الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مسَائِل الْأَقْضِيَة
مَسْأَلَة
1
مُعْتَقد الشَّافِعِي رض إِن حَقِيقَة الْقَضَاء إِظْهَار لحكم الله تَعَالَى وإخبار عَنهُ وَلَيْسَ هُوَ إِثْبَات حق على سَبِيل الِابْتِدَاء
وَاحْتج فِي ذَلِك بِأَن الْمُدَّعِي إِنَّمَا يطْلب حَقًا ثَابتا لَهُ من قبل وَلَا يَدعِي التَّمَلُّك ابْتِدَاء إِذْ لَو ادّعى التَّمَلُّك ابْتِدَاء لَكَانَ معترفا بِأَنَّهُ مُبْطل فِي دَعْوَاهُ الْملك وَالْبَيِّنَة مصدقة لَهُ فِيمَا ادَّعَاهُ حسب مَا ادَّعَاهُ وَالْقَضَاء إِمْضَاء لما شهِدت بِهِ الْبَيِّنَة فَإِذا أعطيناه حَقًا أَثْبَتْنَاهُ وأنشأناه كَانَ غير الْمُدعى بِهِ وَغير الْمَشْهُود بِهِ
وَذهب أَبُو حنيفَة رحمه الله إِلَى إِن حَقِيقَة الْقَضَاء إِثْبَات الحكم الْمُدعى وإنشاء لَهُ
وَاحْتج فِي ذَلِك بأمرين
أَحدهمَا أَن قَوْله قضيت وحكمت إِنَّمَا يصدق إِذا كَانَ
الحكم مستفادا مِنْهُ كَقَوْل الْقَائِل سودت وبيضت
وَكَذَا قَوْله ألزمتك المَال إِنَّمَا يكون صَحِيحا وصدقا إِذا كَانَ اللُّزُوم مستفادا مِنْهُ
الثَّانِي أَن الظُّهُور حَاصِل بتعديل الشُّهُود وَلَا يزْدَاد إِظْهَار الْبَيِّنَة بقوله قضيت فَمَا بَال الحكم يتَوَقَّف على الْقُضَاة لَوْلَا أَنه مُثبت فَكيف وَلَو قَالَ أظهرت وأمضيت لم يكن قَضَاء
وَأعلم أَن مَا ذَكرُوهُ من الْوَجْهَيْنِ ضَعِيف
أما الأول فَلِأَن قَول القَاضِي قضيت وحكمت لَا يجْرِي على ظَاهره عِنْد كل فريق فَإِن ظَاهره إِثْبَات الحكم وَهُوَ صنع الرب عز وجل لَا غير إِلَّا أَنكُمْ تجوزتم وقلتم هُوَ حَاكم على معنى أَنه أَتَى بِسَبَب أثبت الله عَقِيبه حكما وأضيف إِلَيْهِ لتسببه وَنحن تجوزنا وَقُلْنَا هُوَ حَاكم على معنى أَنه مظهر حكم الله تَعَالَى فِينَا فَإِن المختفي الَّذِي لَا دَلِيل عَلَيْهِ كَالْمَعْدُومِ فِي نَفسه بِالْإِضَافَة إِلَيْنَا فصح أَن يُسمى مظهره مثبتا مجَازًا
أما توقف الحكم بعد التَّعْدِيل على الْقَضَاء فَلِأَن حَال الشُّهُود فِي مَحل الِاجْتِهَاد إِذْ يتَصَوَّر الْجرْح بعد التَّعْدِيل فَجعل الشَّرْع قَوْله قضيت مرَادا لخُرُوج الْأَمر عَن مَحل الِاجْتِهَاد حَتَّى جَازَ الْعَمَل
وَيتَفَرَّع عَن هَذَا الأَصْل مَسْأَلَتَانِ
إِحْدَاهمَا أَن الْقَضَاء على الْغَائِب نَافِذ عندنَا لظُهُور حق الْمُدَّعِي عِنْده بِالْبَيِّنَةِ العادلة المسموعة إِجْمَاعًا
وَلَا ينفذ عِنْدهم لِأَنَّهُ إِثْبَات وَالْإِثْبَات لَا يعقل إِلَّا عَن ناف فَصَارَ الْإِنْكَار شرطا للْقَضَاء
أما الْإِقْرَار فَهُوَ حجَّة دون عمل القَاضِي وَلِهَذَا لَا يخْتَص بِمَجْلِس الحكم وَلَا يتَوَقَّف على قَول القَاضِي
الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة أَن قَضَاء القَاضِي بِشَهَادَة الزُّور لَا يُبِيح الْمَحْظُور عِنْد الشَّافِعِي رض لِأَن الفضاء إِخْبَار وَإِظْهَار والإخبار يتَعَلَّق بالمخبر عَنهُ على مَا هُوَ بِهِ إِن صدقا فصدقا وان كذبا فكذب كَالْعلمِ يتَعَلَّق بالمعلوم على مَا هُوَ بِهِ وَالْكذب كَيفَ يُبِيح الْمَحْظُور إِذْ لَو أَبَاحَ لاستوى الصدْق وَالْكذب وَهُوَ محَال
وَعِنْدهم يُبِيح ذَلِك لِأَن الْقَضَاء إنْشَاء وَإِثْبَات للْحكم من
حَيْثُ إِن القَاضِي قضى بِأَمْر الله عَن الله غير منتسب إِلَى التَّقْصِير وَهُوَ نَائِب الله وَقَول النَّائِب قَول المنوب عَنهُ فَكَأَن المنوب عَنهُ قَالَ ملك فلَان
وقرروا هَذَا بِأَن قَالُوا للْقَاضِي ولَايَة إنْشَاء الْعُقُود والفسوخ حَتَّى لَو بَاعَ ملك الْغَيْر من أجل الْمصلحَة جَازَ
فقدرنا هَهُنَا إنْشَاء العقد ضمنا وضرورة صِيَانة للْقَضَاء الْمُسْتَند إِلَى أَمر الله عز وجل عَن الْأَبْطَال
قَالُوا وَخرجت عَلَيْهِ الْأَمْلَاك الْمُرْسلَة لِأَن هُنَاكَ تَعَارَضَت الإحتمالات لتَعَدد أَسبَاب الْملك وَالله أعلم