المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌سنة اثنتين وعشرين وثمانمائة - إنباء الغمر بأبناء العمر - جـ ٣

[ابن حجر العسقلاني]

فهرس الكتاب

- ‌سنة ست عشرة وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة ست عشرة وثمانمائة من الأعيان

- ‌سنة سبع عشرة وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتسنة سبع عشرة وثمانمائة من الأعيان

- ‌سنة ثماني عشرة وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة ثماني عشرة وثمانمائة من الأعيان

- ‌سنة تسع عشرة وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة تسع عشرة وثمانمائة من الأعيان

- ‌سنة عشرين وثمانمائة

- ‌من الحوادث غير ما يتعلق بسفر السلطان

- ‌ذكر من ماتفي سنة عشرين وثمانمائة من الأعيان

- ‌سنة إحدى وعشرين وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة إحدى وعشرين وثمانمائة من الأعيان

- ‌سنة اثنتين وعشرين وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة اثنتين وعشرين وثمانمائة من الأعيان

- ‌سنة ثلاث وعشرين وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة ثلاث وعشرين وثمانمائة من الأعيان

- ‌سنة أربع وعشرين وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة أربع وعشرين وثمانمائة من الأعيان

- ‌سنة خمس وعشرين وثمانمائة

- ‌ذكر الحوادث الواقعة في هذه السنة

- ‌ذكر من ماتفي سنة خمس وعشرين وثمانمائة من الأعيان

- ‌بسم الله الرحمن الرحيم

- ‌سنة ست وعشرين وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة ست وعشرين وثمانمائة من الأعيان

- ‌سنة سبع وعشرين وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة سبع وعشرين وثمانمائة من الأعيان

- ‌سنة ثمان وعشرين وثمانمائة

- ‌ذكر غزاة قبرس الأولى

- ‌سنة تسع وعشرين وثمانمائة

- ‌ذكر غزوة قبرس الكبرى

- ‌ذكر من ماتفي سنة تسع وعشرين وثمانمائة من الأعيان

- ‌سنة ثلاثين وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة ثلاثين وثمانمائة من الأعيان

- ‌سنة إحدى وثلاثين وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة 831 من الأعيان

- ‌سنة اثنتين وثلاثين وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة 832 من الاعيان

- ‌سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة

- ‌سنة أربع وثلاثين وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة أربع وثلاثين وثمانمائة من الأعيان

- ‌سنة خمس وثلاثين وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة خمس وثلاثين وثمانمائة من الأعيان

- ‌سنة ست وثلاثين وثمانمائة

- ‌ذكر السفرة الشماليةفي يوم الجمعة تاسع عشر شهر رجب

- ‌ذكر الحوادثفي غيبة السلطان الأشرف بالقاهرة

- ‌ذكر من ماتفي سنة ست وثلاثين وثمانمائة من الأعيان

- ‌سنة سبع وثلاثين وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة سبع وثلاثين وثمانمائة من الأعيان

- ‌سنة ثمان وثلاثين وثمانمائة

- ‌من الحوادث

- ‌ذكر من ماتفي سنة ثمان وثلاثين وثمانمائة من الأعيان

الفصل: ‌سنة اثنتين وعشرين وثمانمائة

‌سنة اثنتين وعشرين وثمانمائة

استهلت يوم الجمعة ثاني إمشير من الشهور القبطية.

في أول المحرم جهز إبراهيم بن السلطان وصحبته من الأمراء الكبار الطنبغا القرمشي وططر وجقمق وآخرون وصحبته علي بن قرمان وكان قد فر من أخيه محمد إلى السلطان والتجأ فجهز ابنه نصرة له فكان ما سيأتي ذكره، وتوجه من الريدانية في ثاني عشري المحرم، وكان السبب في هذه السفرة أن محمد بن قرمان أغار على طرسوس في السنة الماضية، فقبض على نائبها شاهين الأيدكاري فوصل دمشق في سادس صفر وتلقاه النواب، ثم وصل حلب في أول ربيع الأول ثم وصل إلى كركر في ثامن عشر ربيع الآخر فحاصر القلعة، وهرب ابن قرمان في مائة وعشرين فارساً وأخذ منها مالاً ورجالاً فقيدهم، وتوجه إلى لارندة فنازلها وهي قاعدة بلاد ابن قرمان وكان ما سنذكره بعد ذلك إن شاء الله تعالى، ثم وصل إلى قيسارية وهي أعظم بلاد ابن قرمان في تاسعه، ثم وصل إلى قونية في نصف ربيع الآخر بعد ما مهد أمور قيسارية ورتب أحوالها وخطب فيها باسم السلطان ونقش اسم السلطان على بابها، وقرر في نيابتها محمد بن دلغادر نائب السلطنة بقيسارية، ولم يتفق ذلك لملك من ملوك الترك بعد الظاهر بيبرس فإنه كان خطب له بها ثم انتقض ذلك.

وفيه قدم عجلان بن نعير من المدينة مقبوضاً عليه من إمرة المدينة، ووصل بكتمر السعدي من رسالته إلى صاحب اليمن ومعه كتاب الناصر صاحب اليمن وهديته.

ص: 189

وفيها قرر ناصر الدين بك واسمه محمد بن دلغادر في نيابة قيسارية عن السلطان مضافاً إلى نيابة الأبلستين، وكان تاني بك نائب حلب استولى على طرسوس فأمره المؤيد أن يسلمها لناصر الدين بك فجمع محمد بن قرمان عسكراً، واستقر مقبل الدويدار الثاني شاد العمارة بالجامع المؤيدي عوضاً عن ططر.

وفي ثامن عشري المحرم حضر السلطان بالجامع المؤيدي وحضر عنده القضاة فسألهم عما أعلم به الحجاج من استهدام المسجد الحرام واحتياجه إلى العمارة، ومن أي جهة يكون المصروف على ذلك، فجالوا في ذلك إلى أن سأل القاضي الحنبلي قاضي الشافعية الهروي عن أربع مسائل تتعلق بذلك فأجابه فخطأه في جميعها، وتقاول القاضيان الشافعي والحنفي حتى تسابا. وأفحش الديري في أمر الهروي حتى قال: أشهدك يا مولانا السلطان أني حجرت عليه أن يفتي وحكمت بذلك، فنفذ حكمه المالكي والحنبلي في المجلس، وبلغ الهروي من البهدلة إلى حد لم يوصف، وأعان على ذلك شدة بغض الناس له وتمم عليه ورحيل أعوانه وأنصاره مثل ططر وغيره مع ما هو عليه من قلة العلم وعجمة اللسان.

فلما كان في الثامن من شهر ربيع الأول قدم طائفة من الخليل والقدس صحبة الناظر عليهم حينئذ وهو حسن الشكلي فشكون منه أنه أخذ منهم مالاً عظيماً في أيام نظره. فابتليت بالحكم بينهم بأمر السلطان، فتوجه الحكم على الهروي فخرج في الترسيم، فلما حاذى المدرسة الصالحية خرج الرسل الذين بها من جهة الحنفي فأدخلوه قاعة الشافعية وتوكلوا به. فأرسل قاصده إلى مرجان الخازندار، فنزل بنفسه وسب الموكلين به ونقله إلى داره.

وفي الثاني عشر منه أمر السلطان أن يوكل بالهروي فوكل به أربعة، فشرع في بيع بعض موجوده وأشيع أنه عزم على الهرب، ثم أمر بإعادة ما أودع تحت يده من مال

ص: 190

أجناد الحلقة وجملته ألف ألف وستمائة ألف، فوجد منه ألف ألف وتصرف في ستمائة ألف، فكثرت القالة فيه والشناعة عليه بسبب ذلك، ومنع ابن الديري نواب الهروي من الحكم واستند إلى أن الهروي ثبت فسقه فانعزل بذلك ولو لم يعزله السلطان، فكفوا.

فلما كان السابع عشر من ربيع الأول نزل السلطان إلى جامعه واستدعى بالبلقيني فأعاده إلى القضاء، ففرح الناس به جداً لبغضهم في الهروي - وكان ما سنذكره بعد ذلك.

وفي خامس صفر استقر صدر الدين ابن العجمي في الحسبة، وفرح الناس به لمعرفته وعفته.

وفي سادس عشره توجه ابن محب الدين أمير بطرابلس من جملة الأمراء.

وفي ثامن عشره عمل الوقيد بالبحر كالسنة الماضية.

وفي أواخر صفر ثار المماليك الذين في خدمة السلطان بالطباق وأرادوا إحداث فتنة وامتنعوا من حضور الخدمة وذكروا أن سبب ذلك حقارة الجامكية، فأمر السلطان أن يزاد كل واحد منهم على قدر ما يريد فرضوا وسكنت الفتنة. وفيه أرسل الطنبغا المرقبي إلى الصعيد وصحبته رقم (؟) أمير هوارة، فطرقه الأعراب فكانت بينهم مقتلة عظيمة، ثم انهزم العرب إلى الميمون وغنم الطنبغا ومن معه من أغنامهم ودوابهم شيئاً كثيراً جداً.

وفي صفر فشا الطاعون بالشرقية والغربية وابتدأ بالقاهرة ومصر، ثم كثر جداً في ربيع الأول، وكان في الأطفال كثيراً جداً، وعم الوباء في بلاد الفرنج، وفيه عمرت قناطر شينين فبلغ مصروفها خمسة آلاف دينار جمعت من بلاد الجيزة حتى من الإقطاعات والرزق.

ص: 191

وفي تاسع عشري ربيع الأول كسفت الشمس قبيل الزوال فاجتمع الناس بالجامع الأزهر، فصليت بهم صلاة الكسوف على الوصف المعروف في الأحاديث الصحيحة بركوعين مطولين وقيامين مطولين وكذلك في جميع الأركان المقصودة وغير المقصودة، ثم خطبت بهم ما يقتضي ذلك بعد أن انجلت الشمس والحمد لله، واتفق وقوع زلزلة في هذا اليوم بمدينة أرزنكان، هلك بسببها عالم كثير وانهدم من مباني القسطنطينية شيء كثير وهدمت قيسارية بناها ابن عثمان في برصا وما حولها وهلك بسبب ذلك ناس كثير.

وفي ربيع الأول ركب المحتسب والوالي فطافا بأمر السلطان على أماكن الفساد بالقاهرة وأراقا من الخمور شيئاً كثيراً، ومنع المحتسب النساء من النياحة على الأموات في الأسواق وعزر طائفة منهن. وألزم ود والنصارى بتضييق الأكمام وتصغير العمائم وبالغ في ذلك.

وفيه تشاجر الوزير والأستادار وتفاحشا، وخلع عليهما في تاسع عشرة والتزما بحمل مائة ألف دينار.

وفي المحرم قبض على محمد بن بشارة، وذلك أن السلطان كان أرسل ناصر الدين محمد بن إبراهيم بن منجك إلى دمشق وأمره أن يحتال على ابن بشارة، فراسله إلى أن ضمن له عن السلطان الرضا، فلما اطمأن لذلك أرسل أمان السلطان وحلف وأرسل له

ص: 192

خلعة فلبسها وأقبل إلى دمشق، فتلقاه وبالغ في إكرامه فآمن، فينا هو آمناً في سوق الخيل فتلقاه ابن منجك فدخلا جميعاً إلى بيت نكباي نائب الغيبة، فلم يستقر به المجلس حتى قبض عليه، فدفع عن نفسه بسيفه وجرح من تقدم فتكاثرت السيوف على رأسه، وقض على عشرين من أصحابه فوسط منهم أربعة نفر واعتقل ابن بشارة بدمشق، ثم أمر السلطان بإحضاره فأحضر في رابع عشري جمادى الأولى.

وفي خامس ربيع الآخر خدع الهروي الموكلين به من الأجناد ففر إلى بيت قطلوبغا التنمي فبلغ ذلك السلطان، فأمر الوالي الأمير التاج بنقله من بيت التنمي إلى القلعة فسجنه بها في البرج، ثم أنزله التاج في ثاني عشر من الشهر إلى الصالحية وقد اجتمع بها القضاة فادعى التاج على الهروي بالمال الذي ثبت عليه، فالتزم بأنه عنده وهو قادر عليه وأنه أدى بعضاً وسيؤدي الباقي، فسجنه في قبة الصالح ووكل به جماعة يحفظونه، ثم نقل في ثامن عشري الشهر المذكور إلى القلعة، لأنه كرر شكواه من كثرة سب الناس له من بغضهم فيه حتى خشي أن يأتوا على نفسه، ثم بادر التاج ونقل الهروي من جامع القلعة إلى مكان عنده بالمطبخ، ثم سعى عند السلطان في أمره إلى أن أمره بإطلاقه، فنزل إلى دار استكراها له مرجان الخازندار وراء مدرسة الجاي، فأقام بها إلى السنة الآتية.

وفي الثاني من جمادى الأولى ولد الملك المظفر أحمد بن الملك المؤيد شيخ فقدر الله أنه يلي السلطنة في أول سنة أربع وعشرين وعمره سنة واحدة وثمانية أشهر وأيام.

وفي الثالث من جمادى الأولى قرر كاتبه في تدريس الشافعية بالمؤيدية، وقرر يحيى

ص: 193

بن محمد بن أحمد العجيسي في تدريس المالكية، وقرر عز الدين عبد العزيز بن علي بن العز الذي كان قاضي القدس في تدريس الحنابلة، وتأخر تقرير مدرس الحنفية وغيره.

وفيها مات رئيس الأطباء إبراهيم بن خليل بن علوة الإسكندراني وكان حاذقاً في الطب، وقدم شخص يقال له نظام الدين أبو بكر محمد بن عمر بن أبي بكر الهمذاني الأصل التبريزي المولد سنة 757 وكان فاضل الشام فأحضره السلطان إلى القاهرة وكان ادعى في الطب والتنجيم دعوى عريضة وتناظر هو وسراج الدين عمر بن منصور بن عبد الله البهادري الحنفي، فاستظهر لبهادري عليه بكثرة استحضاره وذكائه وجمود أبي بكر المذكور، فلما كاد أمر البهادري أن يتم نكت عليه كاتب السر أنه لا يدري العلاج وإن كان يدري الطب وأن يده غير مباركة فإنه ما عالج أحداً إلا مات من مرضه ونصيحة السلطان واجبة، واستشهد بجماعة منهم ابن العجمي فوافقوه فانحل السلطان عنه وصرفهم، ثم أمرهم أن يتوجهوا إلى المارستان ويكتبوا لمن فيه أوراقً لينظر في أمرهم أيهم أصح كتابة، فلم ينجع من ذلك شيء، ثم قرر في رئاسة الطب بدر الدين ابن بطيخ.

وفي السابع من جمادى الأولى أحضر بطرك النصارى في الإصطبل بعد أن جمع القضاة والمشايخ فسأله عما يقع في الحبشة من إهانة المسلمين فأنكر ذلك، ثم انتدب له المحتسب فأنكر عليه تهاون النصارى بما يؤمرون به من الصغار والذل، وطال الخطاب في معنى ذلك واستقر الحال بأن لا يباشر أحد من النصارى في دواوين السلطان ولا الأمراء ولا غيرهم.

ص: 194

ثم أغرى شهاب الدين الإمام ابن أخي قاضي أذرعات السلطان بالأكرم فضائل النصراني كاتب الوزير، فاستدعى به وضربه بالمقارع بحضرته وشهره بالقاهرة عرياناً وسجنه، ثم آل أمره إلى أن أمر السلطان بأن يقتل فقتل، فصغر النصارى العمائم ولزموا بيوتهم وضيقوا أكمامهم ومنعوا من ركوب الحمر بالقاهرة وإذا خرجوا في ظاهرها ركبوها عرضاً، فأنف جماعة من النصارى من الهوان فأظهروا الإسلام فانتقلوا من ركوب الحمر إلى ركوب الخيل المسومة وباشروا فيما كانوا فيه وأزيد منه. وألزم النصارى ألا يدخلوا الحمامات إلا وفي أعناقهم الجلاجل وأن يلبس نساؤهم المصبغات ولا يمكنوا من الأزر البيض، فاشتد الأمر عليهم جداً وسعوا جهدهم في ترك ذلك فلم يعفوا لتصميم السلطان على ذلك.

وفي ثانية قدم الطنبغا المرقبي والأستادار أبو بكر من الصعيد، ودم الأستادار ما حصله من أموال هوارة فكان مائتي فرس وألف جمل وستمائة جاموسة وألف وخمسمائة بقرة وخمسة عشر ألف راس من الضأن.

وفي جمادى الأولى شرع في عمل الصهريج بجوار خانكاه بيبرس من جهة الملك المؤيد.

وفيه تغير كاتب السر ناصر الدين ابن البارزي على محتسب القاهرة صدر الدين ابن العجمي بعد أن كان هو الذي يقربه من السلطان ويسعى له فأخذ في أسباب إبعاده عن السلطان، وأعان ابن العجمي على نفسه بلجاجته وتماديه في غيه، فاتفق أن السلطان في هذه الأيام كان عاوده وجع رجله وانضاف إلى ذلك وقوع وجع في خاصرته وكان في كل سنة ينصل عن قرب في قوة الشتاء وقوة الصيف، فمنذ عالجه أبو بكر العجمي اشتد ألمه أكثر من كل سنة، فاتفق أنه استفتى وهو في شدة الوجع عن جواز الجمع بين الصلاتين بعذر المرض فأفتاه بذلك بعض الشافعية من خواصه، فسأل بعض الحنفية

ص: 195

فقال له: قلد الشافعي في هذه المسألة فاتفق حضور ابن العجمي في صبيحة ذلك اليوم فدارت المسألة بين الفقهاء الذين يحضرون عند السلطان، فبالغ ابن العجمي في الرد على من أفتى بذلك، فقيل له: قد أفتى به ابن عباس من الصحابة، فقال: أنا ما أقلد ابن عباس وإنما أقلد أبا حنيفة! هذا الذي اضبطه من لفظه فادعى عليه بعد ذلك بتاليب كاتب السر عند القاضي الحنفي ابن الديري انه قال ومن هو ابن عباس بالنسبة الى ابي حنيفة. فطلبه ابن الديري بالرسل حتى أحضروه مهاناً ووكل به بالصالحية.

وفي تاسع عشره طلب ابن الديري ابن العجمي فعزره من غير إقامة بينة عليه بشيء مما ادعى عليه به، ثم أفرج عنه فجمع نفسه عن الكلام في الحسبة، فبلغ ذلك السلطان فأنكر ذلك واستدعاه وخلع عليه وأقره على الحسبة، ففرح الناس بذلك فرحاً عظيماً، وكانوا اتهموا القبط في الممالأة عليه وظنوا أن ابن البارزي قبطياً، وليس كذلك وإنما هو أعان على نفسه حتى اسخط الرؤساء عليه.

وفي جمادى الآخرة تحول السلطان من القلعة في محفة إلى بيت ابن البارزي المطل على النيل وكانا البارزي قد استأجر بيت ناصر الدين بن سلام وأضاف عدة بيوت مجاورة له وأتقن بنيانها ووضعها وضعاً غريباً على قاعدة عمائر بلدة حماة، فأعجب السلطان ذلك إعجاباً شديداً واختار الإقامة به حتى يبل من مرضه، فأقام بها من نصف جمادى الآخرة إلى نصف رجب واستدعى الحراقة الذهبية، فكان يركب من بيت ابن البارزي إلى القصر الذي بأنبابة ثم منه إلى بيت ابن البارزي وتارة ينام في الحراقة الليل كله وتارة يتوجه إلى الآثار فيها ويرجع إلى رابع عشر رجب، فتحول إلى بيت الخروبي بالجيزة وكان قد أحضر الحراريق المزينة التي جرت العادة بتزيينها في ليالي وفاء النيل فاستصحبها صحبته مقلعة إلى الخروبية، واجتمع الناس للفرجة في شاطئ النيل من بولاق إلى مصر، فمرت في تلك الليالي للناس من النزه والبسط ما لا مزيد عليه مع الإعراض عن المنكرات لإعراض السلطان عنها، وكان قد تاب من مدة وأعرض عن

ص: 196

المنكرات إعراضاً تاماً، ثم ركب في سادس عشر رجب من الخروبية في الحراقة إلى المقياس، ثم نزل في الحراقة الصغيرة إلى الخليج على العادة وركب فرسه وطلع القلعة، وكان وصول الملك إبراهيم بن السلطان إلى قيسارية ونائبها يومئ ناصر الدين محمد بن خليل بن دلغادر فقرره على نيابته.

وفي سادس عشر جمادى الأولى وصل إبراهيم بن السلطان إلى لارندة وأركلى بها وأرسل يشبك نائب حلب فأوقع بالتركمان ونهب منهم شيئاً كثيراً وأرسل عسكراً ضخماً إلى محمد بن قرمان فكبسوا عليه ففر منهم ونهب جميع ما وجدوا له من مال وأثقال وخيل وجمال، ثم غلب العسكر المصري على بلده وهي كرسي بلاد ابن قرمان، وقرر الملك إبراهيم بن السلطان المؤيد في مملكة ابن قرمان أخاه علياً وخطب في جميع تلك البلاد باسم المؤيد وضربت السكة باسمه، ثم رجع ابن السلطان إلى حلب وأقام بها لعمارة سورها وأرسل يستأذن أباه على الرجوع وكان دخوله حلب في ثالث شهر رجب، وكان إبراهيم بن السلطان قبل رجوعه من حلب قد أرسل تاني بك ميق نائب الشام إلى طرسوس فملكها، ثم إلى أذنة فواقع مصطفى بن محمد بن قرمان وإبراهيم بن رمضان فهزمها، فتوجها إلى قيسارية في سادس عشر شعبان فقاتلهم محمد بن دلغادر فقتل مصطفى بن محمد بن قرمان في المعركة وقبض على أبيه محمد ابن قرمان فاعتقل، وأرسلت راس مصطفى إلى القاهرة فوصلت قبل وصول ابن السلطان وذك في سادس عشر رمضان، ثم توجه الى القاهرة فتلقاه السلطان

ص: 197

الى سرياقوس ووصل معه نائب الشام تاني بك ميق ودخلوا القاهرة في ثامن عشرى شهر رمضان. وكان ابن السلطان قرر في بلاد محمد بن قرمان أخاه على بن قرمان وتسلم قيسارية محمد ابن دلغادر فواقعه محمد بن قرمان فانكسر وقبض عليه وجهز إلى القاهرة، وكان قدوم إبراهيم ابن السلطان المؤيد دمشق في خامس عشر رمضان فساروا في تسعة أيام ودخل معهم نائب الشام وخلع عليهم جميعاً وزينت لهم البلد، وكان السلطان استدعى نائب الشام فحضر مسرعاً وطلع إبراهيم ابن السلطان وبين يديه الأسارى من بني قرمان وغيرهم في القيود منهم نائب نكدة، وكانت سفرة إبراهيم بن السلطان هذه خاتمة سعادة الملك المؤيد، فإنه نشأ له هذا الولد النبيه وتم له منه هذا النصر العظيم والشهامة الهائلة، وجاء الأمراء وغيرهم يشكرون من سيرته ولا يذم أحد منهم شيئاً من خصاله، ثم رجع إلى أبيه في أسرع مدة مؤيداً منصوراً، فلحظتهم عين الكمال فما أخطأت وما حال الحول إلا وأحوالهم قد تغيرت وأمورهم قد تهافتت - فسبحان من لا يتغير ولا يتبدل! وفي ثالث شوال قرر جقمق في نيابة الشام عوضاً عن تاني بكي ميق وقرر تاني بك ميق في تقدمة ألف على إقطاع جقمق، واستقر مقبل الدويدار الثاني في وظيفة جقمق في الدوادارية الكبرى.

وفي شعبان اجتمع العوام بالإسكندرية فهجموا أماكن الفرنج فكسروا لهم ثلاثمائة قنينة خمر ثمنها عندهم أربعة آلاف دينار ثم أرقوا ما وجدوه من الخمور، ولم يعلم لذلك أصل ولا سبب.

وفيها اجتمع ملوك الفرنج على حرب ابن عثمان صاحب برصا، فاستعد لهم.

وفي يوم الخميس ثامن شهر ربيع الآخر فشا الطاعون وكثر موت الفجأة حتى ذعر الناس.

ص: 198

فأمر السلطان المحتسب أن ينادي بصيام ثلاثة أيام أولها يوم الأحد حادي عشر، فصاموا ثلاثة أيام وخرجوا يوم الخميس نصف ربيع الآخر إلى الصحراء، فخرج الفقهاء والمشايخ والعلماء والقضاة والعامة، وتوجه الوزير وأستادار الصحبة إلى تربة الملك الظاهر فنصبوا المطابخ السلطانية وباتوا في تهيئة الأطعمة والخبز، ثم ركب السلطان بعد صلاة الصبح ونزل من قلعة الجبل لابساً ثياب صوف وعلى كتفيه مئزر صوف مسدل وعليه عمامة صغيرة جداً لها عذبة مرخاة عن يساره وهو متخشع منكسر النفس وفرسه بقماش ساذج، فوجد الناس قد اجتمعوا وحضروا الجميع مشاة. فوقف السلطان بينهم وعجوا بذكر الله، فنزل السلطان عن فرسه وقام على قدميه والقضاة والخليفة والمشايخ حوله وخلفهم من الطوائف ممن يتعسر إحصاؤه، فبسط السلطان يديه ودعا وبكى وانتحب والناس يرونه وبقي على ذلك زماناً طويلاً، ثم توجه إلى جهة التربة فنزل وأكل وذبح بيده مائة وخمسين كبشاً سميناً وعشر بقرات وجاموستين وجملين وهو يبكي ودموعه تنحدر بحضرة الناس على لحيته، وترك الذبائح مضطجعة كما هي وركب إلى القلعة، فتولى الوزير وأستادار الصحبة تفرقتها على الجوامع والخوانك والزوايا، وقطع منها شيء كثير ففرق على من حضر من الفقراء، وفرق من الخبز نحو من ثلاثين ألف رغيف، وبعث إلى السجون عدة أرغفة وقدور أطعمة، واستمر الناس في الخشوع والخضوع إلى أن اشتد حر النهار فانصرفوا، فكان يوماً مشهوداً لم يتقدم له نظير إلا ما جرت العادة به في الاستسقاء، وهذا زعموا أه لاستكشاف البلاء فيسر الله عقب ذلك برفع الوباء، وبلغ عدة من يرد الديوان من الأطفال خاصة من صفر إلى سلخ ربيع الآخر نحو أربعة آلاف طفل، ومن جميع الناس سواهم قدر أربعة آلاف أخرى وأكثر ما انتهى إلى ثمانمائة في الديوان، ويقال جاوز الألف والمائتين.

وفي ربيع الآخر اتفق بمصر كائنة عجيبة وهو أن شخصاً كان له أربعة أولاد ذكور فلما وقع الموت في الأطفال سألت أمه أن يختنهم ليفرح بهم قبل أن يموتوا، فجمع الناس لذلك على العادة وأحضر المزين فشرع في ختن واحد بعد آخر، وكل من يختن يسقى

ص: 199

شراباً مذاباً بالماء على العادة، فمات الأربعة في الحال عقب ختنهم، فاستراب أبوهم بالمزين وظن أن مبضعه مسموم فجرح المزين نفسه ليبرئ ساحته فانقلب فرحهم عزاء، ثم ظهر في الزير الذي كان يذاب فيه الشراب حية عظيمة ماتت فيه وتمزقت فكانت سبب هلاك الأطفال - ولله الأمر.

وفي التاسع عشر من شهر رجب وشى الشيخ شرف الدين بن التباني بناظر الكسوة زين الدين عبد الباسط بأنه خالف شرط الواقف في عمل الكسوة، فعقد له بسبب ذلك مجلس وأحضرت الكسوة، فسأل السلطان القضاة: هل يجوز أن يعمل في الكسوة هذا الذهب والزخرفة مع أن شرط الواقف أن يفرق ما فاض من المال بعد عمل الكسوة على العادة في وجوه البر، فتعصب الشافعي لعبد الباسط وقال: هذا من وجوه البر، فنازعه الحنبلي في ذلك، فلم يصغوا واستمر الحال.

وفي شعبان تزايد ألم السلطان ثم عوفي وركب إلى بركة الحجاج وأجرى الخيل هناك وسابق بينهما بحضرته، ثم ركب إلى بركة الحبش وسابق بين الهجن.

وفيه سرق الإفرنج رأس مرقص أحد من كتب الأناجيل الأربعة من الإسكندرية وكانت موضوعة في مكان، ومن شأن اليعاقبة من النصارى أن لا يولوا بطركا حتى يمضي إلى الإسكندرية ويوضع هذه الرأس في حجره ثم يرجع، ولا تتم هذه البطركية إلا بذلك، فتحيل بعض الفرنج حتى سرقها من الإسكندرية، فاستعظم النصارى اليعاقبة ذلك ووقفوا للسلطان بسبب ذلك، وحج بالناس في هذه السنة التاج الوالي.

وفي رمضان ثارت بالملك الناصر أحمد صاحب اليمن سوداء فاختل عقله واعتقل، وأقيم في الملك عوضاً عنه أخوه حسين بن الأشرف، وأعانه على ذلك الأمير محمد بن زياد الكاملي، وكان الغلاء يومئذ ببلاد اليمن شديداً، ووقع عليه جراد أهلك زروعهم.

ص: 200

وفي رمضان غلت الأسعار وبلغ الإردب من القمح ثلاثمائة درهم وأزيد، وسبب ذلك كثرة الحرامية بالنيل، فقل الجلب من الوجه القبلي وحمل من الوجه البحري إلى الصعيد من الغلال ما لا مزيد عليه لشدة الغلاء الذي هناك حتى أكلت القطاط والكلاب، وكان سبب ذلك الغلاء بمصر أن النيل نزل بسرعة فزرعوا في الحر على العادة في السنين الماضية فأفسدت الدودة البرسيم، وتأخر المطر في الخريف والشتاء في الوجه البحري فلم تنجب الزروع، وخرج السلطان إلى سرحة البحيرة فأتلف شيئاً كثيراً.

وفي رابع عشر شوال عقد مجلس بسبب قرقماش أحد المقدمين من الأمراء، فادعى عليه مملوك أنه قطع أنفه وأذنه، فأنكر فأحضر البينة، فدفعه السلطان للقاضي المالكي.

وفي سابع عشر شوال رحل جقمق إلى دمشق لولاية إمرتها، وقرر قطلوبغا التنمي في إمرة صفد عوضاً عن مراد خجا، ورسم بنفي مراد خجا الشعباني إلى القدس.

وفي يوم الجمعة حادي عشري شوال قرر الشيخ شمس الدين بن الديري في مشيخة المؤيدية وتدريس الحنفية بها، ونزل السلطان إلى الجامع وخلع عليه، وباشر فرش سجادته إبراهيم ابن السلطان، وتكلم على قوله تعالى " الذين إن مكنهم في الأرض أقاموا الصلوة " الآية وخلع على كاتب السر ابن البارزي، واستقر خطيباً وخازن الكتب، ومد السماط الكبير فأكل الخواص ثم تناهبه العوام، وعرض للسلطان الطلبة فقرر من شاء وصرف من لم يصلح في نظره، وخطب ابن البارزي خطبة بليغة أجاد فيها أداء وإنشاء، واستقر في تدريس التفسير بالمؤيدية بدر الدين ابن الأقصرائي، وفي تدريس الحديث بدر الدين العينتابي، وخلع على ولد كاتب السر القاضي كمال الدين خلعة السفر إلى الحجاز وكذلك على شهاب الدين الأذرعي إمام السلطان، ثم ركب السلطان من يومه إلى الجيزة فأقام ثلاثة أيام.

ص: 201

وفي سادس ذي القعدة قرر الشيخ زين الدين عبد الرحمن بن علي ابن عبد الرحمن التفهني في قضاء الحنفية عوضاً عن شمس الدين ابن الديري وتوجه السلطان من يومه الى مسرحة البحيرة واستناب في عنبتة اينال الابزعري وقرر مهنأ بن عيسى في امرة ال جرم عوضاً عن علي بن أبي بكر بعد قتله ولبس خلعة من مخيم السلطان وكان قتل علي في حرب بينه وبين محمد بن عبد القادر النابلسي شيخ العشير بها في شوال.

وفيها قتل محمد بن بشارة بالقاهرة في آخر شوال وصدقة بن رمضان أحد الأمراء بالتركمان في سيس.

وفي ذي الحجة ألزم المحتسب النساء أن لا يعبرن جامع الحاكم، وألزم الناس أن لا يمر أحد منهم إلا وهو مخلوع النعل وشدد على القومة في ذلك، فاستمر ذلك وطهر المسجد من قبائح كانت تقع من النساء والرجال والشباب والصبيان.

وفي خامس ذي الحجة وردت هدية علي بك بن قرمان نائب السلطنة بنكندة ولارندة ولؤلؤة.

وفي خامس ذي القعدة قبض جقمق نائب الشام على نكباي الحاجب واعتقله بأمر السلطنة، وصلى السلطان عيد الأضحى بالطرانة وخطب به، وصلى العيد ناصر الدين ابن البارزي

ص: 202