المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}؛ أي: ليصيبن الذين أقاموا وداموا على - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ٧

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}؛ أي: ليصيبن الذين أقاموا وداموا على

كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}؛ أي: ليصيبن الذين أقاموا وداموا على هذا القول الخبيث، وعلى هذا الدين الذي ليس بمرضي عذاب وجيع في الآخرة، وإنَّما قال تعالى {مِنْهُمْ} لعلمه السابق أن من النصارى من سيؤمن ويخلص ويترك هذا القول ويعلم أنه فاسق، وإنَّما (1) أظهر في موضع الإضمار لأن الأصل ليمسنهم، تكريرًا للشهادة على كفرهم في قوله:{لَقَدْ كَفَرَ} وتنبيهًا على أن العذاب على من دام على الكفر ولم ينقلع عنه. وفي الآية إيماء إلى أن هذا العذاب لا يمس إلا الذين كفروا منهم خاصة دون من تاب وأناب إلى الله تعالى، ورجع عن عقيدة التثليث وغيرها. وقال ابن جرير: والمعنى ليمسن الذين يقولون: المسيح هو الله، والذين يقولون: إن الله ثالث ثلاثة، وكل كافر يسلك سبيلهم عذاب أليم.

‌74

- ثم تعجب من حالهم بإصرارهم على التثليث بعد أن ظهرت لهم البينات، وقامت عليهم الحجج المبطلة له، والنذر بالعذاب المرتب عليه، وندب سائرهم إلى التوبة من هذه المقالة الخبيثة فقال:{أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ} والاستفهام فيه استفهام تعجيب وتوبيخ، والهمزة داخلة على محذوف، والفاء عاطفة على ذلك المحذوف، والتقدير: أيسمعون هذه الشهادات المكررة، والتشديدات المقررة، ويثبتون على الكفر، فلا يتوبون ويرجعون إلى توحيد الله وطاعاته، ويستغفرونه عما وقع لهم من تلك العقائد الزائغة، والأقاويل الباطلة {وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}؛ أي: والحال أن الله سبحانه وتعالى غفور لمن تاب وآمن، رحيم لمن مات على التوبة.

والمعنى (2): أيسمعون ما ذكر من التفنيد لآرائهم والوعيد عليها، ثم لا يحملهم ذلك على التوبة والرجوع إلى التوحيد، واستغفار الله عما فرط منهم، والحال أن ربهم واسع الرحمة، عظيم المغفرة، يقبل التوبة من عباده، ويغفر لهم ما فرط من الزلات إذا هم آمنوا وأحسنوا واتقوا وعملوا الصالحات.

‌75

- ثم ذكر أن المسيح رسول كغيره من الرسل وأقام الدليل على ذلك فقال: {مَا الْمَسِيحُ ابْنُ

(1) البيضاوي.

(2)

المراغي.

ص: 423

مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ} كلام (1) مستأنف مسوق لتحقيق الحق الذي لا محيد عنه، وبيان حقيقة حاله عليه السلام وحال أمه بالإشارة أولًا إلى أشرف مما لهما من نعوت الكمال التي بها صارا من جملة أكمل أفراد الجنس، وآخرًا إلى الوصف المشترك بينهما، وبين جميع أفراد البشر، بل أفراد الحيوان استنزالًا لهم بطريق التدريج من رتبة الإصرار على ما تقولوا عليهما، وإرشادًا لهم إلى التوبة والاستغفار؛ أي: هو مقصور على الرسالة لا يكاد يتخطاها {قَدْ خَلَتْ} ومضت {مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} وذهبت وفنيت، فليس بإله، كما أن الرسل الذين كانوا من قبله لم يكونوا آلهة، وقد أتى عيسى بالمعجزات الدالة على صدقه، كما أن الذين من قبله أتوا بالمعجزات الدالة على صدقهم. أي: ما هو (2) إلا رسول من جنس الرسل الذين مضوا من قبله، جاء بالآيات من الله كما أتوا بأمثالها، فليس بإله كالرسل الخالية قبله، فإنهم لم يكونوا آلهة، فإن كان الله قد أبرأ الأكمه والأبرص وأحيا الموتى على يد عيسى عليه السلام .. فقد فلق البحر، وأحيا العصا، وجعلها حية تسعى على يد موسى عليه السلام، وهو أعجب منه، وإن كان الله خلقه من غير أب .. فقد خلق آدم من غير أب وأم وهو أغرب منه.

{وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ} ؛ أي. وما أمه إلا صديقة؛ أي: تلازم الصدق أو تصدق الأنبياء وتبالغ في بعدها عن المعاصي، وفي إقامة مراسم العبودية، فما هى إلا كسائر النساء اللاتي يلازمن الصدق أو التصديق، ويبالغن في الاتصاف به، فما رتبه عيسى إلا رتبة نبي وما رتبة أمه إلا رتبة صحابي، فمن أين لكم أن تصفوهما بما لا يوصف به سائر الأنبياء وخواص الناس، فإن أعظم صفات عيسي عليه السلام الرسالة، وأكمل صفات أمه الصديقية، وذلك لا يستلزم لهما الألوهية، أما حقيقتهما النوعية والجنسية .. فهي مساوية لحقيقة غيرهما من أفراد نوعهما وجنسهما فهما {كَانَا يَأكُلَانِ الطَّعَامَ} ويشربان الشراب كسائر أفراد البشر، ليقيما بنيتهما، ويمدا حياتهما، لئلا ينحل بدنهما ويهلكا، وكذلك يعرض لهما ما يستلزمه أكل الطعام من الحاجة إلى دفع الفضلات من البول والغائط، فلا يمكن أن يكون كل منهما

(1) أبو السعود.

(2)

المراح.

ص: 424