الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر من مات
في سنة تسع عشرة وثمانمائة من الأعيان
.
أحمد بن أبي أحمد الصفدي شهاب الدين، الشامي نزيل القاهرة، كان قد قدم في التوقيع عند الملك المؤيد حيث كان نائباً، ثم قدم معه القاهرة وظن أنه يلي كتابة السر، فاختص القاضي ناصر الدين البارزي بالسلطان وكان يكره الصفدي لطرش فيه، فأراد الإحسان وجبر خاطره فقرره في نظر المارستان، ونظر الأحباس، فباشرهما حتى مات في ربيع الأول ولم يكن محموداً، وقرر عوضه في المارستان تقي الدين يحيى بن الشيخ شمس الدين الكرماني، وفي نظر الأحباس بدر الدين محمود العيني.
أحمد بن رمضان التركماني الأجقي صاحب أذنة وسيس وإياس وغيرها، ولي الإمرة من قبل الثمانين، واستمر يشاقق العسكر الشامي تارة ويصالحوه أخرى، وتجردوا أول مرة سنة ثمانين فكان ما ذكر في الحوادث، وتجهزوا ثاني مرة سنة خمس وثمانين، فكسر أمير عسكره إبراهيم أخوه، فلما كانت الفتنة العظمى ورجع اللنك إلى العراق استقرت قدم أحمد هذا، ولم يزل في ذلك إلى أن مات في أواخر هذا السنة، وكان شيخاً كبيراً مهيباً شهماً، وهو الذي تزوج الناصر ابنته، وكانت له اليد البيضاء في طرد العرب عن حلب في ذي الحجة سنة ثلاث وثمانمائة. كما تقدم.
أحمد بن عبد الله، الذهبي، اشتغل قليلاً وحفظ المنهاج، ثم صحب الشيخ
قطب الدين وغيره، وسافر بعد اللنك إلى القاهرة فعظم بها، وسافر معه أكابر الأمراء في الاعتناء بعمارة الجامع الأموي والبلد، وحصل له إقبال كبير، ثم عاد إلى مصر في أول الدولة المؤيدية، ثم توجه رسولاً إلى صاحب اليمن وحصلت له دنيا، ثم عاد فمات في جمادى الأولى.
أحمد بن عبد الرحمن بن عبد الناصر، الزبيري شهاب الدين بن القاضي تقي الدين الزبيري، أحد موقعي الحكم، كان قد مهر في صناعته وحصل فيها مالاً جزيلاً وورثه أخوه علاء الدين. وكان شهاب الدين شديد الإمساك وأخوه شديد الإتلاف فوسع الله بموت الشهاب على علاء الدين، ويقال إنه ورث منه نحو ألفي دينار غير البيوت، مات في نصف ذي الحجة.
أحمد بن علي بن محمد بن محمد بن عبد الرحمن، الفاسي ثم المكي المالكي الحسني شهاب الدين، والد قاضي المالكية بمكة تقي الدين، ولد سنة أربع وخمسين وسبعمائة وعني بالعلم فمهر في عدة فنون خصوصاً الأدب، وقال الشعر الرائق، وفاق في معرفة الوثائق، ودرس وأفتى وحدث قليلاً سمع من عز الدين ابن جماعة وأبي البقاء السبكي وغيرهما، وأجاز لي، وباشر شهادة الحرم نحواً من خمسين سنة، ومات في حادي عشري شوال.
أحمد بن عمر بن قطينة - بالقاف والنون مصغر باشر شد الخاص ثم تنقلت به الأحوال إلى أن ولي الوزارة في سنة اثنتين وثمانمائة فلم ترسخ فيها قدمه بل أقام جمعة واحدة وعزل، وتنقلت به الأحوال إلى أن مات في آخر المحرم.
أحمد بن أبي أحمد بن محمد بن سليمان، المصري المعروف بالزاهد، انقطع في بعض الأمكنة فاشتهر بالصلاح، ثم صار يتتبع المساجد المهجورة فيبني بعضها ويستعين بنقض البعض في البعض، ثم أنشأ جامعاً بالمقس وصار يعظ الناس خصوصاً النساء، ونقموا عليه فتواه برأيه من غير نظر، جيد في العلم مع سلامة الباطن والعبادة، مات في رابع عشري ربيع الأول.
أحمد بن القاضي، أصيل الدين محمد بن عثمان، الاشليمي شهاب الدين، ناب في الحكم، ومات في صفر مطعوناً.
أحمد بن محمد بن نشوان بن محمد بن نشوان بن محمد بن أحمد، الحوراني ثم الدمشقي الشافعي، ولد سنة سبع وخمسين وسبعمائة، واشتغل بالعلم ومهر في الفقه
واشتهر بالفضل، وناب في الحكم بدمشق وأفتى ودرس.
وكان أول أمره أقرأ أولاد الزهري فحصل معهما عن مشايخ ذلك العصر إلى أن مهر فظهر فضله، وأذن له البلقيني في الإفتاء سنة ثلاث وتسعين، وجلس للاشتغال وأفتى، وحمدت فتاويه مع وفور عقله وحسن تأنيه وإنصافه في البحث وحسن محاضرته، ومات في جمادى الأولى.
أحمد بن محمد المرتقي أحد فضلاء الحنابلة، ناب في الحكم واشتغل كثيراً، وكان خيراً صالحاً. مات في العشرين من ذي القعدة.
أحمد بن يوسف بن عبد الرحمن، اليمني المعروف بابن الأهدل، أحد من يعتقده الناس باليمن، جاور بمكة زماناً، وهو من بيت صلاح وعلم، مات في سادس عشر ذي الحجة.
أرغون الرومي، ولى نيابة الغيبة للناصر فرج، وكان يرجع إلى دين وخير، مات في ذي القعدة بالقدس بطالا.
أبو بكر بن عثمان بن محمد الجيتي - بكسر الجيم وسكن التحتانية بعدة مثناة - الحموي الحنفي، أحد فضلاء أهل حماة، عارف بالعربية، حسن المحاضرة، قدم صحبة علاء الدين بن مغلي من حماة فنزل على كاتب السر ابن - البارزي فأكرمه وأحضره مجلس السلطان وولاه قضاء العسكر وغيره، مات في الطاعون في آخر ربيع الأول.
تاني بك الجركسي مشد الشربخاناة، تنقل في الخدم إلى أن ولي إمرة الحج في سنة ثماني عشرة، وقدم في أول هذه السنة وهو ضعيف، وقد شكر الناس سيرته، فمات في صفر.
ظهيرة بن حسين بن علي بن أحمد بن عطية بن ظهيرة، المخزومي المكي أبو أحمد، سمع على عز الدين بن جماعة وغيره، وأجاز له القلانسي ونحوه، مات في صفر وقد جاوز السبعين بمكة.
عائشة بنت أنس الجركسية أخت الملك الظاهر، وكانت في السن قرية منه وعاشت بعده دهراً وقد أسنت، وهي والدة بيبرس الذي ولي أتابكية العسكر وغير ذلك من الوظائف، ماتت في ذي القعدة.
عبد الرحمن بن سليمان بن عبد الرحمن بن محمد بن سليمان بن حمزة، المقدسي الحنبلي، من بيت كبير ولد في ذي الحجة سنة إحدى وأربعين، وسمع من عبد الرحمن بن إبراهيم بن علي بن بقا - الملقن وأحمد ابن عبد الحميد بن عبد الهادي وغيرهما وحدث، مات بالصالحية.
عبد الرحمن بن محمد بن علي بن عبد الواحد بن يوسف بن عبد الرحيم، الدكالي الأصل ثم المصري أبو هريرة بن النقاش، ولد في رابع عشر ذي الحجة سنة سبع وأربعين، وسبعمائة بالقاهرة، واشتغل بالعلم ودرس بعد وفاة أبيه وله بضع عشرة سنة، وسمع من محمد بن إسماعيل الأيوبي والقلانسي والبياني وغيرهم، واشتهر بصدق اللهجة وجودة الرأي وحسن التذكير والأمر بالمعروف مع الصرامة والصدع بالوعظ في خطبته وقصصه، وصارت له وجاهة عند الخاصة والعامة، وانتزع خطابه جامع ابن طولون من ابن بهاء الدين السبكي فاستمرت بيده، وكان يقتصد في ملبسه مفضالا على المساكين كثير الإقامة في منزله مقبلاً على شأنه عارفاً بأمر دينه ودنياه يتكسب من الزراعة وغيرها، ويبر أصحابه مع المحبة التامة في الحديث وأهله، وله حكايات مع
أهل الظلم، وامتحن مراراً ولكن ينجو سريعاً بعون الله، وقد حج مراراً وجاور، وكانت بيننا مودة تامة؛ مات في ليلة الحادي عشر من ذي الحجة، ودفن عند باب القرافة، وكان الجمع في جنازته حافلاً جداً فرحمه الله تعالى.
عبد الرحمن بن يوسف الكردي الدمشقي الشافعي زين الدين، حفظ التنبيه في صباه، وقرأ على الشرف بن الشربشي، ثم تعاني عمل المواعيد فنفق سوقه فيها، واستمر على ذلك أكثر من أربعين سنة وصار علي ذهنه من التفسير والحديث وأسماء الرجال شيء كثير، وكان رائجاً عند العامة مع الديانة وكثرة التلاوة، وكان ولي قضاء بعلبك ثم طرابلس، ثم ترك واقتصر على عمل المواعيد بدمشق، وقدم مصر وجرت له محنة مع القاضي جلال الدين البلقيني، ثم رضي عليه وألبسه ثوباً من ملابسه واعتذر له فرجع إلى بلده، وكان يعاب بأنه قليل البضاعة في الفقه ولا يسأل مع ذلك عن شيء إلا بادر بالجواب، وحفظ ترجيح كون المولد النبوي كان في رمضان لقول ابن إسحاق إنه نبئ على رأس الأربعين، فخالف الجمهور في ترجيح ذلك، وله أشياء كثير من التنطعات، ولم يزل بينه وبين الفقهاء منافرة، ويقال إنه يرى بحل المتعة على طريقة ابن القيم وذويه؛ ومات مطعوناً في شهر ربيع الآخر وهو في عشر السبعين.
عبد الكريم بن إبراهيم بن أحمد، الحنبلي الكتبي كان من خيار الناس في فنه، وكان للطلبة به نفع، فإنه كان يشتري الكتب الكثيرة وخصوصاً العتيقة ويبيع
لمن رام منه الشراء من الطلبة برأس ماله أو بفائدة بعينها ويشترط له أنه متى رام بيع ذلك الكتاب يدفع له رأس ماله، فكان الطالب ينتفع بذلك الكتاب دهراً ثم يأتي به إلى السوق فينادي عليه، فإن تجاوز الثمن الذي اشتراه باعه، وإن قصر عنه أحضره فاشتراه منه برأس ماله ولا يخرم معهم في ذلك وكان الناصر فرج ولاه الحسبة على الصلاة، فكان يلزم الناس بالصلاة وتعليم الفاتحة وجرت له في ذلك خطوب يطول ذكرها وكان مأذوناً له في الحكم لكن لا يتصدى لذلك ولا يحكم إلا في النادر وله ورد وقيام في الليل؛ مات في حادي عشر ذي القعدة.
عبد الوهاب بن عبد الله ويدعى ماجد بن موسى بن أبي شاكر أحمد ابن أبي الفرج بن إبراهيم بن سعيد الدولة القبطي الوزير تقي الدين بن فخر الدين بن تاج الدين بن علم الدين، يعرف بالنسبة لجده فيقال له ولكل من آل بيته: ابن أبي شاكر، ولد سنة سبعين أو في التي بعدها ونشأ في حجر السعادة وتنقل في المباشرات إلى أن باشر نظر الديوان المفرد في آخر الدولة الظاهرية واستمر بيده إلى أن مات، وباشر استادارية الأملاك والذخائر والمشاجرات والأوقاف وعظم عن الناصر بحسن مباشرته، ثم ولي نظر الخاص بعد موت مجد الدين بن الهيصم ثم قبض عليه في جمادى الأولى سنة ست عشرة وصودر على أربعين ألف دينار باع فيها موجوده وبقي في الترسيم بشباك الظاهرية الجديدة يستجدي من كل من يمر به من الأعيان حتى حصل مالاً له صورة، وأفرج عنه وأعيد إلى مباشرة الذخيرة والأملاك، ثم قرر في الوزارة بعد صرف تاج الدين ابن الهيصم فباشرها مباشرة حسنة وشكره الناس كلهم، فلم تطل مدته حتى مات بعد تسعة أشهر من وزارته في حادي عشر شوال أو ذي القعدة
- وكان بعيداً عن النصارى ومتزوجاً من غيرهم، وهي علامة حسن إسلام القبطي، وكان يكثر فعل الخير والصدقة مع الانهماك في اللذة، وحدث في وزارته الوباء فلم يشاحح أحداً في وراثة وكثر الدعاء له، وكان عارفاً بالمباشرة ويحب أهل العلم، وكان شديد الوطأة على العامة إلا أنه باشر الوزارة برفق لم يعهد مثله، وكان موصوفاً بالدهاء وجودة الكتابة.
عبد الوهاب بن محمد بن أحمد بن أبي بكر، الحنفي القاضي أمين الدين بن القاضي شمس الدين الطرابلسي نزيل القاهرة، ولد سنة 774 واشتغل في حياة أبيه وولي القضاء مستقلاً بعد موت الملطي فباشره بعفة ومهابة، وكان مشكور السيرة إلا أنه كان متعصباً لمذهبه مع إظهار محبة للآثار عارياً من أكثر الفنون إلا استحضار شيء يسير من الفقه، وقد عزل عن القضاء بكمال الدين ابن العديم، ولزم منزله مدة طويلة، ثم تنبه بصحبة جمال الدين فتقرر بعنايته في القضاء ومشيخة الشيخونية، ثم زال ذلك عنه في الدولة المؤيدية، وانتزعت من أخي وظيفة إفتاء دار العدل فقررت لابن سفري ثم لابن الجيتي، واستمر أمين الدين خاملاً حتى مات بالطاعون في خامس عشري ربيع الأول.
ومن العجائب أن ناصر الدين بن العديم أوصى في مرض موته بمبلغ كثير يصرف لتقي الدين ابن الجيتي الحنفي ليسعى به في قضاء الحنفية لئلا يليه ابن الطرابلسي قبل موت ابن العديم وكذلك ابن الجيتي.
علي بن الحسين بن علي بن سلامة، الدمشقي تفقه على الشيخ عماد الدين الحسباني وغيره، وكانت له مشاركة في الأدب ونظم الشعر الوسط، ودرس في دمشق، ومات سنة 829.
علي بن عيسى بن محمد، علاء الدين أبو الحسن بن أبي مهدي، الفهري البسطي، اشتغل ببلاده ثم حج ودخل الشام ونزل بحلب على قاضيها الجمال النحريري، وقرأ بحلب التسهيل وعمل المواعيد بالجامع - وكان يذكر في المجلس نحو سبعمائة سطر يرتبها أولاً ثم يلقيها ويطرزها بفوائد ومناسبات، ثم رحل إلى الروم وعظم قدره ببرصا، وكان فاضلاً ذكياً أديباً يعمل المواعيد بالجامع فذكر لي - الشيخ برهان الدين المحدث أنه كان يرتبه يوم الأربعاء فيبلغ سبعمائة سطر وينظره يوم الخميس ويلقيه يوم الجمعة سرداً، وذكر لي - أنه أنشده لابن الحباب الغرناطي اللغز المشهور في السمك.
كتبتم رموزاً ولم تكتبوا
…
كهذا الذي سبيله واضحه
قال: وأنشدني عنه أناشيد ثم دخل الروم فسكنها وحصل له ثروة، ثم دخل القرم وكثر ماله، واستمر هناك إلى أن مات في هذا السنة.
علي بن محمد بن علي بن الحسن بن حمزة بن محمد بن ناصر، الحسيني أبو الحسن، والد المحدث الشهير الشريف شمس الدين، مات أبوه سنة خمس وستين وسبعمائة وهو صغير فحفظ القرآن والتنبيه وقرأ على ابن السلار وابن اللبان ومهر في ذلك حتى صار شيخ الإقراء بالقرمية. وكتب الخط المنسوب، وجلس مع الشهود مدة ووقع وكان عين البلد في ذلك، وولي نقابة الأشراف مدة يسيرة، وولي نظر الأوصياء أيضاً؛ مات في شوال.
غانم بن محمد بن محمد بن يحيى بن سالم، جلال الدين الخشبي - بمعجمتين مفتوحتين ثم موحدة - المدني الحنفي، ولد سنة إحدى وأربعين وسبعمائة وسمع متأخراً من ابن أميلة وغيره بدمشق، سمعت منه يسيراً، وكان له اشتغال ونباهة في العلم ثم خمل وانقطع بالقاهرة، ومات بالطاعون.
قمارى كان أمير الركب الأول، فمات متوجهاً إلى الحج في شوال وكان شاد الزردخاناه.
محمد بن أحمد بن أبي بكر البيري ابن الحداد، أخذ عن أبي جعفر وأبي عبد الله الأندلسيين، وتمهر في العربية، وكان يحفظ المنهاج، وكان يستحضر أشياء حسنة، وحدث عن شرف الدين ابن قاضي الجبل وغيره.
مات بالبيرة في هذه السنة، أرخه البرهان المحدث الحلبي.
محمد بن أحمد بن عثمان بن عمر، التونسي المالكي المعروف بالوانوغي أبو عبد الله - بتشديد النون المضمومة وسكون الواو بعدها معجمة، ولد سنة تسع وخمسين، وسمع من أبي الحسن البطرني وأبي عبد الله بن عرفة ولازمه في الفقه وغيره، وعني بالعلم وبرع في الفنون مع الذكاء المفرط وقوة الفهم وحسن الإيراد وكثرة النوادر المستظرفة، والشعر وكان كثير الوقيعة في أعيان المتقدمين وعلماء العصر وشيوخهم شديد الإعجاب بنفسه والازدراء بمعاصريه، فلهجوا بذمة وتتبعوا أغلاطه في فتاويه، أقام بمكة مجاوراً ثم بالمدينة دهراً مقبلاً على الاشتغال والتدريس والتصنيف والإفتاء والإفادة، وجرت له بها محن وكان قد اتسعت دنياه، اجتمعت به المدينة ثم بمكة وسمعت من فوائده؛ مات في سابع عشر ربيع الآخر بمكة، وله أسئلة مشكلة كتبها للقاضي جلال الدين البلقيني فأجابه عنها وكان هو قد بعث بنقض الأجوبة.
محمد بن إسماعيل بن علوان، الزبيدي - بفتح الزاي - ثم المهجمي، ولي قضاء المهجم مدة، وكان نبيهاً مشكور السيرة.
محمد بن أيوب بن سعيد بن علوي، الحسباني الأصل الدمشقي الشافعي، ولد
سنة بضع وسبعين، واشتغل وحفظ المنهاج في الفقه والمحرر لابن الهادي وغيرهما، وأخذ عن الزهري والشريشي والصرخدي وغيرهم، ولازم الملكاوي حتى قرأ عليه أكثر المنهاج، ومهر في علم الفقه وفي الحديث، وجلس للاشتغال بالجامع والنفع إلى الطلبة، وكان قليل الغيبة والحسد بل حلف أنه ما حسد أحد، مات مطعوناً في ربيع الآخر وقد تقدم ذكر والده قريباً.
محمد بن أبي بكر بن عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم بن سعد الله ابن جماعة عز الدين ابن شرف الدين بن عز الدين بن بدر الدين، ولد سنة سبع وأربعين وسبعمائة بمدينة ينبع، وسمع من القلانسي والعرضي والبياني وجده وغيرهم، وأحضر علي الميدومي، وأجاز له جماعة من الشاميين والمصريين بعناية الشيخ زين الدين العراقي، ونشأ مشتغلاً بالعلم، ومال إلى المعقول فاتقنه حتى صار أمة وحده وبقيت طلبة البلد كلها عيالاً عليه في ذلك، وصنف التصانيف الكثيرة المنتشرة وقد جمعها في جزء مفرد، وضاع أكثرها بأيدي الطلبة والموجود فيها التصنيف الأول من حاشية العضد وشرح جميع الجوامع، وقد أخذت عنه هذين الكتابين، وله على كل كتاب أقرأه مع أنه كاد أن يقرئ جميع هذه المختصرات التصنيف والتصنيفان، والثلاثة ما بين حاشية ونكت وشرح، وكان أعجوبة دهره في حسن التقرير، ولم يرزق ملكة في الاختصار ولا سعادة في حسن التصنيف بل بين لسانه وقلمه كما بينه هو وآحاد طلبته، وكان ينظم شعراً عجيباً غالبه غير موزون ويخفيه كثيراً إلا عمن يختص به ممن لا يدري الوزن، وأقرأ التنبيه والوسيط وأقرأ شرح الألفية لولد المصنف وكتب عليه تصنيفا وأقرأ التسهيل وأقرأ الكشاف والمطول لسعد الدين وكتب عليه شيئاً سماه المعول والشرح
الصغير لسعد الدين أيضاً وكتب عليه شيئاً وسماه سبك النضير في حواشي الشرح الصغير، ونظر في كل فن حتى في الأشياء الصناعية كلعب الرمح ورمي النشاب وضرب السيف والنفط حتى الشعوذة حتى في علم الحرف والرمل والنجوم ومهر في الزيج وفنون الطب، وكان من العلوم بحيث يقضي له في كل فن بالجميع هذا مع الانجماع عن بني الدنيا وترك التعرض للمناصب، وقد نفق في سوق الدولة المؤيدية وكارمه السلطان عدة مرار بجملة من الذهب ومع ذلك كان يمتنع من الاجتماع به ويفر إذا عرض عليه ذلك وحضر معنا المجلس المعقود للهروي في السنة الماضية فلم يتكلم في جميع النهار كله مع التفاتهم واستدعائهم منه الكلام حتى سأله السلطان في ذلك المجلس عن تصنيفه في لعب الرمح فجحد أن يكون صنف شيئاً، وكان يبر أصحابه ويساويهم في الجلوس ويبالغ في إكرامهم، وكان لا يتصون عن مواضع النزه والمقترحات، ويمشي بين العوام ويقف على حلق المنافقين ونحوهم، ولم يتزوج فيما علمت بل كانت عنده زوجة أبيه فكانت تقوم بأمر بيته ويبرها ويحسن إليها، ولم يتفق له أن يحج مع حرص أصحابه له على ذلك، وكان يعاب بالتزي بزي العجم من طول الشارب وعدم السواك حتى سقطت أسنانه، وبلغني أنه كان يديم الطهارة فلا يحدث إلا توضأ، ولا يترك أحد يستغيب عنده أحد، هذا مع ما هو فيه من محبة الفكاهة والمزاح واستحسان النادرة، لازمته من سنة تسعين إلى أن مات، وكان يودني كثيراً ويشهد لي في غيبتي بالتقدم ويتأدب معي إلى الغاية مع مبالغتي في تعظيمه حتى كنت لا أسميه في غيبته إلا إمام الأئمة، وقد أقبل في الأخير على النظر في كتب الحديث واستعار من ابن العديم تخريج أحاديث الرافعي الكبير لشيخنا ابن الملقن وهو في سبع مجلدات فمر عليه كله
واختصره على ما ظهر له وفرغ منه عند موت ابن العديم ثم مات هو بعد ذلك بيسير، وكان ينهى أصحابه عن دخول الحمام أيام الطاعون فقدر أن الطاعون قد ارتفع أو كاد فدخل هو الحمام فخرج فطعن عن قرب، فمات في ربيع الآخر وفي العشرين منه، واشتد أسف الناس عليه، ولم يخلف بعد مثله.
محمد بن أبي بكر بن محمد بن أبي الفتح، البيري شمس الدين ابن الحداد، ولد سنة
…
وتفقه على الزين الباريني ومهر، ثم رحل إلى القاهرة وتصرف وكان يذاكر بأشياء حسنة، وسكن بعد اللنك بحلب دهراً ثم رجع إلى بلده البيرة، فأقام بزاويته إلى أن مات في رجب.
محمد بن بهادر اللطيفي أحد الأمراء باليمن وقد ناب في وصاب وغيرها، وكان محباً في أهل الخير.
محمد بن سيف بن محمد بن عمر بن بشارة، مات مقتولاً في القاهرة وحشي جلده تبناَ وحمل إلى صفد في ذي الحجة.
محمد بن طيبغا التنكزي ناصر الدين، كان أبوه من مماليك تنكز نائب الشام، فولد له هذا في رمضان سنة إحدى أو اثنتين وستين وحفظ الحاوي، واشتغل
ولازم الشيخ شهاب الدين بن الحباب مدة وهو بزي الجند، ثم بعد اللنك - صار يقرأ البخاري ويتكلم في حال القراءة على بعض الأحاديث، وقد - انقطع عند المصلى فتردد الناس، وكان يغلظ للترك وغيرهم وربما آذاه بعضهم، وكان يستحضر كثيراً من الفقه والحديث - والتفسير إلا أنه عريض الدعوى جداً مع أنه متوسط في الفقه، ومات في شهر رمضان.
محمد بن محمد المشهدي شمس الدين بن القطان، أخذ عن الشيخ ولي الدين الملوي ونحوه واعتنى بالعلوم العقلية، واشتغل كثيراً حتى تنبه، وكان يدري الطب ولكن ليست له معرفة بالعلاج، سمعت من فوائده، ومات في الطاعون عن نحو ستين سنة.
محمد بن علي بن معبد القدسي المالكي المعروف بالمدني، ولد سنة تسع وخمسين، واشتغل قليلاً وأخذ عن جمال بن خير ولازمه، وسمع الحديث من محي الدين بن عبد القادر الحنفي وحدث، ثم ولي تدريس الحديث بالشيخونية فباشره مع قلة علمه به مدة ثم نزل عنه، ثم ولي القضاء بعناية فتح الله كاتب السر في الأيام الناصرية، ثم صرف ثم أعيد ثم صرف في الأيام المؤيدية ثم أعيد، وكان مشكوراً في أحكامه، ووقعت له كائنة صعبة مع شريف حكم بقتله، فأنكر عليه ذلك أهل مذهبه ولم يكن بالماهر في مذهبه، مات في عاشر ربيع الأول.
محمد بن عمر بن إبراهيم بن محمد بن عمر بن عبد العزيز بن محمد بن أبي جرادة، العقيلي الحلبي نزيل القاهرة ناصر الدين ابن العديم الحنفي، تقدم نسبه في ترجمه أبيه سنة إحدى عشرة، ولد سنة اثنتين وتسعين بحلب وأسمع على عمر بن أيدغمش مسند حلب وعلى غيره، وقدم القاهرة مع أبيه وهو شاب فشغله في عدة فنون
على عدة مشايخ، وقرأ بنفسه على شيخنا العراقي قليلاً من منظومته، وكان يتوقد ذكاء مع هوج ومحبة في المزاح والفكاهة إلى أن مات أبوه وأوصاه أن لا يترك منصب القضاء ولو ذهب فيه جميع ما خلفه، فقبل الوصية ورشا على الحكم إلى أن وليه، ثم صار يرشوا أهل الدولة بأوقاف الحنفية بأن يؤجرها لمن يخطر له منهم ببال بأبخس أجرة ليكون له عوناً على مقاصده إلى أن كان يخربها ولو دام قليلاً لخربت كلها، وصار في ولايته القضاء كثير الوقيعة في العلماء قليل المبالاة بأمر الدين كثير التظاهر بالمعاصي ولا سيما الربا سيئ المعاملة جداً أهوج متهوراً، وقد امتحن في الدولة الناصرية على يد الوزير سعد الدين البشري وصودر وهو مع ذلك قاضي الحنفية.
ثم قام في موجب قتل الملك الناصر قياماً بالغاً ولم ينفعه ذلك لأنه ظن أن ذلك يبقيه في المنصب فعزل عن قريب كما تقدم في الحوادث، وقد ذكرنا في الحوادث تنقلاته في القضاء والشيخونية، ثم لما وقع الطاعون في هذه السنة ذعر منه ذعراً شديداً وصار دأبه أن يستوصف ما يدفعه ويستكثر من ذلك أدوية وأدعية ورقي، ثم تمارض لئلا يشاهد ميتاً ولا يدعى إلى جنازة لشده خوفه من الموت، فقدر الله أنه سلم من الطاعون وابتلى بالقولنج الصفراوي، فتسلسل به الأمر إلى أن اشتد به الخطب فأوصى ومن جملة وصيته ما قدمته من قصة ابن الطرابلسي، فلما بلغه أن ابن الطرابلسي مات قبله سر بذلك وأشهد عليه أنه رجع عما كان أوصى به لابن الجيتي، فقدر الله تعالى أن ابن الجيتي أيضاً قد مات قبله بعشرة أيام، ثم مات ابن العديم في ليلة السبت تاسع شهر ربيع الآخر.
أبو البركات محمد بن أبي السعود محمد بن حسين بن علي بن أحمد بن ظهيرة، المخزومي المكي كمال الدين، ولد سنة أربع وستين وسبعمائة، وأحضر على عز الدين بن جماعة ولم يعتن بالعلم بل كان مشتغلاً بالتجارة مذكوراً بسوء المعاملة، وولي حسبة مكة ونيابة الحكم عن قريبه الشيخ جمال الدين، فعيب جمال الدين بذلك، وأنكر عليه من جهة الدولة فعزله، فسعى هو في عزل جمال الدين وبذل مالاً في أوائل الدولة المؤيدية فلم يتم له ذلك حتى مات جمال الدين، فتعصب له بعض أهل الدولة فولي دون السنة ثم ولي مرة ثانية في هذا السنة دون الشهرين، ومات معزولاً في ثالث عشري ذي الحجة بعلة ذات الجنب.
محمد بن محمد بن عبد الله شمس الدين ابن مؤذن الزنجبيلية، اشتغل وهو صغير، فحفظ مجمع البحرين والألفية وغيرها، وأخذ الفقه عن البدر المقدسي، وابن الرضي، ومهر في الفرائض وأخذها عن الشيخ محب الدين، واحتاج الناس فيها، وجلس للاشتغال بالجامع الأموي، وكان خيراً ديناً مات في شوال.
محمد بن محمد بن محمد بن إبراهيم الحسباني شمس الدين رئيس المؤذنين بالجامع الأموي، وكبير الشهود بدمشق، كان عارفاً بالشروط سريع الكتابة ذكياً يستحضر كثيراً من الفقه والحديث مع كثرة التلاوة، مات في شعبان.
محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن عبد الدائم، الباهي أبو الفتح نجم الدين الحنبلي، وبرع في الفنون، وتقرر مدرساً للحنابلة في مدرسة جمال الدين برحبة باب
العيد، وكان عاقلاً رصيناً كثير التأدب؛ مات في ليلة الجمعة رابع عشري ربيع الأول بالطاعون عن بضع وثلاثين سنة.
محمد بن محمد الكوم، الربشي تاج الدين ابن شمس الدين نقيب درس الحنابلة، مات في ربيع الأول مطعوناً ولم يبلغ الخمسين، وكان موصوفاً بحسن المعاملة.
محمد بن الشيخ
…
الدين، الحلواني، مات في يوم الخميس رابع عشي صفر مطعوناً، وكان كثير المجازفة في القول سامحه الله.
محمد بن.....قطب الدين الأبرقوهي أحد الفضلاء ممن قدم القاهرة في رمضان سنة ثماني عشرة فأقرأ الكشاف والعضد وانتفع به الطلبة، ومات في أواخر صفر مطعوناً.
مساعد بن ساري بن مسعود بن عبد الرحمن، الهواري المصري، نزيل دمشق، ولد سنة بضع وثلاثين، وطلب بعد أن كبر فقرأ على الشيخ صلاح الدين العلائي وولي الدين المنفلوطي وبهاء الدين بن عقيل والأسنوي وغيرهم، ومهر في الفرائض والميقات، وكتب بخطه الكثير لنفسه ولغيره، ثم سكن دمشق وانقطع بقرية عقربا، وكان الرؤساء يزورونه وهو لا يدخل البلد مع أنه لا يقصده أحد إلا أضافه وتواضع معه، وكان ديناً متقشفا، سليم الباطن، حسن الملبس، يستحضر الكثير من الفوائد وتراجم الشيوخ الذين لقيهم،
وله كتاب في الأذكار سماه بدر الفلاح في أذكار المساء والصباح، ومات بقرية عقربا شهيداً بالطاعون، وكان دميم الشكل جداً رحمه الله.
مفتاح الطواشي، الحبشي ثم اليمني، ولي إمرة عدن للأشرف.
مقبل بن عبد الله، الطواشي الأشقتمري الرومي، كان جمدار عند الظاهر والناصر وكان ملازماً لديانة محباً للفقهاء، اشتغل بالعلم كثيراً، وحفظ الحاوي الصغير فصار يذاكر به، حسن القراءة للقرآن جداً، ثم عمر مدرسة بالتبانة وقرر فيها مدرستين وطلبة، وكان قد أسر مع اللنكية من دمشق ثم خلص، وحضر مع الرسل الواردين من اللنك في سنة ست وثمانمائة وجاور عامين متواليين قبل موته، ومات بالطاعون.
موسى بن أحمد بن عيسى، الحرامي - بالمهملتين - أمير حلي انفرد بإمرتها بعد أخيه دريب، ثم أخرجه حسن بن عجلان منها، ثم عاد إليها حتى مات في هذه السنة.
موسى بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الناصر بن عالي بن عمر الشريف شرف الدين الشطنوفي، ولد في حدود الأربعين، ومات في ذي القعدة، وكان حسن المحاضرة كثير النادرة وينظم شعراً كثيراً وسطاً.
همام بن أحمد الخوارزمي - هكذا رأيت بخطه، وقد يدعى محمداً أيضاً، الشيخ همام الدين الشافعي، اشتغل في بلاده ثم جاء إلى حلب قبل اللنكية، فأنزله القاضي
شرف الدين أبو البركات في دار الحديث البهائية، فأقام بها، ثم قدم القاهرة في أوائل الدولة الناصرية، واشتمل عليه بعض الأمراء فحصل له بعض المدارس، ثم نزل عنها للحاجة، فلما عمر جمال الدين مدرسته عين له، ووصف وبالغ في الوصف فاستحضره وأشخص به وأسكنه بيتاً قريباً منه ورتب له الرواتب الواسعة، ثم لما فتحها أسكنه في المسكن البهي الذي عمر له وأجلسه شيخا بها وقرر له معاليم ورواتب خارجاً عن ذلك وهدايا وعطايا ومراعاة وسماع كلمة فنبه بعد أن كان خاملاً، وتحلى بما ليس فيه بعد أن كان عاطلاً وانثال عليه الطلبة لأجل الجاه، فكان يحضر درسه منهم أضعاف من هو منزل فيه، وأقرأ في المدرسة المذكورة الحاوي والكشاف، ثم طال الأمر فاقتصر على الكشاف وكان ماهراً في إقرائه إلا أنه بطيء العبارة جداً بحيث يمضي قدر درجة حتى ينطق بقدر عشر كلمات، وكانت له مشاركة في العلوم العقلية مع إطراح التكلف وسلامة الباطن، يمشي في السوق ويتفرج في الحلق في بركة الرطلي وغيرها، وكانت له ابنة ماتت أمها فصار يلبسها بزي الصبيان ويحلق شعرها ويسميها سيدي علي. وتمشي معه في الأسواق إلى أن راهقت، وهي التي تزوجها الهروي فحجبها بعد ذلك، وقد ذكرت ما اتفق له في المجلس المعقود للهروي مات في العشر الأخير من ربيع الأول وقد جاوز السبعين.
يوسف بن عبد الله المارديني الحنفي، قدم القاهرة ووعظ الناس بالجامع الأزهر، وحصل كثيراً من الكتب مع لين الجانب والتواضع والخير والاستحضار لكثير
من التفسير والمواعظ؛ مات في الطاعون وقد جاوز الخمسين، وخلف تركة جيدة ورثها أخوه أبو بكر: ومات بعده بقليل سنة 822هـ.
نور الدين بن قوام البالسي ثم الصالحي.