الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لأبنائه الأعزاء، والنصارى قد زادوا غرورًا، فهم قد ادعوا أن المسيح فداهم بنفسه، وأنهم أبناء الله بولادة الروح، والمسيح ابنه الحقيقي، ويخاطبون الله تعالى بلقب الأب.
وقد جاهد النبي صلى الله عليه وسلم غرور اليهود جهادًا عظيمًا، ولم يجد ذلك فيهم شيئًا، فرفضوا دعوته، وردوا ما جاءهم به من أن العمل مرضاة لله، وبه تنال تزكية النفس، وإصلاحها كما جاهد صلف خبث النصارى وكبرهم، وكانوا زمن التنزيل أشد من اليهود فسادًا وظلمًا وعدوانًا بشهادة المؤرخين، ومع كل هذا يدعون أنَّهم أبناء الله وأحباؤه، وأنَّهم ليسوا في حاجة إلى إصلاح دينهم، ولا دنياهم، كما فعل اليهود مثل ذلك.
والخلاصة: أن هذه الآيات تبين لنا سنة الله في البشر، وأن الجزاء إنما يكون على الأعمال لا على الأسماء والألقاب،
19
- {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ} ؛ أي: يا معشر اليهود والنصارى {قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا} محمَّد صلى الله عليه وسلم الذي بشرتم به في كتبكم، وأخبركم به أنبياؤكم حالة كونه {يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ}؛ أي: في زمن انقطاع من الرسل وطول عهد بالوحي، جميع ما تحتاجون إليه من أمور دينكم ودنياكم، من عقائد أفسدتها عليكم نزعات الوثنية، وأخلاق وآداب صحيحة أفسدها عليكم إفراطكم في الأمور المادية والروحية، وعبادات وأحكام تصلح أمور الأفراد والمجتمع. وقد أرسل صلوات الله عليه، وقد فشا التغيير والتحريف في الشرائع المتقدمة لتقادم عهدها، وطول زمانها، فاختلط فيها الحق بالباطل، والصدق بالكذب، وصار ذلك عذرًا ظاهرًا في إعراض الخلق عن العبادات، إذ لهم أن يقولوا: يا إلهنا عرفنا أنَّه لا بدّ من عبادتك، ولكن كيف نعبدك؛ فبعث الله محمدًا صلى الله عليه وسلم في ذلك الحين لإزالة هذا العذر الذي بينه سبحانه بقوله:{أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ} ؛ أي: إنَّما أرسلنا إليكم رسولنا في زمن فترة الرسل، وانقطاع الوحي، كراهية أن تقولوا ما جاءنا من بشير يبشرنا بحسن العاقبة للمؤمنين، ولا نذير ينذرنا بسوء العاقبة للمفسدين والضالين؛ أي: أرسلناه كراهية أن تقولوا هذا القول معتذرين عن تفريطكم {فـ} ـلا تعتذروا لأنَّه {قد جاءكم بشير ونذير} يبين لكم أمر النجاة والخلاص والسعادة الأبدية، وأنها منوطة
بالإيمان والأعمال، وأن الله لا يحابي أحدًا {وَاللَّهُ} سبحانه وتعالى {عَلَى كُلِّ شَيْء} أراده {قَدِيرٌ}؛ أي: قادر، ومن دلائل قدرته نصر نبيه صلى الله عليه وسلم، وإعلاء كلمته في الدنيا، وفي ذلك رمز لكم - إن كنتم من ذوي الأحلام - إلى ما يكون له من المنزلة في الدار الآخرة.
فائدة: وقد اختلفوا (1) في مقدار هذه الفترة كم هي؟ فقال أبو عثمان النهدي وقتادة في رواية عنه: كانت ست مئة، ورواه البخاري عن سلمان الفارسي وعن قتادة خمس مئة وستون سنة. وقال معمر عن بعض أصحابه: خمس مئة وأربعون سنة. وقال الضحاك: أربع مئة وبضع وثلاثون سنة. وذكر ابن عساكر في ترجمة عيسى عليه السلام عن الشعبي أنه قال: ومن رفع المسيح إلى هجرة النبي صلى الله عليه وسلم تسع مئة وثلاث وثلاثون سنة، والمشهور هو القول الأول وهو أنها ست مئة سنة. ومنهم عن يقول ست مئة وعشرون سنة، ولا منافاة بينهما، فإن القائل الأول أراد ست مئة سنة شمسية، والآخر أراد قمرية. وبين كل مئة سنة شمسية، وبين القمرية نحو من ثلاث سنين. وكانت هذه الفترة بين عيسى بن مريم وبين محمَّد صلى الله عليه وسلم، كما ثبت في "صحيح البخاري" عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"أنا أولى الناس بابن مريم لأنه ليس بيني وبينه نبي". وفي هذا رد على من زعم أنه بعث بعد عيسى نبي، يقال له خالد بن سنان. كما حكاه القضاعي وغيره.
وفي هامش "ابن كثير": التحقيق الموافق للحساب الفلكي أن الهجرة النبوية كانت سنة ست مئة واثنين وعشرين لميلاد عيسى. والبعثة كانت قبل الهجرة بعشر سنين، باعتبار التبليغ، فهذا قريب ما اعتمده المؤلف انتهى.
ومدة ما بين موسى وعيسى ألف سنة، لكنها ليست فترة لبعثة كثيرين من الأنبياء بينهما، وكانوا ألف نبي على ما قيل، ويتعبدون بشريعة موسى، كداود وسليمان وزكريا ويحيى، على نبينا وعليهم صلوات الله وسلامه.
(1) ابن كثير.
والمقصود من الآية (1): أن الله سبحانه وتعالى بعث محمدًا صلى الله عليه وسلم على فترة من الرسل، وطموس عن السبل، وتغير الأديان، وكثرة عبادة الأوثان والنيران والصلبان، فكانت النعمة به أتم النعم، والحاجة إليه أمر عمم، فإن الفساد كان قد عمّ جميع البلاد، والطغيان والجهل قد ظهر في سائر العباد إلا قليلًا من المتمسكين ببقايا من دين الأنبياء الأقدمين من بعض أحبار اليهود وعباد النصارى والصابئين.
الإعراب
{وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا} .
{وَلَقَدْ} : (الواو): استئنافية. {لقد} : اللام موطئة لقسم محذوف. {قد} : حرف تحقيق. {أَخَذَ اللَّهُ} : فعل وفاعل. {مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ} : مفعول به ومضاف إليه، والجملة الفعلية جواب للقسم المحذوف، وجملة القسم المحذوف مستأنفة. {وَبَعَثْنَا}؛ (الواو): عاطفة. {بعثنا} : فعل وفاعل، والجملة معطوفة على الجملة التي قبلها على كونها جواب القسم. {مِنْهُمُ}: جار ومجرور متعلق بـ {بعثنا} أو حال من {اثْنَيْ عَشَرَ} لأنه صفة نكرة قدمت عليها، كما ذكره أبو البقاء. {اثْنَيْ عَشَرَ}: عدد مركب معرب الصدر مبني العجز. {أثني} : مفعول به لـ {بعثنا} : منصوب وعلامة نصبه الياء نيابة عن الفتحة لأنه ملحق بالمثنى، الذي رفعه بالألف ونصبه وجره بالياء، وحذفت النون لشبه الإضافة، أو لشبه التركيب على ما قيل {عَشَر}: جزء المفعول في محل النصب مبني على الفتح لشبهه بالحرف شبهًا معنويًّا، لتضمنه معنى حرف العطف، وإنَّما حرك ليعلم أنَّ له أصلًا في الإعراب، وكانت الحركة فتحة طلبًا للخفة لشبه التركيب لثقله {نَقِيبًا} تمييز منصوب.
{وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي
(1) ابن كثير.
وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا}.
{وَقَالَ} : (الواو): عاطفة، {قال الله}: فعل وفاعل، والجملة معطوفة على جملة قوله:{لقد أخذ الله} على كونها جواب قسم لا محل لها من الإعراب. {إِنِّي مَعَكُمْ} إلى آخر الآية مقول محكي لقال، وإن شئت قلت:{إِنِّي} : {إِنِّ} : حرف نصب، و (الياء): ضمير المتكلم اسمها. {مَعَكُمْ} : ظرف ومضاف إليه، متعلق بمحذوف خبر إن تقديره: إني كائن معكم بالحفظ والمعونة، وجملة {إنَّ} في محل النصب مقول {قال}. {لَئِنْ}:(اللام): موطئة للقسم. {إنْ} : حرف شرط جازم. {أَقَمْتُمُ} : فعل وفاعل في محل الجزم بإن الشرطية على كونها فعل شرط لها. {الصَّلَاةَ} : مفعول به. {وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ} : فعل وفاعل ومفعول به، في محل الجزم، معطوفة على جملة {أَقَمْتُمُ} على كونها فعل شرط لـ {إن}. {وَآمَنْتُمْ}: فعل وفاعل معطوف على {أَقَمْتُمُ} . {بِرُسُلِي} : جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بـ {آمنتم}. {وَعَزَّرْتُمُوهُمْ}: فعل وفاعل ومفعول معطوف على {أَقَمْتُمُ} . {وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ} : فعل وفاعل ومفعول معطوف على {أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ} . {قَرْضًا} : مفعول مطلق لـ {أقرضتم} . {حَسَنًا} صفة لـ {قَرْضًا} . وقال أبو البقاء (1): {قَرْضًا} : يجوز أن يكون مصدرًا محذوفَ الزوائد، والعامل فيه {أقرضتم}؛ أي: إقراضًا، ويجوز أن يكون {قَرْضًا} بمعنى مقرضًا، فيكون مفعولًا به انتهى.
{لَأُكَفِّرَنَّ} : اللام: زائدة، زيدت لتأكيد لام القسم المذكورة سابقًا.
{أكفرن} فعل مضارع في محل الرفع لتجرده عن الناصب والجازم، مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة، وفاعله ضمير يعود على {اللَّهُ} ، والجملة جواب القسم لا محل لها من الإعراب، وجملة القسم في محل النصب مقول قال، وجواب الشرط محذوف، تقديره: إنْ أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة .. أكفر
(1) العكبري.
عنكم سيئاتكم، وإنَّما جعلنا المذكور جواب القسم، وقلنا: جواب الشرط محذوف .. جريًا على القاعدة المشهورة عندهم: أنَّه إذا اجتمع شرط وقسم وذكر الجواب بعدهما .. كان الجواب للمتقدم منهما، ويقدر مثله للمتأخر منهما، كما قال ابن مالك في "الخلاصة":
وَاحْذِفْ لَدَى اجْتِمَاعِ شَرْطٍ وَقَسَمْ
…
جَوَابَ مَا أخَّرْتَ فَهُوَ مُلْتَزَمْ
{عَنْكُمْ} : جار ومجرور متعلق بـ {لَأُكَفِّرَنَّ} . {سَيِّئَاتِكُمْ} : مفعول به ومضاف إليه. {وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ} : فعل ومفعول أول معطوف على قوله: {لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ} : وفاعله ضمير يعود على {اللَّهَ} . {جَنَّاتٍ} : مفعول ثانٍ لأدخل، أو منصوب على الظرفية المكانية، متعلق بأدخل {تَجْرِي}: فعل مضارع. {مِنْ تَحْتِهَا} : جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بـ {تَجْرِي}. {الْأَنْهَارُ}: فاعل، والجملة الفعلية في محل النصب صفة لجنات.
{فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ} .
{فَمَنْ} : (الفاء): فاء الفصيحة؛ لأنَّها أفصحت عن جواب شرط مقدر تقديره: إذا عرفتم حكم من أقام الصلاة، وآتى الزكاة، وآمن، وأردتم بيان حكم من كفر بعد ذلك .. فأقول لكم. {من}: اسم شرط جازم في محل الرفع مبتدأ، والخبر جملة الشرط أو جملة الجواب أو هما. {كَفَرَ}: فعل ماضٍ في محل الجزم بـ {من} على كونه فعل شرط لها، وفاعله ضمير يعود على {من}. {بَعْدَ ذَلِكَ} ظرف ومضاف إليه متعلق بـ {كَفَرَ}. {فَقَدْ}: الفاء: رابطة لجواب من الشرطية وجوبًا، لكون الجواب مقرونًا بقد. {قد}: حرف تحقيق. {ضَلَّ} : فعل ماض في محل الجزم بـ {من} على كونه جواب الشرط، وفاعله ضمير يعود على {من}. {سَوَاءَ السَّبِيلِ}: مفعول به ومضاف إليه، وجملة {مَنْ} الشرطية في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة.
{فَبِمَا} (الفاء): استئنافية. (الباء): حرف جر وسبب. {ما} : زائدة. {نَقْضِهِمْ} : مجرور بالباء ومضاف إليه، متعلق بـ {لَعَنَّاهُمْ}: وهو مصدر مضاف إلى الفاعل. {مِيثَاقَهُمْ} : مفعول المصدر، ومضاف إليه. {لَعَنَّاهُمْ}: فعل وفاعل ومفعول، والجملة الفعلية مستأنفة {وَجَعَلْنَا}: فعل وفاعل معطوف على {لَعَنَّاهُمْ} . {قُلُوبَهُمْ} : مفعول أول، ومضاف إليه. {قَاسِيَةً}: مفعول ثان {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ} : فعل وفاعل ومفعول {عَنْ مَوَاضِعِهِ} : جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بـ {يُحَرِّفُونَ} ، والجملة مستأنفة، قال أبو البقاء: ويجوز أن تكون (1) حالًا من المفعول في {لَعَنَّاهُمْ} وأن تكون حالًا من الضمير في {قاسيةً} ، ولا يجوز أن يكون حالًا من القلوب؛ لأنَّ الضمير في {يحرفون} لا يرجع إلى القلوب، ويضعف أن يجعل حالًا من الهاء والميم في {قُلُوبَهُم} انتهى.
{وَنَسُوا} : (الواو): عاطفة. {نسوا} : فعل وفاعل. {حَظًّا} : مفعول به، والجملة معطوفة على جملة {يُحَرِّفُونَ}. {مِمَّا}: جار ومجرور صفة لـ {حَظًّا} . {ذُكِّرُوا} : فعل ونائب فاعل. {بِهِ} : متعلق به، والجملة صلة لـ {ما} أو صفة لها، والعائد أو الرابط ضمير {بِهِ}. {وَلَا}:(الواو): استئنافية. {لا} : نافية. {تَزَالُ} : فعل مضارع مرفوع - هي فعل من الأفعال الناقصة - واسمه ضمير يعود على محمَّد، أو على أي مخاطب. {تَطَّلِعُ}: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على محمَّد. {عَلَى خَائِنَةٍ}: جار ومجرور، متعلق به. {مِنْهُمْ}: جار ومجرور صفة لـ {خَائِنَةٍ} ، وجملة {تَطَّلِعُ} في محل النصب خبر زال تقديره: ولا تزال يا محمَّد مطلعًا على خائنة منهم، وجملة زال مستأنفة. {إِلَّا}: أداة استثناء. {قَلِيلًا} : منصوب على الاستثناء، والمستثنى منه ضمير منهم {مِنْهُمْ}: جار ومجرور صفة لـ {قَلِيلًا} .
(1) العكبري.
{فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} .
{فَاعْفُ} : (الفاء): فاء الفصيحة؛ لأنَّها أفصحت عن جواب شرط مقدر تقديره: إذا عرفت أخلاقهم الشنيعة، من التحريف والنسيان والخيانة، وأردت بيان ما هو الأصلح لك، وما هو الأنفع لهم .. فأقول لك: اعف. {اعف} : فعل أمر مبني على حذف حرف العلة، وفاعله ضمير يعود على محمَّد، والجملة في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة. {عَنْهُمْ}: متعلق به. {وَاصْفَحْ} : فعل أمر معطوف على {فَاعْفُ} . {إِنَّ اللَّهَ} : ناصب واسمه. {يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} : فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على {اللَّهَ} ، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر {إنَّ} وجملة {إنَّ} في محل الجر مسوقة لتعليل ما قبلها.
{وَمِنَ الَّذِينَ} : (الواو): استئنافية. {من الذين} : جار ومجرور متعلق بـ {أَخَذْنَا} الآتي على كونه مفعولًا أول. {قَالُوا} : فعل وفاعل، والجله صلة الموصول. {إِنَّا نَصَارَى}: ناصب واسمه وخبره، والجملة الإسمية في محل النصب مقول {قَالُوا}. {أَخَذْنَا} فعل وفاعل. {مِيثَاقَهُمْ}: مفعول ثان لـ {أَخَذْنَا} والتقدير: وأخذنا من الذين قالوا إنَّا نصارى ميثاقهم، والجملة الفعلية معطوفة على جملة قوله {وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ} والتقدير: ولقد أخذ الله الميثاق على اليهود فنقضوه، وأخذه على النصارى فنقضوه. {فَنَسُوا حَظًّا}: فعل وفاعل ومفعول، والجملة معطوفة على جملة {أَخَذْنَا}. {مِمَّا}: جار ومجرور صفة لـ {حَظًّا} . {ذُكِّرُوا} فعل ونائب فاعل {بِهِ} : جار ومجرور، تعلق به، والجملة الفعلية صلة لـ {ما} أو صفة لها.
{فَأَغْرَيْنَا} : (الفاء): عاطفة. {أغرينا} : فعل وفاعل. {بَيْنَهُمُ} : ظرف ومضاف إليه، متعلق به. {الْعَدَاوَةَ}: مفعول به. {وَالْبَغْضَاءَ} : معطوف عليه، والجملة معطوفة على جملة قوله:{فَنَسُوا} . {إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} : جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بـ {أغرينا}. {وَسَوْفَ}:(الواو): استئنافية. {سوف} : حرف تنفيس. {يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ} : فعل ومفعول أول. وفاعل، والجملة مستأنفة. {بِمَا}: جار ومجرور متعلق بـ {يُنَبِّئُهُمُ} على كونه مفعولًا ثانيًا له. {كَانُوا} : فعل ناقص واسمه. {يَصْنَعُونَ} : فعل وفاعل، والجملة الفعلية في محل النصب خبر كان، وجملة كان من اسمها وخبرها صلة لـ {ما} أو صفة لها، والعائد أو الرابط محذوف تقديره: بما كانوا يصنعونه.
{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ} : منادى مضاف، وجملة النداء مستأنفة. {قَدْ}: حرف تحقيق. {جَاءَكُمْ} : فعل ومفعول به. {رَسُولُنَا} : فاعل ومضاف إليه، والجملة الفعلية جواب النداء لا محل لها من الإعراب. {يُبَيِّنُ}: فعل مضارع مرفوع وفاعله ضمير يعود على {الرسول} . {لَكُمْ} : جار ومجرور متعلق به. {كَثِيرًا} : مفعول به، والجملة الفعلية في محل النصب حال من {رَسُولُنَا}. {مِمَّا}: جار ومجرور صفة لـ {كَثِيرًا} . {كُنْتُمْ} : فعل ناقص واسمه. {تُخْفُونَ} : فعل وفاعل. {مِنَ الْكِتَابِ} : جار ومجرور متعلق به، أو حال من الضمير المحذوف، أو من {ما} ، والجملة الفعلية في محل النصب خبر كان، وجملة كان صلة لـ {ما} أو صفة لها، والعائد أو الرابط محذوف تقديره: تخفونه. {وَيَعْفُو} : فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على الرسول. {عَنْ كَثِيرٍ}: جار ومجرور، متعلق به، والجملة الفعلية في محل النصب معطوفة على جملة قوله:{يُبَيِّنُ} . {قَدْ} : حرف تحقيق. {جَاءَكُمْ} : فعل ومفعول. {مِنَ اللَّهِ} : جار ومجرور متعلق به. {نُورٌ} : فاعل. {وَكِتَابٌ} :
معطوف عليه. {مُبِينٌ} : صفة لـ {كتاب} والجملة الفعلية مستأنفة مسوقة (1) لبيان أنَّ فائدة مجيء الرسول ليست منحصرة فيما ذكر من بيان ما كانوا يخفونه، بل له منافع لا تحصى. اهـ. "أبو السعود".
{يَهْدِي} : فعل مضارع. {بِهِ} : جار ومجرور، متعلق به. {اللَّهُ}: فاعل. {مَنِ} : اسم موصول في محل النصب مفعول أول لـ {يَهْدِي} . {اتَّبَعَ} : فعل ماضٍ وفاعله ضمير يعود على {مَنِ} . {رِضْوَانَهُ} : مفعول {اتَّبَعَ} وهو مضاف. والهاء مضاف إليه، وجملة {اتَّبَعَ}: صلة الموصول، والعائد ضمير الفاعل. {سُبُلَ السَّلَامِ}: مفعول ثانٍ لـ {يَهْدِي} أو بدل من {رِضْوَانَهُ} وجملة {يَهْدِي} : من الفعل والفاعل في محل النصب بدل من جملة {يُبَيِّنُ} على كونها حالًا من {رَسُولُنَا} ويجوز (2) أن تكون حالًا من الضمير في {يُبَيِّنُ} ، ويجوز أن تكون صفة لـ {نُورٌ} أو لـ {كتاب} والهاء في {بِهِ} تعود على من سواء جعل {يَهْدِي} حالًا منه، أو صفة له، فلذلك أفرد، ذكره أبو البقاء. {وَيُخْرِجُهُمْ}: فعل ومفعول به، وفاعله ضمير يعود على {اللَّهُ} وضمير المفعول في {يخرجهم} عائد إلى {مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ} ، وجمعه باعتبار المعنى، كما أفرده في {اتَّبَعَ} نظرًا للفظ. {مِنَ الظُّلُمَاتِ}: متعلق بـ {يخرج} . وكذا قوله: {إِلَى النُّورِ} متعلق به. {بِإِذْنِهِ} : جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بـ {اتَّبَعَ}: أو بـ {يخرجهم} كما مرت الإشارة إليه في مبحث التفسير. {وَيَهْدِيهِمْ} : فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على الله. {إِلَى صِرَاطٍ}: جار ومجرور متعلق به. {مُسْتَقِيمٍ} : صفة لصراط، والجملة معطوفة على جملة قوله:{يَهْدِي بِهِ اللَّهُ} .
(1) الفتوحات.
(2)
العكبري.
{لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} .
{لَقَدْ} : (اللام): موطئة للقسم، {قد}: حرف تحقيق. {كَفَرَ الَّذِينَ} : فعل وفاعل، والجملة جواب القسم لا محل لها من الإعراب، وجملة القسم المحذوف مع جوابه مستأنفة. {قَالُوا}: فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول. {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} مقول محكي لـ {قَالُوا} وإن شئت قلت:{إِنَّ} : حرف نصب. {اللَّهَ} : اسمها. {هُوَ} : ضمير فصل. {الْمَسِيحُ} : خبر {إنَّ} . {ابْنُ} : صفة لـ {الْمَسِيحُ} . {مَرْيَمَ} : مضاف إليه، وجملة {إِنَّ} في محل النصب مقول {قَالُوا} .
{قُلْ} : فعل أمر وفاعله ضمير يعود على محمَّد، والجملة مستأنفة. {فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا} إلى قوله {جَمِيعًا} مقول محكي، وإن شئت قلت:{فَمَنْ} (1): الفاء عاطفة على محذوف تقديره: قل كذبوا فمن يملك من الله شيئًا، أوليس الأمر كذلك. {مَن}: اسم استفهام في محل الرفع مبتدأ. {يَمْلِكُ} : فعل مضارع وفاعله ضمير يعود على {من} . {مِنَ اللَّهِ} : جار ومجرور متعلق بـ {يَمْلِكُ} . وقال أبو البقاء: إنَّه حال من شيئًا من حيث إنَّه كان صفة في الأصل للنكرة، تقدم علمها فانتصب حالًا. انتهى. والجملة الفعلية في محل الرفع خبر {مَن} الاستفهامية، وجملة {مَن} الاستفهامية في محل النصب معطوفة على الجملة المحذوفة التي قدرناها سابقًا على كونها مقولًا لـ {قُلْ}. {شَيْئًا} مفعول به {إنْ}: حرف شرط. {أَرَادَ} : فعل ماضٍ في محل الجزم بأن الشرطية على كونها فعل شرط لها، وفاعله ضمير يعود على {اللَّهِ}. {أَنْ يُهْلِكَ}: ناصب ومنصوب وفاعله ضمير يعود على {اللَّهِ} . {الْمَسِيحَ} : مفعول به. {ابْنَ} : صفة لـ {الْمَسِيحَ} . {مَرْيَمَ} : مضاف إليه وجملة
(1) الفتوحات.
{يُهْلِكَ} : مع أن المصدرية في تأويل مصدر منصوب على المفعولية تقديره: إنْ أراد إهلاك المسيح ابن مريم، وجواب {إِنْ} الشرطية معلوم مما قبلها تقديره: إنْ أراد أن يهلك المسيح .. فمن يقدر أن يدفعه عنه، وجملة إنْ الشرطية في محل النصب مقول {قُلْ}. {وَأُمَّهُ}: معطوف على {الْمَسِيحَ} . {وَمَنْ} : اسم موصول في محل النصب معطوف على {الْمَسِيحَ} . {فِي الْأَرْضِ} : جار ومجرور صلة الموصول. {جَمِيعًا} : حال من {المسيح وأمه ومن في الأرض} . ويجوز (1) أن يكون حالًا من {من} وحدها {ومن} ههنا عام، سبقه خاص من جنسه هو {المسيح وأمه} .
{وَلِلَّهِ} : (الواو): استئنافية. {لله} : جار ومجرور خبر مقدم. {مُلْكُ السَّمَاوَاتِ} : مبتدأ مؤخر ومضاف إليه. {وَالْأَرْضِ} : معطوف على {السَّمَاوَاتِ} والجملة الإسمية مستأنفة. {وَمَا} : موصولة أو موصوفة في محل الجر معطوف على {السَّمَاوَاتِ} . {بَيْنَهُمَا} : ظرف ومضاف إليه صلة لـ {ما} أو صفة لها {يَخْلُقُ} : فعل مضارع وفاعله ضمير يعود على {الله} والجملة (2) مستأنفة {مَا يَشَاءُ} ما موصولة، أو موصوفة في محل النصب مفعول {يَخْلُقُ}. {يَشَاءُ}: فعل مضارع وفاعله ضمير يعود على {الله} ، والجملة صلة لـ {ما} أو صفة لها، والعائد أو الرابط محذوف تقديره: ما يشاؤه. {وَاللَّهُ} مبتدأ {عَلَى كُلِّ شَيْءٍ} : جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ {قَدِيرٌ} وهو خبر المبتدأ، والجملة الإسمية معطوفة على جملة {يَخْلُقُ} على كونها مستأنفة لا محل لها من الإعراب.
(1) العكبري.
(2)
العكبري.
{وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى} : فعل وفاعل، والجملة مستأنفة استئنافًا نحويًّا وقوله:{نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ} مقول محكي لقال، وإن شئت قلت:{نَحْنُ} : مبتدأ. {أَبْنَاءُ اللَّهِ} : خبر ومضاف إليه. {وَأَحِبَّاؤُهُ} معطوف على {أبناؤه} ، والجملة الإسمية في محل النصب مقول قال. {قُلْ}: فعل أمر وفاعله ضمير يعود على محمَّد، والجملة مستأنفة. {فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ}: إلى آخر الآية مقول محكي لقل، وإنْ شئت قلت:{فَلِمَ} : الفاء رابطة الجواب بالشرط المحذوف جوازًا تقديره: إنْ كنتم كما زعمتم .. فلم يعذبكم بذنوبكم. (اللام): حرف جر. {م} : اسم استفهام في محل الجر باللام، مبني بسكون على الألف المحذوفة فرقًا بينها وبين ما الموصولة، الجار والمجرور متعلق بـ {يُعَذِّبُكُمْ}: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على {اللَّهِ}. {بِذُنُوبِكُمْ}: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ {يعذب} وجملة {يُعَذِّبُكُمْ} في محل الجزم على كونها جوابًا للشرط المحذوف، وجملة الشرط المحذوف مع جوابه في محل النصب مقول {قُلْ}. {بَلْ}: حرف ابتداء. {أَنْتُمْ بَشَرٌ} : مبتدأ وخبر، والجملة الإسمية في محل النصب مقول {قُلْ}. {مِمَّنْ}: جار ومجرور صفة لـ {بَشَرٌ} . أي: بل أنتم بشر كائنون من جملة من خلقهم. {خَلَقَ} : فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة صلة {مَنْ}: الموصولة، والعائد ضمير المفعول المحذوف تقديره: ممن خلقهم {يَغْفِرُ} : فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على {اللَّهِ} ، والجملة في محل النصب مقول {قُلْ}. {لِمَن}: جار ومجرور متعلق بـ {يَغْفِرُ} ، وجملة {يَشَاءُ} صلة {مَن} الموصولة، والعائد محذوف تقديره: لمن يشاء المغفرة له. {وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ} : فعل ومفعول، والفاعل ضمير يعود على {اللَّهِ} ، والجملة معطوفة على جملة {يَغْفِرُ}. {وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ}: مبتدأ وخبر ومضاف إليه، والجملة في محل النصب مقول {قُلْ}. {وَالْأَرْضِ}: معطوف على {السَّمَاوَاتِ} . {وَمَا بَيْنَهُمَا} معطوف على السموات أيضًا. {وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ} : مبتدأ وخبر، والجملة في محل النصب مقول {قُلْ} أو مستأنفة.
{يَا أَهْلَ الكتاب} : منادى مضاف، والجملة مستأنفة {قَدْ}: حرف تحقيق. {جَاءَكُمْ} : فعل ومفعول {رَسُولُنَا} : فاعل ومضاف إليه، والجملة جواب النداء لا محل لها من الإعراب. {يُبَيِّنُ}: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على {رَسُولُنَا}. {لَكُمْ}: جار ومجرور متعلق به، والجملة في محل النصب حال من {رَسُولُنَا}. {عَلَى فَتْرَةٍ} (1): جار ومجرور متعلق بـ {جَاءَكُمْ} على الظرفية؛ أي: جاءكم حين فتور من الرسل، وانقطاع من الوحي، أو متعلق بمحذوف حال من ضمير {يُبَيِّنُ} أو من ضمير {لَكُمْ} ، أي يبين لكم ما ذكر حال كونه على فترة من الرسل، أو حال كونكم عليها أحوج ما كنتم إلى البيان. {مِنَ الرُّسُلِ} جار ومجرور صفة لفترة؛ أي: كائنة من الرسل، مبتدأة من جهتهم {أَنْ تَقُولُوا}: ناصب وفعل وفاعل، والجملة الفعلية في تأويل مصدر مجرور بإضافة المصدر المقدر المعلل لقوله {يُبَيِّنُ} ، والمعنى يبين لكم كراهية قولكم عند تعذيبكم {مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ} وهو مقول محكي لـ {تَقُولُوا} ، وإن شئت قلت:{مَا} : نافية {جَاءَنَا} : فعل ومفعول. {مِنْ} : زائدة. {بَشِيرٍ} : فاعل. {وَلَا نَذِير} : معطوف على بشير، والجملة الفعلية في محل النصب مقول لـ {تقولوا}. {فَقَدْ}:(الفاء): تعليلية لمعلول محذوف تقديره: فلا يكون لكم عذر يوم القيامة فتعتذروا؛ لأنَّه قد جاءكم بشير ونذير، والجملة المحذوفة مستأنفة. وما في "الشوكاني" هنا من أن الفاء فصيحة غير صواب، لأنَّه لا ينطبق عليها ضابط الفصيحة، {قد}: حرف تحقيق، {جَاءَكُمْ بَشِيرٌ}: فعل ومفعول وفاعل. {وَنَذِيرٌ} : معطوف على {بَشِيرٌ} والجملة الفعلية في محل الجر بلام التعليل المقدرة تقديره: فلا يكون لكم اعتذار يوم القيامة؛ لمجيء بشير ونذير لكم في الدنيا. {وَاللَّهُ} : مبتدأ. {عَلَى كُلِّ شَيْءٍ} : جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ {قَدِيرٌ} . {قَدِيرٌ} : خبر المبتدأ، والجملة مستأنفة.
(1) الجمل.
التصريف ومفردات اللغة
{اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا} : نقيب القوم: من ينقب عن أحوالهم، ويبحث عن شؤونهم، ونقب عليهم نقابة إذا صار عليهم نقيبًا؛ أي: يفتش عن أحوالهم وأسرارهم. والنقيب: فعيل بمعنى فاعل، مشتق من التنقيب وهو التفتيش، ومنه:{فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ} ، وسمي بذلك؛ لأنه يفتش عن أحوال القوم وأسرارهم كما مر آنفًا، وقيل: هو بمعنى مفعول، كأن القوم اختاروه على علم منهم وتفتيش عن أحواله، والظاهر أن النقيب فعيل للمبالغة، كعليم وخبير.
{وَعَزَّرْتُمُوهُمْ} : عزر (1) الرجل، قال يونس بن حبيب: أثنى عليه بخير، وقال أبو عبيدة: عظمه، وقال الفراء: رده عن الظلم، ومنه التعزير؛ لأنه يمنع من معاودة القبيح. وفي "المختار": التعزير التوقير والتعظيم وفي "القاموس": التعزير: ضربٌ دون الحد، وهو أشد الضرب، والتفخيم والتعظيم، وضد الإهانة كالعزر والتقوية والنصر اهـ.
{قَرْضًا حَسَنًا} يجوز أن يكون مصدرًا محذوف الزوائد وعامله {أَقْرَضْتُمُ} ؛ أي: إقراضًا، ويجوز أن يكون بمعنى المقرض، فيكون مفعولًا به، والقرض الحسن: ما كان عن طيب نفس {سَوَاءَ السَّبِيلِ} ؛ أي: وسطه، وهو من إضافة الصفة إلى الموصوف؛ أي: السبيل المستوي {لَعَنَّاهُمْ} ؛ أي: طردناهم وأبعدناهم من رحمتنا. {قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً} : اسم فاعل من: قسا يقسو قسوة، فياؤه بدل واو، فأصله قاسوة؛ لأنه من القسوة. ويقرأ: قسية على وزن فعيلة، قلبت الواو ياء، وأدغمت فيها ياء، وفعيلة هنا بمعنى؛ فاعلة، ومعنى قاسية يابسة غليظة تنبو عن قبول الحق.
{يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ} : والتحريف إمالة الشيء، عن موضعه إلى أي جانب من الجوانب {تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ} يقال: طلع الشيء إذا برز وظهر، واطلع افتعل منه.
(1) البحر المحيط.
{خَائِنَةٍ} فيها ثلاثة أوجه (1):
أحدها: أنها اسم فاعل، والهاء للمبالغة كراوية ونسابة؛ أي: على شخص خائن.
والثاني: أن التاء للتأنيث، وأنث على معنى طائفة، أو نفس أو فعلة خائنة.
والثالث: أنها مصدر كالعافية والعاقبة، ويؤيد هذا الوجه قراءة الأعمش {على خيانة} ، وأصل خائنة خاونة فأعلَّ إعلال قائمة اهـ "سمين".
{وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى} وفي "المختار": والنصير الناصر، وجمعه أنصار، كشريف وأشراف، وجمع الناصر نصر كصاحب وصحب. والنصارى: جمع نصران ونصرانة، كالندامى جمع ندمان وندمانة، ولم يستعمل نصران إلا بياء النسب ونصره تنصيرًا جعله نصرانيًّا. وفي الحديث:"فأبواه يهودانه أو ينصرانه" اهـ. وفي "المصباح": ورجل نصارني بفتح النون، وامرأة نصرانية، ويقال: إنه نسبة إلى قرية اسمها نصرى، ولهذا قيل في الواحد نصرى على القياس والنصارى جمعه، مثل مهرى ومهارى، ثم أطلق النصراني على كل من تعبد بهذا الدين. اهـ.
{فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ} من (2) أغراه بكذا؛ أي: ألزمه إياه، وأصله من الغراء بفتح الغين وكسرها، وهو ما يلصق به الورق أو الجلد ولامه واو. والأصل فأغرونا، وإنَّما قلبت الواو ياء لوقوعها رابعة، ومنه قولهم بيت مغروٌّ؛ أي: معمول بالغراء ويقال غرى بالشيء، يغرى غراءً وغرى لصق به، وأغرى فلان زيدًا بعمرو ولعه به، وأغريت الكلب بالصيد أشليته، وقال النضر: أغرى بينهم: هيّج.
وفي "المصباح": غرى بالشيء غرىً - من باب تعب - أولع به من حيث لا يحمله عليه حامل، وأغريته به إغراء فأغري به بالبناء للمفعول، والاسم الغراء الفتح والمد، والغراء مثل كتاب ما يلصق معمول من الجلود، وقد يعمل من السمك والغرا - مثل العصا - لغة فيه، وغروت الجلد أغروه من باب عدا؛ ألصقته
(1) الجمل.
(2)
الفتوحات.
بالغراء، وقوس مغروةٌ وأغريت بين القوم مثل أفسدت وزنًا، ومعنى: وغروت غروًا - من باب قتل - عجبت ولا غرو؛ أي: لا عجب.
{فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا} والملك (1) والمِلك: الضبط. والحفظ والقدرة من قولهم: ملكت على فلان أمره؛ أي: قدرت عليه؛ أي: فمن يقدر؛ أي: يمنع.
{عَلَى فَتْرَةٍ} : والفترة أصلها السكون، يقال: فتر الشيء إذا سكن، وقيل: هي الانقطاع. قاله أبو علي الفأرسي وغيره، ومنه فتر الماء إذا انقطع عما كان عليه من البرد إلى السخونة، وفتر الرجل عن عمله إذا انقطع عما كان عليه من الجد فيه، وامرأة فاترة الطرف؛ أي: منقطعة عن حدة النظر، والمعنى: أنه انقطع الرسل قبل بعثه صلى الله عليه وسلم مدةً من الزمان، والهاء (2) فيه ليست للمرة الواحدة، بل فترة مرادف للفتور.
البلاغة
وقد تضمنت هذه الآيات أنواعًا من البلاغة والبيان والبديع:
فمنها: الالتفات في قوله: {وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا} . ففيه التفات من الغيبة إلى التكلم، ومقتضى الظاهر أن يقول: وبعث الله، وإنَّما التفت اعتناء بشأنه.
ومنها: المجاز المرسل في {وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا} ، بإسناد الفعل إلى الآمر مثل قولهم: بنى الأمير المدينة.
ومنها: إطلاق المشترك وإرادة أحد معانيه في قوله: {وَعَزَّرْتُمُوهُمْ} ؛ لأنَّ المراد به هنا: النصر.
ومنها: الجناس المغاير في قوله: {وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا} .
(1) الشوكاني.
(2)
البحر المحيط.
ومنها: الاستعارة التصريحية في قوله: {وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ} شبه الإنفاق في سبيل الله لوجه الله بالقرض على سبيل المجاز؛ لأنَّه إذا أعطى المستحق ماله لوجه الله تعالى، فكأنه أقرضه إياه. والاستعارة في قوله:{وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} استعار الظلمات للكفر، والنور للإيمان على طريقة الاستعارة التصريحية الأصلية.
ومنها: الالتفات في قوله: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ} إلى خطاب الفريقين.
ومنها: المجاز المرسل في قوله: {فَنَسُوا حَظًّا} ؛ لأن النسيان مجاز عن الترك من إطلاق الملزوم وإرادة اللازم.
ومنها: الكناية في قوله: {فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ} ؛ لأنه كناية عن إيقاع العداوة بينهم، والتعبير بالإغراء أبلغ، كأن العداوة لاصقة بهم كالغراء اللاصق بالجلد.
ومنها: القصر في قوله: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} . وذلك أن الخبر إذا عرف بالألف واللام .. أفاد القصر، سواء كان التعريف فيه عهديًّا أو جنسيًّا، فإذا ضم معه ضمير الفصل .. ضاعف تأكيد معنى القصر، فإذا صدرت الجملة بإنّ .. بلغ الكمال في التحقيق.
ومنها: الاستفهام الإنكاري التوبيخي في قوله: {قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا} .
ومنها: التشبيه البليغ في قوله: {نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ} :.
ومنها: التكرار في قوله: {قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا} ، وفي قوله:{يَهْدِي بِهِ} . و {يهديهم} .
ومنها: الحذف في عدة مواضع.
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *