المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

حصونهم وصياصيهم، وإما القهر والإيجاف عليهم بالخيل والركاب، كبني قريظة، - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ٧

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: حصونهم وصياصيهم، وإما القهر والإيجاف عليهم بالخيل والركاب، كبني قريظة،

حصونهم وصياصيهم، وإما القهر والإيجاف عليهم بالخيل والركاب، كبني قريظة، وإما بإلقاء الرعب في قلوبهم حتى يعطوا بأيديهم، كبني النضير وإما ضرب الجزية على اليهود والنصارى فينقطع أمل المنافقين، ويندمون على ما كان من إسرارهم بالولاء لهم.

وقرأ ابن الزبير {فنصبح الفساق} جعل الفساق مكان الضمير، قال ابن عطية: وخص الإصباح بالذكر لأن الإنسان في ليله مفكر، فعند الصباح يرى الحالة التي اقتضاها فكره. انتهى.

‌53

- {وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا} ؛ أي: يقول بعض المؤمنين لبعض في الوقت الذي أظهر الله تعالى نفاق المنافقين متعجبين من حال المنافقين {أهَؤُلَاءِ} المنافقون الذين فضحهم الله تعالى الآن هم {الَّذِينَ أَقْسَمُوا} وحلفوا لنا {بِاللَّهِ} تعالى {جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ} وأغلظها وأشدها وأوكدها بتعداد أسماء الله تعالى فيها، وجمع صفاته فيها قائلين {إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ}؛ أي: نحن معكم يا معشر المؤمنين في الدين والمناصرة، ونحن معاضدوكم وناصروكم على أعدائكم اليهود، فلما حل بهم ما حل .. أظهروا ما كانوا يسرونه من موالاتهم وممالأتهم على المؤمنين كما قال في سورة التوبة:{وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ (56)} ؛ أي: فهم لفرقهم وخوفهم يظهرون الإِسلام تقية، والاستفهام هنا للتعجب.

وذلك أنَّ (1) المؤمنين كانوا يتعجبون من حال المنافقين عندما أظهروا الميل إلى موالاة اليهود والنصارى، ويقولون إنَّ المنافقين حلفوا باللهِ جهد أيمانهم إنهم لمعنا ومن أنصارنا، والآن كيف صاروا موالين لأعدائنا من اليهود محبين للاختلاط بهم، فبان كذب المنافقين في أيمانهم الباطلة.

قرأ عاصم وحمزة والكسائي وخلف (2): {ويقول الذين أمنوا} بالرفع مع إثبات الواو كما في مصاحف أهل العراق على الاستئناف. وقرأ نافع وابن كثير

(1) الخازن.

(2)

المراح.

ص: 344

وابن عامر بالرفع مع حذف الواو، كما في مصاحف أهل الحجاز والشام على أن الجملة مستأنفة استئنافًا بيانيًّا في جواب سؤال نشأ من قوله تعالى:{فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأتِيَ بِالْفَتْحِ} كأن القائل يقول: فماذا يقول المؤمنون حينئذٍ؟ فقيل: {وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا

} إلخ.

وقرأ أبو عمرو ويعقوب بالنصب مع الواو عطفًا على يصبحوا لا على يأتي: لأنَّ ذلك القول إنَّما يصدر عن المؤمنين عند ظهور ندامة المنافقين لا عند إتيان الفتح فقط، والمعنى: يقول المؤمنون مخاطبين لليهود مشيرين إلى المنافقين الذين كانوا يوالونهم ويرجون دولتهم عند مشاهدتهم لانعكاس رجائهم تعريضًا بالمخاطبين: {أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ} ؛ أي: غاية إيمانهم {إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ} أيها اليهود بالمعونة، فإن المنافقين حلفوا لليهود بالمعاضدة كما حكى الله تعالى عنهم بقوله:{وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ} أو المعنى: يقول المؤمنون بعضهم لبعض، مشيرين للمنافقين، متعجبين من حالهم، مستعظمين بما من الله عليهم من إخلاص الإيمان عند مشاهدتهم لإظهارهم الميل إلى موالاة اليهود والنصارى: إنهم كانوا يقسمون لنا بالله جهد أيمانهم إنهم معنا في ديننا في السر ومن أنصارنا، فالآن كيف صاروا موالين لأعدائنا، محبين للاختلاط بهم، والاعتضاد بهم، وهذا المعنى كما سبق في حلنا أولًا أنسب لقراءة الرفع مع إثبات الواو على الاستئناف، أما المعنى الأول أعني: قول المؤمنين مخاطبين لليهود، فهو أنسب لقراءة النصب، ولقراءة الرفع مع حذف الواو، ولقراءة الرفع مع الواو بجعل الواو عاطفة جملة على جملة، والله أعلم بمراده.

وقوله: {حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ} ؛ أي: بطلت أعمال المنافقين، هو من تمام (1) قول المؤمنين، أو جملة مستأنفة والقائل هو الله سبحانه، والأعمال هي التي عملوها في الموالاة، أو كل عمل يعملونه؛ أي: ويقول المؤمنون: ضاعت أعمالهم التي يتكفلونها نفاقًا، كالصلاة والصوم والجهاد معنا ليقنعونا بأنهم منا، لأجل ما أظهروا من النفاق، وموالاة اليهود {فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ} في الدنيا

(1) الشوكاني.

ص: 345