المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل إزالة النجاسة على وفق القياس] - إعلام الموقعين عن رب العالمين - ط العلمية - جـ ١

[ابن القيم]

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدِّمَة الْكتاب]

- ‌[فَصْلٌ عُلَمَاءُ الْأُمَّةِ عَلَى ضَرْبَيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ مَا يُشْتَرَطُ فِيمَنْ يُوَقِّعُ عَنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ]

- ‌[فَصْلٌ أَوَّلُ مَنْ وَقَّعَ عَنْ اللَّهِ]

- ‌[فَصْلٌ عَمَّنْ انْتَشَرَ الدِّينُ وَالْفِقْهُ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْ صَارَتْ إلَيْهِ الْفَتْوَى مِنْ التَّابِعِينَ]

- ‌[فَصْلٌ فُقَهَاءُ الْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فُقَهَاءُ مَكَّةَ]

- ‌[فَصْلٌ فُقَهَاءُ الْبَصْرَةِ]

- ‌[أُصُولُ فَتَاوَى أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ]

- ‌[فَصْلٌ كَرَاهَةُ الْعُلَمَاءِ التَّسَرُّعَ فِي الْفَتْوَى]

- ‌[الْمُرَادُ بِالنَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ]

- ‌[خَطَرُ تَوَلِّي الْقَضَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ الْمُحَرَّمَاتُ عَلَى أَرْبَعِ مَرَاتِبَ]

- ‌[النَّهْيُ عَنْ أَنْ يُقَالَ هَذَا حُكْمُ اللَّهِ]

- ‌[لَفْظُ الْكَرَاهَةِ يُطْلَقُ عَلَى الْمُحَرَّمِ]

- ‌[مَا يَقُولُهُ الْمُفْتِي فِيمَا اجْتَهَدَ فِيهِ]

- ‌[فَصْلٌ كَلَامِ الْأَئِمَّةِ فِي الْفُتْيَا]

- ‌[أَدَوَاتُ الْفُتْيَا]

- ‌[الْفَتْوَى بِالتَّقْلِيدِ]

- ‌[شُرُوطُ الْإِفْتَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ الْإِفْتَاءِ فِي دِينِ اللَّهِ بِالرَّأْيِ]

- ‌[الْأَمْرُ بِالرَّدِّ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ يَشْتَمِلَانِ عَلَى حُكْمِ كُلِّ شَيْءٍ]

- ‌[الْوَعِيدُ عَلَى الْقَوْلِ بِالرَّأْيِ]

- ‌[فَصْلٌ تَأْوِيلُ مَا رُوِيَ عَنْ الصَّحَابَةِ مِنْ الْأَخْذِ بِالرَّأْيِ]

- ‌[فَصْلٌ الرَّأْيُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ]

- ‌[الرَّأْيُ الْبَاطِلُ وَأَنْوَاعُهُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الرَّأْيِ الْمَحْمُودِ وَهُوَ أَنْوَاعٌ]

- ‌[النَّوْعُ الْأَوَّلُ مِنْ الرَّأْيِ الْمَحْمُودِ]

- ‌[فَصْلٌ النَّوْعُ الثَّانِي مِنْ الرَّأْيِ الْمَحْمُودِ]

- ‌[فَصْلٌ النَّوْعُ الثَّالِثُ مِنْ الرَّأْيِ الْمَحْمُودِ]

- ‌[فَصْلٌ النَّوْعُ الرَّابِعُ مِنْ الرَّأْيِ الْمَحْمُودِ]

- ‌[كِتَابِ عُمَرَ فِي الْقَضَاءِ وشرحه]

- ‌[صِحَّةُ الْفَهْمِ وَحُسْنُ الْقَصْدِ]

- ‌[وَاجِبُ الْحَاكِمِ]

- ‌[نِصَابُ الشَّهَادَةِ]

- ‌[فَصْل تُشْرَعُ الْيَمِينُ مِنْ جِهَةِ أَقْوَى الْمُتَدَاعِيَيْنِ]

- ‌[صِفَاتُ الْحَاكِمِ وَمَا يُشْتَرَطُ فِيهِ]

- ‌[فَصْلٌ الصُّلْحُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ]

- ‌[فَصْلٌ يُؤَجِّلُ الْقَاضِي الْحُكْمَ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ]

- ‌[تَغَيُّرُ الْحُكْم بِتَغَيُّرِ الِاجْتِهَادِ]

- ‌[مَنْ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ]

- ‌[فَصْلٌ شَاهِدُ الزُّورِ]

- ‌[الْكَذِبِ فِي غَيْرِ الشَّهَادَةِ]

- ‌[فَصْلٌ الْحِكْمَةُ فِي رَدِّ شَهَادَةِ الْكَذَّابِ]

- ‌[فَصْلٌ شَهَادَةِ الْمَجْلُودِ فِي حَدِّ الْقَذْفِ]

- ‌[فَصْلٌ رَدُّ الشَّهَادَةِ بِالتُّهْمَةِ]

- ‌[فَصْلٌ شَهَادَةُ مَسْتُورِ الْحَالِ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي الْقِيَاسِ]

- ‌[أَنْوَاعُ الْقِيَاسِ]

- ‌[فَصْلٌ قِيَاسُ الدَّلَالَةِ]

- ‌[فَصْلٌ قِيَاسُ الشَّبَهِ]

- ‌[فَصْلٌ قِيَاسِ الْعَكْسِ]

- ‌[فَصْلٌ مِثْل مِنْ الْقِيَاسِ التَّمْثِيلِيِّ]

- ‌[السِّرُّ فِي ضَرْبِ الْأَمْثَالِ]

- ‌[تَسْوِيَة الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ جَاءَ الْقُرْآنُ بِتَعْلِيلِ الْأَحْكَامِ]

- ‌[مَا وَرَدَ فِي السُّنَّةِ مِنْ تَعْلِيلِ الْأَحْكَامِ]

- ‌[فَصْلٌ حَدِيثُ مُعَاذٍ حِينَ بَعَثَهُ الرَّسُولُ إلَى الْيَمَنِ]

- ‌[فَصْلٌ كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ يَجْتَهِدُونَ وَيَقِيسُونَ]

- ‌[مَا أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَيْهِ مِنْ مَسَائِلِ الْقِيَاسِ]

- ‌[قِيَاسُ الصَّحَابَةِ حَدَّ الشُّرْبِ عَلَى حَدِّ الْقَذْفِ]

- ‌[قِيَاسُ الصَّحَابَةِ فِي الْجَدِّ مَعَ الْإِخْوَةِ]

- ‌[اخْتِلَافُ الصَّحَابَة فِي الْمَرْأَةِ الْمُخَيَّرَةِ]

- ‌[الصَّحَابَةُ فَتَحُوا بَابَ الْقِيَاسِ وَالِاجْتِهَادِ]

- ‌[الْعَمَلُ بِالْقِيَاسِ مَرْكُوزٌ فِي فِطَرِ النَّاسِ]

- ‌[الْقَيَّاسُونَ وَالظَّاهِرِيَّةُ مُفْرِطُونَ]

- ‌[فَصْلٌ قَوْلُ نُفَاةِ الْقِيَاسِ]

- ‌[فَصْلٌ فَائِدَةُ ضَرْبِ الْأَمْثَالِ]

- ‌[فَصْلٌ لَمْ يَأْمُرْ النَّبِيُّ بِالْقِيَاسِ بَلْ نَهَى عَنْهُ]

- ‌[فَصْلٌ نهى الصَّحَابَةُ عَنْ الْقِيَاسِ]

- ‌[فَصْلٌ ذَمِّ التَّابِعُونَ لِلْقِيَاسِ]

- ‌[فَصْلٌ الْقِيَاسُ يُعَارِضُ بَعْضُهُ بَعْضًا]

- ‌[إذَا اخْتَلَفَتْ الْأَقْيِسَةُ فِي نَظَرِ الْمُجْتَهِدِينَ]

- ‌[لَمْ يَكُنْ الْقِيَاسُ حُجَّةً فِي زَمَنِ الرَّسُولِ]

- ‌[فَصْلٌ تَنَاقُضُ أَهْلِ الْقِيَاسِ دَلِيلُ فَسَادِهِ]

- ‌[فَصْلٌ مَثَلٌ مِمَّا جَمَعَ فِيهِ الْقِيَاسِيُّونَ بَيْنَ الْمُتَفَرِّقَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ مِنْ تَنَاقُضِ الْقِيَاسِيِّينَ مُرَاعَاةُ بَعْضِ الشُّرُوطِ دُونَ بَعْضِهَا الْآخَرِ]

- ‌[فَصْلٌ هَلْ فِي اللَّطْمَةِ وَالضَّرْبَةِ قِصَاصٌ]

- ‌[فَصْلٌ حُكُومَةُ النَّبِيَّيْنِ الْكَرِيمَيْنِ دَاوُد وَسُلَيْمَانَ]

- ‌[الْمُمَاثَلَةُ فِي الْقِصَاصِ فِي الْجِنَايَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي قُوَّة أَدِلَّةِ الْفَرِيقَيْنِ]

- ‌[إحَاطَةُ الْأَوَامِرِ الشَّرْعِيَّةِ بِأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ]

- ‌[فَصْلٌ هَلْ تُحِيطُ النُّصُوصُ بِحُكْمِ جَمِيعِ الْحَوَادِثِ]

- ‌[أخطاء المختلفين فِي إحاطة النُّصُوص بِأَحْكَام الحوادث]

- ‌[الْخَطَأ الْأَوَّل والثانى]

- ‌[الْخَطَأُ الثَّالِثُ تَحْمِيلُ الِاسْتِصْحَابِ فَوْقَ مَا يَسْتَحِقُّهُ]

- ‌[الِاسْتِصْحَابُ وَأَقْسَامُهُ]

- ‌[الْخَطَأُ الرَّابِعُ اعْتِقَاد أَنَّ عُقُودَ الْمُسْلِمِينَ وَشُرُوطَهُمْ وَمُعَامَلَاتِهِمْ كُلَّهَا عَلَى الْبُطْلَانِ حَتَّى يَقُومَ دَلِيلٌ عَلَى الصِّحَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ أَخْطَاءُ الْقِيَاسِيِّينَ]

- ‌[فَصْلُ فِي شُمُولُ النُّصُوصِ وَإِغْنَاؤُهَا عَنْ الْقِيَاسِ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الْمُشْتَرَكَةُ فِي الْفَرَائِضِ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الْعُمَرِيَّةُ]

- ‌[فَصَلِّ مِيرَاثُ الْأَخَوَاتِ مَعَ الْبَنَاتِ]

- ‌[فَصَلِّ مِيرَاثُ الْبَنَاتِ]

- ‌[فَصَلِّ مِيرَاثُ بِنْتِ الِابْنِ]

- ‌[فَصَلِّ مِيرَاثُ الْجَدِّ مَعَ الْإِخْوَةِ]

- ‌[فَصْلُ لَيْسَ فِي الشَّرِيعَةِ شَيْءٌ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ]

- ‌[فَصَلِّ الْحَوَالَةُ مُوَافِقَةٌ لِلْقِيَاسِ]

- ‌[فَصَلِّ الْقَرْضُ عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ]

- ‌[فَصَلِّ إزَالَةُ النَّجَاسَةِ عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ]

- ‌[فَصَلِّ طَهَارَةُ الْخَمْرِ بِالِاسْتِحَالَةِ عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ]

- ‌[فَصَلِّ الْوُضُوءُ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ]

- ‌[فَصَلِّ الْفِطْرُ بِالْحِجَامَةِ عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ]

- ‌[فَصَلِّ التَّيَمُّمُ جَارٍ عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ]

- ‌[فَصَلِّ السَّلَمُ جَارٍ عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ]

- ‌[فَصَلِّ الْكِتَابَةُ تَجْرِي عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ]

- ‌[فَصَلِّ بَيَانُ أَنَّ الْإِجَارَةَ عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ]

الفصل: ‌[فصل إزالة النجاسة على وفق القياس]

[فَصَلِّ الْقَرْضُ عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ]

وَأَمَّا الْقَرْضُ فَمَنْ قَالَ " إنَّهُ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ " فَشُبْهَتُهُ أَنَّهُ بَيْعٌ رِبَوِيٌّ بِجِنْسِهِ مَعَ تَأَخُّرِ الْقَبْضِ، وَهَذَا غَلَطٌ، فَإِنَّ الْقَرْضَ مِنْ جِنْسِ التَّبَرُّعِ بِالْمَنَافِعِ كَالْعَارِيَّةِ، وَلِهَذَا سَمَّاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَنِيحَةً فَقَالَ «أَوْ مَنِيحَةَ ذَهَبٍ أَوْ مَنِيحَةَ وَرِقٍ» وَهَذَا مِنْ بَابِ الْإِرْفَاقِ، لَا مِنْ بَابِ الْمُعَاوَضَاتِ، فَإِنَّ بَابَ الْمُعَاوَضَاتِ يُعْطِي كُلٌّ مِنْهُمَا أَصْلَ الْمَالِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَعُودُ إلَيْهِ، وَبَابُ الْقَرْضِ مِنْ جِنْسِ بَابِ الْعَارِيَّةِ وَالْمَنِيحَةِ وَإِفْقَارِ الظَّهْرِ مِمَّا يُعْطِي فِيهِ أَصْلَ الْمَالِ لِيَنْتَفِعَ بِمَا يَسْتَخْلِفُ مِنْهُ ثُمَّ يُعِيدُهُ إلَيْهِ بِعَيْنِهِ إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا فَنَظِيرُهُ وَمِثْلُهُ، فَتَارَةً يَنْتَفِعُ بِالْمَنَافِعِ كَمَا فِي عَارِيَّةِ الْعَقَارِ وَتَارَةً يَمْنَحُهُ مَاشِيَةً لِيَشْرَبَ لَبَنَهَا ثُمَّ يُعِيدَهَا أَوْ شَجَرَةً لِيَأْكُلَ ثَمَرَهَا ثُمَّ يُعِيدَهَا، وَتُسَمَّى الْعَرِيَّةَ، فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ: أَعْرَاهُ الشَّجَرَةَ، وَأَعَارَهُ الْمَتَاعَ، وَمَنَحَهُ الشَّاةَ، وَأَفْقَرَهُ الظَّهْرَ، وَأَقْرَضَهُ الدَّرَاهِمَ.

وَاللَّبَنُ وَالثَّمَرُ لَمَّا كَانَ يُسْتَخْلَفُ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الْمَنَافِعِ، وَلِهَذَا كَانَ فِي الْوَقْفِ يَجْرِي مَجْرَى الْمَنَافِعِ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ الْبَيْعِ فِي شَيْءٍ، بَلْ هُوَ مِنْ بَابِ الْإِرْفَاقِ وَالتَّبَرُّعِ وَالصَّدَقَةِ، وَإِنْ كَانَ الْمُقْرِضُ قَدْ يَنْتَفِعُ أَيْضًا بِالْقَرْضِ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ السَّفْتَجَةِ، وَلِهَذَا كَرِهَهَا مَنْ كَرِهَهَا، وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا لَا تُكْرَهُ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ لَا تَخُصُّ الْمُقْرِضَ، بَلْ يَنْتَفِعَانِ بِهَا جَمِيعًا.

[فَصَلِّ إزَالَةُ النَّجَاسَةِ عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ]

وَأَمَّا إزَالَةُ النَّجَاسَةِ فَمَنْ قَالَ " إنَّهَا عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ " فَقَوْلُهُ مِنْ أَبْطَلْ الْأَقْوَالِ وَأَفْسَدِهَا، وَشُبْهَتُهُ أَنَّ الْمَاءَ إذَا لَاقَى نَجَاسَةً تَنَجَّسَ بِهَا، ثُمَّ لَاقَى الثَّانِي وَالثَّالِثَ كَذَلِكَ، وَهَلُمَّ جَرًّا، وَالنَّجَسُ لَا يُزِيلُ نَجَاسَةً، وَهَذَا غَلَطٌ، فَإِنَّهُ يُقَالُ: فَلِمَ قُلْتُمْ: إنَّ الْقِيَاسَ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَاءَ إذَا لَاقَى نَجَاسَةً نَجُسَ؟ فَإِنْ قُلْتُمْ: الْحُكْمُ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ كَذَلِكَ، قِيلَ: هَذَا مَمْنُوعٌ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ: إنَّ الْمَاءَ لَا يَنْجُسُ إلَّا بِالتَّغَيُّرِ.

فَإِنْ قِيلَ: فَيُقَاسَ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ عَلَى " مَا تَغَيَّرَ.

قِيلَ: هَذَا مِنْ أَبْطَلْ الْقِيَاسِ حِسًّا وَشَرْعًا، وَلَيْسَ جَعْلُ الْإِزَالَةِ مُخَالِفَةً لِلْقِيَاسِ بِأَوْلَى مِنْ جَعْلِ تَنْجِيسِ الْمَاءِ مُخَالِفًا لِلْقِيَاسِ " بَلْ يُقَالُ: إنَّ الْقِيَاسَ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَاءَ إذَا لَاقَى نَجَاسَةً لَا يَنْجُسُ، كَمَا أَنَّهُ إذَا لَاقَاهَا حَالَ الْإِزَالَةِ لَا يَنْجُسُ، فَهَذَا الْقِيَاسُ أَصَحُّ مِنْ ذَلِكَ الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ تَزُولُ بِالْمَاءِ حِسًّا وَشَرْعًا، وَذَلِكَ مَعْلُومٌ بِالضَّرُورَةِ مِنْ الدِّينِ بِالنَّصِّ

ص: 295

وَالْإِجْمَاعِ.

وَأَمَّا تَنْجِيسُ الْمَاءِ بِالْمُلَاقَاةِ فَمَوْرِدُ نِزَاعٍ، فَكَيْفَ يُجْعَلُ مَوْرِدُ النِّزَاعِ حُجَّةً عَلَى مَوَاقِعِ الْإِجْمَاعِ؟ وَالْقِيَاسُ يَقْتَضِي رَدَّ مَوَارِدِ النِّزَاعِ إلَى مَوَاقِعِ الْإِجْمَاعِ، وَأَيْضًا فَاَلَّذِي تَقْتَضِيهِ الْعُقُولُ أَنَّ الْمَاءَ إذَا لَمْ تُغَيِّرْهُ النَّجَاسَةُ لَا يَنْجُسُ، فَإِنَّهُ بَاقٍ عَلَى أَصْلِ خِلْقَتِهِ، وَهُوَ طَيِّبٌ، فَيَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ:{وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157] وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ فِي الْمَائِعَاتِ جَمِيعِهَا إذَا وَقَعَ فِيهَا نَجَاسَةٌ فَاسْتَحَالَتْ بِحَيْثُ لَمْ يَظْهَرْ لَهَا لَوْنٌ وَلَا طَعْمٌ وَلَا رِيحٌ.

وَقَدْ تَنَازَعَ الْفُقَهَاءُ: هَلْ الْقِيَاسُ يَقْتَضِي نَجَاسَةَ الْمَاءِ بِمُلَاقَاةِ النَّجَاسَةِ إلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ الدَّلِيلُ، أَوْ الْقِيَاسُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَنْجُسُ إذَا لَمْ يَتَغَيَّرْ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ، وَالْأَوَّلُ قَوْلُ أَهْلِ الْعِرَاقِ، وَالثَّانِي قَوْلُ أَهْلِ الْحِجَازِ، وَفُقَهَاءُ الْحَدِيثِ مِنْهُمْ مَنْ يَخْتَارُ هَذَا وَمِنْهُمْ مَنْ يَخْتَارُ هَذَا.

وَقَوْلُ أَهْلِ الْحِجَازِ هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي تَدُلُّ عَلَيْهِ الْأُصُولُ وَالنُّصُوصُ وَالْمَعْقُولُ، فَإِنَّ اللَّهَ - سُبْحَانَهُ - أَبَاحَ الطَّيِّبَاتِ وَحَرَّمَ الْخَبَائِثَ، وَالطَّيِّبُ وَالْخَبِيثُ يَثْبُتُ لِلْمَحَلِّ بِاعْتِبَارِ صِفَاتٍ قَائِمَةٍ بِهِ، فَمَا دَامَتْ تِلْكَ الصِّفَةُ فَالْحُكْمُ تَابِعٌ لَهَا، فَإِذَا زَالَتْ وَخَلَفَتْهَا الصِّفَةُ الْأُخْرَى زَالَ الْحُكْمُ وَخَلَفَهُ ضِدُّهُ، فَهَذَا هُوَ مَحْضُ الْقِيَاسِ وَالْمَعْقُولِ، فَهَذَا الْمَاءُ وَالطَّعَامُ كَانَ طَيِّبًا لِقِيَامِ الصِّفَةِ الْمُوجِبَةِ لِطِيبِهِ، فَإِذَا زَالَتْ تِلْكَ الصِّفَةُ وَخَلَفَتْهَا صِفَةُ الْخُبْثِ عَادَ خَبِيثًا، فَإِذَا زَالَتْ صِفَةُ الْخُبْثِ عَادَ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ، وَهَذَا كَالْعَصِيرِ الطَّيِّبِ إذَا تَخَمَّرَ صَارَ خَبِيثًا فَإِذَا عَادَ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ عَادَ طَيِّبًا، وَالْمَاءُ الْكَثِيرُ إذَا تَغَيَّرَ بِالنَّجَاسَةِ صَارَ خَبِيثًا فَإِذَا زَالَ التَّغَيُّرُ عَادَ طَيِّبًا، وَالرَّجُلُ الْمُسْلِمُ إذَا ارْتَدَّ صَارَ خَبِيثًا فَإِذَا عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ عَادَ طَيِّبًا.

وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ طَيِّبٌ الْحِسُّ وَالشَّرْعُ: أَمَّا الْحِسُّ فَلِأَنَّ الْخُبْثَ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ فِيهِ أَثَرٌ بِوَجْهٍ مَا، لَا فِي لَوْنٍ وَلَا طَعْمٍ وَلَا رَائِحَةٍ، وَمُحَالٌ صِدْقُ الْمُشْتَقِّ بِدُونِ الْمُشْتَقِّ مِنْهُ. وَأَمَّا الشَّرْعُ فَمِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا أَنَّهُ كَانَ طَيِّبًا قَبْلَ مُلَاقَاتِهِ لِمَا يَتَأَثَّرُ بِهِ، وَالْأَصْلُ بَقَاءُ مَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ حَتَّى يَثْبُتَ رَفْعُهُ وَهَذَا يَتَضَمَّنُ أَنْوَاعَ الِاسْتِصْحَابِ الثَّلَاثَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ: اسْتِصْحَابُ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ مِنْ الْإِثْمِ بِتَنَاوُلِهِ شُرْبًا أَوْ طَبْخًا أَوْ عَجْنًا، وَمُلَابَسَةُ اسْتِصْحَابِ الْحُكْمِ الثَّابِتِ وَهُوَ الطَّهَارَةُ، وَاسْتِصْحَابُ حُكْمِ الْإِجْمَاعِ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ.

الثَّانِي: أَنَّهُ لَوْ شَرِبَ هَذَا الْمَاءَ الَّذِي قُطِرَتْ فِيهِ قَطْرَةٌ مِنْ خَمْرٍ مِثْلُ رَأْسِ الذُّبَابَةِ لَمْ يُحَدَّ اتِّفَاقًا، وَلَوْ شَرِبَهُ صَبِيٌّ وَقَدْ قُطِرَتْ فِيهِ قَطْرَةٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ تَنْشُرْ الْحُرْمَةُ، فَلَا وَجْهَ لِلْحُكْمِ بِنَجَاسَتِهِ لَا مِنْ كِتَابٍ وَلَا مِنْ سُنَّةٍ وَلَا قِيَاسٍ.

وَاَلَّذِينَ قَالُوا: " إنَّ الْأَصْلَ نَجَاسَةُ الْمَاءِ بِالْمُلَاقَاةِ " تَنَاقَضُوا أَعْظَمَ تَنَاقُضٍ، وَلَمْ يُمْكِنْهُمْ طَرْدُ هَذَا الْأَصْلِ: فَمِنْهُمْ مَنْ اسْتَثْنَى مِقْدَارَ الْقُلَّتَيْنِ عَلَى خِلَافِهِمْ فِيهَا، وَمِنْهُمْ مَنْ اسْتَثْنَى مَا لَا يُمْكِنُ نَزْحُهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ اسْتَثْنَى مَا إذَا حُرِّكَ أَحَدُ طَرَفَيْهِ لَمْ يَتَحَرَّكْ الطَّرَفُ الْآخَرُ، وَمِنْهُمْ

ص: 296