الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مسالة
4
زعم أَصْحَاب أبي حنيفَة رض أَن التَّصَرُّفَات الحسية تَنْقَسِم إِلَى صَحِيحَة ومشروعة وباطلة وممنوعة وفاسدة ومشروعة بأصلها مَمْنُوعَة بوصفها وعنوا بِالصَّحِيحِ مَا يُفِيد حكمه الْمَوْضُوع لَهُ وبالباطل مَا لَا يُفِيد حكمه الْمَوْضُوع لَهُ وبالفاسد مَا يُفِيد حكمه من وَجه دون وَجه
وَذهب أَصْحَاب الشَّافِعِي رض إِلَى إِنْكَار الْقسم الثَّالِث وَلم يفرقُوا بَين الْفَاسِد وَالْبَاطِل
وَأعلم أَن هَذَا أصل عظم اخْتِلَاف الفئتين وَطَالَ فِيهِ نظر الْفَرِيقَيْنِ وَهُوَ على التَّحْقِيق نزاع لَفْظِي ومراء جدلي فان مُرَاد الْقَوْم من هَذَا التَّقْسِيم أَن التَّصَرُّفَات تَنْقَسِم إِلَى مَا نهى الشَّرْع عَنْهَا لِمَعْنى يرجع إِلَى ذَاتهَا بِسَبَب اخْتِلَاف ركن من أَرْكَانهَا كَبيع الْحر
وَالْميتَة وَالدَّم إِلَى مَا نهي عَنهُ لَا لذاته بل لأمر يرجع إِلَى شُرُوطهَا وتوابعها وأوصافها وَأُمُور تقارنها كَالْبيع إِلَى أجل مَجْهُول وَالْبيع بِالْخمرِ وَالْخِنْزِير ونظائرها فَإِن الأول مَعْلُوم الْبطلَان بِدلَالَة قَاطِعَة وَالثَّانِي مظنون الْبطلَان بِدلَالَة ظنية اجتهادية وَلِهَذَا أختلف الصَّحَابَة رض الله عَنْهُم فِيهِ وَبدل على الْفرق بَينهمَا أَن الأول لَا يسوغ فِيهِ الِاجْتِهَاد لَو حكم الْحَاكِم بنفاذه لم ينفذ حكمه وَالثَّانِي يسوغ فِيهِ الِاجْتِهَاد حَتَّى لَو قضى قَاض بِجَوَازِهِ نفذ حكمه وَصَحَّ وَإِن لم يكن صَحِيحا من قبل الْحَاكِم فَخص أَبُو حنيفَة رض أسم الْبَاطِل بِمَا ثَبت إلغائه شرعا بِدلَالَة قَاطِعَة وَاسم الْفَاسِد بِمَا ثَبت إلغاؤه بِدلَالَة ظنية وَهَذَا كمصيرهم إِلَى الْفرق بَين الْوَاجِب وَالْفَرْض وَقَوْلهمْ أَن الْفَرْض مَا ثَبت بِدلَالَة قَاطِعَة وَالْوَاجِب مَا ثَبت بِدلَالَة ظنية فَإنَّا نساعدهم على الانقسام الْمَعْنَوِيّ وَأَن نازعناهم فِي الْعبارَة وَقد نَص الشَّافِعِي رض على جنس هَذَا التَّصَرُّف فانه قَالَ فِي غير مَوضِع إِن كَانَ النَّهْي لأمر يرجع إِلَى عين الْمنْهِي عَنهُ دلّ على فَسَاده وان كَانَ لأمر يرجع إِلَى غَيره لَا يدل على فَسَاده فالتفرقة بَين الْقسمَيْنِ مُتَّفق عَلَيْهَا وَإِنَّمَا يرجع النزاع إِلَى أَن فَسَاد الْوَصْف الْمُقَارن هَل يلْحق
بِفساد الأَصْل فِي سَائِر أَحْكَامه وآثاره أم لَا
فالشافعي رض ألحق فَسَاد الْوَصْف بِفساد الأَصْل وَأَبُو حنيفَة رض فرق بَينهمَا
وَعند هَذَا لَا بُد من التَّنْبِيه لدقيقة وَهِي أَن الْوَصْف الْمُقَارن للتَّصَرُّف قد يكون مجاورا لَهُ غير لَازم لذات كَالْبيع فِي وَقت النداء وَحَيْثُ الْحق الشَّافِعِي رض فَسَاد الْوَصْف بِفساد الأَصْل إِنَّمَا أَرَادَ بِهِ الْقسم الأول دون الثَّانِي
ويفرع عَن هَذَا الأَصْل مسَائِل مِنْهَا أَن البيع الْفَاسِد لَا ينْعَقد عندنَا وَلَا يُفِيد الْملك أصلا
وَعِنْدهم ينْعَقد ويفيد الْملك إِذْ أتصل بِهِ الْقَبْض وَصورته مَا إِذا بَاعَ درهما بِدِرْهَمَيْنِ أَو شَرط أَََجَلًا مَجْهُولا أَو خيارا زَائِدا أَو الشَّرْط أَن لَا يسلم أَو بَاعَ بِخَمْر أَو خِنْزِير وَإِن كل ذَلِك فَاسد لَيْسَ
بباطل حَتَّى يَتَرَتَّب الْملك عَلَيْهِ عِنْد جَوَاز الْقَبْض
وَمِنْهَا أَن الْإِجَارَة الْفَاسِدَة لَا تفِيد ملك الْمَنَافِع عندنَا
وَعِنْدهم تَنْعَقِد وتملك الْمَنَافِع بِحكم العقد
وَمِنْهَا أَن بيع الْمُكْره وإجارته لَا ينعقدان عندنَا
وَعِنْدهم ينْعَقد ويتوقف نُفُوذه على الرضى
وَيلْحق هَذَا الأَصْل قَوْلنَا إِن العَاصِي بسفر لَا يترخص ترخص الْمُسَافِرين عندنَا لكَون السّفر مَمْنُوعًا عَنهُ
وَعِنْدهم يترخص لِأَن الْمَمْنُوع وَصفه دون أَصله