الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب لا يستشفع بالله تعالى على خلقه
عن جبير بن مطعم قال: " جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، نهكت الأنفس، وجاع العيال، وهلكت الأموال، فاستسق لنا ربك
{باب لا يستشفع بالله تعالى على خلقه
عن جبير بن مطعم1 قال: رضي الله عنه {قال: جاء أعرابي} رجل من أهل2 البادية {إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، نهكت} أي: ضعفت، وفي رواية: جهدت3 {الأنفس، وجاع العيال} من قلة القوت {وهلكت الأموال} وفي رواية:" نهكت الأنعام "4 بسبب انقطاع الغيث {فاستسق لنا ربك} يعني: اسأله لنا أن يسقينا، هو لغة: طلب السقيا، وشرعا: طلب سقيا العباد من الله تعالى عند حاجتهم إليها.
_________
1 هو: جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل أبو محمد، ويقال: أبو عدي القرشي، كان من حلماء قريش وسادتهم، وأبوه هو الذي أجار النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم من الطائف بعد دعوته ثقيفا إلى الإسلام، وأحد الذين قاموا في نقض الصحيفة التي كتبتها قريش على بني هاشم وبني المطلب، أسلم جبير بين الحديبية والفتح، وقيل: في الفتح، وتوفي في عهد معاوية سنة 57هـ، او 58هـ، أو 59هـ. انظر ترجمته في:"أسد الغابة": (1/323 - 324)،"تهذيب التهذيب":(2/63 - 64)،"الإصابة":(2/65 - 66) .
2 هذا في"الأصل"، وفي بقية النسخ:(رجل من البادية) .
3 رو، الآية:"جهدت"في"سنن أبي داود"، وسيأتي ذكر موضعها في نه، الآية الحديث:(ص 556) حاشية (3) .
4 الروايات التي ذكرت الأنعام ذكر فيها"هلكت أو جهدت الأنعام"، وأما "نهكت" فاستعملت مع الأموال ومع الأنفس في ألفاظ الحديث التي وقفت عليها.
فإنا نستشفع بالله عليك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم سبحان الله، فما زال يسبح، حتى عرف ذلك في وجوه أصحابه، ثم قال: ويحك، أتدري ما الله؟ إن شأن الله تعالى أعظم من ذلك، إنه لا يستشفع بالله على أحد " وذكر الحديث. رواه أبو داود.
وهو ثلاثة أنواع: أدناها: أن يكون بالدعاء، وأوسطها بالدعاء1 خلف الصلاة، وفي خطبة الجمعة ونحوها، وأكملها أن يكون بصلاة وخطبة.
{فإنا نستشفع بالله عليك} أي: نتوسل2 بالله عليك، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا [وبك على الله] أي: بدعائك إلى الله تعالى [فقال النبي صلى الله عليه وسلم سبحان الله، فما زال يسبح} يعني: يكرر التسبيح {حتى عرف ذلك} الغيار {في وجوه أصحابه} الحاضرين {ثم قال: ويحك} كلمة زجر كويلك {أتدري ما الله؟} أي: ما عظمة الله تعالى {إن شأن الله تعالى أعظم من ذلك، إنه لا يستشفع بالله على أحد
…
وذكر الحديث} وتمامه إن عرشه على سماواته كهذا قال بأصابعه مثل القبة عليه، وإنه ليئط به أطيط الرجل بالراكب" {رواه أبو داود3} .
_________
1 كلمة: (بالدعاء) سقطت من"ش".
2 قوله: (بالله عليك، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، "وبك على الله" أي: نتوسل) سقط من"ر".
3 [291 ح]"سنن أبي داود": (5/94 - 95 ، ح 4726) ، كتاب السنة، باب في الجهمية. كتاب"الرد على الجهمية"للدارمي:(ص 24) . كتاب "السنة" لابن أبي عاصم: (1/252 ، ح 575) . والحديث قال الذهبي عنه في "العلو"(ص 39) : هذا حديث غريب جدا فرد، وابن إسحاق حجة في المغازي إذا أسعد، وله مناكير وعجائب فالله أعلم أقال النبي صلى الله عليه وسلم هذا أم لا) . وضعفه الألباني كما في "ضعيف سنن أبي داود":(ص 470، ح 1017)، و"ظلال الجنة في تخريج السنة":(ص 252-253، ح 575) . انظر بقية تخريج الحديث في الملحق.
قوله: سبحان الله هو من الأسماء التي لا تستعمل إلا مضافة أبدا وهو علم للتسبيح كعثمان للرجل، وهو لا ينصرف كونه علما، ويكون لأحد معنيين: إما للتنزيه وإما التعجب، وهو هنا للتنزيه، وانتصابه بفعل مضمرة، تقديره أسبح الله سبحان1 ثم نزل منزلة الفعل وسد مسده ودل على التنزيه البليغ من [جميع] 2 القبائح التي تضيفها إليه أعداؤه.
قال طلحة بن عبيد الله3 رضي الله عنه سألت [رسول الله] 4 صلى الله عليه وسلم عن تفسير سبحان الله، فقال: تنزيه الله تعالى عن كل سوء ".5
1 في"الأصل": (سبحان)، وفي بقية النسخ:(سبحانه) .
2 صحفت ف ي"الأصل" إلى: (جهة) ، والصواب ما أثبته من بقية النسخ.
3 هو: طلحة بن عبيد الله بن عثمان أبو محمد القرشي التيمي المكي، الصحابي الجليل وأحد العشرة المشهود لهم بالجنة وكان ممن سبق إلى الإسلام وابتلي على إسلامه، كان ممن وقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه يوم أُحد واتقى عنه النبل بيده حتى شلت أصبعه وضرب على رأسه، توفي سنة 36 هـ. انظر ترجمته في:"حلية الأولياء": (1/ 87-88)،"أسد الغابة":(2/ 467- 471)، "الإصابة":(5/ 232- 233) .
4 في"الأصل": (سألت النبي) ، وما أثبته اتفقت عليه النسخ الأخرى وهو الموافق لأصل الحديث.
5 "المستدرك على الصحيحين": (1/ 502)، كتاب الدعاء. والحديث قال فيه الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
قال ابن حجر1 في "فتح الباري" معناه: تنزيه الله عما لا يليق به2 من كل نقص فيلزم نفي3 الشريك والصاحب والولد وجميع الرذائل4.
وإنكاره صلى الله عليه وسلم قول الأعرابي (فإنا نستشفع بالله عليك) لأن الشافع يسأل المشفوع إليه، والعبد يسأل ربه ويشفع إليه، والرب تعالى وتقدس لا يسأل عبده، ولا يشفع إليه، ومثله أتوجه بالله عليك فإنه لا يجوز، ولم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم قوله:(وبك على الله) فإنه جائز بل يستحب الاستسقاء به في حياته بخلافه بعد موته5 لأن عمر رضي الله عنه لم يستسق به بعد موته، بل بعمه العباس رضي الله عنه بواسطة دعائه كما صح في البخاري6.
1 هو: أحمد بن علي بن محمد الكناني العسقلاني، أبو الفضل شهاب الدين ابن حجر من أئمة العلم والتاريخ، أصله من عسقلان (بفلسطين) ، رحل إلى اليمن وغيرها لسماع الشيوخ وأصبح حافظ الإسلام في عصره، من أعظم مؤلفاته عند الناس وعنده كتابه"فتح الباري"، وُلد سنة 773 هـ، وتوفي سنة 852 هـ. انظر ترجمته في:"البدر الطالع": (1/ 87- 92)،"معجم المؤلفين":(2/ 20- 22)، "الضوء اللامع":(2/ 36- 40)، "شذرات الذهب":(7/ 270- 272) .
2 كلمة: (به) سقطت من "ر"، وهي ثابتة في بقية النسخ كما هو في "الفتح".
3 هذا في "الأصل"، وهو الموافق لما في "الفتح"، وقد سقطت كلمة:(نفى) من النسخ الأخرى.
4 انظر:"فتح الباري على صحيح البخاري": (11/ 206) ، كتاب الدعوات، باب فضل التسبيح.
5 ويعني بالاستسقاء به، أي: بدعائه كما دلت عليه الدلائل كمجيء الأعرابي الذي اشتكى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قلة الأمطار وهلاك الأموال وجياع العيال، كما تقدم الحديث في ذلك:(ص 555) في أول الباب، حيث طلب من النبي صلى الله عليه وسلم الدعاء، وكما استسقى عمر بالعباس عم النبي صلى الله عليه وسلم بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم حيث طلب فيه الدعاء، وكما استسقى معاوية بيزيد بن الأسود، كما سيأتي ذكره هنا.
6 والحديث في ذلك أن أنس بن مالك رضي الله عنه روى أن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب فقال: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا صلى الله عليه وسلم فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا قال: فيسقون. والحديث في "صحيح البخاري"، انظره: مع"الفتح": (2/ 494، ح 1010) ، كتاب الاستسقاء، باب سؤال الناس الإمام الاستسقاء إذا قحطوا. وانظر:"طبقات ابن سعد": (4/ 28- 29) .
ويستحب أن يستسقى بأهل الفضل والصلاح، وإذا كان من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أولى وأحسن.
يروى أن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما استسقى بيزيد1 ابن الأسود الجرشي2 وقال: اللهم إنا نستشفع إليك بخيارنا، وقال: يا يزيد، ارفع يديك إلى الله، فرفع يديه ودعا ودعوا فسقوا3 ولم يشرع الاستسقاء بالميت والغائب.
1 في "الأصل" و"ع": (يزيد)، وفي "ر" و"ش":(بديد)، والصواب الذي أثبته تصحيحا من المصادر الحديثية:(بيزيد بن الأسود) .
2 هو: يزيد بن الأسود الجرشي أبو الأسود، كان من سادة التابعين بالشام، أسلم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وكان من العباد، استسقى به معاوية بن أبي سفيان- رضي الله عنه فقال له: قم يا بكاء، وحديثه في ذلك كما هو هنا، ذكر ابن منده أن منهم من عده من الصحابة ولم يثبت. انظر ترجمته في:"الإصابة": (10/ 382- 383)،"طبقات ابن سعد":(7/ 444)،"سير أعلام النبلاء":(4/ 136- 137) .
3 [17 ث]"طبقات ابن سعد": (7/ 444) ."المعرفة والتاريخ"للفسوي: (2/ 380- 381)، "تاريخ دمشق" لابن عساكر:(18/ 122)، والأثر عن التابعي سليم بن عامر الخبائري. والأثر صححه الألباني كما في كتابه"التوسل: أنواعه وأحكامه". انظر: (ص 45) . انظر بقية تخريج الأثر في الملحق.