الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مسالة
2
الْيَد الناقلة غير مُعْتَبرَة فِي ضَمَان الْعدوان عندنَا بل يَكْفِي إِثْبَات الْيَد بِصفة التَّعَدِّي
وَذهب أَصْحَاب أبي حنيفَة رض إِلَى أَنه لَا بُد من الْيَد الناقلة لتحَقّق صُورَة التَّعَدِّي
ومستند هَذَا التَّعَدِّي اخْتِلَاف الْفَرِيقَيْنِ فِي حد الْغَصْب
فَذهب أَصْحَاب الشَّافِعِي رض إِلَى أَن حد الْغَصْب إِثْبَات الْيَد العادية على مَال الْغَيْر
وَذهب أَصْحَاب أبي حنيفَة رض إِلَى أَن حَده إِثْبَات الْيَد العادية وتفويت الْيَد المحقة أَو قصرهَا
وعللوا هَذَا بَان الضَّمَان ضَمَان جبر والجبر فِي مُقَابِله فايت
وَلَا فايت إِلَّا على الْمَالِك فَلَا بُد من اشْتِرَاط فَوَات الِاسْتِيلَاء وفواته بِإِزَالَة الْيَد أَو قصره
وَنحن نقُول هَذَا الْحَد بَاطِل فان الْغَاصِب من الْغَاصِب غَاصِب اسْما وَحَقِيقَة وَشرعا وضامن للْمَالِك وَلم يفوت يَد الْمَالِك بل أثبت الْيَد على مَال الْغَيْر
وَيبْطل أَيْضا بِمَا إِذا سلب القلنسوة من رَأس الْمَالِك واحتوت يَده عَلَيْهَا فَأَنَّهُ يضمنهَا بالِاتِّفَاقِ مَعَ أَنه لم يحصل زَوَال يَد الْمَالِك فِي هَذِه الصُّورَة بزعمهم فَأن يَده عبارَة عَن استيلائه عَلَيْهَا
وَيتَفَرَّع عَن هَذَا الأَصْل مسَائِل
مِنْهَا أَن زَوَائِد الْمَغْصُوب مَغْصُوبَة مَضْمُونَة عندنَا سَوَاء أَكَانَت مُتَّصِلَة أَو مُنْفَصِلَة مَوْجُودَة كَانَت على الْغَصْب أَو طارئة لوُجُود حَقِيقَة الْغَصْب فِيهَا وَهُوَ إِثْبَات الْيَد فان كَانَ الْوَلَد بصدد أَن يحدث فِي يَد الْمَالِك فَحدث فِي يَد الْغَاصِب بِسَبَب غصبه السَّابِق فَكَانَ منع الْحُصُول فِي يَده كالقطع
وَلذَلِك وَجب الضَّمَان على الْمَغْرُور بِزَوْجَتِهِ إِذا أمتنع حُصُول الرّقّ فِي الْوَلَد كَمَا إِذا قطعه
ولأجله ضمن ولد صيد الْحرم إِجْمَاعًا لِأَنَّهُ حصل فِي يَده بطرِيق ثُبُوت الْيَد على الْأُم
وَقَالَ أَبُو حنيفَة رض لَا تضمن زيادات الْغَصْب إِلَّا عِنْد منع الْمَالِك مِنْهَا وَقبل ذَلِك هُوَ أَمَانَة
وَمِنْهَا أَن غصب الْعقار مُتَصَوّر مَضْمُون عندنَا فان الْمُعْتَبر قصر يَد الْمَالِك عَن ملكه مَعَ إِثْبَات الْيَد عَلَيْهِ على سَبِيل الْعدوان وَهَذَا مَوْجُود فِي الْعقار إِذا انْتَقَلت الْيَد إِلَى الْغَاصِب حَتَّى امْتنع على الْمَالِك النَّفْع وَثبتت الْيَد للْغَاصِب حَتَّى يبْنى على نقلهَا الْملك
وَمِنْهَا أَن الْمُودع إِذا تعدى فِي الْوَدِيعَة ثمَّ ترك التَّعَدِّي لم يبرأ من الضَّمَان عندنَا لثُبُوت يَد الْعدوان
وَعِنْدهم لَا ضَمَان فان المضمن هُوَ الْإِثْبَات والإزالة وَلم تُوجد الْإِزَالَة
مُعْتَقد الشَّافِعِي رض إِن مَنَافِع الْأَعْيَان الْقَائِمَة فِي الْمَاهِيّة وحقيقتها عِنْد تهيؤ الْأَعْيَان واستعدادها بهيئتها وشكلها لحُصُول الْإِعْرَاض مِنْهَا
مِثَاله إِن الدَّار بسقوفها لتهيأ لدفع الْحر وَالْبرد وبحيطانها لدفع السراق والغصاب عَمَّا فِيهَا وبأرضها لِمَعْنى الْهَوِي بسكانها إِلَى أَسْفَل وَكَذَلِكَ كل عين لَهَا هَيْئَة تتَمَيَّز بهَا عَن الْأُخْرَى وَبهَا تستعد لحُصُول الْغَرَض مِنْهَا فَهِيَ مَنْفَعَتهَا وَهَذِه الهيئات أَعْرَاض متجددة تُوجد وتفنى كَسَائِر الْأَعْرَاض وَهِي أَمْوَال مُتَقَومَة فَإِنَّهَا خلقت لمصَالح الْآدَمِيّ وَهِي غير الْآدَمِيّ
وَإِطْلَاق لفظ المَال عَلَيْهَا أَحَق مِنْهُ على الْعين إِذْ التَّضْمِين لَا يُسمى مَالا إِلَّا لاشتمالها على الْمَنَافِع وَلذَلِك لَا يَصح بيعهَا بِدُونِهَا
وَأنكر أَبُو حنيفَة رض كَون الْمَنَافِع فِي أَنْفسهَا أَمْوَالًا قَائِمَة بالأعيان
وَزَعَمُوا أَن حاصلها رَاجع إِلَى أَفعَال يحدثها الشَّخْص المنتفع فِي الْأَعْيَان بِحَسب ارتباط الْمَقْصُود بهَا فيستحيل إتلافها فان تِلْكَ الْأَفْعَال كَمَا تُوجد تَنْتفِي والإتلاف عبارَة عَن قطع الْبَقَاء وَمَا لَا بَقَاء لَهُ لَا يتَصَوَّر إِتْلَافه غير أَن الشَّرْع نزلها منزلَة الْأَعْيَان فِي حق جَوَاز العقد عَلَيْهَا رخصَة فَتعين الِاقْتِصَار عَلَيْهَا
وَنحن نقُول هَذَا مُسلم إِذا نَظرنَا إِلَى الْحَقَائِق وسلكنا طَرِيق النّظر وَلَكِن الاحكام الشَّرْعِيَّة غير مَبْنِيَّة على الْحَقَائِق الْعَقْلِيَّة بل على الاعتقادات الْعُرْفِيَّة والمعدوم الَّذِي ذَكرُوهُ مَال عرفا وَشرعا وَحكم الشَّرْع وَالْعرْف غَالب فِي الْأَحْكَام
وَالشَّرْع قد حكم بِكَوْن الْمَنْفَعَة مَوْجُودَة مُقَابلَة بِالْأُجْرَةِ فِي عقد الْإِجَارَة وأثبتت الْإِجَارَة أَحْكَام الْمُعَاوَضَات المحصنة وأثبتت للمنفعة حكم المَال
وَالْعرْف يقْضِي بِأَن من أثبت يَده على دَار وسكنها مُدَّة أَنه يفوق مَنَافِعهَا
وَيتَفَرَّع عَن هذَيْن الْأَصْلَيْنِ مسَائِل
مِنْهَا أَن مَنَافِع الْمَغْصُوب تضمن بالفوات تَحت الْيَد العادية وبالتفويت عندنَا
وَعِنْدهم لَا تضمن حَتَّى لَو أستولي على حر واستخدمه فِي عمله لم يضمن أجرته وَلَو غصب دَارا وسكنها سِنِين لَا أجر عَلَيْهِ
وَمِنْهَا أَن مَنْفَعَة الْحر وَمَنَافع الدَّار يجوز أَن تكون صَدَاقا عندنَا
وَعِنْدهم لَا يجوز لقَوْله تَعَالَى {وَأحل لكم مَا وَرَاء ذَلِكُم أَن تَبْتَغُوا بأموالكم} شَرط فِي الْإِبَاحَة أَن تبتغى بالأموال وَالْمَنَافِع لَيست بِمَال
وَمِنْهَا أَن الشّقص الممهور يُؤْخَذ بِالشُّفْعَة عندنَا بِقِيمَة الْبضْع وَكَذَلِكَ إِذا جعل بدل الْخلْع أَو أجره يُؤْخَذ بِقِيمَة الْبضْع
وَعِنْدهم لَا يثبت فِيهِ الشُّفْعَة لِأَن مَنَافِع الْبضْع لَيست بِمَال
وَمِنْهَا أَن شُهُود الطَّلَاق إِذا رجعُوا غرموا مهر الْمثل بِنَاء على إِن مَنْفَعَة الْبضْع مَال مُتَقَوّم شرعا وَلِهَذَا ضمنت بِالْإِتْلَافِ فِي العقد الصَّحِيح وَالْفَاسِد ويقابل بِالْبَدَلِ فِي الإختلاع سِيمَا إِذا صدر من الْأَجْنَبِيّ
وَإِذا كَانَ فِي نَفسه مَالا ذَا قيمَة فإيقاع الْحَيْلُولَة فِي اقْتِضَاء الضَّمَان مُلْحق بِالْإِتْلَافِ
وَقَالَ أَبُو حنيفَة رض لَا يغرمون لِأَن مَنْفَعَة الْبضْع فِي نَفسهَا لَيست بِمَال غير أَن الشَّرْع أوجب الْقيمَة على متلفها وألحقها بأطراف الْآدَمِيّ وسلك بهَا مَسْلَك الْأَعْيَان تَعْظِيمًا لأمرها وصيانة لَهَا عَن الإهدار على خلاف الْقيَاس وَالشُّهُود لم يتلفوا
أصلا فَلَا يغرمون
وَأما وجوب المَال بِالْعقدِ عِنْدهم فلإقامة خطر الْبضْع حَتَّى لَا يستباح من غير عوض إِذْ لَو ثَبت ذَلِك لَكَانَ بَدَلا وصيانة الْبضْع عَن الْبَدَل وَاجِب وَقد مست الْحَاجة إِلَى استباحته فَجعل الشَّرْع المَال وَسِيلَة إِلَى الاستباحة تَعْظِيمًا لَهُ
وَلذَلِك قَالُوا يقدر أَقَله بِعشْرَة دَرَاهِم ليَكُون اسْتِبَاحَة بِمَال خطير فِي الشَّرْع