المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

في اللغة: أصحاب الرجل الذين يكونون معه على رأيه، وهم - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ٧

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: في اللغة: أصحاب الرجل الذين يكونون معه على رأيه، وهم

في اللغة: أصحاب الرجل الذين يكونون معه على رأيه، وهم القوم الذين يجتمعون لأمر حزبه؛ أي: أهمه. والمعنى: أي إذا كان الله وليكم وناصركم، وكان الرسول والذين آمنوا أولياء لكم بالتبع لولايته .. فأنتم بذلك حزب الله والله ناصركم، ومن يتول الله بالإيمان به والتوكل عليه، ويتول الرسول والمؤمنين بنصرهم وشد أزرهم والاستنصار لهم دون أعدائهم .. فإنهم الغالبون، ولا يغلب من يتولاهم؛ لأنهم حزب الله الذي له الغلبة والقهر.

‌57

- {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} باللهِ ورسوله محمَّد صلى الله عليه وسلم {لَا تَتَّخِذُوا} ؛ أي: لا تجعلوا {الَّذِينَ اتَّخَذُوا} وجعلوا {دِينَكُمْ} دين الإِسلام الذي هو أفضل الأديان وناسخها {هُزُوًا} ؛ أي: سخرية {وَلَعِبًا} أي ضحكًا، وقوله:{مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} بيان للموصول السابق؛ أي: من اليهود والنصارى الذين أعطوا الكتاب {مِنْ قَبْلِكُمْ} أيها المؤمنون {وَالْكُفَّار} بالنصب عطف على الذين اتخذوا، أو بالجر عطف على الذين أوتوا الكتاب، والمراد بهم المشركون عبدة الأوثان، وإنَّما فصل بين أهل الكتاب والكفار - وإنْ كان أهل الكتاب من الكفار؛ لأن كفر المشركين من عبدة الأوثان أغلظ وأفحش من كفر أهل الكتاب - لأن أهل الكتاب لهم أساس، وإن حرفوا وبدلوا {أَوْلِيَاءَ}؛ أي: أصدقاء وأنصارًا لكم؛ لأن اللائق باتخاذهم دينكم هزوًا ولعبًا أن يقابل بالبغضاء والمنابذة والمجانبة، فاتخاذكم مع ذلك أولياء وأنصارًا كالأمر الخارج عن المعقول، والمرءوة إن كنتم تعقلون، وهذا النهي عن موالاة المتخذين للدين هزوًا ولعبًا يعم كل من حصل منه ذلك من المشركين، وأهل الكتاب وأهل البدع المنتمين إلى الإِسلام والبيان بقوله:{مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} إلى آخره، لا ينافي دخول غيرهم تحت النهي إذا وجدت فيه العلة المذكورة، التي هي الباعثة على النهي.

والمعنى (1): يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى الذين جاءتهم الرسل والأنبياء، وأنزلت عليهم الكتب من قبل بعث رسولنا محمَّد صلى الله عليه وسلم، ومن قبل

(1) المراغي.

ص: 353

نزول كتابنا أولياء وأنصارًا وحلفاء، فإنَّهم لا يألونكم خبالًا، وإن أظهروا لكم مودة وصداقة، ذلك لأنَّهم اتخذوا هذا الدين هزوًا ولعبًا، فكان أحدهم يظهر الإيمان للمؤمنين وهو على كفره مقيم، وبعد اليسير من الزمن يظهر الكفر بلسانه بعد أن كان يبدي الإيمان قولًا، وهو مستبطن للكفر تلاعبًا بالدين واستهزاء به، كما قال تعالى عنهم:{وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ} .

وكذلك نهى الله عن موالاة جميع المشركين؛ لأن موالاة المسلمين لهم بعد أن أظهرهم الله عليهم بفتح مكة ودخول الناس في دين الله أفواجًا تكون قوة لهم وإقرارًا على شركهم الذي جاء الإِسلام لمحوه من جزيرة العرب. وقد نهج الإِسلام من أهل الكتاب سياسة غير سياسته مع مشركي العرب، فأباح أكل طعامهم ونكاح نسائهم، وشرع قبول الجزية منهم، وإقرارهم على دينهم، وخصهم هنا بلقب أهل الكتاب، ولقب المشركين بالكفار، وفي آيات أخرى بالمشركين والذين أشركوا، لانَّهم لوثنيتهم عريقون في الشرك، والكفر أصلًا فيه. أما أهل الكتاب فالشرك والكفر قد عرض للكثير منهم عروضًا وليس من أصل دينهم {وَاتَّقُوا اللَّهَ}؛ أي: وخافوا عقاب الله أيها المؤمنون في موالاة هؤلاء الذين اتخذوا دينكم هزوًا ولعبًا، حتى لا يضيع الغرض منها، وتكون وهنا لكم، ونصرًا لهم {إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}؛ أي: إن كنتم صادقي الإيمان، تحفظون كرامته، وتجتنبون مهانته، وتصدقون بالجزاء والوعيد على معصيته ومخالفته تعالى. والمعنى: واتقوا الله في موالاتهم إن كنتم مؤمنين حقًّا، فإن تقوى الله هي الحاملة على امتثال الأوامر، واجتناب النواهي.

وقرأ أبو عمرو والكسائي ويعقوب (1): {والكفار} بالجر على تقدير: من أي ومن الكفار، وقرأ الباقون بالنصب على معنى لا تتخذوا الكفار أولياء، وهي رواية الحسين الجعفي عن أبي عمرو، وإعراب الجر والنصب واضح، وقرأ أبي

(1) البحر المحيط.

ص: 354