الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقَالَ وَكِيعٌ: حَدَّثَنَا عِيسَى الْخَيَّاطُ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: لَأَنْ أَتَعَنَّى بِعَنِيَّةٍ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَقُولَ فِي مَسْأَلَةٍ بِرَأْيٍ. قُلْتُ: رَوَاهُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ قُتَيْبَةَ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ، وَعَنِيَّةٌ بِوَزْنِ غَنِيَّةٍ، ثُمَّ فَسَّرَهُ بِأَنَّ الْعَنِيَّةَ أَخْلَاطٌ تُنْقَعُ فِي أَبْوَالِ الْإِبِلِ. حِينًا حَتَّى تُطْلَى بِهَا الْإِبِلُ مِنْ الْجَرَبِ.
وَقَالَ الْأَثْرَمُ: حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ جَابِرٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: لَا أَقِيسُ شَيْئًا بِشَيْءٍ، قِيلَ: لِمَ؟ قَالَ: أَخْشَى أَنْ تَزِلَّ رِجْلِي. وَسُئِلَ عَنْ مَسْأَلَةٍ فَقَالَ: لَا أَدْرِي، فَقِيلَ لَهُ: فَقِسْ لَنَا بِرَأْيِكَ، فَقَالَ: أَخَافُ أَنْ تَزِلَّ قَدَمِي. وَكَانَ يَقُولُ: إيَّاكُمْ وَالْقِيَاسَ وَالرَّأْيَ؛ فَإِنَّ الرَّأْيَ قَدْ يَزِلُّ.
. وَكَانَ الشَّعْبِيُّ يَقُولُ: لَا تُجَالِسْ أَصْحَابَ الْقِيَاسِ فَتُحِلَّ حَرَامًا أَوْ تُحَرِّمَ حَلَالًا.
وَقَالَ الْخَلَّالُ: ثنا أَبُو بَكْرٍ الْمَرْوَزِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ يُنْكِرُ عَلَى أَصْحَابِ الْقَرَائِنِ، وَيَتَكَلَّمُ فِيهِ بِكَلَامٍ شَدِيدٍ.
وَقَالَ الْأَثْرَمُ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ كُنَاسَةَ ثنا صَالِحُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: لَقَدْ بَغَّضَ إلَيَّ هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ هَذَا الْمَسْجِدَ، حَتَّى لَهُوَ أَبْغَضُ إلَيَّ مِنْ كُنَاسَةِ دَارِي، قُلْتُ: مَنْ هُمْ يَا أَبَا عَمْرٍو؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ الأرائيون أَرَأَيْتَ أَرَأَيْتَ.
وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ مَطَرٍ الْوَرَّاقِ قَالَ: تَرَكَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ الْآثَارَ وَاَللَّهِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ خَاقَانَ: سَمِعْتُ ابْنَ الْمُبَارَكِ فِي آخِرِ خَرْجَةٍ خَرَجَ، فَقُلْنَا لَهُ: أَوْصِنَا، فَقَالَ: لَا تَتَّخِذُوا الرَّأْيَ إمَامًا
[فَصْلٌ الْقِيَاسُ يُعَارِضُ بَعْضُهُ بَعْضًا]
فَصْلٌ:
[الْقِيَاسُ يُعَارِضُ بَعْضُهُ بَعْضًا]
قَالُوا: وَلَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حُجَّةً لَمَا تَعَارَضَتْ الْأَقْيِسَةُ، وَنَاقَضَ بَعْضُهَا بَعْضًا، فَتَرَى كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَنَازِعِينَ مِنْ أَرْبَابِ الْقِيَاسِ يَزْعُمُ أَنَّ قَوْلَهُ هُوَ الْقِيَاسُ، فَيُبْدِي مُنَازِعُهُ قِيَاسًا آخَرَ وَيَزْعُمُ أَنَّهُ هُوَ الْقِيَاسُ، وَحُجَجُ اللَّهِ وَبَيِّنَاتُهُ لَا تَتَعَارَضُ، وَلَا تَتَهَافَتُ.
قَالُوا: فَلَوْ جَازَ الْقَوْلُ بِالْقِيَاسِ فِي الدِّينِ لَأَفْضَى إلَى وُقُوعِ الِاخْتِلَافِ الَّذِي حَذَّرَ اللَّهُ مِنْهُ وَرَسُولُهُ، بَلْ عَامَّةُ الِاخْتِلَافِ بَيْنَ الْأُمَّةِ إنَّمَا نَشَأَ مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ، فَإِنَّهُ إذَا ظَهَرَ لِكُلِّ وَاحِدٍ
مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ قِيَاسٌ مُقْتَضَاهُ نَقِيضُ حُكْمِ الْآخَرِ اخْتَلَفَ، وَلَا بُدَّ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا صَرِيحٌ قَوْله تَعَالَى: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا} [النساء: 82] .
الثَّانِي: أَنَّ الِاخْتِلَافَ سَبَبُهُ اشْتِبَاهُ الْحَقِّ وَخَفَاؤُهُ، وَهَذَا لِعَدَمِ الْعِلْمِ الَّذِي يُمَيِّزُ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ.
الثَّالِثُ: أَنَّ اللَّهَ - سُبْحَانَهُ - ذَمَّ الِاخْتِلَافَ فِي كِتَابِهِ، وَنَهَى عَنْ التَّفَرُّقِ وَالتَّنَازُعِ، فَقَالَ:{شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} [الشورى: 13] وَقَالَ: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ} [آل عمران: 105] وَقَالَ: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} [الأنعام: 159] وَقَالَ: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال: 46] وَقَالَ: {فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [المؤمنون: 53] وَالزُّبُرُ: الْكُتُبُ، أَيْ كُلُّ فِرْقَةٍ صَنَّفُوا كُتُبًا أَخَذُوا بِهَا وَعَمِلُوا بِهَا وَدَعَوْا إلَيْهَا دُونَ كُتُبِ الْآخَرِينَ كَمَا هُوَ الْوَاقِعُ سَوَاءٌ، وَقَالَ:{يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} [آل عمران: 106] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: تَبْيَضُّ وُجُوهُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالِائْتِلَافِ، وَتَسْوَدُّ وُجُوهُ أَهْلِ الْفُرْقَةِ وَالِاخْتِلَافِ.
وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «لَا تَخْتَلِفُوا فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ» وَقَالَ: «اقْرَءُوا الْقُرْآنَ مَا ائْتَلَفَتْ عَلَيْهِ قُلُوبُكُمْ، فَإِذَا اخْتَلَفْتُمْ فَقُومُوا» وَكَانَ التَّنَازُعُ وَالِاخْتِلَافُ أَشَدَّ شَيْءٍ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَكَانَ إذَا رَأَى مِنْ الصَّحَابَةِ اخْتِلَافًا يَسِيرًا فِي فَهْمِ النُّصُوصِ يَظْهَرُ فِي وَجْهِهِ حَتَّى كَأَنَّمَا فُقِئَ فِيهِ حَبُّ الرُّمَّانِ وَيَقُولُ:«أَبِهَذَا أُمِرْتُمْ» وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ بَعْدَهُ أَشَدَّ عَلَيْهِ الِاخْتِلَافَ مِنْ عُمَرَ رضي الله عنه، وَأَمَّا الصِّدِّيقُ فَصَانَ اللَّهُ خِلَافَتَهُ عَنْ الِاخْتِلَافِ الْمُسْتَقِرِّ فِي حُكْمٍ وَاحِدٍ مِنْ أَحْكَامِ الدِّينِ، وَأَمَّا خِلَافَةُ عُمَرَ فَتَنَازَعَ الصَّحَابَةُ تَنَازُعًا يَسِيرًا فِي قَلِيلٍ مِنْ الْمَسَائِلِ جِدًّا، وَأَقَرَّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا عَلَى اجْتِهَادِهِ مِنْ غَيْرِ ذَمٍّ وَلَا طَعْنٍ، فَلَمَّا كَانَتْ خِلَافَةُ عُثْمَانَ اخْتَلَفُوا فِي مَسَائِلَ يَسِيرَةٍ صَحِبَ الِاخْتِلَافَ فِيهَا بَعْضُ الْكَلَامِ وَاللَّوْمِ، كَمَا لَامَ عَلِيٌّ عُثْمَانَ فِي أَمْرِ الْمُتْعَةِ وَغَيْرِهَا، وَلَامَهُ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ وَعَائِشَةُ فِي بَعْضِ مَسَائِلِ قِسْمَةِ الْأَمْوَالِ وَالْوِلَايَاتِ، فَلَمَّا أَفَضَتْ الْخِلَافَةُ إلَى عَلِيٍّ - كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ - فِي الْجَنَّةِ صَارَ الِاخْتِلَافُ بِالسَّيْفِ.
[الِاخْتِلَافُ مَهْلَكَةٌ]
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ الِاخْتِلَافَ مُنَافٍ لِمَا بَعَثَ اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ، قَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: لَا تَخْتَلِفُوا؛ فَإِنَّكُمْ إنْ اخْتَلَفْتُمْ كَانَ مَنْ بَعْدَكُمْ أَشَدَّ اخْتِلَافًا. وَلَمَّا سَمِعَ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ وَابْنَ مَسْعُودٍ يَخْتَلِفَانِ فِي صَلَاةِ الرَّجُلِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ أَوْ الثَّوْبَيْنِ صَعِدَ الْمِنْبَرَ وَقَالَ: رَجُلَانِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم اخْتَلَفَا، فَعَنْ أَيِّ فُتْيَاكُمْ يَصْدُرُ الْمُسْلِمُونَ؟ لَا أَسْمَعُ اثْنَيْنِ اخْتَلَفَا بَعْدَ