الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقدم جماعة من المقادسة والخليلية يشكون من نائبها أركماس الجلباني أنواعاً من الظلم والأذية - لجميع الطوائف، ومما أعتمده أنه حبس القاضي شمس الدين البصروي وهو يومئذ قاضي الشافعية وزعم أنه استنقذه من العوام لئلا يرجموه وحجر على المياه التي لبيت المقدس فختم على الآبار ومنع الناس من الاستفاء منها إلا بثمن - إلى غير ذلك، فلما علم السلطان بسيرته أمر بعزله وقرر غيره في الإمرة وهو أخو - تغرى برمش الذي ناب عن السلطان في الغيبة.
سنة ثمان وثلاثين وثمانمائة
كان أولها يوم الخميس، فيها كائنة شمس الدين محمد المعروف بابن الادمي الجوهري، كان أحد طلبة العلم واشتغل كثيراً، وتنزل في بعض المدارس، ثم ترك فلزم التسبب بالبضاعة، فاتفق أنه حضر مجلس جوهر الخازندار فأراد أن يطريه، فقال له: أنت سئلت لهذه الوظيفة ويوسف عليه السلام سأل فيها فأنظر كم بين السائل والمسؤل! وأعاد ذلك مرة أخرى، فقال: فانظركم بين المقامين. فشاع ذلك عنه فبادر إلى الحنفي واعترف فحقن دمه وحكم له باستمراره على الإسلام، ونفذ ذلك، وبلغ ذلك الشيخ يونس الالواحي فثار كعادته فاستشكى واستكثر من الاستفتاء على ذلك، فبلغ الخازندار فشق عليه وتوعد يونس. قلت: واستمر ابن الأدمي على حالته وتنصل من ذلك، وتالم لما نسب إليه من ذلك ومن غيره.
وفيها أعيد ناصر الدين بن عز الدين البكري إلى قضاء الفيوم عوضاً عن رجب بن العماد الفيومي، ثم صرف وأعيد رجب بعناية جوهر الخازندار.
وفيها في المحرم قدم السيد الشريف تاج الدين بن عبد الله الحسيني الشيرازي رسولاً من قبل السلطان شاه رخ بن تيمور وقدم هدية للاشرف، وسأل أن يؤذن له في كسوة البيت الحرام، وكانت الهدية ثمانين ثوباً من الحرير الاطلس وألف قطعة فيروزج، وتاريخ كتابه في ذي الحجة سنة ست وثلاثين، ولقيت السيد المذكور فوجدته
فاضلاً متواضعاً، ذكر لي انه تزوج بنت السيد الشريف الجرجاني صاحب التصانيف وأن السيد الشريف المذكور ذكر له انه اشتغل بالقاهرة، وأخذ عن أكمل الدين وغيره، وأقام بالخانقاه السعيدية أربع سنين، ثم خرج إلى بلاد الروم ثم لحق ببلاد العجم ورأس هناك، وكان قدومه من جهة الحجاز فحج ووصل مع الحجاج، ثم عقد الموكب وأحضر الرسول المذكور ومعه ولده وذكر أنه رزقه من بنت الشريف الجرجاني وهو كهل من أبناء الثلاثين وله فضيلة أيضاً، ثم في اثناء صفر أحضر الرسول والقضاة المصرية ودار بينهم كلام يتعلق بالرسالة المذكورة، وانفصل المجلس على أن السلطان اعتذر من الإجابة خشية أن يتطرق إلى ذلك غيره من الملوك، وقنع الرسول بهذا الجواب، ثم جهز معه أقطوه الذي كان دويدار صغيراً ثم صار مهمندار السلطان رسولاً من قبل سلطان مصر بهدية وجواب، وسافروا من طريق الشام، وأظهر السلطان بعد ذلك حنقاً على القضاة في عدم مبالغتهم في الرد على الرسول فيما احتج به على تعين غجابة مرسله وكانوا استفتوا على ذلك أهل العلم بالقاهرة فأجابوا، وتواردت أجوبتهم على المنع، ومنهم من أجاب من قبل أن يسال بل كتب السؤال والجواب بخطه معاً، فمن عجيب ذلك أن بعضهم كتب لا يجوز ذلك لما فيه من تعطيل الوقف، وكتب الآخر لا يجوز لسلطان مصر الإجابة لذلك لما فيه من الافتيات على سلطان مصر - إلى غير ذلك من الاستدلالات الواهية، كل ذلك زعموا لطلب مرضاة السلطان، فقدر الله تعالى أنه لم يعجبه شيء مما كتبوا به أجمعين، ولم أعرج في جوابي إلا على ما تقدم من أن ذلك يفضي إلى تسليط غيره لطلب ذلك - فينخرق السياج وترتفع الخصومة،
ولما شاع غضب السلطان من القضاة تحرك صالح البلقيني في العود إلى القضاء، وذكر القاضي - شمس الدين بن القاضي زين الدين التفهني الذي كان أبوه في وظيفة القضاء بالقاهرة أن يستقر في وظيفة أبيه، فيقال إنه مال إلى ذلك وسعى أو سعى له فيه، ولم ينبرم لواحد منهما أمر - والأمر بيد الله تعالى يفعل ما يشاء ويختار.
وفي المحرم شرع الأمير سودون المحمدي في عمل سقف الكعبة بأمر الملك الأشرف. فبدأ فيه في نصف الشهر وعمله سقفاً جديداً، فشرع فيه أوائل شهر ربيع الأول منها، وهدم منارة باب السويقة وعمرها جديدة فوجد فيها مالاً.
وفي أوائل صفر صرف بهاء الدين أبو البقاء محمد بن القاضي نجم الدين ابن حجي عن قضاء الشام، وقرر شهاب الدين ابن المحمرة عوداً على قدر التمس منه أن يدفع للسفر بذلك خمسمائة دينار، فامتنع وصمم، فغضب السلطان وأمر بنفيه إلى القدس بطالاً أو مكة قاضياً، فأجاب إلى مكة واستمهل إلى رجب أو شوال، فسعى حينئذ لسراج الدين عمر بن موسى بن حسن الحمصي الذي كان نائب الحكم باسيوط من الصعيد ثم ولي قضاء طرابلس، فأجيب ساعيه بمال جزيل وأرسل إليه خلعته وصرف شمس الدين محمد بن شهاب الدين بن الكشك عن قضاء الحنفية بدمشق أيضاً، وقرر شمس الدين الصفدي على مال جزيل، وتوجهت خلعة الصفدي أيضاً وفي وسط صفر قصر الوزير المستقر عن قرب وهو امين الدين إبراهيم بن مجد الدين عبد الغني ابن الهيصم الذي ناظر الدولة وكان أبوه ناظر الخاص ومن قبل في الديوان المفرد فقصر في تجهيز المرتبات السلطانية، فهجم جماعة من المماليك الجلب على داره
فنهبوا ما وجدوا فيها، ثم توجهوا إلى منزل الاستادار وهو كريم الدين عبد الكريم بن تاج الدين عبد الوهاب بن كاتب المناخات فنهبوا ما وجدوا فيه أيضاً، ثم توجهوا إلى منزل - ناظر الجيوش زين الدين عبد الباسط بن خليل فأفحشوا في نهب ما قدروا عليه منها، فلما أصبحوا بكر الوزير والأستادار فشكيا حالهما، ثم أراد ناظر الجيش أن يحضر بين يدي السلطان فمنعه وراسله بأن يتوجه إلى الإسكندرية حتى تنكسر شوكة المماليك، فصعب ذلك عليه وراسل السلطان يستعفيه، فأعفاه وأمره بالحضور فحضر، واستقر الحال على أنه يتكفل بأمر الوزير ويسعفه في جمع ما يحتاج إليه وستمر الاستادار على حاله، ثم بعد يومين استقر جانبك دويدار ناظر الجيش في وظيفة الاستادراية وقبض على الاستادر وصودر واستتر الوزير. فأمر السلطان ناظر الدولة - وهو سعد الدين إبراهيم بن كريم الدين عبد الكريم بن سعد الدين كاتب حكم في الكلام في الوزارة، فلما أصبح ألزمه السلطان بأن يستقر وزيراً.
فامتنع فأمر بضربه، وضرب ضرباً مبرحاً، وتوجه إلى منزله ملزوماً بتكفية الوزارة، وكان ذلك يوم الثلاثاء ثالث عشر صفر، فصار ينظر في أمور الوزارة إلى أن استقر أخوه جمال الدين يوسف فباشر بشدة وعسف، واستقر قبطي يقال له ابن قطارة في نظر الدولة وألزمه بسد الأمور، ثم في يوم الأربعاء ضرب الاستادار ضرباً مبرحاً وعصر وألزم بخمسين ألف دينار، فشرع في بيع دوره ودواليبه وقماش أهله وعرض مماليكه وجواريه للبيع.
وانتهت زيادة النيل في سابع عشري توت إلى عشرين ذراعاً ونصف ذراع، وانفتق من الخليج فتق فنفذ إلى ناحية شبراً ومنية الشيرج، فغرق من ذلك شيء كثير، وبقي الناس أياماً في شدة.
وصرف والي الشرطة عمر أخو التاج الشويكي عن ولايته وأعيد دولات خجا الذي كان استقر في سنة ست وثلاثين وصرفه نائب الغيبة، فأعيد وباشر سد المقطع المذكور.
وفي ربيع الآخر قدم أرغون شاه من الشام وهو الذي كان ولي الوزارة قبل ذلك بالقاهرة، واستقر عوض الحمصي بطرابلس ولد قاضيها شهاب الدين وهو صدر الدين محمد بن أحمد بن محمد النويري ببذل ثلاثمائة دينار.
وفي ربيع الآخر قبض قرقماش نائب حلب على ولد ناصر الدين ابن صدر الباز التركماني بسبب أن أباه نزع ابن أخيه من نيابة مرعش وكان السلطان قرره فيها، فانتمى إلى نائب حلب فكاتب فيه، فأذن له أن يسير إلى مرعش ويقرره في نيابته ويخرج من عائده، فتوجه لذلك فوقع بينهم مناوشة، فكسرهم وقبض على ابن ناصر الدين المذكور وجماعة وأحضرهم إلى حلب وكاتب بذلك، فعاد إليه الجواب عن ذلك.
وفي جمادى الأولى أول يوم منه أمر السلطان القضاة بقراءة كتب الاوقاف بالمدارس الكبار والخوانق وأتباع شرط الواقفين فيها وشدد في ذلك، فلما كان يوم الأربعاء رابعه اجتمعوا بالشيخونية وقرئ كتاب الوقف فقال لهم الشافعي: يقام ناظر بشرط الواقف ليعمل بالشرط وينفذ تصرفه. فانفصلوا على ذلك، ثم حضر المشايخ والطلبة يوم الثلاثاء حادي عشره عند السلطان، فقال لهم: ما فعلتم؟ فقالوا: الحال يتوقف على ناظر يتكلم. فقال للشيخ: أنت ناظر! فقال: وكذلك كاتب السر، فأمر كاتب السر في الكلام معه، فحضروا يوم الأربعاء وقرئ شرط الواقف فتكلموا أولاً في البيوت فوجدوا الشرط أن يسكنها العزاب، فوجد من المترددين نحو العشرين، فأمر أن يخرج من المتزوجين بعددهم ويسكن المترددون ووعدوا بأن يحضر لكتابة ذلك من يوثق له فلم يحضر أحد، وحضروا يوم العشرين بالصالحية فقرئ كتاب وقف الناصري، فترددوا فيمن يستحق النظر هل هو الشافعي أو المالكي! ونزل إلى الشيخونية جمدار فأخبر الشيخ وهو في الحضور أن السلطان رسم أن كل أحد على حاله فسروا بذلك وقرؤا للسلطان، ثم تبين للسلطان أن الذي قام في ذلك كان فيه هوى وتعصب، وأشير عليه بترك الناس على حالهم، وأن الذي يصل إليهم من المعاليم هو من جملة أموال المسلمين وهم مستحقون
إلى غير ذلك من الاعتذارات إلى أن أمر بترك ذلك وخمدت الكائنة واستمر الامر على ما كان.
في المحرم قدمت هدية قرا يلك وفيها دراهم مكتوب عليها سكة السلطان الأشرف. وفيه استقر جانبك الذي كان نائباً بالإسكندرية حاجباً عوضاً عن بردبك الإسماعيلي بحكم نقله إلى دمياط، ونودي يوم النوروز بزيادة إصبعين فصار على أربع عشرة إصبعاً من الذراع العشرين ولا يحفظ مثل ذلك فيما مضى.
وفيه استمر إسكندر بن قرا يوسف على قلعة شاهين وكان الأمير بها من قبل أن يستمر رمضان وقد قدمت بسبب عصيانه عليه، وهي على مسيرة يومين من تبريز فاستمر فيها إلى الآن، فحاصرها إلى أن نفد زاده ومات في الحصار، فملكها الإسكندر واستنقل نساءه بها.
وفيها رفع داود الكيلاني التاجر عن قاضي مكة أموراً عظيمة من الظلم والأحكام الباطلة، وسعى في أن يقرر في نظر الحرم عوضه على مال بذله فأجيب، فراجع أمير مكة وذم داود المذكور وذكر أنه أمر سودون المحمدي الذي جهز من القاهرة لترميم البيت والحرم أن ينظر في ذلك إلى أن يعود المرسوم من القاهرة، فأجيب بتقرير سودون المذكور في ذلك.
وفيها استقر سفر الذي تجهز من مصر لقبض المكوس الهندية بجدة في البحر وبطل السفر من البر، وكان للناس فرح كبير لأن كثيراً من المسلمين يحبون المجاورة بمكة فكان السفر في هذه الأيام يحصل لهم به صيام رمضان بمكة والعمرة والمجاورة وفي غضون ذلك يحصل للكثير منهم المكاسب، وجدد في هذه السنة مرسوم بأن لا يؤخذ من تجار الهند إلا العشر من كل شئ معهم بضاعة من غير تكليف للدرهم الفرد، فإن وجد منهم مصري أو شامي يؤخذ منه الخمس عقوبة
لهم على مخالفة الأمر، وإن وجد يمني أخذ جميع ماله، واتفق أن قرئ هذا المرسوم تجاه الحجر الأسود، ثم راجع أمير مكة السلطان في ذلك حتى أمر بالتسوية بين الجميع بعد ذلك.
وفي ليلة التاسع والعشرين من صفر سقط صبي لعبد الرحمن بن فيروز عمره ست سنين من منزلهم الذي على الخليج الناصري في الماء فغرق، فتتبعوه في الماء فلم يقدروا عليه، فبعد يومين وجدوه في بركة في آخر الخليج فدفنوه، فلما كان بعد ذلك ظهروا على أن جارية لهم سوداء غضبت من أمه فألقته في الماء وهو نائم، فتحيلوا عليها حتى أقرت كيفية ذلك، فرفعوا الأمر إلى بعض نواب المالكي فحكم بتغريقها في المكان الذي ألقت فيه الصبي، فألقوها موثقة بالكتاف، فتخبطت في الماء قليلاً وانغمست فماتت، وذلك في تاسع عشرى الشهر المذكور. وانتهت زيادة النيل على ما زعم القياس إلى عشرين ذراعا ونصف والحس لا يقبل ذلك بل لم يكمل العشرين ولكن الري كان عاماً في جميع البلاد العالية.
شهر ربيع الأول أوله الثلاثاء الموافق لثامن بابة، ونقص النيل نحو الذراع، وتشاغل الناس بزرع البرسيم على العادة، وفيه ادعى على والي الشرطة عند المالكي بأنه ضرب شخصاً حتى مات، فأجاب بأنه أتى به إليه وهو سكران فضربه الحد وما زاد عليه وأقيمت البينة بذلك، فدرأ عنه القتل، وبلغ السلطان ذلك فأنكره، واتفق أن أولياء المقتول أبرؤا الوالي وطاح دم ذلك القتيل.
وفي أول يوم - منه - استقر يوسف بن كريم الدين عبد الكريم ابن سعد الدين بن كاتب جكم في الوزارة وخلع عليه، وهرع الناس للسلام عليه، وخلع على أخيه - إبراهيم - خلعه الرضا واستقر في نظر الخاص، واستمر الأستادار في المصادرة فعرض جميع عقاراته وكل ما يملكه للبيع، واستقرت مصادرته على عشرين ألف دينار. فسلم للتاج أستادار الصحبة على المال المذكور، فأقام في منزله حتى أورد نحو أربعة ألف دينار؛ وعمل المولد السلطاني يوم الخميس الثالث منه.
وفيه أغار ولد قرايلك على معاملة ملطية ودوركي ونهب شيئاً كثيراً، وتوجه أبوه للإغارة على الرها.
وفي أواخر جمادى الآخرة استقر تاج الدين عبد الوهاب بن الخطير ابن نصر الله القبطي ناظر الإصطبل في الوزارة بعد القبض على جمال الدين يوسف ابن كريم الدين ابن كاتب جكم ومصادرته، وكان يوسف قد استعفى بسبب قلة المتحصل وكثرة المصروف، فأعفاه السلطان ولكنه قبض عليه وعلى أخيه ناظر الخاص وصادرهما على مال يقال إنه ثلاثون ألف دينار، ثم خلع في صبيحة ذلك اليوم يوم الإثنين السابع عشرى جمادى الآخرة على ناظر الخاص مستمراً، وأمر الخطير أن يتكلم في الوزارة بغير ولاية إلى أن يرى من يتكلم، فتكلم في ذلك يوم الأحد ويوم الأثنين، ثم خلع عليه يوم الثلاثاء بالوزارة، وشرع ناظر الخاص وأخوه في بيع أملاكهم ورزقهم من أراضي وعقار، ثم خفف عنهما من مال المصادرة نحو النصف، واستمر ناظر الخاص، واستقر أبو الحسن بن تاج الدين في نظر الإصطبل عوض والده.