المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل نهى الصحابة عن القياس] - إعلام الموقعين عن رب العالمين - ط العلمية - جـ ١

[ابن القيم]

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدِّمَة الْكتاب]

- ‌[فَصْلٌ عُلَمَاءُ الْأُمَّةِ عَلَى ضَرْبَيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ مَا يُشْتَرَطُ فِيمَنْ يُوَقِّعُ عَنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ]

- ‌[فَصْلٌ أَوَّلُ مَنْ وَقَّعَ عَنْ اللَّهِ]

- ‌[فَصْلٌ عَمَّنْ انْتَشَرَ الدِّينُ وَالْفِقْهُ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْ صَارَتْ إلَيْهِ الْفَتْوَى مِنْ التَّابِعِينَ]

- ‌[فَصْلٌ فُقَهَاءُ الْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فُقَهَاءُ مَكَّةَ]

- ‌[فَصْلٌ فُقَهَاءُ الْبَصْرَةِ]

- ‌[أُصُولُ فَتَاوَى أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ]

- ‌[فَصْلٌ كَرَاهَةُ الْعُلَمَاءِ التَّسَرُّعَ فِي الْفَتْوَى]

- ‌[الْمُرَادُ بِالنَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ]

- ‌[خَطَرُ تَوَلِّي الْقَضَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ الْمُحَرَّمَاتُ عَلَى أَرْبَعِ مَرَاتِبَ]

- ‌[النَّهْيُ عَنْ أَنْ يُقَالَ هَذَا حُكْمُ اللَّهِ]

- ‌[لَفْظُ الْكَرَاهَةِ يُطْلَقُ عَلَى الْمُحَرَّمِ]

- ‌[مَا يَقُولُهُ الْمُفْتِي فِيمَا اجْتَهَدَ فِيهِ]

- ‌[فَصْلٌ كَلَامِ الْأَئِمَّةِ فِي الْفُتْيَا]

- ‌[أَدَوَاتُ الْفُتْيَا]

- ‌[الْفَتْوَى بِالتَّقْلِيدِ]

- ‌[شُرُوطُ الْإِفْتَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ الْإِفْتَاءِ فِي دِينِ اللَّهِ بِالرَّأْيِ]

- ‌[الْأَمْرُ بِالرَّدِّ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ يَشْتَمِلَانِ عَلَى حُكْمِ كُلِّ شَيْءٍ]

- ‌[الْوَعِيدُ عَلَى الْقَوْلِ بِالرَّأْيِ]

- ‌[فَصْلٌ تَأْوِيلُ مَا رُوِيَ عَنْ الصَّحَابَةِ مِنْ الْأَخْذِ بِالرَّأْيِ]

- ‌[فَصْلٌ الرَّأْيُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ]

- ‌[الرَّأْيُ الْبَاطِلُ وَأَنْوَاعُهُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الرَّأْيِ الْمَحْمُودِ وَهُوَ أَنْوَاعٌ]

- ‌[النَّوْعُ الْأَوَّلُ مِنْ الرَّأْيِ الْمَحْمُودِ]

- ‌[فَصْلٌ النَّوْعُ الثَّانِي مِنْ الرَّأْيِ الْمَحْمُودِ]

- ‌[فَصْلٌ النَّوْعُ الثَّالِثُ مِنْ الرَّأْيِ الْمَحْمُودِ]

- ‌[فَصْلٌ النَّوْعُ الرَّابِعُ مِنْ الرَّأْيِ الْمَحْمُودِ]

- ‌[كِتَابِ عُمَرَ فِي الْقَضَاءِ وشرحه]

- ‌[صِحَّةُ الْفَهْمِ وَحُسْنُ الْقَصْدِ]

- ‌[وَاجِبُ الْحَاكِمِ]

- ‌[نِصَابُ الشَّهَادَةِ]

- ‌[فَصْل تُشْرَعُ الْيَمِينُ مِنْ جِهَةِ أَقْوَى الْمُتَدَاعِيَيْنِ]

- ‌[صِفَاتُ الْحَاكِمِ وَمَا يُشْتَرَطُ فِيهِ]

- ‌[فَصْلٌ الصُّلْحُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ]

- ‌[فَصْلٌ يُؤَجِّلُ الْقَاضِي الْحُكْمَ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ]

- ‌[تَغَيُّرُ الْحُكْم بِتَغَيُّرِ الِاجْتِهَادِ]

- ‌[مَنْ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ]

- ‌[فَصْلٌ شَاهِدُ الزُّورِ]

- ‌[الْكَذِبِ فِي غَيْرِ الشَّهَادَةِ]

- ‌[فَصْلٌ الْحِكْمَةُ فِي رَدِّ شَهَادَةِ الْكَذَّابِ]

- ‌[فَصْلٌ شَهَادَةِ الْمَجْلُودِ فِي حَدِّ الْقَذْفِ]

- ‌[فَصْلٌ رَدُّ الشَّهَادَةِ بِالتُّهْمَةِ]

- ‌[فَصْلٌ شَهَادَةُ مَسْتُورِ الْحَالِ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي الْقِيَاسِ]

- ‌[أَنْوَاعُ الْقِيَاسِ]

- ‌[فَصْلٌ قِيَاسُ الدَّلَالَةِ]

- ‌[فَصْلٌ قِيَاسُ الشَّبَهِ]

- ‌[فَصْلٌ قِيَاسِ الْعَكْسِ]

- ‌[فَصْلٌ مِثْل مِنْ الْقِيَاسِ التَّمْثِيلِيِّ]

- ‌[السِّرُّ فِي ضَرْبِ الْأَمْثَالِ]

- ‌[تَسْوِيَة الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ جَاءَ الْقُرْآنُ بِتَعْلِيلِ الْأَحْكَامِ]

- ‌[مَا وَرَدَ فِي السُّنَّةِ مِنْ تَعْلِيلِ الْأَحْكَامِ]

- ‌[فَصْلٌ حَدِيثُ مُعَاذٍ حِينَ بَعَثَهُ الرَّسُولُ إلَى الْيَمَنِ]

- ‌[فَصْلٌ كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ يَجْتَهِدُونَ وَيَقِيسُونَ]

- ‌[مَا أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَيْهِ مِنْ مَسَائِلِ الْقِيَاسِ]

- ‌[قِيَاسُ الصَّحَابَةِ حَدَّ الشُّرْبِ عَلَى حَدِّ الْقَذْفِ]

- ‌[قِيَاسُ الصَّحَابَةِ فِي الْجَدِّ مَعَ الْإِخْوَةِ]

- ‌[اخْتِلَافُ الصَّحَابَة فِي الْمَرْأَةِ الْمُخَيَّرَةِ]

- ‌[الصَّحَابَةُ فَتَحُوا بَابَ الْقِيَاسِ وَالِاجْتِهَادِ]

- ‌[الْعَمَلُ بِالْقِيَاسِ مَرْكُوزٌ فِي فِطَرِ النَّاسِ]

- ‌[الْقَيَّاسُونَ وَالظَّاهِرِيَّةُ مُفْرِطُونَ]

- ‌[فَصْلٌ قَوْلُ نُفَاةِ الْقِيَاسِ]

- ‌[فَصْلٌ فَائِدَةُ ضَرْبِ الْأَمْثَالِ]

- ‌[فَصْلٌ لَمْ يَأْمُرْ النَّبِيُّ بِالْقِيَاسِ بَلْ نَهَى عَنْهُ]

- ‌[فَصْلٌ نهى الصَّحَابَةُ عَنْ الْقِيَاسِ]

- ‌[فَصْلٌ ذَمِّ التَّابِعُونَ لِلْقِيَاسِ]

- ‌[فَصْلٌ الْقِيَاسُ يُعَارِضُ بَعْضُهُ بَعْضًا]

- ‌[إذَا اخْتَلَفَتْ الْأَقْيِسَةُ فِي نَظَرِ الْمُجْتَهِدِينَ]

- ‌[لَمْ يَكُنْ الْقِيَاسُ حُجَّةً فِي زَمَنِ الرَّسُولِ]

- ‌[فَصْلٌ تَنَاقُضُ أَهْلِ الْقِيَاسِ دَلِيلُ فَسَادِهِ]

- ‌[فَصْلٌ مَثَلٌ مِمَّا جَمَعَ فِيهِ الْقِيَاسِيُّونَ بَيْنَ الْمُتَفَرِّقَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ مِنْ تَنَاقُضِ الْقِيَاسِيِّينَ مُرَاعَاةُ بَعْضِ الشُّرُوطِ دُونَ بَعْضِهَا الْآخَرِ]

- ‌[فَصْلٌ هَلْ فِي اللَّطْمَةِ وَالضَّرْبَةِ قِصَاصٌ]

- ‌[فَصْلٌ حُكُومَةُ النَّبِيَّيْنِ الْكَرِيمَيْنِ دَاوُد وَسُلَيْمَانَ]

- ‌[الْمُمَاثَلَةُ فِي الْقِصَاصِ فِي الْجِنَايَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي قُوَّة أَدِلَّةِ الْفَرِيقَيْنِ]

- ‌[إحَاطَةُ الْأَوَامِرِ الشَّرْعِيَّةِ بِأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ]

- ‌[فَصْلٌ هَلْ تُحِيطُ النُّصُوصُ بِحُكْمِ جَمِيعِ الْحَوَادِثِ]

- ‌[أخطاء المختلفين فِي إحاطة النُّصُوص بِأَحْكَام الحوادث]

- ‌[الْخَطَأ الْأَوَّل والثانى]

- ‌[الْخَطَأُ الثَّالِثُ تَحْمِيلُ الِاسْتِصْحَابِ فَوْقَ مَا يَسْتَحِقُّهُ]

- ‌[الِاسْتِصْحَابُ وَأَقْسَامُهُ]

- ‌[الْخَطَأُ الرَّابِعُ اعْتِقَاد أَنَّ عُقُودَ الْمُسْلِمِينَ وَشُرُوطَهُمْ وَمُعَامَلَاتِهِمْ كُلَّهَا عَلَى الْبُطْلَانِ حَتَّى يَقُومَ دَلِيلٌ عَلَى الصِّحَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ أَخْطَاءُ الْقِيَاسِيِّينَ]

- ‌[فَصْلُ فِي شُمُولُ النُّصُوصِ وَإِغْنَاؤُهَا عَنْ الْقِيَاسِ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الْمُشْتَرَكَةُ فِي الْفَرَائِضِ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الْعُمَرِيَّةُ]

- ‌[فَصَلِّ مِيرَاثُ الْأَخَوَاتِ مَعَ الْبَنَاتِ]

- ‌[فَصَلِّ مِيرَاثُ الْبَنَاتِ]

- ‌[فَصَلِّ مِيرَاثُ بِنْتِ الِابْنِ]

- ‌[فَصَلِّ مِيرَاثُ الْجَدِّ مَعَ الْإِخْوَةِ]

- ‌[فَصْلُ لَيْسَ فِي الشَّرِيعَةِ شَيْءٌ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ]

- ‌[فَصَلِّ الْحَوَالَةُ مُوَافِقَةٌ لِلْقِيَاسِ]

- ‌[فَصَلِّ الْقَرْضُ عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ]

- ‌[فَصَلِّ إزَالَةُ النَّجَاسَةِ عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ]

- ‌[فَصَلِّ طَهَارَةُ الْخَمْرِ بِالِاسْتِحَالَةِ عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ]

- ‌[فَصَلِّ الْوُضُوءُ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ]

- ‌[فَصَلِّ الْفِطْرُ بِالْحِجَامَةِ عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ]

- ‌[فَصَلِّ التَّيَمُّمُ جَارٍ عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ]

- ‌[فَصَلِّ السَّلَمُ جَارٍ عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ]

- ‌[فَصَلِّ الْكِتَابَةُ تَجْرِي عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ]

- ‌[فَصَلِّ بَيَانُ أَنَّ الْإِجَارَةَ عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ]

الفصل: ‌[فصل نهى الصحابة عن القياس]

حَرَامٌ، وَمَا سَكَتَ عَنْهُ فَهُوَ عَفْوٌ مُبَاحٌ فَبَطَلَ مَا سِوَى ذَلِكَ، وَالْقِيَاسُ خَارِجٌ عَنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ؛ فَيَكُونُ بَاطِلًا، وَالْمَقِيسُ مَسْكُوتٌ عَنْهُ بِلَا رَيْبٍ؛ فَيَكُونُ عَفْوًا بِلَا رَيْبٍ، فَإِلْحَاقُهُ بِالْمُحَرَّمِ تَحْرِيمٌ لِمَا عَفَا اللَّهُ عَنْهُ.

، وَفِي قَوْلِهِ «، ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ» بَيَانٌ جَلِيٌّ أَنَّ مَا لَا نَصَّ فِيهِ فَلَيْسَ بِحَرَامٍ وَلَا وَاجِبٍ، وَدَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ أَوَامِرَهُ عَلَى الْوُجُوبِ حَتَّى يَجِيءَ مَا يَرْفَعُ ذَلِكَ، أَوْ يُبَيِّنُ أَنَّ مُرَادَهُ النَّدْبُ، وَأَنَّ مَا لَا نَسْتَطِيعُهُ فَسَاقِطٌ عَنَّا.

وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمُغَلِّسِ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ثنا أَبُو قِلَابَةَ الرَّقَاشِيُّ ثنا أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ ثنا سَيْفُ بْنُ هَارُونَ الْبُرْجُمِيُّ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ عَنْ سَلْمَانَ رضي الله عنه قَالَ: «سُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَشْيَاءَ، فَقَالَ: الْحَلَالُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ، وَالْحَرَامُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَمَا سَكَتَ عَنْهُ فَهُوَ مِمَّا عَفَا عَنْهُ» ، وَهَذَا إسْنَادٌ جَيِّدٌ مَرْفُوعٌ، وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ، وَعَلَيْهِ التُّكْلَانُ.

[فَصْلٌ نهى الصَّحَابَةُ عَنْ الْقِيَاسِ]

فَصْلٌ [الصَّحَابَةُ نَهَوْا عَنْ الْقِيَاسِ أَيْضًا]

وَأَمَّا الصَّحَابَةُ رضي الله عنهم فَقَدْ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: إذَا جَاءَكَ الْحَدِيثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَا تَضْرِبْ لَهُ الْأَمْثَالَ.

وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَحَبُّ الْكَلَامِ إلَى اللَّهِ عز وجل أَرْبَعٌ» ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَفِي آخِرِهِ «، لَا تُسَمِّينَ غُلَامَكَ يَسَارًا وَلَا رَبَاحًا وَلَا نَجِيحًا وَلَا أَفْلَحَ، فَإِنَّكَ تَقُولُ: أَثَمَّ هُوَ؟ فَيُقَالُ: لَا، إنَّمَا هُنَّ أَرْبَعٌ فَلَا تَزِيدُنَّ عَلَيَّ» .

قَالُوا: فَلَمْ يُجِزْ سَمُرَةُ أَنْ يَنْهَى عَمَّا عَدَا الْأَرْبَعَ قِيَاسًا عَلَيْهَا، وَجَعَلَ ذَلِكَ زِيَادَةً فَلَمْ يَزِدْ عَلَى الْأَرْبَعِ بِالْقِيَاسِ التَّسْمِيَةَ بِسَعْدٍ وَفَرَجٍ وَخَيْرٍ وَبَرَكَةٍ وَنَحْوِهَا، وَمُقْتَضَى قَوْلِ الْقِيَاسِيِّينَ أَنَّ الْأَسْمَاءَ الَّتِي سَكَتَ عَنْهَا النَّصُّ أَوْلَى بِالنَّهْيِ؛ فَيَكُونُ إلْحَاقُهَا بِقِيَاسِ الْأُولَى أَوْ مِثْلِهِ.

فَإِنْ قِيلَ: فَلَعَلَّ قَوْلَهُ «، إنَّمَا هُنَّ أَرْبَعٌ فَلَا تَزِيدُنَّ عَلَيَّ» ، مَرْفُوعٌ مِنْ نَفْسِ كَلَامِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أَوْ لَعَلَّ سَمُرَةَ أَرَادَ بِهَا إنَّمَا حَفِظْتُ هَذِهِ الْأَرْبَعَ فَلَا تَزِيدُنَّ عَلَيَّ فِي الرِّوَايَةِ.

قِيلَ: أَمَّا السُّؤَالُ الْأَوَّلُ فَصَرِيحٌ فِي إبْطَالِ الْقِيَاسِ، فَإِنَّ الْمَعْنَى وَاحِدٌ، وَمَعَ هَذَا فَخَصَّ النَّهْيَ بِالْأَرْبَعِ، وَأَمَّا السُّؤَالُ الثَّانِي فَقَوْلُهُ " إنَّمَا هُنَّ أَرْبَعٌ " يَقْتَضِي تَخْصِيصَ الرِّوَايَةِ وَالْحُكْمِ بِهَا، وَنَفْيَ الزِّيَادَةِ عَلَيْهَا رِوَايَةً وَحُكْمًا؛ فَلَا تَنَافِيَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ.

ص: 191

وَقَالَ شُعْبَةُ: سَمِعْتُ سُلَيْمَانَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَةَ بْنَ فَيْرُوزَ قَالَ: «قُلْتُ لِلْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ: حَدِّثْنِي مَا كَرِهَ أَوْ نَهَى عَنْهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: أَرْبَعٌ لَا تُجْزِئُ فِي الْأَضَاحِيّ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، قَالَ: فَإِنِّي أَكْرَهُ أَنْ تَكُونَ نَاقِصَةَ الْقَرْنِ أَوْ الْأُذُنِ، قَالَ: فَمَا كَرِهْتُ مِنْهُ فَدَعْهُ، وَلَا تُحَرِّمْهُ عَلَى أَحَدٍ» ، وَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِي الْقِيَاسِ عَلَى الْأَرْبَعِ، وَلَمْ يَقِسْ عَلَيْهَا هُوَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم.

وَقَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَأْكُلُونَ أَشْيَاءَ وَيَتْرُكُونَ أَشْيَاءَ تَقَذُّرًا، فَبَعَثَ اللَّهُ نَبِيَّهُ صلى الله عليه وسلم وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ كِتَابَهُ وَأَحَلَّ حَلَالَهُ وَحَرَّمَ حَرَامَهُ؛ فَمَا أَحَلَّ فَهُوَ حَلَالٌ، وَمَا حَرَّمَ فَهُوَ حَرَامٌ، وَمَا سَكَتَ عَنْهُ فَهُوَ عَفْوٌ.

وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: قَدْ وَضَحَتْ الْأُمُورُ، وَتَبَيَّنَتْ السُّنَّةُ، وَلَمْ يُتْرَكْ لِأَحَدٍ مِنْكُمْ مُتَكَلِّمٌ إلَّا أَنْ يَضِلَّ عَبْدٌ.

وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: مَنْ أَتَى الْأَمْرَ عَلَى وَجْهِهِ فَقَدْ بُيِّنَ لَهُ، وَإِلَّا فَوَاَللَّهِ مَا لَنَا طَاقَةٌ بِكُلِّ مَا تُحْدِثُونَ، وَلَوْ كَانَ الْقِيَاسُ مِنْ الدَّيْنِ لَكَانَ لَهُ وَلِغَيْرِهِ طَاقَةٌ بِقِيَاسِ كُلِّ مَا يَرِدُ عَلَيْهِمْ عَلَى نَظِيرِهِ بِوَصْفٍ جَامِعٍ شَبَهِيٍّ، وَإِذَا كَانَ الْقِيَاسِيُّونَ لَا يَعْجِزُونَ عَنْ ذَلِكَ فَكَيْفَ الصَّحَابَةُ؟ وَلَوْ كَانَ الْقِيَاسُ مِنْ الدِّينِ لَكَانَ الْجَمِيعُ مُبَيَّنًا، وَلَمَّا قَسَمَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَغَيْرُهُ مَا يَرِدُ عَلَيْهِمْ إلَى مَا بَيَّنَهُ اللَّهُ وَإِلَى مَا لَمْ يُبَيِّنْهُ؛ فَإِنَّ اللَّهَ عَلَى قَوْلِكُمْ قَدْ بَيَّنَ الْجَمِيعَ بِالنَّصِّ وَالْقِيَاسِ.

فَإِنْ قِيلَ: فَهَذَا يَنْقَلِبُ عَلَيْكُمْ، فَإِنَّكُمْ تَقُولُونَ: إنَّ اللَّهَ - سُبْحَانَهُ - قَدْ بَيَّنَ الْجَمِيعَ.

قُلْنَا: مَا بَيَّنَهُ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ - نُطْقًا فَقَدْ بَيَّنَ حُكْمَهُ، وَمَا لَمْ يُبَيِّنْهُ نُطْقًا بَلْ سَكَتَ عَنْهُ فَقَدْ بَيَّنَ لَنَا أَنَّهُ عَفْوٌ، وَأَمَّا الْقِيَاسِيُّونَ فَيَقُولُونَ: مَا سَكَتَ عَنْهُ فَقَدْ بَيَّنَ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ مَا تَكَلَّمَ بِهِ، وَفَرْقٌ عَظِيمٌ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ، وَنَحْنُ أَسْعَدُ بِالْبَيَانِ النُّطْقِيِّ وَالسُّكُوتِيِّ مِنْكُمْ لِتَعْمِيمِنَا الْبَيَانَيْنِ وَعَدَمِ تَنَاقُضِنَا فِيهِمَا، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.

وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ: لَيْسَ عَامٌ إلَّا وَاَلَّذِي بَعْدَهُ شَرٌّ مِنْهُ، لَا أَقُولُ عَامٌ أَمْطُرُ مِنْ عَامٍ، وَلَا عَامٌ أَخْصَبُ مِنْ عَامٍ، وَلَا أَمِيرٌ خَيْرٌ مِنْ أَمِيرٍ، وَلَكِنْ ذَهَابُ خِيَارِكُمْ وَعُلَمَائِكُمْ، ثُمَّ يَحْدُثُ قَوْمٌ يَقِيسُونَ الْأُمُورَ بِرَأْيِهِمْ فَيَنْهَدِمُ الْإِسْلَامُ وَيَنْثَلِمُ.

وَتَقَدَّمَ قَوْلُ عُمَرَ: الْعِلْمُ ثَلَاثَةٌ: كِتَابٌ نَاطِقٌ، وَسُنَّةٌ مَاضِيَةٌ، وَلَا أَدْرِي، وَقَوْلُهُ لِأَبِي الشَّعْثَاءِ: لَا تُفْتِيَنَّ إلَّا بِكِتَابٍ نَاطِقٍ، أَوْ سُنَّةٍ مَاضِيَةٍ.

وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى

ص: 192