الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالنُّورُ يُعَبَّرُ بِالْهُدَى، وَالظُّلْمَةُ بِالضَّلَالِ.
وَمِنْ هَا هُنَا قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لِحَابِسِ بْنِ سَعْدٍ الطَّائِيِّ وَقَدْ وَلَّاهُ الْقَضَاءَ، فَقَالَ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنِّي رَأَيْتُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ يَقْتَتِلَانِ، وَالنُّجُومَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، فَقَالَ عُمَرُ: مَعَ أَيِّهِمَا كُنْتَ؟ قَالَ: مَعَ الْقَمَرِ عَلَى الشَّمْسِ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ الْآيَةِ الْمَمْحُوَّةِ، اذْهَبْ فَلَسْتَ تَعْمَلُ لِي عَمَلًا، وَلَا تُقْتَلُ إلَّا فِي لَبْسٍ مِنْ الْأَمْرِ، فَقُتِلَ يَوْمَ صِفِّينَ، وَقِيلَ لِعَابِرٍ: رَأَيْتُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَخَلَا فِي جَوْفِي، فَقَالَ: تَمُوتُ، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ - تَعَالَى -:{فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ} [القيامة: 7]{وَخَسَفَ الْقَمَرُ} [القيامة: 8]{وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ} [القيامة: 9]{يَقُولُ الإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ} [القيامة: 10] .
وَقَالَ رَجُلٌ لِابْنِ سِيرِينَ: رَأَيْتُ مَعِي أَرْبَعَةَ أَرْغِفَةِ خُبْزٍ فَطَلَعَتْ الشَّمْسُ، فَقَالَ: تَمُوتُ إلَى أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ، ثُمَّ قَرَأَ قَوْله تَعَالَى:{ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلا} [الفرقان: 45]{ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا} [الفرقان: 46] . وَأَخَذَ هَذَا التَّأْوِيلَ أَنَّهُ حَمَلَ رِزْقَهُ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ، وَقَالَ لَهُ آخَرُ: رَأَيْتُ كِيسِي مَمْلُوءًا أَرَضَةً، فَقَالَ: أَنْتَ مَيِّتٌ، ثُمَّ قَرَأَ:{فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلا دَابَّةُ الأَرْضِ} [سبأ: 14] وَالنَّخْلَةُ تَدُلُّ عَلَى الرَّجُلِ الْمُسْلِمِ وَعَلَى الْكَلِمَةِ الطَّيِّبَةِ، وَالْحَنْظَلَةُ تَدُلُّ عَلَى ضِدِّ ذَلِكَ، وَالصَّنَمُ يَدُلُّ عَلَى الْعَبْدِ السُّوءِ الَّذِي لَا يَنْفَعُ، وَالْبُسْتَانُ يَدُلُّ عَلَى الْعَمَلِ، وَاحْتِرَاقُهُ يَدُلُّ عَلَى حُبُوطِهِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ فِي أَمْثَالِ الْقُرْآنِ، وَمَنْ رَأَى أَنَّهُ يَنْقُضُ غَزْلًا أَوْ ثَوْبًا لِعَبِيدِهِ مَرَّةً ثَانِيَةً فَإِنَّهُ يَنْقُضُ عَهْدًا وَيَنْكُثُهُ، وَالْمَشْيُ سَوِيًّا فِي طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ يَدُلُّ عَلَى اسْتِقَامَتِهِ عَلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، وَالْأَخْذُ فِي بُنَيَّاتِ الطَّرِيقِ يَدُلُّ عَلَى عُدُولِهِ عَنْهُ إلَى مَا خَالَفَهُ، وَإِذَا عَرَضَتْ لَهُ طَرِيقَانِ ذَاتُ يَمِينٍ وَذَاتُ شِمَالٍ فَسَلَكَ أَحَدَهُمَا فَإِنَّهُ مِنْ أَهْلِهَا، وَظُهُورُ عَوْرَةِ الْإِنْسَانِ لَهُ ذَنْبٌ يَرْتَكِبُهُ وَيَفْتَضِحُ بِهِ، وَهُرُوبُهُ وَفِرَارُهُ مِنْ شَيْءٍ نَجَاةٌ وَظَفَرٌ، وَغَرَقُهُ فِي الْمَاءِ فِتْنَةٌ فِي دِينِهِ وَدُنْيَاهُ، وَتَعَلُّقُهُ بِحَبْلٍ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ تَمَسُّكُهُ بِكِتَابِ اللَّهِ وَعَهْدِهِ وَاعْتِصَامُهُ بِحَبْلِهِ، فَإِنْ انْقَطَعَ بِهِ فَارَقَ الْعِصْمَةَ إلَّا أَنْ يَكُونَ وَلِيَ أَمْرًا فَإِنَّهُ قَدْ يُقْتَلُ أَوْ يَمُوتُ.
فَالرُّؤْيَا أَمْثَالٌ مَضْرُوبَةٌ يَضْرِبُهَا الْمَلَكُ الَّذِي قَدْ وَكَّلَهُ اللَّهُ بِالرُّؤْيَا لِيَسْتَدِلَّ الرَّائِي بِمَا ضُرِبَ بِهِ مِنْ الْمِثْلِ عَلَى نَظِيرِهِ، وَيُعَبَّرُ مِنْهُ إلَى شَبَهِهِ، وَلِهَذَا سُمِّيَ تَأْوِيلُهَا تَعْبِيرًا، وَهُوَ تَفْعِيلٌ مِنْ الْعُبُورِ، كَمَا أَنَّ الِاتِّعَاظَ يُسَمَّى اعْتِبَارًا وَعِبْرَةً لِعُبُورِ الْمُتَّعِظِ مِنْ النَّظِيرِ إلَى نَظِيرِهِ، وَلَوْلَا أَنَّ حُكْمَ الشَّيْءِ حُكْمُ مِثْلِهِ وَحُكْمُ النَّظِيرِ حُكْمُ نَظِيرِهِ لَبَطَلَ هَذَا التَّعْبِيرُ وَالِاعْتِبَارُ، وَلَمَا وُجِدَ إلَيْهِ سَبِيلٌ، وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ - أَنَّهُ ضَرَبَ الْأَمْثَالَ لِعِبَادِهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِهِ، وَأَمَرَ بِاسْتِمَاعِ أَمْثَالِهِ، وَدَعَا عِبَادَهُ إلَى تَعَقُّلِهَا، وَالتَّفْكِيرِ فِيهَا، وَالِاعْتِبَارِ بِهَا، وَهَذَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِهَا.
[تَسْوِيَة الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَيْنِ]
[فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَيْنِ]
وَأَمَّا أَحْكَامُهُ الْأَمْرِيَّةُ الشَّرْعِيَّةُ فَكُلُّهَا هَكَذَا، تَجِدُهَا مُشْتَمِلَةً عَلَى التَّسْوِيَةِ بَيْنَ
الْمُتَمَاثِلَيْنِ، وَإِلْحَاقِ النَّظِيرِ بِنَظِيرِهِ، وَاعْتِبَارِ الشَّيْءِ بِمِثْلِهِ، وَالتَّفْرِيقِ بَيْنَ الْمُخْتَلِفَيْنِ، وَعَدَمِ تَسْوِيَةِ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ، وَشَرِيعَتُهُ - سُبْحَانَهُ - مُنَزَّهَةٌ أَوْ تَنْهَى عَنْ شَيْءٍ لِمَفْسَدَةٍ فِيهِ، ثُمَّ تُبِيحُ مَا هُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى تِلْكَ الْمَفْسَدَةِ أَوْ مِثْلِهَا أَوْ أَزِيدَ مِنْهَا، فَمَنْ جَوَّزَ ذَلِكَ عَلَى الشَّرِيعَةِ فَمَا عَرَفَهَا حَقَّ مَعْرِفَتِهَا؛ وَلَا قَدَّرَهَا حَقَّ قَدْرِهَا وَكَيْفَ يُظَنُّ بِالشَّرِيعَةِ أَنَّهَا تُبِيحُ شَيْئًا لِحَاجَةِ الْمُكَلَّفِ إلَيْهِ وَمَصْلَحَتِهِ ثُمَّ تُحَرِّمُ مَا هُوَ أَحْوَجُ إلَيْهِ وَالْمَصْلَحَةُ فِي إبَاحَتِهِ أَظْهَرُ، وَهَذَا مِنْ أَمْحَلْ الْمُحَالِ؛ وَلِذَلِكَ كَانَ مِنْ الْمُسْتَحِيلِ أَنْ يُشَرِّعَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ الْحِيَلِ مَا يَسْقُطُ بِهِ مَا أَوْجَبَهُ، أَوْ يُبِيحَ بِهِ مَا حَرَّمَهُ، وَلَعَنَ فَاعِلَهُ، وَآذَنَهُ بِحَرْبِهِ وَحَرْبِ رَسُولِهِ، وَشَدَّدَ فِيهِ الْوَعِيدَ؛ لِمَا تَضَمَّنَهُ مِنْ الْمَفْسَدَةِ فِي الدُّنْيَا وَالدِّينِ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يُسَوِّغُ التَّوَصُّلَ إلَيْهِ بِأَدْنَى حِيلَةٍ، وَلَوْ أَنَّ الْمَرِيضَ اعْتَمَدَ هَذَا فِيمَا يَحْمِيهِ مِنْهُ الطَّبِيبُ وَيَمْنَعُهُ مِنْهُ لَكَانَ مُعِينًا عَلَى نَفْسِهِ، سَاعِيًا فِي ضَرَرِهِ، وَعُدَّ سَفِيهًا مُفْرِطًا، وَقَدْ فَطَرَ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ - عِبَادَهُ عَلَى أَنَّ حُكْمَ النَّظِيرِ حُكْمُ نَظِيرِهِ، وَحُكْمَ الشَّيْءِ حُكْمُ مِثْلِهِ، وَعَلَى إنْكَارِ التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَيْنِ، وَعَلَى إنْكَارِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمُخْتَلِفَيْنِ، وَالْعَقْلُ وَالْمِيزَانُ الَّذِي أَنْزَلَهُ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ - شَرْعًا وَقَدْرًا يَأْبَى ذَلِكَ.
[يَكُونُ الْجَزَاءُ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ وَمِثَالِهِ]
وَلِذَلِكَ كَانَ الْجَزَاءُ مُمَاثِلًا لِلْعَمَلِ مِنْ جِنْسِهِ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، فَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ أَقَالَ نَادِمًا أَقَالَهُ اللَّهُ عَثْرَتَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ ضَارَّ مُسْلِمًا ضَارَّ اللَّهُ بِهِ، وَمَنْ شَاقَّ شَاقَّ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَمَنْ خَذَلَ مُسْلِمًا فِي مَوْضِعٍ يَجِبُ نُصْرَتُهُ فِيهِ خَذَلَهُ اللَّهُ فِي مَوْضِعٍ يَجِبُ نُصْرَتُهُ فِيهِ، وَمَنْ سَمَحَ سَمَحَ اللَّهُ لَهُ، وَالرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمْ الرَّحْمَنُ، وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ، وَمَنْ أَنْفَقَ أَنْفَقَ عَلَيْهِ، وَمَنْ أَوْعَى أَوْعَى عَلَيْهِ، وَمَنْ عَفَا عَنْ حَقِّهِ عَفَا اللَّهُ لَهُ عَنْ حَقِّهِ، وَمَنْ تَجَاوَزَ تَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْهُ، وَمَنْ اسْتَقْصَى اسْتَقْصَى اللَّهُ عَلَيْهِ؛ فَهَذَا شَرْعُ اللَّهِ وَقَدَرُهُ وَوَحْيُهُ وَثَوَابُهُ وَعِقَابُهُ كُلُّهُ قَائِمٌ بِهَذَا الْأَصْلِ، وَهُوَ إلْحَاقُ النَّظِيرِ بِالنَّظِيرِ، وَاعْتِبَارُ الْمِثْلِ بِالْمِثْلِ، وَلِهَذَا يَذْكُرُ الشَّارِعُ الْعِلَلَ وَالْأَوْصَافَ الْمُؤَثِّرَةَ وَالْمَعَانِيَ الْمُعْتَبَرَةَ فِي الْأَحْكَامِ الْقَدَرِيَّةِ وَالشَّرْعِيَّةِ وَالْجَزَائِيَّةِ لِيَدُلَّ بِذَلِكَ عَلَى تَعَلُّقِ الْحُكْمِ بِهَا أَيْنَ وُجِدَتْ، وَاقْتِضَائِهَا لِأَحْكَامِهَا، وَعَدَمِ تَخَلُّفِهَا عَنْهَا إلَّا لِمَانِعٍ يُعَارِضُ اقْتِضَاءَهَا وَيُوجِبُ تَخَلُّفُ أَثَرِهَا عَنْهَا، كَقَوْلِهِ - تَعَالَى -:{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [الأنفال: 13] وَقَوْلِهِ: {ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا} [غافر: 12]{ذَلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا} [الجاثية: 35]{ذَلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ} [غافر: 75]