الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة عشرين وثمانمائة
استهلت والسلطان على قصد السفر لتمهيد أمور البلاد الشمالية فعلق الجاليش في خامس المحرم ونودي على الفلوس أن تكون سعر كل رطل ستة فاستقامت الأحوال، وأمر طرغلي بن صقل سيز السفر لجمع التراكمين فتوجه، وفرقت النفقات في نصف الشهر فكان لكل مملوك عشرة آلاف درهم يكون حسابها من الذهب أربعين مثقالاً، وكانت النفقة من الخزانة للأمير الكبير خمسة آلاف دينار ولأمير آخور أربعة آلاف، ولمن دونه من المقدمين لكل واحد من الطبلخاناة خمسمائة ولكل أمير عشرة مائتين.
وفي أول هذه السنة بلغ أقباي الدويدار نائب حلب تغير خاطر السلطان عليه فركب على الهجن جريدة في أسرع وقت فوصل إلى قطيا واستأذن في الوصول، فأمر السلطان بتلقيه، فتلقوه بسرياقوس، وجهز إليه مركوب وكاملية، فلقي السلطان يوم السبت محرم 24 المحرم، فلامه السلطان على سرعة الحركة فاعتذر، فقرره على نيابة الشام وأمره بالمسير إلى دمشق فسار جريدة على الخيل.
وفيه ضرب الدنانير من عشرة مثاقيل وخمسة، وكان السالمي قبل ذلك ضرب ذلك ثم بطل فجدده المؤيد، فكان الذي يحصل له الدينار منها لا يجد صيرفيا يصرفه، فلما كثر التشكي من ذلك بطلت.
واستناب في حلب قجقار القردمي أمير سلاح، وجهز أقبغا أمير أخور للقبض على الطنبغا العثماني نائب الشام والحوطة على موجوده وسجنه بالقلعة فتوجه لذلك مسرعا. ونودى للأجناد البطالين أن يخدموا عند الأمراء وعند السلطان، ومن وجد بعد ذلك بطالاً - بغير خدمة لا يلومن إلا نفسه! ثم قبض على جماعة ممن لم يمتثلوا الأمر فسجنوا
وخرج السلطان إلى الريدانية في سادس عشري المحرم، وقرر نيابة الغيبة طوغان أمير آخور، وقرر في القلعة أزدمر شايه، وكان قدم أمير المحمل في أول السنة، وقدم القاصد إلى السلطان بخيمة كبيرة بلغت النفقة عليها عشرة آلاف دينار، وتقدم الجاليش صحبة إبراهيم ولد السلطان ومعه قجقار نائب حلب وجماعة من الأمراء وسار السلطان في رابع صفر، وتأخر بالقاهرة فخر الدين الأستادار وعين نائب الغيبة له مائتي مملوك يكونون صحبته من أجناد القلعة وسافر القضاة صحبة السلطان على العادة إلا المالكي فكان قريب العهد بالقدوم من الحج فأعفي عن السفر، وأتفق أن شهاب الدين القرداج كان استقر مؤذناً في الركاب السلطاني فتغيب عن السفر فورد، المرسوم بعد مدة بالقبض عليه وبتجريسه فجرس ثم حبس إلى أن جاء الخير بقدوم السلطان فأفرج عنه وأذن له في ملاقاته.
في ثاني عشر صفر وصل ناصر الدين ابن خطاب الحاجب بدمشق بسبب الطنبغا العثماني وقد قبض عليه وسجن بقلعة دمشق، وكان الخبر لما وصل بذلك أذعن وحل سيفه بيده وهو حينئذ بالحزبة وتوجه صحبة العسكر إلى دمشق فسجن بالقلعة، ونزل السلطان غزة في نصف صفر، ونزل بمصطبة استجدها بظاهر المدينة، فقدم خليل الجشاري نائب صفد وحسن بشارة مقدم البلاد الصفدية عليه.
ثم توجه إلى جهة دمشق وأمراء العربان ومشايخ البلاد يردون إلى أن وصل مرج الكتيبة في سابع عشري صفر، وقدم عليه قصاد أمراء التركمان يسألون الصفح عنهم ويعدونه بحضورهم إلى الطاعة، فأجيبوا بأنهم إن صدقوا في ذلك وصلوا وإلا فليتخذ كل منهم نفقاً في الأرض أو سلماً
في السماء.
ثم قدم أقباي نائب الشام في العسكر، ودخل السلطان دمشق أول ربيع الأول، ولم ينزل القلعة بل استمر سائراً إلى أن نزل بالمصطبة التي استجدها لنفسه ببرزة وابنه إبراهيم حامل القبة على رأسه فكان يوماً مشهوداً.
وفي ليلة الجمعة عمل المولد هناك على العادة وأرسل في ثامنه زين الدين الخواجا إلى محمد بن قرمان برسالة.
وفي تاسعه قدم يشبك نائب طرابلس.
وفي عاشره دخل السلطان حمص وقدم نائب حماة جارقطلو فأعيد إليها من ساعته لعمل المهمات السلطانية.
وفي ثالث ربيع الأول أفرج السلطان عن سودون القاضي وأعطاه إقطاع اقبردى المنقار بعد موته، وتوجه السلطان على حماة فقدم عليه بها حديثة بن سيف أمير آل فضل وغنام بن زائل أمير آل موسى فتشاجرا في قتل سالم بن طويب فسكن السلطان ما بينهما، ثم عرض عليه تقادم لأمراء فقبلها، ثم سار متوجهاً إلى حلب فخيم في ليلة الثلثاء سابع عشرة بمنزلة تل السلطان وكانت قديماً تعرف بالعبيديين، وأصبح فاستعرض العساكر هناك، ثم رحل إلى قنسرين فقدم بها قجقجار القردمي نائب حلب بعساكرها، ثم قدم طغريل بن صقيل سيز بعساكره وهم ألف وخمسمائة فارس.
وفي يوم السبت حادي عشر ربيع الأول ركب السلطان عند الفجر وشرع في صف الأطلاب وتعبية العساكر بنفسه، ودخل حلب وهو في الميمنة من شرق حلب بين النيرب وجيرين وشقها إلى أن نزل المصطبة الظاهرية خارجها، ودخلت الميسرة من الجهة الأخرى والتقوا بالميدان الأخضر، وترقب وصول الرسل التي أرسلها إلى أطرافه، فقدم في ثاني
عشري ربيع الأول خليل بن بلال الكردي نائب مدينة إياس ومعه مفاتيح قلعتها، فقرر في نيابتها صاروجاء مهمندار حلب.
وقدم عليه في ثالث عشر منه جمع كثير من التركمان والعربان، ثم جهز نائب الشام ونائب حماة وعسكرهما ومن انضم إليهما من تركمان وعرب إلى جهة ملطية وقرر داود بن أوزر وجماعة بالعمق، وقرر في نيابة حلب يشبك اليوسفي، وفي نيابة القلعة شاهين وأرغون وأمره بتقوية البرجين اللذين جددهما جكم، فأكمل عمارتهما وشيدهما وحصنهما، فصارا كقلعتين استخرجتا من القلعة الكبرى وعظم شأن القلعة بهما، وأمر المؤيد بعد ذلك بتكملة سور حلب فشرع فيه وطلب العمال من البلاد حتى جدوا فيه وتعب أهل حلب في عمله، ثم سار الجاليش السلطاني ومقدمهم الطنبغا القرمشي في عدة من الأمراء، وتوجه السلطان في ثاني ربيع الآخر على جهة العمق، فقدم عليه رسل محمد بن قرمان وفيهم مصلح الدين مرسل قاضي عسكره وصحبته هدية وكتاب اعتذار عن تقصيره وطبق فضة مسكوكة باسم المؤيد، فعنف السلطان الرسول وعدد له خطأ مرسله في امتناعه عن تجهيز مفاتيح طرطوس، وفي عدم قبضه على كزل وغيره من المتسحبين فاعتذر مصلح الدين، فصفح عنه وأمره بالجلوس وفرق الدراهم على الحاضرين، وقدم في ذلك اليوم رسول ابن عثمان، ثم قدم إبراهيم بن رمضان وابن عمه وأكثر التركمان الأوجيقية وقدمت معهم أم إبراهيم وأولاده الصغار، فأكرمهم السلطان وخلع عليهم وأنفق فيهم، وأرسل مصلح لإحضار مفاتيح طرطوس بشرط إن مضى جمادى الأولى ولم يحضرها مشى السلطان على بلاد ابن قرمان، وتوجه قجقار نائب حلب إلى جهة طرطوس فقدم بين يديه شاهين الأيدكاري فدخل طرطوس وتحصن نائبها مقبل بالقلعة، فنزل
قجقار فحاصر القلعة إلى أن أخذها بالأمان في أواخر ربيع الآخر.
وأخذ مقبل ومن معه وسجنوا - وسار السلطان على جهة مرعش على الأبلستين وحضر إلى قجقار لما نزل بغراص خليفة الأرمن بمفاتيح قلعتي سيس وبادوز، فجهزهم السلطان فخلع علي القصاد.
وقرر في نيابة قلعة سيس الشيخ أحمد أحد العشراوات بحلب، ووصل نائب الشام إلى ملطية في خامس ربيع الآخر فوجد حسن بن كبك قد أحرقها فلم يبق منها إلا اليسير ولم يتأخر من أهلها إلا الضعيف العاجز ونزح فلاحوها فتوجه في آثارهم وأعلم السلطان، فأرسل السلطان ولده إبراهيم ومعه جقمق الدويدار وجماعة من الأمراء فساروا مجدين ودخلوا الأبلستين للقبض على ابن دلغادر، ففر منهم وأخلى البلاد، فتوجهوا منها وأوقعو بمن في كلد من التركمان وبمن في خان السلطان وبمن صار وشر ولحقوا محمد بن دلغادر في سادس عشره وهو سائر بحريمه وأثقاله فاحتووا على جميع ماله، وخلص هو في جريده من الخيل، وقبض على جماعة من أصحابه، ومن جملة ما نهب له مائة بختي كل واحد قدر الفيل،
ورجع نائب الشام وقد قرر أمر ملطية، وفر حسين بن كبك إلى بلاد الروم، وتوجه نائب حماة إلى جهة كختا وكركر فنازل القلعتين وقد أحرق نائب كختا أسواقها، ثم أمد السلطان نائب الشام بعسكر آخر، وقدم كتاب محمد بن دلغادر يسأل العفو عن أن يسلم قلعة درندة، فأجيب إلى ذلك فقدم ولده ومعه هدية ومفاتيح القلعة.
وفي أواخر الشهر قدم قاصد علي ابن دلغادر ومعه هدية وكتاب فأضاف له السلطان نيابة الأبلستين مع نيابة مرعش، وتوجه السلطان في ثامن عشري الشهر إلى درندة وبات عليها واستدعى بآلات الحصار فوصلت مفاتيح قلعة خيدروس، وأوقع الأمير استنبك بن إينال بمحمد بن دلغادر فقطعت يد ولده الكبير في الوقعة، ثم ركب السلطان بنفسه على درندة، وطلبوا الأمان فأمنهم يوم الجمعة سلخ الشهر، وفيهم داود بن محمد بن قرمان فألبسه السلطان خلعة واستولى على القلعة وقرر في نيابة ملطية ودوركي منكلي بغا الأرغون شاوي.
وفي سادس جمادى الأولى وجه محمد بن شهري عسكراً فقاتلوا بقلعة خرت برت فأخذوها فجهز من أهلها أحد عشر رجلاً، فأمر السلطان بصلبهم على قلعة درندة، ثم رجع السلطان إلى الأبلستين يريد بهنسا وكختا وكركر وأرسل من هنا رسول قرا يوسف واسمه دنكز بجواب كتابه وصحبته هدية مع رسول من جهة السلطان، ثم وصل رسول من جهة قرا يوسف صحبة القاضي حميد الدين قاضي عسكره ووصل كتاب محمد شاه بن قرا يوسف وكتاب سر عمر حاكم أذربيجان،
وتوجه السلطان إلى بهنسا بعد أن وجه إليها نائب الشام، فتسلم نائب الشام القلعة من طغرق بن داود بن إبراهيم بن دلغادر وأخذه صحبته ورجع إلى لقاء السلطان، فالتقيا به عند حصن منصور فرضي على طغرق، ونزل قجقار نائب حلب على كختا وكركر، ثم أردفه السلطان بنائب حماة ونائب طرابلس ونزل السلطان بحصن منصور في أواخر جمادى الآخرة، فقدم عليه رسول قرا يلك بهدية، وقدم عليه رسول الملك العادل سليمان الأيوبي صاحب حصن كيفا بهديته، وقرر في نيابة قلعة الروم منكلي بغا عوضاً عن أبي بكر بن بهادر الياسري وقرر في نيابة بهنسا كمشبغا الركني، ونازل كختا ونصب للرمي على قلعتها مدفعا - فبينا هو كذلك إذ ورد الخبر بأن قرا يوسف قصد قرا يلك، فالتجأ قرا يلك إلى السلطان وكاتبه واحتمى به واشتد الحصار على قلعة كختا ولم يبق إلا أخذها فطلب صاحبها الأمان، فآل الأمر إلى أنه يبعث ولده لهنا وينزل عن القلعة بعد رحيل السلطان، فتوجه السلطان إلى جهة كرر وسارت الأثقال إلى عينتاب فنازل السلطان قلعة كركر في أوائل جمادى الآخرة ونزل قرقماش من قلعة كختا فتسلمها نواب السلطان، وطرق جماعة من عسكر قرا يوسف قلعة تناسر فنهبوا بيوت الأكراد، وعدا منهم جماعة الفرات فركب عليهم بغا نائب ملطية فساروا إلى خرت برت، وقرر السلطان شاهين الحاجب في نيابة كركر وكزل بغا في نيابة كختا.
وفي سابع رجب عاود السلطان ألم رجله فركب المحفة عجزاً عن ركوب الفرس، فنزل الفرات في مركب وصحبته خاصته إلى أن وصل قلعة الروم وقرر أمرها.
وفي سابع رجب قدم كتاب اقباي نائب الشام أن قجقار نائب حلب رحل عن حصار
كركر بغير علمه، فوصل كتاب قجقار يعتذر عن ذلك بأنه بلغه أن قرا يوسف واقع قر يلك فهزمه وأن من معه خافوا من قرا يوسف، فلما حل ذلك رحل فأجيب نائب الشام بأن يستمر على الحصار، ووقع الغضب على قجقار، ثم طلب خليل نائب كركر الصلح من نائب الشام فراسل السلطان في ذلك، ودخل السلطان حلب في ثالث عشر رجب فوجد أهلها في وجل شديد من قرب قرا يوسف، فاطمأنوا بحضور السلطان، وأمر السلطان بتكملة القصر الذي كان جكم قد شرع في عمارته فعمر في أسرع وقت، وقعد السلطان فيه في آخر الشهر وأمر بصلب مقبل القرماني ورفاقه، ووصل النواب في سابع عشر رجب، فأغلظ السلطان لقجقار يوبخه على سرعة رحيله، فأجاب بغلظة فأمر بالقبض عليه فسجن بقلعة حلب ثم أفرج عنه من يومه وأرسله إلى دمشق بطالاً، وقرر يشبك نائب طرابلس في نيابة حلب، وقرر بردبك في نيابة طرابلس، وقرر ططر رأس نوبة موضع بردبك، ونقل جارقطلو إلى نيابة صفد، وقرر في نيابة حماة نكباي ونقل خليل الجشاري نائب صفد حاجباً بطرابلس فاستعفى فأعفي، وقرر عوضه سودون - قرا صقل وتوجه النواب إلى بلادهم، وحضر السلطان حميد الدين رسول قرا يوسف ورسول صاحب حصن كيفا يسأل أن ينعم عليه بانتسابه إلى السلطان واستمراره نائباً من نوابه، فخلع على قاصده وخلع على قاصد قرا يوسف وأعيد إلى مرسله.
وفي شعبان أصلح السلطان بين حديثه أمير آل فضل وبين غنام ابن زامل وحلفهما على الطاعة، وخلع على محمد بن دلغادر بنيابة الأبلستين.
ووصل قاصد كردي بك ومعه سودون اليوسفي أحد من هرب في وقعة قانباي فسمر تحت قلعة حلب ثم وسط.
وفي شعبان قبض ابن عثمان على محمد بن قرمان وعلى ولده مصطفى بعد أن حاصره بقونية واستولى عليها وعلى غالب بلاد ابن قرمان قيسارية وغيرها.
وفي أواخر شعبان سجن طرغلي وابن عمه طغريل ابنا سقل سيز وسجنا - بقلعة حلب، وقرر محمد بك - التركماني في نيابة شيزر عوضاً عن طرغلي، وقرر مبارك شاه في نيابة الرحبة عوضاً عن عمر ابن شهري.
ووصل في سابع عشر شعبان كتاب قرا يلك واسمه طورغلي التركمان بأنه اصطلح مع قرا يوسف وتسلم قرا يوسف عنه مدينة صور وعوضه عنها بألف ألف درهم، ومائة فرس ومائة جمل ورحل عنه إلى تبريز في رابع شعبان، فقريء كتابه على العسكر فاطمأنت نفوس أهل حلب بعد أن كانوا تهيئوا للرحيل إلى القاهرة فراراً من قرا يوسف، وثم وصلت الكتب من نائب البيرة وقلعة الروم ونائب كختا ونائب ملطية بنظير كتاب قرا يلك، فرحل السلطان من حلب في ثامن عشر شعبان، ودخل دمشق في ثالث رمضان، وقبض على أقباي نائب الشام وسجنه بقلعة دمشق، وكان المؤيد قد اشتراه صغيراً، ورباه ورقاه في خدمته إلى أن صار دويداراً كبيراً ثم ولاه نيابة حلب ثم دمشق وكان يتدين ويحب العدل ويسمو بنفسه وعلو همته إلى معالي الأمور، وكان السلطان غضب منه لكونه آوى جماعة من العصاة الذين خرجوا مع قانباي فهم به، فبلغه ذلك فقدم مسرعاً فأغضى السلطان عنه ورده إلى نيابة الشام، فنقل عنه بعض أعدائه أنه يهم بالخروج على السلطان، فاستدعاه السلطان يوم الركب ووبخه وعدد له من ذنوبه وأمر بالقبض عليه، وقرر تنبك في نيابة الشام بعد امتناع، ورضى عن قجقار القردمي وقرره أميراً بتقدمة ألف بمصر، وأفرج عن الطنبغا العثماني ونقله إلى القدس بطالاً، وقرر في نيابة حلب يشبك اليوسفي وفي نيابة القلعة شاهين الدويدار الأرغون شاه - فأحسن السيرة وشرع في تحصين البرجين بسفح القلعة: أحدهما
وهو القبلي سوق الخيل، والآخر وهو الشمالي على باب الأربعين، وبذل الجهد في ذلك، وأمر المؤيد بعمارة السور القديم. الذي استهدم من زمن هلاكو وهو محيط بمدينة حلب.
وبرز السلطان من دمشق في رابع عشرة، وقدم بيت المقدس في خامس عشر منه، وفرق على الفقراء مالاً، وجلس بالمسجد الأقصى بعد الصلاة، وقريء البخاري بحضرته من ربعة وختم، ومدح الوعاظ، وكان وقتاً حسناً، ثم توجه إلى الخليل فزار وتصدق أيضاً، ووصل إلى غزة في ثامن عشر منه، وصلى العيد على المصطبة المستجدة ظاهر غزة، ورحلوا من آخر يوم العيد فقدم خانقاه سرياقوس تاسع الشهر فأقام بها إلى رابع عشر شوال، وبات ليلة النصف بخليج الزعفران فأصبح باكره فرأيته - خلع على الأمراء وأصحاب الوظائف، وكانت خلع القضاة بسمور إلا المالكي فإنها كانت بسنجاب لكونه لم يسافر معهم، ودخل القاهرة في نصف الشهر وابنه إبراهيم يحمل القبة على رأسه فشق القاهرة وقد زينت له، ودخل جامعه الجديد ومد له - الأستادار سماطاً حافلاً فأكل منه، ثم مد له سماط آخر حلوى فتنوهبت، ثم ركب إلى القلعة وفرش الأستادار لخيله شققاً حريراً من أوائل الحسينية إلى القلعة.
وفي تاسع عشرة استقر طوغان أمير آخور عوضاً عن تنبك يبق نائب الشام، وقرر الطنبغا المرقبي وكان نائب قلعة حلب في الحجوبية الكبرى، وقرر قجقار القردمي أمير سلاح على عادته قبل نيابة حلب، وخلع على الأستادار بالاستمرار وأضيفت إليه أستادارية إبراهيم ابن السلطان، ورخصت الجمال عند خروج الحجاج جد الكثرة ما ورد مع العسكر.
ثم ركب السلطان في ثاني عشري شوال إلى الصيد ورجع فنزل بيت الأستادار، فخدمه بعشرة آلاف دينار، وركب من منزله حتى شاهد الميضاة، التي أنشأها الأستادار بجوار الجامع المؤيدي، وكان فرغ الأستادار منها في مدة يسيرة.
وفي خامس عشري من شوال استعفى فخر الدين الأستادار من الوزارة فقرر فيها أرغون شاه وكان أستادار نوروز بالشام في السادس والعشرين من شوال فباشر الوزارة بحرمة وصولة، وقدم الأستادار للسلطان عند قدومه من السفر أربعمائة ألف دينار عيناً، ثمانية عشرة ألف إردب غلة، فمن ذلك أربعين ألف دينار حصلها من ديوان الوزارة بعد التكفية في هذا المدة اللطيفة، وثمانون ألف دينار جباها من النواحي، وثلاثون ألف دينار من ماله هو، وكان حمل إلى الشام قبل ذلك مائة ألف دينار، فاستعظم السلطان ذلك وتقرر عنده أنه لا نظير له في المباشرين، ولم يسمع فيه بعد ذلك لومة لائم، فعوجل فخر الدين عن قرب ولم ينفعه ما ظلم الناس به.
وفي يوم الثلاثاء العشرين من شوال أدير المحمل وقرر أمير الحاج يشبك الدويدار الثاني، ولم تكن العادة بإدارته إلا يوم الاثنين أو الخميس واتفق أن أمير الركب هذا لما بلغه ما وقع لأخيه آقابي - نائب الشام خشي على نفسه فهرب من المدينة بعد الرجوع، فقام بأمر الحاج اسنبغا الفقيه إلى أن وصلوا إلى القاهرة، وأخبر الحاج لما رجعوا بأن السنة كانت شديدة الرخص حتى بيع الجمل الدقيق بستة دنانير أفلورية - ويقال إنه استقام على الذي جلبه باثني عشر.
وفي الرابع والعشرين من شوال أخرج قباي ومن بالقلعة من المسجونين فخرج نائب القلعة في إثره إلى باب الجديد وركب نائب الشام فأغلق آقباي باب القلعة واعتصم بها، وحاصره تنبك يبق وراسل السلطان بذلك، واستمر يومين، فوشي إلى النائب بأن آقباي قد خرج في النهر ومشى فيه إلى طاحون باب الفرج فقبض عليه هناك وعلى بعض أصحابه، فعوقب عقوبة شديدة على صنيعه ثم قتل بأمر السلطان وقدم برأسه في الثاني من ذي الحجة، وقرر في نيابة القلعة شاهين الحاجب الثاني وقرر في الحجوبية عوضه كمشبغا طولو.
وقرر في تقدمة التركمان عوضه شعبان بن اليغموري أستادار الديوان المفرد بدمشق.
وفي تاسع ذي القعدة وصل رسول قرا يلك في هذا الشهر فانحل سعر عامة المبيعات من الغلال وغيرها، وكان في الظن أن يلغو
ذلك بقدوم العسكر فجاء الأمر بخلاف ذلك.
فلما كان في ذي الحجة قلت الغلال وزاد سعر القمح وغيره مائة درهم الإردب وأزيد، وكان السبب في ذلك قلة المطر في الشتاء فجفت الزروع وهافت، فمنع من عنده قمح وغيره من البيع، فلطف الله تعالى بنزول الغيث في رابع عشر ذي الحجة وهو الموافق لإمشير فجادت الزروع ونمت وزكت وتراخى السعر ولله الحمد.
وفيها عصى محمد شاه بن قرا يوسف على أبيه في بغداد وامتنع من الوصول فأراد أبوه أن يحاصره، فأشير عليه بعدم التعرض له فتركه، وشرع محمد المذكور في جمع المال فحصل منه شيئاً كثيراً.
وفيها قتل الشيخ نسيم الدين التبريزي نزيل حلب وهو شيخ الحروفية وقد تقدم ذكر شيخه فضل الله في حوادث سنة أربع وثمانين، وأما هذا فإنه سكن حلب وكثر