الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَقَامِي هَذَا إلَّا صَنَعْتُ وَصَنَعْتُ.
وَقَالَ عَلِيٌّ - كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ فِي الْجَنَّةِ - فِي خِلَافَتِهِ لِقُضَاتِهِ: اقْضُوا كَمَا كُنْتُمْ تَقْضُونَ، فَإِنِّي أَكْرَهُ الْخِلَافَ، وَأَرْجُو أَنْ أَمُوتَ كَمَا مَاتَ أَصْحَابِي.
وَقَدْ أَخْبَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ هَلَاكَ الْأُمَمِ مِنْ قَبْلِنَا إنَّمَا كَانَ بِاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ وَأَنَسٌ وَوَاثِلَةُ بْنُ الْأَسْقَعِ:«خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ نَتَنَازَعُ فِي شَيْءٍ مِنْ الدِّينِ، فَغَضِبَ غَضَبًا شَدِيدًا لَمْ يَغْضَبْ مِثْلَهُ، قَالَ: ثُمَّ انْتَهَرَنَا، قَالَ: يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ لَا تُهَيِّجُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ وَهَجَ النَّارِ، ثُمَّ قَالَ: أَبِهَذَا أُمِرْتُمْ؟ أَوَ لَيْسَ عَنْ هَذَا نُهِيتُمْ؟ إنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِهَذَا» وَقَالَ عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنَيْ الْعَاصِ أَنَّهُمَا قَالَا: «جَلَسْنَا مَجْلِسًا فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَأَنَّهُ أَشَدُّ اغْتِبَاطًا، فَإِذَا رِجَالٌ عِنْدَ حُجْرَةِ عَائِشَةَ يَتَرَاجَعُونَ فِي الْقَدَرِ، فَلَمَّا رَأَيْنَاهُمْ اعْتَزَلْنَاهُمْ، وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَلْفَ الْحُجْرَةِ يَسْمَعُ كَلَامَهُمْ، فَخَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُغْضَبًا يُعْرَفُ فِي وَجْهِهِ الْغَضَبُ، حَتَّى وَقَفَ عَلَيْهِمْ، وَقَالَ: يَا قَوْمِ بِهَذَا ضَلَّتْ الْأُمَمُ قَبْلَكُمْ، بِاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، وَضَرْبِهِمْ الْكِتَابَ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ، وَإِنَّ الْقُرْآنَ لَمْ يَنْزِلْ لِتَضْرِبُوا بَعْضَهُ بِبَعْضٍ، وَلَكِنْ نَزَلَ الْقُرْآنُ يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضًا، مَا عَرَفْتُمْ مِنْهُ فَاعْمَلُوا بِهِ، وَمَا تَشَابَهَ فَآمِنُوا بِهِ ثُمَّ الْتَفَتَ فَرَآنِي أَنَا وَأَخِي جَالِسَيْنِ، فَغَبَطْنَا أَنْفُسَنَا أَنْ لَا يَكُونَ رَآنَا مَعَهُمْ» . قَالَ الْبُخَارِيُّ: رَأَيْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ وَعَلِيَّ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَالْحُمَيْدِيَّ وَإِسْحَاقَ بْنَ إبْرَاهِيمَ يَحْتَجُّونَ بِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ: أَجْمَعَ آلُ عَبْدِ اللَّهِ عَلَى أَنَّهَا صَحِيفَةُ عَبْدِ اللَّهِ.
[لَيْسَ أَحَدُ الْقِيَاسَيْنِ أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ]
[إذَا اخْتَلَفَتْ الْأَقْيِسَةُ فِي نَظَرِ الْمُجْتَهِدِينَ]
قَالُوا: وَأَيْضًا فَإِذَا اخْتَلَفَتْ الْأَقْيِسَةُ فِي نَظَرِ الْمُجْتَهِدِينَ فَإِمَّا أَنْ يُقَالَ: كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ؛ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ وَضِدُّهُ صَوَابًا، وَإِمَّا أَنْ يُقَالَ: الْمُصِيبُ وَاحِدٌ، وَهُوَ الْقَوْلُ الصَّوَابُ، وَلَكِنْ لَيْسَ أَحَدُ الْقِيَاسَيْنِ بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ، وَلَا سِيَّمَا قِيَاسُ الشَّبَهِ فَإِنَّ الْفَرْعَ قَدْ يَكُونُ فِيهِ وَصْفَانِ شَبِيهَانِ لِلشَّيْءِ وَضِدِّهِ، فَلَيْسَ جَعْلُ أَحَدِهِمَا صَوَابًا دُونَ الْآخَرِ بِأَوْلَى مِنْ الْعَكْسِ.
قَالُوا: وَأَيْضًا فَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أُوتِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ، وَاخْتُصِرَتْ لِي الْحِكْمَةُ اخْتِصَارًا» وَجَوَامِعُ الْكَلِمِ: هِيَ الْأَلْفَاظُ الْكُلِّيَّةُ الْعَامَّةُ الْمُتَنَاوِلَةُ لِأَفْرَادِهَا، فَإِذَا انْضَافَ ذَلِكَ إلَى بَيَانِهِ الَّذِي هُوَ أَعْلَى رُتَبِ الْبَيَانِ لَمْ يَعْدِلْ عَنْ الْكَلِمَةِ الْجَامِعَةِ الَّتِي فِي غَايَةِ الْبَيَانِ لِمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ إلَى لَفْظٍ أَطْوَلَ مِنْهَا وَأَقَلَّ بَيَانًا، مَعَ أَنَّ الْكَلِمَةَ الْجَامِعَةَ تُزِيلُ الْوَهْمَ وَتَرْفَعُ الشَّكَّ وَتُبَيِّنُ الْمُرَادَ.
فَكَانَ يَقُولُ: «لَا تَبِيعُوا كُلَّ مَكِيلٍ وَلَا مَوْزُونٍ بِمِثْلِهِ إلَّا سَوَاءً بِسَوَاءٍ» فَهَذَا أَخْصَرُ وَأَبْيَنُ
وَأَدُلُّ وَأَجْمَعُ مِنْ أَنْ يَذْكُرَ سِتَّةَ أَنْوَاعٍ، وَيَدُلَّ بِهَا عَلَى مَا لَا يَنْحَصِرُ مِنْ الْأَنْوَاعِ، فَكَمَالُ عِلْمِهِ صلى الله عليه وسلم وَكَمَالُ شَفَقَتِهِ وَنُصْحِهِ وَكَمَالُ فَصَاحَتِهِ وَبَيَانِهِ يَأْبَى ذَلِكَ.
قَالُوا: وَأَيْضًا فَحُكْمُ الْقِيَاسِ إمَّا أَنْ يَكُونَ مُوَافِقًا لِلْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُخَالِفًا لَهَا؛ فَإِنْ كَانَ مُوَافِقًا لَمْ يُفِدْ الْقِيَاسُ شَيْئًا؛ لِأَنَّ مُقْتَضَاهُ مُتَحَقِّقٌ بِهَا، وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا لَهَا امْتَنَعَ الْقَوْلُ بِهِ؛ لِأَنَّهَا مُتَيَقَّنَةٌ فَلَا تُرْفَعُ بِأَمْرٍ لَا تُتَيَقَّنُ صِحَّتُهُ؛ إذْ الْيَقِينُ يَمْتَنِعُ رَفْعُهُ بِغَيْرِ يَقِينٍ.
قَالُوا: وَأَيْضًا فَإِنَّ غَالِبَ الْقِيَاسَاتِ الَّتِي رَأَيْنَا الْقِيَاسِيِّينَ يَسْتَعْمِلُونَهَا رَجْمٌ بِالظُّنُونِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ الْعِلْمِ فِي شَيْءٍ، وَلَا مَصْلَحَةَ لِلْأُمَّةِ فِي اقْتِحَامِهِمْ وَرَطَاتِ الرَّجْمِ بِالظُّنُونِ حَتَّى يُخْبَطُوا فِيهَا خَبْطَ عَشْوَاءَ فِي ظَلْمَاءَ، وَيَحْكُمُوا بِهَا عَلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ.
قَالُوا: وَأَيْضًا فَقَوْلُ الْقِيَاسِيِّ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ هُوَ خَبَرٌ عَنْ اللَّهِ - سُبْحَانَهُ - أَنَّهُ أَحَلَّ كَذَا وَحَرَّمَهُ، وَأَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْهُ بِأَنَّهُ حَلَالٌ أَوْ حَرَامٌ، فَإِنَّ حُكْمَ اللَّهِ خَبَرُهُ فَكَيْفَ يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُشْهِدَ عَلَى اللَّهِ أَنَّهُ أَخْبَرَ بِمَا لَمْ يُخْبِرْ بِهِ هُوَ وَلَا رَسُولُهُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{فَإِنْ شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ} [الأنعام: 150] .
قَالُوا: وَأَيْضًا فَالْقِيَاسُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ عِلَّةٍ مُسْتَنْبَطَةٍ مِنْ حُكْمِ الْأَصْلِ، وَالْحُكْمُ فِي الْأَصْلِ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ لَنَا طَرِيقٌ إلَى الْعِلْمِ بِعِلَّتِهِ وَاحْتَمَلَ أَنْ لَا يَكُونَ لَنَا طَرِيقٌ، وَإِذَا كَانَ لَنَا طَرِيقٌ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ مُعَلَّلًا وَأَنْ يَكُونَ غَيْرَ مُعَلَّلٍ، وَإِذَا كَانَ مُعَلَّلًا احْتَمَلَ أَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ هِيَ هَذِهِ الْمُعَيَّنَةُ وَأَنْ تَكُونَ جُزْءَ عِلَّةٍ وَأَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ غَيْرَهَا، وَإِذَا ظَهَرَتْ الْعِلَّةُ احْتَمَلَ أَنْ لَا تَكُونَ فِي الْفَرْعِ، وَإِذَا كَانَتْ فِيهِ احْتَمَلَ أَنْ يَتَخَلَّفَ الْحُكْمُ عَنْهَا لِمُعَارِضٍ آخَرَ، وَمَا هَذَا شَأْنُهُ كَيْفَ يَكُونُ مِنْ حُجَجِ اللَّهِ وَبَيِّنَاتِهِ وَأَدِلَّةِ الْأَحْكَامِ الَّتِي هَدَى اللَّهُ بِهَا عِبَادَهُ؟
قَالُوا: وَأَيْضًا فَلَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حُجَّةً لَأَفْضَى ذَلِكَ إلَى تَكَافُؤِ الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ وَهُوَ مُحَالٌ، فَإِنَّهُ قَدْ يَتَرَدَّدُ فَرْعٌ بَيْنَ أَصْلَيْنِ أَحَدُهُمَا التَّحْرِيمُ وَالْآخَرُ الْإِبَاحَةُ، فَإِذَا ظَهَرَ فِي نَظَرِ الْمُجْتَهِدِ شَبَهُ الْفَرْعِ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَزِمَ الْحُكْمُ بِالْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ مُحَالٌ.
قَالُوا: وَأَيْضًا فَلَيْسَ قِيَاسُ الْفَرْعِ عَلَى الْأَصْلِ فِي تَعْدِيَةِ حُكْمِهِ إلَيْهِ أَوْلَى مِنْ قِيَاسِهِ عَلَيْهِ فِي عَدَمِ ثُبُوتِهِ بِغَيْرِ النَّصِّ، فَحِينَئِذٍ فَنَقُولُ: حُكْمُ الْفَرْعِ حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ الشَّرْعِ، فَلَا يَجُوزُ ثُبُوتُهُ بِغَيْرِ النَّصِّ كَحُكْمِ الْأَصْلِ، فَمَا الَّذِي جَعَلَ قِيَاسَكُمْ أَوْلَى مِنْ هَذَا؟ وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا أَقْرَبُ إلَى النُّصُوصِ وَأَشَدُّ مُوَافَقَةً لَهَا مِنْ قِيَاسِكُمْ، وَهَذَا ظَاهِرٌ.
قَالُوا: وَأَيْضًا فَحُكْمُ اللَّهِ بِإِيجَابِ الشَّيْءِ يَتَضَمَّنُ مَحَبَّتَهُ، وَإِرَادَتَهُ لِوُجُودِهِ، وَعِلْمَهُ بِأَنَّهُ