الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب من جحد شيئا من الأسماء والصفات
وقول الله تعالى: {وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ
{باب من جحد شيئا من الأسماء والصفات}
{وقول الله تعالى: {وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ} قال قتادة ومقاتل وابن جريج1 هذه الآية مدنية نزلت في صلح الحديبية، وذلك أن سهيل بن عمرو لما جاء للصلح، واتفقوا على أن يكتبوا2 كتاب الصلح فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب "اكتب3 بسم الله الرحمن الر حيم، قالوا: ما نعرف الرحمن إلا رحمن اليمامة - يعنون: مسيلمة الكذاب - وقال تعالى: {وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ} 4
_________
1 هو: عبد الملك بن عبد العزيز بن جريح الرومي الأموي مولاهم المكي، الإمام المجتهد الحافظ، فقيه الحرم أبو الوليد صاحب التصانيف"التفسير"وغيره، حدث عن عطاء بن أبي رباح وابن أبي مليكة وطاووس وغيرهم، وعنه ثور بن يزيد والأوزاعي والليث وغيرهم، توفي سنة 150 هـ. انظر ترجمته في:"طبقات المفسرين"للداودي: (1/ 358- 359)،"شذرات الذهب":(1/ 226)،"سير أعلام النبلاء:(6/ 325- 336)،"تذكرة الحفاظ":(1/ 169- 171) .
2 في النسخ الأخرى: (أن يكتبوا الكتاب كتاب الصلح) ، والمثبت من"الأصل"أحسن تعبيرا.
3 في"ر": (الكتاب) بدل: (اكتب) ، وهو خطأ ظاهر من الناسخ.
4 سورة الأنبياء، ال، الآية:36. ولم أجد في المصادر التي عدت إليها أن هذه ال، الآية من الحديث، فلعله زيادة من الشارح توضيحً للحديث.
قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ}
اكتب - كما نكتب1 - باسمك اللهم"2 فهذا معنى قوله: {وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ} يعني: أنهم ينكرونه ويجحدونه، والمعروف أن الآية مكية، وسبب نزولها أن أبا جهل سمع النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الحجر يدعو ويقول في دعائه: يا الله يا رحمن، فرجع أبو جهل إلى المشركين وقال: إن محمدا يدعو إلهين يدعو الله، ويدعو إلها آخر3 سمي الرحمن، ولا نعرف الرحمن إلا رحمن اليمامة، فنزلت هذه الآية، وقوله:{قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيّاً مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} 4 5
وروى الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما أنها نزلت في كفار قريش قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم "اسجدوا للرحمن" قالوا: وما الرحمن، فقال الله تعالى:{قُلِ} يا محمد إن الرحمن الذي أنكرتم معرفته {هُوَ رَبِّي لا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ} يعني: عليه اعتمدت في أموري كلها {وَإِلَيْهِ مَتَابِ} 6 يعني: توبتي ورجوعي.7
_________
1 قوله: (كما نكتب) زيادة من"الأصل"، وقد سقطت من بقية النسخ، والتعبير بدونها يصح.
2 [194 ح]"صحيح البخاري مع الفتح": (5/ 329- 333 ، ح 2731 ، 2732) ، كتاب الشروط، باب الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب."مسند الإمام أحمد":(4/ 325) . والحديث روي عن المسور ومروان، وعن أنس، وعبد الله بن معقل المزني. انظر بقية تخريج الحديث في الملحق.
3 هذا في"الأصل"وفي النسخ الأخرى: (إلها غيره) .
4 سورة الإسراء، الآية:110.
5 تفسير البغوي": (3/ 19) .
6 سورة الرعد، الآية:30.
7"تفسير البغوي": (3/ 19) .
وفي"صحيح البخاري" قال علي: "حدثوا الناس بما يعرفون أتريدون أن يكذب الله ورسوله".
وروى عبد الرزاق عن معمر عن [ابن] طاووس عن أبيه "عن ابن عباس أنه [رأى] رجلا انتفض لما سمع حديثا عن
{وفي"صحيح البخاري قال علي} بن أبي طالب رضي الله عنه {"حدثوا الناس بما يعرفون"} أي: يفهمون وتدركه عقولهم، ولا تحدثونهم بغير ذلك.
{أتريدون} [بهمزة الاستفهام الإنكارية] 1 {أن يكذب الله ورسوله"2} بتشديد الذال مفتوحة; لأن السامع لما لا يفهمه يعتقد استحالته فلا يصدق بوجوده، فيلزم التكذيب ويخاف عليهم من تحريف معناه، قال الله تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَاّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} 3.
{وروى عبد الرزاق عن معمر عن [ابن] 4 طاووس عن أبيه عن ابن عباس "أنه [رأى] 5 رجلا انتفض} أي: أصابته رعدة {لما سمع حديثا عن
_________
1 ما بين القوسين أثبته من بقية النسخ وقد سقط من"الأصل".
2"صحيح البخاري مع الفتح": (1/ 225) ، كتاب العلم، باب من خص بالعلم قوما دون قوم كراهة ألا يفهموا. و"فردوس الأخبار":(2/ 205 ، ح 2478)،"الجامع الصغير مع الفيض":(3/ 377 ، ح 3639)، وهذا الخبر صححه الألباني موقوفا على علي رضي الله عنه كما في البخاري وضعفه مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم. انظر:"ضعيف الجامع": (ص 399 ، ح 2701) .
3 سورة إبراهيم، الآية:4.
4 زيادة: (ابن) من"المؤلفات"، وهو الصواب الموافق لمصادر الحديث.
5 كلمة: (رأى) من"ر"و"المؤلفات".
النبي صلى الله عليه وسلم في الصفات، استنكارا لذلك فقال: ما فرق هؤلاء؟ يجدون رقة في قلوبهم عند محكمه ويهلكون عند متشابهه". انتهى
[ولما سمعت قريش رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الرحمن أنكروا ذلك فأنزل الله فيهم {وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ} . 1
النبي صلى الله عليه وسلم في الصفات، استنكارا لذلك فقال: ما فرق هؤلاء؟} المبتدعين المضلين، استفهام إنكار {يجدون رقة} أي: ليونة وسكينة {في قلوبهم عند محكمه2 ويهلكون عند متشابهه3} لدخولهم فيه بالرأي والقياس {انتهى} كلام ابن عباس.
واعلم أن ما ورد في الكتاب العزيز والسنة الشريفة من ذكر الصفات نحو {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} 4 {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ} 5 {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} 6 {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} 7 ونحو حديث: " إن قلوب بني آدم
_________
1 ما بين القوسين أضفته من"المؤلفات"متنا، وليس في النسخ الخطية، وربما أسقطه الشارح لتقدم معناه في شرح ال، الآية التي في صدر الباب. انظر:(ص 400) حيث قال: (وسبب نزولها أن أبا جهل سمع
…
إلخ) .
2 في"المؤلفات": (يجدون رقة عن محكمه) ، والصواب ما أثبته.
3"السنة"لابن أبي عاصم: (1/ 212 ، ح 485) . قال فيه الألباني: إسناده صحيح ورجاله ثقات على شرط مسلم غير ابن ثور واسمه محمد وهو ثقة اتفاقا.
4 سورة طه، الآية:5.
5 سورة الرحمن، الآية:27.
6 سورة طه، الآية:39.
7 سورة الفتح، الآية:10.
كلها بين أصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه كيف يشاء " 1 وحديث: " إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها " 2 رواهما مسلم.
يجب الإيمان بها من غير تمثيل، ولا تعطيل، قال الشيباني:
فلا مذهب التشبيه نرضاه مذهبا
…
ولا مقصد التعطيل نرضاه مقصدا3
ونفوض أمر المراد منها إلى الله تعالى.4
واعلم أن الروعة التي تصيب المؤمن عند سماع القرآن والهيبة التي تعتريه5 عند تلاوته، لميل قلبه إليه، وتصديقه به، فلا تزال بالمؤمن، قال الله تعالى:{اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ} يعني: القرآن6 {كِتَاباً
1 [195 ح]"صحيح مسلم مع شرح النووي": (16/ 443 ، ح 17/ 2654) ، كتاب القدر، باب تصريف الله تعالى القلوب. و"سنن الترمذي":(4/ 448- 449 ، ح 2140) ، كتاب القدر، باب ما جاء في أن القلوب بين أصبعي الرحمن. والحديث روي عن عبد الله بن عمرو، وروي -أيضا- عن النواس، وعن أنس بلفظ مختلف. انظر بقية التخريج في الملحق.
2 [196 ح]"صحيح مسلم مع شرح النووي": (17/ 83 ، ح 31/ 2759) ، كتاب التوبة، باب قبول التوبة من الذنوب وإن تكررت."مسند الإمام أحمد":(4/ 395) . والحديث مروي عن أبي موسى الأشعري. انظر بقية التخريج في الملحق.
3"مجموع مهمات المتون - متن الشيبانية": (ص 36) .
4 تقييد التقويض هنا بأمر المراد منها فيه احتياط لالتزام مذهب السلف من عدم التفويض المطلق، ومثله التعبير بالقول:(أمروها بلا كيف) أو (ترك تفسيرها) فإن المراد بمثل هذه العبارات إنما هو ترك الكلام في معنى الكيفية بدليل أن من روي عنه من علماء السلف مثل هذه العبارات نجد أنه قد نقل عنه القول بالإثبات.
5 في"ر": (تعتريها) ، وهو خطأ ظاهر من الناسخ.
6 قوله: (يعني القرآن) سقطت من"ر"و"ش".
مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ} أي: يثني فيه ذكر الوعد والوعيد، والأمر والنهي، والأخبار والأحكام، {تَقْشَعِرُّ} أي: تضطرب وتشمئز1 {مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} 2 يعني إذا ذكرت آيات الوعيد والعذاب اقشعرت جلود الخائفين لله، وإذا ذكرت آيات الوعد والرحمة لانت جلودهم وسكنت قلوبهم قال الله تعالى:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} 3
روي عن العباس بن عبد المطلب45 رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا اقشعر جلد العبد المؤمن6 من خشية الله تحاتت عنه ذنوبه كما يتحات عن الشجرة اليابسة ورقها "7 وفي رواية: " حرمه الله على النار "8
1 في"ع"تتمايز.
2 سورة الزمر، الآية:23.
3 سورة الأنفال، الآية:2.
4 في"ع"و"ش": (ابن عبد المطلب) .
5 هو: عباس بن عبد المطلب بن هاشم أبو الفضل القرشي المكي عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قيل: إنه أسلم قبل الهجرة، وكتم إسلامه وهاجر قبل الفتح بقليل وشهد الفتح وثبت يوم حنين واختلف في وفاته ما بين 32 هـ إلى 34 هـ. انظر ترجمته في:"تهذيب التهذيب": (5/ 122)،"الإصابة":(5/ 328- 329)،"أسد الغابة":(3/ 60- 63) .
6 كلمة: (المؤمن) من"الأصل"، وقد سقطت في بقية النسخ.
7"معجم الطبراني الكبير": (ح 5879)، وقد ذكره في"كنز العمال":(3/ 141- 142) محالا عليه."تاريخ بغداد"للخطيب: (4/ 56)، البزار"مجمع الزوائد":(10/ 310)،"تفسير البغوي":(4/ 76) .
8"تفسير البغوي": (4/ 77)0.
قال قتادة: نعتهم الله بهذا، ولم ينعتهم بذهاب عقولهم، والغشيان إنما ذلك في أهل البدع وهو من الشيطان.1
وروي عن عبد الله بن عروة بن الزبير،2 قال: قلت لجدتي أسماء3 بنت أبي بكر الصديق: كيف كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعلون إذا قرئ عليهم القرآن؟ قالت: كانوا كما نعتهم الله عز وجل تدمع عيونهم وتقشعر جلودهم، قال عبد الله: فقلت لها إن ناسا اليوم إذا قرئ عليه القرآن خر أحدهم مغشيا عليه، قالت: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.4
1"تفسير البغوي": (4/ 77)، و"تفسير السيوطي":(7/ 221) .
2 هو: عبد الله بن عروة بن الزبير بن العوام أبو بكر الأسدي. روى عن: أبيه، وجدته أسماء بنت أبي بكر، وأبي هريرة. وروى عنه: أخواه هشام، وعبيد الله، ومصعب بن ثابت، وغيرهم. وكان ثقة ثبتا فاضلا. ولد سنة 45 هـ، وتوفي سعة 125 هـ، وقيل: 126 هـ. انظر ترجمته في:"تهذيب التهذيب": (5/ 319- 321)،"الجرح والتعديل":(5/ 133)،"تقريب التهذيب":(1/ 433) .
3 هي: أسماء بنت أبي بكر الصديق بن أبي قحافة أم عبد الله القرشية، التيمية المكية، ثم المدنية، والدة الخليفة عبد الله بن الزبير. وهي التي سميت بذات النطاقين، أسلمت قديما بمكة وبايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم. ماتت سنة 73 هـ. انظر ترجمتها في:"طبقات ابن سعد": (8/ 249- 255)،"الإصابة":(12/ 114- 115)،"شذرات الذهب":(1/ 80)،"أسد الغابة":(6/ 9- 10)0.
4"تفسير البغوي": (4/ 77)، و"تفسير السيوطي":(7/ 222) .
وروي أن ابن عمر مر برجل من أهل العراق ساقط، فقال: ما باله، فقالوا: إنه إذا قرئ عليه القرآن، وسمع ذكر الله سقط، قال ابن عمر: إنا لنخشى الله، وما نسقط، وقال: إن الشيطان يدخل في جوف أحدهم ما كان هذا صنيع أصحاب رسول الله1 صلى الله عليه وسلم.2
وذكر عند ابن سيرين3 الذين يصرعون إذا قرئ عليهم القرآن، فقال: بيننا وبينهم أن يقعد أحدهم على ظهر بيت باسط رجليه، ثم يقرأ عليه القرآن من أوله إلى آخره، فإن رمى بنفسه فهو صادق.4
واعلم أن القرآن العظيم من صفات الله تعالى وهو كلام الله تعالى، تكلم به في القدم5 وقال في"فتح الباري": سئل سفيان بن عيينة عن
1 هذا في"الأصل"، وفي بقية النسخ: (أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم .
2 نفس المصدر: (4/ 77)، وانظر:"تلبيس إبليس"لابن الجوزي: (ص 310) . وروي مثله عن عائشة وأنس وعبد الله بن الزبير رضي الله عنهم.
3 هو: محمد بن سيرين الأنصاري أبو بكر بن أبي عمرة البصري مولى أنس بن مالك تابعي جليل وكان ثقة ثبتا عابدا كبير القدر ورعا، قال ابن عون: كان محمد بن سيرين يرى أن أهل الأهواء أسرع الناس ردة وأن هذه نزلت فيهم وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره ، ولد سنة 33 هـ، ومات سنة 110 هـ. انظر ترجمته في:"سير أعلام النبلاء": (4/ 606- 622)،"تهذيب التهذيب":(9/ 214- 217)،"وفيات الأعيان":(4/ 181- 183) .
4"تفسير البغوي": (4/ 77)، وانظر:"تلبيس إبليس": (ص 312- 313) .
5 المعنى بقدم كلام الله أنه قديم النوع فإن الله لم يزل متكلما إذا شاء وكيف شاء، فالله سبحانه وتعالى قد تكلم بالقرآن وكتبه في اللوح المحفوظ، وأرسل به جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم منجما، وحادث الآحاد فإن الله قال عما نزل منه جديدا على رسوله ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث. انظر:"مجموع الفتاوى"لابن تيمية: (8/ 28) ، (12/ 372) ، (13/ 132) .
القرآن أمخلوق هو؟ فقال: يقول الله تعالى: {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} 1 ألا ترى كيف فرق بين الخلق والأمر، فالأمر كلامه، فلو كان كلامه مخلوقا لم يفرق.23
ويحرم الجدال فيه، ففي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "الجدال في القرآن [كفر] 4") رواه الحاكم5 والمراد: المؤدي إلى مراء ووقوع في شك، أما التنازع في الأحكام فجائز إجماعا حيث خلا عن التعصب والتعنت، وإلا كان من أقبح القبائح.
1 سورة الأعراف، الآية:54.
2 زاد هنا كلمة: (بين) في"ر"، ولا معنى لها.
3"فتح الباري"لابن حجر: (13/ 332- 333)،"تفسير ابن عيينة":(ص 249)،"تفسير البغوي":(2/ 165)،"تفسير السيوطي":(3/ 474) . وقال ابن حجر عقب إيراده: وسبق ابن عيينة إلى ذلك محمد بن كعب القرظي وتبعه الإمام أحمد بن حنبل وعبد السلام بن عاصم وطائفة، أخرج كل ذلك ابن أبي حاتم عنهم في كتاب"الرد على الجهمية".
4 في"الأصل"بالتعريف: (الكفر) ، والصواب ما أثبته من النسخ الأخرى ونص الحديث.
5 [197ح]"مستدرك الحاكم": (2/ 223)،"مسند الإمام أحمد":(2/ 258)،"صحيح ابن حبان":"الإحسان": (3/ 13 ، ح 1462) . والحديث قال فيه الحاكم بعد أن ساقه من طريقين: طريق المعتمر بن سليمان بلفظ:"مراء في القرآن كفر"، وطريق عمرو بن أبي سلمة بلفظ:"الجدال". قال: حديث المعتمر عن محمد بن عمرو صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه وصححه ابن حبان كما ترى. وصححه الألباني في"صحيح الترغيب والترهيب": (1/ 133 ، ح 138) . انظر بقية التخريج في الملحق.
قال الشاعر:
تراه معدا للخلاف كأنه
…
برد على أهل الصواب موكل
والذين في قلوبهم زيغ وميل عن الحق يتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة لطلب الفساد.
عن عائشة رضي الله عنها قالت: "تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ} إلى {وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} فقال: إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه، فأولئك الذين سماهم1 الله فاحذروهم"2
عن ابن عباس رضي الله عنهما يرفعه قال: "الأمر ثلاثة: أمر بين رشده فاتبعه، وأمر بين غيه فاجتنبه، وأمر اختلف فيه فكله إلى الله عز وجل" رواه الإمام أحمد3 وسيأتي ذكر الصفات في آخر باب من الكتاب إن شاء الله تعالى.4
(سماهم) لفظ"سنن الترمذي"، وفي البخاري ومسلم وأبي داود:(سمى) .
2 [198 ح]"صحيح البخاري مع الفتح": (8/ 209 ، ح 4547) ، كتاب التفسير، باب (1)،"صحيح مسلم مع شرح النووي":(16/ 457 ، ح 1/ 2665) ، كتاب العلم، باب النهي عن اتباع متشابه القرآن. انظر بقية التخريج في الملحق.
3 انظر: كتاب"الزهد"للإمام أحمد: (ص 415 ، ح 1712)، ولم أجده في"المسند". وانظر:"جامع بيان العلم"لابن عبد البر: (2/ 24)، و"معجم الطبراني":"مجمع الزوائد": (1/ 157) . والحديث قال الهيثمي فيه: رجاله موثقون. وتعقبه الألباني في"تعليقه على المشكاة": (1/ 65)، فقال: إن من رواته المقدام واسمه هشام بن زياد وهو متروك كما قال الحافظ في"التقريب".
4 انظر: (ص 565) .