الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَسْأَلَة
2
ذهب أَصْحَابنَا إِلَى أَن مَقْدُورًا وَاحِدًا بَين قَادِرين غير قديمين مُتَصَوّر وعنوا بِالْوَاحِدِ مَا لَا يتَجَزَّأ وَلَا يَتَبَعَّض تفريغا على إِثْبَات الْجَوْهَر الْفَرد
وَذَهَبت الْقَدَرِيَّة وَالْحَنَفِيَّة إِلَى أَن ذَلِك مَا لَا يتَصَوَّر
وَأعلم أَن الْخلاف فِي هَذِه الْمَسْأَلَة يَنْبَنِي على أصل عَظِيم الشَّأْن فِي أصُول الديانَات وَهُوَ أَن الْقُدْرَة الْحَادِثَة لَا تَأْثِير لَهَا فِي إِيجَاد الْمَقْدُور عِنْد عُلَمَائِنَا بل المقدورات الْحَادِثَة بأسرها وَاقعَة بقدرة الله تَعَالَى عِنْد تعلق قدرَة العَبْد بهَا
وَعِنْدهم أَن مقدورات الْعباد بأسرها وَاقعَة بقدرتهم حَتَّى قَالُوا بِخلق الْأَعْمَال وَانْقِطَاع قدرَة الله تَعَالَى عَن مقدورات الْعباد
وَاحْتج عُلَمَاؤُنَا بِأَن قَالُوا أجمعنا على أَن المرادات مُشْتَركَة بَين المريدين وَكَذَلِكَ المكروهات مُشْتَركَة بَين الكارهين والمظنونات بَين الظانين والمعتقدات بَين المعتقدين والمعلومات بَين الْعَالمين
فَكَذَلِك المقدورات بَين القادرين وَجب أَن تكون مُشْتَركَة
وَاحْتج المخالفون بِأَن قَالُوا كَون مَقْدُورًا وَاحِد بَين قَادِرين يُفْضِي إِلَى محَال وَمَا أفْضى إِلَى الْمحَال كَانَ محالا
أما إفضاؤه إِلَى الْمحَال فَلِأَن كل وَاحِد مِنْهُم لَو بَاشر فعل مقدوره فِي مَحل آخر أَو فِي جِهَة أُخْرَى لزم أَن يكون شَيْء وَاحِد مَوْجُودا فِي محلين أَو جِهَتَيْنِ مختلفتين وَهَذَا محَال وَمن شكّ فِي استحالته دلّ على نُقْصَان فِي عقله
وَأما إِن يُفْضِي إِلَى الْمحَال كَانَ محالا فَلِأَن إفضاء المفضيات وتأثير المؤثرات من الْأُمُور اللَّازِمَة وَالصِّفَات الذاتية للْفِعْل والمؤثر ويستحيل إِن يُوجد الْمُؤثر وَلَا يكون لَهُ تَأْثِير وإفضاء إِلَى حكمه وَإِذا اسْتَحَالَ وجود حكمه اسْتَحَالَ وجوده لَا محَالة
وَيظْهر ذَلِك بالحركة مَعَ السّكُون فَإِنَّهُ لما اسْتَحَالَ إِن يكون الْمحل الْوَاحِد سَاكِنا متحركا وأسود أَبيض فِي حَالَة وَاحِدَة اسْتَحَالَ وجود الْحَرَكَة مَعَ السّكُون والسواد مَعَ الْبيَاض فِي مَحل وَاحِد فِي وَقت وَاحِد لِأَن الْحَرَكَة عِلّة للتحركية والسكون عِلّة للساكنية
كَذَلِك فِيمَا نَحن فِيهِ إِذا اسْتَحَالَ وجود مَقْدُور وَاحِد فِي جِهَتَيْنِ مُخْتَلفين اسْتَحَالَ كَونه مَقْدُورًا لقادرين لِأَنَّهُ هُوَ المفضي إِلَى ذَلِك
وَيتَفَرَّع عَن هَذَا الأَصْل
أَن الْأَيْدِي تقطع بيد وَاحِدَة عندنَا لِأَن قطعات الْأَجْزَاء من الْيَد الْمُشْتَركَة بَين الْكل فَيكون كل وَاحِد مِنْهُم قَاطعا على سَبِيل الْكَلَام لِأَنَّهُ مَا من جُزْء من الْفِعْل إِلَّا وكل وَاحِد مِنْهُم فَاعله
وَعِنْدهم لَا تقطع لِأَن كل وَاحِد من الفاعلين فَاعل مَقْدُور نَفسه فَيخْتَص كل مِنْهُم بِالْقطعِ الَّذِي مَقْدُور نَفسه دون مَقْدُور صَاحبه وَكَانَ قطع كل جُزْء قطعا على سَبِيل الِانْفِرَاد