المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب ما جاء في ذمة الله تعالى وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم - تحقيق التجريد في شرح كتاب التوحيد - جـ ٢

[عبد الهادي البكري]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الثاني

- ‌باب ما جاء في التغليظ فيمن عبد الله عند قبر رجل صالح فكيف إذا عبده

- ‌باب ما جاء أن الغلو في قبور الصالحين يصيرها أوثانا تعبد من دون الله

- ‌باب ما جاء في حماية المصطفى صلى الله عليه وسلم جناب التوحيدوسده كل طريق توصل إلى الشرك

- ‌باب ما جاء أن بعض هذه الأمة تعبد الأوثان

- ‌باب ما جاء في السحر

- ‌باب بيان شيء من أنواع السحر

- ‌باب ما جاء في الكهان ونحوهم

- ‌باب ما جاء في النشرة

- ‌باب ما جاء في التطير وغيره

- ‌باب ما جاء في التنجيم

- ‌باب ما جاء في الاستسقاء بالأنواء

- ‌باب قول الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ}

- ‌باب قول الله تعالى: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِين}

- ‌باب قول الله تعالى: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}

- ‌باب قول الله تعالى: {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَاّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ}

- ‌باب الإيمان بالله والصبر على قدر الله

- ‌باب ما جاء في الرياء

- ‌باب من الشرك إرادة الإنسان بعمله الدنيا

- ‌باب من أطاع العلماء والأمراء في تحريم ما أحل الله وتحليل ما حرم الله فقد اتخذهم أربابا

- ‌باب قول الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ

- ‌باب من جحد شيئا من الأسماء والصفات

- ‌باب قول الله تعالى: {يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ}

- ‌باب ما جاء فيمن لم يقنع [بالحلف] بالله تعالى

- ‌باب قول ما شاء الله وشئت

- ‌باب من سب الدهر فقد آذى الله

- ‌باب التسمي بـ"قاضي القضاة" ونحوه

- ‌باب احترام أسماء الله تعالى وتغيير الاسم لأجل ذلك

- ‌باب من هزل بشيء فيه ذكر الله تعالى أو القرآن أو الرسول

- ‌باب ما جاء في قول الله تعالى {وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي} الآية

- ‌باب قول الله تعالى: {فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ}

- ‌باب قول الله تعالى: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا}

- ‌باب لا يقال السلام على الله

- ‌باب قول: اللهم اغفر لي إن شئت

- ‌باب لا يقول عبدي وأمتي

- ‌باب لا يرد من سأل بالله تعالى

- ‌باب لا يسأل بوجه الله إلا الجنة

- ‌باب ما جاء في اللو

- ‌باب لا تسبوا الريح

- ‌باب قول الله تعالى: {يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ

- ‌باب ما جاء في منكر القدر

- ‌باب ما جاء في المصورين

- ‌باب ما جاء في كثرة الحلف

- ‌باب ما جاء في ذمة الله تعالى وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم

- ‌باب ما جاء في الإقسام على الله تعالى

- ‌باب لا يستشفع بالله تعالى على خلقه

- ‌باب ما جاء في حماية النبي صلى الله عليه وسلم حمى التوحيد وسد طرق الشرك

- ‌باب ما جاء في قول الله تعالى {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} الآية

الفصل: ‌باب ما جاء في ذمة الله تعالى وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم

‌باب ما جاء في ذمة الله تعالى وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم

وقول الله تعالى: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ

{باب ما جاء في ذمة الله تعالى وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم} 1

وقول الله تعالى: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ} نزلت في الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام، فأمرهم بالوفاء بهذه البيعة، وقيل: المراد منه كل ما يلتزمه الإنسان باختياره، ويدخل فيه الوعد; لأن الوعد من العهد، وقيل: العهد هاهنا هو اليمين، قال الشعبي2 العهد يمين فكفارته كفارة يمين3 وعلى هذا يجب الوفاء به لقوله صلى الله عليه وسلم " من حلف على يمين ثم رأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه "4 فيكون قوله:{وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ} من العام الذي خصصته السنة،

_________

1 في"المؤلفات": (وذمة نبيه) .

2 صحفت في كل النسخ إلى: (القتيبي) ، وقد صححتها من المصدر"تفسير البغوي".

3 انطر:"تقسير البغوي": (3/ 82) .

4 [273ح]"صحيح مسلم مع شرح النووي": (11/ 125 ، ح13/ 1650) ، كتاب الأيمان، باب ندب من حلف يمينا فرأى غيرها خيرا منها أن يأتي الذي هو خير."سنن الترمذي":(4/ 107 ، ح1540) ، كتاب النذور والأيمان، باب ما جاء في الكفارة قبل الحنث. والحديث روي عن جمع من الصحابة منهم: أبو هريرة وأبو موسى الأشعري وعبد الرحمن بن سمرة. انطر بقية التخريج في الملحق.

ص: 533

وَلا تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ}

عن بريدة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عظيم إذا أمر أميرا على جيش أو سرية

وقال مجاهد وقتادة: نزلت في حلف أهل الجاهلية1 ويشهد2 لهذا التأويل قوله صلى الله عليه وسلم "كل حلف كان في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة"3 {وَلا تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} يعني: تشديدها فتحنثوا فيها.

وفيه دليل على أن المراد بالعهد غير اليمين لأنه أعم منه.

{وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً} يعني: شهيدا بالوفاء بالعهد {إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} 4 يعني: من وفاء العهد ونقضه

{عن} سليمان5 عن أبيه {بريدة} رضي الله عنهما {قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمر أميرا على جيش أو سرية} السرية: قطعة من الجيش

_________

1"تفسير الطبري": (8/ 14/ 164)، و"تفسير ابن الجوزي":(4/ 484) .

2 هذا في"الأصل"، وفي بقية النسخ بالماضي:(وشهد) .

3 "مسند الإمام أحمد": (1/ 317)،"تفسير الطبري":(4/5/55)،"تفسير ابن كثير":(1/ 501)،"تفسير السيوطي":(2/ 510) . والحديث ابن عباس- رضي الله عنهما.

4 سورة النحل، الآية:91.

5 هو: سليمان بن بريدة بن الحصيب الأسلمي المروزي أخو عبد الله، وهو تابعي ثقة، روى عن أبيه وعائشة وعمران بن حصين، كان هو وأخوه عبد الله توءمين، قال وكيع بأن سليمان بن بريدة كان أصحهما حديثا وأوثقهما. انطر ترجمته في:"تهذيب التهذيب": (4/ 174)،"طبقات ابن سعد":(7/ 221)،"الجرح والتعديل":(4/ 102) .

ص: 534

أوصاه في خاصته بتقوى الله، ومن معه من المسلمين خيرا، ثم قال: "اغزوا بسم الله في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغلوا

تخرج ثم تعود إليه، وهي مائة إلى خمسمائة، فإن زاد على ثمانمائة سمي جيشا، وإن زاد على أربعة آلاف، سمي جحفلا، والخميس1 الجيش العظيم، وما افترق2 من السرية سمي بعثا، وسميت السرية سرية لأنها تسري في الليل وتخفي أمرها.

قوله {أوصاه في خاصته3 بتقوى الله، ومن معه من المسلمين خيرا} فيه دليل على التأمير في الحرب والسفر، ووصية الإمام لأمير الجيش ومن معه بالتقوى {ثم قال4 اغزوا بسم الله في سبيل الله} لتكون كلمة الله هي العليا {قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغلوا} بضم الغين المعجمة وتشديد اللام، أي: لا تخونوا في الغنيمة، قال الله تعالى:{وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} 5

وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تغلوا فإن الغلول نار وعار على أصحابه في الدنيا والآخرة "6 رواه

_________

1 سمي بذلك لأنه خمس فرق المقدمة والقلب والميمنة والميسرة والساقة. انظر:"القاموس المحيط": (ص 698)، مادة:(خ م س) .

2 في"ر"صحفت كلمة: (افترق) إلى: (اقترف) .

3 قوله: (في خاصته) سقطت من"المؤلفات"، وإثباتها هو الصواب الموافق لأصل الحديث.

4 في"المؤلفات": (فقال) .

5 سورة آل عمران، الآية:161.

6 في"ر": (الغلو) ، والمثبت هو الصواب.

ص: 535

ولا تغدروا، ولا تمثلوا

أحمد والنسائي وصححه ابن حبان1.

{ولا تغدروا} الغدر: هو الاغتيال، وهو ممنوع شرعا، إما لتقدم2 أمان أو ما يشبهه أو لوجوب تقدم الدعوة.

عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا جمع الله الأولين والآخرين يرفع لكل غادر لواء يقال: هذه غدرة فلان بن فلان " متفق عليه3.

وقد عوقب الغادر بالفضيحة العظمى، وقد يكون ذلك من مقابلة الذنب بما يناسب ضده في العقوبة، فإن الغادر أخفى جهة غدره ومكره، فعوقب بنقيضه، وهو شهرته على رءوس الأشهاد.

{ولا تمثلوا} بالقتلى كجدع الأنوف وبقر البطون وقطع الآذان، قال

_________

1"مسند الإمام أحمد": (5/ 316)،"تفسير ابن كثير":(2/ 324)،"صحيح ابن حبان":"الإحسان (": (7/ 172 ، ح4835) . والحديث عن عبادة بن الصامت- رضي الله عنه. والحديث صححه ابن حبان- كما ترى-، وقال ابن كثير: هذا حديث حسن عظيم، ولم أره في شيء من الكتب الستة من هذا الوجه- يعني الوجه الذي ذكره-.

2 في"ر": (المتقدم) .

3 [274ح]"صحيح البخاري مع الفتح": (12/ 338 ، ح6966) ، كتاب الحيل، باب إذا غصب جارية."صحيح مسلم مع شرح النووي":(12/ 286 ، ح9/ 1735) ، كتاب الجهاد والسير، باب تحريم الغدر. انظر بقية تخريج الحديث في الملحق.

ص: 536

ولا تقتلوا وليد

صلي الله عليه وسلم1 "إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة " رواه مسلم2.

{ولا تقتلوا وليدا} أي: طفلا صغيرا، وفيه النهي عن قتل الصبيان وكذلك النساء لحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال:"نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والصبيان " متفق عليه3.

وألحق المجانين بالصبيان إلا إذا قاتلوا أو تترس الكفار بهم، وأجاز الشافعي قتل الشيخ لقوله صلى الله عليه وسلم " اقتلوا شيوخ المشركين واستبقوا شرخهم "4.

_________

1 من قوله: (بالفضيحة) إلى هنا لم يقابل على"ر"بسبب خرم وقع في أصل"ر".

2 [275ح]"صحيح مسلم مع شرح النووي": (13/ 113 ، ح57/ 1955) ، كتاب الصيد والذبائح، باب الأمر بحسن الذبح والقتل."سنن أبي داود":(3/ 244 ، ح2815) ، كتاب الأضاحي، باب الرفق بالحيوان. والحديث من رو، الآية شداد بن أوس- رضي الله عنه. انظر بقية التخريج في الملحق.

3 [276ج]"صحيح البخاري مع الفتح": (6/ 148 ، ح 3015) ، كتاب الجهاد، باب قتل النساء. و"صحيح مسلم مع شرح النووي":(12/ 12 ، ح25/ 1744) ، كتاب الجهاد والسير، باب تحريم قتل النساء والصبيان في الحرب. انظر بقية التخريج في الملحق.

4 [277ح]"سنن أبي داود": (3/ 122 ، ح2670) ، كتاب الجهاد، باب في قتل النساء."سنن الترمذي":(4/ 145 ، ح1583) ، كتاب السير، باب في النزول على الحكم. والحديث مروي عن سمرة بن جندب- رضي الله عنه-0 والحديث قال الترمذي فيه: حديث حسن صحيح. ورمز له السيوطي بالصحة في"الجامع الصغير"، انطره: مع"الفيض": (2/ 60 ، ح1327) . انظر بقية التخريج في الملحق.

ص: 537

" [وإذا] لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال أو

أي: صغارهم1 وعند أبي حنيفة لا يجوز قتل الشيخ الكبير إلا إذا اتبع راية وأعان2 بماله3.

تتمة: يكره نقل رءوس الكفار من بلاد إلى بلاد لما روى البيهقي: أن أبا بكر رضي الله عنه أنكر على4 فاعله، وقال: لم يفعل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم5.

وما روي من حمل رأس أبي جهل فقد تكلموا في ثبوته، وبتقدير ثبوته إنما حمل من موضع إلى موضع لا من6 بلد إلى بلد7 وكأنهم فعلوه لينظر الناس إليه فيتحققوا موته. والله أعلم.

{ [وإذا] 8 لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال أو

_________

1 انظر:"الأم"للشافعي: (4/ 284) . وانظر:"شرح النووي على صحيح مسلم": (12/ 293)، كتاب الجهاد والسير. وانطر:"فيض القدير": (2/ 60) .

2 في"ر": (أو عان) .

3 انطر:"الهد، الآية شرح البد، الآية": (1/ 137- 138) .

4 كلمة: (على) من"الأصل"، وفد سقطت من بقية النسخ.

5"السنن الكبرى" للبيهقي: (9/132-133) ، كتاب السير، باب ما جاء في نقل الرؤوس.

6 كلمة: (من) سقطت من"ر".

7 في"ع": (من بلاد إلى بلاد) .

8 في النسخ المخطوطة: (فإذا) ، والمثبت من"المؤلفات"، وهو الموافق لأصل الحديث.

ص: 538

خلال فأيتهم [ما] أجابوك فأقبل منهم وكف عنهم ثم ادعهم إلى الإسلام فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين وأخبرهم أنهم إذا فعلوا ذلك فلهم ما للمهاجرين، وعليهم ما [على المهاجرين] ، فإن أبوا أن يتحولوا منها، فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين يجري عليهم حكم الله الذي يجري على المؤمنين

خلال} شك الراوي {فأيتهن أجابوك فأقبل منهم، وكف عنهم} 1 الخطاب هنا لأمير الجيش خاصة ثم {ادعهم إلى الإسلام) هي الخصلة الأولى {فإن أجابوك} أي: أطاعوك {فاقبل منهم وكف عنهم2 ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار3 المهاجرين4 وأخبرهم أنهم إذا فعلوا ذلك فلهم ما للمهاجرين، وعليهم ما عليهم} 5 هذا من توابع الخصلة الأولى {فإن أبوا أن يتحولوا منها، فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين يجري عليهم حكم الله الذي يجري على المؤمنين} 6

_________

1 في"المؤلفات"وأصل الحديث: فأيتهن ما أجابوك وهو الموافق لما في"صحيح مسلم".

2 قوله: (وكف عنهم) سقطت من"المؤلفات"، واثباتها هو الموافق لأصل الحديث.

3 من قوله: (شك الراوي) إلى هنا لم يقابل من"ر"بسبب خرم فيها.

4 كلمة: (المهاجرين) صحفت في"ر"إلى: (المجاهدبن) .

5 في"المؤلفات"، وهو متفق مع أصل الحديث: وعليهم ما على المهاجرين.

6 قوله: (الذي يجري على المؤمنين) سقط من "المؤلفات"، وهو مثبت في كل النسخ الخطية، وكذلك أصل الحديث.

ص: 539

ولا يكون لهم في الغنيمة والفيء شيء إلا أن يجاهدوا مع المسلمين، فإن هم أبوا فسلهم الجزية، فإن هم أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، فإن هم أبوا فاستعن بالله وقاتلهم "

والأعراب: هم أهل البوادي {ولا يكون لهم في الغنيمة والفيء شيء إلا أن يجاهدوا مع المسلمين} فيسهم لمن شهد الوقعة {فإن هم أبوا فسلهم1 الجزية} هو إشارة إلى الخصلة الثانية.

تنبيه: يشترط لعقد الجزية الإمام أو نائبه بخلاف عقد الأمان فإنه يصح من غيره.

{فإن هم أجابوك فاقبل منهم، وكف عنهم} لعصمة الدماء والأموال ببذل الجزية، ولا تنعقد لليهود والنصارى والمجوس من العرب والعجم، ولا جزية على المرأة والصبي والمجنون والعبد، وأقلها دينار على كل واحد لكل سنة.

{فإن هم أبوا} أي: من الإسلام، أو من إعطاء الجزية {فاستعن بالله وقاتلهم} إشارة إلى الخصلة الثالثة. في الحديث دليل أنه لا يقاتل المشركون إلا بعد دعائهم إلى الإسلام. واختلف العلماء في ذلك: فقال مالك: لا يقاتلون حتى يؤذنوا2.

_________

1 هكذا في"الأصل"وفي"صحيح مسلم"، وفي بقية النسخ و"المؤلفات":(فاسألهم) .

2 انطر:"المدونة الكبرى": (2/2) ، كتاب الجهاد، الدعوة قبل القتال."التمهيد"لابن عبد البر:(2/215)، وانطر:"شرح النووي على صحيح مسلم": (12/280) .

ص: 540

وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه

وذهب جماعة إلى أنهم يقاتلون قبل الدعوة إذا كانت الدعوة قبل بلغتهم وهو قول الشافعي أو الثوري وأصحاب الرأي وأحمد وإسحاق1 واحتج الشافعي] 2 بقتل ابن أبي الحقيق، وروى عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغير عند صلاة الصبح، فإذا سمع أذانا أمسك وإلا أغار3 وأغار على بني المصطلق وهم غارون4. فثبت بهذه الأحاديث أن الدعوة ليست بشرط، إذا كانت الدعوة قد بلغتهم قبل ذلك، وأما من لم تبلغه الدعوة فإنه لا يقاتل حتى يدعى إلى الإسلام.

- {وإذا حاصرت أهل حصن} الحصر: المنع والتضييق، أي: حصرهم ومنعهم من الخروج منه {فأرادوك أن تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه

_________

1 انطر:"شرح النووي على صحيح مسلم": (12/280) ، كتاب الجهاد والسير، باب جواز الإغارة على الكقار.

2 ما بين القوسين سقط من"الأصل"، وأثبته من النسخ الأخرى.

3"صحيح البخاري مع الفتح": (6/111، ح 2943) ، كتاب الجهاد، باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم الناس إلى الإسلام."شرح معاني الآثار" للطحاوي:(3/208)"التمهيد"لابن عبد البر: (2/221) .

4 [278]"صحيح البخاري مع الفتح": (5/170، ح 2541) ، كتاب العتق، باب من ملك من العرب رقيقا."صحيح مسلم مع شرح النووي":(12/279، ح 1/1730) ، كتاب الجهاد، باب جواز الإغارة على الكفار الذين بلغتهم دعوة الإسلام. والحديث مروي عن ابن عمر رضي الله عنهما. انظر بقية التخريح في الملحق.

ص: 541

[فلا تجعل لهم ذمة الله، ولا ذمة نبيه] ولكن اجعل لهم ذمتك وذمة أصحابك، فإنكم إن تخفروا ذممكم وذمم أصحابكم أهون من أن تخفروا ذمة الله وذمة رسوله "

[فلا تجعل لهم ذمة الله، ولا ذمة نبيه] 1} .

قال النووي: نهى عنه2 {ولكن اجعل لهم ذمتك وذمة أصحابك، فإنكم إن تخفروا ذممكم وذمم3 أصحابكم4 أهون من أن تخفروا ذمة الله وذمة رسوله} 5 يقال: خفرت الرجل أي أجرته، وأخفرت الرجل إذا أجرته6 وأخفرت إذا نقضت عهده وذمامه.

فيه أنه يحرم إخفار الذمة والأمان والجوار، وانتهاك ذمة الله وذمة رسوله أشد وأغلظ من ذمة الغير، وتنفيذ من كل أحد من المسلمين ذكرا كان أو أنثى.

عن [أبي عبيدة] 7 بن الجراح رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يجير على المسلمين بعضهم " أخرجه ابن أبي

_________

1 ما بين القوسين سقط من"الأصل"، وأثبته من بقية النسخ و"المؤلفات"كما يتفق مع أصل الحديث.

2 هكذا في"الأصل"، وفي"ر":(نهي تنزيه)، وفي"ع":(تنزيه)، وفي"ش":(نهي) ، والموافق لـ"شرح النووي"ما جاء في"ر".

3 في"المؤلفات": (ذمة) ، والمثبت من بقية النسخ هو الموافق لأصل الحديث.

4 كلمة: (أصحابكم) سقطت من"ر".

5 هكذا في"الأصل"ويتفق مع أصل الحديث، وفي بقية النسخ و"المؤلفات":(نبيه) .

6 قوله: (إذا أجرته) سقط من"ر".

7 في كل النسخ: (عبيدة) ، وقد صححتها من أصول الحديث.

ص: 542

شيبة1 وفي رواية عن عمرو بن العاص: "يجير على المسلمين أدناهم"2 يعني: كالعبد والمرأة.

وفي"الصحيحين" عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه"ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم"3 زاد ابن ماجه من وجه آخر:"ويجير عليهم أقصاهم"4 وفي رواية عنه: "فمن أخفر مسلما فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه صرف ولا عدل"5.

1"مصنف ابن أبي شيبة": (12/452 ، 455)، و"مسند أبي يعلى":(2/179 - 180 ، ح 876)، "مسند الإمام أحمد":(1/195) .

2 [279ح]"مسند الإمام أحمد": (4/197) ."مجمع الزوائد": (5/329) ، وأحاله على أحمد وأبي يعلى والطبراني. والحديث روي بأكثر من طريق، وروي عن غير عمرو بن العاص، فقد روي عن أبي هريرة وأنس وأم سلمة. والحديث قال فيه الهيثمي: فيه رجل لم يسم وبقية رجال أحمد رجال الصحيح. وقال الألباني في رو، الآية أبي هريرة للحديث بأنه حسن صحيح بشواهده. انظر بقية التخريح والحكم على الحديث في الملحق.

3 [280ح]"صحيح البخاري مع الفتح": (4/81 ، ح 1870) ، كتاب فضائل المدينة، باب حرم المدينة."صحيح مسلم مع شرح النووي":(9/150 ، ح 467/1370) ، كتاب الحج، باب فضل المدينة. أنظر بقية التخريح في الملحق.

4 انظر:"سنن ابن ماجه": (2/895 ، ح 2685) ، كتاب الديات، باب المسلمون تتكافأ دماؤهم إلا أنه بلفظ:"ويجير على المسلمين أدناهم ويرد على المسلمين أقصاهم". وهو -أيضا- في"سنن أبي داود": (4/670 ، ح 4531) ، كتاب الديات، باب إيفاد المسلم بالكافر.

5"صحيح البخاري مع الفتح": (4/81 ، ح 1870) ، كتاب فضائل المدينة، باب حرم المدينة. "صحيح مسلم مع شرح النووي":(9/150 ، ح 467) ، كتاب الحج، باب فضل المدينة."سنن أبي داود":(2/531 ، ح 2034) ، كتاب المناسك، باب تحريم المدينة.

ص: 543

ولهما من حديث أم هانئ1 " وقد أجرنا من أجرت يا أم هانئ "2.

وعن أبي رافع3 رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إني لا أخيس بالعهد، ولا أحبس الرسل " رواه أبو داود، والنسائي، وصححه ابن حبان4

1 هي: السيدة الفاضلة أم هانئ بنت أبي طالب بن عبد المطلب الهاشمية المكية أخت علي وجعفر، واختلف في اسمها فقيل: فاختة، وقيل: هند، أسلمت يوم الفتح، روت عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث في الكتب الستة وغيرها، وعاشت إلي بعد سنة 50هـ. انظر ترجمتها في:"الإصابة": (13/300 - 301)،"أسد الغابة":(6/404)،"طبقات ابن سعد":(8/47)،"تهذيب التهذيب":(12/481) .

2 [281ح]"صحيح البخاري مع الفتح": (1/469 ، ح 357) ، كتاب الصلاة، باب الصلاة في الثوب الواحد."صحيح مسلم مع شرح النووي":(5/240 ، ح 82/336) ، كتاب صلاة المسافرين، باب استحباب صلاة الضحى. انظر بقية التخريج في الملحق.

3 هو: أبو رافع، مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقال اسمه: إبراهيم، وقيل: أسلم، وقيل: ثابت، أسلم قيل بدر ولم يشهدها ولكن شهد أحدا وما بعدها، كان عالما فاضلا، خاطبه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:"يا أبا رافع إنا أهل بيت لا تحل لنا الصدقة، وإن مولى القوم من أنفسهم"، توفي في خلافة علي بالكوفة سنة 40هـ. انطر ترجمته في:"طبقات ابن سعد": (4/73 - 75)،"الإصابة":(11/128 - 129)،"تهذيب التهذيب":(12/92)،"سير أعلام النبلاء":(2/16 - 17) .

4"سنن أبي داود": (3/189 - 190 ، ح 2758) ، كتاب الجهاد، باب في الوفاء بالعهد."صحيح ابن حبان":"الإحسان": (7/191 ، ح 4857) . وفي"السنن الكبرى"للنسائي كما ذكر المزي في"تحفة الأشراف": (9/199 ، ح 12013) . والحديث -كما ترى- قد صححه ابن حبان. وصححه الألباني في"السلسلة الصحيحة": (2/323 ، ح 752) .

ص: 544

وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تنزلهم على حكم الله، فلا تنزلهم على حكم الله ولكن

قوله: لا أخيس بالعهد، أي: لا أنقضه1 يقال: خاس بعهده يخيس، وخاص بوعده إذا خانه. وفيه أن العهد يرعى مع الكافر، كما يرعى مع المسلم، وأن من أمن كافرا لم يكن له اغتياله في مال ولا دم ولا منفعة.

وقوله: لا أحبس الرسل، يعني: أن الرسول صار كأنه عقد له العقد مدة مجيئه ورجوعه.

وعن [عبد الله بن عمرو] 2 رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال3 " من قتل معاهدا لم يرح4 رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاما " أخرجه البخاري5.

{وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك} أي: طلبوا {أن تنزلهم} من الحصن {على حكم الله} فيهم {فلا تنزلهم على حكم الله} ورعا {ولكن

_________

1 في"ر"حرف قوله: (أي: لا أنقضه) إلى قوله: (إني لأنقضه) .

2 في جميع النسخ: (عبد الله بن عمر) ، وهو خطأ، والصواب المثبت من أصول الحديث كـ"صحيح البخاري"وغيره.

3 الفعل: (قال) سقط من"ر"و"ع"، وبيض له في"ش".

4 حرفت قوله: (لم يرح) إلى قوله: (أيروح) .

5 [282 ح]"صحيح البخاري مع الفتح": (6/269 - 270 ، ح3166) ، كتاب الجزية والموادعة، باب إثم من قتل معاهدا بغير جرم."سنن النسائي":(8/25 ، ح 4750) ، كتاب القسامة، باب تعظيم قتل المعاهد. انظر بقية التخريح في الملحق.

ص: 545

أنزلهم على حكمك فإنك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا " رواه مسلم وأبو داود والترمذي.

أنزلهم على حكمك} باجتهادك {فإنك لا تدري} أي: لا تعلم (أتصيب حكم الله فيهم1} أي: توافق حكم الله فيهم2 {أم لا} توافق حكم الله فيهم {رواه مسلم وأبو داود والترمذي34} .

فيه جواز إحصار الكفار في البلاد والقلاع ويجوز رميهم بالمدافع والمنجنيق ويحرم الإحراق بالنار، لحديث ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن النار لا يعذب بها إلا الله " رواه البخاري5.

_________

1 في"المؤلفات": (أتصيب فيهم حكم الله) خلافا لبقية النسخ وأصل الحديث.

2 قوله: (أي: توافق حكم الله فيهم) سقطت من"ر".

3 قوله: (وأبو داود والترمذي) سقط من"المؤلفات".

4 [283 ح]"صحيح مسلم مع شرح النووي": (12/281 - 282 ، ح 3/1731) ، كتاب الجهاد والسير، باب تأمير الأمراء على البعوث."سنن أبي داود":(3/83 - 86 ، ح 2612 ، 2613) ، كتاب الجهاد، باب في دعاء المشركين."سنن الترمذي":(4/162 - 163 ، ح 1617) ، كتاب السير، باب ما جاء في وصيته صلى الله عليه وسلم في القتال. انظر بقية التخريح في الملحق.

5 [284 ح] الحديث بهذا اللفظ في"صحيح البخاري"مروي عن أبي هريرة، وأما ما روي عن ابن عباس فيه فلفظه:"لا تعذبوا بعذاب الله". انظر:"صحيح البخاري مع الفتح": (6/149) ، كتاب الجهاد، باب لا يعذب بعذاب الله."سنن الترمذي":(4/137 - 138 ، ح 1571) ، كتاب السير، باب (20) . انظر بقية التخريح في الملحق. والتحريق بالنار لمن كفر بالله جاءت الروايات بالنهي عنه ونقل عن بعض الصحابة الحكم به. وقد ذهب العلماء بالنظر للروايات المانعة من التحريق من جهة وحكم بعض الصحابة به من جهة أخرى إلى رأيين: أحدهما: كراهية التحريق، والثاني: جواز التحريق. وبينوا ذلك وأدلته والجمع بين رواياته، وقد جمعت ذلك وبينته في رسالتي للماجستير) :"التكفير والمكفرات"في فصل عقوبة من كفر في حدود سبع صحائف: (ص 222 - 228) ، ووصلت في نه، الآية ذلك إلى أن من فهم منه النهي قال بمنع التحريق، ومن فهم منه أن الرسول صلى الله عليه وسلم أراد التعظيم لله قال بأن التحريق باق على أصله.

ص: 546

وأما الشجر فيجوز قطعها إذا كان في قطعها مصلحة لأنه صلى الله عليه وسلم حرق نخل بني النضير، فأنزل الله تعالى:{مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ} 1 الآية. متفق عليه2.

وكذلك هدم الحصون يجوز إذا كان في هدمها مصلحة للمسلمين، ويحرم إتلاف الحيوان إلا ما يقاتلون عليه.

1 سورة الحشر، الآية:5.

2 [285 ح]"صحيح البخاري مع الفتح": (8/629 ، ح 4884) ، كتاب التفسير، باب ما قطعتم من لينة. و"صحيح مسلم مع شرح النووي":(12/294 ، ح 29/1746) ، كتاب الجهاد والسير، باب جواز قطع أشجار الكفار. والحديث مروي عن ابن عمر رضي الله عنهما. انظر بقية التخريح في الملحق.

ص: 547