ولاه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب على الشام بعد أخيه يزيد ابن أبي سفيان وبقي فيها أميرا عشرين سنة، واجتمع عليه الناس لما صالح الحسن بن علي وتنازل له- رضي الله عنهم، وبقي خليفة للمسلمين نحو عشرين سنة، ومات في رجب سنة 60 هـ. انظر ترجمته في:"الإصابة": (9 / 231- 234)،"أسد الغابة":(4 / 433- 436)،"طبقات ابن سعد":(7 / 406) .

2"سنن الترمذي": (4 / 593، ح 3382) ، كتاب الزهد، باب ما جاء في الرياء والسمعة."شعب الإيمان"للبيهقي:(5 / 326، ح 6807) . انظر:"تفسير الطبري": (7 / 12 / 13) .

3 انظر: كتاب"إحياء علوم الدين": (3 / 321) فقد ذكر نحوه.

ص: 380

عن عمر- رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من تعلم علما لغير الله تعالى، أو أراد به غير الله، فليتبوأ مقعده من النار " أخرجه الترمذي.1

وعن أبي هريرة- رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من تعلم علما مما يبتغي به وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب به غرضا من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة - يعني: ريحها-"2

وعنه- رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "تعوذوا بالله من جب الحزن، قالوا: يا رسول الله، وما جب الحزن؟ قال: واد في جهنم تتعوذ منه جهنم كل يوم مائة مرة، قيل: يا رسول الله، من يدخله؟

1 [186 ح]"سنن الترمذي": (5 / 33، ح 2655) ، كتاب العلم، باب ما جاء فيمن يطلب بعلمه الدنيا."سنن ابن ماجه":(1 / 95، ح 258) ، المقدمة، باب الانتفاع بالعلم والعمل به. والحديث قال الترمذي فيه: هذا حديث حسن غريب. وضعفه الألباني كما في"ضعيف الجامع": (ص 797، ح 5530)، و"ضعيف سنن الترمذي":(ص 316، ح 498) . انظر بقية تخريج الحديث في الملحق.

2 [187 ح]"سنن أبي داود": (4 / 71، ح 3664) ، كتاب العلم، باب ما جاء فيمن يطلب العلم للدنيا."سنن ابن ماجه":(1 / 92- 93، ح 252) المقدمة، باب الانتفاع بالعلم."مستدرك الحاكم":(1 / 85)، كتاب العلم. والحديث قال فيه الحاكم: هذا حديث صحيح، سنده ثقات، رواته على شرط الشيحين، ووافقه الذهبي. وصححه الألباني في تخريح"اقتضاء العلم العمل للخطيب":(ص 194، ح 102) . انظر بقية تخريجه في الملحق.

ص: 381

قال: "القراء المراءون بأعمالهم " أخرجه الترمذي،1 وقال: حديث حسن غريب.

ومن كان يظهر الأعمال الصالحة ليحمده الناس، وليعتقدوا فيه الصلاح وليقصدوه بالعطاء، فهذا العمل هو الذي لغير الله نعوذ بالله من الخذلان.

وعن سمرة بن عطية أنه قال: يؤتى بالرجل يوم القيامة للحساب، وفي صحيفته أمثال الجبال من الحسنات، فيقول رب العزة تبارك وتعالى: صليت يوم كذا وكذا ليقال: فلان صلى، أنا الله لا إله إلا أنا لي الدين الخالص، صمت يوم كذا وكذا ليقال: صام فلان، أنا الله لا إله إلا أنا لي الدين الخالص، تصدقت يوم كذا وكذا ليقال:2 تصدق فلان، أنا الله لا إله إلا أنا لي الدين الخالص، فما زال يمحو شيئا بعد شيء حتى تبقى صحيفته ما فيها شيء، فيقول ملكاه: ألغير الله كنت تعمل؟.

وقال صلى الله عليه وسلم "يجاء يوم القيامة بصحف مختومة فتنصب بين يدي الله تعالى، فيقول: ألقوا هذا، فتقول الملائكة: وعزتك وجلالك ما رأينا إلا

1 [188 ح]"سنن الترمذي": (4 / 593-594، ح 2383] ، كتاب الزهد، باب ما جاء في الرياء والسمعة."سنن ابن ماجه": (1 / 94، ح 256) ، المقدمة، باب 23. والحديث قال فيه الترمذي: هذا حديث حسن غريب، وقد ذكره الشارح. وضعفه الألباني كما في"المشكاة":(1 / 90، ح 275)، و"ضعيف سنن الترمذي":(ص 267- 268، ح 415) ، واستبعد تحسين الترمذي له. انظر بقية تخريجه والحكم عليه في الملحق.

2 قوله: (صام فلان، أنا الله لا إله إلا أنا لي الدين الخالق تصدقت يوم كذا وكذا ليقال) سقط من"ر".

ص: 382

في"الصحيح" عن أبي هريرة- رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد الخميصة، تعس عبد الخميلة، إن أعطي رضي، وإن لم يعط سخط، تعس وانتكس وإذا شيك فلا ان تقش

خيرًا، فيقول الله عز وجل وهو أعلم: إن هذا لغيري، ولا أقبل من العمل إلا ما ابتغي به وجهي "1

{في "الصحيح"} وفي نسخة خرج في "الصحيحين"{عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد الخميصة، تعس عبد الخميلة، إن أعطي رضي، وإن لم يعط سخط" أي: غضب {تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش} .

_________

1 [189 ح]"سنن الدارقطني": (1 / 51، ح 2)، باب النية."الضعفاء الكبير"للعقيلي:(1 / 218-219) ."معجم الطبراني الأوسط"عن"مجمع الزوائد": (10 / 350) . والحديث عن أنس بن مالك- رضي الله عنه. والحديث قال فيه الهيثمي: رواه الطبراني في"الأوسط"بإسنادين ورجال أحدهما رجال الصحيح. وفي سند الحديث الحارث بن غسان المري، قال فيه العقيلي بعد أن ساق له حديثين - هذا منهما-: فلا يتابع عليه فيهما جميعا بهذا الإسناد، قد حدث هذا الشيخ بمناكير. انظر بقية تخريج الحديث والحكم عليه في الملحق. وهذا الحديث وإن كان ضعفه بعض أهل العلم إلا أن ما يدل عليه صحيح وقد وردت به الأحاديث الصحيحة كحديث أبي هريرة في"صحيح مسلم":" انا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه "، وحديث عتبان في"الصحيحين":" فإن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله ".

ص: 383

طوبى لعبد أخذ بعنان فرسه في سبيل الله أشعث رأسه مغبرة قدماه، إن كان في الحراسة كان في الحراسة، وإن كان في الساقة كان في الساقة، وإن استأذن لم يؤذن له وإن شفع لم يشفع له "

قوله:"تعس"- بكسر العين المهملة، ويجوز الفتح- أي: هلك أو سقط على وجهه إذا عثر وانكب على وجهه، وهو دعاء عليه بالهلاك. وقوله:" وإذا شيك فلا انتقش "، أي: شاكته الشوكة إذا دخلت في جسمه، والانتقاش: إخراج الشوكة من الجسم، و"الخميصة": ثوب مربع، و"الخميلة": فراش من صوف.

{طوبى لعبد أخذ بعنان فرسه في سبيل الله} قوله:"طوبى" هو مصدر من الطيب، أو اسم الجنة، أو شجرة في الجنة، ومحلها الرفع كسلام لك والنصب كسلاما لك، و"العنان"- بكسر العين المهملة-: وهو سير اللجام، و"الفرس": يطلق على الذكر والأنثى من الخيل.

{أشعث رأسه مغبرة قدماه} أي: متقشف غير مترفه لزهده وطول سفره في سبيل الله، وطول الغربة عن الأوطان، وتحمل المشاق.

{إن كان في الحراسة كان في الحراسة، وإن كان في الساقة كان في الساقة، وإن استأذن لم يؤذن له وإن شفع لم يشفع له"12} .

"الحارس": الذي يحرس المسلمين بالليل لئلا يبيتهم العدو، و"الساقة": آخر الجيش، والجيش يسمى خميسا؟ لأنهم أخماس مقدمة،

_________

1 كلمة: (له) لم ترد في"المؤلفات"، والمثبت من النسخ المخطوطة.

2 تقدم تخريجه (ص 350) حيث ورد الاستدلال به في الشرح، وتم تخريجه في الملحق [164 ح] .

ص: 384

وقلب، وميمنة، وميسرة، وساقة، فهو في الساقة، وقوله:"إن استأذن لم يؤذن له"، أي: إذا استأذن في الدخول على الملوك وغيرهم لم يؤذن له لخموله، ولكونه مجهولا عندهم لا يعرفونه، وإن شفع عندهم لم يشفع له حيث لا جاه عندهم، وصفة الزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة.

وفي الحديث قال النبي صلى الله عليه وسلم " رب أشعث أغبر ذي طمرين مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره "1

[أخرج البيهقي عن أم بشر2 تبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم قال: " خير الناس منزلة رجل على متن فرسه يخيف العدو أو يخوفونه "3

1 [190 ح]"صحيح مسلم مع شرح النووي": (16 / 413، ح 138 / 2622) ، كتاب البر والصلة والآداب، باب فضل الضعفاء والخاملين."مستدرك الحاكم":(4 / 328) ، كتاب الرقاق، وفيه"تنبو عنه أعين الناس"، وليس فيه"مدفوع الأبواب"، وليس فيه قوله:"أغبر ذي طمرين". والحديث روايته هنا عن أبي هريرة- رضي الله عنه، وروي نحوه عن أنس وابن مسعود. والحديث قال فيه الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد أظن مسلما أخرجه من حديث حفص بن عبد الله بن أنس. وقد صدق ظنه فقد أخرجه كما نرى لكن ليس من طريق حفص بن عبد الله بن أنس، وإنما عن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة. انظر بقية تخريجه في الملحق.

2 هي: أم بشر أو مبشر بنت البراء بن معرور، وقد حصل اللبس بينها وبين أم مبشر الأنصارية امرأة زيد بن حارثة، روت عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: إن أرواح المؤمنين نسمة تسرح في الجنة حيث تشاء، وأن نسمة الفاجر في سجين ، وقوله:" أرواح المؤمنين في طيور خضر يأكلون من الجنة ويشربون ويتعارفون

"الحديث. انظر ترجمتهما في:"الإصابة": (13 / 182-183) ،"أسد الغابة": (6 / 390- 391) .

3"شعب الإيمان": (4 / 42، ح 4291) . وروي نحوه في"سنن الترمذي": (4 / 473، ح 2177)، و"مسند الإمام أحمد":(6 / 419) عن أم مالك البهزية."الأدب المفرد"للبخاري: (ص 242، ح 717)،"مسند أبي بكر الصديق":(ص 55- 56، ح 18) . والحديث قال الهيثمي في"مجمع الزوائد"(10 / 223- 224) : رواه أبو يعلى من رو، الآية ليث ابن أبي سليم عن أبي محمد عن حذيفة وليث مدلس، وأبو محمد إن كان هو الذي روى عن ابن مسعود أو الذي روى عن عثمان بن عفان فقد وثقه ابن حبان، وإن كان غيرهما فلم أعرفه، وبقية رجاله رجال الصحيح. وضعفه الألباني كما في"ضعيف الجامع":(ص 502، ح 3433) . انظر بقية تخريجه في الملحق.

ص: 385

وأخرج الطبراني في "الأوسط" بسند جيد عن أنس قال: "سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أجر المرابط؟ فقال: من رابط ليلة حارسا من وراء المسلمين كان له أجر من خلفه ممن صام وصلى "1

وفي البخاري ومسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها "2] 3

1"الترغيب والترهيب": (2 / 245، ح 9) ، كتاب الجهاد، الترغيب في الرباط."مجمع الزوائد":(5 / 289) إلا أنه قال: (يوما) بدل: (ليلة) . والحديث مروي عن أنس- رضي الله عنه. والحديث كما قال المنذري: سنده جيد، وقال الهيثمي: رجاله ثقات.

2"صحيح البخاري مع الفتح": (6 / 85، ح 2892) ، كتاب الجهاد، باب فضل رباط يوم في سبيل الله. و"صحيح مسلم مع شرح النووي":(13 / 65، ح 163 / 1913) ، كتاب الإمارة، باب فضل الرباط. والحديث عن سهل بن سعد الساعدي.

3 ما بين القوسين في حاشية"الأصل"، وقد أشير لإلحاقه بالنص بإشارة، ولا يوجد في النسخ الأخرى.

ص: 386

‌باب من أطاع العلماء والأمراء في تحريم ما أحل الله وتحليل ما حرم الله فقد اتخذهم أربابا

وقال ابن عباس: "يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء، أقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقولون: قال أبو بكر وعمر"

{باب من أطاع العلماء والأمراء في تحريم ما أحل اللهوتحليل ما حرم الله فقد اتخذهم أربابا1}

{وقال ابن عباس} رضي الله عنهما {"يوشك} أي: يقرب {أن تنزل عليكم حجارة من السماء أقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقولون:2 قال أبو بكر وعمر3") } قال ابن عباس هذا الكلام لما ناظره بعض الناس في المتعة،4 وكذلك ابن عمر لما سألوه عنها فأمر بها، فعارضوه بقول عمر، فبين لهم أن عمر لم يرد ما يقولونه فألحوا عليه فقال لهم:

_________

1 زاد في"المؤلفات"قوله: (من دون الله) .

2 في"ر": (وتقول) خطأ من الناسخ يحالف النسخ الأخرى.

3 الرو، الآية بنصها ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية في"رفع الملام":(ص 30)، وكذا ابن القيم في كتابه"الصواعق المرسلة":(3 / 1063)، وانظر:"مختصره": (ص 168)، ولعل الشيخ محمد بن عبد الوهاب قد نقلها عنهما. وهي في"مسند الإمام أحمد":(1 / 337) . و"المطالب العالية": (1 / 360)، وأحاله على إسحاق بن راهويه. وفي"جامع بيان العلم وفضله":(2 / 239- 240) من غير قوله:"يوشك أن تنزل عليكم حجارة".

4 يعني: متعة الحج.

ص: 387

أأمر1 رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق أن يتبع أم أمر عمر مع علم الناس أن أبابكر وعمر أعلم ممن هو فوق ابن عمر وابن عباس، ولو فتح هذا الباب لوجب أن يعرض عن أمر الله ورسوله، ويبقى كل إمام في أتباعه بمنزلة النبي في أمته وهذا تبديل للدين يشبه ما عاب الله به النصارى في قوله تعالى:{اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} 2 وقال تعالى: {يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا} 3 وهذا نص في بطلان التقليد إن كان المقلد لا يعرف ما أنزل الله على رسوله لأنه جاهل ضال، ومن قلد أهل الهدى فهو في تقليدهم على هدى، وكان الشافعي- رحمه الله تعالى- يقول:(إذا صح الحديث فاضربوا بقولي الحائط، وإذا رأيت الحجة موضوعة على الطريق فهي قولي) .4 وكان أحمد- رحمه الله تعالى- يقول: (إنه من قلة علم الرجل

1 هكذا في"الأصل"بهمزة الاستفهام، وفيه بقية النسخ بدونها.

2 سورة التوبة، الآية:31.

3 سورة الأحزاب، الآيتان: 66-67.

4 انظر:"أعلام الموقعين": (2 / 282)، وكتاب"إيقاظ همم أولي الأبصار":(ص 63)،"حلية الأولياء":(9 / 106- 107)،"سير أعلام النبلاء":(10 / 35) . وذكره النووي بلفظ غير هذا في"المجموع": (1 / 104)، وقال بعده: وروي بألفاظ مختلفة. وقد ألف السبكي رسالة في معنى هذا القول انظرها في"مجموعة الرسائل المنيرية": (3 / 98- 114) الرسالة السادسة (معنى قول الإمام المطلبي إذا صح الحديث فهو مذهبي) .

ص: 388

قال [الإمام] أحمد بن حنبل- رحمه الله تعالى-: (عجبت لقوم عرفوا الإسناد وصحته يذهبون إلى رأي سفيان، والله تعالى يقول:{فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} .

أن يقلد دينه الرجال) .1

وقال- رحمه الله تعالى-: (أجمع المسلمون على أن2 من استبان له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن له أن يدعها لقول أحد من الناس) .3

قال بعض السلف:4 (ما جاءنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلناه على الرأس والعين، وما جاءنا عن الصحابة فنأخذ ونترك، وما جاءنا عن التابعين فهم رجال ونحن رجال)

{قال6 أحمد بن حنبل- رحمه الله تعالى-: (عجبت لقوم عرفوا الإسناد وصحته يذهبون إلى رأي سفيان، والله تعالى يقول: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} 7

_________

1"إيقاظ همم أولي الأبصار": (ص 113) .

2 في"ر": (على أن يقلد استبان) ولا معنى له.

3 نسب ابن القيم هذا القول إلى الشافعي، وكذا الفلاني انظر:"أعلام الموقعين": (2 / 282)، و"إيقاظ الهمم":(ص 58، 114) .

4 صرح بذكره أنه أبو حنيفة كما في رسالة معنى قول الإمام المطلبي"الرسائل المنيرية": (3 / 105) .

5"إيقاظ همم أولي الأبصار": (ص 13) . وقد روى الخطيب البغدادي في"تاريخ بغداد": (13 / 368) عن أبي حنيفة رحمه الله كلاما قريبا منه. وذكره السبكي في رسالة معنى قول الإمام المطلبي إذا صح الحديث فهو مذهبي، ضمن"الرسائل المنيرية":(3 / 105) منسوبا إلى أبي حنيفة وفيه: (وما جاء عن أصحابه اخترنا) بدل قوله: (فنأخذ ونترك) .

6 في"المؤلفات": (قال الإمام أحمد) .

7 سورة النور، الآية:63.

ص: 389

أتدري ما الفتنة؟ الفتنة الشرك، لعله إذا رد بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك) .

تدري ما الفتنة؟ الفتنة الشرك، لعله إذا رد1 بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك) 2} .

قال القائل في ذم التقليد:

لا فرق بين مقلد وبهيمة

تنقاد بين جداول ودعاثر

تبا لقاض أو لمفت لا يرى

عللا ومعنى للمقال السائر

فإذا اقتديت فبالكتاب وسنة

المبعوث بالدين الحنيف الظاهر3

وقال عمر بن عبد العزيز- رحمه الله تعالى-: "لا رأي لأحد مع سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم"4 قال معاذ بن جبل- رضي الله عنه: لما بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن قال: " لا تقضين ولا تفصلن إلا بما تعلم، وإن أشكل عليك أمر فقف حتى تبين أو تكتب إلي فيه (5 وقال الحاكم:

_________

1 هذا من"الأصل"و"المؤلفات"، وهو الصواب، وقد صحفت في بقية النسخ إلى (أراد) ولا معنى لها.

2 ذكر في"تيسير العزيز الحميد": (ص 545)، و"فتح المجيد":(ص 459) عن شيخ الإسلام أنه قد رواه عن الإمام أحمد الفضل بن زياد وأبو طالب، وقد بحثت عنه في مظانه مما لدي من كتب شيخ الإسلام فلم أجده.

3 انظر: كتاب"الرد على من أخلد إلى الأرض"للسيوطي: (ص 121) ، وقد نسب الأبيات لابن المعتز.

4"الإبانة"لابن بطة: (1 / 262- 263، رقم 100)،"الشريعة"للآجري:(ص 53)،"أعلام الموقعين":(1 / 74) .

5"سنن ابن ماجه": (1 / 21، ح 55) ، المقدمة، باب 8. وانظر:"سلسلة الأحاديث الضعيفة": (2 / 275- 276) . والحديث حكم عليه الألباني بالوضع، انظر:"ضعيف = = سنن ابن ماجه": (ص 6، ح 8 / 55) ، وأحال على"سلسلة الأحاديث الضعيفة"المتقدم ذكره.

ص: 390

(أنبأنا أبو عمرو1 بن السماك2 مشافهة أن أبا سعيد الجصاص3 حدثهم قال: سمعت الربيع بن سليمان4 يقول: سمعت الشافعي- رحمه الله تعالى- يقول:5 سأله رجل عن مسألة فقال: روي عن النبي صلى الله عليه وسلم كذا وكذا، فقال له السائل يا أبا عبد الله: تقول بهذا؟ فارتعد الشافعي واصفر

1 صحفت في"الأصل"و"ع"و"ر"إلى: (ابن عمرو)، وفي"ش"إلى:(ابن عمر) وقد صححتها من الأصول.

2 هو: أبو عمرو عثمان بن أحمد بن عبد الله البغدادي الدقاق- ابن السماك- الشيخ الإمام المحدث المكثر الصادق، مسند العراق، حدث عنه الدارقطني والحاكم وابن منده وله مصنفات كما ذكره الدارقطني، كان ثقة ثبتا، توفي سنة 344 هـ. انظر ترجمته في:"شذرات الذهب": (2 / 366- 367)،"تاريخ بغداد":(11 / 302 - 303)،"سير أعلام النبلاء":(15 / 444) .

3 هو: الحسن بن علي بن إسماعيل الجصاص، أبو سعيد، كان كثير الحديث لا سيما عن أهل مصر كالربيع بن سليمان والمذكورين معه مات سنة 301 هـ. انظر ترجمته في:"تاريخ ابن عساكر": (15 / 10)، و"تاريخ بغداد":(7 / 376) ، وانظر ذكره في سند هذه الرو، الآية في"حلية الأولياء":(9 / 106) .

4 هو: الربيع بن سليمان بن عبد الجبار أبو محمد المرادي مولاهم البصري الإمام المحدث الفقيه الكبير صاحب الإمام الشافعي وناقل علمه حدث عنه أبو داود وابن ماجه والنسائي، أفنى عمره في العلم ونشره، ولد سنة 174 هـ، وتوفي سنة 270 هـ. ويوجد الربيع بن سليمان الأزدي الجيزي الأعرج وقد سمع أيضا من الشافعي وتوفي سنة 256 هـ. انظر ترجمته في:"تذكرة الحفاظ": (2 / 586- 587)،"تهذيب التهذيب":(3 / 245- 249)،"شذرات الذهب":(2 / 159) .

5 هكذا في كل النسخ، وفي بعض مصادر الحديث: (سمعت الربيع بن سليمان يقول سأل رجل الشافعي فقال

إلخ) .

ص: 391

عن عدي بن حاتم أنه " سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ هذه الآية: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ.} .." الآية، فقلت له: إنا لسنا نعبدهم، قال: أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه، ويحلون ما حرم الله فتحلونه؟ "فقلت: بلى، قال

لونه، وقال: ويحك وأي أرض تقلني، وأي سماء تظلني إذا رويت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم أقل به، نعم على الرأس والعينين،1 نعم على الرأس والعينين) .

والأحاديث في هذا كثيرة فلنقتصر منها على ما مر ففيه كفاية.2

{عن عدي بن حاتم} رضي الله عنه {أنه سمع رسول3 الله صلى الله عليه وسلم يقرأ هذه الآية: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ.} 4 الآية5 فقلت له: إنا لسنا نعبدهم، قال:"أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه، ويحلون ما حرم الله فتحلونه؟ " فقلت: بلى، قال:

_________

1"حلية الأولياء": (9 / 106)، و"سير أعلام النبلاء":(2 / 159) . ورسالة معنى قول الإمام المطلبي: (إذا صح الحديث فهو مذهبي) ضمن"الرسائل المنيرية": (3 / 98- 99) . ورسالة الاجتهاد والتقليد لابن القيم ضمن"الرسائل الكمالية": (ص 138، 356)، وكتاب"الدين الخالص":(4 / 185) .

2 في"ر"أسقط حديث عدي بن حاتم والباقي من الباب، ثم انتقل إلى الباب الجديد، وذلك بعد هذه الفقرة.

3 في"المؤلفات": (النبي) بدل: (الرسول) .

4 سورة التوبة، الآية:31.

5 في"المؤلفات"أتم ال، الآية:{وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَاّ لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} .

ص: 392

"فتلك عبادتهم " رواه أحمد والترمذي وحسنه.

" فتلك عبادتهم " رواه أحمد والترمذي وحسنه.1

أصل الحديث قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي عنقي صليب، فقال:"يا عدي، ألق هذا من عنقك " وانتهيت إليه وهو يقرأ سورة التوبة، حتى أتى على هذه الآية {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ} وساق الحديث،2 "الصليب": خشبة معروضة على أخرى يزينها النصارى بالحلي والأشياء الفاخرة ويعكفون عليها.3

وصح عنه صلى الله عليه وسلم "لا طاعة لأحد في معصية الله، إنما الطاعة في المعروف "4 أي: فيما رضيه الشرع وعرفه واستحسنه.

مسألة يحتاج إلى التنبيه إليها: اعلم أنه يجوز للعامي أن يقلد العالم فيما يتعلق بنفسه قال الله تعالى: {فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} 5

وفي الحديث أن رسول الله

_________

1 تقدم تخريجه (ص 113) في باب تفسير التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله. وهو في الملحق برقم [62 ح] .

2 عُد لما أشرت إليه في الحاشية السابقة.

3 لم أجد هذه العبارة بعينها فيما لدي من كتب اللغة، وفي"لسان العرب" (1 / 529) :(الصليب ما يتخذه النصارى قبلة)، مادة:(صلب) .

4 [191 ح]"صحيح البخاري مع الفتح": (13 / 233، ح 7257) ، كتاب أخبار الآحاد، باب 1. و"صحيح مسلم مع شرح النووي":(12 / 469، ح 39) ، كتاب الإمارة، باب 8. والحديث رُوي عن علي ابن أبي طالب. انظر بقية تخريجه في الملحق.

5 سورة النحل، الآية:43. وفي سورة الأنبياء، الآية: 7.

ص: 393

‌باب قول الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ

وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ

صلى الله عليه وسلم قال: "ألا سألوا إذا لم يعلموا، فإنما شفاء العي السؤال1") والله أعلم.

{باب}

قول الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ} 2

_________

1 [192 ح]"سنن أبي داود": (1 / 240، ح 337) ، كتاب الطهارة، باب في المجروح يتيمم. و"سنن ابن ماجه":(1 / 189، ح 572) ، كتاب الطهارة وسننها، باب 93."المستدرك على الصحيحين":(1 / 165) . والحديث روي عن ابن عباس، وجاء من رو، الآية جابر- رضي الله عنهم. والحديث من رو، الآية ابن عباس، صححه الحاكم ووافقه الذهبي. وحسنه الألباني كما في"صحيح سنن أبي داود":(1 / 69، ح 326) . ورو، الآية جابر- رضي الله ععه- قال فيها الدارقطني في"سننه"(1 / 191، ح 7) : (تفرد به الزبير بن خريق وليس بالقوي) . وقال ابن حجر في"بلوغ المرام": (ص 47- 48، ح 147) : (رواه أبو داود بسند فيه ضعف وفيه اختلاف على رواته. وحسنه الألباني باستثناء زيادة فيه ذكرها. انظر:"تمام المنة": (ص 131)، و"صحيح سنن أبي داود":(1 / 699، ح 325) . انظر بقية التخريج في الملحق.

2 في"المؤلفات"تمم ال، الآية وذكر، الآية بعدها

: {وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَاّ إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً} [النساء: 60- 62] .

ص: 394

قال الشيخ- رحمه الله تعالى-: قال1 الشعبي: كان بين رجل من المنافقين ورجل من اليهود خصومة، فقال اليهودي: نتحاكم إلى محمد - عرفه أنه2 لا يأخذ الرشوة ولا يميل في الحكم3 - وقال المنافق: نتحاكم إلى اليهود- لعلمه أنهم يأخذون الرشوة ويميلون في الحكم4 - فاتفقا أن يأتيا كاهنا من جهينة اسمه أبو بردة فيتحاكما إليه فنزلت: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ} الآية،56 وقيل: نزلت في رجلين اختصما فقال أحدهما: نترافع إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال الآخر: إلى كعب بن الأشرف ثم ترافعا إلى عمر، فذكر له أحدهما القضية7 فقال للذي لم يرض برسول الله صلى الله عليه وسلم (أكذلك؟ قال: نعم، فضربه بالسيف فقتله) 8 انتهى.

1 قول الشعبي وما بعده من ذكر قصة المنافق مع عمر قدم في النسخ الخطية على تتمة ال، الآية: ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا وما بعدها من الآيات وحديث عبد الله بن عمرو خلافا للمؤلفات وقد جعله شرحا لل، الآية.

2 في"المؤلفات": (لأنه عرف) .

3 قوله: (ولا يميل في الحكم) سقطت من"المؤلفات".

4 قوله: (يميلون في الحكم) سقط من"المؤلفات".

5 سورة النساء، الآية:60.

6"تفسير الطبري": (4 / 5 / 152- 153)، و"تفسير البغوي":(1 / 446)، و"تفسير السيوطي":(2 / 580)، و"أسباب النزول"للواحدي:(ص 112- 113) .

7 في"المؤلفات": (القصة) .

8"أسباب النزول"للواحدي: (ص 112- 113)، و"تفسير البغوي":(1 / 446) . وقد ذكر الطبري: (4 / 5 / 155) رو، الآية عن أنس بمعنى هذه الرو، الآية إلا أنه لم يذكر التحاكم إلى عمر. وهذه الرو، الآية حكم عليها الدوسري في"النهج السديد":(ص 216) بالوضع، والعصيمي في"الدر النضيد":(ص 132) بأنها ضعيفة جدا.

ص: 395

وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً

وقال ابن عباس- رضي الله عنهما: نزلت في رجل من المنافقين يقال له بشر كان بينه وبين يهودي خصومة، فقال اليهودي: ننطلق إلى محمد، وقال المنافق: بل ننطلق إلى كعب بن الأشرف، وهو الذي سماه الله الطاغوت فأبى اليهود أن يخاصمه إلا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رأى المنافق ذلك أتى معه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم لليهودي، فلما خرجا من عنده لزمه المنافق، فقال: انطلق بنا إلى عمر، فأتيا عمر فقال اليهودي: اختصمت أنا وهذا إلى محمد فقضى لي عليه، فلم يرض بقضائه، وزعم أنه يخاصمني إليك، فقال عمر للمنافق: أكذلك؟ قال: نعم، فقال لهما عمر: رويدا حتى أخرج إليكما، فدخل عمر البيت وأخذ السيف واشتمل عليه، ثم خرج، فضرب به المنافق حتى برد، وقال: هكذا أقضي بين من لم يرض بقضاء الله ورسوله، فنزلت هذه الآية.1

وقال جبريل: إن عمر فرق بين الحق والباطل، فسمي الفاروق،2 وسمى الله كعبا الطاغوت لإفراطه في الطغيان، وعداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله تعالى:{وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ} 3 يعني: بالطاغوت4 لأن الكفر بالطاغوت إيمان بالله عز وجل وقوله: {وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً} 5

_________

1 قوله: (فنزلت هذه ال، الآية) سقطت من"ع".

2 هذه الرو، الآية أوردها بطولها إلى هنا البغوي في"التفسير":(1 / 446) كما تقدم ذكره.

3 سورة النساء، الآية:60.

4 قوله: (لأن الكفر بالطاغوت) سقط من"ر".

5 في جميع النسخ الخطية التي حصلت عليها بتر من الشرح ذكر ال، الآية المتممة لهذه ال، الآية وآيتي البقرة والأعراف واستأنف بشرح، الآية الأعراف فقال: يعني لا تفسدوا

إلخ.

ص: 396

وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَاَّ إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً}

وقوله: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ}

يعني: لا تفسدوا أيها الناس في الأرض بالمعاصي والكفر، والدعاء إلى غير طاعة الله بعد إصلاح الله إياها ببعثة الرسل، وبيان الشرائع، والدعاء إلى طاعة الله عز وجل وهذا معنى قول الحسن والسدي والضحاك والكلبي وقال عطية:1 لا تعصوا في الأرض فيمسك الله المطر، ويهلك الحرث بسبب معاصيكم،2 وقيل: معنى الآية لا تفسدوا في الأرض شيئا بعد أن3 أصلحه الله تعالى فيدخل فيه جميع الفساد.4

_________

1 هو: عطية بن الحارث أبو روق الهمداني الكوفي صاحب التفسير، روى عن أنس وأبي عبد الرحمن السلمي وإبراهيم بن يزيد التيمي، وروى له أبو داود والنسائي وابن ماجه. انظر ترجمته في:"تهذيب التهذيب": (7 / 224)،"طبقات المفسرين"للداودي:(1 / 386)، كتاب"الجرح والتعديل":(6 / 382) .

2"تفسير البغوي": (2 / 166)، وانظر:"تفسير ابن الجوزي": (3 / 215)، و"التفسير القيم"لابن القيم:(ص 255) .

3 كلمة: (أن) سقطت من"ر".

4"تفسير السيوطي": (1 / 76) .

ص: 397

{وقوله تعالى: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ} قال مقاتل: كان بين بني النضير وقريظة دماء، وهما حيان من اليهود، وذلك قبل أن يبعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم فلما بعث وهاجر إلى المدينة تحاكموا إليه، فقالت بنو قريظة: بنو النضير إخواننا، أبونا واحد،3 وديننا واحد، وكتابنا واحد، فإن قتل بنو النضير منا قتيلا، أعطونا سبعون وسقا4 من تمر، وإن قتلنا منهم قتيلا أخذوا مائة وأربعين وسقا وأرش جراحاتنا على النصف من جراحاتهم فاقض بيننا وبينهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فإني أحكم أن [دم] 5 القرظي وفاء من دم النضيري، ودم النضيري وفاء من دم القرظي ليس لأحدهما فضل عن الآخر في دم ولا عقل ولا جراحة فغضب بنو النضير،

_________

1 سورة الأعراف، الآية:56.

2 ما بين القوسين من متن كتاب"التوحيد"سقط من كل النسخ الخطية، وأضفته من"المؤلفات".

3 قال أبو داود بعد إيراد هذا الحديث: (قريظة والنضير جميعا من ولد هارون النبي عليه السلام، ولعله مرادهم هنا بقوله أبونا واحد) .

4 الوسق والوسق مكيلة معلومة وهو ستون صاعا نبويا. انظر:"لسان العرب": (10 / 379) ، وهو ما يعادل 122 مائة واثنين وعشرين ونصف كيلو غرام تقريبا بتقدير الصاع كيلوان وأربعون غراما على ما قدره به الشيخ محمد بن صالح العثيمين في كلامه عن زكاة الفطر، انظر:"مجالس شهر رمضان": (ص 138) .

5 في"الأصل": (دمي) بالتثنية، والصواب ما أثبته من بقية النسخ.

ص: 398

وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}

عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به " قال النووي

وقالوا: لا نرضى بحكمك، فإنك1 عدو، وإنك [لا تألوا]،2 أي: تقصر في وضعنا وتصغيرنا، فأنزل الله {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ} وقرئ بالتاء على الخطاب، والمعنى: قل لهم يا محمد: أفحكم الجاهلية تبغون3 {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} 4 5} يعني: أي حكم أحسن من حكم الله تعالى إن كنتم موقنين،6 إن لكم ربا وأنه عدل في حكمه.

{عن عبد الله بن عمرو7 رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به "8 قال النووي}

_________

1 في"ر"هنا زيادة: (لنا) .

2 في"الأصل": (وإنك ما قالوا) وهو تصحيف، والصواب المثبت من بقية النسخ.

3 قوله: (وقرئ بالتاء على الخطاب، والمعنى: قل لهم يا محمد أفحكم الجاهلية تبغون) سقط من"ر".

4 سورة المائدة، الآية:50.

5 وانظر: "تفسير ابن الجوزي": (2/376) . وانظر: "سنن أبي داود": (4/634ـ635، ح4494) ، كتاب الديات، باب النفس بالنفس، و"سنن النسائي":(8/18ـ19، ح4732، 4733) ، كتاب القسامة، باب:8. "مسند الإمام أحمد": (1/363) .

6 قوله: (يعني: أي حكم أحسن من حكم الله تعالى إن كنتم موقنين) سقط من"ر".

7 في كل النسخ المخطوطة: (ابن عمر) ، وهو خطأ، وأثبت الصواب من"المؤلفات"، وبالعودة إلى مصادر الحديث.

8 [193 ح]"السنة"لابن أبي عاصم: (1 / 12، ح 15) . و"الحجة في ببان المحجة"للأصبهاني: (1 / 251، ح 103)،"الإبانة"لابن بطة:(1 / 387، ح 279) . والحديث من رو، الآية عبد الله بن عمرو بن العاص. والحديث أعله ابن رجب في"جامع العلوم والحكم":(2 / 393- 395) بثلاث علل. وقال فيه النووي ما ذكره المصنف عنه بعد الحديث. انظر بقية التخريج والحكم على الحديث في الملحق.

ص: 399

رحمه الله: حديث صحيح رويناه في كتاب الحجة بإسناد صحيح.

[قال الشعبي: "كان بين رجل من المنافقين ورجل من اليهود خصومة فقال اليهودي: نتحاكم إلى محمد- لأنه عرف أنه لا يأخذ الرشوة- وقال المنافق: نتحاكم إلى اليهود لعلمه أنهم يأخذون الرشوة؟ فاتفقا أن يأتيا كاهنا من جهينة فتحاكما إليه فنزلت: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ} الآية".

وقيل: "نزلت في رجلين اختصما فقال أحدهما: نترافع إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال الآخر إلى كعب بن الأشرف، ثم ترافعا إلى عمر، فذكر له أحدهما القصة، فقال للذي لم يرض برسول الله صلى الله عليه وسلم أكذلك. قال: نعم، فضربه بالسيف فقتله".

رحمه الله: {حديث صحيح رويناه في كتاب الحجة بإسناد صحيح} .12

فمن أطاع الشيطان وهواه، وخالف الله ورسوله، فقد كذب فعله قوله، ونقص كمال توحيده بقدر معصية الله ورسوله في طاعة الشيطان والهوى قال الله تعالى:{فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} 3 أي: طوعا ورضا لا قهرا.

_________

1 في"المؤلفات"أثبت بعد هذا الحديث كلام الشعبي ثم قصة الرجلين اللذين تحاكما إلى عمر، وقد قدمه الشارح على أنه شرح لل، الآية الأولى من الباب. انظر:(ص 395) . وقد أثبته هنا في أعلى الصحيفة متنا وجعلته بين قوسين.

2 قال النووي رحمه الله هذا بعد ذكر الحديث في كتابه"الأربعون النووية"، انظره:(ص 83، ح 41) .

3 سورة النساء، الآية:65.

ص: 400

‌باب من جحد شيئا من الأسماء والصفات

وقول الله تعالى: {وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ

{باب من جحد شيئا من الأسماء والصفات}

{وقول الله تعالى: {وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ} قال قتادة ومقاتل وابن جريج1 هذه الآية مدنية نزلت في صلح الحديبية، وذلك أن سهيل بن عمرو لما جاء للصلح، واتفقوا على أن يكتبوا2 كتاب الصلح فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب "اكتب3 بسم الله الرحمن الر حيم، قالوا: ما نعرف الرحمن إلا رحمن اليمامة - يعنون: مسيلمة الكذاب - وقال تعالى: {وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ} 4

_________

1 هو: عبد الملك بن عبد العزيز بن جريح الرومي الأموي مولاهم المكي، الإمام المجتهد الحافظ، فقيه الحرم أبو الوليد صاحب التصانيف"التفسير"وغيره، حدث عن عطاء بن أبي رباح وابن أبي مليكة وطاووس وغيرهم، وعنه ثور بن يزيد والأوزاعي والليث وغيرهم، توفي سنة 150 هـ. انظر ترجمته في:"طبقات المفسرين"للداودي: (1/ 358- 359)،"شذرات الذهب":(1/ 226)،"سير أعلام النبلاء:(6/ 325- 336)،"تذكرة الحفاظ":(1/ 169- 171) .

2 في النسخ الأخرى: (أن يكتبوا الكتاب كتاب الصلح) ، والمثبت من"الأصل"أحسن تعبيرا.

3 في"ر": (الكتاب) بدل: (اكتب) ، وهو خطأ ظاهر من الناسخ.

4 سورة الأنبياء، ال، الآية:36. ولم أجد في المصادر التي عدت إليها أن هذه ال، الآية من الحديث، فلعله زيادة من الشارح توضيحً للحديث.

ص: 401

قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ}

اكتب - كما نكتب1 - باسمك اللهم"2 فهذا معنى قوله: {وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ} يعني: أنهم ينكرونه ويجحدونه، والمعروف أن الآية مكية، وسبب نزولها أن أبا جهل سمع النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الحجر يدعو ويقول في دعائه: يا الله يا رحمن، فرجع أبو جهل إلى المشركين وقال: إن محمدا يدعو إلهين يدعو الله، ويدعو إلها آخر3 سمي الرحمن، ولا نعرف الرحمن إلا رحمن اليمامة، فنزلت هذه الآية، وقوله:{قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيّاً مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} 4 5

وروى الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما أنها نزلت في كفار قريش قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم "اسجدوا للرحمن" قالوا: وما الرحمن، فقال الله تعالى:{قُلِ} يا محمد إن الرحمن الذي أنكرتم معرفته {هُوَ رَبِّي لا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ} يعني: عليه اعتمدت في أموري كلها {وَإِلَيْهِ مَتَابِ} 6 يعني: توبتي ورجوعي.7

_________

1 قوله: (كما نكتب) زيادة من"الأصل"، وقد سقطت من بقية النسخ، والتعبير بدونها يصح.

2 [194 ح]"صحيح البخاري مع الفتح": (5/ 329- 333 ، ح 2731 ، 2732) ، كتاب الشروط، باب الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب."مسند الإمام أحمد":(4/ 325) . والحديث روي عن المسور ومروان، وعن أنس، وعبد الله بن معقل المزني. انظر بقية تخريج الحديث في الملحق.

3 هذا في"الأصل"وفي النسخ الأخرى: (إلها غيره) .

4 سورة الإسراء، الآية:110.

5 تفسير البغوي": (3/ 19) .

6 سورة الرعد، الآية:30.

7"تفسير البغوي": (3/ 19) .

ص: 402

وفي"صحيح البخاري" قال علي: "حدثوا الناس بما يعرفون أتريدون أن يكذب الله ورسوله".

وروى عبد الرزاق عن معمر عن [ابن] طاووس عن أبيه "عن ابن عباس أنه [رأى] رجلا انتفض لما سمع حديثا عن

{وفي"صحيح البخاري قال علي} بن أبي طالب رضي الله عنه {"حدثوا الناس بما يعرفون"} أي: يفهمون وتدركه عقولهم، ولا تحدثونهم بغير ذلك.

{أتريدون} [بهمزة الاستفهام الإنكارية] 1 {أن يكذب الله ورسوله"2} بتشديد الذال مفتوحة; لأن السامع لما لا يفهمه يعتقد استحالته فلا يصدق بوجوده، فيلزم التكذيب ويخاف عليهم من تحريف معناه، قال الله تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَاّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} 3.

{وروى عبد الرزاق عن معمر عن [ابن] 4 طاووس عن أبيه عن ابن عباس "أنه [رأى] 5 رجلا انتفض} أي: أصابته رعدة {لما سمع حديثا عن

_________

1 ما بين القوسين أثبته من بقية النسخ وقد سقط من"الأصل".

2"صحيح البخاري مع الفتح": (1/ 225) ، كتاب العلم، باب من خص بالعلم قوما دون قوم كراهة ألا يفهموا. و"فردوس الأخبار":(2/ 205 ، ح 2478)،"الجامع الصغير مع الفيض":(3/ 377 ، ح 3639)، وهذا الخبر صححه الألباني موقوفا على علي رضي الله عنه كما في البخاري وضعفه مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم. انظر:"ضعيف الجامع": (ص 399 ، ح 2701) .

3 سورة إبراهيم، الآية:4.

4 زيادة: (ابن) من"المؤلفات"، وهو الصواب الموافق لمصادر الحديث.

5 كلمة: (رأى) من"ر"و"المؤلفات".

ص: 403

النبي صلى الله عليه وسلم في الصفات، استنكارا لذلك فقال: ما فرق هؤلاء؟ يجدون رقة في قلوبهم عند محكمه ويهلكون عند متشابهه". انتهى

[ولما سمعت قريش رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الرحمن أنكروا ذلك فأنزل الله فيهم {وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ} . 1

النبي صلى الله عليه وسلم في الصفات، استنكارا لذلك فقال: ما فرق هؤلاء؟} المبتدعين المضلين، استفهام إنكار {يجدون رقة} أي: ليونة وسكينة {في قلوبهم عند محكمه2 ويهلكون عند متشابهه3} لدخولهم فيه بالرأي والقياس {انتهى} كلام ابن عباس.

واعلم أن ما ورد في الكتاب العزيز والسنة الشريفة من ذكر الصفات نحو {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} 4 {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ} 5 {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} 6 {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} 7 ونحو حديث: " إن قلوب بني آدم

_________

1 ما بين القوسين أضفته من"المؤلفات"متنا، وليس في النسخ الخطية، وربما أسقطه الشارح لتقدم معناه في شرح ال، الآية التي في صدر الباب. انظر:(ص 400) حيث قال: (وسبب نزولها أن أبا جهل سمع

إلخ) .

2 في"المؤلفات": (يجدون رقة عن محكمه) ، والصواب ما أثبته.

3"السنة"لابن أبي عاصم: (1/ 212 ، ح 485) . قال فيه الألباني: إسناده صحيح ورجاله ثقات على شرط مسلم غير ابن ثور واسمه محمد وهو ثقة اتفاقا.

4 سورة طه، الآية:5.

5 سورة الرحمن، الآية:27.

6 سورة طه، الآية:39.

7 سورة الفتح، الآية:10.

ص: 404

كلها بين أصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه كيف يشاء " 1 وحديث: " إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها " 2 رواهما مسلم.

يجب الإيمان بها من غير تمثيل، ولا تعطيل، قال الشيباني:

فلا مذهب التشبيه نرضاه مذهبا

ولا مقصد التعطيل نرضاه مقصدا3

ونفوض أمر المراد منها إلى الله تعالى.4

واعلم أن الروعة التي تصيب المؤمن عند سماع القرآن والهيبة التي تعتريه5 عند تلاوته، لميل قلبه إليه، وتصديقه به، فلا تزال بالمؤمن، قال الله تعالى:{اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ} يعني: القرآن6 {كِتَاباً

1 [195 ح]"صحيح مسلم مع شرح النووي": (16/ 443 ، ح 17/ 2654) ، كتاب القدر، باب تصريف الله تعالى القلوب. و"سنن الترمذي":(4/ 448- 449 ، ح 2140) ، كتاب القدر، باب ما جاء في أن القلوب بين أصبعي الرحمن. والحديث روي عن عبد الله بن عمرو، وروي -أيضا- عن النواس، وعن أنس بلفظ مختلف. انظر بقية التخريج في الملحق.

2 [196 ح]"صحيح مسلم مع شرح النووي": (17/ 83 ، ح 31/ 2759) ، كتاب التوبة، باب قبول التوبة من الذنوب وإن تكررت."مسند الإمام أحمد":(4/ 395) . والحديث مروي عن أبي موسى الأشعري. انظر بقية التخريج في الملحق.

3"مجموع مهمات المتون - متن الشيبانية": (ص 36) .

4 تقييد التقويض هنا بأمر المراد منها فيه احتياط لالتزام مذهب السلف من عدم التفويض المطلق، ومثله التعبير بالقول:(أمروها بلا كيف) أو (ترك تفسيرها) فإن المراد بمثل هذه العبارات إنما هو ترك الكلام في معنى الكيفية بدليل أن من روي عنه من علماء السلف مثل هذه العبارات نجد أنه قد نقل عنه القول بالإثبات.

5 في"ر": (تعتريها) ، وهو خطأ ظاهر من الناسخ.

6 قوله: (يعني القرآن) سقطت من"ر"و"ش".

ص: 405

مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ} أي: يثني فيه ذكر الوعد والوعيد، والأمر والنهي، والأخبار والأحكام، {تَقْشَعِرُّ} أي: تضطرب وتشمئز1 {مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} 2 يعني إذا ذكرت آيات الوعيد والعذاب اقشعرت جلود الخائفين لله، وإذا ذكرت آيات الوعد والرحمة لانت جلودهم وسكنت قلوبهم قال الله تعالى:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} 3

روي عن العباس بن عبد المطلب45 رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا اقشعر جلد العبد المؤمن6 من خشية الله تحاتت عنه ذنوبه كما يتحات عن الشجرة اليابسة ورقها "7 وفي رواية: " حرمه الله على النار "8

1 في"ع"تتمايز.

2 سورة الزمر، الآية:23.

3 سورة الأنفال، الآية:2.

4 في"ع"و"ش": (ابن عبد المطلب) .

5 هو: عباس بن عبد المطلب بن هاشم أبو الفضل القرشي المكي عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قيل: إنه أسلم قبل الهجرة، وكتم إسلامه وهاجر قبل الفتح بقليل وشهد الفتح وثبت يوم حنين واختلف في وفاته ما بين 32 هـ إلى 34 هـ. انظر ترجمته في:"تهذيب التهذيب": (5/ 122)،"الإصابة":(5/ 328- 329)،"أسد الغابة":(3/ 60- 63) .

6 كلمة: (المؤمن) من"الأصل"، وقد سقطت في بقية النسخ.

7"معجم الطبراني الكبير": (ح 5879)، وقد ذكره في"كنز العمال":(3/ 141- 142) محالا عليه."تاريخ بغداد"للخطيب: (4/ 56)، البزار"مجمع الزوائد":(10/ 310)،"تفسير البغوي":(4/ 76) .

8"تفسير البغوي": (4/ 77)0.

ص: 406

قال قتادة: نعتهم الله بهذا، ولم ينعتهم بذهاب عقولهم، والغشيان إنما ذلك في أهل البدع وهو من الشيطان.1

وروي عن عبد الله بن عروة بن الزبير،2 قال: قلت لجدتي أسماء3 بنت أبي بكر الصديق: كيف كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعلون إذا قرئ عليهم القرآن؟ قالت: كانوا كما نعتهم الله عز وجل تدمع عيونهم وتقشعر جلودهم، قال عبد الله: فقلت لها إن ناسا اليوم إذا قرئ عليه القرآن خر أحدهم مغشيا عليه، قالت: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.4

1"تفسير البغوي": (4/ 77)، و"تفسير السيوطي":(7/ 221) .

2 هو: عبد الله بن عروة بن الزبير بن العوام أبو بكر الأسدي. روى عن: أبيه، وجدته أسماء بنت أبي بكر، وأبي هريرة. وروى عنه: أخواه هشام، وعبيد الله، ومصعب بن ثابت، وغيرهم. وكان ثقة ثبتا فاضلا. ولد سنة 45 هـ، وتوفي سعة 125 هـ، وقيل: 126 هـ. انظر ترجمته في:"تهذيب التهذيب": (5/ 319- 321)،"الجرح والتعديل":(5/ 133)،"تقريب التهذيب":(1/ 433) .

3 هي: أسماء بنت أبي بكر الصديق بن أبي قحافة أم عبد الله القرشية، التيمية المكية، ثم المدنية، والدة الخليفة عبد الله بن الزبير. وهي التي سميت بذات النطاقين، أسلمت قديما بمكة وبايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم. ماتت سنة 73 هـ. انظر ترجمتها في:"طبقات ابن سعد": (8/ 249- 255)،"الإصابة":(12/ 114- 115)،"شذرات الذهب":(1/ 80)،"أسد الغابة":(6/ 9- 10)0.

4"تفسير البغوي": (4/ 77)، و"تفسير السيوطي":(7/ 222) .

ص: 407

وروي أن ابن عمر مر برجل من أهل العراق ساقط، فقال: ما باله، فقالوا: إنه إذا قرئ عليه القرآن، وسمع ذكر الله سقط، قال ابن عمر: إنا لنخشى الله، وما نسقط، وقال: إن الشيطان يدخل في جوف أحدهم ما كان هذا صنيع أصحاب رسول الله1 صلى الله عليه وسلم.2

وذكر عند ابن سيرين3 الذين يصرعون إذا قرئ عليهم القرآن، فقال: بيننا وبينهم أن يقعد أحدهم على ظهر بيت باسط رجليه، ثم يقرأ عليه القرآن من أوله إلى آخره، فإن رمى بنفسه فهو صادق.4

واعلم أن القرآن العظيم من صفات الله تعالى وهو كلام الله تعالى، تكلم به في القدم5 وقال في"فتح الباري": سئل سفيان بن عيينة عن

1 هذا في"الأصل"، وفي بقية النسخ: (أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم .

2 نفس المصدر: (4/ 77)، وانظر:"تلبيس إبليس"لابن الجوزي: (ص 310) . وروي مثله عن عائشة وأنس وعبد الله بن الزبير رضي الله عنهم.

3 هو: محمد بن سيرين الأنصاري أبو بكر بن أبي عمرة البصري مولى أنس بن مالك تابعي جليل وكان ثقة ثبتا عابدا كبير القدر ورعا، قال ابن عون: كان محمد بن سيرين يرى أن أهل الأهواء أسرع الناس ردة وأن هذه نزلت فيهم وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره ، ولد سنة 33 هـ، ومات سنة 110 هـ. انظر ترجمته في:"سير أعلام النبلاء": (4/ 606- 622)،"تهذيب التهذيب":(9/ 214- 217)،"وفيات الأعيان":(4/ 181- 183) .

4"تفسير البغوي": (4/ 77)، وانظر:"تلبيس إبليس": (ص 312- 313) .

5 المعنى بقدم كلام الله أنه قديم النوع فإن الله لم يزل متكلما إذا شاء وكيف شاء، فالله سبحانه وتعالى قد تكلم بالقرآن وكتبه في اللوح المحفوظ، وأرسل به جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم منجما، وحادث الآحاد فإن الله قال عما نزل منه جديدا على رسوله ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث. انظر:"مجموع الفتاوى"لابن تيمية: (8/ 28) ، (12/ 372) ، (13/ 132) .

ص: 408

القرآن أمخلوق هو؟ فقال: يقول الله تعالى: {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} 1 ألا ترى كيف فرق بين الخلق والأمر، فالأمر كلامه، فلو كان كلامه مخلوقا لم يفرق.23

ويحرم الجدال فيه، ففي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "الجدال في القرآن [كفر] 4") رواه الحاكم5 والمراد: المؤدي إلى مراء ووقوع في شك، أما التنازع في الأحكام فجائز إجماعا حيث خلا عن التعصب والتعنت، وإلا كان من أقبح القبائح.

1 سورة الأعراف، الآية:54.

2 زاد هنا كلمة: (بين) في"ر"، ولا معنى لها.

3"فتح الباري"لابن حجر: (13/ 332- 333)،"تفسير ابن عيينة":(ص 249)،"تفسير البغوي":(2/ 165)،"تفسير السيوطي":(3/ 474) . وقال ابن حجر عقب إيراده: وسبق ابن عيينة إلى ذلك محمد بن كعب القرظي وتبعه الإمام أحمد بن حنبل وعبد السلام بن عاصم وطائفة، أخرج كل ذلك ابن أبي حاتم عنهم في كتاب"الرد على الجهمية".

4 في"الأصل"بالتعريف: (الكفر) ، والصواب ما أثبته من النسخ الأخرى ونص الحديث.

5 [197ح]"مستدرك الحاكم": (2/ 223)،"مسند الإمام أحمد":(2/ 258)،"صحيح ابن حبان":"الإحسان": (3/ 13 ، ح 1462) . والحديث قال فيه الحاكم بعد أن ساقه من طريقين: طريق المعتمر بن سليمان بلفظ:"مراء في القرآن كفر"، وطريق عمرو بن أبي سلمة بلفظ:"الجدال". قال: حديث المعتمر عن محمد بن عمرو صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه وصححه ابن حبان كما ترى. وصححه الألباني في"صحيح الترغيب والترهيب": (1/ 133 ، ح 138) . انظر بقية التخريج في الملحق.

ص: 409

قال الشاعر:

تراه معدا للخلاف كأنه

برد على أهل الصواب موكل

والذين في قلوبهم زيغ وميل عن الحق يتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة لطلب الفساد.

عن عائشة رضي الله عنها قالت: "تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ} إلى {وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} فقال: إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه، فأولئك الذين سماهم1 الله فاحذروهم"2

عن ابن عباس رضي الله عنهما يرفعه قال: "الأمر ثلاثة: أمر بين رشده فاتبعه، وأمر بين غيه فاجتنبه، وأمر اختلف فيه فكله إلى الله عز وجل" رواه الإمام أحمد3 وسيأتي ذكر الصفات في آخر باب من الكتاب إن شاء الله تعالى.4

(سماهم) لفظ"سنن الترمذي"، وفي البخاري ومسلم وأبي داود:(سمى) .

2 [198 ح]"صحيح البخاري مع الفتح": (8/ 209 ، ح 4547) ، كتاب التفسير، باب (1)،"صحيح مسلم مع شرح النووي":(16/ 457 ، ح 1/ 2665) ، كتاب العلم، باب النهي عن اتباع متشابه القرآن. انظر بقية التخريج في الملحق.

3 انظر: كتاب"الزهد"للإمام أحمد: (ص 415 ، ح 1712)، ولم أجده في"المسند". وانظر:"جامع بيان العلم"لابن عبد البر: (2/ 24)، و"معجم الطبراني":"مجمع الزوائد": (1/ 157) . والحديث قال الهيثمي فيه: رجاله موثقون. وتعقبه الألباني في"تعليقه على المشكاة": (1/ 65)، فقال: إن من رواته المقدام واسمه هشام بن زياد وهو متروك كما قال الحافظ في"التقريب".

4 انظر: (ص 565) .

ص: 410

‌باب قول الله تعالى: {يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ}

قال مجاهد ما معناه: "هو قول الرجل هذا مالي ورثته عن آبائي" وقال عون بن عبد الله: يقولون

{باب}

{قول الله تعالى: {يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ} 1}

قال الشيخ - رحمه الله تعالى -: {قال مجاهد ما معناه2 هو قول الرجل هذا مالي ورثته عن آبائي3 وقال عون بن عبد الله4 يقولون:

_________

1 سورة النحل، الآية:83.

2 هذا في"الأصل"و"المؤلفات"، وفي بقية النسخ:(معناه) .

3 [13 ث]"تفسير مجاهد": (1/ 350)، ولفظه:(هي المساكن والأنعام وما يرزقون منها وسرابيل من الحديد والثياب يقول: تعرف هذا قريش ثم ينكرونه ويقولون: ما كان هذا لآبائنا فورثناه منهم) ."تفسير الطبري": (8/ 14/ 158)،"تفسير ابن الجوزي":(4/ 478- 479) . انظر بقية تخريج الأثر في الملحق.

4 هو: عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود -أبو عبد الله الهذلي- الكوفي الإمام العابد أخو فقيه المدينة عبيد الله بن عبد الله، حدث عن أبيه وأخيه وابن المسيب وابن عباس، وحدث عنه إسحاق بن يزيد وأبو حنيفة، قال الأصمعي: كان من آدب أهل المدينة وأفقههم، وكان مرجئا ثم تركه، توفي سنة 110 هـ. انظر ترجمته في:"حلية الأولياء": (4/ 240- 272)،"تهذيب التهذيب":(8/ 171 - 173)،"سير أعلام النبلاء":(5/ 103- 105)،"شذرات الذهب":(1/ 140) .

ص: 411

"لولا فلان لم يكن كذا" وقال ابن قتيبة: "يقولون هذا بشفاعة آلهتنا" وقال أبو العباس بعد حديث زيد بن خالد الذي

لولا فلان لم يكن كذا1 وقال ابن قتيبة23 يقولون4 هذا بشفاعة آلهتنا5 وقال أبو العباس} ابن تيمية {بعد حديث زيد بن خالد الذي

_________

1 [14 ث]"تفسير الطبري": (8/ 14/ 158) بلفظ: (إنكارهم إياها أن يقول الرجل لولا فلان ما كان كذا وكذا ولولا فلان ما أحببت كذا وكذا) ."تفسير البغوي": (3/ 80)، وقد نسب القول إلى عوف بن عبد الله ولعله تصحيف."تفسير ابن الجوزي":(4/ 479) . انظر بقية تخريج الأثر في الملحق.

2 في المؤلفات: (قتيبة) بدون (ابن) ، وهو خلاف النسخ المخطوطة، وقد جاء مصححا في"تيسير العزيز الحميد"وترجم له.

3 هو: عبد الله بن مسلم بن قتيبة -أبو محمد- الدينوري، علامة كبير نزل بغداد وصنف وجمع وبعد صيته، حدث عن إسحاق بن راهويه وأبو حاتم السجستاني، قال الخطيب: كان ثقة دينا فاضلا من كتبه كتاب"الرد على من يقول بخلق القرآن"، قال البيهقي عنه: كان يرى -رأي الكرامية- ونقل عن الدارقطني بغير سند أنه قال: كان ابن قتيبة يميل إلى التشبيه، قال الذهبي: وهذا لا يصح وإن صح فسحقا له فما في الدين محاباة. أقول: وقد كتب الشيخ الدكتور علي بن نفيع العلياني عن عقيدة ابن قتيبة فمن أراد معرفة عقيدته فليراجع ذلك، توفي سنة 276 هـ. انظر ترجمته في:"سير أعلام النبلاء": (13/ 296- 302)،"شذرات الذهب":(2/ 169- 170)،"تاريخ بغداد":(10/ 170) .

4 قوله: (لولا فلان لم يكن كذا، وقال ابن قتيبة يقولون) سقط من"ر".

5"تفسير ابن الجوزي": (4/ 479)، وقد نسبه إلى ابن قتيبة وابن السائب والفراء. و"تفسير البغوي":(3/ 80) ، وقد نسبه إلى الكلبي.

ص: 412

فيه: إن الله تعالى قال: " أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر " وقد تقدم.

وهذا كثير في الكتاب والسنة، يذم سبحانه من يضيف إنعامه إلى غيره ويشرك به، وقال بعض السلف: هو كقولهم كانت الريح طيبة، والملاح حاذقا [ونحو ذلك مما هو جار على ألسنة كثير] .

فيه:"1 "إن الله تعالى قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر " 2"وقد تقدم} الحديث وشرحه في باب الاستسقاء بالأنواء3 {وهذا كثير في الكتاب والسنة، يذم سبحانه من يضيف إنعامه إلى غيره ويشرك به4 وقال بعض السلف:} مثلا {هو كقولهم كانت الريح طيبة، والملاح حاذقا56} يعني: فجرت السفينة، والملاح هو الذي يصلح السفينة في البحر ويعالجها، فأضافوا سير السفينة إلى الريح والملاح، وهو الله7 الذي يجريها ويرسيها، قال الله تعالى:{هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} 8 وقال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالأَعْلامِ إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ

_________

1 زيد هنا في"الأصل"كلمة: (قال) خلافا للمؤلفات وبقية النسخ.

2 زاد هنا في"المؤلفات"كلمة: (الحديث) .

3 انظر: (ص 320) ، باب الاستسقاء بالأنواء.

4"مجموع الفتاوى": (14/ 370) ، كلام قريب من هذا المعنى، فلعل الشيخ محمد بن عبد الوهاب قد اقتبسه منه.

5 زاد هنا في"المؤلفات"قوله: (ونحو ذلك مما هو جار على ألسنة كثير) .

6 قال الشيخ سليمان بن عبد الله في"تيسير العزيز الحميد": (ص 585) بأنه لم يقف على قائله، وقد اجتهدت في البحث عنه فلم أجده أيضا.

7 لفظ الجلالة في"الأصل"، وهو ساقط من بقية النسخ.

8 سورة يونس، الآية:22.

ص: 413

رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ} 1، وقال تعالى:{اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ} 2 وقال السدي: نعمة الله يعني محمدا صلى الله عليه وسلم أنكروه وكذبوه، وقيل: نعمة الله هي الإسلام3 وهو من أعظم النعم التي أنعم الله بها على عباده، ثم إن كفار مكة أنكروه وجحدوه، وقال مجاهد وقتادة: نعمة الله ما عدد عليهم في هذه السورة من النعم، يقرون بأنها من الله، ثم إذا قيل لهم: تصدقوا وامتثلوا أمر الله فيها ينكرونها ويقولون: ورثناها عن آبائنا4 وقال الكلبي: هو أنه لما ذكر هذه النعم قالوا: هذه نعم كلها من الله لكنها بشفاعة5 آلهتنا6 وقيل: هو قول الرجل لولا فلان لكان كذا وكذا78 وقيل: إنهم يعرفون بأن الله تعالى: أنعم بهذه النعم، ولكنهم لا يستعملونها في طلب رضوانه ولا يشكرونه عليها.9

1 سورة الشورى، الآيتان: 32-33.

2 سورة الجاثية، الآية:12.

3 [15 ث]"تفسير الطبري": (8/ 14/ 157)، و"تفسير البغوي":(3/ 80) . وهذا التفسير لهذه ال، الآية هو الذي رجحه الطبري. و"تفسير السيوطي":(5/ 155- 156) . انظر بقية تخريج الأثر في الملحق.

4 انظر:"تفسير الطبري": (8/ 14/ 157 ، 158)، و"تفسير القرطبي":(10/ 161)، و"تفسير البغوي":(3/ 80)، و"تفسير الآلوسي":(14/ 206) .

5 هذا في"الأصل"، وفي بقية النسخ:(من شفاعة) .

6"تفسير الطبري": (8/ 14/ 158)، و"تفسير البغوي":(3/ 80)، و"تفسير القرطبي":(10/ 161- 162)، و"تفسير ابن الجوزي":(4/ 479)، و"تفسير الآلوسي":(14/ 206) .

7 قوله: (ولولا فلان لما كان كذا وكذا) سقط من"ر".

8"تفسير الطبري": (8/ 14/ 158)، و"تفسير الماوردي":(3/ 207)، و"تفسير القرطبي":(10/ 161)، و"تفسير البغوي":(3/ 80)، و"تفسير الآلوسي":(14/ 206) .

9 انظر:"تفسير القرطبي": (10/ 161- 162)، و"تفسير الشوكاني":(3/ 185) .

ص: 414

قال الله تعالى: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} (1) يعني: من نعمة الإسلام وصحة الأبدان وسعة في الأرزاق، وكل ما أعطاكم من مال أو ولد، فكل ذلك من الله تعالى هو المتفضل على عباده، فيجب عليكم شكره على جميع إنعامه (2)(3) .

{41- باب}

قول الله تعالى: {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (4) } أنه إله واحد في التوراة والإنجيل (5) - أي: لا تجعلوا لله أمثالا تعبدونهم كعبادته (6) - والند: المثل (7){وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} يعني: الأشياء، وأنه لا مثل له.

_________

(1)

سورة النحل، الآية:53.

(2)

هذا من ((الأصل)) ، وفي النسخ الأخرى:(نعمه) .

(3)

((تفسير الطبري)) : (8/ 14/ 121)، و ((تفسير القرطبي)) :(10/ 114)، و ((تفسير ابن الجوزي:(4/ 456) .

(4)

سورة البقرة، الآية:22.

(5)

انظر: ((تفسير ابن كثير)) : (1/ 61) ، نقله ابن كثير عن مجاهد.

(6)

انظر: ((تفسير البغوي)) : (1/ 55) .

(7)

انظر: ((لسان العرب)) : (3/ 420)، وكذا فسره به ابن القيم كما ذكره عنه في ((تيسير العزيز الحميد)) :(ص 119) . ونقل البغوي عن أبي عبيدة أنه الضد، وأن الله بريء من المثل والضد. وكذا فسره به البخاري في ((صحيحه)) . انظره مع ((الفتح)) :(8/ 176) ، كتاب التفسير، باب 22.

ص: 415

قال ابن عباس رضي الله عنهما في الآية: "الأنداد: هو الشرك أخفى من دبيب النمل على صفاة سوداء في ظلمة الليل. وهو أن تقول: والله وحياتك يا فلان وحياتي، وتقول: لولا كلبه هذا لأتانا اللصوص، ولولا البط لأتانا [اللصوص] . وقول الرجل: ما شاء الله وشئت. وقول الرجل: لولا الله وفلان لا تجعل فيها فلان، هذا كله به شرك" رواه ابن أبي حاتم.

{قال ابن عباس رضي الله عنهما في} تفسير {الآية، الأنداد: هو الشرك أخفى من دبيب النمل،} أي: الذر {على صفاة} أي: حجر ملساء {سوداء في ظلمة الليل وهو أن تقول: والله وحياتك يا فلان، وحياتي، وتقول: لولا كلبة1 هذا لأتانا اللصوص، ولولا البط في [الدار] 2 لأتانا [اللصوص] 3} واللصوص: السرق، والبط: طائر أخضر4 معروف يحرس الدار وما أشبهها.

{وقول الرجل5 ما شاء الله وشئت. وقول الرجل: لولا الله وفلان لا تجعل فيها فلان6 هذا كله به شرك. رواه ابن أبي حاتم7} .

_________

1 في"المؤلفات"بالتصغير: (كليبة) ، والمثبت هو الموافق لأصل الحديث.

2 هذا في"المؤلفات"و"ش"، وهو الموافق لأصل الحديث وقد سقط من بقية النسخ.

3 في"الأصل": (بالإفراد) ، وما أثبته من بقية النسخ و"المؤلفات".

4 عرفه في"لسان العرب": (7/ 261) بأنه طائر مائي، ووصفه بالأخضر ليس على الإطلاق فقد يكون منه الأخضر، وقد يكون غير ذلك.

5 كلمة: (الرجل) سقطت من"ر".

6 هكذا في كل النسخ والمصادر: (فلان)، وفي"المؤلفات":(فلانا) .

7"تفسير ابن أبي حاتم"القسم المطبوع: (1/ 81)، و"تفسير الطبري":(1/ 1/ 163)، و"تفسير ابن كثير":(1/ 61)، وأحاله علي ابن أبي حاتم. وانظر:"تفسير السيوطي": (1/ 87)، و"تفسير الشوكاني":(1/ 52) ، وأحاله علي ابن أبي حاتم.

ص: 416

وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك " رواه الترمذي، وحسنه، وصححه الحاكم.

وعن ابن عباس رضي الله عنهما: إن أحدكم يشرك حتى يشرك بكلب فيقول: لولاه لسرقنا الليلة1 وكذا قوله: مالي إلا الله وأنت2 ولا يستدل بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} 3 فإن الأرجح أن العطف على الكاف4 ويدل عليه الحديث5.

{وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك " رواه الترمذي، وحسنه، وصححه الحاكم6} .

_________

1 في"ش": (لسرقنا الله) وهو تصحيف فاحش.

2"تفسير الطبري": (1/ 1/ 163)، وقد نسبه الطبري إلى عكرمة رضي الله عنه."الصمت"لابن أبي الدنيا:(ص 197 ، ح 357)، و"تفسير ابن كثير":(1/ 101) .

3 سورة الأنفال، الآية:64.

4 فيكون المعنى أن الله يكفيك ويكفي من اتبعك من المؤمنين.

5 لعله يعني بالحديث ما روي عن ابن عباس أنه قال:"حسبنا الله ونعم الوكيل قالهاإبراهيم صلى الله عليه وسلم حين ألقي في النار، وقالها محمد صلى الله عليه وسلم حين قالوا إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل". وقد تقدم تخريجه في (ص 357)، من باب (32) قول الله تعالى: وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين.

6 [199 ح]"سنن أبي داود": (3/ 570 ، ح 3251) ، كتاب الأيمان والنذور، باب في كراهية الحلف بالآباء."سنن الترمذي":(4/ 110 ، ح 1535) ، كتاب النذور والأيمان، باب ما جاء في كراهية الحلف بغير الله. و"مستدرك الحاكم":(1/ 18) . والحديث قال فيه الترمذي: حديث حسن، وقال الحاكم: حديث صحيح على شرط الشيخين فقد احتجا بمثل هذا الإسناد وخرجاه في الكتاب، وليس له علة ولم يخرجاه. وصححه الألباني في"الإرواء":(8/ 189 ، ح 2561) .انظر بقية التخريج في الملحق.

ص: 417

وقال ابن مسعود: "لأن أحلف بالله كاذبا أحب إلي من أن أحلف بغيره صادقا".

{وقال ابن مسعود} رضي الله عنه {"لأن أحلف بالله كاذبا أحب إلي من أن أحلف بغيره صادقا"1} لأن الحلف بالشيء2 يقتضي تعظيمه، والعظمة في الحقيقة إنما هي لله وحده3.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تحلفوا بآبائكم، ولا بأمهاتكم، ولا بالأنداد، ولا تحلفوا بالله إلا وأنتم صادقون " رواه أبو داود والنسائي4.

_________

1"المصنف"لعبد الرزاق: (8/ 469 ، ح 15929)، و"معجم الطبراني الكبير":"مجمع الزوائد": (4/ 177)،"المصنف"لابن أبي شيبة:(4/ 179) . والأثر عن ابن مسعود رضي الله عنه. والحديث قال المنذري في"الترغيب والترهيب"(4/ 31) : رواته رواة الصحيح، وتبعه الهيثمي فقال: رواه الطبراني في"الكبير"ورجاله رجال الصحيح.

2 هذا في"الأصل"، وفي بقية النسخ:(بشيء) بالتنكير.

3 في"ر"و"ش": (والعظمة الحقيقية ما هي إلا لله وحده) .

4"سنن أبي داود": (3/ 569 ، ح 3248) ، كتاب الأيمان والنذور، باب في كراهية الحلف بالآباء. و"سنن النسائي":(7/ 5 ، ح 3769) ، كتاب الأيمان، باب الحلف بالأمهات."السنن الكبرى"للبيهقي:(10/ 29) ."صحيح ابن حبان":"الإحسان": (6/ 277 ، ح 4342) . والحديث صححه ابن حبان -كما ترى-، وصححه الألباني كما في"صحيح سنن أبي داود":(2/ 627 ، ح 2784)، و"صحيح سنن النسائي":(2/ 799 ، ح 3529) .

ص: 418

عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال سمعني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أقول: وأبي، فقال:" إن الله عز وجل ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم " قال عمر رضي الله عنه فوالله ما حلفت بها1 ذاكرا ولا آثرا2. قوله. آثرا: يريد مخبرا به من قولك أثرت الحديث آثره إذا رويته، يقول: ما حلفت ذاكرا من نفسي ولا مخبرا به عن غيري.

وأما ما رواه أبو داود بسنده في حديث قصة الأعرابي فقال النبي صلى الله عليه وسلم " أفلح وأبيه إن صدق "3 وفي رواية قال:" أفلح وأبيه إن صدق

1 كلمة: (بها) سقط من"ر"، وفي"ع":(بهما) وهو خطأ من الناسخ.

2 [200 ح]"صحيح البخاري مع الفتح": (11/ 530 ، ح 6647) ، كتاب الأيمان والنذور، باب لا تحلفوا بآبائكم."صحيح مسلم مع شرح النووي":(12/ 115 ، ح 1/ 1646) ، كتاب الإيمان والنذور، باب النهي عن الحلف بغير الله. انظر بقية تخريجه في الملحق.

3 [201 ح]"سنن أبي داود": (1/ 272- 273 ، ح 391 ، 392) ، كتاب الصلاة، باب فرض الصلاة. والحديث بهذا للفظ رواه -أيضا- مسلم في"صحيحه"، انظره مع"شرح النووي":(1/ 280- 283) . ورواه البخاري بلفظ:"أفلح إن صدق"، انظر:"صحيح البخاري مع الفتح": (1/ 106 ح 46) . والحديث من رو، الآية طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه. انظر بقية تخريجه في الملحق.

ص: 419

[أو] 1 دخل الجنة وأبيه إن صدق"23 فقال الخطابي: قوله"وأبيه": هذه كلمة جارية في ألسن العرب تستعملها كثيرا في خطابها تريد بها التوكيد، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحلف الرجل بأبيه، فيحمل4 أن يكون هذا القول منه قبل النهي، ويحتمل أن يكون جرى ذلك منه على عادة الكلام الجاري على الألسن، وهو لا يقصد به القسم، كلغو اليمين المعفو عنه، قال الله تعالى:{لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} 5 وقيل جواب آخر: وهو أن يكون صلى الله عليه وسلم أضمر فيه كأنه قال: لا ورب أبيه، انتهى ملخصا6.

وإن قيل: قد أقسم الله تعالى ببعض مخلوقاته كالليل، والشمس

أجيب بأن الله تعالى له أن يقسم بما شاء من مخلوقاته تنبيهًا

1 ما بين القوسين أضفته من أصل الحديث تصحيحا للحديث، وقد سقط من كل النسخ.

2 قوله: (وفي رو، الآية قال:"أفلح

إلى

إن صدق") سقط من"ر".

3 انظر:"صحيح مسلم مع شرح النووي": (1/ 282- 283 ، ح 9/ 11) ، كتاب الإيمان، باب بيان الصلوات. والحديث عن طلحة بن عبيد الله.

4 كلمة: (فيحمل) سقطت من"ر"، وفي"ع":(فحمل) بالماضي.

5 سورة البقرة، الآية:225.

6"معالم السنن"للخطابي، ضمن"سنن أبي داود":(1/ 273) . وقد رجح النووي في"شرحه لصحيح مسلم": (1/ 82) أنه ليس حلفا، وإنما هو كلمة جرت عادة العرب أن تدخلها في كلامها غير قاصدة بها حقيقة الحلف، والنهي إنما ورد فيمن قصد حقيقة الحلف

وقال بأنه الجواب المرضي. والأحسن منه أن يحمل على أن ذلك قبل النهي; لأنه قد وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث تدل على نهيه عن أقوال وإن لم يقصد قائلوها مدلولها كنهيه أن يقول; ما شاء الله وشئت، وأن يقول، لولا الله وأنت; وذلك لحمايته لجناب التوحيد.

ص: 420

على شرفها1 وأما الحلف بالأمانة فورد في الحديث2 عن بريدة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من حلف بالأمانة فليس منا "3

قال الخطابي: هذا يشبه أن تكون الكراهة فيها من أجل أنه أمر أن يحلف بالله وصفاته، وليست الأمانة من صفاته4 وإنما هي5 أمر من أمره، وفرض من فروضه، فنهوا عنه لما في ذلك من التسوية بينهما، وبين أسماء الله عز وجل وصفاته6.

وقال أبو حنيفة: (إذا قال: وأمانة الله كان يمينا ولزمته الكفارة)

وقال الشافعي: (لا يكون ذلك يمينا ولا يلزمه الكفارة)7.

1 ذكر مثل ذلك النووي على"شرح صحيح مسلم": (11/ 116) .

2 يعني: ورد ذمه.

3 [202 ح]"سنن أبي داود": (3/ 571 ، ح 3253) ، كتاب الأيمان والنذور، باب 6."مستدرك الحاكم":(4/ 298)،"صحيح ابن حبان":"الإحسان": (6/ 279 ، ح 4348) . والحديث أورده ابن حبان في"صحيحه"-كما ترى- وقال الحاكم: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقال الهيثمي في"مجمع الزوائد" (4/ 332) : رجاله رجال الصحيح خلا الوليد بن ثعلبة وهو ثقة، وصحح النووي إسناده في"الأذكار":(ص 456 ، ح 1154)، وفي"رياض الصالحين":(ص 544 ، ح 1718)، وصححه الألباني في"السلسلة الصحيحة":(1/ 49 ، ح 94) . انظر بقية تخريجه في الملحق.

4 قوله: (وليست الأمانة من صفاته) سقط من"ع".

5 كلمة: (هي) من"الأصل"، وسقط من بقية النسخ.

6"معالم السنن"للخطابي: (3/ 571) .

7 المصدر السابق: (3/ 571) . وانظر -أيضا-:"شرح النووي على صحيح مسلم": (11/ 117) .

ص: 421

وعن حذيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا تقولوا ما شاء الله وشاء فلان، ولكن قولوا ما شاء الله ثم شاء فلان " رواه أبو داود بسند صحيح.

تنبيه: قال النووي - رحمه لله تعالى -: (ومن أقبح الألفاظ المذمومة ما يعتاده كثير من الناس إذا أن يحلف على شيء فيتورع عن قوله (والله) كراهة الحنث، أو إجلالا لله فيقول الله يعلم ما كان كذا فإن كان [قائلها] 1 متيقنا كما قال فلا بأس، وإن كان كاذبا أو شاكا في ذلك فهو من أقبح القبائح; لأنه تعرض للكذب على الله تعالى فإنه أخبر أن الله تعالى يعلم شيئا لا يتيقن كيف هو [وعلى] 2 خلاف ما هو، وذلك لو تحقق3 كان كفرا فينبغي للإنسان اجتناب هذه العبارة) 4.

{وعن حذيفة} بن اليمان رضي الله عنه {عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا تقولوا ما شاء الله وشاء فلان، ولكن قولوا ما شاء الله ثم شاء فلان " رواه أبو داود بسند صحيح5} .

_________

1 في"الأصل": (فإن كان قائلا) ، وما أثبته من بقية النسخ هو الصواب.

2 في"الأصل": (أو على) ، وما أثبته من النسخ الأخرى هو الموافق للسياق.

3 أي: تحقق قصد قائله به، أو يعني بالتحقق ما يشترطه العلماء عند الحكم بالتكفير من تحقق الشروط وانتفاء الموانع.

4 انظر: كتاب"الأذكار"للنووي: (ص 455) .

5 [203 ح]"سنن أبي داود": (5/ 259 ، ح 4980) ، كتاب الأدب، باب لا يقال خبثت نفسي."سنن الدارمي":(2/ 205 ، ح 2702)، و"مسند الإمام أحمد":(5/ 384) . والحديث من رو، الآية حذيفة بن اليمان. والحديث صححه النووي في"رياض الصالحين":(ص 553 ، ح 1754) وفي"الأذكار": (ص 444 ، ح 1131) . وصححه الألباني كما في"السلسلة الصحيحة": (1/ 214 ، ح 137) . انظر بقية تخريجه في الملحق.

ص: 422

[وجاء] عن إبراهيم النخعي أنه "يكره أن يقول الرجل أعوذ بالله وبك" ويجوز أن يقول بالله ثم بك، قال: ويقول: لولا الله ثم فلان، ولا تقولوا لولا الله وفلان.

1 {عن إبراهيم النخعي أنه يكره أن يقول الرجل2 أعوذ بالله وبك، ويجوز أن يقول بالله ثم بك، قال: ويقول: لولا الله ثم فلان، ولا تقولوا لولا الله وفلان3} .

اعلم أن العطف المطلق بالواو تشريك وتسوية بخلاف ثم4 فإنها للترتيب والانفصال، وما ورد من إطلاق الشرك على الحلف بغير الله، وعلى من سوى بين الله وبين المخلوق في المشيئة مثل ما شاء الله، وما شاء فلان، وما لي إلا الله وأنت، ولولا الله وفلان، هذه كلها من الشرك الأصغر قادحة في كمال التوحيد.

_________

1 كلمة: (الرجل) سقطت من"المؤلفات".

2 كلمة: (الرجل) سقطت من"المؤلفات".

3"مصنف عبد الرزاق": (11/ 27 ، ح 19811 ، 19812)،"الصمت"لابن أبي الدنيا:(ص 193- 194 ، ح 344) . وانظر:"الأذكار"للنووي: (ص 444)، و"فتح الباري"لابن حجر:(11/ 540- 541) .

4 هذا في"الأصل"، وقد سقطت كلمة:(ثم) من بقية النسخ، وهو خطأ ظاهر، تبع النساخ فيه بعضهم بعضًا.

ص: 423

‌باب ما جاء فيمن لم يقنع [بالحلف] بالله تعالى

عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا تحلفوا بآبائكم، ومن حلف [بالله] فليصدق،

{باب ما جاء فيمن لم يقنع1 بالله تعالى}

{عن ابن عمر2 رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا تحلفوا بآبائكم "} فيه النهي عن الحلف بالآباء، وقد سبق معناه وتفسيره3.

وقوله: {ومن حلف [بالله] 4 فليصدق} يعني: لا يحلف إلا وهو يعلم أنه صادق في يمينه، وإن علم أنه كاذب فاجر، فيمينه يمين الغموس.

عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ما الكبائر؟ فذكر الحديث، وفيه اليمين الغموس، قال:" الذي يقتطع مال امرئ مسلم هو فيها كاذب " أخرجه البخاري5.

_________

1 في"المؤلفات": (لم يقنع بالحلف بالله) .

2 في"المؤلفات": (عن عمر) ، وفي بقية النسخ، وكتاب"التوحيد مع الفتح والتيسير":(ابن عمر) ، وهو الموافق للمصادر الحديثية.

3 انظر: الباب الماضي: (ص 420) .

4 ما بين القوسين أضفته من مصادر الحديث تصحيحا له، وقد جاء في"المؤلفات":(من حلف له بالله فليصدق) .

5"صحيح البخاري مع الفتح": (12/ 264 ، ح 6920) ، كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم، باب إثم من أشرك بالله وعقوبته في الدنيا والآخرة."سنن الترمذي":(5/ 236 ، ح 3021) ، كتاب التفسير، باب ومن سورة النساء."السنن الكبرى"للبيهقي:(10/ 35) .

ص: 424

ومن حلف له بالله فليرض

وعن [ابن] 1 مسعود مرفوعا: " من حلف على مال امرئ مسلم بغير حق لقي الله وهو عليه غضبان " ثم قرأ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً} 2 الآية3.

ولمسلم عن أبي أمامة مرفوعا: " من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار، وحرم عليه الجنة، فقال رجل: وإن كان شيئا يسيرا يا رسول الله، قال: وإن كان قضيبا من أراك "4

{ومن حلف له بالله فليرض} تعظيما لله سبحانه وتعالى، واعتقادًا5 بأنه لا يقدم مسلم على الحلف بالله إلا وهو صادق، سواء كان الحلف في

_________

1 في"الأصل": (أبي) وهو خطأ، وما أثبته من بقية النسخ هو الصواب.

2 سورة آل عمران، الآية:77.

3 [204 ح]"صحيح البخاري مع الفتح": (13/ 423 ، ح 7445) ، كتاب التوحيد، باب 24."صحيح مسلم مع شرح النووي":(2/ 520 ، ح 222/ 128) ، كتاب الإيمان، باب وعيد من اقتطع حق مسلم بيمين فاجرة بالنار. انظر بقية التخريج في الملحق.

4 [205 ح]"صحيح مسلم مع شرح النووي": (2/ 516- 517 ، ح 218/ 137) ، كتاب الإيمان، باب وعيد من اقتطع حق مسلم بيمين فاجرة."سنن النسائي":(8/ 246 ، ح 5419) ، كتاب آداب القضاة، باب 30. انظر بقية التخريج في الملحق.

5 قول الشارح رحمه الله هنا: (واعتقادا بأنه لا يقدم مسلم على الحلف بالله إلا وهو صادق) ليس بشرط، فالمطلوب من المكلف الرضا بالحلف بالله وقبول الحكم على أساسه وإن علم كذب الحالف، وعليه أن يحتسب أخذ حقه يوم القيامة.

ص: 425

ومن لم يرض فليس من الله " [رواه ابن ماجه بسند حسن] .

حكم أو غيره. {ومن لم يرض فليس من الله "1 2} أي: ليس من أهل دينه وطاعته حيث لم يرض به ويعظمه، وهذا وعيد شديد لمن لم يرض بالحلف بالله.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " رأى عيسى عليه السلام رجلا يسرق فقال: سرقت؟ قال: كلا والذي لا إله إلا هو فقال عيسى عليه السلام: آمنت بالله وكذبت عيني " أخرجه الشيخان والنسائي3.

_________

1 زاد هنا في"المؤلفات"قوله: (رواه ابن ماجه بسند حسن) ، ولم تأت هذه الزيادة في كل النسخ.

2"سنن ابن ماجه": (1/ 679 ، ح 2101) ، كتاب الكفارات، باب من حلف له بالله فليرض."فتح الباري":(11/ 535- 536) وأحالها على ابن ماجه. والحديث حسنه ابن حجر في"الفتح"، وقال البوصيري في"مصباح الزجاجة":(2/ 133) عقب الحديث: هذا إسناد صحيح رجاله ثقات. وصححه الألباني كما في"صحيح سنن ابن ماجه": (1/ 359 ، ح 1708)، وكما في"إرواء الغليل":(8/ 314 ، ح 2698) . وقد روى قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تحلفوا بآبائكم" من طرق أخرى عن ابن عمر في"صحيح البخاري": (13/ 379 ، ح 7401)، و"صحيح مسلم":(11/ 117 ، ح 4/ 1646) . وروي عن عمر بن الخطاب قوله صلى الله عليه وسلم: "ألا إن الله عز وجل ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم".

3 [206 ح]"صحيح البخاري مع الفتح": (6/ 478 ، ح 3444) ، كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله تعالى:{وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ..} . و"صحيح مسلم مع شرح النووي": (15/ 130 ، ح 149/ 1368) ، كتاب الفضائل، باب فضائل عيسى عليه السلام. و"سنن النسائي":(8/ 249 ، ح 5427) ، كتاب آداب القضاة، باب 37. انظر بقية التخريج في الملحق.

ص: 426

‌باب قول ما شاء الله وشئت

عن قتيلة أن يهوديا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " إنكم تشركون، تقولون ما شاء الله وشئت، وتقولون والكعبة، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم إذا أرادوا أن يحلفوا أن يقولوا ورب الكعبة، وأن يقولوا ما شاء الله ثم شئت " رواه النسائي وصححه.

{باب قول ما شاء الله وشئت}

{عن قتيلة} [بالمثناة والتصغير بنت صيفي الأنصارية الجهنية الصحابية1 من المهاجرات]{أن يهوديا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "إنكم تشركون، تقولون: ما شاء الله وشئت، وتقولون: والكعبة، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم إذا أرادوا أن يحلفوا أن يقولوا: ورب الكعبة وأن يقولوا: ما شاء الله ثم شئت " رواه النسائي وصححه2.}

_________

1 هي: قتيلة بنت صيفي الجهنية، صحابية، كانت من المهاجرات الأول، روت عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث الباب، وقد ذكر أنها لم ترو غيره. انظر ترجمتها في:"الإصابة": (13/ 94)،"تهذيب التهذيب":(12/ 445)،"طبقات ابن سعد":(8/ 309) .

2 [207 ح]"سنن النسائي": (7/ 6 ، ح 3773) ، كتاب الأيمان والنذور، باب 9."مستدرك الحاكم":(4/ 297)،"مسند الإمام أحمد":(6/ 371- 372) . والحديث قال فيه الحاكم: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وصحح ابن حجر إسناده في"الإصابة":(13/ 94)، وصححه الألباني في"السلسلة الصحيحة":(1/ 213 ، ح 136) . انظر بقية تخريج الحديث في الملحق.

ص: 427

وله - أيضا - عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم ما شاء الله وشئت، قال:" أجعلتني لله ندا، ما شاء الله وحده "

[ولابن ماجه] عن الطفيل - أخي عائشة لأمها - قال: رأيت كأني أتيت على نفر من اليهود، قلت: إنكم لأنتم القوم لولا أنكم تقولون: عزير ابن الله، قالوا: إنكم

{وله - أيضا - عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم ما شاء الله وشئت، قال:"أجعلتني لله ندا أي مثلا! أنكر1 عليه ذلك، وقال: {ما شاء الله وحده "2 أي: لا شريك له في المشيئة.

3 {عن طفيل4 أخي عائشة لأمها} رضي الله عنهما {قال: رأيت} أي: في المنام {كأني أتيت على نفر من اليهود} أي: جماعة منهم {قلت: إنكم لأنتم القوم لولا أنكم تقولون: عزير ابن الله، قالوا: إنكم

_________

1 أقحم هنا في النسخ الثلاث غير"الأصل"قوله: (ابن سخبرة صحابي) وهو مخالف للسياق، فالتعريف بالطفيل ليس هنا موضعه.

2 [208 ح]"الأدب المفرد"للبخاري: (ص 265 ، ح 784)،"سنن ابن ماجه":(1/ 684 ، ح 2117)،"مسند الإمام أحمد":(1/ 214) . والحديث حسن إسناده الألباني في"السلسلة الصحيحة": (1/ 216- 217 ، ح 139) . انظر بقية تخريجه في الملحق.

3 زاد هنا في"المؤلفات"قوله: (ولابن ماجه) .

4 هو: طفيل بن عبد الله بن الحارث بن سخبرة، وهو أخو عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم لأمها أم رومان، صحابي، له حديث. انظر: ترجمته في: "أسد الغابة"(2/459"، "الإصابة": (5/222ـ223)، "تهذيب التهذيب": (5/14".

ص: 428

لأنتم القوم لولا أنكم تقولون: ما شاء الله وشاء محمد، ثم مررت بنفر من النصارى فقلت: إنكم لأنتم القوم-: لولا أنكم تقولون: المسيح ابن الله، قالوا: وإنكم لأنتم القوم لولا أنكم تقولون: ما شاء الله وشاء محمد.

فلما أصبحت أخبرت بها من أخبرت، ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته، قال:" هل أخبرت بها أحدا؟ قلت: نعم، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد، فإن طفيلا رأى رؤيا أخبر بها من أخبر منكم، وإنكم قلتم كلمة، كان يمنعني كذا وكذا أن أنهاكم عنها، فلا تقولوا: ما شاء الله وشاء محمد، ولكن قولوا: ما شاء الله وحده ".

لأنتم القوم لولا أنكم تقولون: ما شاء الله وشاء محمد، ثم مررت بنفر من النصارى} أي: جماعة منهم {فقلت: إنكم لأنتم القوم لولا أنكم تقولون: المسيح ابن الله، قالوا: وإنكم لأنتم القوم لولا أنكم تقولون1 ما شاء الله وشاء محمد. فلما أصبحت أخبرت بها من أخبرت، ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته، قال: هل أخبرت بها} أي: بالرؤيا2 {أحدا؟ قلت: نعم، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد، فإن طفيلا رأى رؤيا أخبر بها من أخبر منكم، وإنكم قلتم كلمة، كان يمنعني كذا وكذا أن أنهاكم عنها، فلا تقولوا: ما شاء الله وشاء محمد، ولكن قولوا: ما شاء الله وحده 3}

_________

1 قوله: (عزير ابن الله، قالوا وإنكم لأنتم القوم لولا أنكم تقولون) سقط من"ر"و"ع".

2 في"ع": (هل أخبرت بها أحدا يعني الرؤيا) .

3 [209 ح]"سنن الدارمي": (2/ 205 ، ح 2702) ، كتاب الاستئذان، باب النهي عن أن يقول ما شاء الله وشاء فلان."سنن ابن ماجه":(1/ 685 ، ح 2119) ، كتاب الكفارات، باب 13."مسند الإمام أحمد":(5/ 72) . والحديث صححه الألباني في"سلسلة الأحاديث الصحيحة": (1/ 214- 216 ، ح 137 ، 138) . انظر بقية تخريجه في الملحق.

ص: 429

يعني1 لا تشركوني ولا غيري2 في المشيئة، وهذا الشرك ليس من الأكبر لقوله: يمنعني كذا وكذا إذ لو كان من الأكبر لما منعه شيء عن النهي عنه.

وفيه أن الرؤيا الصالحة من أقسام الوحي، وقد تكون سببا لشرع بعض الأحكام، كما في الأذان في رؤيا عبد الله بن زيد بن عبد ربه3 في المنام، ومما كره النبي صلى الله عليه وسلم الجمع بين الله وبينه في الضمير.

يروى أن رجلا خطب عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما4 فقد غوى، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:"بئس خطيب القوم أنت هلا قلت: ومن يعص الله ورسوله فقد غوى "5 وكره قوله ومن يعصهما، لما فيه من الجمع بينهما في الضمير والمساواة.

1 كلمة: (يعني) سقط من"ر".

2 هذا في"الأصل"، وفي النسخ الأخرى، أخطاء إملائية ونحوية.

3 هو: عبد الله بن زيد بن ثعلبة بن عبد الله الأنصاري -صحابي- شهد العقبة وبدرا، وهو الذي أري الأذان في النوم، توفي سنة 32 هـ، قال الحاكم بأن الصحيح أنه توفي في أحد. انظر ترجمته في:"طبقات ابن سعد": (3/ 536- 537)،"الإصابة":(6/ 90- 91)،"أسد الغابة":(3/ 142- 145) .

4 هذا في"الأصل"، وفي بقية النسخ:(يعصاهما) .

5 [210 ح]"صحيح مسلم مع شرح النووي": (6/ 407 ، ح 48/ 870) ، كتاب الجمعة، باب تخفيف الصلاة والخطبة، و"المستدرك"للحاكم:(1/ 289) . والحديث -كما ترى- قد أخرجه مسلم في"صحيحه"، ومع ذلك فإن الحاكم قد قال عقبه: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي على ذلك. فوهم رحمه الله في قوله: إن مسلما لم يخرجه. والحديث عن عدي بن حاتم رضي الله عنه. انظر بقية التخريج في الملحق.

ص: 430

‌باب من سب الدهر فقد آذى الله

وقول الله تعالى: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَاّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَاّ الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَاّ يَظُنُّونَ}

في"الصحيح" عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "قال الله تعالى يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر، أقلب الليل والنهار "

{باب من سب الدهر فقد آذى الله)

{وقول الله تعالى: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَاّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَاّ الدَّهْرُ} } أي: ما الحياة إلا الحياة الدنيا نموت ونحيا، أي: يموت الآباء ويحيى الأبناء، وما يهلكنا إلا الدهر، أي1 وما يفنينا إلا مر2 الزمان، واختلاف الليل والنهار3 {وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ} 4 أي: لم يقولوه عن5 علم علموه {إِنْ هُمْ إِلَاّ يَظُنُّونَ} 6 والظن لا يغني من الحق شيئا.

{وفي "الصحيح" عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " قال الله تعالى: يؤذيني ابن آدم} يعني: يعاملني معاملة توجب الأذى في حقكم {يسب الدهر وأنا الدهر، أقلب الليل والنهار 7

_________

1 كلمة: (أي) في"الأصل"، وقد سقطت من بقية النسخ.

2 في"ر"و"ع": (ممر) ، ولا يصلح التعبير به.

3 قوله: (وما يفنينا إلا مر الزمان واختلاف الليل والنهار) سقط من"ش".

4 سورة الجاثية، الآية:24.

5 كلمة: (عن) سقطت من"ر".

6 سورة الجاثية، الآية:24.

7 [211 ح]"صحيح البخاري مع الفتح": (8/ 574 ، ح 4826) ، كتاب التفسير، باب يوم نبطش البطشة الكبرى."صحيح مسلم مع شرح النووي":(15/ 5- 6 ، ح 2/ 2246) ، كتاب الألفاظ من الآداب وغيرها، باب النهي عن سب الدهر. انظر بقية التخريج في الملحق.

ص: 431

وفي رواية: " لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر "

وفي رواية: "لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر (1} ومعنى هذا الحديث: أن العرب كان من شأنها2 ذم الدهر وسبه عند النوازل والنوائب والحوادث والمصائب النازلة بها، من موت أو هدم أو تلف مال أو غير ذلك، يقولون: يا خيبة الدهر

ونحو هذا من ألفاظ سب الدهر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر 3} أي: فاعل النوازل والحوادث، وخالق الكائنات، وفي رواية:" يؤذيني ابن آدم يقول: يا خيبة الدهر، فلا يقولن أحدكم يا خيبة الدهر، فإني أنا الدهر، أقلب ليله ونهاره فإذا شئت قبضته (4 وقوله عز وجل "أنا الدهر " برفع الراء هو الصواب

_________

1 [212 ح]"صحيح مسلم مع شرح النووي": (15/ 6 ، ح 5/ 2246) ، كتاب الألفاظ من الآداب وغيرها، باب النهي عن سب الدهر. و"السنن الكبرى"للبيهقي:(3/ 365) . انظر بقية التخريج في الملحق.

2 هذا في"الأصل"و"ش"، وفي"ع":(من شأنهم)، وفي"ر":(من شاء) .

3 تقدم قريبا، انظر الحاشية السابقة.

4"صحيح البخاري مع الفتح": (10/ 564 ، ح 6182) ، كتاب الأدب، باب لا تسبوا الدهر."صحيح مسلم مع شرح النووي":(15/ 6 ، ح 3/ 2246) ، كتاب الألفاظ من الأدب وغيرها، باب النهي عن سب الدهر وغيره. وأخرجه الحاكم في"المستدرك":(2/ 453) بسياق قريب من هذا وقال عقبه: قد اتفق الشيخان على إخراج حديث الزهري هذا بغير هذه السياقة وهو صحيح على شرطهما. وأخرجه أحمد ف ي"مسنده": (2/ 272) .

ص: 432

المعروف الذي قاله الشافعي، وأبو عبيد، وجماهير المتقدمين والمتأخرين.

قال أبو بكر محمد بن داود الأصبهاني الظاهري1 (إنما هو الدهر بالنصب على الظرف، أي: أنا مدة الدهر، أقلب ليله ونهاره)2.

وحكى ابن عبد البر3 هذه الرواية عن بعض أهل العلم قال النحاس45 يجوز النصب، أي: أنا باق مقيم أبدا6 فالله سبحانه

1 هو: محمد بن داود علي أبو بكر الظاهري، العلامة، البارع، ذو الفنون، وهو مصنف كتاب"الزهرة"في الآداب، وكان له بصرا تاما بالحديث وأقوال الصحابة، وكان يجتهد ولا يقلد أحدا، مات سنة 297 هـ. انظر ترجمته في:"سير أعلام النبلاء": (13/ 109- 116)،"تاريخ بغداد":(5/ 256- 263)،"وفيات الأعيان":(4/ 259- 261) .

2"شرح النووي على صحيح مسلم": (15/ 5- 6) ، كتاب الألفاظ من الأدب وغيرها.

3 هو: يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر القرطبي -أبو عمر- إمام حافظ في الحديث، قال الذهبي: كان إماما دينا ثقة متقنا علامة صاحب سنة واتباع، وكان أولا أثريا ظاهريا فيما قيل، وكان في أصول الديانة على مذهب السلف، لم يدخل في علم الكلام، ولد سنة 368 هـ، وتوفي سنة 463 هـ. انظر ترجمته في:"سير أعلام النبلاء": (18/ 153- 163)،"شذرات الذهب":(3/ 314)،"العبر":(2/ 316) .

4 في كل النسخ: (النجاشي)، وفد صوبتها من المصدر:(شرح النووي) .

5 هو: أحمد بن محمد بن إسماعيل المرادي المصري أبو جعفر النحاس مفسر، أديب، نحوي، لغوي، وفقيه، رحل إلى بغداد وأخذ عن المبرد والأخفش والزجاج وغيرهم، له تصانيف منها:"معاني القرآن"،"تفسير القرآن"،"إعراب القرآن"،"الناسخ والمنسوخ"وغيرها، توفي بمصر سنة 338 هـ. انظر ترجمته في:"سير أعلام النبلاء": (15/ 401- 402)،"شذرات الذهب":(2/346)،"الأعلام":(1/208)،"معجم المؤلفين":(2/82) .

6 نفس المصدر السابق: (ص 6) .

ص: 433

‌باب التسمي بـ"قاضي القضاة" ونحوه

في"الصحيح"عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن أخنع اسم عند الله رجل يسمى ملك الأملاك "

وتعالى مقلب الدهر ومصرفه، وهو الفاعل لهذه الأمور التي تضيفونها إلى الدهر1. قال الشاعر:

يا شاكي الدهر جهلا في تصرفه

لا تشك دهرك فإن الدهر مأمور

ما ذنب دهرك والأيام عالية

وكل أمر إذا وافاك مسطور

فاصبر على حدثان الدهر وارض به

ما دام في الدهر مهموم ومسرور

{باب التسمي ب"قاضي القضاة" ونحوه}

{في"الصحيح" عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن أخنع اسم عند الله رجل يسمى ملك الأملاك 2 3}

_________

1 نفس المصدر السابق: (ص 6) .

2 في"المؤلفات"زاد في الحديث قوله: (لا مالك إلا الله) ، وهي من رو، الآية ابن أبي شيبة كما ذكره مسلم بعد هذا الحديث.

3 [213 ح]"صحيح البخاري مع الفتح": (10/ 588 ، ح 6206) ، كتاب الأدب، باب أبغض الأسماء."صحيح مسلم مع شرح النووي":(14/ 368- 370 ، ح 20 ، 21/ 2143) ، كتاب الآداب، باب تحريم التسمي بملك الأملاك. انظر بقية التخريج في الملحق.

ص: 434

قال [مسلم] 1 قال أحمد بن حنبل: سألت2 أبا عمرو3 عن أخنع؟ فقال: أوضع4 وهذا التفسير الذي فسره5 - أبو عمرو - بن العلاء التميمي المقري6 مشهور عنه، وعن غيره، قالوا: معناه أشد ذلا وصغارا يوم القيامة، والمراد صاحب الاسم، ويدل عليه الرواية الثانية:"أغيظ

1 ما بين القوسين هو الصواب، فقد أورده مسلم في"صحيحه"بعد الحديث الماضي، وقد جاء في كل النسخ:(قال النووي) ، ولعله قد اختلط على الشارح رحمه الله فظنه من كلام النووي.

2 في"ش": (سمعت) ، والصواب من أثبت من النسخ الأخرى وأصل الحديث.

3 هو: أبو عمرو بن العلاء بن عمار التميمي المازني البصري -شيخ القراء والعربية- اختلف في اسمه على أقوال: أشهرها زبان، حدث باليسير عن أنس بن مالك ويحيى ابن يعمر ومجاهد، وقرأ القرآن على سعيد بن جبير ومجاهد، حدث عنه شعبة وحماد ابن زيد، وانتصب للإقراء أيام الحسن البصري، قال إبراهيم الحربي وغيره: كان أبو عمرو من أهل السنة، مات سنة 157 هـ. انظر ترجمته في:"تهذيب التهذيب": (12/ 178- 180)،"وفيات الأعيان":(3/ 466- 470)،"سير أعلام النبلاء":(6/ 407- 411) .

4 انظر:"صحيح مسلم مع شرح النووي": (14/ 369) بعد حديث (20/ 2143) .

5 كلمة: (فسره) سقطت من"ع".

6 أخطأ الشارح رحمه الله في تعريفه بأبي عمرو بأنه ابن العلاء التميمي فقد عرف به النووي في آخر شرحه للحديث بأنه إسحاق بن مرار اللغوي النحوي وحقق ذلك. انظر:"شرحه على صحيح مسلم": (14/ 369)، وانظر:"تاريخ بغداد": (6/ 329)، و"ميزان الاعتدال":(3/ 373)، وانظر:"سير أعلام النبلاء"لتعرف أبو العلاء الذي ذكره الشارح: (6/ 407) . ومما يظهر الخطأ أن الإمام أحمد قد ولد سنة 164 هـ. انظر:"السير": (11/ 179) ، وأبو العلاء هذا -الذي ذكره الشارح- توفي سنة 154 هـ، انظر:"السير": (6/ 407) ، فكيف يكون قد أخذ عنه؟!.

ص: 435

رجل على الله" قال القاضي: وقد يستدل به على أن الاسم هو المسمى، وفيه الخلاف المشهور1

وقيل: أخنع بمعنى أفجر، يقال: أخنع الرجل إلى المرأة، والمرأة إليه، إذا دعاها إلى الفجور، وهو بمعنى أخبث، أي: أكذب الأسماء

وقيل: أقبح

وفي رواية البخاري: أخنى وهو بمعنى ما سبق، أي: أفحش وأفجر، والخنا هو الفحش، وقد يكون بمعنى أهلك [لصاحبه] 2 المسمى، والإخناء الإهلاك، يقال: أخنى عليه الدهر، أي: أهلكه، وقال أبو عبيد: وروي أنخع، أي: أقتل، والنخع القتل الشديد3.

1 مسألة (الاسم والمسمى) من المسائل التي حصل فيها الكلام، والذين قالوا: الاسم غير المسمى هم الجهمية ليصلوا أن أسماء الله غيره، وما كان غيره فهو مخلوق، ولهذا روي عن الشافعي والأصمعي وغيرهما القول بأنه إذا سمع الرجل يقول الاسم غير المسمى فيشهد عليه بالزندقة. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ولم يعرف -أيضا- عن أحد من السلف أنه قال: الاسم هو المسمى، بل هذا قاله كثير من المنتسبين إلى السنة بعد الأئمة وأنكره أكثر أهل السنة عليهم. والقول المنقول عن أكثر أهل السنة والجماعة الموافقون للكتاب والسنة والمعقول أن الاسم للمسمى كما قال تعالى: ولله الأسماء الحسنى ، وقال: أياما تدعو فله الأسماء الحسنى. انظر:"مجموع الفتاوى"لابن تيمية (6/ 187 ، 206 ، 207) ، قاعدة في الاسم والمسمى.

2 في"الأصل": (لصاحب) ، والمثبت من بقية النسخ، وهو الصواب الموافق للمصدر المأخوذ منه.

3 من أول الباب إلى هنا الكلام المنقول عن النووي رحمه الله، انظره في"شرحه على صحيح مسلم":(14/ 368- 369) .

ص: 436

قال سفيان: مثل شاهان شاه.

وفي رواية: " أغيظ رجل على الله يوم القيامة وأخبثه ".

{قال سفيان: مثل شاهان شاه1} قوله شاهان شاه الثاني الملك، والأول جمعه; لأن قاعدة العجم تقديم المضاف إليه على المضاف.

{وفي رواية:" أغيظ رجل على الله يوم القيامة وأخبثه "2} تمامه وأغيظه رجل كان يسمى ملك الأملاك3 قال سفيان بن عيينة: ملك الأملاك مثل شاهان شاه4 ومعناه: ملك الملوك، ولا يوصف بذلك إلا الله تعالى، ومثله قاضي القضاة; لأن معناه أنه قاض على كل قاض فكان أشد قضاء، ولا يزكى على الله أحد5 وهو ما أشبهه من الأسماء أوضع اسم عند الله تعالى، فإن الله تعالى هو ملك الملوك وأحكم الحاكمين6.

_________

1 قول سفيان مروي عنه في"صحيح البخاري"بعد الحديث الماضي. انظره مع"الفتح": (10/ 588) . وفي"صحيح مسلم". انظره: مع"شرح النووي": (14/ 368 - 369) . وفي"سنن الترمذي": (5/ 134 ، ح 2837) .

2 زاد هنا في"المؤلفات"عبارة: (قوله أخنع: يعني أوضع) .

3"مسند الإمام أحمد": (2/ 315)، وقد زاد فيه قوله:"لا ملك إلا الله عز وجل".

4 سقطت كلمة: (شاه) من"ر".

5 سقطت كلمة: (أحد) من"ر".

6 اختلف العلماء في الوصف بقاضي القضاة أو حاكم الحكام هل يلتحق باللفظ المذموم؟ فمنعه بعضهم وأجازه بعضهم، فمن منعه نظر لمعنى قوله تعالى عن نفسه:{أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ} وقال بأن قاضي القضاة أو حاكم الحكام بمعناها. ومن أجاز احتج بحديث"أقضاكم على"وقال بأنه يستفاد منه أن لا حرج على من أطلق على قاض يكون أعدل القضاة أو أعلمهم في زمان أقضى القضاة. وقد رد العراقي على من أجاز فقال: إن ما احتج به من قضية علي لا يحتج به فإن التفضيل في ذلك وقع في حق من خوطب به ومن يلتحق بهم فليس مساويا لإطلاق التفضيل بالألف واللام. قال: ولا يخفى ما في إطلاق ذلك من الجراءة وسوء الأدب، ولا عبرة بقول من ولي القضاء فنعت بذلك فلذ في سمعه فاحتال في الجواز فإن الحق أحق أن يتبع. انظر:"فتح الباري": (10/ 590) ، كتاب الأدب.

ص: 437

‌باب احترام أسماء الله تعالى وتغيير الاسم لأجل ذلك

عن أبي شريح أنه كان يكنى أبا الحكم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم " إن الله الحكم، وإليه الحكم، فقال

تنبيه: اختلف العلماء فيمن عقد له الأمر هل يجوز أن يقال: خليفة الله

فقيل: يجوز لقيامه بحقوق الله تعالى في خلقه وقيل: لايجوز; لأنه إنما يستخلف من يغيب أو يموت، والله تعالى لا يغيب ولا يموت1.

يروى أنه قيل لأبي بكر رضي الله عنه يا خليفة الله، فقال: لست خليفة الله2 ولكني3 خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا راض بذلك4. وهذا كله تعظيم وإجلال لله تعالى.

{باب احترام أسماء الله تعالى وتغيير الاسم لأجل ذلك}

{عن أبي شريح} هانئ الحارثي الصحابي رضي الله عنه {أنه كان يكنى أبا الحكم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم" إن الله5 الحكم، وإليه الحكم "، فقال:

_________

1 انظر:"زاد المعاد"لابن القيم: (2/ 474- 475) .

2 سقط لفظ الجلالة: (الله) من"ر".

3 هذا في"الأصل"، وفي بقية النسخ:(ولكن) ، والصواب ما أثبت لموافقته لما في المصدر.

4"مصنف ابن أبي شيبة": (14/ 568) ، كتاب المغازي.

5 في"المؤلفات"و"ش": (إن الله هو الحكم) ، وهو كذلك في أصل الحديث.

ص: 438

إن قومي إذا اختلفوا في شيء أتوني فحكمت بينهم فرضي كلا الفريقين، فقال: ما أحسن هذا، فما لك من الولد؟ قلت: شريح، ومسلم، وعبد الله، قال: من أكبرهم؟ قال: شريح، قال: فأنت أبا شريح "

إن قومي إذا اختلفوا في شيء أتوني فحكمت بينهم فرضي كلا الفريقين، فقال: ما أحسن هذا، فما لك من الولد؟ قلت: شريح، ومسلم، وعبد الله، قال: من أكبرهم؟ قال: شريح، قال: فأنت أبا شريح "12 وفي رواية: أنه لما وفد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع قومه سمعهم يكنونه بأبي الحكم، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"إن الله هو الحكم وإليه الحكم، فلم تكنى أبا الحكم؟ فقال: إن قومي

إلى آخره".3 فيه احترام أسماء الله تعالى وصفاته، ولو كان كلاما لم يقصد به معناه، وتغيير الاسم لأجل ذلك، واستحباب الكنية بأكبر أولاد الرجل.

_________

1 زاد هنا في"المؤلفات"قوله: (رواه أبو داود وغيره) .

2 [214 ح]"سنن أبي داود": (5/ 240 ، ح 4955) ، كتاب الأدب، باب في تغيير الاسم القبيح."سنن النسائي":(8/ 226- 227 ، ح 5378) ، كتاب آداب القضاة، باب إذا حكموا رجلا فقضى بينهم."مستدرك الحاكم":(1/ 24) . والحديث صححه الألباني. انظر:"صحيح سنن أبي داود": (3/ 936 ، ح 4145- 4955)، و"صحيح سنن النسائي":(3/ 1091 ، ح 4980) . انظر بقية تخريج الحديث في الملحق.

3 هذا الذي ذكره بأنه رو، الآية هو أول تلك الرو، الآية السابق ذكرها فالمصنف اختصر أولها ليصل إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم الذي فيه الشاهد للباب.

ص: 439

اعلم أنه يستحب تغيير الاسم بأحسن منه1 فقد غير النبي صلى الله عليه وسلم اسم العاصي وعزيز بالمطيع وعبد العزيز، وسمى حربا سلما، وسمى المضطجع المنبعث، وأرضا يقال لها عفرة سماها خضرة، وشعب الضلالة سماه شعب الهدى، وسمى بني مغوية بني رشدة2 وغير اسم عاصية، فقال: أنت جميلة3.

وفي"صحيح البخاري" عن سعيد بن المسيب بن حزن عن أبيه أن أباه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما اسمك؟ فقال: حزن، قال: أنت سهل، قال: لا أغير اسما سمانيه أبي، قال: بل أنت حزن، قال ابن المسيب فما زالت الحزونة فينا 4 الحزونة5 غلظ الوجه وشيء من القساوة.

1 وهذا الأحسن قد يكون بديلا عن قبيح أو مستكره وقد يكون بديلا لاسم فيه تزكية أو تشريك لاسم من أسماء الله أو تعبيد لغير الله أو نحوه.

2 ذكره أبو داود في"سننه": (5/ 241- 243) بعد حديث سعيد بن المسيب عن أبيه عن جده حزن. وانظر:"زاد المعاد": (2/ 336) فقد نقلها عنه.

3"صحيح مسلم مع شرح النووي": (14/ 366 ، ح 14/ 2139) ، كتاب الآداب، باب استحباب تغيير الاسم القبيح إلى حسن. و"سنن أبي داود":(5/ 238- 239 ، ح 4952) ، كتاب الأدب، باب تغيير الاسم القبيح.

4 [215 ح]"صحيح البخاري مع الفتح": (10/ 574 ، ح 6190) ، كتاب الأدب، باب اسم الحزن."سنن أبي داود":(5/ 241 ، ح 4956) ، كتاب الأدب، باب في تغيير الاسم القبيح. وفيه انظر بقية التخريج في الملحق"أنه لما قاله له أنت سهل قال: لا، السهل يوطأ ويمتهن". انظر بقية التخريج في الملحق.

5 سقطت كلمة: (الحزونة) من"ر".

ص: 440

فرع: يستحب تحسين الاسم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم وأسماء آبائكم، فأحسنوا أسماءكم (1 وقال صلى الله عليه وسلم "إن أحب أسمائكم إلى الله تعالى عبد الله وعبد الرحمن "2 وقال صلى الله عليه وسلم " سموا بأسماء الأنبياء، وأحب الأسماء إلى الله عز وجل عبد الله وعبد الرحمن وأصدقها حارث وهمام، وأقبحها حرب ومرة " 3.

1 [216 ح]"سنن أبي داود": _5/ 236، ح 4948) ، كتاب الأدب، باب في تغيير الأسماء. و"صحيح ابن حبان":"الإحسان": (7/ 528 ، ح 5788)،"مسند الإمام أحمد":(5/ 194) . والحديث عن أبي الدرداء رضي الله عنه. والحديث -كما ترى- قد صححه ابن حبان، وصححه الألباني كما في"صحيح سنن أبي داود":(3/ 936 ، ح 4146- 4956) . و"سلسلة الأحاديث الصحيحة": (1/ 375 ، ح 214) . انظر بقية تخريجه في الملحق.

2 [217 ح]"صحيح مسلم مع شرح النووي": (14/ 360 ، ح 2/ 2132) ، كتاب الأدب، باب النهي عن التكني بأبي القاسم."سنن الترمذي":(5/ 133 ، ح 2834) ، كتاب الأدب، باب ما جاء فيما يستحب من الأسماء. والحديث عن ابن عمر، وروي عن أنس -أيضا-. انظر بقية تخريج الحديث في الملحق.

3"سنن أبي داود": (5/ 237 ، ح 4950) ، كتاب الأدب، باب في تغيير الأسماء."السنن الكبرى"للبيهقي:(9/ 306)،"الأدب المفرد"للبخاري:(ص 275 ، ح 816) . والحديث عن أبي وهب الجشمي. والحديث صححه الألباني دون قوله فيه:"تسموا بأسماء الأنبياء"0 انظر:"صحيح سنن أبي داود": (3/ 935 ، ح 4140- 4950) . و"سلسلة الأحاديث الصحيحة": (2/ 605 ، ح 904) ، (3/ 33 ، ح 1040) .

ص: 441

‌باب من هزل بشيء فيه ذكر الله تعالى أو القرآن أو الرسول

وقول الله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ}

عن ابن عمر، ومحمد بن كعب، وزيد بن أسلم، وقتادة

{باب من هزل بشيء فيه ذكر الله تعالى أو القرآن أو الرسول}

{وقول الله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ} 1 2} .

عن ابن عمر، ومحمد بن كعب3 وزيد بن أسلم4 وقتادة

_________

1 سورة التوبة، الآية:65.

2 في"المؤلفات"تمم ال، الآية بقوله: قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون.

3 هو: الإمام العلامة محمد بن كعب بن سليم أبو عبد الله القرظي المدني، وقيل: أبو حمزة، أسند محمد بن كعب عن عدة من الصحابة، منهم: زيد بن أرقم وعبد الله بن عباس والمغيرة وغيرهم، وروى عنه الحكم بن عتيبة وأبو معشر وموسى بن عبدة، وكان من أئمة التفسير، ولد سنة 40 هـ، وتوفي سنة 107 هـ، وقيل: توفي سنة 117 هـ. انظر ترجمته في:"حلية الأولياء": (3/ 212- 221)،"تهذيب التهذيب":(9/ 420- 422)،"سير أعلام النبلاء":(5/ 65- 68) .

4 هو: الإمام الحجة زيد بن أسلم أبو عبد الله أو أبو أسامة العدوي، العمري المدني، الفقيه، مولى عمر بن الخطاب، ثقة، عالم، حدث عن والده أسلم وعبد الله بن عمر وجابر بن عبد الله وأنس، وحدث عنه مالك وسفيان الثوري وغيرهما، قال الذهبي: له تفسير رواه عنه ابنه عبد الرحمن، توفي سنة 136 هـ. انظر ترجمته في:"تذكرة الحفاظ": (1/ 132)،"حلية الأولياء":(3/ 221- 229)،"تهذيب التهذيب":(3/ 395- 397) .

ص: 442

دخل حديث بعضهم في بعض أنه قال رجل في غزوة تبوك

دخل حديث بعضهم في بعض أنه قال رجل} من المنافقين {في غزوة تبوك} وهي أدنى بلاد الروم1 ولم يغز النبي صلى الله عليه وسلم بعدها حتى توفي وهي الفردة2 لأنه لم يكن في عامها غيرها، وسماها الله ساعة العسرة3 لوقوعها في شدة الحر، وأنفق عثمان رضي الله عنه فيها ألف دينار4 وحمل على تسعمائة وخمسين بعيرا وخمسين فرسا5 ولذلك قيل له: مجهز جيش العسرة، وكان عددهم سبعين ألفا6 وفيها قصة الثلاثة الذين خلفوا، وهم: كعب بن مالك7وهلال بن

_________

1 وهي الآن من مدن المملكة العربية السعودية، وتبعد عن المدينة النبوية 760 كيلا إلى جهة الشمال.

2 في"ر"كتبها الكاتب: (الفردوس) ، وهو تحريف ظاهر.

3 وذلك في قوله تعالى: {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 117] .

4 انظر:"السيرة النبوية"لابن هشام: (4/ 518)، و"السيرة النبوية"لابن كثير:(4/ 6)،"الدرر في اختصار المغازي والسير":(ص 287) .

5 انظر:"الدرر في اختصار المغازي والسير": (ص 287) لكن فيه تسعمائة بعير ومائة فرس.

6 الذي تدل عليه المراجع أن عدد الجيش كان ثلاثين ألفا أو يزيدون عليه إلى الأربعين، ولم أجد فيما لدي من المصادر من ذكر أنهم كانوا سبعين ألفا. انظر:"كتاب المغازي"للواقدي: (3/ 996)، و"عيون الأثر":(2/ 293)، و"فتح الباري":(8/ 117- 118) .

7 هو: كعب بن مالك بن أبي كعب بن سلمة الأنصاري الخزرجي العقبي، شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه، وأحد الثلاثة الذين تأخروا، فلم يغزوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تبوكا، ولما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم اعترفوا فخلفوا حتى حكم الله فيهم، توفي سنة 40 هـ، وقيل: 50 هـ، وقيل: 51 هـ. انظر ترجمته في:"الإصابة": (8/ 304- 306)،"أسد الغابة":(4/ 187- 189)،"تهذيب التهذيب":(8/ 440- 441) .

ص: 443

ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطونا ولا أكذب ألسنا ولا أجبن عند اللقاء، يعني: رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه القراء، فقال له عوف بن مالك: كذبت، ولكنك منافق لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهب عوف إلى

أمية1 ومرارة بن الربيع23.

قال الرجل المنافق: {ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطونا} أي أكثر أكلا {ولا أكذب ألسنا ولا أجبن عند اللقاء} أي: عند الحرب {يعني: رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه القراء، فقال له عوف بن مالك4 كذبت، ولكنك منافق لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهب عوف إلى

_________

1 هو: هلال بن أمية بن عامر الأنصاري الواقفي، صحابي جليل، شهد بدرًا وأحدًا، وكان قديم الإسلام وهو أحد الثلاثة الذين تأخروا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك فخلفوا في الحكم حتى قضى الله فيهم، أراد ثم تاب عليهم. انظر ترجمته في:"أسد الغابة": (4/ 630- 631)،"الاستيعاب مع الإصابة":(10/ 402)،"الإصابة":(10/ 252) .

2 انظر الحديث الطويل في قصتهم من رو، الآية عبد الله بن كعب بن مالك عن أبيه كعب في:"صحيح البخاري مع الفتح": (8/ 113- 116 ، ح 4418) ، كتاب المغازي، باب حديث كعب بن مالك.

3 هو: مرارة بن ربيعة، ويقال: ابن ربيع العمري الأنصاري، من بني عمرو بن عوف، صحابي جليل، شهد بدرا، وهو أحد الثلاثة الذين تأخروا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، وتاب الله عليهم، ونزل القرآن في شأنهم. انظر ترجمته في:"الاستيعاب مع الإصابة": (10/ 59)،"أسد الغابة":(4/ 358) .

4 هو: عوف بن مالك بن أبي عوف الأشجعي الغطفاني، كان من نبلاء الصحابة، وأول مشاهده خيبر، وكانت معه ر، الآية أشجع يوم الفتح، روى عنه من الصحابة: أبو أيوب الأنصاري وأبو هريرة والمقدام بن معد يكرب، ومن التابعين: أبو مسلم وأبو إدريس الخولاني وغيرهما، توفي بدمشق سنة 73 هـ. انظر ترجمته في:"أسد الغابة": (4/ 12- 13)،"تهذيب التهذيب":(8/ 168)،"الإصابة":(7/ 179) .

ص: 444

رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخبره فوجد القرآن قد سبقه فجاء ذلك الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ارتحل وركب ناقته فقال: يا رسول الله، إنما كنا نخوض ونلعب ونتحدث حديث الركب نقطع به عنا الطريق، قال ابن عمر: كأني أنظر إليه متعلقا بنسعة ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن الحجارة تنكب رجليه، وهو يقول: إنما كنا نخوض ونلعب فيقول له رسول الله صلى الله

رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخبره فوجد القرآن قد سبقه فجاء ذلك الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ارتحل وركب ناقته فقال: يا رسول الله، إنما1 كنا نخوض ونلعب2 ونتحدث حديث الركب نقطع به عنا الطريق} أي: نخوض في الكلام كما يفعل الركب يقطعون الطريق بالحديث واللعب {قال ابن عمر: كأني أنظر إليه متعلقا بنسعة3 ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن الحجارة تنكب رجليه، وهو يقول: إنما كنا نخوض ونلعب فيقول له رسول الله صلى الله

_________

1 هكذا في"المؤلفات": (إنما) ، وهو الموافق لمصادر الحديث، وفي النسخ المخطوطة:(إنا) .

2 كلمة: (نلعب) ساقطة من"المؤلفات"، وهي مثبتة في كل النسخ كما في المصادر.

3 في أكثر المصادر: (بحقب) بدل: (بنسعة)، وهو السير الذي يلي حقو البعير. انظر:"لسان العرب": (1/ 324) .

ص: 445

عليه وسلم: {أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ} 1 2 ما يلتفت إليه وما يزيده عليه 3} .

قال محمد بن إسحاق4 الذي قال هذه المقالة فيما بلغني هو وديعة ابن ثابت5 أخو بني أمية بن زيد بن عمرو بن عوف6.

_________

1 سورة التوبة، الآيتان: 65ـ66.

2 في"المؤلفات"تمم ال، الآية بقوله:

{لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة: 166] .

3 [218 ح]"تفسير الطبري": (6/ 10/ 172)، و"تفسير البغوي":(2/ 308)، و"تفسير ابن كثير":(2/ 381) . والحديث قال الشيخ مقبل بن هادي- في"الصحيح المسند": (108- 109) بعد نقله الرو، الآية عن ابن أبي حاتم برو، الآية ابن عمر-: بأن رجاله رجال الصحيح إلا هشام بن سعد. قال: وله شاهد بسند حسن من حديث كعب بن مالك. انظر بقية التخريج في الملحق.

4 هو: محمد بن إسحاق بن يسار أبو بكر، وقيل: أبو عبد الله القرشي المطلبي مولاهم المدني، صاحب السيرة النبوية، ولد بالمدينة سنة 80 هـ، ورأى أنس بن مالك وسعيد ابن المسيب، توفي سنة 151 هـ. انظر ترجمته في:"طبقات ابن سعد": (7/ 321- 322)،"وفيات الأعيان":(4/ 276- 277)، (تذكرة الحفاظ":(1/ 172- 173) .

5 هو: وديعة بن ثابت أخو بني عمرو بن عوف، وهو واحد من اثني عشر رجلا بنوا مسجد الضرار، وذكر أنه واحد من أصحاب المقالة (إنما كنا نخوض ونلعب) . انظر ترجمته في:"سيرة ابن هشام": (4/ 165 ، 172)،"تاريخ الطبري":(3/ 111)،"المغازي":(3/ 1047) .

6 انظر:"السيرة النبوية"لابن هشام: (4/ 165) .

ص: 446

وقال قتادة: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير في غزوة تبوك وبين يديه ناس من المنافقين، فقالوا: يرجو هذا الرجل أن يفتح قصور الشام وحصونها؟ هيهات هيهات، فأطلع الله نبيه صلى الله عليه وسلم على ذلك، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم احبسوا علي الركب فأتاهم، فقال: قلتم كذا وكذا، فقالوا: يا نبي الله، إنما كنا نخوض ونلعب، فأنزل الله فيهم ما تسمعون 1. وقال الكلبي ومقاتل: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير في غزوة تبوك، وبين يديه ثلاث نفر من المنافقين: اثنان يستهزئان بالقرآن والرسول صلى الله عليه وسلم والثالث يضحك2 وقيل: كانوا يقولون: إن محمدا يوهم أنه يغلب الروم، ويفتح مدائنه ما أبعده عن ذلك، وقيل: كانوا يقولون: إن محمدا يزعم أنه نزل في أصحابنا قرآن إنما هو قوله وكلامه وقوله: {قل} يا محمد، {أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ} فيه توبيخ وتقريع للمنافقين3 والمعنى: كيف يقدمون على الاستهزاء بالله، يعني: بفرائضه وحدوده وأحكامه، قال الله عز وجل {لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} 4 يعني: قل لهؤلاء المنافقين: لا تعتذروا بالباطل قد كفرتم بعد إيمانكم، يعني: أن الاستهزاء بالله وآياته ورسوله كفر، وكذلك الرضا به كفر قال الله

1 انظر:"تفسير الطبري": (6/ 10/ 172) . و"تفسير عبد الرزاق": (1/ 2/ 282)، و"تفسير ابن كثير":(2/ 382)، و"تفسير السيوطي":(4/ 230) .

2 انظر:"تفسير السيوطي": (4/ 31)، و"تفسير الفخر الرازي":(16/ 125) .

3 انظر:"تفسير الشوكاني": (2/ 377) .

4 سورة التوبة، الآية:66.

ص: 447

تعالى: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ} 1 والرضا بالكفر كفر، وأجمع العلماء أن شاتم النبي صلى الله عليه وسلم كافر، ومن شك في كفره كفر2 ويقتل3 وممن قال بذلك مالك والليث4 وأحمد وإسحاق5 وهو مذهب الشافعي6 قال الله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} 7 والقرآن معجزة وحجة على صحة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم فمن الناس من جحد وأنكر ما جاء به كما أخبر الله عنهم بقوله: {وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ} 8 قال الله تعالى تكذيبا لهم وتصديقا لنبيه صلى الله عليه وسلم {قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً} 9

1 سورة النساء، الآية:140.

2 هذا في"الأصل"، وفي بقية النسخ:(كافر) .

3 يعني الشاتم لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

4 هو: الليث بن سعد الفهمي الأصبهاني، قال عنه الشافعي: إنه أفقه من مالك إلا أن أصحابه لم يقوموا به، سمع عطاء بن أبي رباح وابن شهاب، ولد سنة 94 هـ، وتوفي سنة 175 هـ. انظر ترجمته في:"تذكرة الحفاظ": (1/ 224)،"تاريخ بغداد":(13/ 3- 14)،"وفيات الأعيان":(4/ 127- 132) .

5 هو ابن راهويه، وقد تقدمت ترجمته:(ص 315) .

6 انظر:"الصارم المسلول"لابن تيمية: (ص 3) .

7 سورة الأحزاب، الآية:57.

8 سورة الفرقان، الآية:5.

9 سورة الفرقان، الآية:6.

ص: 448

‌باب ما جاء في قول الله تعالى {وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي} الآية

باب ما جاء في قول الله تعالى

{وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ}

قال مجاهد: هذا بعملي وأنا محقوق به. وقال ابن عباس رضي الله عنه يريد من عندي.

{48- باب ما جاء في قول الله تعالى} 1

{وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا} أي: آتيناه خيرا وعافية وغنى2 {مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ} أي: من بعد شدة وبلاء أصابه3 {لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي} أستحقه بعملي {وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى} قال مجاهد: هذا بعملي وأنا محقوق به} 4.

{وقال ابن عباس رضي الله عنهما: يريد من عندي} 56 {وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً} أي: لست على يقين من البعث {وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي}

_________

1 في"المؤلفات": (باب قول الله تعالى) .

2"تفسير البغوي": (4/ 118) .

3 نفس المصدر: (4/ 118) .

4"تفسير الطبري": (3/ 25/ 3)، و"تفسير ابن الجوزي":(7/ 266)، و"تفسير الشوكاني":(4/ 522) .

5 قول مجاهد، وكذا قول ابن عباس جاء متخللا لل، الآية خلافا للمؤلفات فقد جاء بعد ذكرها.

6"تفسير القرطبي": (15/ 373) .

ص: 449

وقوله تعالى: {قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ} قال قتادة: على علم مني بوجوه المكاسب، وقال آخرون: على علم من الله أني له أهل، وهذا معنى قول مجاهد: أوتيته على شرف.

يعني: وإن رددت إلى ربي {إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى} 1 2 أي: الجنة [والمعنى] 3 كما أعطاني في الدنيا سيعطيني في4 الآخرة5.

{وقوله تعالى:} حاكيا عن قارون {قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ} 6 أي: في مقابلته، وكان أعلم بني إسرائيل بالتوراة بعد موسى وهارون، {قال قتادة: على علم مني بوجوه المكاسب7 وقال آخرون: على علم من الله أني له أهل8 وهذا معنى قول مجاهد: أوتيته على شرف} وقيل: على فضل وخير، علمه الله عندي ورآني أهلا لذلك ففضلني بهذا

_________

1 سورة فصلت، الآية:50.

2 إلى هنا جاء ذكر ال، الآية في جميع النسخ. وقد أكملت في"المؤلفات"بقوله تعالى: فلنبئن الذين كفروا بما عملوا ولنذيقنهم من عذاب غليظ.

3 صححت كلمة: (والمعنى) من"ر"و"ع"، وقد كتب في"الأصل":(والمعين) .

4 قوله: (إن لي عنده للحسنى، أي: الجنة

إلى قوله: سيعطيني في الآخرة) سقط من"ش".

5"تفسير البغوي": (4/ 118) .

6 سورة القصص، الآية:78.

7"تفسير القرطبي": (13/ 315)، و"تفسير ابن الجوزي":(6/ 242)، وتفسير الشوكاني":(4/ 187) .

8 انظر:"تفسير القرطبي": (13/ 315)، و"تفسير ابن كثير":(3/ 410) .

ص: 450

المال عليكم كما فضلني بغيره1 وقيل: هو علم الكيمياء، وكان موسى عليه السلام يعلمه فعلم يوشع بن نون2 ثلث ذلك العلم، وعلم كالب بن يوقنا ثلثه، وعلم قارون ثلثه فخدعهما قارون حتى أضاف علمهما إلى علمه، وكان يصنع من الرصاص فضة ومن النحاس ذهبا، وكان ذلك سبب أمواله3 وقيل: كان علمه حسن التصرف في التجارات والزراعات، وأنواع المكاسب4.

وفيما قص الله سبحانه وتعالى في الأخوين قال: {وَدَخَلَ جَنَّتَهُ} يعني: الكافر أخذ بيد صاحبه المؤمن يطوف به في البستان5 {وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ} أي: بكفره قال {قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ} أي: تهلك {هَذِهِ} يعني: جنته {أَبَداً} وذلك لما أعجبه حسنها وزهرتها {وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْهَا مُنْقَلَباً} 6 لأنه لم يعطني الجنة في الدنيا إلا ليعطيني في الآخرة أفضل منها7 وقال عز وجل {وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ} يعني: ولئن نحن أنعمنا على الإنسان فبسطنا عليه من العيش {لَيَقُولَنَّ} يعني8 الذي أصابه الخير والسعة {ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي}

1"تفسير البغوي": (3/ 455)، و"تفسير القرطبي":(13/ 315) .

2 كلمة: (نون) سقطت من"ر".

3"تفسير البغوي": (3/ 455)، وانظر:"تفسير القرطبي": (13/ 315) .

4"تفسير البغوي": (3/ 455)، وانظر:"تفسير ابن الجوزي": (6/ 242)، و"تفسير القرطبي":(13/ 315) .

5"تفسير البغوي": (3/ 162) .

6 سورة الكهف، الآيتان: 35ـ 36.

7"تفسير البغوي": (3/ 162) .

8 زاد في"الأصل"هنا كلمة: (أن) خلافا لبقية النسخ ولا معنى لها.

ص: 451

وعن أبي هريرة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن ثلاثة من بني إسرائيل: أبرص وأقرع وأعمى، فأراد الله أن يبتليهم فبعث إليهم ملكا فأتى الأبرص

ذهبت الشدائد والعسر والضيق، وإنما قال ذلك غرة بالله عز وجل وجراءة عليه لأنه لم يضف الأشياء كلها إلى الله تعالى، وإنما أضافها إلى العوائد، فلهذا ذمه الله تعالى فقال:{إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ} 1 أي: أشر بطر، والفخر هو التطاول على الناس وتعديد المناقب2 وينبغي للعبد أن يشكر الله تعالى على ما أنعم عليه، ويقوم بحقوقها رزقنا الله شكر نعمه3.

{وعن أبي هريرة} رضي الله عنه {أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" إن ثلاثة من بني إسرائيل: أبرص وأقرع وأعمى، فأراد الله أن يبتليهم} أي يختبرهم ويمتحنهم فبعث إليهم ملكا} من الملائكة {فأتى الأبرص} البرص بياض معروف وعلامته أن يعصر فلا يحمر قاله4 النووي5 وقال بعضهم: هو أبيض اللون براقا أملس غائصا في الجلد واللحم إلى العظم والشعر النابت فيه أبيض6 أعاذنا الله تعالى من علله الفادحة آمين.

_________

1 سورة هود، الآية:10.

2"تفسير الطبري": (7/ 12/ 8)، و"تفسير البغوي":(2/ 375) .

3 هذا في"الأصل"، وفي بقية النسخ:(رزقنا الله شكره)، زاد في"ر":(آمين) .

4 هذا في"الأصل"، وهو الموافق للمصدر، وفي النسخ الأخرى:(وقال النووي) ، ولا يستقيم.

5 انظر:"تحرير ألفاظ التنبيه"لغة الفقه، للنووي:(ص 254)، ولفظ كلامه:(وعلامته أن يعصر اللحم فلا يحمر) .

6 لم أجد هذا التعريف للبرص فيما بحثت فيه من كتب اللغة.

ص: 452

فقال: أي شيء أحب إليك؟ قال: لون حسن وجلد حسن ويذهب عني الذي قد قذرني الناس به، قال: فمسحه فذهب عنه قذره، فأعطي لونا حسنا، وجلدا حسنا، قال: فأي المال أحب إليك؟ قال: الإبل أو البقر - شك إسحاق - فأعطي ناقة عشراء، وقال: بارك الله لك فيها، فأتى الأقرع فقال: أي شيء أحب إليك؟ قال: شعر حسن ويذهب عني الذي قد قذرني الناس به فمسحه فذهب عنه وأعطي شعرا حسنا، فقال:

{فقال: أي شيء أحب إليك، قال1 لون حسن وجلد حسن، ويذهب عني الذي قد قذرني الناس به} من العاهة التي ابتلاني الله به في بدني، {قال: فمسحه فذهب عنه قذره، فأعطي لونا حسنا وجلدا حسنا} وبرأ كأن لم يكن به شيء، بقدرة الله تعالى {قال: فأي المال أحب إليك؟ قال: الإبل} بكسرتين وتسكن الباء واحد يقع على الجمع ليس بجمع ولا اسم جمع وجمعه آبال، وهي أنفس الأموال عند العرب، وأحبها إليهم {أو البقر شك إسحاق} الراوي {فأعطي ناقة عشراء} والناقة العشراء - بضم العين وفتح الشين وبالمد-: وهي الحامل {وقال: بارك الله لك فيها،

قال: فأتى الأقرع} القرع: زوال شعر الرأس حتى يصير أملس لا شعر به، ويسميه الأطباء داء الثعلب أعاذنا الله منه {فقال: أي شيء أحب إليك؟ قال: شعر حسن، ويذهب عني2 الذي قد قذرني الناس به} أي: من أجله {فمسحه فذهب عنه وأعطي شعرا حسنا} أي: بقدرة الله تعالى {فقال:

_________

1 في"المؤلفات"كرر قوله: (قال) خلافا للنسخ وأصل الحديث.

2 في"أصل الحديث": (هذا الذي) .

ص: 453

أي المال أحب إليك؟ قال: البقر، فأعطي بقرة حاملا للحراثة، قال: بارك الله لك، فأتى الأعمى فقال: أي شيء أحب إليك؟ قال: أن يرد الله إلي بصري فأبصر به الناس، فمسحه فرد الله إليه بصره، قال: فأي المال أحب إليك؟ قال: الغنم، فأعطي شاة والدا، فأنتج هذان وولد هذا فكان لهذا واد من الإبل، ولهذا واد من البقر، ولهذا واد من الغنم، قال: ثم أتى الأبرص في صورته وهيئته

أي المال أحب إليك؟ قال: البقر1 فأعطي بقرة حاملا} البقرة: واحدة البقر، وهي الأنثى، وأصلها البقر، وهو الشق سميت بذلك لأنها تبقر الأرض، أي تشقها {للحراثة قال: بارك الله لك2

فأتى الأعمى فقال: أي شيء أحب إليك؟ قال: أن يرد الله إلي بصري فأبصر به الناس، فمسحه فرد الله إليه بصره} بقدرته جل وعلا3 {قال: فأي المال أحب إليك؟ قال: الغنم، فأعطي شاة والدا، فأنتج هذان وولد هذا} وفي رواية: فنتج، معناه: تولى نتاجها، والناتج للناقة كالقابلة للمرأة، وقوله: وولد هذا هو بتشديد اللام، أي: تولى ولادتها، وهو بمعنى نتج في الناقة، والناتج والقابلة بمعنى واحد لكن هذا للحيوان وذاك لغيره {فكان لهذا واد من الإبل، ولهذا واد من البقر، ولهذا واد من الغنم،

قال: ثم4 أتى الأبرص في صورته وهيئته} أي: في صورة الأبرص قبل البرء، أراد الله بذلك

_________

1 في"المؤلفات"زاد قوله: (أو الإبل) خلافا للنسخ وأصل الحديث.

2 في"المؤلفات"زاد قوله: (فيها) ، وهو يتفق مع أصل الحديث.

3 هذا في"الأصل"، وفي بقية النسخ:(بقدرة الله تعالى) .

4 في"المؤلفات": (ثم إنه أتى) ، وهو موافق لما في أصل الحديث.

ص: 454

فقال: رجل مسكين قد انقطعت بي الحبال في سفري فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك، أسألك بالذي أعطاك اللون الحسن والجلد الحسن، والمال بعيرا أتبلغ به في سفري، فقال: الحقوق كثيرة، [فقال] : كأني أعرفك ألم تكن أبرص يقذرك الناس، فقيرا فأعطاك الله عز وجل المال، فقال: إنما ورثت هذا المال كابرا عن كابر، فقال: إن كنت كاذبا فصيرك

الاختبار، وهو يعلم ذلك {فقال:} أنا {رجل مسكين قد انقطعت بي الحبال} أي الأسباب {في سفري فلا بلاغ1 لي اليوم} من الزاد يبلغني مقصدي {إلا بالله ثم بك، أسألك بالذي أعطاك اللون الحسن والجلد الحسن، والمال بعيرا أتبلغ به في سفري} البعير: اسم يقع على الذكر والأنثى {فقال: الحقوق كثيرة} قاله بخلا منه وشقاوة نعوذ بالله من حاله {فقال: كأني أعرفك ألم تكن أبرص يقذرك الناس، فقيرا فأعطاك الله عز وجل المال، فقال: إنما ورثت هذا المال كابرا عن كابر} أي: كبيرا عن كبير في العز والشرف {فقال: إن كنت كاذبا فصيرك سالله إلى ما كنت} أي: ردك الله أبرص كما كنت أولا

{قال2 وأتى الأقرع في صورته) أي: في صورته قبل أن يعطى الشعر الحسن اختبارا من الله سبحانه وتعالى {فقال له مثل ما قال لهذا ورد عليه مثل ما رد عليه هذا، فقال: إن كنت كاذبا فصيرك

_________

1 في"المؤلفات": (فلا بلوغ) ، والمثبت من بقية النسخ هو الصواب موافقة للنص في مصادره.

2 كلمة: (قال) سقطت من"المؤلفات"خلافا للنسخ الأخرى وأصل الحديث.

ص: 455

الله إلى ما كنت، قال: وأتى الأقرع في صورته فقال له مثل ما قال لهذا، ورد عليه مثل ما رد عليه هذا، فقال: إن كنت كاذبا فصيرك إلى ما كنت، قال: فأتى الأعمى في صورته وهيئته فقال: رجل مسكين وابن سبيل قد انقطعت بي الحبال في سفري فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك، أسألك بالذي رد عليك بصرك شاة أتبلغ بها في سفري، فقال: قد كنت أعمى فرد الله إلي بصري فخذ ما شئت ودع ما شئت فوالله لا أجهدك اليوم بشيء أخذته لله [فقال: أمسك مالك فإنما ابتليتم فقد رضي الله عنك وسخط على صاحبيك " أخرجاه] .

الله1 إلى ما كنت} أي: ردك الله أقرع كما كنت أولا

{قال: فأتى الأعمى في صورته وهيئته 2} أي: في صورته وهيئته التي كان عليها قبل أن يمسحه الملك {فقال:} أنا {رجل مسكين وابن سبيل قد انقطعت بي الحبال} أي: الأسباب {في سفري فلا بلاغ لي اليوم} من الزاد يبلغني مقصدي {إلا بالله ثم بك أسألك بالذي رد عليك بصرك شاة أتبلغ بها في سفري، فقال: قد كنت أعمى فرد الله إلي بصري فخذ ما شئت ودع ما شئت، فوالله لا أجهدك اليوم بشيء أخذته لله 3 4} أي: لا أشق عليك في

_________

1 في"الأصل"سقط لفظ الجلالة خلافا للنسخ الأخرى و"المؤلفات"ومصادر الحديث.

2 قوله: (وهيئته) ساقطة من"المؤلفات"خلافا للنسخ جميعا وأصل الحديث.

3 في"المؤلفات"تمم الحديث بقوله: ("فقال أمسك مالك، فإنما ابتليتم فقد رضي الله عنك، وسخط على صاحبيك"أخرجاه) .

4"صحيح البخاري مع الفتح": (6/ 500- 501 ، ح 3464) ، كتاب أحاديث الأنبياء، باب حديث أبرص وأعمى وأقرع في بني إسرائيل. و"صحيح مسلم مع شرح النووي":(18/ 359- 310 ، ح 10/ 2964) ، كتاب الزهد والرقاق، المقدمة والحديث المدون لفظه."صحيح ابن حبان":"الإحسان": (1/ 565- 566 ، ح 314) .

ص: 456

رد شيء تأخذه أو تطلبه، أي: لا أمنعك من أخذ شيء هو لله، له ما أخذ وله ما أعطى1 وفي رواية البخاري: لا أحمدك2 ومعناه: لا أحمدك بترك شيء تحتاج إليه كما قالوا3 ليس على طول الحياة ندم، أي: على فوات طولها4.

{49- باب}

{قول الله تعالى: {فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا} 5 6} يعني: آدم وحواء، قال الله تعالى:{هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ}

_________

1"شرح النووي على صحيح مسلم": (18/ 312) ، كتاب الزهد والرقاق، أوله.

2 انظر: فتح الباري على صحيح البخاري": (6/ 503) فقد ذكر ذلك ابن حجر عن عياض، وذكر النووي في"شرح مسلم"في الموضع السابق ذكره قريبا.

3 قوله: (كما قالوا) سقط من"ر".

4 المصدرين السابقين. وقد ذكر النووي أن قول (ليس على طول الحياة ندم) شعر فصدره بقوله: قال الشاعر.

5 في"المؤلفات"تمم ال، الآية بقوله:

فتعالى الله عما يشركون.

6 سورة الأعراف، الآية:190.

ص: 457

يعني: آدم أبو البشر عليه السلام {وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا} يعني: حواء، وذلك أن الله تعالى لما خلق آدم ألقى عليه النوم، ثم خلق حواء من ضلع من أضلاعه اليسرى، فلما استيقظ رآها جالسة عند رأسه، فقال لها: من أنت؟ قالت: امرأة، قال: لم خلقت؟ قالت: خلقت لتسكن إلي، فمال إليها وألفها; لأنها خلقت منه1 واختلفوا في أي وقت خلقت حواء فقال كعب الأحبار ووهب بن منبه وابن إسحاق: خلقت حواء قبل دخوله الجنة2 وقال ابن مسعود وابن عباس: إنها خلقت في الجنة بعد دخوله إياها3 {لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا} يعني: واقعها {حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً} يعني: لئن أعطيتنا بشرا سويا مثلنا {لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ} 4 قال المفسرون: لما أهبط آدم وحواء إلى الأرض ألقيت الشهوة في نفس آدم، فأصاب حواء فحملت، فلما ثقل الحمل: أتاها إبليس، فقال: إني أخاف أن يكون الذي في بطنك بهيمة أو كلبا أو خنزيرا، قال: وما يدريك من أين يخرج؟ أمن دبرك أو فيك، أو يشق بطنك فيقتلك، فخافت حواء من ذلك، ثم عاد إليها فقال: إني بمنزلة من الله، فإن دعوت الله أن يجعله خلقا سويا، ويسهل خروجه عليك تسميه عبد الحارث، وكان اسمه لعنه الله في الملائكة الحارث، فذكرت ذلك

1 انظر:"تفسير ابن كثير": (1/458) ، تفسير سورة النساء، و"تفسير الرازي":(9/ 161) ، تفسير سورة النساء أيضا.

2"تفسير ابن الجوزي": (2/ 20)،"تفسير الخازن":(1/ 395) .

3 انظر:"تفسير الطبري": (1/ 1/ 229)، و"تاريخ الطبري":(1/ 103 ، 104)، و"تفسير ابن الجوزي":(2/ 2)، و"تفسير السيوطي":(1/ 127) .

4 سورة الأعراف، الآية:189.

ص: 458

لآدم، فقال: لعله صاحبنا الذي قد علمت، فعاودها إبليس لعنه الله، فلم يزل بهما حتى غرهما، فلما ولدت سمياه عبد الحارث، فعاش1.

عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لما حملت حواء طاف إبليس عليه اللعنة، وكان لا يعيش لها ولد، فقال: سميه عبد الحارث، فسمته عبد الحارث فعاش، وكان من وحي الشيطان وأمره " أخرجه الترمذي2 وقال: حديث حسن غريب.

قوله: "وذلك من وحي الشيطان"، يعني: وسوسته وحديثه. كما جاء أنه خدعهما مرتين مرة في الجنة، ومرة في الأرض3 قال ابن عباس رضي الله عنهما: لما ولد لآدم أول ولد أتاه إبليس فقال: إني أنصح لك في شأن ولدك هذا سمه عبد الحارث - وكان اسمه لعنه الله في السماء الحارث4 فقال آدم: أعوذ بالله من طاعتك، إني أطعتك في أكل الشجرة

1 انظر:"تفسير الطبري": (6/ 9/ 145)، و"تفسير البغوي":(2/ 221)، و"تفسير السيوطي":(3/ 624) ، والرو، الآية عند ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ عن سعيد ابن جبير.

2 [219 ح]"سنن الترمذي": (5/ 267 ، ح 3077) ، كتاب تفسير القرآن، باب ومن سورة الأعراف."مستدرك الحاكم":(2/ 545)،"مسند الإمام أحمد":(5/ 11) . والحديث قال الحاكم فيه: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي، لكنه خالفه في"الميزان":(2/ 179) فقال: صححه الحاكم وهو حديث منكر. وضعفه الألباني كما في"سلسلة الأحاديث الضعيفة": (1/ 348 ، ح 342) . انظر بقية تخريج الحديث في الملحق.

3 انظر:"تفسير البغوي": (2/ 221)، وقد صدر هذا القول بقوله:(وجاء في الحديث) .

4 في كل النسخ كتب: (عبد الحارث) ، والصواب ما أثبته من أصل الرو، الآية.

ص: 459

فأخرجتني من الجنة، فلن أطيعك فمات ولده، ثم ولد له بعد ذلك ولد آخر، فقال: أطعني وإلا مات كما مات الأول فعصاه فمات الولد الثاني، فقال: لا أزال أقتلهم حتى تسميه عبد الحارث، فلم يزل به حتى سماه عبد الحارث، فذلك قوله عز وجل {فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا} 1 قال ابن عباس رضي الله عنهما: أشركه في طاعته في غير عبادة، ولم يشرك بالله، ولكن أطاعه2. وقال قتادة: أشركا في الاسم، ولم يشركا في العبادة3 وقال عكرمة: ما أشرك آدم ولا حواء، وإنما كان لا يعيش لهما ولد فأتاهما الشيطان وقال: إن سركما أن يعيش لكما ولد فسمياه عبد الحارث4.

قرئ: شركا - بكسر الشين والتنوين - ومعناه: شركة، قال أبو عبيدة: حظا ونصيبا5 وقرئ: شركاء - بضم الشين مع المد، جمع شريك، يعني: إبليس. عبر عن الواحد بلفظ الجمع، يعني: جعلا له شريكا إذ سميا ولدهما عبد الحارث6.

1"تفسير الطبري": (6/ 9/ 146- 147)، و"تفسير السيوطي":(3/ 624- 627) .

2 انظر:"تفسير الطبري": (6/ 9/ 146)، وانظر:"تفسير ابن الجوزي": (3/ 302) .

3"تفسير الطبري": (6/ 9/ 147)، وانظر:"تفسير القرطبي": (7/ 338) .

4"تفسير الطبري": (6/ 9/ 146- 147) .

5"تفسير البغوي": (2/ 221) .

6"تفسير البغوي": (2/ 221) . وخلاصة القول: أن آدم وحواء- على فرض صحة الرو، الآية عنهما في ذلك وعلى حسب الظاهر من السياق- قد أخطأ في قبول ما عرضه إبليس عليهما من تشريك غير الله معه، ولربما كان ذلك لعدم علمهما أنه إبليس كما يدل عليه قوله لهما (إني بمنزلة من الله) وقول آدم لحواء لما شكت إليه:(لعله صاحبنا الذي قد علمت)، مع ما ابتليا به من موت الولد وحبهما لبقائه كما جاء في بعض الروايات:(فأدركهما حب الولد) فسمياه عبد الحارث، ثم لما علما أنه إبليس غيرا ذلك الاسم وتابا ويدل على ذلك أنه لم يعلم في التاريخ ولا النصوص أن من أبناء آدم من يقال له: عبد الحارث. وإن كان المراد أن الذم لغير آدم وحواء وإنما كان لبعض نسلهما من بني آدم كما رجحه بعض أهل العلم فلا إشكال، وهذا يأباه سياق ال، الآية. وتحقيق هذه المسألة يحتاج إلى جمع النصوص والحكم عليها والمقارنة بين الصحيح منها وغيره ومحاولة التوفيق والجمع بين ما صح منها.

ص: 460

قال ابن حزم: اتفقوا على تحريم كل اسم معبد لغير الله كعبد عمرو، وعبد الكعبة، وما أشبه ذلك حاشا عبد المطلب.

قال الشيخ - رحمه الله تعالى -: {قال ابن حزم1 اتفقوا على تحريم كل اسم معبد لغير الله كعبد عمرو، وعبد الكعبة، وما أشبه ذلك حاشا عبد المطلب2} يعني: إلا عبد المطلب; لأن لتسمية عبد المطلب3 قصة معروفة، وقد ذكرتها في باب قوله تعالى:{إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} 4 5

_________

1 هو: علي بن أحمد بن سعيد بن حزم، أبو محمد، إمام حافظ فقيه متكلم أديب صاحب تصانيف، كان أجمع أهل الأندلس قاطبة لعلوم الإسلام مما ألفه:"الفصل في الملل والأهواء والنحل"، وكتاب"الرد على كفر المتأولين من المسلمين"، ولد سنة 384 هـ، وتوفي سنة 457 هـ، أو 456 هـ. انظر ترجمته في:"شذرات الذهب": (3/ 299- 300) ،"البد، الآية والنه، الآية": (12/ 99 - 100)،"سير أعلام النبلاء":(18/ 184- 212) .

2 انظر:"مراتب الإجماع"لابن حزم: (ص 154) .

3 فوله: (يعني: إلا عبد المطلب لأن لتسمية عبد المطلب) مثبت في"الأصل"، وقد سقط من بقية النسخ.

4 سورة القصص، الآية:56.

5 انظر: (ص 212) ، وقد أقر النبي صلى الله عليه وسلم هذه التسمية فقد كان من أصحابه عبد المطلب بن ربيعة.

ص: 461

وعن ابن عباس في الآية قال: لما تغشاها آدم حملت فأتاهما إبليس فقال: إني صاحبكما الذي أخرجتكما من الجنة لتطيعني ولأجعلن له قرني أيل فيخرج من بطنك فيشقه ولأفعلن ولأفعلن، يخوفهما - سمياه عبد الحارث، فأبيا أن يطيعاه، فخرج ميتا ثم حملت، فأتاهما فقال مثل قوله فأبيا أن يطيعاه، فخرج ميتا ثم حملت فأتاهما فأدركهما حب الولد فسمياه عبد الحارث فذلك قوله:{جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا} " رواه ابن أبي حاتم.

{وعن ابن عباس في الآية قال:"لما تغشاها آدم حملت1 فأتاهما إبليس فقال: إني صاحبكما الذي أخرجتكما من الجنة لتطيعني2 ولأجعلن له قرني أيل فيخرج من بطنك فيشقه ولأفعلن ولأفعلن3 يخوفهما - سمياه عبد الحارث، فأبيا أن يطيعاه، فخرج ميتا ثم حملت، فأتاهما فقال مثل قوله فأبيا أن يطيعاه، فخرج ميتا ثم حملت فأتاهما4 فأدركهما حب الولد فسمياه عبد الحارث فذلك قوله: {جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا} 5 رواه ابن أبي حاتم6} .

_________

1 كلمة: (حملت) مثبتة في"الأصل"، وقد سقطت من بقية النسخ.

2 في"المؤلفات": (لتطيعاني) ، وهي الموافقة لما في"الأصول".

3 هكذا في"الأصل"و"المؤلفات"، وقد سقطت إحدى الكلمتين من بقية النسخ.

4 كرر هنا في"الأصل"خلافا لبقية النسخ و"المؤلفات"والأصول قوله: (فقال مثل قوله فأبيا أن يطيعاه، فخرج ميتا ثم حملت فأتاهما) ، ولعله سبق نظر من الكاتب.

5 سورة الأعراف، الآية:190.

6"تفسير ابن كثير": (2/ 286)، ولعل الشيخ محمد بن عبد الوهاب قد نقل عنه."تفسير السيوطي":(3/ 624) . وهذا الأثر أصله مأخوذ من أخبار أهل الكتاب. وقد صح فيها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم"، أفاده ابن كثير.

ص: 462

[وله بسند صحيح "عن قتادة قال: أشركا في طاعته، ولم يكن في عبادته"] وله بسند صحيح [عن مجاهد] في قوله: {لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً} قال: أشفقا أن لا يكون إنسانا، وذكر معناه عن الحسن وسعيد وغيرهما.

{ [وله بسند صحيح عن قتادة قال: أشركا في طاعته، ولم يكن في عبادته] 12 وله بسند صحيح [عن مجاهد] 3 في قوله {لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً} قال: أشفقا أن لا يكون إنسانا4 ذكر معناه عن الحسن وسعيد وغيرهما5} انتهى كلامه.

قال العلماء - رحمهم الله تعالى -: ولم يكن ذلك شركا في العبادة، ولا أن الحارث رب لهما لأن آدم عليه السلام كان نبيا معصوما من الشرك6 وإنما أخبر آدم بقوله:{جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا} لأن حسنات الأبرار

_________

1 قوله: (وله بسند صحيح عن قتادة قال: أشركا في طاعته ولم يكن في عبادته) سقط من "الأصل" فأثبته من بقية النسخ و"المؤلفات".

2 "تفسير السيوطي": (3626) .

3 زيادة قوله: (عن مجاهد) في"المؤلفات". وقد سقطت من بقية النسخ.

4 انظر:"تفسير السيوطي": (3/ 626) . وأحاله علي ابن أبي حاتم عن مجاهد.

5 نفس المرجع، وانظر:"تفسير الطبري": (6/ 9/ 144) .

6 انظر:"تفسير البغوي": (2/ 221) .

ص: 463

سيئات المقربين1 ولأن2 منصب النبوة أشرف المناصب وأعلاها فعاتبه الله على ذلك لأنه نظر إلى المسبب، ولم ينظر إلى المسبب والله أعلم بمراده.

وقوله تعالى: {فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} 34 نزه سبحانه وتعالى نفسه عن الإشراك والمشركون5.

1 انظر:"تفسير الفخر الرازي": (15/ 88) . وهذه العبارة غير مسلمة فالحسنات حسنات سواء كانت من الأبرار أو من المقربين، والسيئات كذلك. وقد أورد هذه العبارة الشيخ الألباني في"سلسلة الأحاديث الموضوعة":(1/ 135 ، ح 100)، وقال بعدها: (باطل لا أصل له، وقد أورده الغزالي في"الإحياء": 4/ 44 بلفظ:"قال القائل الصادق: حسنات الأبرار

"قال السبكي: ينظر إن كان حديثا فإن المصنف قال: قال القائل فينظر من أراد، قلت -القائل الألباني-: الظاهر أن الغزالي لم يذكره حديثا ولذلك لم يخرجه الحافظ العراقي في تخريج أحاديث "الإحياء"، وإنما أشار الغزالي إلى أنه من قول أبي سعيد الخراز الصوفي، وقد أخرجه عنه ابن الجوزي في"صفوة الصفوة"وكذا ابن عساكر في ترجمته كما في "الكشف" قال -القائل السبكي-: وعده بعضهم حديثا وليس كذلك) . قلت: -القائل الألباني-: وممن عده حديثا الشيخ أبو الفضل محمد بن محمد الشافعي فإنه قال في كتابه"الظل المورود": (ق 12/ 1) : فقد روي أنه صلى الله عليه وسلم قال: 000 فذكره. ولا يشفع له أنه صدره بصيغة التمريض -إن كانت مقصودة منه- لأن ذلك إنما يفيد فيما كان له أصل ولو ضعيف، وأما فيما لا أصل له كهذا فلا.

2 في النسخ الأخرى: (وأن منصب النبوة) .

3 سورة الأعراف، الآية:190.

4 هذا الجزء هو نه، الآية، الآية الباب، وقد أخر ذكره الشارح رحمه الله إلى ما بعد الأحاديث خلافا للمؤلفات فقد جاء بال، الآية تامة، ثم انتقل إلى الأحاديث.

5 انظر:"تفسير الطبري": (6/ 9/ 149) .

ص: 464

{باب}

{قول الله تعالى: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} 1} يعني: ادعوا الله بأسمائه [الحسنى] 2 التي سمى بها نفسه أو سماه بها رسوله كما أنه لا يدعى غيره فلا يدعى إلا بأسمائه.

وفيه دليل على أن أسماء الله توقيفية لا اصطلاحية، ومما يدل على صحة هذا القول ويؤكده: أنه يجوز أن يقال: يا جواد، ولا يجوز أن يقال: يا سخي، ويجوز أن يقال: يا عالم، ولا يجوز أن يقال: يا عاقل، ويجوز أن يقال: يا حكيم، ولا يجوز أن يقال: يا طبيب3.

والأسماء الحسنى ليست إلا لله، وهي محصورة في نوعين:

أحدهما: عدم افتقاره إلى غيره.

والثاني: افتقار غيره إليه.

وعند الغزالي والباقلاني4 يجوز إطلاق ما لم يرد عليه نص إذا

_________

1 في"المؤلفات"وقف في ذكر ال، الآية إلى هنا ولم يتمها.

2 كلمة: (الحسنى) سقطت من"الأصل"، وقد أثبتها من بقية النسخ.

3 انظر:"تفسير البغوي": (2/ 218) .

4 هو: محمد بن الطيب بن محمد بن جعفر بن القاسم الباقلاني -أبو بكر- متكلم، صنف في الرد على الرافضة والمعتزلة والخوارج والجهمية والكرامية، وقد كان سيفا على المعتزلة والرافضة والمشبهة، مات سنة 403 هـ في ذي القعدة. انظر ترجمته في:"وفيات الأعيان": (4/ 269- 270)،"العبر":(2/ 207)،"سير أعلام النبلاء":(17/190) .

ص: 465

لاق به سبحانه وتعالى1.

وسبب نزول الآية: قال مقاتل: إن رجلا دعا الله في صلاته، ودعا الرحمن فقال بعض مشركي مكة - قال ابن الجوزي: هو أبو جهل - قال2 إن محمدا وأصحابه يزعمون أنهم يعبدون ربا واحدا، فما بال هذا يدعو اثنين، فأنزل الله هذه الآية:{وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} 3

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن لله تسعة وتسعين اسما من حفظها دخل الجنة، والله وتر يحب الوتر " 4 وفي رواية الترمذي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن لله تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة، هو الله الذي لا إله إلا هو، الرحمن، الرحيم،

1 انظر التفصيل في ذلك في:"لوامع الأنوار البهية": (1/ 125) فقد أجازه الباقلاني وفصل فيه الغزالي فأجاز إطلاق الصفة وهي ما دل على معنى زائد على الذات، ومنع إطلاق الاسم وهو ما يدل على نفس الذات. وتوقف الجويني فقال: ما ورد الشرع بإطلاقه في أسماء الله وصفاته أطلقناه، وما منع الشرع من إطلاق منعناه، وما لم يرد فيه إذن ولا منع لم نقض فيه بتحليل ولا تحريم. انظر: كتاب"الإرشاد": (ص 136- 137) .

2 كلمة: (قال) سقطت من"ر"0.

3"تفسير البغوي": (2/ 217)، و"تفسير ابن الجوزي":(3/ 292) .

4 [220 ح]"صحيح البخاري مع الفتح": (11/ 214 ، ح 3410) ، كتاب الدعوات، باب لله مائة اسم غير واحد وزاد فيه:"مائة إلا واحدا"."صحيح مسلم مع شرح النووي": (17/ 7- 8 ، ح 5/ 2677) ، كتاب الذكر والدعاء والتوبة، باب 2 ، بلفظ:"لله تسعة وتسعون

"الحديث. انظر بقية تخريج الحديث في الملحق.

ص: 466

الملك، القدوس، السلام، المؤمن، المهيمن، العزيز، الجبار، المتكبر، الخالق، الباري، المصور، الغفار، القهار، الوهاب، الرزاق، الفتاح، العليم، القابض، الباسط، الخافض، الرافع، المعز، المذل، السميع، البصير، الحكم، العدل، اللطيف، الخبير، الحليم، العظيم، الغفور، الشكور، العلي، الكبير، الحفيظ، المقيت، الحسيب، الجليل، الكريم، الرقيب، المجيب، الواسع، الحكيم، الودود، المجيد، الباعث، الشهيد، الحق، الوكيل، القوي، المتين، المحصي، المبدي، المعيد، المحيي، المميت، الحي القيوم، الواجد، الماجد، الواحد، الأحد، الصمد، القادر، المقتدر، المقدم، المؤخر، الأول، الآخر، الظاهر، الباطن، الولي، المتعالي، البر، التواب، المنتقم، العفو، الرءوف، مالك الملك، ذو الجلال والإكرام، المقسط، الجامع، الغني، المغني، [المانع، المعطي، الضار، النافع] 1 النور، الهادي، البديع، الباقي، الوارث، الرشيد، الصبور " 2.

1 في"الأصل"خلط الناسخ في الترتيب فقال: (المانع، الضار، المعطي، النافع) ، والصواب ما أثبته من بقية النسخ.

2 [221 ح]"سنن الترمذي": (5/ 530- 531 ، ح 3507) ، كتاب الدعوات، باب 83."صحيح ابن حبان":"الإحسان": (2/ 88- 89 ، ح 805) ."مستدرك الحاكم": (1/ 16 ، 17) . والرو، الآية أيضا عن أبي هريرة رضي الله عنه. والحديث قال فيه الترمذي: حديث غريب ولا نعلم في كثير شيء من الروايات له إسناد صحيح ذكر الأسماء إلا في هذا الحديث. وقال ابن حجر في"بلوغ المرام"(ص 346) : (التحقيق أن سردها إدراج من بعض الرواة) . وقال الصنعاني في"سبل السلام"(4/ 208) : (اتفق الحفاظ من أهل الحديث أن سردها إدراج من بعض الرواة) . انظر بقية تخريج هذه الرو، الآية والحكم عليها في الملحق.

ص: 467

قال الشيخ محيي الدين النووي - رحمه الله تعالى-: (اتفق العلماء على أن هذا الحديث ليس فيه حصر أسمائه سبحانه وتعالى، وليس معناه أنه ليس له أسماء1 غير هذه التسعة والتسعين، وإنما المقصود من الحديث أن هذه التسعة والتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة، فالمراد الإخبار عن الدخول الجنة بإحصائها، لا [الإخبار] 2 بحصر الأسماء، ولهذا جاء في الحديث الآخر:" أسألك بكل اسم سميت به نفسك أو استأثرت به في علم الغيب عندك "34.

وقد ذكر الحافظ أبو بكر بن العربي المالكي5 عن بعضهم: أن لله

1 هذا في"الأصل"، وفي بقية النسخ:(ليس له اسم) .

2 في"الأصل": (لأخبار) ، وقد صححت من بقية النسخ.

3 [222 ح]"مسند الإمام أحمد": (1/ 391)،"صحيح ابن حبان":(الإحسان) : (2/ 159- 160 ، ح 968)،"مستدرك الحاكم":(1/ 509) . والحديث من رو، الآية عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. والحديث قال فيه الحاكم: حديث صحيح على شرط مسلم إن سلم من إرسال عبد الرحمن بن عبد الله عن أبيه، فإنه مختلف في سماعه من أبيه. ووافقه الذهبي على ذلك وزاد (وأبو سلمة لا يدري من هو ولا رو، الآية له في الكتب الستة) . وقال الهيثمي: رجال أحمد وأبي يعلى رجال الصحيح غير أبي سلمة الجهني، وقد وثقه ابن حبان. وصححه الشيخ الألباني في"سلسلة الأحاديث الصحيحة":(1/ 336- 338 ، ح 199) . انظر بقية التخريج في الملحق.

4"شرح النووي على صحيح مسلم": (17/ 8) ، كتاب الذكر والدعاء، باب في أسماء الله تعالى.

5 هو: العلامة الحافظ القاضي، أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد الإشبيلي، صنف في الحديث والفقه والأصول وعلوم القرآن والأدب والنحو ومن كتبه:"أحكام القرآن"، و"الأمل الأقصى بأسماء الله الحسنى"، وكان قد تخرج بأبي حامد الغزالي وبأبي زكريا التبريزي، ولد سنة 468 هـ، ومات سنة 543 هـ. انظر ترجمته في: تذكرة الحفاظ": (4/1294- 1298) ،"وفيات الأعيان": (4/296- 297) ،"طبقات المفسرين"للداودي: (2/ 167- 171) .

ص: 468

وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ

ألف اسم، قال ابن العربي: وهذا قليل1 وقوله صلى الله عليه وسلم "من أحصاها دخل الجنة"2 معناه: من حفظها، يعضده الرواية الأخرى:"من حفظها"، وقيل: المراد من الإحصاء العدد، أي3 عدها في الدعاء بها، وقيل غير ذلك4. وقوله:"والله وتر يحب الوتر"5 الوتر: الواحد، ومعناه في وصف الله تعالى: أنه الواحد لا شريك له ولا نظير6.

واعلم أن للدعاء شروطا: منها أن يعرف الداعي معاني الأسماء التي يدعو بها، ويستحضر في قلبه عظمة المدعو، وهو الله عز وجل ويخلص النية في دعائه مع كثرة التعظيم والتبجيل والتقديس لله تعالى، ويعزم على المسألة مع رجاء الإجابة، ويعترف لله عز وجل بالربوبية، وعلى نفسه بالعبودية، فإذا فعل العبد ذلك عظم موقع الدعاء، وكان له أثرا عظيما.

وقوله تعالى: {وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ} 7 الإلحاد في اللغة:

_________

1 نفس المرجع السابق: (17/ 8) . وانظر لكلام ابن العربي في"عارضة الأحوذي شرح سنن الترمذي": (10/ 281) ، كتاب الأسماء، باب ما جاء في أسماء النبي صلى الله عليه وسلم.

2 البخاري: الشروط (2736)، ومسلم: الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (2677)، والترمذي: الدعوات (3506)، وابن ماجه: الدعاء (3860) ، وأحمد (2/258 ،2/267) .

3 سقطت كلمة: (أي) من"ر"، وهي مثبتة في بقية النسخ.

4 انظر:"المرجع السابق": (17/ 8) .

5 البخاري: الدعوات (6410)، ومسلم: الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (2677) ، وأحمد (2/277 ،2/290)، والدارمي: الصلاة (1580) .

6 المرجع نفسه: (17/ 9) .

7 في "المؤلفات" توقف في الآية إلى هنا، وقال بعده:(ذكر ابن أبي حاتم عن ابن عباس {يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ} يشركون،، وعنه سموا اللات من الإله، والعزى من العزيز، وعن الأعمش: يدخلون فيها ما ليس منها) وقد سقط ذكر هذا من كل النسخ.

ص: 469

] ذكر ابن أبي حاتم عن ابن عباس {يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ} . يشركون، وعنه: سموا اللات من الإله والعزى من العزيز. وعن الأعمش يدخلون فيها ما ليس منها] .

الميل عن القصد، والعدل عن الاستقامة، وقال ابن السكيت1 الملحد: العادل عن الحق المدخل فيه ما ليس فيه، يقال: ألحد في الدين إذا عدل عنه ومال إلى غيره2 وقال أهل المعاني: الإلحاد في أسماء الله: تسميته بما لم يسم به نفسه، ولم يرد فيه نص من كتاب ولا سنة لأن أسماء الله تعالى3 توقيفية كما تقدم4 فلا يجوز فيها غير ما ورد في الشرع، بل يدعى الله بأسمائه التي وردت في الكتاب والسنة على وجه التعظيم، ويراعي الداعي حسن الآداب، فلا يجوز أن يقال: يا ضار، {سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} 5

_________

1 هو: يعقوب بن إسحاق أبو يوسف ابن السكيت إمام في اللغة والأدب، أصله من خوزستان بين البصرة وفارس. وله عدة كتب منها:"الألفاظ"، و"غريب القرآن"، ولد سنة 186 هـ، وتوفي سنة انظر ترجمته في:"وفيات الأعيان": (6/ 395- 401)،"سير أعلام النبلاء":(12/ 16- 19)،"الأعلام":(8/ 195) .

2 انظر:"لسان العرب": (3/ 388)، مادة:(لحد) .

3 قوله: (تسميته بما لم يسم به نفسه ولم يرد فيه نص من كتاب ولا سنة لأن أسماء الله تعالى) في"الأصل"، وقد سقط من بقية النسخ، ولعله قد سبق نظر الكاتب الأولى إلى قوله:(أسماء الله) الثانية وتبعه من نقل عنه.

4 انظر: (ص 465) في أول هذا الباب.

5 سورة الأعراف، الآية:180.

ص: 470

باب لا يقال السلام على الله

في"الصحيح" عن "أبي مسعود رضي الله عنهقال: كنا إذا كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة قلنا: السلام على الله من عباده، السلام على فلان وفلان

يا مانع، يا خالق [القردة] 1 على الانفراد، بل يجوز أن يقال: يا ضار يا نافع، يا معطي يا مانع، يا خالق الخلق2. وقوله تعالى:{سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} 3 يعني: في الآخرة، ففيه تهديد ووعيد لمن ألحد في أسماء الله عز وجل4 والله أعلم.

{باب لا يقال السلام على الله}

{في"الصحيح" عن} عبد الله {بن مسعود رضي الله عنه قال: كنا إذا كنا5 مع النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة قلنا: السلام على الله من عباده، السلام على فلان وفلان} وفي رواية أخرى:" السلام على جبريل، السلام على ميكائيل، السلام على فلان "6 فلما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم أقبل علينا

_________

1 في"الأصل": (القدرة) ، وهو تصحيف ظاهر، وقد صححته من بقية النسخ، وهو المناسب للسياق.

2 انظر:"تفسير البغوي": (2/ 218)، و"تفسير الرازي":(15/ 71- 72) .

3 سورة الأعراف، الآية:180.

4 انظر:"تفسير الرازي": (15/ 72) .

5 قوله: (كنا إذا كنا) سقط من"ر"، وهو مثبت في النسخ الأخرى وأصل الحديث.

6"سنن ابن ماجه": (1/ 290 ، ح 899) ، كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما جاء في التشهد."سنن النسائي":(2/ 240 ، ح 1168 ، 1169) ، كتاب التطبيق، باب كيف التشهد الأول. والحديث عن ابن مسعود رضي الله عنه. والحديث صححه الألباني كما في"صحيح سنن ابن ماجه":(1/ 148 ، ح 733)، و"صحيح سنن النسائي":(1/ 251 ، ح 1118) .

ص: 471

قال: لا تقولوا السلام على الله، فإن الله عز وجل هو السلام "

بوجهه قال1 "لا تقولوا السلام على الله، فإن الله عز وجل هو السلام " 2 تمامه:" ولكن قولوا التحيات لله والصلوات الطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فإنكم إذا قلتم ذلك أصاب كل عبد صالح في السماء، أو بين السماء والأرض - أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله - ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو ".3

وفي رواية لمسلم: " ثم ليتخير من المسألة ما شاء "4.

_________

1 في"المؤلفات": (فقال النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو الموافق لأصل الحديث في"صحيح البخاري".

2 قوله: عز وجل سقط من"ر"و"المؤلفات".

3 [223 ح]"صحيح البخاري مع الفتح": (2/ 320 ، ح 835) ، كتاب الأذان، باب 150 وهو بلفظه."صحيح مسلم مع شرح النووي:(4/ 360 ، ح 58/ 402) ، كتاب الصلاة، باب التشهد في الصلاة. انظر بقية التخريج في الملحق.

4 انظر:"صحيح مسلم مع شرح النووي"بنفس الموضع السابق: (ح 56/ 402) .

ص: 472

‌باب لا يقال السلام على الله

بين النبي صلى الله عليه وسلم أن السلام من أسماء الله تعالى، ومعناه: السلامة من النقائص والآفات التي تلحق الخلق، والسلام تحية لا تصلح1 لله تبارك وتعالى، وبين صلى الله عليه وسلم التحية2 التي تصلح لله عز وجل بقوله:" ولكن قولوا التحيات لله والصلوات والطيبات ".

عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم3 لم يقعد إلا مقدار ما يقول: " اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام " أخرجه مسلم والترمذي4.

قال الملا علي قاري5 قال ابن الجزري67 في"التصحيح": وأما

1 قوله: (والآفات التي تلحق الخلق، والسلام تحية لا تصلح) سقط من"ر"، وهو مثبت في بقية النسخ.

2 هذا في"الأصل"، وفي بقية النسخ:(التحيات) بالجمع.

3 قوله: (إذا سلم) سقطت من"ر".

4 [224 ح]"صحيح مسلم مع شرح النووي": (5/ 94 ، ح 136/ 592) ، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب الذكر بعد الصلاة. و"سنن الترمذي":(2/ 95- 96 ، ح 298 ، 299) ، أبواب الصلاة، باب ما يقول إذا سلم. انظر بقية تخريج الحديث في الملحق.

5 هو: علي بن محمد سلطان الهروي -المعروف بالقاري الحنفي- أقام بمكة وأخذ من علمائها كأبي الحسن البكري وابن حجر الهيتمي، وشرح"الفقه الأكبر"المنسوب لأبي حنيفة، وشرح"رسالة ألفاظ الكفر"للبدر الرشيد، وقد شنع عليه بعض علماء زمانه في مسائل منها: مسألة والدي رسول الله صلى الله عليه وسلم والحكم بكفرهما، توفي سنة 1014 هـ. انظر ترجمته في:"خلاصة الأثر": (3/ 185- 186)،"البدر الطالع":(1/ 445- 446)،"معجم المؤلفين":(7/ 100) .

6 في"ع"و"ش": (ابن الجوزي) وهو تصحيف.

7 هو: محمد بن محمد العمري الدمشقي ثم الشيرازي الشافعي شمس الدين- يعرف بابن الجزري- كان مقرنا مفسرا محدثا نحويا فقيها، مما صنفه قديما:"الحصن الحصين في الأدعية"و"عدة الحصن الحصين"و"التعريف بالمولد الشريف"، و"أسنى المناقب في فضل علي بن أبي طالب". قال ابن العماد: سمعت بعض العلماء يتهمه بالمجازفة في القول، وأما الحديث فما أظن ذلك به

قال: ولم يكن محمود السيرة في القضاء، ولد في دمشق في 25 من شهر رمضان سعة 751 هـ، وتوفي بشيراز في ربيع الأول سنة 833 هـ. انظر ترجمته في:"شذرات الذهب": (7/ 204- 206)،"البدر الطالع":(2/ 257- 259)،"معجم المؤلفين":(11/ 291- 292) .

ص: 273