الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اسْتَبَانَ لَك مِنْ أَئِمَّةِ الْمُهْتَدِينَ، فَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ كُلَّ مَا قَضَتْ بِهِ أَئِمَّةُ الْمُهْتَدِينَ فَاجْتَهِدْ رَأْيَك، وَاسْتَشِرْ أَهْلَ الْعِلْمِ وَالصَّلَاحِ.
وَقَالَ الْحُمَيْدِيُّ: ثنا سُفْيَانُ ثنا الشَّيْبَانِيُّ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ إلَى شُرَيْحٍ إذَا حَضَرَك أَمْرٌ لَا بُدَّ مِنْهُ فَانْظُرْ مَا فِي كِتَابِ اللَّهِ فَاقْضِ بِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَفِيمَا قَضَى بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَفِيمَا قَضَى بِهِ الصَّالِحُونَ وَأَئِمَّةُ الْعَدْلِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَأَنْتَ بِالْخِيَارِ، فَإِنْ شِئْت أَنْ تَجْتَهِدَ رَأْيَك فَاجْتَهِدْ رَأْيَك، وَإِنْ شِئْت أَنْ تُؤَامِرنِي، وَلَا أَرَى مُؤَامَرَتَك إيَّايَ إلَّا خَيْرًا لَك، وَالسَّلَامُ.
[فَصْلٌ النَّوْعُ الرَّابِعُ مِنْ الرَّأْيِ الْمَحْمُودِ]
النَّوْعُ الرَّابِعُ مِنْ الرَّأْيِ الْمَحْمُودِ: أَنْ يَكُونَ بَعْدَ طَلَبِ عِلْمِ الْوَاقِعَةِ مِنْ الْقُرْآنِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْهَا فِي الْقُرْآنِ فَفِي السُّنَّةِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْهَا فِي السُّنَّةِ فَبِمَا قَضَى بِهِ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ أَوْ اثْنَانِ مِنْهُمْ أَوْ وَاحِدٌ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ فَبِمَا قَالَهُ وَاحِدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم، فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ اجْتَهَدَ رَأْيَهُ وَنَظَرَ إلَى أَقْرَبِ ذَلِكَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم وَأَقْضِيَةِ أَصْحَابِهِ؛ فَهَذَا هُوَ الرَّأْيُ الَّذِي سَوَّغَهُ الصَّحَابَةُ وَاسْتَعْمَلُوهُ، وَأَقَرَّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا عَلَيْهِ.
قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ: أَنْبَأَنَا شُعْبَةُ عَنْ سَيَّارٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: أَخَذَ عُمَرُ فَرَسًا مِنْ رَجُلٍ عَلَى سَوْمٍ فَحَمَلَ عَلَيْهِ فَعَطَبَ، فَخَاصَمَهُ الرَّجُلُ، فَقَالَ عُمَرُ: اجْعَلْ بَيْنِي وَبَيْنَك رَجُلًا، فَقَالَ الرَّجُلُ: إنِّي أَرْضَى بِشُرَيْحٍ الْعِرَاقِيِّ، فَقَالَ شُرَيْحٌ: أَخَذْتَهُ صَحِيحًا سَلِيمًا فَأَنْتَ لَهُ ضَامِنٌ حَتَّى تَرُدَّهُ صَحِيحًا سَلِيمًا، قَالَ: فَكَأَنَّهُ أَعْجَبَهُ فَبَعَثَهُ قَاضِيًا، قَالَ: مَا اسْتَبَانَ لَك مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَا تَسْأَلْ عَنْهُ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَبِنْ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَمِنْ السُّنَّةِ، فَإِنْ لَمْ تَجِدْهُ فِي السُّنَّةِ فَاجْتَهِدْ رَأْيَك.
[كِتَابِ عُمَرَ فِي الْقَضَاءِ وشرحه]
[خِطَابُ عُمَرَ إلَى أَبِي مُوسَى]
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: ثنا كَثِيرُ بْنُ هِشَامٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ، وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ عَنْ مَعْمَرٍ الْبَصْرِيِّ عَنْ أَبِي الْعَوَّامِ، وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: ثنا إدْرِيسُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ إدْرِيسَ قَالَ: أَتَيْت سَعِيدَ بْنَ أَبِي بُرْدَةَ فَسَأَلْتُهُ عَنْ رُسُلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ الَّتِي كَانَ يَكْتُبُ بِهَا إلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، وَكَانَ أَبُو مُوسَى قَدْ أَوْصَى إلَى أَبِي بُرْدَةَ، فَأَخْرَجَ إلَيْهِ كُتُبًا، فَرَأَيْت فِي كِتَابٍ مِنْهَا، رَجَعْنَا إلَى حَدِيثِ أَبِي الْعَوَّامِ، قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ إلَى أَبِي مُوسَى " أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ الْقَضَاءَ فَرِيضَةٌ مُحْكَمَةٌ، وَسُنَّةٌ مُتَّبَعَةٌ، فَافْهَمْ إذَا أَدْلَى إلَيْك؛ فَإِنَّهُ لَا يَنْفَعُ تَكَلُّمٌ بِحَقٍّ لَا
نَفَاذَ لَهُ، آسِ النَّاسَ فِي مَجْلِسِك وَفِي وَجْهِك وَقَضَائِك، حَتَّى لَا يَطْمَعَ شَرِيفٌ فِي حَيْفِك، وَلَا يَيْأَسَ ضَعِيفٌ مِنْ عَدْلِك، الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ، وَالصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، إلَّا صُلْحًا أَحَلَّ حَرَامًا أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا، وَمَنْ ادَّعَى حَقًّا غَائِبًا أَوْ بَيِّنَةً فَاضْرِبْ لَهُ أَمَدًا يَنْتَهِي إلَيْهِ، فَإِنْ بَيَّنَهُ أَعْطَيْتَهُ بِحَقِّهِ، وَإِنْ أَعْجَزَهُ ذَلِكَ اسْتَحْلَلْت عَلَيْهِ الْقَضِيَّةَ، فَإِنَّ ذَلِكَ هُوَ أَبْلَغُ فِي الْعُذْرِ وَأَجْلَى لِلْعَمَاءِ، وَلَا يَمْنَعَنَّكَ قَضَاءٌ قَضَيْت فِيهِ الْيَوْمَ فَرَاجَعْت فِيهِ رَأْيَك فَهُدِيت فِيهِ لِرُشْدِك أَنْ تُرَاجِعَ فِيهِ الْحَقَّ، فَإِنَّ الْحَقَّ قَدِيمٌ لَا يُبْطِلُهُ شَيْءٌ، وَمُرَاجَعَةُ الْحَقِّ خَيْرٌ مِنْ التَّمَادِي فِي الْبَاطِلِ، وَالْمُسْلِمُونَ عُدُولٌ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، إلَّا مُجَرَّبًا عَلَيْهِ شَهَادَةُ زُورٍ، أَوْ مَجْلُودًا فِي حَدٍّ، أَوْ ظَنِينًا فِي وَلَاءٍ أَوْ قَرَابَةٍ؛ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَوَلَّى مِنْ الْعِبَادِ السَّرَائِرَ، وَسَتَرَ عَلَيْهِمْ الْحُدُودَ إلَّا بِالْبَيِّنَاتِ وَالْأَيْمَانِ، ثُمَّ الْفَهْمَ الْفَهْمَ فِيمَا أَدْلَى إلَيْك مِمَّا وَرَدَ عَلَيْك مِمَّا لَيْسَ فِي قُرْآنٍ وَلَا سُنَّةٍ، ثُمَّ قَايِسْ الْأُمُورَ عِنْدَ ذَلِكَ وَاعْرَفْ الْأَمْثَالَ، ثُمَّ اعْمِدْ فِيمَا تَرَى إلَى أَحَبِّهَا إلَى اللَّهِ وَأَشْبَهِهَا بِالْحَقِّ، وَإِيَّاكَ وَالْغَضَبَ وَالْقَلِقَ وَالضَّجِرَ وَالتَّأَذِّي بِالنَّاسِ وَالتَّنَكُّرَ عِنْدَ الْخُصُومَةِ، أَوْ الْخُصُومِ، شَكَّ أَبُو عُبَيْدٍ؛ فَإِنَّ الْقَضَاءَ فِي مَوَاطِنِ الْحَقِّ مِمَّا يُوجِبُ اللَّهُ بِهِ الْأَجْرَ، وَيُحْسِنُ بِهِ الذِّكْرَ، فَمَنْ خَلَصَتْ نِيَّتُهُ فِي الْحَقِّ وَلَوْ عَلَى نَفْسِهِ كَفَاهُ اللَّهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ، وَمَنْ تَزَّيَّنَ بِمَا لَيْسَ فِي نَفْسِهِ شَانَهُ اللَّهُ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَقْبَلُ مِنْ الْعِبَادِ إلَّا مَا كَانَ خَالِصًا، فَمَا ظَنُّك بِثَوَابٍ عِنْدَ اللَّهِ فِي عَاجِلِ رِزْقِهِ وَخَزَائِنِ رَحْمَتِهِ، وَالسَّلَامُ عَلَيْك وَرَحْمَةُ اللَّهِ " قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَقُلْت لِكَثِيرٍ: هَلْ أَسْنَدَهُ جَعْفَرٌ؟ قَالَ: لَا.
وَهَذَا كِتَابٌ جَلِيلٌ تَلَقَّاهُ الْعُلَمَاءُ بِالْقَبُولِ، وَبَنَوْا عَلَيْهِ أُصُولَ الْحُكْمِ وَالشَّهَادَةِ، وَالْحَاكِمُ وَالْمُفْتِي أَحْوَجُ شَيْءٍ إلَيْهِ وَإِلَى تَأَمُّلِهِ وَالتَّفَقُّهِ فِيهِ.
[شَرْحُ كِتَابِ عُمَرَ فِي الْقَضَاءِ]
وَقَوْلُهُ: " الْقَضَاءُ فَرِيضَةٌ مُحْكَمَةٌ وَسُنَّةٌ مُتَّبَعَةٌ " يُرِيدُ بِهِ أَنَّ مَا يَحْكُمُ بِهِ الْحَاكِمُ نَوْعَانِ:
أَحَدُهُمَا: فَرْضٌ مُحْكَمٌ غَيْرُ مَنْسُوخٍ، كَالْأَحْكَامِ الْكُلِّيَّةِ الَّتِي أَحْكَمَهَا اللَّهُ فِي كِتَابِهِ.
وَالثَّانِي: أَحْكَامٌ سَنَّهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَهَذَانِ النَّوْعَانِ هُمَا الْمَذْكُورَانِ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«الْعِلْمُ ثَلَاثَةٌ فَمَا سِوَى ذَلِكَ فَهُوَ فَضْلٌ: آيَةٌ مُحْكَمَةٌ، وَسُنَّةٌ قَائِمَةٌ، وَفَرِيضَةٌ عَادِلَةٌ» رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَافِعٍ عَنْهُ.
وَرَوَاهُ بَقِيَّةٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: «دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَرَأَى جَمْعًا مِنْ النَّاسِ عَلَى رَجُلٍ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، رَجُلٌ عَلَّامَةٌ، قَالَ: وَمَا الْعَلَّامَةُ؟ قَالُوا: أَعْلَمُ النَّاسِ بِأَنْسَابِ الْعَرَبِ، وَأَعْلَمُ النَّاسِ بِعَرَبِيَّةٍ، وَأَعْلَمُ النَّاسِ بِشَعْرٍ، وَأَعْلَمُ النَّاسِ بِمَا اخْتَلَفَ فِيهِ الْعَرَبُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: هَذَا عِلْمٌ لَا يَنْفَعُ وَجَهْلٌ لَا يَضُرُّ» وَقَالَ