الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة خمس وعشرين وثمانمائة
استهلت يوم الجمعة آخر يوم من.... وفيها ولدت فاطمة بنت القاضي جلال الدين البلقيني ولداً خنثى وفرج أنثى من تقي الدين رجب ابن العماد قاضي الفيوم، وقيل إن له يدين زائدتين، نابتتان في كتفيه، وفي رأسه قرنان كقرني الثور، فيقال: ولدته ميتاً، ويقال: بعد أن ولدته.
وفيها وقع بين أمير مكة حسن بن عجلان وبين القواد فتنة وتعصبوا عليه مع ابن أخيه رميثة بن محمد بن عجلان، فاستعان حسن بمقبل أمير ينبع فخرج في عسكره إلى جهة اليمن، فصالح القواد حسن بن عجلان واخرجوا رمثية عنهم فتوجه الى جهة اليمن ورجع مقبل إلى بلده، ودخل الركب المصري من الحجاز في ثالث عشري المحرم، فأمسك تمرباي أمير الركب وأرسل إلى دمياط بطالا، وفي صفر نفي ايتمش إلى القدس بطال وكان قد عظم في دولة ططر وأراد الاستقلال بتدبير المملكة ونازع المباشرين فعملوا عليه حتى نفي، ثم أمر بعوده إلى القاهرة بعد ذلك عند إمساك طرباي، وفي ليلة رابع عشرة خسف القمر خسوفاُ شديداً بحيث لم يبق منه إلا اليسير وذلك في الثلث الأخير من الليل ولم يشعر أكثر الناس به،
وفيه انقطع طرباي عن الخدمة السلطانية غضباً من برسباي، لأن بعض الأمراء مات فرام طرباي أخذ إمرته لبعض أصحابه فعارضه برسباي فتوجه طرباي إلى الربيع عند خيله بالجيزة، فأراد برسباي ملاقاته فأمر الوزير بإرسال ما جرت به العادة لأمثاله وعتبه على تأخير، وقيل إنه ضرب الوزير بسبب تأخير ذلك فبادر هو والأستادار وناظر الخاص إلى إرسال ما جرت العادة وذلك في العشرين من صفر، واستمر طرباي عند خيله فروسل فامتنع حتى سار بشبك الأعرج أحد الأمراء فخلف له وطيب خاطره، فلما استهل شهر ربيع الأول حضر الخدمة في يوم الثلثاء ثاني هذا الشهر؛ ثم أشاع برسباي أنه يريد أن يعمل المركب بالإيوان لحضور رسل ابن قرا يوسف، فحضر أهل المركب ومن جملتهم طرباي. فلما تكاملوا قيل لههم: الخدمة في الإيوان اليوم بطالة، فانصرفوا وأحضرت الرسل بالقصر ثم جلسوا في السماط فقال برسباي لطرباي: أنتم ما تعرفون أني كبير الأمراء؟ قال: نعم، قال: فلم تخالفون أمري؟ وأشار بالقبض على طرباي، فقام فجذب السيف فحمى نفسه، فهجم عليه قصروه أمير آخور فناوشه، فضربه برسباي من خلفه فجرح يده فسقط منها السيف، فأمسك وأمسك معه أميران من جهته وأرسلوا إلى الإسكندرية صحبة إينال الششماني فاعتقلوا بها.
وفي شهر ربيع الأول نازل تغري بردى بن قصوره الذي كان نائب حلب بعض القلاع فهزمه التركمان، فاستجار ببعضهم فأمنه، وفيه هبت ريح ذات سموم بالكرك وما حولها فأفسدت المزارع وقل الماء جداً بتلك البلاد وبالقدس وما حولها وتفرق أهل تلك البلاد من القحط.
وفي شوال انتزع وقف الطرحى من القاضي الحنفي، ثم سعى أشد سعي حتى أعيد له وضم في نظره شخص آخر، وانتزع وقف قراقوش من القاضي الشافعي وأضيف إلى التاج الوالي وأمره أن يجمع متحصله ويبني منه خان السبيل، ففعل ذلك وجدد بناءه وقرر فيه غير من كان يتناول ريعه، وألزم أولاد البلقيني بغرامة مبلغ جيد بسبب ذلك، وألزم من كان يرتب عليه من الأغنياء بإعادة ما قبضوا منه، فاشتد الأمر عليهم ثم أفرج عنهم وفطموا عنه، وفيه عمل المولد السلطاني في حادي عشر ربيع الأول وحضر الملك الصالح والأمراء.
وفي الخامس عشر منه قبض على مرجان الخازندار وسلم لأرغون شاه الأستادار وكان حينئذ زماماً، فطلب منه مال كثير وضرب بعض أتباعه ضرباً شديداً ثم استقر مال مصادرته على ثلاثين ألف دينار، فعجل منها عشرين ألف دينار وضمنه بعض الأكابر بالعشرة وأطلق في آخر الشهر.
وفيه ادعى على شمس الدين محمد بن عبد المعطي الكوم الريشي الحنفي أنه قذف الشيخ شمس الدين محمد بن حسن الحنفي بالبغاء وأنه هو الفاعل به وأن ذلك كان بواسطة شهاب الدين الكوم الريشي أحد قراء الليث، وكانت الدعوى عليه عند قاضي القضاة الحنفي زين الدين التفهني وكان يكرهه لبذاء لسانه، فضربه القاضي بعد أن قامت عليه
البينة، وكان الذي قام عليه بالدعوى شهاب الدين أحمد بن عبيد الله أحد نواب الحنفي، ويقال إن ممن شهد عليه الشيخ شرف الدين التباني والقاضي بدر الدين ابن التنيسي، فأرسل بعد ضربه إلى الحبس مكشوف الرأس، ثم أطلق بعد ثلاثة أيام بشفاعة نظام المملكة، واتفق حضور الذي ضربه عنده ومعه شهاب الدين الذي ادعى عليه فسأله عن القصة فتكلم ابن عبيد الله بشيء، فنهره كاتب السر فقال له الأمير: أنت الذي كان أخي فلان يتعشقك وغرم عليك مالاً كثيراً! وأمر بالتوكيل به وعزله من النيابة فاعتقل، ثم شفع به بعد أيام فأطلق وأعيد إلى عادته في النيابة وكان قد بالغ في أذى الكوم الريشي فعد ذلك عقوبة له، ورثوا للكوم الريشي مع بغضهم فيه لجنونه وتعترسه وكثرة مجونه، ولما أطق الكوم الريشي رافع بدر الدين محمود بن عبيد الله أخا الشهاب المذكور عند الأمير الكبير وأنه يفعل أشياء منكرة، فأحضره الأمير وضربه بحضرته وكتب عليه قسامة أن لا يحكم، ثم شفع فيه بعد مدة فأعيد.
وفي خامس شهر ربيع الآخر قبض الوزير الأستادار أرغون شاه على كريم الدين ابن الوزير تاج الدين الذي ولي الوزارة والأستادارية ثم كتابة السر فيما بعد وكان يباشر ديوان الاستيفاء المفرد عن أبيه، ثم أطلق بعد أن صودر على مال.
وفي السادس منه قدم تاني بك ميق نائب الشام فخلع علبه باستمراره وعظمه برسباي
جداً وتكلم الأمير الكبير معه في أمر السلطنة فوافقه على ذلك، فلما كان في الثامن من ربيع الآخر يوم الأربعاء قبل الظهر بقدر درجتين عقد له الملك وهو في المرقد بالأشرفية ثم ألبس الخلعة وجلس على التخت وفوض الخليفة وعقدت له البيعة ولقب الملك الأشرف، وخلع في صبيحة ذلك اليوم علي تنبغا المظفري واستقر أميراً كبيراً أتابك العساكر وتحول إلى البيت الذي فيه طرباي مقابل القلعة وانتقل إلى بيت ططر وغيرها من بيوت السلطنة واستقر فيها الأشرف، واستقر آقبغا التمرازي أمير مجلس عوضاً عن قجق بحكم انتقاله إلى وظيفة أمير سلاح عوضاً عن تنبغا واستقر تنبغا المظفري أتابك العساكر، وخلع الملك الصالح محمد فكانت مدة سلطنته أربعة أشهر، وخلع على نائب الشام خلعة السفر واستقر معه حسين بن السامري في نظر الجيش، وانفصل ابن الكشك عن نظر الجيش وبقي معه قضاء الحنفية وسافر، وعمل الأشرف موكباً حافلاً، وأحضرت رسل الفرنج الكسلان، ومنع السلطان من تقبيل الأرض له واقتصر على يده ودوره.
وفي ليلة الاثنين ثالث عشر ربيع الآخر أمطرت السماء بالقاهرة مطراً استمر الليل كله وقطعة من النهار وذلك في حادي عشر برموده وهو من المستغربات، وفي الشعر الذي استقر فيه الأشرف في السلطنة أمر بإبطال القدر الذي كان يأخذه من يسافر بالأمير المنفصل عن إمرته إذا حبس أو نفي، وكان المقرر لذلك ألفي دينار إلى ألف دينار إلى دونها بحسب مقاديرهم فأبطل ذلك وأمر أن ينقش في اللوح الرخام فوق النقش الذي جعله السالمي في دولة الناصر فرج بسبب المرتجع من الإقطاع عند انتقال الإمرة - وقد تقدمت الإشارة في الحوادث.
وفي جمادى الأولى جهز الأشرف إلى مكة مقبل القديدي بسبب عمارة ما وهي من المسجد الحرام وطلب من القاضي الشافعي ما كان القاضي جلال الدين البلقيني ذكر للمؤيد أنه تحصل عنده من ذلك وهو سبعة آلاف دينار فكشف القاضي الشافعي عن ذلك فوجد المختص بعمارة الحرمين قدر ألقي دينار أو يزيد قليلاً وباقي ذلك لعدة جهات من أوقاف وغيرها كانت مودعة تحت يد الجلال، فلم يقبل الأشرف ذلك وألزم المباشرين على الأوقاف المتعلقة بالحرمين بذلك، فلاذوا بالقاضي فأذن لهم في الاقتراض، ثم ضاق بهم الأمر فتعلق على ورثة جلال الدين فاستعيدت منهم ألف دينار كان والدهم أخذها من مال الحرمين على أنها من معلومه وكان أقام مدة طويلة لا يتناول من مال الحرمين معلوماً، فشهد عليه القاضي علاء الدين الحنبلي أنه كان تبرع بذلك، وكان نائب دمشق تاني بك ميق ونائب حلب تغري بردى ونائب حماه تاني بك البجاسي ونائب طرابلس أركماس الجلباني ثم صرف واستقر بعده ثم صرف تغري بردى من حلب إلى بهنسا وتحصن بقلعتها هو وكزل الذي كان هرب من المؤيد إلى ملطية، ونقل البجاسي إلى نيابة حلب وتولى نيابة حماه جارقطلي الصهيوني.
وفيه صرف شرف الدين بن تاج الدين عبد الوهاب ابن نصر الله من نظر الخزانة السلطانية وغيرها وأعيد ذلك لزين الدين عبد الباسط، فكانت ولاية شرف الدين لذلك نحو سبعة أشهر، وانصرف غير مشكور لبأو كان فيه ودعوى عريضة.
وفي الثامن من جمادى الأولى نودي أن لا يباشر نصراني في ديوان أحد من الأمراء، ثم انتقض ذلك بعد مدة، وكذا كان ضيق عليهم في الأيام المؤيدية ثم تراجعوا قليلاً قليلاً.
وفي التاسع منه جدد كاتب السر علم الدين ابن الكويز خطبة بالمدرسة البقرية مقابل باب منزله لتعاظمه أن لا يتوجه إلى الجامع الحاكمي ماشياً وإشفاقه من الإنكار عليه أن يتوجه راكباً مع قرب المسافة. وفي هذا الشهر أشار كاتب السر أيضاً بإبطال المارستان الذي أتخذه الملك المؤيد تحت القلعة مكان الأشرفية الشعبانية وأقام فيه خطيباً ظناً منه أنه يتقرب بذلك.
وفي هذه السنة كان فصل الربيع مختلف المزاج جداً ما بين حر شديد وسموم وما بين برد شديد وما بين ذلك.
وفي أواخر رمضان صرف أرغون شاه من الأستادارية وقرر فيها أيتمش الخضري.
وفي هذا الشهر حدثت كائنة غريبة وهو أن عبد الرحمن السمسار في الغلال كان اشترى دارا من ابن الرندي بشاطئ النيل فزخرفها وأتقنها وغرم عليها على ما يقال أكثر من خمسة آلاف دينار وقفها على جهات، وجعل صورة الوقف في خشب محفوراً فيه يقرأ كل أحد فلما مات شهد جماعة عند بعض نواب الحنفي بأنها وقف وذكروا شروطها بخلاف ما ظهر بعد ذلك محفوراً في الخشب. فاتفق أن المباشرين بديوان المفرد وجدوا على عبد الرحمن مسطوراً لجهة السلطان بمال جزيل فلم يوجد له ما يوفى منه فأمر ببيع داره، فقيل له إنها وقف فهدمها، فهدمت فكانت كائنة شنيعة، وبيع رخامها على حدة وخشبها على حدة، ثم باع ورثته أنقاضها، وبلطت الوقفية الأصلية الزور.
وفي جمادى الأولى ألزم الأشرف البزازين أن لا يبيعوا شيئاً من القماش بالنسيئة ولا يشتروه، فحصل لهم بذلك ضيق كبير، ثم أفرج عنهم وألزموا أن لا يخبروا الشراء مبهماً، بل إن كان نقداً فنقد وإن كان نسيئة فنسيئة.
وفي عاشر جمادى الآخرة قدم الهروي القاهرة فنزل بمدرسة ابن الغنام وهرع الناس السلام عليه إلا الديري وابن المغلي، ثم رام الهروي السعي في شيء من الوظائف، فعاجله كاتب السر ابن الكويز، فألزمه الأشرف بالرجوع إلى بيت المقدس، فتباطأ إلى نصف رجب يترجى الإقبال فلم يجب إلى ذلك وخلع عليه خلعة السفر فسافر.
وفي جمادى الآخرة اختطف تمساح في البحر - رجلاً من الصيادين كان نزل ليقبض على سمكة صادها فصاده التمساح وصار يصعد به إلى وجه الماء حتى يشاهده الناس ثم يغطس به إلى أن هلك.
وفيه شنق بعض العوام نفسه قهراً من زوجته كان طلقها وهو يحبها، فاتصلت بغيره، وركلته فيه فقتل نفسه، وفيه جب شخص عجمي مذاكيره بسبب أمرد كان يعشقه ولا يقدر عليه، فاتفق أنه أمكنه من نفسه فلم ينتشر ذكره فقطعه، فحمل إلى المارستان فمات. وفي أواخره قدم جار قطلي نائب حماة، فخلع عليه وأعيد ا.
وفي رجب أفرج عن الخليفة العباسي الذي ولي السلطنة وكان المؤيد سجنه بالإسكندرية فنقله إلى دمياط لكونها أبسط له، فلم يوافق واستأذن أن يقيم بالإسكندرية بغير سجن، فأجيب إلى ذلك.
وفي ثامن رجب حدث بالقاهرة زلزلة لطيفة،
وفي أوائله عصى إينال نائب صفد وأطلق المسجونين بها وهم جلبان أمير آخور وإينال الجكمي رأس نوبة كان ثم نائب حلب ويشبك الأنالي الأستادار ووجد بصفد نحو مائة ألف دينار فتقوى بها وأرسل كتبه إلى الأمراء، فلم يوافقه من بالقدس فأرسلوا كتابه مصر فكوتب مقبل الذي كان دويدار وقرر - بعد قتل جقمق نائب الشام إمرة بدمشق بأن يتوجه إلى صفد نائباً بها، وكوتب نائب الشام فجمع العسكر وتوجه إلى صفد، فلما كان في العشر الأوسط من رجب أوقع إينال صفد - بالأعراب فكسروه، ففارقه الأمراء المسجونين الذين - كان أطلقهم فتوجهوا إلى دمشق طائعين، ثم أراد تغري بردى الكبكي الوثوب بنائب دمشق ففطن له فقتل. واتهم الأمراء الذين جاءوا طائعين بالخديعة في ذلك فقبض عليهم، ثم أطلق جلبان وسجن الآخران.
وفي هذه السنة كان المطر والبرد بالحجار شديداً، وأمطرت بنواحي صفد برداً بلغ وزن كل واحدة ثلاثين رطلاً بالمصري، ووجدت على باب بعض البيوت منها بردة لابدة مثل الثور.
وفي الثالث والعشرين من شهر رجب وصل قاصد النائب بالإسكندرية ومعه قاصد من صفد بكتاب يستدعيه فقبض على قاصد نائب صفد وخلع على قاصد نائب الإسكندرية، واستمر مقبل الذي استقر في نيابة صفد يحاصر نائبها المنفصل في القلعة إلى شوال، فنزل إينال بالأمان، فقبض عليه ودقت البشائر بالقاهرة، وأرسل بشمس الدين ابن العسال وكان قد ولي كتابة السر بها ونظر الجيش، فضرب بالمقارع بحضرة السلطان لكونه كاتب عن نائبها إلى نائب الإسكندرية وأمر بقطع يده فشفع به، وصادف زيادة النيل في ذلك اليوم يعني ثالث رجب عشرين إصبعا فسر الناس به وتباشروا بالرخاء والأمن، ثم نودي عليه في ثامن عشري رجب خمسين إصبعا، وفي
اليوم الذي يليه ذراع، فأكمل أربعة عشر ذراعاً في خامس عشري أبيب وهو شيء لا عهد للناس به من دهر طويل، ثم أكمل ستة عشر ذراعاً في ثامن عشري أبيب، وكسر الخليج في تاسع عشريه وهو ثالث شعبان.
وفي السادس والعشرين من رجب خرج الركب الرجبي وكان لهم خمس وعشرون سنة لم يخرجوا، وحج خلق كثير منهم تاج الدين ولد القاضي جلال الدين البلقيني.
وفي ليلة الرابع عشر من شعبان خسف القمر حتى لم يبق من جرمه إلا اليسير، فاستمر من قبل نصف الليل إلى أن تكامل الجلاؤه طلوع الفجر.
وفي أول شعبان جلس السلطان للحكم بين الناس فطلب مدرسي القمحية وهم جمال الدين البساطي ومن يشركه فأهينوا وألزموا بالقيام - بمال لأجل عمارتها، وأرجف بأن أرضها الوقف أقطعت لبعض المماليك لكن لم يتم ذلك.
وفي حادي عشري شعبان صرف ابن العجمي عن الحسبة واستقر بدر الدين العيني، وجعل ما للمحتسب وهو في اليوم ديناران من الجوالي واحد للمحتسب وواحد لابن العجمي، وفيه حمل المظفر أحمد بن المؤيد من القلعة إلى الإسكندرية نهاراً فحبس بها في برج إلى أن مات بعد ذلك.
وفي الثاني والعشرين من شعبان أثبت أن أوله الاثنين شهد اثنان عند شمس الدين الأسيوطي المعروف بزوج الحرة النائب في الحكم فقبلهما، ولزم من ذلك أن يكون أول رمضان يوم الأربعاء، فلما كان ليلة الثلثاء خرجوا لترائي الهلال فما رأوا، ثم تراءوا ليلة الأربعاء فلما تكلم أحد برؤيته، ثم غاب ليلة الخميس مع مغيب الشفق وكثر كلام الناس في الشهادة الماضية.
وفي سادس عشر رمضان اشتهر نائب صفد الذي كان عصي فقبض ومعه نحو من ثلاثين نفراً ممن عصي معه، فقطعت أيديهم ونفوا من القاهرة مشاة فمات أكثرهم في الطريق.
وفي رمضان انتهى حصار قلعة بهنسا على يد نائب حماة فنزل تغرى بردى الأقبغاوي المعروف بابن قصروه بالأمان، ووقع في أثناء الحصار في كزل الصهيوني - نشابة فمات منها، وتدلى كمشبعا من القلعة ليهرب، ففطن به فقطع الحبل فوقع فتكسر.
وفي شهر رمضان أمر السلطان بإعادة الأذان بمئذنتي الناصر حسن بالرميلة، وكان الظاهر برقوق قد أمر بتعطيلها وعدم التوصل إلى صعودهما ثم أمر الناصر بهدم سلميهما، فأعيد ذلك بعد بضع وثلاثين سنة، وأعيد فتح الباب الكبير المجاور للقبور وكان الظاهر أمر بسده بالحجارة ففتح الآن وأزيلت الحجارة، وكان المؤيد قد نقل الباب إلى مدرسته فعمل للحسنية الآن باب جديد.
وفيها خرج العرب على أبي فارس صاحب تونس فسار في آثارهم نحواً من عشرة أيام حتى أوقع بهم وخضعوا له.
وفيها جهز أبو فارس عسكراً إلى الفرنج في البحر فنذروا بهم فبيتوهم فانهزموا، فغضب أبو فارس على قائد الجيش ونسبه إلى النهاون وضربه وأهانه وشرع في تجهيز جيش أخر، واتهم العامة أن صاحب فاس واطأ الفرنج على المسلمين فثاروا عليه فقتل بينهم مقتلة عظيمة.
وفيها قوي صاحب تلمسان واستجد عسكراً.
وفيها كان الغلاء المفرط بحلب، ثم أعقبه الطاعون فمات بشر كثير. وفي أوائل هذا السنة آخذ الفرنج سبتة من أيدي المسلمين بعد أن كانت في أيديهم.....
وفي رمضان استقر قطلوبغا حاجي التركماني ثم الحلبي في نظر الأوقاف وهو حمو الظاهر ططر وصار جد زوج السلطان الأشرف، فكان يقال له: أنو السلطان، فباشر بشدة وعنف.
وفيها أنهى بعض الخاصكية أن بلد التدريس بالجامع العمري المعروف بالخشابية ليس يستحق، لأن المدرسة الموقوف عليه لا يعرف، فأمر بإخراجها أقطاعاً، ثم شفع في مستحقيها فاستقرت بأيديهم واستهلكت.
وفي شوال أمر القاضي ولي الدين القاضي الشافعية بحبس ابن القوصية قاضي أسيوط، فشفع فيه المحتسب بدر الدين العينتابي فأخرج في الترسيم فشفع فيه كاتب السر، فامتنع القاضي من إطلاقه حتى يدفع ما في جهته من مال الحرمين، فتعصب له أيتمش الخضري فاستخلصه من أيدي الرسل، فبلغ القاضي فغضب ومنع نوابه من الحكم، فبلغ ذلك السلطان فأمر بإعادة ابن القوصية إلى الحبس واستدعى القاضي سراج الدين عمر ابن موسى - الحمصي
الذي كان ينوب عن الشافعي، وجرى بسببه على صهره القاضي جلال الدين البلقيني ما جرى فقرره الشافعي في قضاء أسيوط عوضاً عن ابن القوصية فتوجه اواستمر مدة طويلة.
وفي ذي القعدة نزل السلطان إلى المطعم ورجع فاجتاز بالمدينة وقد زينت له فدخل العمارة التي استجدها بالركن المحلق.
وفي الثالث منه نفى عبد الله أخو أمير سعيد الكاشف بالوجه القبلي ودمرداش الكاشف بالوجه البحري إلى عينتاب، وأمر بنفي ابن القوصية، قاضي أسيوط معهما، ثم شفع فيه فتأخر وفي بابه وقع برد شديد عند نزول النيل وبادر الناس إلى للزرع، ثم وقع البرد في أوائل هاتور، ثم أعقبه حر شديد وسموم ففسد أكثر البرسيم، رعته الدود فأفسدت منه بالجيزة شيئاً كثيراً.
وفي أواخر ذي القعدة عز وجود اللحم الضأني وقل الجالب للأضحية، وبقي الناس بسبب ذلك....
وفي ذي القعدة صرف إيتمش الخضري من الأستادارية وأعيد أرغون شاه، ثم أضيفت إلى أرغون شاه الوزارة في ثامن ذي الحجة منها وكان الوزير تاج الدين ابن كاتب المناخات قد استقر في الرابع من ذي الحجة، ثم قبض عليه في الثاني عشر منه وصودر على مال يقال ثمانية آلاف دينار، واستمر معزولاً.
وفي التاسع عشر من ذي الحجة وهو الموافق لثالث أيلول من القبطية ورد خبر الورد بالقاهرة، وهذا أسرع ما رأيت منه بها.
وفي السادس والعشرين منه وصل المبشر بسلامة الحاج، فقطع المسافة في خمسة عشرة يوماً، وهذا أسرع ما أدركناه من ذلك.
وفي رجب صرف القاضي بدر الدين ابن خطيب الدهشة عن قضاء حماة، واستقر زين الدين عمر بن أحمد بن مبارك ابن الخزري عوضاً عنه.
وفي شوال صرف القاضي نجم الدين ابن حجي عن قضاء دمشق بتاج الدين ابن الكركي نقلاً من قضاء حلب، واستقر علاء الدين ابن خطيب الناصرية في قضاء حلب، كعادته نقلاً من طرابلس، وأعيد ابن النويري إلى طرابلس.
وفي السادس من ذي الحجة صرف القاضي ولي الدين العراقي عن قضاء الشافعية، واستقر عوضه علم الدين صالح بن شيخنا - شيخ الإسلام سراج الدين وكان جلال الدين أخوه لما مات نظمت:
مات جلال الدين قالوا ابنه
…
يخلفه أو فالأخ الكاشح
فقلت تاج الدين لا لائق
…
بمنصب الحكم ولا صالح
فكان كما قلت فإنه تولى فظهر منه التهور والإقدام على ما لا يليق وتناول المال من أي جهة كانت حلالاً أو حراماً ما لا كان يظن به ولا ألف الناس نظيره من أحد ممن ولي القضاء للشافعية بالقاهرة في الدولة التركية.
وكان فطر النصاري اليعاقبة في هذه السنة في اليوم الثاني من حلول الشمس برج الثور، وهو سابع عشر برموده، وهو التاسع عشر من ربيع الآخر.
وفي الثامن عشر من برموده أمر السلطان بلبس الأبيض فسبق العادة الأولى عشرين يوماً، وكان المؤيد قد أخر ذلك عن العادة قدر عشرين يوماً، فتباينا في ذلك جداً، واتفق أن البرد كان موجوداً أشد مما كان قبل ذلك إلا في وسط النهار.