الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
= كتاب الْغَصْب =
مسالة
1
ذهب أَصْحَاب أبي حنيفَة رض إِلَى أَن المضمونات تملك بِالضَّمَانِ ويستند الْملك فِيهَا إِلَى وَقت وجوب الضَّمَان إِذا كَانَ الْمَضْمُون مِمَّا يجوز تَمْلِيكه بِالتَّرَاضِي احْتِرَازًا عَن الْمُدبر
وَذهب الشَّافِعِي رض إِلَى أَنَّهَا لَا تملك بِالضَّمَانِ
وَأعلم أَن الْخلاف فِي هَذَا الأَصْل مَبْنِيّ على أصل آخر وَهُوَ الْبَحْث عَن مُقَابل الضَّمَان
فالشافعي رض يَدعِي أَنه فِي مُقَابلَة فَوَات الْيَد
وَأَبُو حنيفَة رض يَدعِي أَنه فِي مُقَابلَة عين الْمَغْصُوب
لِأَنَّهُ الَّذِي وَجب رده بِالْغَصْبِ فَإِذا تعذر رد الْعين وَجب رد بدل الْعين
وقرروا هَذَا بِأَن قَالُوا
الْوَاجِب ضَمَان الْجِنْس وَمن غصب دَرَاهِم وبددها فِي حاجاته فالفائت على الْمَالِك الدَّرَاهِم فَيجب على الْغَاصِب بدل الدَّرَاهِم لَا بدل الِاسْتِيلَاء على الدَّرَاهِم فَإِن الِاسْتِيلَاء غير مَقْصُود فِي نَفسه وَإِنَّمَا الْمَقْصُود من الِاسْتِيلَاء عين المَال
وَقَالُوا وَإِذا ثَبت أَن الضَّمَان بدل عَن الْعين فالجمع بَين الْبَدَل والمبدل عَنهُ فِي حق شخص وَاحِد متناقض فَكَانَ من ضَرُورَة ملك الْمَالِك الضَّمَان زَوَال ملكه عَن الْمَضْمُون فَوَقع الْملك بالمضمون سَابِقًا عَن ملك الضَّمَان وَاقعا يَقْتَضِي لَهُ وان تقدم عَلَيْهِ وكما إِذا قَالَ اعْتِقْ عَبدك عني فَقَالَ أعتقت فانه يتَضَمَّن ملكا سَابِقًا على الْعتْق يَنْبَنِي عَلَيْهِ صِحَة الْعتْق ثمَّ يَقع مُقْتَضى لَهُ سَابِقًا عَلَيْهِ
فَالْحَاصِل أَن التَّضْمِين يَقْتَضِي التَّمْلِيك فِي الْبَدَلَيْنِ جَمِيعًا وَلَكِن بطرِيق الِاقْتِضَاء والضرورة وَالْبيع يَقْتَضِي الْملك بطرِيق التَّنْصِيص
وَلذَلِك افْتقر البيع إِلَى الشَّرَائِط كالقدرة على التَّسْلِيم وَغَيرهَا وَهَذَا الْملك لم يفْتَقر إِلَيْهِ لِأَنَّهُ وَقع بِمُقْتَضى تملك الْبَدَل ضمنيا وَمَا يحصل كَذَلِك لَا تعْتَبر فِيهِ الشَّرَائِط
قَالُوا وَخرج على هَذَا الْمُدبر فَإِن التَّمْلِيك فِيهِ مُمْتَنع على مَا عرف من أصلنَا هَذَا غَايَة كَلَامهم
وَنحن نقُول الضَّمَان فِي مُقَابلَة الْيَد لِأَنَّهَا هِيَ الْفَائِتَة وَملك الْعين قَائِم فإيجاب الْبَدَل عَنهُ محَال وَإِنَّمَا يجب الضَّمَان بَدَلا عَمَّا فَاتَ
وَلم يفت إِلَّا الْيَد فتملك الْغَاصِب وَلم يجر من الْمَالِك رضى وَلَا دعت إِلَيْهِ ضَرُورَة محَال
وَيتَفَرَّع عَن هذَيْن الْأَصْلَيْنِ مسَائِل مِنْهَا أَن الْغَاصِب إِذا ضمن قيمَة الْمَغْصُوب ثمَّ ظهر الْمَغْصُوب فَهُوَ لمَالِكه الْمَغْصُوب مِنْهُ يَأْخُذهُ وَيرد الْقيمَة عندنَا لِأَن الْغَاصِب لم يملكهُ حَتَّى إِذا مَاتَ لم يكن عَلَيْهِ مؤونة تَجْهِيزه وَلَو كَانَ قريبَة لم يعْتق عَلَيْهِ
وَعِنْدهم هُوَ للْغَاصِب لِأَنَّهُ ملكه بِالضَّمَانِ واستند ملكه إِلَى وَقت وجوب الضَّمَان
وَمِنْهَا إِن الْجِنَايَة الَّتِي توجب كَمَال الْقيمَة فِي العَبْد بِقطع يَدَيْهِ أَو رجلَيْهِ لَا توجب الْملك فِي الجثة عِنْد الضَّمَان عندنَا
وَعِنْدهم توجب بِنَاء على أَن كل الْقيمَة بدل الْكل فَلَا يجمع بَين الْبَدَل والمبدل مَا أمكن
وَعَلِيهِ خَرجُوا الْمُدبر إِذا قطعت يَدَاهُ فان التَّمْلِيك فِيهِ غير مُمكن عِنْدهم
وكلامنا فِي هَذِه الْمَسْأَلَة أظهر لِأَن الْمصير إِلَى مُقَابلَة الْوَاجِب بالفائت بِالْجِنَايَةِ أظهر من مُقَابلَة الْقيمَة بِالِاسْتِيلَاءِ الْفَائِت بِالْغَصْبِ ويعتضد هَذَا بِقطع إِحْدَى الْيَدَيْنِ فانه لايوجب الْملك فِي النّصْف
وَمِنْهَا إِذا غصب حِنْطَة فطحنها أَو ثوبا فخاطه أَو شَاة فذبحها وشواها أَو غصنا فغرسه فَصَارَ شَجَرَة أَو نُحَاسا أَو رصاصا فأتخذ مِنْهَا آنِية غرم أرش النُّقْصَان إِن كَانَ وَصفه قَائِما فِي الْعين عندنَا
وَعِنْدهم يغرم قيمَة الْمَأْخُوذ وَيملك الْعين فان الضَّمَان فِي مُقَابلَة الْعين وَقد تبدلت الْعين فَإِن مَالِيَّة الْحِنْطَة غير مَالِيَّة الدَّقِيق من حَيْثُ إنَّهُمَا مفترقان اسْما وَصُورَة وَمعنى فان الْحِنْطَة متهيئة لأغراض كالبذر والقلي والهرس والطحن وَهِي قَابِلَة للادخار
وَهَذِه الْمعَانِي بأسرها تطلب
قَالُوا فنضمنه قيمَة الْحِنْطَة
وَمِنْهَا أَن الْقطع وَالضَّمان لَا يَجْتَمِعَانِ عِنْدهم لِأَنَّهُ لَو ضمن لملك الْمَسْرُوق واستند ملكه إِلَى وَقت الْأَخْذ فَيحصل الْقطع فِي ملك
نَفسه وَذَلِكَ لَا يجوز
وَعِنْدنَا يَجْتَمِعَانِ لتَعَدد السَّبَب وَعدم إِسْنَاد الضَّمَان
ثمَّ يلْحق بِهَذَا الأَصْل مسَائِل
مِنْهَا أَن الْمَسْرُوق مِنْهُ إِذا وهب الْمَسْرُوق من السَّارِق بعد المرافعة لَا يسْقط عَنهُ الْقطع عندنَا
وَعِنْدهم يسْقط لِأَنَّهُ ملكهَا بِالْهبةِ وَأسْندَ ملكه إِلَى وَقت فَلَو قطع لقطع فِي ملك نَفسه
قَالُوا وَالْملك هَهُنَا وَإِن حصل بِعقد هبة لَا بِفعل سَرقَة غير أَن الْعَارِض فِيمَا يدْرَأ بِالشُّبُهَاتِ كالموجود ابْتِدَاء
وَمِنْهَا أَن الْأَب إِذا استولد جَارِيَة ابْنه يلْزمه الْمهْر وَالْقيمَة عندنَا
وَعِنْدهم لَا يلْزمه الْقيمَة لِأَنَّهُ لَو ضمن الْقيمَة اسْتندَ ملكه إِلَى
ابْتِدَاء الْوَطْء فَصَارَ واطئا ملك نَفسه فَلَا يلْزمه الْقيمَة بِخِلَاف الْجَارِيَة الْمُشْتَركَة لِأَنَّهُ هُنَاكَ ضمن باستحداث الْملك لَا بِالْوَطْءِ لِأَن الْوَطْء تصرف وَالتَّصَرُّف فِي الْجَارِيَة الْمُشْتَركَة لَا يُوجب الضَّمَان كالاستخدام وَإِن كَانَ لَا يحل كَمَا لَو وطئ جَارِيَته وَهِي حَائِض
وَمِنْهَا أَن الْحَد وَالْمهْر يَجْتَمِعَانِ عندنَا فِيمَن زنا بِجَارِيَة الْغَيْر لِأَنَّهُ لَا يملك الْجَارِيَة بِالضَّمَانِ
وَعِنْدهم لَا يَجْتَمِعَانِ لِأَنَّهُ لَو وَجب الْمهْر فِي ذَلِك لملك الْوَاطِئ مَنْفَعَة الْبضْع فَلَو وَجب الْحَد وَجب فِي وَطْء جَارِيَة نَفسه وَهَذَا مِمَّا لَا يجوز
وَمِنْهَا إِذا استكره الرجل امْرَأَة حرَّة على الزِّنَا وَجب عَلَيْهِ الْحَد وَالْمهْر عندنَا
وَعِنْدهم لَا يجب الْمهْر لما ذَكرْنَاهُ