المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌سورة المائدة سورة المائدة مدنية، إلا قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ٧

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: ‌ ‌سورة المائدة سورة المائدة مدنية، إلا قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ

‌سورة المائدة

سورة المائدة مدنية، إلا قوله تعالى:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} ، فإنها نزلت بعرفة في حجة الوداع والنبي صلى الله عليه وسلم واقف بعرفة، فقرأها النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته، وقال:"يا أيها الناس إن سورة المائدة من آخر القرآن نزولًا، فأحلوا حلالها، وحرموا حرامها"، وإنما قال فيها ذلك - مع كون كل القرآن كذلك - .. لزيادة الاعتناء بها، وإلا قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ} ، فإنها نزلت بمكة عام الفتح.

والمشهور أن المدني: ما نزل بعد الهجرة، سواء نزل بالمدينة أو بمكة أو في سفر. وتسمَّى سورة المائدة، وسورة العقود، وسورة المنقذة. وسميت سورة المائدة؛ لورود ذكر المائدة فيها، حيث طلب الحواريون من عيسى عليه السلام آية تدل على صدق نبوته، وتكونُ لهم عيدًا، وقصتها أعجب ما ذكر فيها؛ لاشتمالها على آيات كثيرة ولطف عظيم من الله العلي العظيم. وآياتها مئة وعشرون في العد الكوفي، ومئة وثنتان وعشرون في العد الحجازي، ومئة وثلاثة وعشرون في العد البصري.

فضلها: ومما يدل على فضلها: ما رُوي عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: (1)(أُنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة المائدة وهو راكب على راحلته، فلم تستطع أن تحمله، فنزل عنها). أخرجه أحمد.

وروى البغوي بسنده عن ميسرة قال: إن الله تعالى أنزل في هذه السورة ثمانية عشر حكمًا لم ينزلها في غيرها، وهي قوله:{وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ} ،

(1) الخازن.

ص: 87

{وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} ، {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} ، {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} ، وتمام بيان الطهر في قوله:{إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} ، {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} ، و {لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} ، {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ} وقوله:{شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} .

المناسبة: ومناسبة افتتاحها لما قبلها (1): هو أنه تعالى لما ذكر استفتاءهم في الكلالة وإفتاءهم فيها، وذكر أنه يبين لهم كراهة الضلال .. بين في هذه السورة أحكامًا كثيرة هي تفصيل لذلك المجمل، وقد ذكرناها آنفًا.

وقال المراغي: وجه التناسب بينها وبين ما قبلها من وجوه (2):

1 -

أنّ سورة النساء اشتملت على عدة عقود صريحًا وضمنًا، فالصريح: عقود الأنكحة، والصداق، والحلف، والمعاهدة، والأمان. والضمني: عقود الوصية، والوديعة، والوكالة، والإجارة.

2 -

أنّ سورة النساء مهدت لتحريم الخمر، وسورة المائدة حرمتها ألبتة، فكانت متممة لشيء مما قبلها.

3 -

أنَّ معظم سورة المائدة في محاجة اليهود والنصارى، مع ذكر شيء عن المنافقين والمشركين، وقد تكرر ذكر ذلك في سورة النساء، وأطيل به في آخرها.

ووجه تقديم النساء وتأخير المائدة: أن الأولى بدئت بـ {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} وفيها الخطاب بذلك في مواضع، وهذا أشبه بالتنزيل المكي، والثانية بـ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ} ، وفيها الخطاب بذلك في مواضع، وهذا أشبه بالتنزيل المدني المتأخر عن الأول.

الناسخ والمنسوخ فيها: قال أبو عبد الله محمد بن حزم: سورة المائدة (3)

(1) البحر المحيط.

(2)

المراغي.

(3)

الناسخ والمنسوخ لمحمد بن حزم.

ص: 88

تحتوي على تسع آيات منسوخة:

الآية الأولى منها: قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ} إلى قوله: {يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا} (2 مدينة)، ثم نسخت بآية السيف.

الآية الثانية قوله تعالى: {فَاعْفُ عَنْهُمْ} ، نزلت في اليهود، ثم نسخت بقوله تعالى:{قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ} الآية، (29) التوبة.

الآية الثالثة قوله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} (33 المائدة)، نسخت بالاستثناء منها فيما بعدها، بقوله تعالى:{إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} ، فصارت ناسخة لها.

والآية الرابعة قوله تعالى: {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} الآية (42 المائدة) نسخت بقوله تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ} الآية (49 المائدة).

والآية الخامسة قوله تعالى: {مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ} الآية (99 المائدة) نسخها آية السيف.

والآية السادسة قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ} الآية (105 المائدة) نسخ آخرها أولها والناسخ منها قوله تعالى: {إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} والهدى ها هنا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وليس في كتاب الله آية جمعت الناسخ والمنسوخ إلا هذه.

والآية السابعة قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ} الآية (106 المائدة) أجاز الله تعالى شهادة الذميين على صفة في السفر ثم نسخ ذلك بقوله: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} (2/ الطلاق مدنية) وبطلت شهادة أهل الذمة في السفر والحضر.

والآية الثامنة قوله تعالى: {فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا} الآية (107 المائدة) نسخها الآية التي في الطلاق وهي قوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ

ص: 89

مِنْكُمْ} الآية (2 مدنية الطلاق).

والآية التاسعة قوله تعالى: {ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا} ، أي: على حقيقتها إلى قوله {أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ} وباقي الآية محكمة، نسخ ذلك من الآية بشهادة أهل الإسلام. انتهى.

والله أعلم

* * *

ص: 90

بسم الله الرحمن الرحيم

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ (1) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (2) حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (3)} .

المناسبة

قد مر لك قريبًا بيان وجه التناسب بين هذه السورة وبين السورة التي قبلها بأتم بيان، فراجعه.

أسباب النزول

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ

} الآية، سبب نزولها: ما أخرجه (1) ابن جرير عن عكرمة قال: قدم الحطم بن هند - واسمه شريح بن هند بن ضبعة البكري - المدينة في عير له، يحمل طعامًا، فباعه، ثم دخل على النبي صلى الله عليه وسلم فبايعه وأسلم، فلمّا ولى خارجًا .. نظر إليه النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لمن عنده:"لقد دخل علي بوجه وولى بقفا غادر"، فلمّا قدم اليمامة .. ارتد عن

(1) لباب النقول.

ص: 91