الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْوَاقِفِ لِأَجْلِهِ، وَلَمْ يَمْنَعْهُ فِعْلُ مَا يُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ تَنَاوُلِ الْوَقْفِ، بَلْ تَرَكَ مَا أَوْجَبَهُ سَبَبًا لِاسْتِحْقَاقِ الْوَقْفِ، فَلَا نَصَّ وَلَا قِيَاسَ وَلَا مَصْلَحَةَ لِلْوَاقِفِ وَلَا لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ وَلَا مَرْضَاةَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ.
وَالْمَقْصُودُ بَيَانُ بَعْضِ مَا فِي الرَّأْيِ وَالْقِيَاسِ مِنْ التَّنَاقُضِ وَالِاخْتِلَافِ الَّذِي هُوَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ؛ لِأَنَّ مَا كَانَ مِنْ عِنْدِهِ فَإِنَّهُ يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضًا، وَلَا يُخَالِفُ بَعْضُهُ بَعْضًا، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.
[فَصْلٌ هَلْ فِي اللَّطْمَةِ وَالضَّرْبَةِ قِصَاصٌ]
وَقَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَمُتَأَخِّرُو أَصْحَابِ أَحْمَدَ: إنَّهُ لَا قِصَاصَ فِي اللَّطْمَةِ وَالضَّرْبَةِ، وَإِنَّمَا فِيهِ التَّعْزِيرُ، وَحَكَى بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي ذَلِكَ الْإِجْمَاعَ، وَخَرَجُوا عَنْ مَحْضِ الْقِيَاسِ وَمُوجَبِ النُّصُوصِ وَإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ فَإِنَّ ضَمَانَ النُّفُوسِ وَالْأَمْوَالِ مَبْنَاهُ عَلَى الْعَدْلِ، كَمَا قَالَ - تَعَالَى -:{وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: 40] وَقَالَ: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] وَقَالَ: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل: 126] فَأَمَرَ بِالْمُمَاثَلَةِ فِي الْعُقُوبَةِ وَالْقِصَاصِ، فَيَجِبُ اعْتِبَارُهَا بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ، وَالْأَمْثَلُ هُوَ الْمَأْمُورُ بِهِ، فَهَذَا الْمَلْطُومُ الْمَضْرُوبُ قَدْ اُعْتُدِيَ عَلَيْهِ، فَالْوَاجِبُ أَنْ يَفْعَلَ بِالْمُعْتَدِي كَمَا فَعَلَ بِهِ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ كَانَ الْوَاجِبُ مَا هُوَ الْأَقْرَبُ وَالْأَمْثَلُ، وَسَقَطَ مَا عَجَزَ عَنْهُ الْعَبْدُ مِنْ الْمُسَاوَاةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ لَطْمَةً بِلَطْمَةٍ وَضَرْبَةً بِضَرْبَةٍ فِي مَحَلِّهِمَا بِالْآلَةِ الَّتِي لَطَمَهُ بِهَا، أَوْ بِمِثْلِهَا أَقْرَبُ إلَى الْمُمَاثَلَةِ الْمَأْمُورِ بِهَا حِسًّا وَشَرْعًا مِنْ تَعْزِيرِهِ بِهَا بِغَيْرِ جِنْسِ اعْتِدَائِهِ وَقَدْرِهِ وَصِفَتِهِ، وَهَذَا هُوَ هَدْيُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَخُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ وَمَحْضُ الْقِيَاسِ وَهُوَ مَنْصُوصُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَمَنْ خَالَفَهُ فِي ذَلِكَ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَدْ خَرَجَ عَنْ نَصِّ مَذْهَبِهِ وَأُصُولِهِ كَمَا خَرَجَ عَنْ مَحْضِ الْقِيَاسِ وَالْمِيزَانِ، قَالَ إبْرَاهِيمُ بْنُ يَعْقُوبَ الْجُوزَجَانِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُتَرْجِمِ لَهُ " بَابٌ فِي الْقِصَاصِ مِنْ اللَّطْمَةِ وَالضَّرْبَةِ ": حَدَّثَنِي إسْمَاعِيلُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ عَنْ الْقِصَاصِ مِنْ اللَّطْمَةِ وَالضَّرْبَةِ، فَقَالَ:" عَلَيْهِ الْقَوَدُ مِنْ اللَّطْمَةِ وَالضَّرْبَةِ " وَبِهِ قَالَ أَبُو دَاوُد وَأَبُو خَيْثَمَةَ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ.
وَقَالَ إبْرَاهِيمُ الْجُوزَجَانِيُّ " وَبِهِ أَقُولُ، لَمَّا حَدَّثَنَا شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ ثنا شُعْبَةُ عَنْ يَحْيَى بْنِ الْحُصَيْنِ قَالَ: سَمِعْتُ طَارِقَ بْنَ شِهَابٍ يَقُولُ: لَطَمَ أَبُو بَكْرٍ رَجُلًا يَوْمًا لَطْمَةً، فَقَالَ لَهُ: اقْتَصَّ، فَعَفَا الرَّجُلُ، حَدَّثَنَا شَبَابَةُ أَنْبَأَ شُعْبَةُ عَنْ مُخَارِقٍ قَالَ: سَمِعْتُ طَارِقًا يَقُولُ: لَطَمَ ابْنُ أَخٍ لِخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ
رَجُلًا مِنْ مُرَادٍ، فَأَقَادَهُ خَالِدٌ مِنْهُ.
حَدَّثَنَا أَبُو بَهْزٍ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ قَالَ: سَمِعْتُ الْأَعْمَشَ عَنْ كُمَيْلِ بْنِ زِيَادٍ قَالَ: لَطَمَنِي عُثْمَانُ ثُمَّ أَقَادَنِي فَعَفَوْتُ، حَدَّثَنِي ابْنُ الْأَصْفَهَانِيِّ حَدَّثَنَا عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ حَرْبٍ عَنْ نَاجِيَةَ عَنْ عَمِّهِ يَزِيدَ بْنِ عَرَبِيٍّ قَالَ: رَأَيْتُ عَلِيًّا - كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ فِي الْجَنَّةِ - أَقَادَ مِنْ لَطْمَةٍ.
وَحَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ ثنا سُفْيَانُ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إسْمَاعِيلَ بْنِ زِيَادِ ابْنِ أَخِي عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ أَنْ ابْنَ الزُّبَيْرِ أَقَادَ مِنْ لَطْمَةٍ، ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ الْجَرِيرِيِّ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي فِرَاسٍ قَالَ: خَطَبَنَا عُمَرُ فَقَالَ: إنِّي لَمْ أَبْعَثْ عُمَّالِي إلَيْكُمْ لِيَضْرِبُوا أَبْشَارَكُمْ وَلَا لِيَأْخُذُوا أَمْوَالَكُمْ، وَلَكِنْ إنَّمَا بَعَثْتُهُمْ لِيُبَلِّغُوكُمْ دِينَكُمْ وَسُنَّةَ نَبِيِّكُمْ وَيَقْسِمُوا فِيكُمْ فَيْئَكُمْ، فَمَنْ فُعِلَ بِهِ غَيْرُ ذَلِكَ فَلْيَرْفَعْهُ إلَيَّ فَوَاَلَّذِي نَفْسُ عُمَرَ بِيَدِهِ لَأَقُصَّنَّهُ مِنْهُ، فَقَامَ إلَيْهِ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنْ كَانَ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَلَى رَعِيَّةٍ فَأَدَّبَ بَعْضَ رَعِيَّتِهِ لَتَقُصَّنَّهُ مِنْهُ، فَقَالَ عُمَرُ: أَنَا لَا أَقُصُّهُ مِنْهُ وَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُصُّ مِنْ نَفْسِهِ؟
ثنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ ابْنِ حَرْمَلَةَ قَالَ: تَلَاحَى رَجُلَانِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا: أَلَمْ أَخْنُقْكَ حَتَّى سَلَحْت؟ فَقَالَ: بَلَى، وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ لِي عَلَيْكَ شُهُودٌ، فَاشْهَدُوا عَلَى مَا قَالَ، ثُمَّ رَفَعَهُ إلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، فَأَرْسَلَ فِي ذَلِكَ إلَى سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فَقَالَ: يَخْنُقُهُ كَمَا خَنَقَهُ حَتَّى يُحْدِثَ، أَوْ يَفْتَدِيَ مِنْهُ، فَافْتَدَى مِنْهُ بِأَرْبَعِينَ بَعِيرًا، فَقَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: أَحْسَبُهُ ذَكَرَهُ عَنْ عُثْمَانَ.
ثنا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ الْمُطَّلِبِ بْنِ السَّائِبِ أَنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ بَنِي لَيْثٍ اقْتَتَلَا، فَضَرَبَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فَكَسَرَ أَنْفَهُ، فَانْكَسَرَ عَظْمُ كَفِّ الضَّارِبِ، فَأَقَادَ أَبُو بَكْرٍ مِنْ أَنْفِ الْمَضْرُوبِ وَلَمْ يَقُدْ مِنْ يَدِ الضَّارِبِ، فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: كَانَ لِهَذَا أَيْضًا الْقَوَدُ مِنْ كَفِّهِ، قَضَى عُثْمَانُ أَنَّ كُلَّ مُقْتَتِلَيْنِ اقْتَتَلَا ضَمِنَا مَا بَيْنَهُمَا، فَأُقِيدَ مِنْهُ، فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ وَهُوَ يَقُولُ: يَا عِبَادَ اللَّهِ كَسَرَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ يَدَيْ، قَالَ الْجُوزَجَانِيُّ: فَهَذَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَجُلَّةُ أَصْحَابِهِ فَإِلَى مَنْ يَرْكَنُ بَعْدَهُمْ؟ ، أَوْ كَيْفَ يَجُوزُ خِلَافُهُمْ؟ "
قُلْتُ: وَفِي السُّنَنِ لِأَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: «بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْسِمُ قَسْمًا أَقْبَلَ رَجُلٌ فَأَكَبَّ عَلَيْهِ فَطَعَنَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِعُرْجُونٍ كَانَ مَعَهُ، فَجَرَحَ وَجْهَهُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: تَعَالَ فَاسْتَقِدْ، فَقَالَ: بَلْ عَفَوْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ» .
وَفِي سُنَنِ النَّسَائِيّ وَأَبِي دَاوُد وَابْنِ مَاجَهْ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ أَبَا جَهْمِ بْنَ حُذَيْفَةَ مُصَدِّقًا، فَلَاحَاهُ رَجُلٌ فِي صَدَقَتِهِ، فَضَرَبَهُ أَبُو جَهْمٍ فَشَجَّهُ، فَأَتَوْا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: الْقَوَدَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: لَكُمْ كَذَا وَكَذَا فَلَمْ يَرْضُوا، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: لَكُمْ كَذَا وَكَذَا فَرَضُوا، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: إنِّي خَاطِبٌ الْعَشِيَّةَ عَلَى النَّاسِ وَمُخْبِرُهُمْ بِرِضَاكُمْ فَقَالُوا: نَعَمْ، فَخَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إنَّ هَؤُلَاءِ أَتَوْنِي يُرِيدُونَ الْقِصَاصَ، فَعَرَضْتُ
عَلَيْهِمْ كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: فَرَضُوا، أَرَضِيتُمْ؟ فَقَالُوا: لَا، فَهَمَّ الْمُهَاجِرُونَ بِهِمْ، فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَكُفُّوا عَنْهُمْ، فَكَفُّوا عَنْهُمْ، ثُمَّ دَعَاهُمْ فَزَادَهُمْ، فَقَالَ: أَرَضِيتُمْ؟ فَقَالُوا: نَعَمْ، فَقَالَ: إنِّي خَاطِبٌ عَلَى النَّاسِ وَمُخْبِرُهُمْ بِرِضَاكُمْ فَقَالُوا: نَعَمْ، فَخَطَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: أَرَضِيتُمْ؟ قَالُوا: نَعَمْ» .
وَهَذَا صَرِيحٌ فِي الْقَوَدِ فِي الشَّجَّةِ وَلِهَذَا صُولِحُوا مِنْ الْقَوَدِ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ حَتَّى رَضُوا، وَلَوْ كَانَ الْوَاجِبُ الْأَرْشَ فَقَطْ لَقَالَ لَهُمْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حِينَ طَلَبُوا الْقَوَدَ: إنَّهُ لَا حَقَّ لَكُمْ فِيهِ، وَإِنَّمَا حَقُّكُمْ فِي الْأَرْشِ.
فَهَذِهِ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَهَذَا إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ، وَهَذَا ظَاهِرُ الْقُرْآنِ، وَهَذَا مَحْضُ الْقِيَاسِ، فَعَارَضَ الْمَانِعُونَ هَذَا كُلَّهُ بِشَيْءٍ وَاحِدٍ وَقَالُوا: اللَّطْمَةُ وَالضَّرْبَةُ لَا يُمْكِنُ فِيهِمَا الْمُمَاثَلَةُ، وَالْقِصَاصُ لَا يَكُونُ إلَّا مَعَ الْمُمَاثَلَةِ.
وَنَظَرُ الصَّحَابَةِ أَكْمَلُ وَأَصَحُّ وَأَتْبَعُ لِلْقِيَاسِ، كَمَا هُوَ أَتْبَعُ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، فَإِنَّ الْمُمَاثَلَةَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ مُتَعَذِّرَةٌ، فَلَمْ يَبْقَ إلَّا أَحَدُ أَمْرَيْنِ: قِصَاصٌ قَرِيبٌ إلَى الْمُمَاثَلَةِ، أَوْ تَعْزِيرٌ بَعِيدٌ مِنْهَا، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ التَّعْزِيرَ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ جِنْسُ الْجِنَايَةِ وَلَا قَدْرُهَا، بَلْ قَدْ يُعَزَّرُ بِالسَّوْطِ وَالْعَصَا، وَقَدْ يَكُونُ لَطَمَهُ، أَوْ ضَرَبَهُ بِيَدِهِ، فَأَيْنَ حَرَارَةُ السَّوْطِ وَيُبْسُهُ إلَى لِينِ الْيَدِ، وَقَدْ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ.
وَفِي الْعُقُوبَةِ بِجِنْسِ مَا فَعَلَهُ تَحَرٍّ لِلْمُمَاثِلَةِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ، وَهَذَا أَقْرَبُ إلَى الْعَدْلِ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَأَنْزَلَ بِهِ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ، فَإِنَّهُ قِصَاصٌ بِمِثْلِ ذَلِكَ الْعُضْوِ فِي مِثْلِ الْمَحَلِّ الَّذِي ضَرَبَ فِيهِ بِقَدْرِهِ، وَقَدْ يُسَاوِيهِ، أَوْ يَزِيدُ قَلِيلًا، أَوْ يَنْقُصُ قَلِيلًا، وَذَلِكَ عَفْوٌ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ التَّكْلِيفِ، كَمَا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ التَّكْلِيفِ الْمُسَاوَاةُ فِي الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [الأنعام: 152] فَأَمَرَ بِالْعَدْلِ الْمَقْدُورِ، وَعَفَا عَنْ غَيْرِ الْمَقْدُورِ مِنْهُ.
وَأَمَّا التَّعْزِيرُ فَإِنَّهُ لَا يُسَمَّى قِصَاصًا، فَإِنَّ لَفْظَ الْقِصَاصِ يَدُلُّ عَلَى الْمُمَاثَلَةِ، وَمِنْهُ قَصَّ الْأَثَرَ إذَا اتَّبَعَهُ وَقَصَّ الْحَدِيثَ إذَا أَتَى بِهِ عَلَى وَجْهِهِ، وَالْمُقَاصَّةُ: سُقُوطُ أَحَدِ الدَّيْنَيْنِ بِمِثْلِهِ جِنْسًا وَصِفَةً، وَإِنَّمَا هُوَ تَقْوِيمٌ لِلْجِنَايَةِ، فَهُوَ قِيمَةٌ لِغَيْرِ الْمِثْلِيِّ وَالْعُدُولُ إلَيْهِ كَالْعُدُولِ إلَى قِيمَةِ الْمُتْلَفِ، وَهُوَ ضَرْبٌ لَهُ بِغَيْرِ تِلْكَ الْآلَةِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْمَحَلِّ. وَهُوَ إمَّا زَائِدٌ وَإِمَّا نَاقِصٌ، وَلَا يَكُونُ مُمَاثِلًا وَلَا قَرِيبًا مِنْ الْمِثْلِ.
فَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ إلَى الْقِيَاسِ، وَالثَّانِي تَقْوِيمٌ لِلْجِنَايَةِ بِغَيْرِ جِنْسِهَا كَبَدَلِ الْمُتْلَفِ، وَالنِّزَاعُ أَيْضًا فِيهِ وَاقِعٌ إذَا لَمْ يُوجَدْ مِثْلُهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَالْحَيَوَانِ وَالْعَقَارِ وَالْآنِيَةِ وَكَثِيرٍ مِنْ الْمَعْدُودَاتِ وَالْمَذْرُوعَاتِ، فَأَكْثَرُ الْقِيَاسِيِّينَ مِنْ أَتْبَاعِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ قَالُوا: الْوَاجِبُ فِي بَدَلِ ذَلِكَ عِنْدَ الْإِتْلَافِ الْقِيمَةُ، قَالُوا: لِأَنَّ الْمِثْلَ فِي الْجِنْسِ يَتَعَذَّرُ، ثُمَّ طَرَدَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ قِيَاسَهُمْ فَقَالُوا: وَهَذَا هُوَ الْوَاجِبُ فِي الصَّيْدِ فِي الْحَرَمِ وَالْإِحْرَامِ إنَّمَا تَجِبُ قِيمَتُهُ لَا مِثْلُهُ كَمَا لَوْ كَانَ مَمْلُوكًا. ثُمَّ طَرَدُوا هَذَا الْقِيَاسَ فِي الْقَرْضِ فَقَالُوا: لَا يَجُوزُ قَرْضُ
ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مُوجَبَ الْقَرْضِ رَدُّ الْمِثْلِ، وَهَذَا لَا مِثْلَ لَهُ.
وَمِنْهُمْ مَنْ خَرَجَ عَنْ مُوجَبِ هَذَا الْقِيَاسِ فِي الصَّيْدِ لِدَلَالَةِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَآثَارِ الصَّحَابَةِ [عَلَى أَنَّهُ] يَضْمَنُ بِمِثْلِهِ مِنْ النَّعَمِ وَهُوَ مِثْلٌ مُقَيَّدٌ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِثْلًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَهَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ، مِنْهُمْ: مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ، وَهُمْ يُجَوِّزُونَ قَرْضَ الْحَيَوَانِ أَيْضًا كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ السُّنَّةُ الصَّحِيحَةُ، فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم فِي الصَّحِيحِ «أَنَّهُ اسْتَسْلَفَ بَكْرًا وَقَضَى جَمَلًا رُبَاعِيًّا، وَقَالَ إنَّ خِيَارَكُمْ أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً» ثُمَّ اخْتَلَفُوا بَعْدَ ذَلِكَ فِي مُوجَبِ قَرْضِ الْحَيَوَانِ، هَلْ يَجِبُ رَدُّ الْقِيمَةِ، أَوْ الْمِثْلِ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ، وَهُمَا فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ، وَاَلَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الصَّحِيحَةُ الصَّرِيحَةُ أَنَّهُ يَجِبُ رَدُّ الْمِثْلِ، وَهَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي الْغَصْبِ وَالْإِتْلَافِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ، وَهِيَ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ:
أَحَدُهَا: يَضْمَنُ الْجَمِيعَ بِالْمِثْلِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ.
وَالثَّانِي: يَضْمَنُ الْجَمِيعَ بِالْقِيمَةِ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّ الْحَيَوَانَ يُضْمَنُ بِالْمِثْلِ وَمَا عَدَاهُ كَالْجَوَاهِرِ وَنَحْوِهَا بِالْقِيمَةِ.
وَاخْتَلَفُوا فِي الْجِدَارِ يُهْدَمُ، هَلْ يُضْمَنُ بِقِيمَتِهِ، أَوْ يُعَادُ مِثْلُهُ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ، وَهُمَا لِلشَّافِعِيِّ، وَالصَّحِيحُ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ النُّصُوصُ وَهُوَ مُقْتَضَى الْقِيَاسِ الصَّحِيحِ، وَمَا عَدَاهُ فَمُنَاقِضٌ لِلنَّصِّ وَالْقِيَاسِ؛ لِأَنَّ الْجَمِيعَ يُضْمَنُ بِالْمِثْلِ تَقْرِيبًا، وَقَدْ نَصَّ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ - عَلَى ضَمَانِ الصَّيْدِ بِمِثْلِهِ مِنْ النَّعَمِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمُمَاثَلَةَ بَيْنَ بَعِيرٍ وَبَعِيرٍ أَعْظَمُ مِنْ الْمُمَاثَلَةِ بَيْنَ النَّعَامَةِ وَالْبَعِيرِ وَبَيْنَ شَاةٍ وَشَاةٍ أَعْظَمُ مِنْهَا بَيْنَ طَيْرٍ وَشَاةٍ، وَقَدْ رَدَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَدَلَ الْبَعِيرِ الَّذِي أَقْرَضَهُ مِثْلَهُ دُونَ قِيمَتِهِ وَرَدَّ عِوَضَ الْقَصْعَةِ الَّتِي كَسَرَتْهَا بَعْضُ أَزْوَاجِهِ قَصْعَتَهَا نَظِيرَهَا، وَقَالَ: إنَاءٌ بِإِنَاءٍ وَطَعَامٌ بِطَعَامٍ، فَسَوَّى بَيْنَهُمَا فِي الضَّمَانِ، وَهَذَا عَيْنُ الْعَدْلِ وَمَحْضُ الْقِيَاسِ وَتَأْوِيلُ الْقُرْآنِ.
وَقَدْ نَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَلَى هَذَا فِي مَسَائِلِ إِسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ، قَالَ إِسْحَاقُ: قُلْتُ لِأَحْمَدَ: قَالَ سُفْيَانُ: مَنْ كَسَرَ شَيْئًا صَحِيحًا فَقِيمَتُهُ صَحِيحًا، فَقَالَ أَحْمَدُ: إنْ كَانَ يُوجَدُ مِثْلُهُ فَمِثْلُهُ، وَإِنْ كَانَ لَا يُوجَدُ مِثْلُهُ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ، وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ إسْمَاعِيلَ بْنِ سَعِيدٍ فَقَالَ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ عَنْ الرَّجُلِ يَكْسِرُ قَصْعَةَ الرَّجُلِ، أَوْ عَصَاهُ، أَوْ يَشُقُّ ثَوْبًا لِرَجُلٍ، قَالَ: عَلَيْهِ الْمِثْلُ فِي الْعَصَا وَالْقَصْعَةِ وَالثَّوْبِ، فَقُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ كَانَ الشَّقُّ قَلِيلًا؟ فَقَالَ: صَاحِبُ الثَّوْبِ مُخَيَّرٌ فِي ذَلِكَ قَلِيلًا كَانَ، أَوْ كَثِيرًا.
وَقَالَ فِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ: مَنْ كَسَرَ شَيْئًا صَحِيحًا فَإِنْ كَانَ يُوجَدُ مِثْلُهُ فَمِثْلُهُ وَإِنْ كَانَ لَا يُوجَدُ مِثْلُهُ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ، فَإِذَا كَسَرَ الذَّهَبَ فَإِنَّهُ يُصْلِحُهُ إنْ كَانَ خَلْخَالًا، وَإِنْ كَانَ
دِينَارًا أَعْطَى دِينَارًا آخَرَ مَكَانَهُ، قَالَ إِسْحَاقُ كَمَا قَالَ، وَقَالَ فِي رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ سَعِيدٍ: وَعَلَيْهِ الْمِثْلُ فِي الْعَصَا وَالْقَصْعَةِ وَالْقَصَبَةِ إذَا كَسَرَ وَفِي الثَّوْبِ، وَلَا أَقُولُ فِي الْعَبْدِ وَالْبَهَائِمِ وَالْحَيَوَانِ، وَصَاحِبُ الثَّوْبِ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ شَقَّ الثَّوْبَ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ مِثْلَهُ، وَاحْتَجَّ فِي رِوَايَةِ ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ بِحَدِيثِ أَنَسٍ فَقَالَ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ:«أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ، فَأَرْسَلَتْ إحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ بِقَصْعَةٍ فِيهَا طَعَامٌ، فَضَرَبَتْ بِيَدِهَا فَكَسَرَتْ الْقَصْعَةَ، فَأَخَذَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْكِسْرَتَيْنِ فَضَمَّ إحْدَاهُمَا إلَى الْأُخْرَى وَجَعَلَ يَجْمَعُ فِيهَا الطَّعَامَ وَيَقُولُ: غَارَتْ أُمُّكُمْ، كُلُوا، فَأَكَلُوا، وَحَبَسَ الرَّسُولَ حَتَّى جَاءَتْ قَصْعَةُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا فَدَفَعَ الْقَصْعَةَ إلَى الرَّسُولِ، وَحَبَسَ الْمَكْسُورَةَ فِي بَيْتِهِ» وَالْحَدِيثُ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَعِنْدَ التِّرْمِذِيِّ فِيهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «طَعَامٌ بِطَعَامٍ وَإِنَاءٌ بِإِنَاءٍ» وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
وَعِنْدَ أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ فِيهِ «قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا كَفَّارَةُ مَا صَنَعْتُ؟ قَالَ: إنَاءٌ مِثْلُ إنَاءٍ وَطَعَامٌ مِثْلُ طَعَامٍ» وَهَذَا هُوَ مَذْهَبُهُ الصَّحِيحُ عَنْهُ عِنْدَ ابْنِ أَبِي مُوسَى، قَالَ فِي إرْشَادِهِ: وَمَنْ اسْتَهْلَكَ لِآدَمِيٍّ مَا لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ فَعَلَيْهِ مِثْلُهُ إنْ وُجِدَ، وَقِيلَ: عَلَيْهِ قِيمَتُهُ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَصْحَابِهِ.
وَقَضَى عُثْمَانُ وَابْنُ مَسْعُودٍ عَلَى مَنْ اسْتَهْلَكَ لِرَجُلٍ فِصْلَانًا بِفِصْلَانٍ مِثْلِهَا وَبِالْمِثْلِ قَضَى شُرَيْحٌ وَالْعَنْبَرِيُّ وَقَالَ بِهِ قَتَادَةُ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ، وَهُوَ الْحَقُّ، وَلَيْسَ مَعَ مَنْ، أَوْجَبَ الْقِيمَةَ نَصٌّ وَلَا إجْمَاعٌ وَلَا قِيَاسٌ، وَلَيْسَ مَعَهُمْ أَكْثَرُ وَلَا أَكْبَرُ مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ فَكَانَ لَهُ مِنْ الْمَالِ مَا يَبْلُغُ ثَمَنَ الْعَبْدِ قُوِّمَ عَلَيْهِ قِيمَةُ عَدْلٍ لَا وَكْسَ وَلَا شَطَطَ فَأَعْطَى شُرَكَاءَهُ حِصَصَهُمْ وَعَتَقَ عَلَيْهِ الْعَبْدُ» قَالُوا: أَوْجَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي إتْلَافِ نَصِيبِ الشَّرِيكِ الْقِيمَةَ لَا الْمِثْلَ، فَقِسْنَا عَلَى هَذَا كُلَّ حَيَوَانٍ، ثُمَّ عَدَّيْنَاهُ إلَى كُلِّ [غَيْرِ] مِثْلِيٍّ، قَالُوا: وَلِأَنَّ الْقِيمَةَ أَضْبَطُ وَأَحْصَرُ بِخِلَافِ الْمِثْلِ، قَالَ الْآخَرُونَ: أَمَّا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ فَعَلَى الرَّأْسِ وَالْعَيْنِ وَسَمْعًا لَهُ وَطَاعَةً، وَلَكِنْ فِيمَا دَلَّ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَمَا لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ وَلَا أُرِيدَ بِهِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ، وَهَذَا التَّضْمِينُ الَّذِي يَضْمَنُهُ لَيْسَ مِنْ بَابِ تَضْمِينِ الْمُتْلَفَاتِ، بَلْ هُوَ مِنْ بَابِ تَمَلُّكِ مَالِ الْغَيْرِ بِقِيمَتِهِ، فَإِنَّ نَصِيبَ الشَّرِيكِ يَمْلِكُهُ الْمُعْتَقُ ثُمَّ يُعْتَقُ عَلَيْهِ، فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ دُخُولِهِ فِي مِلْكِهِ لِيُعْتَقَ عَلَيْهِ، وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْقَائِلِينَ بِالسِّرَايَةِ فِي ذَلِكَ، وَأَنَّ الْوَلَاءَ لَهُ، وَإِنْ تَنَازَعُوا: هَلْ يَسْرِي عَقِيبَ عِتْقِهِ، أَوْ لَا يُعْتَقُ حَتَّى يُؤَدِّيَ الْقِيمَةَ، أَوْ يَكُونَ مَوْقُوفًا فَإِذَا أَدَّى تَبَيَّنَّ أَنَّهُ عَتَقَ مِنْ حِينِ الْعِتْقِ؟ وَهِيَ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَالْمَشْهُورُ فِي مَذْهَبِهِ وَمَذْهَبِ أَحْمَدَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ.
وَفِي مَذْهَبِ مَالِكٍ الْقَوْلُ الثَّانِي، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ يَبْتَنِي مَا لَوْ أَعْتَقَ الشَّرِيكُ نَصِيبَهُ بَعْدَ عِتْقِ الْأَوَّلِ، فَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ لَا يُعْتَقُ، وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي يُعْتَقُ عَلَيْهِ وَيَكُونُ الْوَلَاءُ بَيْنَهُمَا، وَيَبْتَنِي عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا إذَا قَالَ أَحَدُ