المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[المماثلة في القصاص في الجنايات] - إعلام الموقعين عن رب العالمين - ط العلمية - جـ ١

[ابن القيم]

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدِّمَة الْكتاب]

- ‌[فَصْلٌ عُلَمَاءُ الْأُمَّةِ عَلَى ضَرْبَيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ مَا يُشْتَرَطُ فِيمَنْ يُوَقِّعُ عَنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ]

- ‌[فَصْلٌ أَوَّلُ مَنْ وَقَّعَ عَنْ اللَّهِ]

- ‌[فَصْلٌ عَمَّنْ انْتَشَرَ الدِّينُ وَالْفِقْهُ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْ صَارَتْ إلَيْهِ الْفَتْوَى مِنْ التَّابِعِينَ]

- ‌[فَصْلٌ فُقَهَاءُ الْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فُقَهَاءُ مَكَّةَ]

- ‌[فَصْلٌ فُقَهَاءُ الْبَصْرَةِ]

- ‌[أُصُولُ فَتَاوَى أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ]

- ‌[فَصْلٌ كَرَاهَةُ الْعُلَمَاءِ التَّسَرُّعَ فِي الْفَتْوَى]

- ‌[الْمُرَادُ بِالنَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ]

- ‌[خَطَرُ تَوَلِّي الْقَضَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ الْمُحَرَّمَاتُ عَلَى أَرْبَعِ مَرَاتِبَ]

- ‌[النَّهْيُ عَنْ أَنْ يُقَالَ هَذَا حُكْمُ اللَّهِ]

- ‌[لَفْظُ الْكَرَاهَةِ يُطْلَقُ عَلَى الْمُحَرَّمِ]

- ‌[مَا يَقُولُهُ الْمُفْتِي فِيمَا اجْتَهَدَ فِيهِ]

- ‌[فَصْلٌ كَلَامِ الْأَئِمَّةِ فِي الْفُتْيَا]

- ‌[أَدَوَاتُ الْفُتْيَا]

- ‌[الْفَتْوَى بِالتَّقْلِيدِ]

- ‌[شُرُوطُ الْإِفْتَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ الْإِفْتَاءِ فِي دِينِ اللَّهِ بِالرَّأْيِ]

- ‌[الْأَمْرُ بِالرَّدِّ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ يَشْتَمِلَانِ عَلَى حُكْمِ كُلِّ شَيْءٍ]

- ‌[الْوَعِيدُ عَلَى الْقَوْلِ بِالرَّأْيِ]

- ‌[فَصْلٌ تَأْوِيلُ مَا رُوِيَ عَنْ الصَّحَابَةِ مِنْ الْأَخْذِ بِالرَّأْيِ]

- ‌[فَصْلٌ الرَّأْيُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ]

- ‌[الرَّأْيُ الْبَاطِلُ وَأَنْوَاعُهُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الرَّأْيِ الْمَحْمُودِ وَهُوَ أَنْوَاعٌ]

- ‌[النَّوْعُ الْأَوَّلُ مِنْ الرَّأْيِ الْمَحْمُودِ]

- ‌[فَصْلٌ النَّوْعُ الثَّانِي مِنْ الرَّأْيِ الْمَحْمُودِ]

- ‌[فَصْلٌ النَّوْعُ الثَّالِثُ مِنْ الرَّأْيِ الْمَحْمُودِ]

- ‌[فَصْلٌ النَّوْعُ الرَّابِعُ مِنْ الرَّأْيِ الْمَحْمُودِ]

- ‌[كِتَابِ عُمَرَ فِي الْقَضَاءِ وشرحه]

- ‌[صِحَّةُ الْفَهْمِ وَحُسْنُ الْقَصْدِ]

- ‌[وَاجِبُ الْحَاكِمِ]

- ‌[نِصَابُ الشَّهَادَةِ]

- ‌[فَصْل تُشْرَعُ الْيَمِينُ مِنْ جِهَةِ أَقْوَى الْمُتَدَاعِيَيْنِ]

- ‌[صِفَاتُ الْحَاكِمِ وَمَا يُشْتَرَطُ فِيهِ]

- ‌[فَصْلٌ الصُّلْحُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ]

- ‌[فَصْلٌ يُؤَجِّلُ الْقَاضِي الْحُكْمَ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ]

- ‌[تَغَيُّرُ الْحُكْم بِتَغَيُّرِ الِاجْتِهَادِ]

- ‌[مَنْ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ]

- ‌[فَصْلٌ شَاهِدُ الزُّورِ]

- ‌[الْكَذِبِ فِي غَيْرِ الشَّهَادَةِ]

- ‌[فَصْلٌ الْحِكْمَةُ فِي رَدِّ شَهَادَةِ الْكَذَّابِ]

- ‌[فَصْلٌ شَهَادَةِ الْمَجْلُودِ فِي حَدِّ الْقَذْفِ]

- ‌[فَصْلٌ رَدُّ الشَّهَادَةِ بِالتُّهْمَةِ]

- ‌[فَصْلٌ شَهَادَةُ مَسْتُورِ الْحَالِ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي الْقِيَاسِ]

- ‌[أَنْوَاعُ الْقِيَاسِ]

- ‌[فَصْلٌ قِيَاسُ الدَّلَالَةِ]

- ‌[فَصْلٌ قِيَاسُ الشَّبَهِ]

- ‌[فَصْلٌ قِيَاسِ الْعَكْسِ]

- ‌[فَصْلٌ مِثْل مِنْ الْقِيَاسِ التَّمْثِيلِيِّ]

- ‌[السِّرُّ فِي ضَرْبِ الْأَمْثَالِ]

- ‌[تَسْوِيَة الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ جَاءَ الْقُرْآنُ بِتَعْلِيلِ الْأَحْكَامِ]

- ‌[مَا وَرَدَ فِي السُّنَّةِ مِنْ تَعْلِيلِ الْأَحْكَامِ]

- ‌[فَصْلٌ حَدِيثُ مُعَاذٍ حِينَ بَعَثَهُ الرَّسُولُ إلَى الْيَمَنِ]

- ‌[فَصْلٌ كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ يَجْتَهِدُونَ وَيَقِيسُونَ]

- ‌[مَا أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَيْهِ مِنْ مَسَائِلِ الْقِيَاسِ]

- ‌[قِيَاسُ الصَّحَابَةِ حَدَّ الشُّرْبِ عَلَى حَدِّ الْقَذْفِ]

- ‌[قِيَاسُ الصَّحَابَةِ فِي الْجَدِّ مَعَ الْإِخْوَةِ]

- ‌[اخْتِلَافُ الصَّحَابَة فِي الْمَرْأَةِ الْمُخَيَّرَةِ]

- ‌[الصَّحَابَةُ فَتَحُوا بَابَ الْقِيَاسِ وَالِاجْتِهَادِ]

- ‌[الْعَمَلُ بِالْقِيَاسِ مَرْكُوزٌ فِي فِطَرِ النَّاسِ]

- ‌[الْقَيَّاسُونَ وَالظَّاهِرِيَّةُ مُفْرِطُونَ]

- ‌[فَصْلٌ قَوْلُ نُفَاةِ الْقِيَاسِ]

- ‌[فَصْلٌ فَائِدَةُ ضَرْبِ الْأَمْثَالِ]

- ‌[فَصْلٌ لَمْ يَأْمُرْ النَّبِيُّ بِالْقِيَاسِ بَلْ نَهَى عَنْهُ]

- ‌[فَصْلٌ نهى الصَّحَابَةُ عَنْ الْقِيَاسِ]

- ‌[فَصْلٌ ذَمِّ التَّابِعُونَ لِلْقِيَاسِ]

- ‌[فَصْلٌ الْقِيَاسُ يُعَارِضُ بَعْضُهُ بَعْضًا]

- ‌[إذَا اخْتَلَفَتْ الْأَقْيِسَةُ فِي نَظَرِ الْمُجْتَهِدِينَ]

- ‌[لَمْ يَكُنْ الْقِيَاسُ حُجَّةً فِي زَمَنِ الرَّسُولِ]

- ‌[فَصْلٌ تَنَاقُضُ أَهْلِ الْقِيَاسِ دَلِيلُ فَسَادِهِ]

- ‌[فَصْلٌ مَثَلٌ مِمَّا جَمَعَ فِيهِ الْقِيَاسِيُّونَ بَيْنَ الْمُتَفَرِّقَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ مِنْ تَنَاقُضِ الْقِيَاسِيِّينَ مُرَاعَاةُ بَعْضِ الشُّرُوطِ دُونَ بَعْضِهَا الْآخَرِ]

- ‌[فَصْلٌ هَلْ فِي اللَّطْمَةِ وَالضَّرْبَةِ قِصَاصٌ]

- ‌[فَصْلٌ حُكُومَةُ النَّبِيَّيْنِ الْكَرِيمَيْنِ دَاوُد وَسُلَيْمَانَ]

- ‌[الْمُمَاثَلَةُ فِي الْقِصَاصِ فِي الْجِنَايَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي قُوَّة أَدِلَّةِ الْفَرِيقَيْنِ]

- ‌[إحَاطَةُ الْأَوَامِرِ الشَّرْعِيَّةِ بِأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ]

- ‌[فَصْلٌ هَلْ تُحِيطُ النُّصُوصُ بِحُكْمِ جَمِيعِ الْحَوَادِثِ]

- ‌[أخطاء المختلفين فِي إحاطة النُّصُوص بِأَحْكَام الحوادث]

- ‌[الْخَطَأ الْأَوَّل والثانى]

- ‌[الْخَطَأُ الثَّالِثُ تَحْمِيلُ الِاسْتِصْحَابِ فَوْقَ مَا يَسْتَحِقُّهُ]

- ‌[الِاسْتِصْحَابُ وَأَقْسَامُهُ]

- ‌[الْخَطَأُ الرَّابِعُ اعْتِقَاد أَنَّ عُقُودَ الْمُسْلِمِينَ وَشُرُوطَهُمْ وَمُعَامَلَاتِهِمْ كُلَّهَا عَلَى الْبُطْلَانِ حَتَّى يَقُومَ دَلِيلٌ عَلَى الصِّحَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ أَخْطَاءُ الْقِيَاسِيِّينَ]

- ‌[فَصْلُ فِي شُمُولُ النُّصُوصِ وَإِغْنَاؤُهَا عَنْ الْقِيَاسِ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الْمُشْتَرَكَةُ فِي الْفَرَائِضِ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الْعُمَرِيَّةُ]

- ‌[فَصَلِّ مِيرَاثُ الْأَخَوَاتِ مَعَ الْبَنَاتِ]

- ‌[فَصَلِّ مِيرَاثُ الْبَنَاتِ]

- ‌[فَصَلِّ مِيرَاثُ بِنْتِ الِابْنِ]

- ‌[فَصَلِّ مِيرَاثُ الْجَدِّ مَعَ الْإِخْوَةِ]

- ‌[فَصْلُ لَيْسَ فِي الشَّرِيعَةِ شَيْءٌ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ]

- ‌[فَصَلِّ الْحَوَالَةُ مُوَافِقَةٌ لِلْقِيَاسِ]

- ‌[فَصَلِّ الْقَرْضُ عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ]

- ‌[فَصَلِّ إزَالَةُ النَّجَاسَةِ عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ]

- ‌[فَصَلِّ طَهَارَةُ الْخَمْرِ بِالِاسْتِحَالَةِ عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ]

- ‌[فَصَلِّ الْوُضُوءُ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ]

- ‌[فَصَلِّ الْفِطْرُ بِالْحِجَامَةِ عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ]

- ‌[فَصَلِّ التَّيَمُّمُ جَارٍ عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ]

- ‌[فَصَلِّ السَّلَمُ جَارٍ عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ]

- ‌[فَصَلِّ الْكِتَابَةُ تَجْرِي عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ]

- ‌[فَصَلِّ بَيَانُ أَنَّ الْإِجَارَةَ عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ]

الفصل: ‌[المماثلة في القصاص في الجنايات]

نَمَائِهَا بِقَدْرِ نَمَاءِ الْبُسْتَانِ فَيَسْتَوْفُوا مِنْ نَمَاءِ غَنَمِهِمْ نَظِيرَ مَا فَاتَهُمْ مِنْ نَمَاءِ حَرْثِهِمْ، وَقَدْ اعْتَبَرَ النماءين فَوَجَدَهُمَا سَوَاءً وَهَذَا هُوَ الْعِلْمُ الَّذِي خَصَّهُ اللَّهُ بِهِ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِإِدْرَاكِهِ.

وَقَدْ تَنَازَعَ عُلَمَاءُ الْمُسْلِمِينَ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْقَضِيَّةِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا: مُوَافَقَةُ الْحُكْمِ السُّلَيْمَانِيِّ فِي ضَمَانِ النَّفْشِ وَفِي الْمِثْلِ، وَهُوَ الْحَقُّ، وَهُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ، وَوَجْهٌ لِلشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ، وَالْمَشْهُورُ عِنْدَهُمْ خِلَافُهُ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: مُوَافَقَتُهُ فِي ضَمَانِ النَّفْشِ دُونَ التَّضْمِينِ بِالْمِثْلِ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ.

وَالثَّالِثُ: مُوَافَقَتُهُ فِي التَّضْمِينِ بِالْمِثْلِ دُونَ النَّفْشِ كَمَا إذَا رَعَاهَا صَاحِبُهَا بِاخْتِيَارِهِ دُونَ مَا إذَا تَفَلَّتَتْ وَلَمْ يَشْعُرْ بِهَا، وَهُوَ قَوْلُ دَاوُد وَمَنْ وَافَقَهُ.

وَالْقَوْلُ الرَّابِعُ: أَنَّ النَّفْشَ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ بِحَالٍ، وَمَا وَجَبَ مِنْ ضَمَانِ الرَّاعِي بِغَيْرِ النَّفْشِ فَإِنَّهُ يُضْمَنُ بِالْقِيمَةِ لَا بِالْمِثْلِ، وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ.

وَمَا حَكَمَ بِهِ نَبِيُّ اللَّهِ سُلَيْمَانُ هُوَ الْأَقْرَبُ إلَى الْعَدْلِ وَالْقِيَاسِ، وَقَدْ حَكَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّ عَلَى أَهْلِ الْحَوَائِطِ حِفْظَهَا بِالنَّهَارِ وَأَنَّ مَا أَفْسَدَتْ الْمَوَاشِي بِاللَّيْلِ ضَمَانٌ عَلَى أَهْلِهَا، فَصَحَّ بِحُكْمِهِ ضَمَانُ النَّفْشِ، وَصَحَّ بِالنُّصُوصِ السَّابِقَةِ وَالْقِيَاسُ الصَّحِيحُ وُجُوبُ الضَّمَانِ بِالْمِثْلِ، وَصَحَّ بِنَصِّ الْكِتَابِ الثَّنَاءُ عَلَى سُلَيْمَانَ بِتَفْهِيمِ هَذَا الْحُكْمِ، فَصَحَّ أَنَّهُ الصَّوَابُ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.

[الْمُمَاثَلَةُ فِي الْقِصَاصِ فِي الْجِنَايَاتِ]

[هَلْ يُفْعَلُ بِالْجَانِي مِثْلُ مَا فَعَلَ بِالْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ؟]

وَمِنْ ذَلِكَ الْمُمَاثَلَةُ فِي الْقِصَاصِ فِي الْجِنَايَاتِ الثَّلَاثِ عَلَى النُّفُوسِ وَالْأَمْوَالِ وَالْأَعْرَاضِ، فَهَذِهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ: الْأُولَى: هَلْ يُفْعَلُ بِالْجَانِي كَمَا يُفْعَلُ بِالْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ؟ فَإِنْ كَانَ الْفِعْلُ مُحَرَّمًا لِحَقِّ اللَّهِ كَاللِّوَاطِ وَتَجْرِيعِهِ الْخَمْرَ لَمْ يُفْعَلْ بِهِ كَمَا فَعَلَ اتِّفَاقًا، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ كَتَحْرِيقِهِ بِالنَّارِ وَإِلْقَائِهِ فِي الْمَاءِ وَرَضِّ رَأْسِهِ بِالْحَجَرِ وَمَنْعِهِ مِنْ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ حَتَّى يَمُوتَ فَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ فِي إحْدَى الرِّوَايَاتِ عَنْهُ يَفْعَلُونَ بِهِ كَمَا فَعَلَ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْجُرْحِ الْمُزْهِقِ وَغَيْرِهِ، وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ يَقُولَانِ: لَا يُقْتَلُ إلَّا بِالسَّيْفِ فِي الْعُنُقِ خَاصَّةً وَأَحْمَدُ [فِي] رِوَايَةٍ ثَالِثَةٍ يَقُولُ: إنْ كَانَ الْجُرْحُ مُزْهِقًا فُعِلَ بِهِ كَمَا فَعَلَ، وَإِلَّا قُتِلَ بِالسَّيْفِ.

وَفِي رِوَايَةٍ رَابِعَةٍ يَقُولُ: إنْ كَانَ مُزْهِقًا، أَوْ مُوجِبًا لِلْقَوَدِ بِنَفْسِهِ لَوْ انْفَرَدَ فُعِلَ بِهِ كَمَا فَعَلَ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ قُتِلَ بِالسَّيْفِ، وَالْكِتَابُ وَالْمِيزَانُ مَعَ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ، وَبِهِ جَاءَتْ السُّنَّةُ، فَإِنَّ «النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَضَّ رَأْسَ الْيَهُودِيِّ بَيْنَ حَجَرَيْنِ كَمَا فَعَلَ بِالْجَارِيَةِ» ، وَلَيْسَ هَذَا قَتْلًا لِنَقْضِهِ الْعَهْدَ؛ لِأَنَّ نَاقِضَ الْعَهْدِ إنَّمَا يُقْتَلُ بِالسَّيْفِ فِي الْعُنُقِ، وَفِي أَثَرٍ مَرْفُوعٍ «مَنْ حَرَّقَ

ص: 246

حَرَّقْنَاهُ، وَمَنْ غَرَّقَ غَرَّقْنَاهُ» وَحَدِيثُ «لَا قَوَدَ إلَّا بِالسَّيْفِ» قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: لَيْسَ إسْنَادُهُ بِجَيِّدٍ، وَالثَّابِتُ عَنْ الصَّحَابَةِ أَنَّهُ يُفْعَلُ بِهِ كَمَا فَعَلَ، فَقَدْ اتَّفَقَ عَلَى ذَلِكَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْقِيَاسُ وَآثَارُ الصَّحَابَةِ، وَاسْمُ الْقِصَاصِ يَقْتَضِيهِ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ الْمُمَاثَلَةَ.

[ضَمَانُ إتْلَافِ الْمَالِ]

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: إتْلَافُ الْمَالِ، فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَهُ حُرْمَةٌ كَالْحَيَوَانِ وَالْعَبِيدِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُتْلِفَ مَالَهُ كَمَا أَتْلَفَ مَالَهُ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حُرْمَةٌ كَالثَّوْبِ يَشُقُّهُ وَالْإِنَاءِ يَكْسِرُهُ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُتْلِفَ عَلَيْهِ نَظِيرَ مَا أَتْلَفَهُ، بَلْ لَهُ الْقِيمَةُ، أَوْ الْمِثْلُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَالْقِيَاسُ يَقْتَضِي أَنَّ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ بِنَظِيرِ مَا أَتْلَفَهُ عَلَيْهِ كَمَا فَعَلَهُ الْجَانِي بِهِ، فَيَشُقُّ ثَوْبَهُ كَمَا شَقَّ ثَوْبَهُ، وَيَكْسِرُ عَصَاهُ كَمَا كَسَرَ عَصَاهُ إذَا كَانَا مُتَسَاوِيَيْنِ، وَهَذَا مِنْ الْعَدْلِ، وَلَيْسَ مَعَ مَنْ مَنَعَهُ نَصٌّ وَلَا قِيَاسٌ وَلَا إجْمَاعٌ، فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ بِحَرَامٍ لِحَقِّ اللَّهِ، وَلَيْسَتْ حُرْمَةُ الْمَالِ أَعْظَمَ مِنْ حُرْمَةِ النُّفُوسِ وَالْأَطْرَافِ، وَإِذَا مَكَّنَهُ الشَّارِعُ أَنْ يُتْلِفَ طَرَفَهُ بِطَرَفِهِ فَتَمْكِينُهُ مِنْ إتْلَافِ مَالِهِ فِي مُقَابَلَةِ مَالِهِ هُوَ أَوْلَى وَأَحْرَى، وَأَنَّ حِكْمَةَ الْقِصَاصِ مِنْ التَّشَفِّي وَدَرْكِ الْغَيْظِ لَا تَحْصُلُ إلَّا بِذَلِكَ، وَلِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لَهُ غَرَضٌ فِي أَذَاهُ وَإِتْلَافِ ثِيَابِهِ وَيُعْطِيهِ قِيمَتَهَا، وَلَا يَشُقُّ ذَلِكَ عَلَيْهِ لِكَثْرَةِ مَالِهِ، فَيَشْفِي نَفْسَهُ مِنْهُ بِذَلِكَ، وَيَبْقَى الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ بِغَبْنِهِ وَغَيْظِهِ، فَكَيْفَ يَقَعُ إعْطَاؤُهُ الْقِيمَةَ مِنْ شِفَاءِ غَيْظِهِ وَدَرْكِ ثَأْرِهِ وَبَرْدِ قَلْبِهِ وَإِذَاقَةِ الْجَانِي مِنْ الْأَذَى مَا ذَاقَ هُوَ؟

فَحِكْمَةُ هَذِهِ الشَّرِيعَةِ الْكَامِلَةِ الْبَاهِرَةِ وَقِيَاسُهَا مَعًا يَأْبَى ذَلِكَ وَقَوْلُهُ: {فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] وَقَوْلُهُ: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: 40] وَقَوْلُهُ: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل: 126] يَقْتَضِي جَوَازَ ذَلِكَ، وَقَدْ صَرَّحَ الْفُقَهَاءُ بِجَوَازِ إحْرَاقِ زُرُوعِ الْكُفَّارِ وَقَطْعِ أَشْجَارِهِمْ إذَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ بِنَا وَهَذَا عَيْنُ الْمَسْأَلَةِ، وَقَدْ أَقَرَّ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ - الصَّحَابَةَ عَلَى قَطْعِ نَخْلِ الْيَهُودِ لِمَا فِيهِ مِنْ خِزْيِهِمْ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ - سُبْحَانَهُ - يُحِبُّ خِزْيَ الْجَانِي الظَّالِمِ وَيُشَرِّعُهُ، وَإِذَا جَازَ تَحْرِيقُ مَتَاعِ الْغَالِّ لِكَوْنِهِ تَعَدَّى عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي خِيَانَتِهِمْ فِي شَيْءٍ مِنْ الْغَنِيمَةِ فَلَأَنْ يُحَرِّقَ مَالَهُ إذَا حَرَّقَ مَالَ الْمُسْلِمِ الْمَعْصُومَ أَوْلَى وَأَحْرَى، وَإِذَا شُرِعَتْ الْعُقُوبَةُ الْمَالِيَّةُ فِي حَقِّ اللَّهِ الَّذِي مُسَامَحَتُهُ بِهِ أَكْثَرُ مِنْ اسْتِيفَائِهِ فَلَأَنْ تُشْرَعَ فِي حَقِّ الْعَبْدِ الشَّحِيحِ أَوْلَى وَأَحْرَى، وَلِأَنَّ اللَّهَ - سُبْحَانَهُ - شَرَعَ الْقِصَاصَ زَجْرًا لِلنُّفُوسِ عَنْ الْعُدْوَانِ، وَكَانَ مِنْ الْمُمْكِنِ أَنْ يُوجِبَ الدِّيَةَ اسْتِدْرَاكًا لِظِلَامَةِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بِالْمَالِ، وَلَكِنَّ مَا شَرَعَهُ أَكْمَلُ وَأَصْلَحُ لِلْعِبَادِ، وَأَشْفَى لِغَيْظِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، وَأَحْفَظُ لِلنُّفُوسِ وَالْأَطْرَافِ، وَإِلَّا فَمَنْ كَانَ فِي نَفْسِهِ مِنْ الْآخَرِ مِنْ قَتْلِهِ أَوْ قَطْعِ طَرَفِهِ - قَتَلَهُ أَوْ قَطَعَ طَرَفَهُ وَأَعْطَى دِيَتَهُ، وَالْحِكْمَةُ وَالرَّحْمَةُ وَالْمَصْلَحَةُ تَأْبَى ذَلِكَ، وَهَذَا بِعَيْنِهِ مَوْجُودٌ فِي الْعُدْوَانِ عَلَى الْمَالِ

ص: 247

فَإِنْ قِيلَ: فَهَذَا يَنْجَبِرُ بِأَنْ يُعْطِيَهُ نَظِيرَ مَا أَتْلَفَهُ عَلَيْهِ.

قِيلَ: إذَا رَضِيَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ بِذَلِكَ فَهُوَ كَمَا لَوْ رَضِيَ بِدِيَةِ طَرَفِهِ، فَهَذَا هُوَ مَحْضُ الْقِيَاسِ، وَبِهِ قَالَ الْأَحْمَدَانِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَحْمَدُ بْنُ تَيْمِيَّةَ، قَالَ فِي رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ سَعِيدٍ: وَصَاحِبُ الشَّيْءِ يُخَيَّرُ، إنْ شَاءَ شَقَّ الثَّوْبَ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ مِثْلَهُ.

[كَيْفَ يُجْزَى الْجَانِي عَلَى الْعِرْضِ؟]

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: الْجِنَايَةُ عَلَى الْعِرْضِ، فَإِنْ كَانَ حَرَامًا فِي نَفْسِهِ كَالْكَذِبِ عَلَيْهِ وَقَذْفِهِ وَسَبِّ وَالِدَيْهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ بِهِ كَمَا فَعَلَ بِهِ اتِّفَاقًا، وَإِنْ سَبَّهُ فِي نَفْسِهِ، أَوْ سَخِرَ بِهِ، أَوْ هَزَأَ بِهِ، أَوْ بَالَ عَلَيْهِ، أَوْ بَصَقَ عَلَيْهِ، أَوْ دَعَا عَلَيْهِ فَلَهُ أَنْ يَفْعَلَ بِهِ نَظِيرَ مَا فَعَلَ بِهِ مُتَحَرِّيًا لِلْعَدْلِ، وَكَذَلِكَ إذَا كَسَعَهُ، أَوْ صَفَعَهُ فَلَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ مِنْهُ نَظِيرَ مَا فَعَلَ بِهِ سَوَاءً، وَهَذَا أَقْرَبُ إلَى الْكِتَابِ وَالْمِيزَانِ وَآثَارِ الصَّحَابَةِ مِنْ التَّعْزِيرِ الْمُخَالِفِ لِلْجِنَايَةِ جِنْسًا وَنَوْعًا وَقَدْرًا وَصِفَةً، وَقَدْ دَلَّتْ السُّنَّةُ الصَّحِيحَةُ الصَّرِيحَةُ عَلَى ذَلِكَ، فَلَا عِبْرَةَ بِخِلَافِ مَنْ خَالَفَهَا، فَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ:«أَنَّ نِسَاءَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَرْسَلْنَ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تُكَلِّمُهُ فِي شَأْنِ عَائِشَةَ، فَأَتَتْهُ فَأَغْلَظَتْ، وَقَالَتْ: إنَّ نِسَاءَكَ يَنْشُدْنَكَ الْعَدْلَ فِي بِنْتِ ابْنِ أَبِي قُحَافَةَ، فَرَفَعَتْ صَوْتَهَا حَتَّى تَنَاوَلَتْ عَائِشَةَ وَهِيَ قَاعِدَةٌ، فَسَبَّتْهَا، حَتَّى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَيَنْظُرَ إلَى عَائِشَةَ هَلْ تَتَكَلَّمُ، فَتَكَلَّمَتْ عَائِشَةُ تَرُدُّ عَلَى زَيْنَبَ حَتَّى أَسْكَتَتْهَا، قَالَتْ: فَنَظَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إلَى عَائِشَةَ وَقَالَ: إنَّهَا بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ» وَفِي الصَّحِيحَيْنِ هَذِهِ الْقِصَّةُ، «قَالَتْ عَائِشَةُ: فَأَرْسَلَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهِيَ الَّتِي كَانَتْ تُسَامِينِي فِي الْمَنْزِلَةِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَتْ الْحَدِيثَ، وَقَالَتْ: ثُمَّ وَقَعَتْ فِي، فَاسْتَطَالَتْ عَلَيَّ، وَأَنَا أَرْقُبُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَرْقُبُ طَرَفَهُ: هَلْ يَأْذَنُ لِي فِيهَا؟ قَالَتْ: فَلَمْ تَبْرَحْ زَيْنَبُ حَتَّى عَرَفْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا يَكْرَهُ أَنْ أَنْتَصِرَ، فَلَمَّا وَقَعْتُ بِهَا لَمْ أَنْشَبْهَا حَتَّى أَثْخَنْتُ عَلَيْهَا، قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَتَبَسَّمَ: إنَّهَا ابْنَةُ أَبِي بَكْرٍ» ، وَفِي لَفْظٍ فِيهِمَا «لَمْ أَنْشَبْهَا أَنْ أَثْخَنْتُهَا غَلَبَةً» .

وَقَدْ حَكَى اللَّهُ - سُبْحَانَهُ - عَنْ يُوسُفَ الصِّدِّيقِ أَنَّهُ قَالَ لِإِخْوَتِهِ: {أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ} [يوسف: 77] :] لَمَّا قَالُوا: {إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ} [يوسف: 77] ذَلِكَ لِلْمَصْلَحَةِ الَّتِي اقْتَضَتْ كِتْمَانَ الْحَالِ، وَمَنْ تَأَمَّلَ الْأَحَادِيثَ رَأَى ذَلِكَ فِيهَا كَثِيرًا جِدًّا، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.

ص: 248