الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب ما جاء في الرياء
{وقول الله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ} قال ابن عباس رضي الله عنهما: "علم الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم التواضع لئلا يزهو على خلقه، فأمره أن يقر فيقول: إني آدمي مثلكم إلا أنني خصصت بالوحي، فأكرمني الله به"1 {إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} لا شريك له في ملكه وألوهيته {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ} أي: يخاف المصير إليه، وقيل: يؤمل رؤية ربه، فالرجاء هنا بمعنى الخوف والأمل جميعا.2 قال الشاعر:
[فلا] كل ما [ترجو] من الخير كائن
…
ولا كل ما [ترجو] ، من الشر واقع3
فجمع بين المعنيين.
وقوله {فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً} أي: من حصل له رجاء لقاء الله والمصير إليه فليستعمل نفسه بالعمل الصالح {وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً} 4 أي: لا يرائي بعمله، ولما كان العمل الصالح قد يراد به وجه الله تعالى، وقد
_________
1"تفسير البغوي": (3 / 187)، و"تفسير ابن الجوزي":(5 / 202) .
2"تفسير البغوي": (3 / 187) .
3 انظر: نفس المصدر: (3 / 187) ، وقد صححت ما بين القوسين منه.
4 سورة الكهف، الآية:110.
عن أبي هريرة- رضي الله عنه مرفوعًا قال الله تعالى: "أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك فيه غيري تركته وشركه " رواه مسلم.
يراد به الرياء والسمعة، اعتبر فيه قيدان، أحدهما: أن يراد به الله تعالى.
والثاني: أن يكون مبرءا من جهة الشرك جميعا.1
عن جندب بن عبد الله البجلي- رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم " من سمع سمع الله به، ومن يرائي يرائي الله به " أي: شهره الله يوم القيامة، أخرجاه.2
ولغير مسلم:"فأنا منه بريء، هو للذي عمله5"قال الكلبي6 في
_________
1 انظر:"تفسير الفخر الرازي": (21 / 177) .
2 [180 ح]"صحيح البخاري مع الفتح": (11 / 335- 336، ح 6499) ، كتاب الرقاق، باب الرياء والسمعة. و"صحيح مسلم مع شرح النووي":(18 / 326، ح 48 / 2987) ، كتاب الزهد، باب من أشرك في عمله غير الله (تحريم الرياء) . انظر بقية تخريجه في الملحق.
3 في"المؤلفات": (أشرك معي فيه)، وفي"صحيح مسلم":(أشرك فيه معي) .
4 [181 ح]"صحيح مسلم مع شرح النووي": (18 / 326، ح 46 / 2985) ، كتاب الزهد، باب من أشرك في عمله غير الله (تحريم الرياء) . وهو كذلك في"سنن ابن ماجه":(2 / 1405، ح 4202) ، كتاب الزهد، باب في الرياء والسمعة. انظر بقية التخريج في الملحق.
5 انظر:"سنن ابن ماجه"، وقد تقدم ذكر موضعه منه.
6 هو: محمد بن السائب بن بشر الكلبي- أبو النضر- المفسر، وكان- أيضا- رأسا في الأنساب، قال الذهبي: إلا أنه شيعي متروك الحديث. وقال ابن خلكان: كان من أصحاب عبد الله بن سبأ، يقول بأن علي ابن أبي طالب لم يمت، وإنه راجع إلى الدنيا، مات سنة 146 هـ. انظر ترجمته في:"سير أعلام النبلاء": (6 / 248)،"وفيات الأعيان":(4 / 309- 311)،"تهذيب التهذيب":(9 / 178- 181) .
قوله تعالى: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} 1 يعني: بالرياء والسمعة؟ لأن الله تعالى لا يقبل من الأعمال إلا ما كان خالصا لوجهه الكريم،2 وقال الفضيل:(ترك العمل لأجل الناس رياء، والعمل لأجل الناس شرك، والإخلاص أن يعافيك الله منهما)3.
عن أنس بن مالك- رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " قال ربكم: أنا أهل أن أتقى فلا يجعل معي إله، فمن اتقى أن يجعل معي إلها، فأنا أهل أن أغفر له " متفق عليه.4
1 سورة محمد، الآية:33.
2"تفسير البغوي": (4 / 47) .
3"شعب الإيمان"للبيهقي: (5/ 347 ح 6879)"حلية الأولياء": (8/ 95)"الأذكار"للنوي: (ص7) و"الكبائر"للذهبي: (ص11) .
4 [182 ح] لم أجد هذا الحديث في"صحيح البخاري"ولا في"صحيح مسلم"، ويدل عليه كلام العلماء الآتي. والحديث في"سنن الترمذي":(5 / 340، ح 3328) ، كتاب تفسير القرآن، باب من سورة المدثر. و"سنن ابن ماجه":(2 / 1437، ح 4299) ، كتاب الزهد، باب ما يرجى من رحمة الله يوم القيامة. والحديث قال فيه الترمذي: هذا حديث غريب، وسهيل ليس بالقوي في الحديث، قد تفرد بهذا الحديث عن ثابت. وقال الحاكم في"المستدرك" (2 / 508) : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وقال الألباني في"طلال الجنة على كتاب السنة"(2 / 469، ح 969) : حديث حسن. وإسناده ضعيف، قال: وإنما حسنته لشاهد له. انظر بقية تخريج الحديث في الملحق.
وعن أبي سعيد مرفوعًا: " ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدجال؟ قالوا: بلى [يا رسول الله] ، قال: الشرك الخفي: يقوم الرجل فيصلي فيزين صلاته لما يرى من نظر الرجل " رواه أحمد.
{وعن أبي سعيد} الخدري- رضي الله عنه {مرفوعًا: " ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدجال؟ قالوا: بلى، 1 قال: الشرك الخفي: يقوم الرجل 2 فيصلي فيزين صلاته لما يرى من نظر الرجل " رواه أحمد} .3
قوله:"فيزين صلاته" يعني: بتطويلها، وزيادة الخشوع فيها، ليعتقد فيه من يراه أنه من أهل الدين والصلاح، وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر، قالوا: وما الشرك الأصغر؟ قال: الرياء"4
_________
1 في"المؤلفات": (بلى يا رسول الله) ، والمثبت هو الموافق لأصل الحديث في"المسند".
2 في"المؤلفات": (من نظر رجل) ، وهو الموافق لما في"سنن ابن ماجه".
3"مسند الإمام أحمد": (3 / 30)، وفيه:"أن يقوم الرجل يعمل لمكان رجل". وانظر:"سنن ابن ماجه": (2 / 1406، ح 4204) ، كتاب الزهد، باب 21. والحديث حسنه الألباني. انظر:"صحيح الترغيب والترهيب": (1 / 89، ح 27) . و"تخريج مشكاة المصابيح": (3 / 1466، ح 5333)، و"صحيح سنن ابن ماجه":(2 / 410، ح 3389) . وحسن إسناده البوصيري في"مصباح الزجاجة": (4 / 237) ، باب الرياء، من كتاب الزهد.
4 تقدم تخريجه (ص 92) ، وانظر لزيادة تخريجه في الملحق [48 ح] .
واعلم أن الرياء بأصل الإيمان أغلظ أبواب الرياء، وصاحبه مخلد في النار، وهو الذي يظهر الإسلام، ويبطن التكذيب، وهو النفاق الأكبر. والدرجة الثانية: أن يكون مصدقا بالله، ولكنه يرائي بالصلاة والزكاة والصوم، فهذا دون الأول. الدرجة الثالثة: الذي يرائي بالنوافل والسنن، ورد في الحديث:"أن أدنى الشرك أن تحب على شيء من الجور أو تبغض على شيء من العدل، وهل الدين إلا الحب في الله والبغض في الله"1
خاتمة فيما يذهبه:
عن أبي بكر الصديق- رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الشرك فيكم يعني: أيها الأمة أخفى من دبيب النمل، وسأدلك على شيء إذا فعلته أذهب عنك صغار الشرك وكباره، تقول: اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم، تقولها ثلاث مرات "2
1 [183 ح]"مستدرك الحاكم": (2 / 291) كتاب التفسير."تفسير ابن كثير": (1 / 366)،"حلية الأولياء"لأبي نعيم:(8 / 368) . والحديث عن عائشة- رضي الله عنها. والحديث قال فيه الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، وقال: عبد الأعلى قال الدارقطني: ليس بثقة. وقال ابن الجوزي في"العلل المتناهية"(2 / 823، ح 1378) : لا يصح. وضعفه الألباني كما في"ضعيف الجامع": (ص 502، ح 3432) . انظر بقية تخريج الحديث والحكم عليه في الملحق.
2 [184 ح]"مسند أبي يعلى": (1 / 60- 62، ح 58)،"الأدب المفرد"للبخاري:(ص 242، ح 717)،"مسند أبي بكر الصديق":(ص 55- 56، ح 18) . والحديث قال الهيثمي في"مجمع الزوائد"(10 / 223- 224) : رواه أبو يعلى من رو، الآية ليث ابن أبي سليم عن أبي محمد عن حذيفة وليث مدلس، وأبو محمد إن كان هو الذي روى عن ابن مسعود أو الذي روى عن عثمان بن عفان فقد وثقه ابن حبان، وإن كان غيرهما فلم أعرفه، وبقية رجاله رجال الصحيح. وضعفه الألباني كما في"ضعيف الجامع":(ص 502، ح 3433) . وانظر بقية تخريجه في الملحق.