المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل تشرع اليمين من جهة أقوى المتداعيين] - إعلام الموقعين عن رب العالمين - ط العلمية - جـ ١

[ابن القيم]

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدِّمَة الْكتاب]

- ‌[فَصْلٌ عُلَمَاءُ الْأُمَّةِ عَلَى ضَرْبَيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ مَا يُشْتَرَطُ فِيمَنْ يُوَقِّعُ عَنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ]

- ‌[فَصْلٌ أَوَّلُ مَنْ وَقَّعَ عَنْ اللَّهِ]

- ‌[فَصْلٌ عَمَّنْ انْتَشَرَ الدِّينُ وَالْفِقْهُ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْ صَارَتْ إلَيْهِ الْفَتْوَى مِنْ التَّابِعِينَ]

- ‌[فَصْلٌ فُقَهَاءُ الْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فُقَهَاءُ مَكَّةَ]

- ‌[فَصْلٌ فُقَهَاءُ الْبَصْرَةِ]

- ‌[أُصُولُ فَتَاوَى أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ]

- ‌[فَصْلٌ كَرَاهَةُ الْعُلَمَاءِ التَّسَرُّعَ فِي الْفَتْوَى]

- ‌[الْمُرَادُ بِالنَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ]

- ‌[خَطَرُ تَوَلِّي الْقَضَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ الْمُحَرَّمَاتُ عَلَى أَرْبَعِ مَرَاتِبَ]

- ‌[النَّهْيُ عَنْ أَنْ يُقَالَ هَذَا حُكْمُ اللَّهِ]

- ‌[لَفْظُ الْكَرَاهَةِ يُطْلَقُ عَلَى الْمُحَرَّمِ]

- ‌[مَا يَقُولُهُ الْمُفْتِي فِيمَا اجْتَهَدَ فِيهِ]

- ‌[فَصْلٌ كَلَامِ الْأَئِمَّةِ فِي الْفُتْيَا]

- ‌[أَدَوَاتُ الْفُتْيَا]

- ‌[الْفَتْوَى بِالتَّقْلِيدِ]

- ‌[شُرُوطُ الْإِفْتَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ الْإِفْتَاءِ فِي دِينِ اللَّهِ بِالرَّأْيِ]

- ‌[الْأَمْرُ بِالرَّدِّ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ يَشْتَمِلَانِ عَلَى حُكْمِ كُلِّ شَيْءٍ]

- ‌[الْوَعِيدُ عَلَى الْقَوْلِ بِالرَّأْيِ]

- ‌[فَصْلٌ تَأْوِيلُ مَا رُوِيَ عَنْ الصَّحَابَةِ مِنْ الْأَخْذِ بِالرَّأْيِ]

- ‌[فَصْلٌ الرَّأْيُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ]

- ‌[الرَّأْيُ الْبَاطِلُ وَأَنْوَاعُهُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الرَّأْيِ الْمَحْمُودِ وَهُوَ أَنْوَاعٌ]

- ‌[النَّوْعُ الْأَوَّلُ مِنْ الرَّأْيِ الْمَحْمُودِ]

- ‌[فَصْلٌ النَّوْعُ الثَّانِي مِنْ الرَّأْيِ الْمَحْمُودِ]

- ‌[فَصْلٌ النَّوْعُ الثَّالِثُ مِنْ الرَّأْيِ الْمَحْمُودِ]

- ‌[فَصْلٌ النَّوْعُ الرَّابِعُ مِنْ الرَّأْيِ الْمَحْمُودِ]

- ‌[كِتَابِ عُمَرَ فِي الْقَضَاءِ وشرحه]

- ‌[صِحَّةُ الْفَهْمِ وَحُسْنُ الْقَصْدِ]

- ‌[وَاجِبُ الْحَاكِمِ]

- ‌[نِصَابُ الشَّهَادَةِ]

- ‌[فَصْل تُشْرَعُ الْيَمِينُ مِنْ جِهَةِ أَقْوَى الْمُتَدَاعِيَيْنِ]

- ‌[صِفَاتُ الْحَاكِمِ وَمَا يُشْتَرَطُ فِيهِ]

- ‌[فَصْلٌ الصُّلْحُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ]

- ‌[فَصْلٌ يُؤَجِّلُ الْقَاضِي الْحُكْمَ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ]

- ‌[تَغَيُّرُ الْحُكْم بِتَغَيُّرِ الِاجْتِهَادِ]

- ‌[مَنْ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ]

- ‌[فَصْلٌ شَاهِدُ الزُّورِ]

- ‌[الْكَذِبِ فِي غَيْرِ الشَّهَادَةِ]

- ‌[فَصْلٌ الْحِكْمَةُ فِي رَدِّ شَهَادَةِ الْكَذَّابِ]

- ‌[فَصْلٌ شَهَادَةِ الْمَجْلُودِ فِي حَدِّ الْقَذْفِ]

- ‌[فَصْلٌ رَدُّ الشَّهَادَةِ بِالتُّهْمَةِ]

- ‌[فَصْلٌ شَهَادَةُ مَسْتُورِ الْحَالِ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي الْقِيَاسِ]

- ‌[أَنْوَاعُ الْقِيَاسِ]

- ‌[فَصْلٌ قِيَاسُ الدَّلَالَةِ]

- ‌[فَصْلٌ قِيَاسُ الشَّبَهِ]

- ‌[فَصْلٌ قِيَاسِ الْعَكْسِ]

- ‌[فَصْلٌ مِثْل مِنْ الْقِيَاسِ التَّمْثِيلِيِّ]

- ‌[السِّرُّ فِي ضَرْبِ الْأَمْثَالِ]

- ‌[تَسْوِيَة الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ جَاءَ الْقُرْآنُ بِتَعْلِيلِ الْأَحْكَامِ]

- ‌[مَا وَرَدَ فِي السُّنَّةِ مِنْ تَعْلِيلِ الْأَحْكَامِ]

- ‌[فَصْلٌ حَدِيثُ مُعَاذٍ حِينَ بَعَثَهُ الرَّسُولُ إلَى الْيَمَنِ]

- ‌[فَصْلٌ كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ يَجْتَهِدُونَ وَيَقِيسُونَ]

- ‌[مَا أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَيْهِ مِنْ مَسَائِلِ الْقِيَاسِ]

- ‌[قِيَاسُ الصَّحَابَةِ حَدَّ الشُّرْبِ عَلَى حَدِّ الْقَذْفِ]

- ‌[قِيَاسُ الصَّحَابَةِ فِي الْجَدِّ مَعَ الْإِخْوَةِ]

- ‌[اخْتِلَافُ الصَّحَابَة فِي الْمَرْأَةِ الْمُخَيَّرَةِ]

- ‌[الصَّحَابَةُ فَتَحُوا بَابَ الْقِيَاسِ وَالِاجْتِهَادِ]

- ‌[الْعَمَلُ بِالْقِيَاسِ مَرْكُوزٌ فِي فِطَرِ النَّاسِ]

- ‌[الْقَيَّاسُونَ وَالظَّاهِرِيَّةُ مُفْرِطُونَ]

- ‌[فَصْلٌ قَوْلُ نُفَاةِ الْقِيَاسِ]

- ‌[فَصْلٌ فَائِدَةُ ضَرْبِ الْأَمْثَالِ]

- ‌[فَصْلٌ لَمْ يَأْمُرْ النَّبِيُّ بِالْقِيَاسِ بَلْ نَهَى عَنْهُ]

- ‌[فَصْلٌ نهى الصَّحَابَةُ عَنْ الْقِيَاسِ]

- ‌[فَصْلٌ ذَمِّ التَّابِعُونَ لِلْقِيَاسِ]

- ‌[فَصْلٌ الْقِيَاسُ يُعَارِضُ بَعْضُهُ بَعْضًا]

- ‌[إذَا اخْتَلَفَتْ الْأَقْيِسَةُ فِي نَظَرِ الْمُجْتَهِدِينَ]

- ‌[لَمْ يَكُنْ الْقِيَاسُ حُجَّةً فِي زَمَنِ الرَّسُولِ]

- ‌[فَصْلٌ تَنَاقُضُ أَهْلِ الْقِيَاسِ دَلِيلُ فَسَادِهِ]

- ‌[فَصْلٌ مَثَلٌ مِمَّا جَمَعَ فِيهِ الْقِيَاسِيُّونَ بَيْنَ الْمُتَفَرِّقَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ مِنْ تَنَاقُضِ الْقِيَاسِيِّينَ مُرَاعَاةُ بَعْضِ الشُّرُوطِ دُونَ بَعْضِهَا الْآخَرِ]

- ‌[فَصْلٌ هَلْ فِي اللَّطْمَةِ وَالضَّرْبَةِ قِصَاصٌ]

- ‌[فَصْلٌ حُكُومَةُ النَّبِيَّيْنِ الْكَرِيمَيْنِ دَاوُد وَسُلَيْمَانَ]

- ‌[الْمُمَاثَلَةُ فِي الْقِصَاصِ فِي الْجِنَايَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي قُوَّة أَدِلَّةِ الْفَرِيقَيْنِ]

- ‌[إحَاطَةُ الْأَوَامِرِ الشَّرْعِيَّةِ بِأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ]

- ‌[فَصْلٌ هَلْ تُحِيطُ النُّصُوصُ بِحُكْمِ جَمِيعِ الْحَوَادِثِ]

- ‌[أخطاء المختلفين فِي إحاطة النُّصُوص بِأَحْكَام الحوادث]

- ‌[الْخَطَأ الْأَوَّل والثانى]

- ‌[الْخَطَأُ الثَّالِثُ تَحْمِيلُ الِاسْتِصْحَابِ فَوْقَ مَا يَسْتَحِقُّهُ]

- ‌[الِاسْتِصْحَابُ وَأَقْسَامُهُ]

- ‌[الْخَطَأُ الرَّابِعُ اعْتِقَاد أَنَّ عُقُودَ الْمُسْلِمِينَ وَشُرُوطَهُمْ وَمُعَامَلَاتِهِمْ كُلَّهَا عَلَى الْبُطْلَانِ حَتَّى يَقُومَ دَلِيلٌ عَلَى الصِّحَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ أَخْطَاءُ الْقِيَاسِيِّينَ]

- ‌[فَصْلُ فِي شُمُولُ النُّصُوصِ وَإِغْنَاؤُهَا عَنْ الْقِيَاسِ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الْمُشْتَرَكَةُ فِي الْفَرَائِضِ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الْعُمَرِيَّةُ]

- ‌[فَصَلِّ مِيرَاثُ الْأَخَوَاتِ مَعَ الْبَنَاتِ]

- ‌[فَصَلِّ مِيرَاثُ الْبَنَاتِ]

- ‌[فَصَلِّ مِيرَاثُ بِنْتِ الِابْنِ]

- ‌[فَصَلِّ مِيرَاثُ الْجَدِّ مَعَ الْإِخْوَةِ]

- ‌[فَصْلُ لَيْسَ فِي الشَّرِيعَةِ شَيْءٌ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ]

- ‌[فَصَلِّ الْحَوَالَةُ مُوَافِقَةٌ لِلْقِيَاسِ]

- ‌[فَصَلِّ الْقَرْضُ عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ]

- ‌[فَصَلِّ إزَالَةُ النَّجَاسَةِ عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ]

- ‌[فَصَلِّ طَهَارَةُ الْخَمْرِ بِالِاسْتِحَالَةِ عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ]

- ‌[فَصَلِّ الْوُضُوءُ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ]

- ‌[فَصَلِّ الْفِطْرُ بِالْحِجَامَةِ عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ]

- ‌[فَصَلِّ التَّيَمُّمُ جَارٍ عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ]

- ‌[فَصَلِّ السَّلَمُ جَارٍ عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ]

- ‌[فَصَلِّ الْكِتَابَةُ تَجْرِي عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ]

- ‌[فَصَلِّ بَيَانُ أَنَّ الْإِجَارَةَ عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ]

الفصل: ‌[فصل تشرع اليمين من جهة أقوى المتداعيين]

فَقَوِيَ الشَّاهِدُ الْوَاحِدُ وَالنُّكُولُ أَوْ يَمِينُ الطَّالِبِ عَلَى رَفْعِهَا، فَحُكِمَ لَهُ، فَهَذَا كُلُّهُ مِمَّا يُبَيِّنُ حِكْمَةَ الشَّارِعِ، وَأَنَّهُ يَقْضِي بِالْبَيِّنَةِ الَّتِي تُبَيِّنُ الْحَقَّ وَهِيَ الدَّلِيلُ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَالشَّاهِدُ الَّذِي يَشْهَدُ بِهِ، بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ، بَلْ الْحَقُّ أَنَّ الشَّاهِدَ الْوَاحِدَ إذَا ظَهَرَ صِدْقُهُ حُكِمَ بِشَهَادَتِهِ وَحْدَهُ، وَقَدْ أَجَازَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم شَهَادَةَ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ لِأَبِي قَتَادَةَ بِقَتْلِ الْمُشْرِكِ وَدَفَعَ إلَيْهِ سَلَبَهُ بِشَهَادَتِهِ وَحْدَهُ، وَلَمْ يَحْلِفْ أَبَا قَتَادَةَ، فَجَعَلَهُ بَيِّنَةً تَامَّةً، وَأَجَازَ شَهَادَةَ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ وَحْدَهُ بِمُبَايَعَتِهِ لِلْأَعْرَابِيِّ، وَجَعَلَ شَهَادَتَهُ بِشَهَادَتَيْنِ لِمَا اسْتَنَدَتْ إلَى تَصْدِيقِهِ صلى الله عليه وسلم بِالرِّسَالَةِ الْمُتَضَمَّنَةِ تَصْدِيقَهُ فِي كُلِّ مَا يُخْبِرُ بِهِ، فَإِذَا شَهِدَ الْمُسْلِمُونَ، بِأَنَّهُ صَادِقٌ فِي خَبَرِهِ عَنْ اللَّهِ فَبِطَرِيقِ الْأَوْلَى يَشْهَدُونَ أَنَّهُ صَادِقٌ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِهِ، وَلِهَذَا كَانَ مِنْ تَرَاجُمِ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ عَلَى حَدِيثِهِ " الْحُكْمُ بِشَهَادَةِ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ إذَا عُرِفَ صِدْقُهُ.

[فَصْل تُشْرَعُ الْيَمِينُ مِنْ جِهَةِ أَقْوَى الْمُتَدَاعِيَيْنِ]

وَاَلَّذِي جَاءَتْ بِهِ الشَّرِيعَةُ أَنَّ الْيَمِينَ تُشْرَعُ مِنْ جِهَةِ أَقْوَى الْمُتَدَاعِيَيْنِ، فَأَيُّ الْخَصْمَيْنِ تَرَجَّحَ جَانِبُهُ جُعِلَتْ الْيَمِينُ مِنْ جِهَتِهِ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ كَأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَفُقَهَاءِ الْحَدِيثِ كَالْإِمَامِ أَحْمَدَ وَالشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَغَيْرِهِمْ؛ وَأَمَّا أَهْلُ الْعِرَاقِ فَلَا يُحَلَّفُونَ إلَّا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَحْدَهُ، فَلَا يَجْعَلُونَ الْيَمِينَ إلَّا مِنْ جَانِبِهِ فَقَطْ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ؛ وَالْجُمْهُورُ يَقُولُونَ: قَدْ ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَضَى بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ، وَثَبَتَ عَنْهُ أَنَّهُ عَرَضَ الْأَيْمَانَ فِي الْقَسَامَةِ عَلَى الْمُدَّعِينَ أَوَّلًا، فَلَمَّا أَبَوْا جَعَلَهَا مِنْ جَانِبِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ، وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَيْمَانَ اللِّعَانِ مِنْ جَانِبِ الزَّوْجِ أَوَّلًا، فَإِذَا نَكَلَتْ الْمَرْأَةُ عَنْ مُعَارَضَةِ أَيْمَانِهِ بِأَيْمَانِهَا وَجَبَ عَلَيْهَا الْعَذَابُ بِالْحَدِّ، وَهُوَ الْعَذَابُ الْمَذْكُورُ فِي قَوْلِهِ:{وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النور: 2] فَإِنَّ الْمُدَّعِيَ لَمَّا تَرَجَّحَ جَانِبُهُ بِالشَّاهِدِ الْوَاحِدِ شُرِعَتْ الْيَمِينُ مِنْ جِهَتِهِ، وَكَذَلِكَ أَوْلِيَاءُ الدَّمِ تَرَجَّحَ جَانِبُهُمْ بِاللَّوَثِ فَشُرِعَتْ الْيَمِينُ مِنْ جِهَتِهِمْ وَأُكِّدَتْ بِالْعَدَدِ تَعْظِيمًا لِخَطَرِ النَّفْسِ، وَكَذَلِكَ الزَّوْجُ فِي اللِّعَانِ جَانِبُهُ أَرْجَحُ مِنْ جَانِبِ الْمَرْأَةِ قَطْعًا، فَإِنَّ إقْدَامَهُ عَلَى إتْلَافِ فِرَاشِهِ، وَرَمْيِهَا بِالْفَاحِشَةِ عَلَى رُءُوسِ الْأَشْهَادِ، وَتَعْرِيضَ نَفْسِهِ لِعُقُوبَةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَفَضِيحَةَ أَهْلِهِ وَنَفْسِهِ عَلَى رُءُوسِ الْأَشْهَادِ، مِمَّا يَأْبَاهُ طِبَاعُ الْعُقَلَاءِ، وَتَنْفِرُ عَنْهُ نُفُوسُهُمْ، لَوْلَا أَنَّ الزَّوْجَةَ اضْطَرَّتْهُ بِمَا رَآهُ وَتَيَقَّنَهُ مِنْهَا إلَى ذَلِكَ؛ فَجَانِبُهُ أَقْوَى مِنْ جَانِبِ الْمَرْأَةِ قَطْعًا، فَشُرِعَتْ الْيَمِينُ مِنْ جَانِبِهِ، وَلِهَذَا كَانَ الْقَتْلُ فِي الْقَسَامَةِ وَاللِّعَانِ وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ؛ فَأَمَّا فُقَهَاءُ الْعِرَاقِ فَلَا يَقْتُلُونَ لَا بِهَذَا وَلَا بِهَذَا، وَأَحْمَدُ يَقْتُلُ بِالْقَسَامَةِ دُونَ اللِّعَانِ،

ص: 79

وَالشَّافِعِيُّ يَقْتُلُ بِاللِّعَانِ دُونَ الْقَسَامَةِ، وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا مَا يُعَارِضُ الْحَدِيثَ الصَّحِيحَ، وَهُوَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم:«لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لَادَّعَى قَوْمٌ دِمَاءَ قَوْمٍ وَأَمْوَالِهِمْ، وَلَكِنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ» فَإِنَّ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَ الْمُدَّعِي إلَّا مُجَرَّدُ الدَّعْوَى، فَإِنَّهُ لَا يَقْضِي لَهُ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى، فَأَمَّا إذَا تَرَجَّحَ جَانِبُهُ بِشَاهِدٍ أَوْ لَوَثٍ أَوْ غَيْرِهِ لَمْ يُقْضَ لَهُ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ، بَلْ بِالشَّاهِدِ الْمُجْتَمَعِ مِنْ تَرْجِيحِ جَانِبِهِ وَمِنْ الْيَمِينِ؛ وَقَدْ حَكَمَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد عليه السلام لِإِحْدَى الْمَرْأَتَيْنِ بِالْوَلَدِ لِتَرَجُّحِ جَانِبِهَا بِالشَّفَقَةِ عَلَى الْوَلَدِ وَإِيثَارِهَا لِحَيَاتِهِ وَرَضِيَ الْأُخْرَى بِقَتْلِهِ، وَلَمْ يَلْتَفِتْ إلَى إقْرَارِهَا لِلْأُخْرَى بِهِ.

وَقَوْلُهُ: " هُوَ ابْنُهَا " وَلِهَذَا كَانَ مِنْ تَرَاجُمِ الْأَئِمَّةِ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ " التَّوْسِعَةُ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَقُولَ لِلشَّيْءِ الَّذِي لَا يَفْعَلُهُ أَفْعَلُ " لِيَسْتَبِينَ بِهِ الْحَقَّ، ثُمَّ تَرْجَمَ تَرْجَمَةً أُخْرَى أَحْسَنَ مِنْ هَذِهِ وَأَفْقَهَ فَقَالَ:" الْحُكْمُ بِخِلَافِ مَا يَعْتَرِفُ بِهِ الْمَحْكُومُ لَهُ إذَا تَبَيَّنَ لِلْحَاكِمِ أَنَّ الْحَقَّ غَيْرُ مَا اعْتَرَفَ بِهِ " فَهَكَذَا يَكُونُ فَهْمُ الْأَئِمَّةِ مِنْ النُّصُوصِ وَاسْتِنْبَاطِ الْأَحْكَامِ الَّتِي تَشْهَدُ الْعُقُولُ وَالْفِطَرُ بِهَا مِنْهَا؛ وَلَعَمْرُ اللَّهِ إنَّ هَذَا الْعِلْمُ النَّافِعُ لَا خَرْصَ الْآرَاءِ وَتَخْمِينَ الظُّنُونِ.

فَإِنْ قِيلَ: فَفِي الْقَسَامَةِ يُقْبَلُ مُجَرَّدُ أَيْمَانِ الْمُدَّعِينَ، وَلَا تُجْعَلُ أَيْمَانُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ دَافِعَةً لِلْقَتْلِ؛ وَفِي اللِّعَانِ لَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ إذَا حَلَفَ الزَّوْجُ مُكِّنَتْ الْمَرْأَةُ أَنْ تَدْفَعَ عَنْ نَفْسِهَا بِأَيْمَانِهَا، وَلَا تُقْتَلُ بِمُجَرَّدِ أَيْمَانِ الزَّوْجِ، فَمَا الْفَرْقُ؟ قِيلَ: هَذَا مِنْ كَمَالِ الشَّرِيعَةِ وَتَمَامِ عَدْلِهَا وَمَحَاسِنِهَا فَإِنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ فِي الْقَسَامَةِ حَقٌّ لِآدَمِيٍّ، وَهُوَ اسْتِحْقَاقُ الدَّمِ، وَقَدْ جُعِلَتْ الْأَيْمَانُ الْمُكَرَّرَةُ بَيِّنَةً تَامَّةً مَعَ اللَّوَثِ، فَإِذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى أَيْمَانِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَفِي اللِّعَانِ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ حَقُّ لِلَّهِ وَهُوَ حَدُّ الزِّنَا، وَلَمْ يَشْهَدْ بِهِ أَرْبَعَةُ شُهُودٍ، وَإِنَّمَا جَعَلَ الزَّوْجَ أَنْ يَحْلِفَ أَيْمَانًا مُكَرَّرَةً وَمُؤَكَّدَةً بِاللَّعْنَةِ أَنَّهَا جَنَتْ عَلَى فِرَاشِهِ وَأَفْسَدَتْهُ، فَلَيْسَ لَهُ شَاهِدٌ إلَّا نَفْسَهُ، وَهِيَ شَهَادَةٌ ضَعِيفَةٌ، فَمُكِّنَتْ الْمَرْأَةُ أَنْ تُعَارِضَهَا بِأَيْمَانٍ مُكَرَّرَةٍ مِثْلِهَا، فَإِذَا نَكَلَتْ وَلَمْ تُعَارِضْهَا صَارَتْ أَيْمَانُ الزَّوْجِ مَعَ نُكُولِهَا بَيِّنَةً قَوِيَّةً لَا مُعَارِضَ لَهَا؛ وَلِهَذَا كَانَ الْأَيْمَانُ أَرْبَعَةً لِتَقُومَ مَقَامَ الشُّهُودِ الْأَرْبَعَةِ، وَأَكَّدَتْ بِالْخَامِسَةِ هِيَ الدُّعَاءُ عَلَى نَفْسِهِ بِاللَّعْنَةِ إنْ كَانَ كَاذِبًا، فَفِي الْقَسَامَةِ جُعِلَ اللَّوَثُ وَهُوَ الْأَمَارَةُ الظَّاهِرَةُ الدَّالَّةُ عَلَى أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ قَتَلُوهُ شَاهِدًا، وَجُعِلَتْ الْخَمْسِينَ يَمِينًا شَاهِدًا آخَرَ، وَفِي اللِّعَانِ جُعِلَتْ أَيْمَانُ الزَّوْجِ كَشَاهِدٍ وَنُكُولُهَا كَشَاهِدٍ آخَرَ.

[لَا يَتَوَقَّفُ الْحُكْمُ عَلَى شَهَادَةِ ذَكَرَيْنِ أَصْلًا] .

وَالْمَقْصُودُ أَنَّ الشَّارِعَ لَمْ يَقِفْ الْحُكْمَ فِي حِفْظِ الْحُقُوقِ أَلْبَتَّةَ عَلَى شَهَادَةِ ذَكَرَيْنِ، لَا فِي الدِّمَاءِ وَلَا فِي الْأَمْوَالِ وَلَا فِي الْفُرُوجِ وَلَا فِي الْحُدُودِ، بَلْ قَدْ حَدَّ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ

ص: 80

وَالصَّحَابَةُ رضي الله عنهم فِي الزِّنَا بِالْحَبَلِ، وَفِي الْخَمْرِ بِالرَّائِحَةِ وَالْقَيْءِ، وَكَذَلِكَ إذَا وُجِدَ الْمَسْرُوقُ عِنْدَ السَّارِقِ كَانَ أَوْلَى بِالْحَدِّ مِنْ ظُهُورِ الْحَبَلِ وَالرَّائِحَةِ فِي الْخَمْرِ، وَكُلُّ مَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِي ظُهُورِ الْمَسْرُوقِ أَمْكَنَ أَنْ يُقَالَ فِي الْحَبَلِ وَالرَّائِحَةِ، بَلْ أَوْلَى، فَإِنَّ الشُّبْهَةَ الَّتِي تَعْرِضُ فِي الْحَبَلِ مِنْ الْإِكْرَاهِ وَوَطْءِ الشُّبْهَةِ؛ وَفِي الرَّائِحَةِ لَا يَعْرِضُ مِثْلُهَا فِي ظُهُورِ الْعَيْنِ الْمَسْرُوقَةِ، وَالْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ وَالصَّحَابَةُ رضي الله عنهم لَمْ يَلْتَفِتُوا إلَى هَذِهِ الشُّبْهَةِ الَّتِي تَجْوِيزُ غَلَطِ الشَّاهِدِ وَوَهْمُهُ وَكَذِبُهُ أَظْهَرُ مِنْهَا بِكَثِيرٍ، فَلَوْ عُطِّلَ الْحَدُّ بِهَا لَكَانَ تَعْطِيلُهُ بِالشُّبْهَةِ الَّتِي تُمْكِنُ فِي شَهَادَةِ الشَّاهِدَيْنِ أَوْلَى، فَهَذَا مَحْضُ الْفِقْهِ وَالِاعْتِبَارُ وَمَصَالِحُ الْعِبَادِ، وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ الْأَدِلَّةِ عَلَى جَلَالَةِ فِقْهِ الصَّحَابَةِ وَعَظَمَتِهِ وَمُطَابَقَتِهِ لِمَصَالِحِ الْعِبَادِ، وَحِكْمَةِ الرَّبِّ وَشَرْعِهِ، وَأَنَّ التَّفَاوُتَ الَّذِي بَيْنَ أَقْوَالِهِمْ وَأَقْوَالِ مَنْ بَعْدَهُمْ كَالتَّفَاوُتِ الَّذِي بَيْنَ الْقَائِلِينَ.

[لَمْ يَرُدَّ الشَّارِعُ خَبَرَ الْعَدْلِ]

وَالْمَقْصُودُ أَنَّ الشَّارِعَ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ لَمْ يَرُدَّ خَبَرَ الْعَدْلِ قَطُّ، لَا فِي رِوَايَةٍ وَلَا فِي شَهَادَةٍ، بَلْ قَبِلَ خَبَرَ الْعَدْلِ الْوَاحِدِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ أَخْبَرَ بِهِ، كَمَا قَبِلَ شَهَادَتَهُ لِأَبِي قَتَادَةَ بِالْقَتِيلِ، وَقَبِلَ شَهَادَةَ خُزَيْمَةَ وَحْدَهُ، وَقَبِلَ شَهَادَةَ الْأَعْرَابِيِّ وَحْدَهُ عَلَى رُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ، وَقَبِلَ شَهَادَةَ الْأَمَةِ السَّوْدَاءِ وَحْدَهَا عَلَى الرَّضَاعَةِ، وَقَبِلَ خَبَرَ تَمِيمٍ وَحْدَهُ وَهُوَ خَبَرٌ عَنْ أَمْرٍ حِسِّيٍّ شَاهَدَهُ وَرَآهُ فَقَبِلَهُ وَرَوَاهُ عَنْهُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّهَادَةِ فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عَنْ أَمْرٍ مُسْتَنِدٍ إلَى الْحِسِّ وَالْمُشَاهَدَةِ، فَتَمِيمٌ شَهِدَ بِمَا رَآهُ وَعَايَنَهُ، وَأَخْبَرَ بِهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَصَدَّقَهُ وَقَبِلَ خَبَرَهُ، فَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ أَنْ يَشْهَدَ الْعَدْلُ الْوَاحِدُ عَلَى أَمْرٍ رَآهُ وَعَايَنَهُ يَتَعَلَّقُ بِمَشْهُودٍ لَهُ وَعَلَيْهِ وَبَيْنَ أَنْ يُخْبِرَ بِمَا رَآهُ وَعَايَنَهُ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْعُمُومِ؟ وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى قَبُولِ أَذَانِ الْمُؤَذِّنِ الْوَاحِدِ، وَهُوَ شَهَادَةٌ مِنْهُ بِدُخُولِ الْوَقْتِ، وَخَبَرٌ عَنْهُ يَتَعَلَّقُ بِالْمُخْبِرِ وَغَيْرِهِ، وَكَذَلِكَ أَجْمَعُوا عَلَى قَبُولِ فَتْوَى الْمُفْتِي الْوَاحِدِ وَهِيَ خَبَرٌ عَنْ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ يَعُمُّ الْمُسْتَفْتِيَ وَغَيْرَهُ.

[جَانِبُ التَّحَمُّلِ غَيْرُ جَانِبِ الثُّبُوتِ]

وَسِرُّ الْمَسْأَلَةِ أَنْ لَا يَلْزَمَ مِنْ الْأَمْرِ بِالتَّعَدُّدِ فِي جَانِبِ التَّحَمُّلِ وَحِفْظِ الْحُقُوقِ الْأَمْرُ بِالتَّعَدُّدِ فِي جَانِبِ الْحُكْمِ وَالثُّبُوتِ؛ فَالْخَبَرُ الصَّادِقُ لَا تَأْتِي الشَّرِيعَةُ بِرَدِّهِ أَبَدًا، وَقَدْ ذَمَّ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ مَنْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ، وَرَدُّ الْخَبَرِ الصَّادِقِ تَكْذِيبٌ بِالْحَقِّ وَكَذَلِكَ الدَّلَالَةُ الظَّاهِرَةُ لَا تُرَدُّ إلَّا بِمَا هُوَ مِثْلُهَا أَوْ أَقْوَى مِنْهَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ لَمْ يَأْمُرْ بِرَدِّ خَبَرِ الْفَاسِقِ، بَلْ بِالتَّثْبِيتِ وَالتَّبْيِينِ، فَإِنْ ظَهَرَتْ الْأَدِلَّةُ عَلَى صِدْقِهِ قُبِلَ خَبَرُهُ، وَإِنْ ظَهَرَتْ الْأَدِلَّةُ عَلَى كَذِبِهِ رُدَّ خَبَرُهُ، وَإِنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ وَاحِدٌ مِنْ الْأَمْرَيْنِ وَقَفَ خَبَرُهُ، وَقَدْ قَبِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خَبَرَ الدَّلِيلِ الْمُشْتَرَكِ الَّذِي اسْتَأْجَرَهُ لِيَدُلَّهُ

ص: 81