الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَسْأَلَة
6
ذهب الشَّافِعِي رض إِلَى أَن التَّمَسُّك بالمصالح المستندة إِلَى كلي الشَّرْع وان لم تكن مستندة إِلَى الجزئيات الْخَاصَّة الْمعينَة جَائِز
مِثَال ذَلِك مَا ثَبت وتقرر من إِجْمَاع الْأمة إِن الْعَمَل الْقَلِيل لَا يبطل الصَّلَاة وَالْعَمَل الْكثير يُبْطِلهَا
قَالَ الشَّافِعِي رض حد الْعَمَل الْكثير مَا إِذا فعله الْمُصَلِّي اعتقده النَّاظر إِلَيْهِ متحللا عَن الصَّلَاة وخارجا عَنْهَا كَمَا لَو اشْتغل بالخياطة وَالْكِتَابَة وَغير ذَلِك
وَالْعَمَل الْقَلِيل مَا لَا يعْتَقد النَّاظر مرتكبه خَارِجا عَن الصَّلَاة كتسوية رِدَائه وَمسح شعره
وَلَيْسَ لهَذَا التَّقْدِير أصل خَاص يسْتَند إِلَيْهِ وَإِنَّمَا اسْتندَ إِلَى أصل كلي وَهُوَ أَنه
قد تقرر فِي كليات الشَّرْع أَن الصَّلَاة مَشْرُوعَة للخشوع
والخضوع فَمَا دَامَ الْإِنْسَان على هَيْئَة الْخُشُوع يعد مُصَليا وَإِذا انخرم ذَلِك لَا يعد مُصَليا
وَقتل الْجَمَاعَة بِالْوَاحِدِ من هَذَا الْقَبِيل عِنْد الشَّافِعِي رض فَإِنَّهُ عدوان وحيف فِي صورته من حَيْثُ إِن الله تَعَالَى قيد الْجَزَاء بِالْمثلِ فَقَالَ {وَإِن عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمثل مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ}
ثمَّ عدل أهل الْإِجْمَاع عَن الأَصْل الْمُتَّفق عَلَيْهِ لحكمة كُلية ومصلحة معقولة
وَذَاكَ أَن الْمُمَاثلَة لَو روعيت هَهُنَا لأفضى الْأَمر إِلَى سفك الدِّمَاء المفضي إِلَى الفناء إِذْ الْغَالِب وُقُوع الْقَتْل بِصفة الشّركَة فَإِن الْوَاحِد يُقَاوم الْوَاحِد غَالِبا
فَعِنْدَ ذَلِك يصير الحيف فِي هَذَا الْقَتْل عدلا عِنْد مُلَاحظَة الْعدْل المتوقع مِنْهُ وَالْعدْل فِيهِ جور عِنْد النّظر إِلَى الْجور المتوقع مِنْهُ
فَقُلْنَا بِوُجُوب الْقَتْل دفعا لأعظم الظلمين بأيسرهما
وَهَذِه مصلحَة لم يشْهد لَهَا أصل معِين فِي الشَّرْع وَلَا دلّ عَلَيْهَا نَص كتاب وَلَا سنة
بل هِيَ مستندة إِلَى كلي الشَّرْع وَهُوَ حفظ قانونه فِي حقن الدِّمَاء مُبَالغَة فِي حسم مواد الْقَتْل واستبقاء جنس الْإِنْس
وَاحْتج فِي ذَلِك بِأَن الوقائع الْجُزْئِيَّة لَا نِهَايَة لَهَا وَكَذَلِكَ أَحْكَام الوقائع لَا حصر لَهَا وَالْأُصُول الْجُزْئِيَّة الَّتِي تقتبس مِنْهَا الْمعَانِي والعلل محصورة متناهية المتناهي لَا يَفِي بِغَيْر المتناهي
فَلَا بُد إِذا من طَرِيق آخر يتَوَصَّل بهَا إِلَى إِثْبَات الْأَحْكَام الْجُزْئِيَّة وَهِي التَّمَسُّك بالمصالح المستندة إِلَى أوضاع الشَّرْع ومقاصده على نَحْو كلي وَإِن لم يسْتَند إِلَى أصل جزئي
وَذَهَبت الْحَنَفِيَّة وَالْقَاضِي من أَصْحَابنَا إِلَى منع الِاسْتِدْلَال بِجِنْس هَذِه الْمصلحَة
وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِأَن الأَصْل أَن لَا يعْمل بِالظَّنِّ لما فِيهِ من خطر فَوَات الْحق إِذْ الْإِنْسَان قد يظنّ الشَّيْء مفْسدَة وَهُوَ مصلحَة وَقد يَظُنّهُ مصلحَة وَهُوَ مفْسدَة غير أَنا صرنا إِلَى الْعَمَل بِهِ عِنْد الِاسْتِنَاد إِلَى أصل خَاص وَهُوَ الْإِجْمَاع وَبَقينَا فِيمَا عدا ذَلِك على مُقْتَضى الأَصْل
فتفرع عَن هَذَا الأَصْل
أَن الْقَتْل بالمثقل يُوجب الْقصاص عِنْد الشَّافِعِي رض فَإِنَّهُ بَاب لَو فتح لأتخذ طَرِيقا إِلَى سفك الدِّمَاء وَقد رَأينَا الشَّرْع قتل الْألف بِوَاحِد حسما لمواد الْقَتْل فَوَجَبَ أَن يقتل بالمثقل
حسما لمواد الْقَتْل
ولهذه الْحِكْمَة وَجب الْقصاص على الْمُكْره المتسبب فِي الْقَتْل فَجعل الشَّافِعِي رض قتل الْجَمَاعَة بِالْوَاحِدِ أصلا ثمَّ ألحق بِهِ المثقل ثمَّ ألحق بِهِ الْمُكْره على الْقَتْل ثمَّ تدرج من الْإِكْرَاه إِلَى شُهُود الْقصاص كل ذَلِك مُبَالغَة فِي حقن الدِّمَاء