الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والخلاصة: حالة كون الإنجيل هاديًا إلى التوحيد، ونورًا وبيانًا للأحكام المشروعة لهم، والمراد بالهدى التوحيد، وبالنور الأحكام، فالعطف مغاير (و) حالة كون الإنجيل {مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ}؛ أي: لما قبل الإنجيل {مِنَ التَّوْرَاةِ} وهنا المنصوب معطوف على محل فيه هدى ونور على كونه حالًا من الإنجيل .. فليس بتكرار للأول؛ لأن في الأول: الإخبار بأن عيسى مصدق لما بين يديه من التوراة، وفي الثاني: الإخبار بأن الإنجيل مصدق للتوراة فظهر الفرق بين اللفظين، وأنَّه ليس بتكرار، فالإنجيل مشتمل على النص بتصديق التوراة زيادة على تصديق المسيح لها بقوله وعمله.
والمعنى: أي حال كونه موافقًا لما في التوراة من أصول الدين، ومن بعض الشرائع، أو معترفًا بأنها من عند الله وإن نسخت أحكامها؛ لأن الله سبحانه وتعالى كلف أمة كل عصر بأحكام تناسبها، فالنسخ في الأحكام الفرعية لا الأصول كالتوحيد فلا نسخ فيه، بل ما كان عليه آدم من التوحيد هو ما عليه باقي الأنبياء {وَ} حالة كون الإنجيل {هُدًى} للناس؛ أي: سبب أهتداء لهم لاشتماله على البشارة بمبعث محمَّد صلى الله عليه وسلم، فهو سبب لاهتداء الناس إلى نبوة محمَّد صلى الله عليه وسلم، فهذه المسألة أشد المسائل احتياجًا إلى البيان، فالإنجيل يدل دلالة ظاهرة عليها لكثرة المنازعة بين المسلمين واليهود والنصارى في ذلك، فظهر مما ذكرنا لك الفرق بين هدى وهدى مرتين {و} حالة كون الإنجيل {وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ} ؛ أي؛ واعظًا لهم لاشتماله على النصائح والزواجر والمواعيظ البليغة، والأمثال والحكم النافعة، وإنَّما خص الموعظة بالمتقين؛ لأنهم الذين ينتفعون بها. والحكمة (1) في زيادة الموعظة في الإنجيل دون التوراة لأن التوراة كان فيها الأحكام الشرعية فقط، وإنما المواعظ كانت في الألواح وقد تكسرت، وأما الإنجيل فهو مشتمل على الأحكام والمواعظ جميعًا.
وقرأ الضحاك: {وهدى وموعظة للمتقين} بالرفع، أي: وهو هدى وموعظة.
47
- وقرأ الجمهور بالنصب كما تقدم تقريره {وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ} قرأ الجمهور بالأم الأمر ساكنة، وجزم الفعل بعدها، وبالواو حينئذ عاطفة، والجملة مقول لقول
(1) صاوي.
محذوف معطوف على آتينا، والمعنى: وآتينا عيسى بن مريم الإنجيل وأمرناه ومن تبعه بالحكم {بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} ؛ أي: في الإنجيل من الأحكام، فإنه قبل البعثة المحمدية حق، وأما بعدها فقد أمروا في غير موضع بأن يعملوا بما أنزل الله على محمَّد صلى الله عليه وسلم في القرآن الناسخ لكل الكتب المنزلة، أو المعنى (1): وليحكم أهل الإنجيل، بما أنزل الله فيه من الدلائل الدالة على نبوة محمَّد صلى الله عليه وسلم، ومن الأحكام التي لم تنسخ بالقرآن، فإن الحكم بالأحكام المنسوخة ليس حكمًا بما أنزل الله فيه بل هو تعطيل له، إذ هو شاهد بنسخها؛ لأن شهادته بصحة ما ينسخها من الشريعة شهادة بنسخها. وقرأ الأعمش وحمزة بنصب الفعل من {يحكم} وكسر اللام، على أن اللام لام كي، والواو حينئذ للاستئناف، والسلام متعلقة بمحذوف والتقدير: وآتيناه الإنجيل ليحكم هو ومن تبعه بما أنزل فيه من الأحكام في زمانهم. وقرأ أبي (2): {وأن ليحكم} بزيادة أن قبل لام كي، ونصب الفعل بعدها، فأن زائدة، فاللام متعلقة بمحذوف تقديره: وآتيناه الإنجيل ليحكم هو ومن تبعه بما أنزل الله فيه كما مرّ آنفًا. وقرىء (3) أيضًا: {وأن ليحكم} بجزم الفعل على أن موصولة بالأمر كقولك: أمرتك بأن قم؛ أي: وأمرنا بأن ليحكم.
قال أهل المعاني (4): قوله: {وَلْيَحْكُمْ} يحتمل وجهين:
أحدهما: أن يكون المعنى: وقلنا ليحكم أهل الإنجيل، فيكون هذا إخبارًا عما فرض عليهم في وقت إنزاله عليهم من الحكم بما تضمنه الإنجيل، ثم حذف القول؛ لأن ما قبله من قوله:(وكتبنا)(وقفينا) يدل عليه، وحذف القول كثير.
والوجه الثاني: أن يكون قوله (ليحكم) ابتداءً واستئنافًا، وفيه أمر للنصارى بالحكم بما في كتابهم وهو الإنجيل.
فإن قلت: فعلى هذا الوجه كيف جاز أن يؤمروا بالحكم بما في الإنجيل بعد نزول القرآن.
(1) المراح.
(2)
البحر المحيط.
(3)
بيضاوي.
(4)
الخازن.