الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة ست عشرة وثمانمائة
في المحرم غلا الكتان جداً حتى بلغ الرطل منه ثلاثين درهما وغلا بسبب ذلك صنف القماش. وفيه ثار أهل حلب على يشبك بن أزدمر فقتل من الفريقين جماعة وانكسر يشبك وتوجه إلى نوروز بدمشق فكاتب أهل حلب دمرداش فدخل حلب وملكها.
وفيه مات الأمير تغري بردى نائب الشام إذ ذاك وكان من خيار الأمراء في العدل مع أنه كان كثير الإسراف على نفسه، وكان يحب العلماء والعلم ويعرف المسائل عديدة أتقنها مع التواضع، وهو من قدماء الأمراء، أمر رأس نوبة كبير في أيام الظاهر، ثم ولي نيابة حلب ثم ولي أتابك العساكر في أواخر دولة الناصر فرج.
وفي العشرين منه توجه قرقماش في عسكره ليأخذ الشام بزعمه، فلما بلغ ذلك أخاه تغري بردى فارق نوروز وتوجه إلى صفد وانتمى إلى المؤيد، ودخل قرقماش غزة فملكها، ووصل أخوه وقد قرره المؤيد في نيابة حماة. فسارا ومعهما الطنبغا العثماني بالعساكر، فبلغهم عود نوروز من حلب إلى دمشق فأقاموا بالرملة وكان نوروز قد توجه إلى حماة ليقاتل دمرداش ففر دمرداش إلى حلب، فتبعه نوروز وملك حلب وقرر في نيابتها طوخ وفي نيابة طرابلس قمش، ورجع إلى دمشق في أواخر صفر، فسار دمرداش إلى حلب بعد عوده فقاتله النوروزية، فدام الحصار إلى أن بلغ دمرداش أن العجل بن نعير وافى لنصرة نوروز، ففر دمرداش إلى العمق ثم إلى إعزاز وكان ما سنذكره بعد ذلك،
وتوجه نوروز إلى الرملة ففر قرقماش بمن معه إلى أن وصل الصالحية بطرف الرمل، فرجع نوروز إلى دمشق.
وفيه شدد على صدر الدين بن العجمي في بقية المال الذي تأخر عليه، فباع موجوده وأورد نحو ثلاثمائة دينار وعجز عن الباقي، ثم قرر في نظر المواريث على أن يحمل ما يتحصل منه إلى الخزانة، ثم صرف في شعبان وأضيف ذلك إلى مرجان، ثم قرر في مشيخة التربة الظاهرية، وصرف عنها زين الدين حاجي فقيه في سادس رجب ثم صرف مرجان وأعيد النظر لصدر الدين في أواخر شوال.
وفيه فشا الطاعون بمصر وكان أكثره في الأطفال، وكان الحر أزيد من العادة فبلغ من يموت كل يوم مائة نفس.
وفيه ثار بالمؤيد وجع المفاصل في رجليه، فلم يزل بتعاهده إلى آخر عمره.
وفي صفر تزايد الطاعون فبلغ الموتى في كل يوم مائة وعشرين وعز البطيخ الصيفي حتى بيعت الواحدة بخمسمائة درهم.
وفي رابع عشر المحرم نقل فتح الله من بيت ناظر الخاص لي وتاج الوالي فأنزله بدار، فأقام بها وحيداً فريدا يقاسي ألم العقوبة ويترقب الموت، فلما كان في ثاني شهر ربيع الأول منع خدمه من الدخول، ثم خنق في ليلة السادس منه، وأخرج من الغد فدفن بتربته، ولم يجسر أحد على تشييع جنازته، وكان في يوم الجمعة قد توجه قاضي الحنفية صدر الدين ابن الأدمي وهو من أعظم المولبين عليه فأشهد عليه أنه رجع عن وقفه وصيره موقوفاً على أولاد المؤيد وذريته وأثبت ذلك وحكم به، فقدر الله تعالى أنه أعيد إلى شرطه الأول بعد تسعة عوام سواء في ربيع الأول سنة خمس وعشرين وحكم بإبطال ما حكم به صدر الدين المذكور، ولم يمهل صدر الدين هذا حتى أخذه الله قريباً.
وفي سادس ربيع الأول وقع الحريق بالقلعة فعظم أمره واستمر إلى تاسعه.
وفي سابع ربيع الآخر سجن الأمير قصروه بالإسكندرية؛ وسط فارس المحمودي تحت القلعة وكان نم على طوغان أنه يريد الوثوب على المملكة، فحاققه طوغان فأنكر فقتله السلطان.
وفي ثامن عشر ربيع الآخر استقر شهاب الدين الأموي المغربي في قضاء المالكية بالقاهرة وعزل شمس الدين المدني.
وفي رابع عشري ربيع الأول قتل العجل بن نعير أمير العرب من آل فضل، وذلك أنه حضر لنصر النوروزية، وكان طوخ بعث عسكراً إلى سرمين وبها دوادار دمرداش فكسره فثار عليهم مأسر منهم كثيراً فسجن دمرداش منهم طائفة وخدع طائفة وقتل أخرى، فركب طوخ وقمش إلى تل السلطان فالتقيا بالعجل فسألاه أن يوافقهما لحرب دمرداش فأجاب إلى ذلك، فرحلا بالعسكر وتأخر العجل، فبلغهما أنه اتفق مع دمرداش فأجاب إلى ذلك، فرحلا بالعسكر وتأخر العجل، فبلغهما أنه اتفق مع دمرداش فاستعدا له، فلما ركب أرسلا في ضيافة فحضر، فثار به جماعة منهم فقتلوه ورحلوا إلى حلب وكتبوا إلى نوروز في طلب النجدة، فجمع حسين بن نعير العرب وجاء إلى دمرداش، فحضروا جميعاً إلى حلب وحصروها وتحصن طوخ وقمش بالقلعة، فلم يثبت دمرداش ورجع.
وفي ربيع الأول ظهر الخارجي الذي ادعى أنه السفياني وهو رجل عجلوني يسمى عثمان اشتغل بالفقه قليلاً بدمشق ثم قدم عجلون فنزل بقرية الجيدور ودعا إلى نفسه، فأجابه بعض الناس فأقطع الإقطاعات ونادى أن مغل هذا السنة مسامحة ولا يؤخذ من أهل الزراعة بعد هذه السنة التي سومح بها سوى العشر، فاجتمع عليه خلق كثير من عرب وعشير وترك، وعمل له ألوية خضراء وسار إلى وادي إلياس وبث
كتبه إلى النواحي ترجمتها بعد البسملة: السفياني إلى حضرة فلان أن يجمع فرسان هذه الدولة السلطانية الملكية الإمامية الأعظمية الربانية المحمدية السفيانية ويحضر بخيله ورجاله مهاجراً إلى الله ورسوله ومقاتلاً في سبيل الله لتكون كلمة الله هي العليا. فثار عليه في أول ربيع الآخر غانم الغزاوي وجهز طائفة فطرقوه وهو بالجامع بعجلون فقاتلهم، فقبضوا عليه وعلى ثلاثة من أصحابه، فاعتقل الأربعة وكتب إلى المؤيد بخبره، فأرسلهم إلى قلعة صرخد.
وفي خامس ربيع الآخر قبض على الوزير وناظر الخاص، وقرر في نظر الخاص بدر الدين بن نصر الله عوضاً عن ابن أبي شاكر، وقرر في نظر الجيش علم الدين ابن الكوير عوضاً عن ابن نصر الله، وقرر تاج الدين ابن الهيصم في الوزارة عوضاً عن البشيري وصودر البشيري وابن أبي شاكر على مال كثير، فأما الوزير فتسلمه ابن الهيصم ثم تسلمه الأستادار وصولح على مال كثير وشرع في تحصيله، وأما ابن أبي شاكر فعوقب بين يدي المؤيد ثم أطلقه وتقرر عليه مال يحمله، فباع موجوده واقترض ثم صار يطلب بالأوراق حتى سد ما طلب منه فلما كان في تاسع عشري رجب خلع عليه واستقر أستادار الذخيرة، وبدر الدين هذا هو حسن بن نصر الله بن حسن أصله عن فوة، وذكر أن جده
كان خطيب أدكو وأن أباه ولد بفوة وتعانى المباشرة وتعلم الحساب، وولد له ابنه حسن هذا في ربيع الآخر سنة ست وستين ونشأ بفوة، وتنقل في المباشرات بها ثم بالإسكندرية، ثم استقر في نظر الخاص بالقاهرة عوضاً عن ابن البقري في جمادى الأولى سنة ست وثمانمائة واستمر بالقاهرة، ثم ولى الوزارة في شوال منها، ثم عزل عن نظر الخاص في سنة سبع وثمانمائة بالفخر ابن غراب، ثم صرف عن الوزارة في جمادى الأولى منها، ثم استقر في نظر الجيش عوضاً عن علم الدين الذي يقال له أبوكم في جمادى الآخرة منها، ثم أضيف الخاص والوزارة في شعبان ثم صرف عن الوزارة في رمضان وعن نظر الخاص في صفر سنة ثمان، ثم صرف عن الوزارة في رمضان وعن نظر الخاص في صفر سنة ثمان واستمر في نظر الجيش إلى أن عزل عنها هذه السنة، واستقر في نظر الخاص على أن عزل عنها في آخر دولة المؤيد وولي الأستادارية ثم صرف عنها بعد ذلك، ثم انقطع عنها في منزله في دولة الأشرف إلى أن ولي كتابة السر بعد موت ولده صلاح الدين وذلك في ذي القعدة سنة إحدى وأربعين، ثم صرف في ربيع الآخر سنة 42 واستمر في منزله مقيماً. وفي حادي عشر ربيع الآخر ضرب محمد بن شعبان المحتسب أكثر من ثلاثمائة عصي بين يدي المؤيد، وأشهد عليه أنه لا يسعى في الحسبة، وأضيفت الحسبة إلى صدر الدين ابن الأدمي - وهو أول من جمع بين القضاء والحسبة - ثم صرف في العشرين منه وقرر منكلي بغا الحاجب - وهو أول تركي ولي الحسبة فيما نعلم،
وفيه وصل الطنبغا العثماني وجانبك الصوفي إلى القاهرة، استمر قرقماش وتغرى بردى بقطيا، واستقر جانبك رأس نوبة عوضاً عن سودون الأشقر وسودون الأشقر أمير مجلس.
وفي جمادى الأولى أراد طوغان الوثوب على الملك، فوشى به إلى المؤيد فاحترز منه، فلما كان ليلة السادس عشر من الشهر كان طوغان قد واعد من اتفق معه إلى الحضور فمضى عامة الليل ولم يحضر أحد فلما قرب الفجر هرب في مملوكين فاختفى بمصر - عند ابن بنت الملكي كاتب الجيش وكان قد تزوج ابنته، وجرى عليه منه ما لا خير فيه، فإنه زعم أنه وجدها ثيبا فأغرم والدها مالاً كثيراً، فلما نزل ما أمكنه رده بل آواه، ثم تخيل في الإعلام به، فأصبح المؤيد فعرف بذلك فأمر بالنداء بالأمان، فلما كان ليلة الجمعة وشى بطوغان، فأخذ مكانه وأرسل إلى الإسكندرية مقيداً، فبقي معتقلاً إلى المحرم ثماني عشرة فمات في الحبس.
وفي الحادي والعشرين منه قبض على جماعة ممن كان اتفق مع طوغان منهم سودون الأشقر وكمشبغا العنساوي، فتوجه بهما برسباي إلى الإسكندرية ومعهما مغلباي وثلاثة معه ووسطوا، واستقر قجق حاجباً بدلاً عن الصصلائي، واستقر الصصلائي أمير مجلس عوضاً عن سودون، وكان ممن اتهم بممالأة طوغان شاهين الأفرم، فخلع عليه خلعة رضا وبرئت ساحته، واستقر جانبك المؤيدي دوادارا كبيراً وكان ثاني الدويدارية.
وفي سلخ جمادى الآخرة صرف ابن محب الدين عن الأستادارية واستقر فخر الدين ابن أبي الفرج وأضيف الكشف، واستقر ابن محب الدين مشير الدولة ولقب من يومئذ المشير حتى صار لا يعرف إذا ذكر إلا بها مدة طويلة.
وفي رجب تزوج إبراهيم بن المؤيد بنت الناصر التي كانت زوج بكتمر جلق، ودخل بها فوجدها بكراً وعمل له مهم كبير، وفيه عزل قرقماش عن نيابة الشام وقرر في نيابة صفد عوضاً عن الطنبغا القرمشي وأحضر القرمشي إلى القاهرة، وهرب قطلو أتابك الشام من نوروز إلى القاهرة، فأكرمه المؤيد وأمره تقدمة، وقرر تغرى بردى أخو قرقماش في نيابة غزة عوضاً عن الطنبغا العثماني.
وفي نصف رجب خرج نوروز إلى صفد فرحل قرقماش إلى الرملة ثم وصل إلى القاهرة، فأكرمه المؤيد وأقام أخوه بقطية، وكان من شأنهما وعادتهما أن لا يجتمعا بموضع واحد بل يكون أحدهما غائباً فإذا قبض على أخيه سعى هو في تخليصه.
فلما كان يوم السبت أول يوم من رمضان قدم دمرداش عمهما فأجل المؤيد مقدمه وخلع عليه، وكان قد تحير في أمره بعد هزيمته من حلب فأشار عليه أكبر أصحابه أن يتوجه إلى نوروز، وكان بعث ذهباً كثيراً والتمس منه أن يحضر، فلم يوافقهم لأجل حضور أجله، فركب في البحر إلى أن وصل إلى دمياط، ثم استأذن على المجيء إلى القاهرة فأذن له، فوصل فأكرمه المؤيد، وأرسل سابع رجب عسكراً مقدمهم قجقار القردمي وأظهر أنهم يريدون كبس عرب أكثر فيها أهل الفساد، وأسر م القبض على تغري بردى من قطيا، ثم استدعى دمرداش وابن أخيه قرقماش وجمع الأمراء في ليلة السبت ثامنه فأفطروا عنده، فلما انقضى السماط أمر بالقبض عليهما وبعثهما من ليلته إلى الإسكندرية، ثم قدم قجقار ومن معه وصحبتهم تغري بردى في العاشر منه فسجن بقلعة الجبل
ثم قتل، وسكن كثير من الفتن بعد قتل هؤلاء الثلاثة، وكان دمرداش من قدماء الأمراء في هذا الوقت، أمر في زمن الظاهر وناب في عدة من البلاد وكان فصيحاً، وله في قلعة حلب آثار حسنة من الإصلاح بعد التخريب الذي وقع من اللنكية، وكان حسن الفهم قد جرب الأمور وحنكته التجارب، وكان من رجال العالم إلا أنه لم يكن ميمون النقيبة، وقد مضى كثير من أحواله في الحوادث.
وفيه - أعنى شهر رجب في أواخره - ثار بالناس السعال والنزلات والحميات وغيرها من الأمراض ولكنها كانت سليمة، وكذلك بدمشق، وغلا لذلك سعر السكر النبات حتى عز وجوده وكذا الزيت الحلو، وكان الطاعون ببلاد الروم وامتد إلى حلب وحماة.
وفي عاشر رمضان قرر ناصر الدين ابن العديم في قضاء الحنفية عوضاً عن صدر الدين ابن الآدمي بحكم موته.
وفي ثالث عشرة قرر قانباي في نيابة الشام، واستقر الطنبغا العثماني في وظيفة أمير أخور، وقرر إينال الصصلائي في نيابة حلب وسودون قراصقل في نيابة غزة.
وفي ثامن شوال قرر بدر الدين ابن محب الدين في نيابة الإسكندرية عوضاً عن خليل الدشاري وصرف من المشورة.
وفي ذي القعدة توجه السلطان إلى الربيع، فألزم التاج الوالي من بالقاهرة من ود والنصارى بحمل الخمور، فوزعت على الأسارى وغيرهم وكانت قضية فاحشة جداً،
ورجع السلطان من السرحة في حادي عشري ذي القعدة، وفيه أرسل بعض الجيش والعسكر وفيهم نائب حلب إينال الصصلائي ونائب الشام قانباي ونائب حماة تاني بك البجاسي ونائب طرابلس سودون بن عبد الرحمن وطرباي نائب غزة ومعهم جمع كثير.
وفي سابع عشر ذي الحجة خلع المستعين من الخلافة وكانت مستمرة باسمه من يوم عزل من السلطنة، فلما عزم المؤيد إلى الشام طلب داود بن المتوكل بحضرة القضاة فألبس داود خلعة سوداء وأجلسه بينه وبين القاضي الشافعي البلقيني وقرره في الخلافة عوضاً عن أخيه المستعين ولقبه المعتضد، وفي هذا الشهر قرر شمس الدين ابن التباني في قضاء الحنفية بدمشق، وأنفق على المماليك السلطانية لكل نفر مائة دينار ناصرية.
وفي السابع والعشرين منه نصب الخيام السلطاني بالريدانية، وضرب الوزير تاج الدين ابن الهيصم بالإصطبل السلطاني وطيف به على جمل في الإصطبل منكسا على أن كان يهلك، ثم خلع عليه خلعة الرضا، قدم فخر الدين الأستادار من الصعيد وقد أباد أهله، وصحبته من العبيد والإماء والذهب والحلى والسلاح والغلال ما يفوق الوصف وشرع في رمى الاصناف التي أحضرها فعظم البلاء به إلا أنه على أهل الريف أكثر منه على أهل البلد، وفيها في جمادى الآخرة دخل الشريف رميثة بن محمد بن عجلان مكة في جمع من أصحابه فأقاموا بها إلى الظهر ولم يحدث شرا، فدخل عمه عقبة حسن بن عجلان في عسكره فاطمأن الناس، وفيها مات من الأكابر عمر بن السلطان الملك المؤيد وله عشر سنين أو دونها،