الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
159 -
عاصم بن ضَمْرة
(1)
:
عن علي.
قال الشافعي: مجهول. ــ يريد مجهول الحال ــ.
قال الثوري: كنا نعرف فضل حديث عاصم على حديث الحارث. وقال أحمد: عاصم أعلى من الحارث. ونحوه عن ابن معين. وقال ابن عمّار: عاصم أثبت من الحارث. وقال ابن المديني والعِجْلي: ثقة. وقال النسائي: ليس به بأس.
[ص 55] ولينه الجُوزجاني، وابن عديّ، وابن حبان ــ كما يأتي ــ وقبلهم ابن المبارك.
ذكر البيهقي في «السنن» (3/ 51) حديث عاصم عن علي رضي الله عنه في تطوع النبي صلى الله عليه وسلم ست عشرة ركعة في النهار، ثم قال: تفرد به عاصم بن ضَمْرة عن علي رضي الله عنه، وكان عبد الله بن المبارك يضعِّفه، فيطعن في روايته هذا الحديث
(2)
.
(1)
ت الكمال: 4/ 10، التهذيب: 5/ 45، الميزان: 3/ 66.
(2)
ورواه الترمذي (599)، والنسائي (874)، وابن ماجه (1161)، وقال الترمذي:«هذا حديث حسن. وقال إسحاق بن إبراهيم ــ يعني بن راهويه ــ: أحسن شيء روي في تطوع النبي صلى الله عليه وسلم في النهار هذا. وروي عن عبد الله بن المبارك: أنه كان يضعِّف هذا الحديث. وإنما ضعَّفه عندنا ــ والله أعلم ــ؛ لأنه لا يروى مثل هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من هذا الوجه عن عاصم بن ضَمْرة عن علي. وعاصم بن ضمرة هو ثقة عند أهل العلم، قال علي بن المديني: قال يحيى بن سعيد القطان: قال سفيان: كنا نعرف فضل حديث عاصم بن ضمرة على حديث الحارث» اهـ.
وقال الجُوزجاني
(1)
: هو عندي قريب من الحارث، وروى عنه أبو إسحاق حديثًا في تطوع النبي صلى الله عليه وسلم ست عشرة ركعة. فيا لِعِبادِ الله! أما كان ينبغي لأحد من الصحابة وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم يحكي هذه الركعات .. ؟ ! وخالف عاصمٌ الأمةَ واتفاقها، فروى: أن في خمس وعشرين من الإبل خمسًا من الغنم.
وتبعه ابن عديّ فقال: عن علي بأحاديث باطلة، لا يتابعه الثقات عليها، والبلاء منه.
وقال ابن حبان: كان رديء الحفظ، فاحش الخطأ، يرفع عن عليٍّ قولَه كثيرًا، فاستحقّ الترك، على أنه أحسن حالًا من الحارث.
دفع ابنُ حجر كلامَ الجُوزجاني فقال: تعصّب الجُوزجاني على أصحاب علي معروف، ولا إنكار على عاصم فيما روى. هذه عائشة أخصّ أزواج النبي صلى الله عليه وسلم تقول لسائلها عن شيء من أحوال النبي صلى الله عليه وسلم: سل عليًّا. فليس بعجبٍ أن يروي الصحابي شيئًا يرويه غيره من الصحابة بخلافه، ولا سيما في التطوع. وأما حديث الغنم، فلعل الآفة فيه ممن بعد عاصم.
[ص 56] أقول: في «الميزان» بعد ذِكْر بعض كلام الجوزجاني: «يعني أن عائشة وابن عمر وغيرهما حكوا عنه خلاف هذا، وعاصم بن ضَمْرة ينقل أنه عليه السلام كان يداوم على ذلك» .
أقول: تعصّب الجوزجاني معروف، ولكن الكلام فيما احتج به، وقول عائشة:«سل عليًّا» قالته لمن سألها عن التوقيت في المسح على الخفين،
(1)
في «الشجرة» : (ص/34 - 42).
فقالت: «سل عليًّا، فإنه أعلم بذلك مني» ، وفي رواية:«فإنه كان يسافر مع النبي صلى الله عليه وسلم» . ومعلوم أن بيان التوقيت لا يتكرر في كل سفر، ولم تشهد هي مع النبي صلى الله عليه وسلم جميعَ أسفاره، فمثل هذا لا يتعجَّب من جهلها به. أما التطوع الذي يتكرر كل يوم، فجهلها به عجيب ولا بد
(1)
.
على أن المُستَنْكَر هنا تفرّد عاصم عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يتابعه أحد عن علي، ولا روى مثله أحد عن النبي صلى الله عليه وسلم. والأقرب في الجواب، إنما هو ردّ دعوى نقل المداومة.
ولفظ الحديث، كما في «مسند أحمد» (1/ 162):
…
غُنْدر عن شُعبة عن أبي إسحاق قال: سمعت عاصم بن ضَمْرة يقول: سألنا عليًّا رضي الله عنه عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من النهار. فقال: «
…
إذا كانت الشمس من ههنا كهيئتها من ههنا عند العصر صلى ركعتين، وإذا كانت الشمس من ههنا كهيئتها من ههنا عند الظهر صلى أربعًا، ويصلي قبل الظهر أربعًا، وبعدها ركعتين، وقبل العصر أربعًا
…
».
فالعبارة لا تقتضي المدوامة، غاية الأمر أنها تقتضي تكرر ذلك.
على أن في رواية عند البيهقي آخر الحديث: «وقلّ ما يداوم عليها» ، لكن في «مسند أحمد» وغيره:«وقلّ من يداوم عليها» .
[ص 57] هذا، والأربع قبل الظهر، والركعتان بعدها، قد جاءت في
(1)
ذكر الجوزجاني هذا في كتابه (37) فقال: «فإن قال قائل: كم من حديث لم يروه إلا واحد! قيل: صدقت. كان النبي صلى الله عليه وسلم يجلس فيتكلم بالكلمة بالحكمة لعله لا يعود لها آخر دهره، فيحفظها عنه رجل، وهذا ركعات ــ كما قال عاصم ــ كان يداوم عليها. فلا يشتبهان» اهـ.
أحاديث أخر، منها: من حديث عائشة في «الصحيح»
(1)
، وكذلك الأربع قبل العصر قد جاءت من حديث ابن عمر عند أبي داود وغيره
(2)
، وسنده قوي.
وكذلك الركعتان إذا كانت الشمس من المشرق كما تكون عند العصر من المغرب، هي ركعتا الضحى، وقد جاءت من وجوهٍ أخرى.
وتبقى الأربع قبل الزوال، فهي محل الإنكار.
نعم، الوقت وقت صلاة، ولعله صلى الله عليه وسلم صلاها في بعض الأيام، ولكن هذا الاحتمال مبنيّ على أنها نَفْل مطلق، كما يقال: لعله صلى الله عليه وسلم تطوع في بعض الأيام بين الظهر والعصر غير راتبتهما، ولكن رواية عاصم تقتضي أنها نافلة موقتة. والله أعلم.
وأما حديثه في الزكاة، فمخالفته في موضعين:
الأول: أنه ذكر صدقة الإبل كما هو معروف، إلى أن قال: «وفي خمس وعشرين خمس شياه، فإذا زادت ففيها ابنة مخاض إلى خمس وثلاثين
…
». والمتفق عليه أن في خمس وعشرين بنت مخاض إلى خمس وثلاثين.
الثاني: أن في رواية الثوريّ عن أبي إسحاق عن عاصم: «فإذا زادت الإبل على عشرين ومائة، تستأنف الفريضة» .
والمعروف أنها لا تستأنف، بل يكون في كل خمسين حقّة، وفي كل أربعين بنت لبون أبدًا.
(1)
أخرجه مسلم رقم (730).
(2)
أبو داود رقم (1271)، والترمذي رقم (430)، وأحمد (5980).
[ص 58] وقد رواه شُعبة وشَريك وزهير عن أبي إسحاق عن عاصم فقال: «فإذا زادت على عشرين ومائة ففي كل خمسين حقة، وفي كل أربعين بنت لبون» .
فأما الأمر الأول؛ فاتفقوا على أنه خطأ، والخطأ إما من عاصم نفسه، وهو ظاهر كلامهم، وإما من أبي إسحاق، وعاصم أولى.
على أنه قد جاء عن أبي إسحاق: عن عاصم بن ضَمْرة وعن الحارث الأعور عن علي
…
رواه أبو داود
(1)
.
وعلى هذا فقد توبع عاصم في الجملة، وإن كان الحارث غير قوي، لكن أبو إسحاق مدلس ولم يصرح بالسماع من الحارث.
وأما الأمر الثاني؛ فإن ابن معين أحال بالغلط ــ في ظاهر كلامه ــ على يحيى بن سعيد القطان، الراوي عن الثوري. ورده يعقوب بن سفيان بأن ابن المبارك قد رواه أيضًا عن الثوري، قال: وقد أنكر أهل العلم هذا على عاصم.
وذكر البيهقي
(2)
أنه يحتمل أن ابن معين إنما أحال بالغلط على الثوري.
أقول: وقد تقدم أن شُعبةَ وشريكًا وزهيرًا رووه عن أبي إسحاق عن عاصم بخلاف ما قال الثوري. والثوريُّ إمام متقن، ولكن لابد للجواد من كبوة.
على أن هذا الأمر الثاني قد جاء ما يوافقه [ص 59] عن إبراهيم النخعي،
(1)
رقم (1572).
(2)
«السنن الكبرى» : (4/ 92 - 93).