المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[السر في ضرب الأمثال] - إعلام الموقعين عن رب العالمين - ط العلمية - جـ ١

[ابن القيم]

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدِّمَة الْكتاب]

- ‌[فَصْلٌ عُلَمَاءُ الْأُمَّةِ عَلَى ضَرْبَيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ مَا يُشْتَرَطُ فِيمَنْ يُوَقِّعُ عَنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ]

- ‌[فَصْلٌ أَوَّلُ مَنْ وَقَّعَ عَنْ اللَّهِ]

- ‌[فَصْلٌ عَمَّنْ انْتَشَرَ الدِّينُ وَالْفِقْهُ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْ صَارَتْ إلَيْهِ الْفَتْوَى مِنْ التَّابِعِينَ]

- ‌[فَصْلٌ فُقَهَاءُ الْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فُقَهَاءُ مَكَّةَ]

- ‌[فَصْلٌ فُقَهَاءُ الْبَصْرَةِ]

- ‌[أُصُولُ فَتَاوَى أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ]

- ‌[فَصْلٌ كَرَاهَةُ الْعُلَمَاءِ التَّسَرُّعَ فِي الْفَتْوَى]

- ‌[الْمُرَادُ بِالنَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ]

- ‌[خَطَرُ تَوَلِّي الْقَضَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ الْمُحَرَّمَاتُ عَلَى أَرْبَعِ مَرَاتِبَ]

- ‌[النَّهْيُ عَنْ أَنْ يُقَالَ هَذَا حُكْمُ اللَّهِ]

- ‌[لَفْظُ الْكَرَاهَةِ يُطْلَقُ عَلَى الْمُحَرَّمِ]

- ‌[مَا يَقُولُهُ الْمُفْتِي فِيمَا اجْتَهَدَ فِيهِ]

- ‌[فَصْلٌ كَلَامِ الْأَئِمَّةِ فِي الْفُتْيَا]

- ‌[أَدَوَاتُ الْفُتْيَا]

- ‌[الْفَتْوَى بِالتَّقْلِيدِ]

- ‌[شُرُوطُ الْإِفْتَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ الْإِفْتَاءِ فِي دِينِ اللَّهِ بِالرَّأْيِ]

- ‌[الْأَمْرُ بِالرَّدِّ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ يَشْتَمِلَانِ عَلَى حُكْمِ كُلِّ شَيْءٍ]

- ‌[الْوَعِيدُ عَلَى الْقَوْلِ بِالرَّأْيِ]

- ‌[فَصْلٌ تَأْوِيلُ مَا رُوِيَ عَنْ الصَّحَابَةِ مِنْ الْأَخْذِ بِالرَّأْيِ]

- ‌[فَصْلٌ الرَّأْيُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ]

- ‌[الرَّأْيُ الْبَاطِلُ وَأَنْوَاعُهُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الرَّأْيِ الْمَحْمُودِ وَهُوَ أَنْوَاعٌ]

- ‌[النَّوْعُ الْأَوَّلُ مِنْ الرَّأْيِ الْمَحْمُودِ]

- ‌[فَصْلٌ النَّوْعُ الثَّانِي مِنْ الرَّأْيِ الْمَحْمُودِ]

- ‌[فَصْلٌ النَّوْعُ الثَّالِثُ مِنْ الرَّأْيِ الْمَحْمُودِ]

- ‌[فَصْلٌ النَّوْعُ الرَّابِعُ مِنْ الرَّأْيِ الْمَحْمُودِ]

- ‌[كِتَابِ عُمَرَ فِي الْقَضَاءِ وشرحه]

- ‌[صِحَّةُ الْفَهْمِ وَحُسْنُ الْقَصْدِ]

- ‌[وَاجِبُ الْحَاكِمِ]

- ‌[نِصَابُ الشَّهَادَةِ]

- ‌[فَصْل تُشْرَعُ الْيَمِينُ مِنْ جِهَةِ أَقْوَى الْمُتَدَاعِيَيْنِ]

- ‌[صِفَاتُ الْحَاكِمِ وَمَا يُشْتَرَطُ فِيهِ]

- ‌[فَصْلٌ الصُّلْحُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ]

- ‌[فَصْلٌ يُؤَجِّلُ الْقَاضِي الْحُكْمَ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ]

- ‌[تَغَيُّرُ الْحُكْم بِتَغَيُّرِ الِاجْتِهَادِ]

- ‌[مَنْ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ]

- ‌[فَصْلٌ شَاهِدُ الزُّورِ]

- ‌[الْكَذِبِ فِي غَيْرِ الشَّهَادَةِ]

- ‌[فَصْلٌ الْحِكْمَةُ فِي رَدِّ شَهَادَةِ الْكَذَّابِ]

- ‌[فَصْلٌ شَهَادَةِ الْمَجْلُودِ فِي حَدِّ الْقَذْفِ]

- ‌[فَصْلٌ رَدُّ الشَّهَادَةِ بِالتُّهْمَةِ]

- ‌[فَصْلٌ شَهَادَةُ مَسْتُورِ الْحَالِ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي الْقِيَاسِ]

- ‌[أَنْوَاعُ الْقِيَاسِ]

- ‌[فَصْلٌ قِيَاسُ الدَّلَالَةِ]

- ‌[فَصْلٌ قِيَاسُ الشَّبَهِ]

- ‌[فَصْلٌ قِيَاسِ الْعَكْسِ]

- ‌[فَصْلٌ مِثْل مِنْ الْقِيَاسِ التَّمْثِيلِيِّ]

- ‌[السِّرُّ فِي ضَرْبِ الْأَمْثَالِ]

- ‌[تَسْوِيَة الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ جَاءَ الْقُرْآنُ بِتَعْلِيلِ الْأَحْكَامِ]

- ‌[مَا وَرَدَ فِي السُّنَّةِ مِنْ تَعْلِيلِ الْأَحْكَامِ]

- ‌[فَصْلٌ حَدِيثُ مُعَاذٍ حِينَ بَعَثَهُ الرَّسُولُ إلَى الْيَمَنِ]

- ‌[فَصْلٌ كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ يَجْتَهِدُونَ وَيَقِيسُونَ]

- ‌[مَا أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَيْهِ مِنْ مَسَائِلِ الْقِيَاسِ]

- ‌[قِيَاسُ الصَّحَابَةِ حَدَّ الشُّرْبِ عَلَى حَدِّ الْقَذْفِ]

- ‌[قِيَاسُ الصَّحَابَةِ فِي الْجَدِّ مَعَ الْإِخْوَةِ]

- ‌[اخْتِلَافُ الصَّحَابَة فِي الْمَرْأَةِ الْمُخَيَّرَةِ]

- ‌[الصَّحَابَةُ فَتَحُوا بَابَ الْقِيَاسِ وَالِاجْتِهَادِ]

- ‌[الْعَمَلُ بِالْقِيَاسِ مَرْكُوزٌ فِي فِطَرِ النَّاسِ]

- ‌[الْقَيَّاسُونَ وَالظَّاهِرِيَّةُ مُفْرِطُونَ]

- ‌[فَصْلٌ قَوْلُ نُفَاةِ الْقِيَاسِ]

- ‌[فَصْلٌ فَائِدَةُ ضَرْبِ الْأَمْثَالِ]

- ‌[فَصْلٌ لَمْ يَأْمُرْ النَّبِيُّ بِالْقِيَاسِ بَلْ نَهَى عَنْهُ]

- ‌[فَصْلٌ نهى الصَّحَابَةُ عَنْ الْقِيَاسِ]

- ‌[فَصْلٌ ذَمِّ التَّابِعُونَ لِلْقِيَاسِ]

- ‌[فَصْلٌ الْقِيَاسُ يُعَارِضُ بَعْضُهُ بَعْضًا]

- ‌[إذَا اخْتَلَفَتْ الْأَقْيِسَةُ فِي نَظَرِ الْمُجْتَهِدِينَ]

- ‌[لَمْ يَكُنْ الْقِيَاسُ حُجَّةً فِي زَمَنِ الرَّسُولِ]

- ‌[فَصْلٌ تَنَاقُضُ أَهْلِ الْقِيَاسِ دَلِيلُ فَسَادِهِ]

- ‌[فَصْلٌ مَثَلٌ مِمَّا جَمَعَ فِيهِ الْقِيَاسِيُّونَ بَيْنَ الْمُتَفَرِّقَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ مِنْ تَنَاقُضِ الْقِيَاسِيِّينَ مُرَاعَاةُ بَعْضِ الشُّرُوطِ دُونَ بَعْضِهَا الْآخَرِ]

- ‌[فَصْلٌ هَلْ فِي اللَّطْمَةِ وَالضَّرْبَةِ قِصَاصٌ]

- ‌[فَصْلٌ حُكُومَةُ النَّبِيَّيْنِ الْكَرِيمَيْنِ دَاوُد وَسُلَيْمَانَ]

- ‌[الْمُمَاثَلَةُ فِي الْقِصَاصِ فِي الْجِنَايَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي قُوَّة أَدِلَّةِ الْفَرِيقَيْنِ]

- ‌[إحَاطَةُ الْأَوَامِرِ الشَّرْعِيَّةِ بِأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ]

- ‌[فَصْلٌ هَلْ تُحِيطُ النُّصُوصُ بِحُكْمِ جَمِيعِ الْحَوَادِثِ]

- ‌[أخطاء المختلفين فِي إحاطة النُّصُوص بِأَحْكَام الحوادث]

- ‌[الْخَطَأ الْأَوَّل والثانى]

- ‌[الْخَطَأُ الثَّالِثُ تَحْمِيلُ الِاسْتِصْحَابِ فَوْقَ مَا يَسْتَحِقُّهُ]

- ‌[الِاسْتِصْحَابُ وَأَقْسَامُهُ]

- ‌[الْخَطَأُ الرَّابِعُ اعْتِقَاد أَنَّ عُقُودَ الْمُسْلِمِينَ وَشُرُوطَهُمْ وَمُعَامَلَاتِهِمْ كُلَّهَا عَلَى الْبُطْلَانِ حَتَّى يَقُومَ دَلِيلٌ عَلَى الصِّحَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ أَخْطَاءُ الْقِيَاسِيِّينَ]

- ‌[فَصْلُ فِي شُمُولُ النُّصُوصِ وَإِغْنَاؤُهَا عَنْ الْقِيَاسِ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الْمُشْتَرَكَةُ فِي الْفَرَائِضِ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الْعُمَرِيَّةُ]

- ‌[فَصَلِّ مِيرَاثُ الْأَخَوَاتِ مَعَ الْبَنَاتِ]

- ‌[فَصَلِّ مِيرَاثُ الْبَنَاتِ]

- ‌[فَصَلِّ مِيرَاثُ بِنْتِ الِابْنِ]

- ‌[فَصَلِّ مِيرَاثُ الْجَدِّ مَعَ الْإِخْوَةِ]

- ‌[فَصْلُ لَيْسَ فِي الشَّرِيعَةِ شَيْءٌ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ]

- ‌[فَصَلِّ الْحَوَالَةُ مُوَافِقَةٌ لِلْقِيَاسِ]

- ‌[فَصَلِّ الْقَرْضُ عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ]

- ‌[فَصَلِّ إزَالَةُ النَّجَاسَةِ عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ]

- ‌[فَصَلِّ طَهَارَةُ الْخَمْرِ بِالِاسْتِحَالَةِ عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ]

- ‌[فَصَلِّ الْوُضُوءُ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ]

- ‌[فَصَلِّ الْفِطْرُ بِالْحِجَامَةِ عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ]

- ‌[فَصَلِّ التَّيَمُّمُ جَارٍ عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ]

- ‌[فَصَلِّ السَّلَمُ جَارٍ عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ]

- ‌[فَصَلِّ الْكِتَابَةُ تَجْرِي عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ]

- ‌[فَصَلِّ بَيَانُ أَنَّ الْإِجَارَةَ عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ]

الفصل: ‌[السر في ضرب الأمثال]

قَالُوا: فَهَذَا بَعْضُ مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ مِنْ التَّمْثِيلِ وَالْقِيَاسِ وَالْجَمْعِ وَالْفَرْقِ، وَاعْتِبَارِ الْعِلَلِ وَالْمَعَانِي وَارْتِبَاطِهَا بِأَحْكَامِهَا تَأْثِيرًا وَاسْتِدْلَالًا

[السِّرُّ فِي ضَرْبِ الْأَمْثَالِ]

قَالُوا: قَدْ ضَرَبَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ الْأَمْثَالَ وَصَرَّفَهَا قَدْرًا وَشَرْعًا وَيَقَظَةً وَمَنَامًا، وَدَلَّ عِبَادَهُ عَلَى الِاعْتِبَارِ بِذَلِكَ، وَعُبُورِهِمْ مِنْ الشَّيْءِ إلَى نَظِيرِهِ، وَاسْتِدْلَالِهِمْ بِالنَّظِيرِ عَلَى النَّظِيرِ، بَلْ هَذَا أَهْلُ عِبَارَةِ الرُّؤْيَا الَّتِي هِيَ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ النُّبُوَّةِ وَنَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الْوَحْيِ؛ فَإِنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْقِيَاسِ وَالتَّمْثِيلِ، وَاعْتِبَارِ الْمَعْقُولِ بِالْمَحْسُوسِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الثِّيَابَ فِي التَّأْوِيلِ كَالْقُمُصِ تَدُلُّ عَلَى الدِّينِ، فَمَا كَانَ فِيهَا مِنْ طُولٍ أَوْ قِصَرٍ أَوْ نَظَافَةٍ أَوْ دَنَسٍ فَهُوَ فِي الدِّينِ كَمَا أَوَّلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْقَمِيصَ بِالدِّينِ وَالْعِلْمِ، وَالْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَهُمَا أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَسْتُرُ صَاحِبَهُ وَيُجَمِّلُهُ بَيْنَ النَّاسِ؛ فَالْقَمِيصُ يَسْتُرُ بَدَنَهُ وَالْعِلْمُ وَالدِّينُ يَسْتُرُ رُوحَهُ وَقَلْبَهُ وَيُجَمِّلُهُ بَيْنَ النَّاسِ

[الرُّؤْيَا الْحُلْمِيَّةُ وَتَأْوِيلُهَا] وَمِنْ هَذَا تَأْوِيلُ اللَّبَنِ بِالْفِطْرَةِ لِمَا فِي كُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ التَّغْذِيَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْحَيَاةِ وَكَمَالِ النَّشْأَةِ، وَأَنَّ الطِّفْلَ إذَا خُلِّيَ وَفِطْرَتَهُ لَمْ يَعْدِلْ عَنْ اللَّبَنِ؛ فَهُوَ مَفْطُورٌ عَلَى إيثَارِهِ عَلَى مَا سِوَاهُ، وَكَذَلِكَ فِطْرَةُ الْإِسْلَامِ الَّتِي فَطَرَ اللَّهُ عَلَيْهَا النَّاسَ.

وَمِنْ هَذَا تَأْوِيلُ الْبَقَرِ بِأَهْلِ الدِّينِ وَالْخَيْرِ الَّذِينَ بِهِمْ عِمَارَةُ الْأَرْضِ كَمَا أَنَّ الْبَقَرَ كَذَلِكَ، مَعَ عَدَمِ شَرِّهَا وَكَثْرَةِ خَيْرِهَا وَحَاجَةِ الْأَرْضِ وَأَهْلِهَا إلَيْهَا؛ وَلِهَذَا لَمَّا «رَأَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَقَرًا تُنْحَرُ» كَانَ ذَلِكَ نَحْرًا فِي أَصْحَابِهِ.

وَمِنْ ذَلِكَ تَأْوِيلُ الزَّرْعِ وَالْحَرْثِ بِالْعَمَلِ؛ لِأَنَّ الْعَامِلَ زَارِعٌ لِلْخَيْرِ وَالشَّرِّ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَخْرُجَ لَهُ مَا بَذَرَهُ كَمَا يَخْرُجُ لِلْبَاذِرِ زَرْعُ مَا بَذَرَهُ؛ فَالدُّنْيَا مَزْرَعَةٌ، وَالْأَعْمَالُ الْبَذْرُ، وَيَوْمُ الْقِيَامَةِ يَوْمُ طُلُوعِ الزَّرْعِ لِلْبَاذِرِ وَحَصَادِهِ.

وَمِنْ ذَلِكَ تَأْوِيلُ الْخَشَبِ الْمَقْطُوعِ الْمُتَسَانَدِ بِالْمُنَافِقِينَ، وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمُنَافِقَ لَا رُوحَ فِيهِ وَلَا ظِلَّ وَلَا ثَمَرَ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْخَشَبِ الَّذِي هُوَ كَذَلِكَ؛ وَلِهَذَا شَبَّهَ اللَّهُ - تَعَالَى - الْمُنَافِقِينَ بِالْخُشُبِ الْمُسَنَّدَةِ؛ لِأَنَّهُمْ أَجْسَامٌ خَالِيَةٌ عَنْ الْإِيمَانِ وَالْخَيْرِ، وَفِي كَوْنِهَا مُسَنَّدَةً نُكْتَةٌ أُخْرَى، وَهِيَ أَنَّ الْخَشَبَ إذَا اُنْتُفِعَ بِهِ جُعِلَ فِي سَقْفٍ أَوْ جِدَارٍ أَوْ غَيْرِهِمَا مِنْ مَظَانِّ الِانْتِفَاعِ، وَمَا دَامَ مَتْرُوكًا فَارِغًا غَيْرَ مُنْتَفَعٍ بِهِ جُعِلَ مُسْنَدًا بَعْضُهُ إلَى بَعْضٍ، فَشَبَّهَ الْمُنَافِقِينَ بِالْخُشُبِ فِي الْحَالَةِ الَّتِي لَا يُنْتَفَعُ فِيهَا بِهَا.

ص: 146

وَمِنْ ذَلِكَ تَأْوِيلُ النَّارِ بِالْفِتْنَةِ لِإِفْسَادِ كُلٍّ مِنْهُمَا مَا يَمُرُّ عَلَيْهِ وَيَتَّصِلُ بِهِ، فَهَذِهِ تُحْرِقُ الْأَثَاثَ وَالْمَتَاعَ وَالْأَبْدَانَ، وَهَذِهِ تُحْرِقُ الْقُلُوبَ وَالْأَدْيَانَ وَالْإِيمَانَ.

وَمِنْ ذَلِكَ تَأْوِيلُ النُّجُومِ بِالْعُلَمَاءِ وَالْأَشْرَافِ؛ لِحُصُولِ هِدَايَةِ أَهْلِ الْأَرْضِ بِكُلٍّ مِنْهُمَا، وَلِارْتِفَاعِ الْأَشْرَافِ بَيْنَ النَّاسِ كَارْتِفَاعِ النُّجُومِ.

وَمِنْ ذَلِكَ تَأْوِيلُ الْغَيْثِ بِالرَّحْمَةِ وَالْعِلْمِ وَالْقُرْآنِ وَالْحِكْمَةِ وَصَلَاحِ حَالِ النَّاسِ.

وَمِنْ ذَلِكَ خُرُوجُ الدَّمِ فِي التَّأْوِيلِ يَدُلُّ عَلَى خُرُوجِ الْمَالِ، وَالْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ أَنَّ قِوَامَ الْبَدَنِ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا.

وَمِنْ ذَلِكَ الْحَدَثُ فِي التَّأْوِيلِ يَدُلُّ عَلَى الْحَدَثِ فِي الدِّينِ؛ فَالْحَدَثُ الْأَصْغَرُ ذَنْبٌ صَغِيرٌ وَالْأَكْبَرُ ذَنْبٌ كَبِيرٌ.

وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْيَهُودِيَّةَ وَالنَّصْرَانِيَّةَ فِي التَّأْوِيلِ بِدْعَةٌ فِي الدِّينِ؛ فَالْيَهُودِيَّةُ تَدُلُّ عَلَى فَسَادِ الْقَصْدِ وَاتِّبَاعِ غَيْرِ الْحَقِّ، وَالنَّصْرَانِيَّة تَدُلُّ عَلَى فَسَادِ الْعِلْمِ وَالْجَهْلِ وَالضَّلَالِ.

وَمِنْ ذَلِكَ الْحَدِيدُ فِي التَّأْوِيلِ وَأَنْوَاعُ السِّلَاحِ يَدُلُّ عَلَى الْقُوَّةِ وَالنَّصْرِ بِحَسَبِ جَوْهَرِ ذَلِكَ السِّلَاحِ وَمَرْتَبَتِهِ.

وَمِنْ ذَلِكَ الرَّائِحَةُ الطَّيِّبَةُ تَدُلُّ فِي الثَّنَاءِ الْحَسَنِ وَطِيبِ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ، وَالرَّائِحَةُ الْخَبِيثَةُ بِالْعَكْسِ، وَالْمِيزَانُ يَدُلُّ عَلَى الْعَدْلِ، وَالْجَرَادُ يَدُلُّ عَلَى الْجُنُودِ وَالْعَسَاكِرِ وَالْغَوْغَاءِ الَّذِينَ يَمُوجُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ، وَالنَّحْلُ يَدُلُّ عَلَى مَنْ يَأْكُلُ طَيِّبًا وَيَعْمَلُ صَالِحًا، وَالدِّيكُ رَجُلٌ عَالِي الْهِمَّةِ بَعِيدُ الصِّيتِ، وَالْحَيَّةُ عَدُوٌّ أَوْ صَاحِبُ بِدْعَةٍ يُهْلِكُ بِسُمِّهِ، وَالْحَشَرَاتُ أَوْغَادُ النَّاسِ، وَالْخُلْدُ رَجُلٌ أَعْمَى يَتَكَفَّفُ النَّاسَ بِالسُّؤَالِ، وَالذِّئْبُ رَجُلٌ غَشُومٌ ظَلُومٌ غَادِرٌ فَاجِرٌ، وَالثَّعْلَبُ رَجُلٌ غَادِرٌ مَكَّارٌ مُحْتَالٌ مُرَاوِغٌ عَنْ الْحَقِّ، وَالْكَلْبُ عَدُوٌّ ضَعِيفٌ كَثِيرُ الصَّخَبِ وَالشَّرِّ فِي كَلَامِهِ وَسِبَابِهِ، أَوْ رَجُلٌ مُبْتَدِعٌ مُتَّبِعٌ هَوَاهُ مُؤْثِرٌ لَهُ عَلَى دِينِهِ، وَالسِّنَّوْرُ الْعَبْدُ وَالْخَادِمُ الَّذِي يَطُوفُ عَلَى أَهْلِ الدَّارِ، وَالْفَأْرَةُ امْرَأَةُ سُوءٍ فَاسِقَةٌ فَاجِرَةٌ، وَالْأَسَدُ رَجُلٌ قَاهِرٌ مُسَلَّطٌ، وَالْكَبْشُ الرَّجُلُ الْمَنِيعُ الْمَتْبُوعُ.

وَمِنْ كُلِّيَّاتِ التَّعْبِيرِ أَنَّ كُلَّ مَا كَانَ وِعَاءٌ لِلْمَاءِ فَهُوَ دَالٌ عَلَى الْأَثَاثِ، وَكُلَّ مَا كَانَ وِعَاءً لِلْمَالِ كَالصُّنْدُوقِ وَالْكِيسِ وَالْجِرَابِ فَهُوَ دَالٌ عَلَى الْقَلْبِ، وَكُلُّ مَدْخُولٍ بَعْضُهُ فِي بَعْضٍ وَمُمْتَزِجٍ وَمُخْتَلَطٍ فَدَالٌ عَلَى الِاشْتِرَاكِ وَالتَّعَاوُنِ أَوْ النِّكَاحِ، وَكُلُّ سُقُوطٍ وَخُرُورٍ مِنْ عُلُوٍّ إلَى سُفْلٍ فَمَذْمُومٌ، وَكُلُّ صُعُودٍ وَارْتِفَاعٍ فَمَحْمُودٌ إذَا لَمْ يُجَاوِزْ الْعَادَةَ وَكَانَ مِمَّنْ يَلِيقُ بِهِ، وَكُلُّ مَا أَحْرَقَتْهُ النَّارُ فَجَائِحَةٌ وَلَيْسَ يُرْجَى صَلَاحُهُ وَلَا حَيَاتُهُ، وَكَذَلِكَ مَا انْكَسَرَ مِنْ الْأَوْعِيَةِ

ص: 147

الَّتِي لَا يَنْشَعِبُ مِثْلُهَا؛ وَكُلُّ مَا خُطِفَ وَسُرِقَ مِنْ حَيْثُ لَا يُرَى خَاطِفُهُ وَلَا سَارِقُهُ فَإِنَّهُ ضَائِعٌ لَا يُرْجَى، وَمَا عُرِفَ خَاطِفُهُ أَوْ سَارِقُهُ أَوْ مَكَانُهُ أَوْ لَمْ يَغِبْ عَنْ عَيْنِ صَاحِبِهِ فَإِنَّهُ يُرْجَى عَوْدُهُ، وَكُلُّ زِيَادَةٍ مَحْمُودَةٍ فِي الْجِسْمِ وَالْقَامَةِ وَاللِّسَانِ وَالذَّكَرِ وَاللِّحْيَةِ وَالْيَدِ وَالرِّجْلِ فَزِيَادَةُ خَيْرٍ، وَكُلُّ زِيَادَةٍ مُتَجَاوِزَةٍ لِلْحَدِّ فِي ذَلِكَ فَمَذْمُومَةٌ وَشَرٌّ وَفَضِيحَةٌ.

وَكُلُّ مَا رَأَى مِنْ اللِّبَاسِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ الْمُخْتَصِّ بِهِ فَمَكْرُوهٌ كَالْعِمَامَةِ فِي الرِّجْلِ وَالْخُفِّ فِي الرَّأْسِ وَالْعِقْدِ فِي السَّاقِ، وَكُلُّ مَنْ اسْتَقْضَى أَوْ اسْتَخْلَفَ أَوْ أَمَّرَ أَوْ اسْتَوْزَرَ أَوْ خَطَبَ مِمَّنْ لَا يَلِيقُ بِهِ ذَلِكَ نَالَ بَلَاءً مِنْ الدُّنْيَا وَشَرًّا وَفَضِيحَةً وَشُهْرَةً قَبِيحَةً، وَكُلُّ مَا كَانَ مَكْرُوهًا مِنْ الْمُلَابِسِ فَخَلِقُهُ أَهْوَنُ عَلَى لَابِسِهِ مِنْ جَدِيدِهِ، وَالْجَوْزُ مَالٌ مَكْنُوزٌ، فَإِنْ تَفَقَّعَ كَانَ قَبِيحًا وَشَرًّا، وَمَنْ صَارَ لَهُ رِيشٌ أَوْ جَنَاحٌ صَارَ لَهُ مَالٌ، فَإِنْ طَارَ سَافَرَ، وَخُرُوجُ الْمَرِيضِ مِنْ دَارِهِ سَاكِتًا يَدُلُّ عَلَى مَوْتِهِ، وَمُتَكَلِّمًا يَدُلُّ عَلَى حَيَاتِهِ، وَالْخُرُوجُ مِنْ الْأَبْوَابِ الضَّيِّقَةِ يَدُلُّ عَلَى النَّجَاةِ وَالسَّلَامَةِ مِنْ شَرٍّ وَضِيقٍ هُوَ فِيهِ وَعَلَى تَوْبَةٍ، وَلَا سِيَّمَا إنْ كَانَ الْخُرُوجُ إلَى فَضَاءٍ وَسَعَةٍ فَهُوَ خَيْرٌ مَحْضٌ، وَالسَّفَرُ وَالنُّقْلَةُ مِنْ مَكَان إلَى مَكَان انْتِقَالٌ مِنْ حَالٍ إلَى حَالٍ بِحَسَبِ حَالِ الْمَكَانَيْنِ.

وَمَنْ عَادَ فِي الْمَنَامِ إلَى حَالٍ كَانَ فِيهَا فِي الْيَقَظَةِ عَادَ إلَيْهِ مَا فَارَقَهُ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ، وَمَوْتُ الرَّجُلِ رُبَّمَا دَلَّ عَلَى تَوْبَتِهِ وَرُجُوعِهِ إلَى اللَّهِ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ رُجُوعٌ إلَى اللَّهِ، قَالَ - تَعَالَى -:{ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ} [الأنعام: 62] وَالْمَرْهُونُ مَأْسُورٌ بِدَيْنٍ أَوْ بِحَقٍّ عَلَيْهِ لِلَّهِ أَوْ لِعَبِيدِهِ، وَوَدَاعُ الْمَرِيضِ أَهْلَهُ أَوْ تَوْدِيعُهُمْ لَهُ دَالٌ عَلَى مَوْتِهِ.

وَبِالْجُمْلَةِ فَمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَمْثَالِ الْقُرْآنِ كُلُّهَا أُصُولٌ وَقَوَاعِدُ لِعِلْمِ التَّعْبِيرِ لِمَنْ أَحْسَنَ الِاسْتِدْلَالَ بِهَا، وَكَذَلِكَ مَنْ فَهِمَ الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يُعَبِّرُ بِهِ الرُّؤْيَا أَحْسَنَ تَعْبِيرٍ. وَأُصُولُ التَّعْبِيرِ الصَّحِيحَةِ إنَّمَا أُخِذَتْ مِنْ مِشْكَاةِ الْقُرْآنِ، فَالسَّفِينَةُ تُعَبَّرُ بِالنَّجَاةِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ} [العنكبوت: 15] وَتُعَبَّرُ بِالتِّجَارَةِ، وَالْخَشَبُ بِالْمُنَافِقِينَ، وَالْحِجَارَةُ بِقَسَاوَةِ الْقَلْبِ، وَالْبَيْضُ بِالنِّسَاءِ، وَاللِّبَاسُ أَيْضًا بِهِنَّ، وَشُرْبُ الْمَاءِ بِالْفِتْنَةِ، وَأَكْلُ لَحْمِ الرَّجُلِ بِغَيْبَتِهِ، وَالْمَفَاتِيحُ بِالْكَسْبِ وَالْخَزَائِنِ وَالْأَمْوَالِ، وَالْفَتْحُ يُعَبَّرُ مَرَّةً بِالدُّعَاءِ وَمَرَّةً بِالنَّصْرِ، وَكَالْمَلِكِ يُرَى فِي مَحَلَّةٍ لَا عَادَةَ لَهُ بِدُخُولِهَا يُعَبَّرُ بِإِذْلَالِ أَهْلِهَا وَفَسَادِهَا، وَالْحَبْلُ يُعَبَّرُ بِالْعَهْدِ وَالْحَقِّ وَالْعَضُدِ، وَالنُّعَاسُ قَدْ يُعَبَّرُ بِالْأَمْنِ، وَالْبَقْلُ وَالْبَصَلُ وَالثُّومُ وَالْعَدَسُ يُعَبَّرُ لِمَنْ أَخَذَهُ بِأَنَّهُ قَدْ اسْتَبْدَلَ شَيْئًا أَدْنَى بِمَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ مِنْ مَالٍ أَوْ رِزْقٍ أَوْ عِلْمٍ أَوْ زَوْجَةٍ أَوْ دَارٍ، وَالْمَرَضُ يُعَبَّرُ بِالنِّفَاقِ وَالشَّكِّ وَشَهْوَةِ الرِّيَاءِ، وَالطِّفْلُ الرَّضِيعُ يُعَبَّرُ بِالْعَدُوِّ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} [القصص: 8] وَالنِّكَاحُ بِالْبِنَاءِ، وَالرَّمَادُ بِالْعَمَلِ الْبَاطِلِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ} [إبراهيم: 18]

ص: 148