المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

أسباب النزول قوله تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا} … - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ٧

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: أسباب النزول قوله تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا} …

أسباب النزول

قوله تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا}

الآية، سبب نزولها: ما أخرجه ابن جرير عن عكرمة قال: إنَّ (1) النبي صلى الله عليه وسلم أتاه اليهود يسألونه عن الرجم؟ فقال: "أيكم أعلم"؟ فأشاروا إلى ابن صوريا، فناشده بالذي أنزل التوراة على موسى، والذي رفع الطور والمواثيق التي أخذت عليهم حتى أخذه أفكل - الرعدة -؟ فقال: إنَّه لما كثر فينا جلدنا مئة، وحلقنا الرؤوس، فحكم عليهم، فأنزل الله سبحانه وتعالى قوله:{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ} إلى قوله: {صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} .

قوله تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ

} الآيات، سبب نزولها: ما رواه ابن إسحاق عن ابن عباس قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم نعمان بن قصي وبحر بن عمر وشاس بن عدي، فكلموه وكلمهم، ودعاهم إلى الله، وحذرهم نقمته وعذابه، فقالوا: تخوفنا به يا محمَّد؟ نحن والله أبناء الله وأحباؤه فأنزل الله فيهم: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى

} الآية.

وروي عنه قال: دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يهود إلى الإِسلام، ورغبهم فيه، فأبوا عليه، فقال لهم معاذ بن جبل وسعد بن عبادة: يا معشر يهود اتقوا الله فوالله إنكم لتعلمون أنه رسول الله، لقد كنتم تذكرونه لنا قبل مبعثه، وتصفونه لنا بصفته، فقال رافع بن حريملة ووهب بن يهوذ: ما قلنا لكم هذا، وما أنزل الله من كتاب من بعد موسى، ولا أرسل بشيرًا ولا نذيرًا بعده، فأنزل الله: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ

} الآية.

التفسير وأوجه القراءة

‌12

- {وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ} ؛ أي: وعزتي وجلالي لقد جعل الله سبحانه وتعالى العهد المؤكد باليمين على بني إسرائيل، بواسطة موسى عليه

(1) لباب النقول.

ص: 169

السلام، على أن لا يعبدوا إلا الله، ولا يشركوا به شيئًا، وعلى أن يعملوا بجميع ما في التوراة، وفيها شريعتهم التي اختارها لهم {وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ}؛ أي: اخترنا منهم على لسان موسى عليه السلام {اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا} ؛ أي: رئيسًا بعدد أسباطهم، من كل سبط نقيب، وأرسلنا هؤلاء النقباء إلى الجبارين ليتجسسوا عن أحوالهم.

روي أنه لما نجا بنو إسرائيل واستقروا بمصر بعد هلاك فرعون .. أمرهم الله سبحانه وتعالى بالسير إلى بيت المقدس، وكان يسكنها الكنعانيون الجبابرة، وقال لهم: إني جعلتها لكم وطنًا ودار هجرة، فأخرجوا إليها وجاهدوا من كان فيها من الجبابرة، وإني ناصركم، وأمر موسى أن يأخذ من كل سبط نقيبًا يكون كفيلًا بالوفاء بتنفيذ ما أمروا به، فاختار النقباء وأخذ الميثاق على بني إسرائيل، وتكفل له به النقباء، وسار بهم، فلما دنا من الأرض المقدسة، بعث النقباء يتجسسون الأخبار، فرأوا أجسامًا قوية، وأجرامًا كبيرًا، وشوكة وقوة، فهابوهم ورجعوا، وحدثوا قومهم بما رأوا، وقد كان موسى نهاهم عن ذلك، فنكثوا الميثاق إلا نقيبين - كالبًا ويوشع - وهما اللذان قال الله فيهما:{قَالَ رَجُلَانِ مِنَ اَلَذِينَ يَخَافُونَ} الآية وسيأتي الكلام في ذلك بعد.

{وَقَالَ اللَّهُ} سبحانه وتعالى للنقباء على لسان موسى عليه السلام حين ذهبوا للتجسس {إِنِّي مَعَكُمْ} بالنصر والعون والحفظ من الجبابرة. وقيل (1) هو خطاب لعامة بني إسرائيل، والقول الأول أولى؛ لأنَّ الضمير يعود إلى أقرب مذكور، فكان عوده إلى النقباء أولى. ومعنى كونه معهم، أنَّه ناصرهم ومعينهم ما داموا محافظين على الميثاق، وهو راءٍ لأفعالهم، سميع لأقوالهم، عليم بضمائرهم، وقادر على مجازاتهم. ثم ابتدأ الكلام فقال مخاطبًا لعامة بني إسرائيل على لسان موسى عليه السلام وعزتي وجلالي {لَئِنْ أَقَمْتُمُ} وأديتم {الصَّلَاةَ} المفروضة عليكم على وجهها {وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ}؛ أي: وأعطيتم ما فرض عليكم من الصدقات التي تتزكى بها نفوسكم. {وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي} الذين أرسلتهم إليكم بعد موسى، كداود وسليمان وزكريا ويحيى وعيسى، ومحمد صلى الله عليه وسلم.

(1) الخازن.

ص: 170