المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[الصحابة فتحوا باب القياس والاجتهاد] - إعلام الموقعين عن رب العالمين - ط العلمية - جـ ١

[ابن القيم]

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدِّمَة الْكتاب]

- ‌[فَصْلٌ عُلَمَاءُ الْأُمَّةِ عَلَى ضَرْبَيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ مَا يُشْتَرَطُ فِيمَنْ يُوَقِّعُ عَنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ]

- ‌[فَصْلٌ أَوَّلُ مَنْ وَقَّعَ عَنْ اللَّهِ]

- ‌[فَصْلٌ عَمَّنْ انْتَشَرَ الدِّينُ وَالْفِقْهُ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْ صَارَتْ إلَيْهِ الْفَتْوَى مِنْ التَّابِعِينَ]

- ‌[فَصْلٌ فُقَهَاءُ الْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فُقَهَاءُ مَكَّةَ]

- ‌[فَصْلٌ فُقَهَاءُ الْبَصْرَةِ]

- ‌[أُصُولُ فَتَاوَى أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ]

- ‌[فَصْلٌ كَرَاهَةُ الْعُلَمَاءِ التَّسَرُّعَ فِي الْفَتْوَى]

- ‌[الْمُرَادُ بِالنَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ]

- ‌[خَطَرُ تَوَلِّي الْقَضَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ الْمُحَرَّمَاتُ عَلَى أَرْبَعِ مَرَاتِبَ]

- ‌[النَّهْيُ عَنْ أَنْ يُقَالَ هَذَا حُكْمُ اللَّهِ]

- ‌[لَفْظُ الْكَرَاهَةِ يُطْلَقُ عَلَى الْمُحَرَّمِ]

- ‌[مَا يَقُولُهُ الْمُفْتِي فِيمَا اجْتَهَدَ فِيهِ]

- ‌[فَصْلٌ كَلَامِ الْأَئِمَّةِ فِي الْفُتْيَا]

- ‌[أَدَوَاتُ الْفُتْيَا]

- ‌[الْفَتْوَى بِالتَّقْلِيدِ]

- ‌[شُرُوطُ الْإِفْتَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ الْإِفْتَاءِ فِي دِينِ اللَّهِ بِالرَّأْيِ]

- ‌[الْأَمْرُ بِالرَّدِّ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ يَشْتَمِلَانِ عَلَى حُكْمِ كُلِّ شَيْءٍ]

- ‌[الْوَعِيدُ عَلَى الْقَوْلِ بِالرَّأْيِ]

- ‌[فَصْلٌ تَأْوِيلُ مَا رُوِيَ عَنْ الصَّحَابَةِ مِنْ الْأَخْذِ بِالرَّأْيِ]

- ‌[فَصْلٌ الرَّأْيُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ]

- ‌[الرَّأْيُ الْبَاطِلُ وَأَنْوَاعُهُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الرَّأْيِ الْمَحْمُودِ وَهُوَ أَنْوَاعٌ]

- ‌[النَّوْعُ الْأَوَّلُ مِنْ الرَّأْيِ الْمَحْمُودِ]

- ‌[فَصْلٌ النَّوْعُ الثَّانِي مِنْ الرَّأْيِ الْمَحْمُودِ]

- ‌[فَصْلٌ النَّوْعُ الثَّالِثُ مِنْ الرَّأْيِ الْمَحْمُودِ]

- ‌[فَصْلٌ النَّوْعُ الرَّابِعُ مِنْ الرَّأْيِ الْمَحْمُودِ]

- ‌[كِتَابِ عُمَرَ فِي الْقَضَاءِ وشرحه]

- ‌[صِحَّةُ الْفَهْمِ وَحُسْنُ الْقَصْدِ]

- ‌[وَاجِبُ الْحَاكِمِ]

- ‌[نِصَابُ الشَّهَادَةِ]

- ‌[فَصْل تُشْرَعُ الْيَمِينُ مِنْ جِهَةِ أَقْوَى الْمُتَدَاعِيَيْنِ]

- ‌[صِفَاتُ الْحَاكِمِ وَمَا يُشْتَرَطُ فِيهِ]

- ‌[فَصْلٌ الصُّلْحُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ]

- ‌[فَصْلٌ يُؤَجِّلُ الْقَاضِي الْحُكْمَ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ]

- ‌[تَغَيُّرُ الْحُكْم بِتَغَيُّرِ الِاجْتِهَادِ]

- ‌[مَنْ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ]

- ‌[فَصْلٌ شَاهِدُ الزُّورِ]

- ‌[الْكَذِبِ فِي غَيْرِ الشَّهَادَةِ]

- ‌[فَصْلٌ الْحِكْمَةُ فِي رَدِّ شَهَادَةِ الْكَذَّابِ]

- ‌[فَصْلٌ شَهَادَةِ الْمَجْلُودِ فِي حَدِّ الْقَذْفِ]

- ‌[فَصْلٌ رَدُّ الشَّهَادَةِ بِالتُّهْمَةِ]

- ‌[فَصْلٌ شَهَادَةُ مَسْتُورِ الْحَالِ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي الْقِيَاسِ]

- ‌[أَنْوَاعُ الْقِيَاسِ]

- ‌[فَصْلٌ قِيَاسُ الدَّلَالَةِ]

- ‌[فَصْلٌ قِيَاسُ الشَّبَهِ]

- ‌[فَصْلٌ قِيَاسِ الْعَكْسِ]

- ‌[فَصْلٌ مِثْل مِنْ الْقِيَاسِ التَّمْثِيلِيِّ]

- ‌[السِّرُّ فِي ضَرْبِ الْأَمْثَالِ]

- ‌[تَسْوِيَة الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ جَاءَ الْقُرْآنُ بِتَعْلِيلِ الْأَحْكَامِ]

- ‌[مَا وَرَدَ فِي السُّنَّةِ مِنْ تَعْلِيلِ الْأَحْكَامِ]

- ‌[فَصْلٌ حَدِيثُ مُعَاذٍ حِينَ بَعَثَهُ الرَّسُولُ إلَى الْيَمَنِ]

- ‌[فَصْلٌ كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ يَجْتَهِدُونَ وَيَقِيسُونَ]

- ‌[مَا أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَيْهِ مِنْ مَسَائِلِ الْقِيَاسِ]

- ‌[قِيَاسُ الصَّحَابَةِ حَدَّ الشُّرْبِ عَلَى حَدِّ الْقَذْفِ]

- ‌[قِيَاسُ الصَّحَابَةِ فِي الْجَدِّ مَعَ الْإِخْوَةِ]

- ‌[اخْتِلَافُ الصَّحَابَة فِي الْمَرْأَةِ الْمُخَيَّرَةِ]

- ‌[الصَّحَابَةُ فَتَحُوا بَابَ الْقِيَاسِ وَالِاجْتِهَادِ]

- ‌[الْعَمَلُ بِالْقِيَاسِ مَرْكُوزٌ فِي فِطَرِ النَّاسِ]

- ‌[الْقَيَّاسُونَ وَالظَّاهِرِيَّةُ مُفْرِطُونَ]

- ‌[فَصْلٌ قَوْلُ نُفَاةِ الْقِيَاسِ]

- ‌[فَصْلٌ فَائِدَةُ ضَرْبِ الْأَمْثَالِ]

- ‌[فَصْلٌ لَمْ يَأْمُرْ النَّبِيُّ بِالْقِيَاسِ بَلْ نَهَى عَنْهُ]

- ‌[فَصْلٌ نهى الصَّحَابَةُ عَنْ الْقِيَاسِ]

- ‌[فَصْلٌ ذَمِّ التَّابِعُونَ لِلْقِيَاسِ]

- ‌[فَصْلٌ الْقِيَاسُ يُعَارِضُ بَعْضُهُ بَعْضًا]

- ‌[إذَا اخْتَلَفَتْ الْأَقْيِسَةُ فِي نَظَرِ الْمُجْتَهِدِينَ]

- ‌[لَمْ يَكُنْ الْقِيَاسُ حُجَّةً فِي زَمَنِ الرَّسُولِ]

- ‌[فَصْلٌ تَنَاقُضُ أَهْلِ الْقِيَاسِ دَلِيلُ فَسَادِهِ]

- ‌[فَصْلٌ مَثَلٌ مِمَّا جَمَعَ فِيهِ الْقِيَاسِيُّونَ بَيْنَ الْمُتَفَرِّقَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ مِنْ تَنَاقُضِ الْقِيَاسِيِّينَ مُرَاعَاةُ بَعْضِ الشُّرُوطِ دُونَ بَعْضِهَا الْآخَرِ]

- ‌[فَصْلٌ هَلْ فِي اللَّطْمَةِ وَالضَّرْبَةِ قِصَاصٌ]

- ‌[فَصْلٌ حُكُومَةُ النَّبِيَّيْنِ الْكَرِيمَيْنِ دَاوُد وَسُلَيْمَانَ]

- ‌[الْمُمَاثَلَةُ فِي الْقِصَاصِ فِي الْجِنَايَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي قُوَّة أَدِلَّةِ الْفَرِيقَيْنِ]

- ‌[إحَاطَةُ الْأَوَامِرِ الشَّرْعِيَّةِ بِأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ]

- ‌[فَصْلٌ هَلْ تُحِيطُ النُّصُوصُ بِحُكْمِ جَمِيعِ الْحَوَادِثِ]

- ‌[أخطاء المختلفين فِي إحاطة النُّصُوص بِأَحْكَام الحوادث]

- ‌[الْخَطَأ الْأَوَّل والثانى]

- ‌[الْخَطَأُ الثَّالِثُ تَحْمِيلُ الِاسْتِصْحَابِ فَوْقَ مَا يَسْتَحِقُّهُ]

- ‌[الِاسْتِصْحَابُ وَأَقْسَامُهُ]

- ‌[الْخَطَأُ الرَّابِعُ اعْتِقَاد أَنَّ عُقُودَ الْمُسْلِمِينَ وَشُرُوطَهُمْ وَمُعَامَلَاتِهِمْ كُلَّهَا عَلَى الْبُطْلَانِ حَتَّى يَقُومَ دَلِيلٌ عَلَى الصِّحَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ أَخْطَاءُ الْقِيَاسِيِّينَ]

- ‌[فَصْلُ فِي شُمُولُ النُّصُوصِ وَإِغْنَاؤُهَا عَنْ الْقِيَاسِ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الْمُشْتَرَكَةُ فِي الْفَرَائِضِ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الْعُمَرِيَّةُ]

- ‌[فَصَلِّ مِيرَاثُ الْأَخَوَاتِ مَعَ الْبَنَاتِ]

- ‌[فَصَلِّ مِيرَاثُ الْبَنَاتِ]

- ‌[فَصَلِّ مِيرَاثُ بِنْتِ الِابْنِ]

- ‌[فَصَلِّ مِيرَاثُ الْجَدِّ مَعَ الْإِخْوَةِ]

- ‌[فَصْلُ لَيْسَ فِي الشَّرِيعَةِ شَيْءٌ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ]

- ‌[فَصَلِّ الْحَوَالَةُ مُوَافِقَةٌ لِلْقِيَاسِ]

- ‌[فَصَلِّ الْقَرْضُ عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ]

- ‌[فَصَلِّ إزَالَةُ النَّجَاسَةِ عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ]

- ‌[فَصَلِّ طَهَارَةُ الْخَمْرِ بِالِاسْتِحَالَةِ عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ]

- ‌[فَصَلِّ الْوُضُوءُ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ]

- ‌[فَصَلِّ الْفِطْرُ بِالْحِجَامَةِ عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ]

- ‌[فَصَلِّ التَّيَمُّمُ جَارٍ عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ]

- ‌[فَصَلِّ السَّلَمُ جَارٍ عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ]

- ‌[فَصَلِّ الْكِتَابَةُ تَجْرِي عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ]

- ‌[فَصَلِّ بَيَانُ أَنَّ الْإِجَارَةَ عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ]

الفصل: ‌[الصحابة فتحوا باب القياس والاجتهاد]

وَقَالَ سَيْفُ اللَّهِ عَلِيٌّ - كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ - وَزَيْدٌ: هُوَ طَلَاقٌ ثَلَاثٌ؛ وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهَذَا مِنْ الِاجْتِهَادِ وَالرَّأْيِ.

[الصَّحَابَةُ فَتَحُوا بَابَ الْقِيَاسِ وَالِاجْتِهَادِ]

فَالصَّحَابَةُ رضي الله عنهم مَثَّلُوا الْوَقَائِعَ بِنَظَائِرِهَا، وَشَبَّهُوهَا بِأَمْثَالِهَا، وَرَدُّوا بَعْضَهَا إلَى بَعْضٍ فِي أَحْكَامِهَا، وَفَتَحُوا لِلْعُلَمَاءِ بَابَ الِاجْتِهَادِ، وَنَهَجُوا لَهُمْ طَرِيقَهُ، وَبَيَّنُوا لَهُمْ سَبِيلَهُ، وَهَلْ يَسْتَرِيبُ عَاقِلٌ فِي أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا قَالَ «لَا يَقْضِي الْقَاضِي بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ» ، إنَّمَا كَانَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْغَضَبَ يُشَوِّشُ عَلَيْهِ قَلْبَهُ وَذِهْنَهُ، وَيَمْنَعُهُ مِنْ كَمَالِ الْفَهْمِ، وَيَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اسْتِيفَاءِ النَّظَرِ، وَيُعْمِي عَلَيْهِ طَرِيقَ الْعِلْمِ وَالْقَصْدِ، فَمَنْ قَصَرَ النَّهْيَ عَلَى الْغَضَبِ وَحْدَهُ دُونَ الْهَمِّ الْمُزْعِجِ وَالْخَوْفِ الْمُقْلِقِ وَالْجُوعِ وَالظَّمَأِ الشَّدِيدِ وَشُغْلِ الْقَلْبِ الْمَانِعِ مِنْ الْفَهْمِ فَقَدْ قَلَّ فِقْهُهُ وَفَهْمُهُ، وَالتَّعْوِيلُ فِي الْحُكْمِ عَلَى قَصْدِ الْمُتَكَلِّمِ، وَالْأَلْفَاظُ لَمْ تُقْصَدْ لِنَفْسِهَا وَإِنَّمَا هِيَ مَقْصُودَةٌ لِلْمَعَانِي، وَالتَّوَصُّلُ بِهَا إلَى مَعْرِفَةِ مُرَادِ الْمُتَكَلِّمِ، وَمُرَادُهُ يَظْهَرُ مِنْ عُمُومِ لَفْظِهِ تَارَةً، وَمِنْ عُمُومِ الْمَعْنَى الَّذِي قَصَدَهُ تَارَةً، وَقَدْ يَكُونُ فَهِمَهُ مِنْ الْمَعْنَى أَقْوَى، وَقَدْ يَكُونُ مِنْ اللَّفْظِ أَقْوَى، وَقَدْ يَتَقَارَبَانِ كَمَا إذَا قَالَ الدَّلِيلُ لِغَيْرِهِ: لَا تَسْلُكُ الطَّرِيقَ فَإِنَّ فِيهَا مَنْ يَقْطَعُ الطَّرِيقَ، أَوْ هِيَ مَعْطَشَةٌ مَخُوفَةٌ عَلِمَ هُوَ وَكُلُّ سَامِعٍ أَنَّ قَصْدَهُ أَعَمُّ مِنْ لَفْظِهِ، وَأَنَّهُ أَرَادَ نَهْيَهُ عَنْ كُلِّ طَرِيقٍ هَذَا شَأْنُهَا؛ فَلَوْ خَالَفَهُ وَسَلَكَ طَرِيقًا أُخْرَى عَطِبَ بِهَا حَسُنَ لَوْمُهُ، وَنُسِبَ إلَى مُخَالَفَتِهِ وَمَعْصِيَتِهِ، وَلَوْ قَالَ الطَّبِيبُ لِلْعَلِيلِ وَعِنْدَهُ لَحْمُ ضَأْنٍ: لَا تَأْكُلُ الضَّأْنَ فَإِنَّهُ يَزِيدُ فِي مَادَّةِ الْمَرَضِ، لِفَهْمِ كُلُّ عَاقِلٍ مِنْهُ أَنَّ لَحْمَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ كَذَلِكَ، وَلَوْ أَكَلَ مِنْهُمَا لَعُدَّ مُخَالِفًا، وَالتَّحَاكُمُ فِي ذَلِكَ إلَى فِطَرِ النَّاسِ وَعُقُولِهِمْ، وَلَوْ مَنَّ عَلَيْهِ غَيْرُهُ بِإِحْسَانِهِ فَقَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَكَلْت لَهُ لُقْمَةً، وَلَا شَرِبْتُ لَهُ مَاءً، يُرِيدُ خَلَاصَهُ مِنْ مِنَّتِهِ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَبِلَ مِنْهُ الدَّرَاهِمَ وَالذَّهَبَ وَالثِّيَابَ وَالشَّاةَ وَنَحْوَهَا لَعَدَّهُ الْعُقَلَاءُ وَاقِعًا فِيمَا هُوَ أَعْظَمُ مِمَّا حَلَفَ عَلَيْهِ، وَمُرْتَكِبًا لِذُرْوَةِ سَنَامِهِ؛ وَلَوْ لَامَهُ عَاقِلٌ عَلَى كَلَامِهِ لِمَنْ لَا يَلِيقُ بِهِ مُحَادَثَتُهُ مِنْ امْرَأَةٍ أَوْ صَبِيٍّ فَقَالَ: وَاَللَّهِ لَا كَلَّمْتُهُ، ثُمَّ رَآهُ خَالِيًا بِهِ يُوَاكِلُهُ وَيُشَارِبُهُ وَيُعَاشِرُهُ وَلَا يُكَلِّمُهُ لَعَدُّوهُ مُرْتَكِبًا لِأَشَدَّ مِمَّا حَلَفَ عَلَيْهِ وَأَعْظَمَهُ.

وَهَذَا مِمَّا فَطَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ عِبَادَهُ؛ وَلِهَذَا فَهِمَتْ الْأُمَّةُ مِنْ قَوْله تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا} [النساء: 10] ، جَمِيعَ وُجُوهِ الِانْتِفَاعِ مِنْ اللُّبْسِ وَالرُّكُوبِ وَالْمَسْكَنِ وَغَيْرِهَا.

[الْعَمَلُ بِالْقِيَاسِ مَرْكُوزٌ فِي فِطَرِ النَّاسِ]

وَفَهِمْتُ مِنْ قَوْله تَعَالَى: {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: 23] إرَادَةَ النَّهْيِ عَنْ جَمِيعِ

ص: 166