المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌سنة ثلاث وعشرين وثمانمائة - إنباء الغمر بأبناء العمر - جـ ٣

[ابن حجر العسقلاني]

فهرس الكتاب

- ‌سنة ست عشرة وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة ست عشرة وثمانمائة من الأعيان

- ‌سنة سبع عشرة وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتسنة سبع عشرة وثمانمائة من الأعيان

- ‌سنة ثماني عشرة وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة ثماني عشرة وثمانمائة من الأعيان

- ‌سنة تسع عشرة وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة تسع عشرة وثمانمائة من الأعيان

- ‌سنة عشرين وثمانمائة

- ‌من الحوادث غير ما يتعلق بسفر السلطان

- ‌ذكر من ماتفي سنة عشرين وثمانمائة من الأعيان

- ‌سنة إحدى وعشرين وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة إحدى وعشرين وثمانمائة من الأعيان

- ‌سنة اثنتين وعشرين وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة اثنتين وعشرين وثمانمائة من الأعيان

- ‌سنة ثلاث وعشرين وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة ثلاث وعشرين وثمانمائة من الأعيان

- ‌سنة أربع وعشرين وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة أربع وعشرين وثمانمائة من الأعيان

- ‌سنة خمس وعشرين وثمانمائة

- ‌ذكر الحوادث الواقعة في هذه السنة

- ‌ذكر من ماتفي سنة خمس وعشرين وثمانمائة من الأعيان

- ‌بسم الله الرحمن الرحيم

- ‌سنة ست وعشرين وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة ست وعشرين وثمانمائة من الأعيان

- ‌سنة سبع وعشرين وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة سبع وعشرين وثمانمائة من الأعيان

- ‌سنة ثمان وعشرين وثمانمائة

- ‌ذكر غزاة قبرس الأولى

- ‌سنة تسع وعشرين وثمانمائة

- ‌ذكر غزوة قبرس الكبرى

- ‌ذكر من ماتفي سنة تسع وعشرين وثمانمائة من الأعيان

- ‌سنة ثلاثين وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة ثلاثين وثمانمائة من الأعيان

- ‌سنة إحدى وثلاثين وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة 831 من الأعيان

- ‌سنة اثنتين وثلاثين وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة 832 من الاعيان

- ‌سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة

- ‌سنة أربع وثلاثين وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة أربع وثلاثين وثمانمائة من الأعيان

- ‌سنة خمس وثلاثين وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة خمس وثلاثين وثمانمائة من الأعيان

- ‌سنة ست وثلاثين وثمانمائة

- ‌ذكر السفرة الشماليةفي يوم الجمعة تاسع عشر شهر رجب

- ‌ذكر الحوادثفي غيبة السلطان الأشرف بالقاهرة

- ‌ذكر من ماتفي سنة ست وثلاثين وثمانمائة من الأعيان

- ‌سنة سبع وثلاثين وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة سبع وثلاثين وثمانمائة من الأعيان

- ‌سنة ثمان وثلاثين وثمانمائة

- ‌من الحوادث

- ‌ذكر من ماتفي سنة ثمان وثلاثين وثمانمائة من الأعيان

الفصل: ‌سنة ثلاث وعشرين وثمانمائة

‌سنة ثلاث وعشرين وثمانمائة

في الثاني من المحرم جلس السلطان في إيوان دار العدل، وجلس القضاة والمفتون ومن له الجلوس من الأمراء. ووقف الباقون وبقية العسكر صفوفاً، وأحضر مم بن قرمان مقيداً صحبة داود بن ناصر الدين محمد بن خليل بن محمد بن دلغادر التركمانيِ، فوقف داود مع الأمراء وأخر ابن قرمان، وقرئت القصص على العادة وركب السلطان إلى القصر فأحضر ابن قرمان وداود فخلع على داود. وعاتب السلطان ابن قرمان على تعرضه لطرسوس وعلى قبح سيرته في رعيته فسأل العفو، ثم بدر منه أن قال: يا مولانا السلطان لمن تعطى البلاد؟ فاستسمجه وقال له: ما أنت وهذا؟ ثم أمر به فأخرج فاعتقل، فأقام في الاعتقال سنة كاملة، ثم أفرج عنه بعد موت السلطان المؤيد وأعيد إلى بلاده ثم أرسل للسلطان فاستكتبه إلى نوابه بالبلاد بتسليم القلاع والبلاد كلها ويحذرهم عن تأخير ذلك لئلا يقتل ففعل، فكان هذا المجلس أفخر مجلس جلسه السلطان وأفخمه، ثم جلس في أواخر الشهر مجلساً آخر لحضور رسول كرسجي بن أبي يزيد بن عثمان بهدية من صاحبه فقرئ كتابه وقبلت هديته، وشرع في تجهيز هدية صحبة قاصد من جهة السلطان، فعين له قجقار شقطاي من أتباع إبراهيم ابن السلطان.

وفي أوائل المحرم غدر عذراء بن علي بن نعير بنائب الرحبة أرغون شاه، فقبض عليه وحمله إلى عانة.

وفي رابع الحرم قدم على يار التركماني أحد الأمراء الإينالية منهم، فأكرمه السلطان.

وفيه استقر شاهين الزردكاش في نيابة طرابلس نقلاً من نيابة حماة، واستقر

ص: 212

في حماة إينال اليوسفي نقلاً من نيابة غزة، واستقر أركماس الجلباني في نيابة غزة.

واستقر نكباي بعد الإفراج عنه من سجن دمشق في نيابة طرسوس.

وفي حادي عشر المحرم قرر شمس الدين محمد بن مغالي الحيتي في مشيخة الخانقاه المستجدة بالجيزة التي انتزعت من الخروبي وكانت وقفاً على الذرية ثم على الزاوية المجاورة لها فأخفي كتاب الوقف واشتريت للسلطان من الورثة بقدر حصصهم، وغالبهم أشهد عليه ولم يقبض الثمن، واستمر ذلك إلى أن مات المؤيد وندموا على عدم قبض الثمن.

وفي سادس عشر المحرم قرر عز الدين عبد العزيز بن علي بن العز الحنبلي مدرس الحنابلة بالمؤيدية في قضاء الحنابلة بدمشق، وقرر عوضه في المؤيدية محب الدين ابن نصر الله البغدادي.

وفي العشرين من المحرم أفرج عن برسباي الدقماقي من قلعة المرقب، واستقر في مقدمي الألوف بدمشق، وهو الذي ولي السلطانة في سنة خمس وعشرين كما سيأتي.

وفي المحرم وقع المطر الغزير بالوجه البحري فأخصبت الزروع بعد أن كانت جفت وكثر الغلاء بالوجه القبلي فبلغ الإردب دينارين.

ص: 213

وفي أوائل المحرم تسلم علي بن قرمان بلاد أخيه، وعصت عليه قلعة قونيا فحاصرها، وخطب باسم المؤيد في جميع تلك البلاد، ووصلت هدية على المذكور إلى السلطان في صفر وهو في ربيع خيله.

وفي العشرين من صفر نزل السلطان إلى بيت كاتب السر على شاطئ النيل، وعمل الوقيد في ليلة الثاني والعشرين وبالغ المباشرون في رمي النفط وترتيب السرج.

وفي سادس عشريه نزل السلطان إلى بيت أبي بكر الأستادار يعوده، فقدم تقدمة سنية على العادة. وفيه شاع الخبر بأن قرا يوسف قد تأهب للمجيء إلى الشام، وكان بلغه ما نودي به في حقه في القاهرة، وكان أرسل يطلب التمكين من قرا يلك فلم يجب سؤاله، ثم أرسل يطلب من السلطان الجواهر التي كان السلطان أخذها منه وهو مسجون بدمشق، فرد جوابه بما يكره فتهيأ لدخول البلاد الشامية، فاستعد السلطان لذلك وكان قد لهج قبل ذلك بالمسير إلى بغداد وتمادت الأيام ولا يزداد إلا تصميماً على ذلك.

وفي الثامن والعشرين من المحرم سخط السلطان على صدر الدين ابن العجمي بسبب كلام نقل له عنه وهو أنه يتمنى موته ويدعو عليه. وواجهه بذلك أحمد بن الشيخ محمد المغيربي في مجلس السلطان، وتفاحشا في القول فأكد قول ابن المغيربي جماعة دسهم كاتب السر ابن البارزي لبغضه في ابن العجمي، فأمر السلطان بإخراجه من القاهرة وأن يستقر كاتب السر بصفد، فكتب توقيعه في الحال وألزم بالخروج من بيته في يومه

ص: 214

ولم يمهل ليتجهز، فودع أهله وخرج وهم يبكون كأنما يساق إلى الموت، فسار يوم الجمعة إلى سرياقوس فأقام بها وبات بها فجاءه مستعجل يستحثه، فاتفق أنه بلغ السلطان شناعة ما عومل به من ذلك فأنكره وتغيظ على كاتب السر وقال: من أمرك أن تزعجه؟ وأمر برده إلى القاهرة، فرجع يوم السبت فأقام عند الدويدار إلى يوم الاثنين، فاصعده إلى القلعة وخلع عليه خلعة حسنة وأمره بالسفر لكتابة سر صفد، فشفع له الطنبغا الصغير راس نوبة أن يقيم ويستمر في الحسبة، فقبل ذلك السلطان فرجع إلى منزله وقد فرح الناس به فرحاً شديداً، ونزل كاتب السر ولم يطلع على ما صنع الطنبغا الصغير فوجد القناديل في الشارع قد صففها الباعة فأنكر عليهم ومال أتباعه عليها بالطفئ والتكسير، فما وصل إلى بيته إلا وابن العجمي قد شق القاهرة بخلعة الحسبة، فجهر العامة بسب ابن البارزي وأسمعوه المكروه جهاراً كلما مر بهم، وكثر ذلك حتى هم بالإيقاع ببعضهم ثم سكت وسكتوا، وأشيع أن السلطان غضب على ابن البارزي وأنه يريد عزله، فخلع عليه في سادس صفر خلعة الرضا، وكان أصل الشر بين المحتسب وكاتب السر أن السلطان نزل إلى مدرسته في خامس صفر، فلما رجع مر في طريقه بخباز فاخذ منه رغيفاً ودخل إلى بيت الأستادار عائداً له من مرضه، فوزن الرغيف فجاء نصف رطل فأنكر على المحتسب، وكان يذكر أن الرغيف ثماني أواق، فشق على المحتسب لما بلغه وضرب الخباز ضرباً مبرحاً، وكان من جهة كاتب السر فأرسل يشفع له فضربه بحضرة القاصد، فبلغه ذلك فشق عليه، وبلغ السلطان خبر ابن العجمي من الطنبغا الصغير وتمراز الأعور فدبر هذه القضية المتعلقة بكتابة السر بصفد، فإنهما جلسا عنده يلعبان الشطرنج فقال أحدهما للآخر: إن زركت عليّ بليت بما بلي

ص: 215

به ابن العجمي؟ فاستفهم السلطان فاخبره، ثم آل أمره إلى أن الوزير شفع في المحتسب عند كاتب السر وأحضره عنده وأصلح بينهما.

وفي رابع صفر قدم العالم شمس الدين محمد بن حمزة بن محمد، الحنفي، الرومي المعروف بابن القناري قاضي الممالك الرومية وكان قد حج في العام الماضي وعاد إلى القدس، فاستقدمه السلطان ليستفهمه عن أحوال البلاد فقدم وأكرم، وحضر يوم الخميس للمولد السلطاني بعد أن طلب مرة بعد مرة، فما وصل حتى دخل الليل فالس تحت شيخ المؤيدية ابن الديري، وأشار لهم المؤيد أن يتكلموا في شيء من العلم، فتكلموا فلم ينطق القناري، ثم توجه بعد صلاة العشاء ثم أحضر المولد الخاص ودارت معه مباحث نفيسة، وكان ممن حضر ابن العجمي فتكلم بشيء أنكره عليه كاتب السر وواجهه بتكفيره، فأصبح منزعجاً يحصل الكتب التي تشهد له بصحة ما قال، وعادت العداوة كما كانت أو أشد.

وفي خامس ربيع الأول أبل أبو بكر الأستادار من مرضه قليلاً وركب واستصحب تقدمة قيمتها ثلاثون ألف دينار فخلع السلطان عليه، ونزل إلى بيته فانتكس فأقام أربعة أيام ومات، فتكلم السلطان مع الوزير أن يفوض الأستادارية بغير إمرة، فأبى إلا بتقدمة فصاح السلطان عليه وقال: تقدمة للوزارة وتقدمة للأستادارية؟ هذا لا يكون ثم أعرض عنه واستدعى شخص يقال له يشبك الإينالي، وكان أرسله قبل ذلك لكشف التراب فسار بالناس سيرة سيئة فشكوا منه فعزل، فاختاره الآن للأستادارية الكبرى فقرره فيها وخلع عليه، وقرر الوزير في أستادارية ابنه إبراهيم، ثم انتزعت منه بعد قليل وقرر فيها يوسف الحجازي الذي كان يدبر أمر طوغان، وأعطى ولده صلاح الدين الحاجب إمرة طبلخاناة.

ص: 216

وفي الثاني والعشرين من ربيع الأول سافر ابن القناري وصحبته أحمد بن الشيخ شمس الدين الجزري وهو صهره إلى بلاد الروم، وصحبته من جهة السلطان قجقار شقطاي برسالة السلطان إلى ابن عثمان، وسار القناري بتجمل هائل وكان قد جامل أهل البلد وجاملوه، ولم تنتشر عنه دعوى كما انتشرت عن غيره، وكتم ما يبوح به في بلاده من محبة ابن العربي وشغل الناس في الفصوص وغيرها، فأقام هذه المدة بالقاهرة مجموع الخاطر قليل الفضول إلى أن سافر سالماً.

وفيه عقد مجلس بسبب زيادة الجوامك لمدرّسي المنصورية، وقام في ذلك الشيخ شمس الدين القمني فحصل بينه وبين المحتسب كلام سيئ وتساخطا، فقام السلطان وتركهم ولم يستقر لهم أمر، وكان ذلك بالمدرسة المؤيدية.

وفي ربيع الآخر أمر السلطان ببناء المنظرة التي خربت في التاج والسبع في وجوه وأن يبني حولها بستان، فشرع في ذلك.

وفي رابع عشري ربيع الأول أمر السلطان بإبطال مكس الفاكهة مطلقاً، بطل ونقش على الجامع المؤيدي، وفيه كثر الوباء بالإسكندرية وما حولها وكثر الإرجاف بمسير قرا يوسف إلى الجهة الشامية. واشتد بالسلطان ألم رجله وحبس الإراقة، ثم عوفي في أول جمادى الِأولى وركب وفرح الناس.

وفي هذه المدة أغرى السلطان بولده إبراهيم وأنه كان يتمنى موته ويعد الأمراء بمواعيد إذا وقع ذلك،

ص: 217

وبلغ كاتب السر عنه أنه يتوعده بالقتل وتأكد بغضه عنده فحقد عليه ودس على السلطان من أعلمه أنه يتمنى موته لكونه يعشق بعض حظاياه ولا يتمكن منها بسببه إلا خفية، ورتب له على ذلك إمارات وعلامات إلى أن أبغض السلطان ولده وأحب الراحة عنه، ورتبوا له أنه صمم على قتله بالسم أو بغيره إن لم يمت عاجلاً من المرض لما في نفسه من محبة الاستبداد، فأذن لبعض خواصه أن يعطيه ما يكون سبباً لقتله من غير إسراع، فدسوا عليه من سقاه من الماء الذي يطفأ فيه الحديد، فلما شربه أحس بالمغص في جوفه فعالجه الأطباء مدة وندم السلطان على ما فرط فيه، فتقدم الأطباء بالمبالغة في علاجه فلازموه نصف شهر إلى أن أبل قليلاً من مرضه فركب في نصف الشهر إلى بيت عبد الباسط بشاطئ النيل. ثم ركب إلى الخروبية بالجيزة فأقام بها وكاد أن يتعافى، فدسوا من سقاه ثانياً بغير علم أبيه، فانتكس واستمر إلى آخر الشهر فتحول إلى الحجازية، ثم حمل في ثالث عشر جمادى الآخرة إلى القلعة فمات ليلة الجمعة خامس عشره، فاشتد جزع السلطان عليه إلا أنه تجلد، وأسف الناس كافة على فقده وأكثروا الترحم عليه، وشاع بينهم أن أباه سمه إلا أنهم لا يستطيعون التصريح بذلك، ولم يعش أبوه بعده سوى ستة أشهر تزيد أياماً، كدأب من قتل أباه أو ابنه على الملك قبله عادة مستقرة وطريقة مستقرأة - فإنا لله وإنا راجعون، وصار الذين حسنوا له ذلك يبالغون في ذكر معايبه وينسبونه إلى الإسراف والتبذير والمجاهرة بالفسق من اللواط والزنا والخمر والتعرض لحرم أبيه وغير ذلك مما كان برياً من أكثره بل يختلقون أكثر ذلك ليتسلى أبوه عن مصابه به.

ولقد حكى لي من شاهده في السفرة التي تجرد فيها إلى البلاد القرمانية منه ما يقضي منه العجب من ذلك،

ص: 218

وذكره القاضي علاء الدين في ذيل تاريخ حلب فقال: كان شاباً حسناً شجاعاً، عنده حشمة مع الكرم والعقل والسكون والميل إلى الخير والعدل والعفة عن أمور الناس، ودفن بالجامع المؤيدي، وحضر أبوه الصلاة عليه يوم الجمعة وأقام إلى صلاة الجمعة، وخطب به ابن البارزي خطبة حسنة سبك فيها قوله صلى الله عليه وسلم " تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول ما يسخط الرب وإنا بك يا إبراهيم ولمحزونون " فأبكى السلطان ومن حضر، ولم يتفق أن السلطان بعد ذلك دخل المؤيدية، ووقع الخلل في أهل دولة المؤيد واحداً بعد واحد كما سنذكره، ولم يتهنأ لهم عيش يجمعهم بعد ذلك.

وفي حادي عشر جمادى الآخرة صرف على ابن الطبلاوي من ولاية القاهرة وضرب بين يدي السلطان بالمقارع وصودر على مال، واستقر فيها ناصر الدين ابن أمير آخور.

وفي أول يوم من هذا الشهر كملت عمارة الجامع الذي جدده ابن البارزي بجوار منزله وكان يعرف بجامع الأسيوطي، وصلى السلطان فيه الجمعة وخطب به البلقيني، وفي ثانيه نودي أن الحجاب لا يحكمون في الأمور الشرعية؟ فسعى الأمراء في نقض ذلك، فنقض بعد يومين ونودي لهم بالإذن بالحكم.

وفي جمادى الأولى أرسل القاضي الحنفي إلى الحاجب الكبير يطلب من عنده غريماً فضرب الحاجب الرسول، فتوجه الحنفي إلى الشافعي فاستعان به فاجتمعا بالسلطان وشكيا ذلك فأنكر على الحاجب وأرسل وأهانه وقال له: لو كنت أنا وطلبت إلى الشرع لسارعت؟ وأمر فنودي بالمشاعلي أن الديون الشرعية لا يحكم فيها إلا القضاة؟ فشق ذلك على الحاجب وقبض على بعض المشاعلية فضربه، وجرسوه ومروا به من على باب الصالحية. فبلغ الحنفي فبادر الحاجب واعتذر بأنه لم يضربه إلا بشكوى عليه بجناية أخرى. وسكن الحال.

وفي الثامن عشر من جمادى الآخرة توقف النيل من سادس أبيب وتمادى على ذلك

ص: 219

سبعة أيام، فنودي في الناس بصيام ثلاثة أيام ثم خرجوا إلى الصحراء يستسقون. فاجتمعوا ونزل السلطان والقضاة والمشايخ وكثر الجمع جداً، وحضر السلطان راكباً بمفرده فجلس على الأرض، فصلى بهم القاضي ركعتين كهيئة صلاة العيد، ثم رقي منبراً وضع له هناك فخطب خطبتين حث الناس فيهما على التوبة والاستغفار وحذرهم ونهاهم وتحول فوق المنبر، والسلطان في ذلك يبكي وينتحب وقد باشر في سجوده التراب بجبهته، ثم ركب السلطان والعامة محيطة به، فدعا له بعضهم بالنصر فقال: سلوا الله فإنما أنا واحد منكم، واتفق أن نودي على النيل في صبيحة ذلك اليوم باثني عشر ذراعاً، فتباشر الناس بإجابة دعائهم، فاتفق أن السلطان سبح في النيل وهو مقيم في بيت كاتب السر الذي على شاطئ النيل فنودي من الغد بزيادة ثلاثين إصبعاً، فاستبشر الناس بذلك وقالوا إن ذلك ببركة السلطان، فسمع السلطان بذلك فأنكره عليهم وقال: وأنا عنده أسمع: لو علمت بسباحتي يقع ذلك لما سبحت، لأن مثل هذا يضل به العامة، وفي هذه الأيام أشيع أن قرا يوسف حاصر ولده محمد شاه ببغداد واستصفى أمواله، ثم تبين كذب ذلك وأن قرا يوسف كان قد تهيأ للمسير إلى البلاد الشامية. فشغله عنها خروج شاه رخ بن تمر.

وفي نصف رجب أمر السلطان مقبل الدويدار أن يلبس صدر الدين ابن العجمي خلعة بكتابة سر صفد وأن يخرجه في الحال، ففعل ذلك وانجمع عن الحسبة وسعى أن يقيم بالقاهرة بطالاً وأن يعفي من كتابة سر صفد، فشفع له عند السلطان فأعفي وألزم بالتوجه إلى القدس بطالاً، فسار في يوم الثلاثاء ثامن عشره، فلما كان في ثالث عشري رجب وجد في أول النهار فرس ابن العجمي وفرس غلامه مع بدويين فانتزعتا منهما وأحضرتا إلى بيت الأستادار فشاع أن ابن العجمي قتل، وخرج نساؤه مشققات الثياب نائحات حتى صعدن القلعة، وصرحوا بتهمة ابن البارزي

ص: 220

بقتله فأنكر السلطان ذلك وجزم بأنه اختفى بالمدينة، ثم بعث ليكشف عن قتله وبحث من أرباب الإدراك عن ذلك فلم يوقف له على خبر، ثم نودي بتهديد من أخفاه وترغيب من أحضره فلم يفد ذلك شيئاً واستمر مفقود الخبر، فلما كان في أواخر الشره أشيع أنه أرسل إلى أهله كتاباً يخبرهم فيه أنه فر من خوفه على نفسه واختفى، وتوطن خواطرهم عليه وأنه في قيد الحياة فاطمأنوا لذلك وشاع الخبر، فطلب زوج ابنته الذي نقل عنه أنه قرأ الكتاب فأحضر إلى السلطان فاعترف بقراءة الكتاب، فسئل أن يحضر الكتاب فادعى أنه رماه في البئر، فغضب السلطان منه وأمر بضربه فضرب تحت رجليه واعتقل، وتحقق الناس أن ابن العجمي في قيد الحياة إلا اليسير منهم فتمادوا على غيهم ونسبوا ابن البارزي إلى أنه اختلق الكتاب ودسه على أهل ابن العجمي، وحقق أمر حياته اطمئنان أهله بعد ذلك الجزع المفرط، وبالغوا في الطمأنينة حتى أدخلوا بعض بناته على زوجها.

وفي العشرين من رجب استقر صارم الدين إبراهيم بن الوزير ناصر الدين ابن الحسام في الحسبة ملتزماً بألف دينار يحملها للخزانة، فباشر وهو بزي الجند ولم تشكر سيرته، وأساء الناس الظن بابن البارزي لسوء اختياره لهذا، لأنه هو الذي قام بأمره في ذلك بعد أن كان زين الدين الدميري قد تعين لذلك.

وفي حادي عشري رجب توجه السلطان إلى الآثار فزاره وبر من هناك من الفقراء، ثم توجه إلى المقياس فأمر بهدم الجامع المجاور له وتوسيعه، وكان أمر بتجديد الميدان الناصري مقابل الجزيرة الوسطانية فشرع الوزير في تجديده وصرف عليه مالاً كثيراً فتوجه السلطان فبات به ليلة، وفي صبيحتها وهو ثالث عشري رجب قدم بدر الدين العيني من بلاد ابن قرمان.

ص: 221

وفي الثالث عشر من شعبان برزت العساكر بالأمراء الذين أمروا بالإقامة بحلب لحراستها خشية من طروق قرا يوسف وهم الطنبغا القرمشي الأتابك وطوغان أمير آخور والطنبغا الصغير راس نوبة وشرباش عاشق وجلبان الأرغون شاوي والطنبغا المرقبي الحاجب الكبير وأزدمر النائب وسفروا في نصف شعبان.

وفي هذه السنة توجه قرا يلك إلى أرزنكان وبها بير عمر نائباً من جهة قرا يوسف، فنازله إلى أن قبض عليه وعلى أربعة وعشرين نفساً من أهله وأولاده وقتل من عسكره ستين رجلاً وغنم شيئاً كثيراً ورجع منصوراً، فبلغ ذلك قرا يوسف فاشتد غيظه وصمم على قصد البلاد الشامية، وكان السبب في ذلك أن بير عمر المذكور كان أوقع بولد قرا يلك فقبض عليه وجهزه إلى قرا يوسف فقتله، فبلغ ذلك قرا يلك فحنق منه وطرقه في بلده حتى قبض عليه ثم قتل قرا يلك بير عمر المذكور وأرسل برأسه إلى القاهرة، فوصل بها قاصده في أول شعبان فوقع الشروع بالتهيؤ للسفر، وكتبت محاضر بكفر قرا يوسف وولده وأثبت على القضاة، وكان القائم في أمرها تصدر الدين بن العجمي قبل عزله فعزل ولم يتم أمرها فتولى أمرها كاتب السر، وطيف بها على مشايخ العلم فكتبوا في ظاهرها بتصويب الحكم المذكور، ولطف اله تعالى أنني وافقتهم بالكتابة بعد إلزام السلطان لي تم كاتب السر بذلك فالتزمت به ولكن قدر الله بلطفه أنني ما كتبت في ذلك شيئاً إلى الآن، فجمع في رابع شعبان القضاة والأمراء وقرئت عليه الفتاوى فسألني السلطان عن سبب امتناعي عن الكتابة، فاعتذرت بأنهم بدأوا بغيري، فأشار إلى كاتب السر أن يكتب نسخة جديدة ويرسلها إلي. فغالطت بلك ولطف الله مرة بعد مرة أخرى، ونزل القضاة في ذلك اليوم وبين أيديهم بدر الدين البرديني يقرأ من ورقة استنفار الناس إلى قتال قرا يوسف وولده وتعديد قبائحهما، فاضطرب الناس،

ص: 222

وكان مما ادعى به على قرا يوسف أنه قال: أنا اشرب الخمر وألوط وشاه رخ يصلي ويصوم وسننظر من ينتصر منا؟ وأن ابنه لما مات سل سيفاً وأشار به إلى السماء وقال: إن كنت رجلاً تعال خذني إلا الصبي ما في أخذه رُجلة، وأنه التمس من القاضي جعفر أن يعقد له على امرأة، فقال له: أنت لك أربع نسوة فلا تحل لك الخامسة في شرع محمد، فقال: كان هذا جائع النفس - وأنه أشار إلى شاب أمرد جميل الصورة فقال: هذا الهي الذي أعبده ما هو خير من عبادة الحجارة، فقال له بعض من حضر: هذا كفر، فقال: إن لم يكن الإله فهو أخو الإله - إلى غير ذلك.

وفي شعبان ادعى علي ناصر الدين ابن أمير آخور الوالي بأنه قتل رجلاً ظلماً بغير موجب شرعي، فأنكر فأقيمت عليه البينة، فحكم القضاة بقتله بين يدي السلطان، فأمر به أن يقتل في المكان الذي قتل فيه وعلى الهيئة التي قتل المذكور فيها ففعل به ذلك، واستقر في ولاية القاهرة شاب يقال له بكلمش ابن فري من أولاد الحسينية، كان أبوه والي العرب وكان هو عمل ولاية بلبيس ونح ذلك، وهو بالنساء أشبه منه بالرجال، فالتزم بمال كثير يحمله إلى الخزانة فقرر في الولاية فهان أمرها جداً لعدم هيبته وتماديه على الفجور والسكر حتى كان بعض المقدمين في أيامه أحشم منه، وصار العوام يلقبونه قندورتي، لانه طرقه امر يوجب الفزع فارادى أن يقول: ناولوني قباء، فقال: قندورني فبقيت عليه.

وفي الثاني عشر من شعبان تزود الطنبغا القرمشي بنت الملك المؤيد وعقد عقده بالجامع المؤيدي، ثم برز في صبيحة ذلك اليوم إلى الريدانية وصحبته الطنبغا الصغير رأس نوبة وطوغان أمير آخور والطنبغا المرقبي الحاجب وجلبان ثاني أمير آخور وأزدمر الناصري وشرباش الكريمي في آخرين توجهوا إلى حلب ليقيموا بها خشية من طروق قرا يوسف،

ص: 223

فلما وصلوا إلى حلب أمسكوا نائبها إينال النوروزي فحبس بقلعة الشام، وقرر في نيابة حماة آق بلاط الدمرداشي، فلما وصلوا إلى حلب استوحش منهم نائبها يشبك اليوسفي، لأنه استشعر حين عزل نائب حماة أنهم أمروا بالقبض عليه أيضاً وأساء عشرتهم ولم يحسن قراهم ولا ملتقاهم وأقيم الشر، ثم لم يلبث أن بلغه موت السلطان - فكان ما سنذكره في السنة المقبلة، وعرض السلطان المماليك الرماحة بالميدان وتكرر ركوب السلطان في البحر في هذا الشهر إلى الآثار تارة وإلى الخروبية أخرى وإلى المقياس.

وفي الرابع عشر من رمضان قرر تاج الدين ابن الهيصم في نظر ديوان المفرد عن صلاح الدين ابن الكوز بحكم وفاته.

وفي أول رمضان ثار على السلطان ألم رجله وابتدأ بكاتب السر مرضه.

وفي ثالث رمضان ذبح جمل بغزة فأضاء اللحم كما يضيء الشموع، وشاع ذلك وذاع حتى بلغ حد التواتر، وفيه أنه رميت من لحمة قطعة لكلب فلم يأكلها.

وفي رمضان ختم البخاري فوقع بين التفهني الحنفي وبين ابن المغلي الحنبلي مباحثة فاستطال الحنفي على الحنبلي، وأعانه عليه غالب من حضر، لما تقدم من استطالة الحنبلي عليه وعلى غيره.

وفي عاشر ذي القعدة عزل بدر الدين بن نصر الله عن نظر الخاص، وتسلم الخزانة مرجان الخازندار.

ص: 224

وفي ثامن شوال مات كاتب السر ناصر الدين ابن البارزي وابتدأ بالسلطان مرضه الذي مات فيه، ثم أرجف بموته في ثاني عشري شوال فاضطرب الناس، ثم عوفي في آخره وزينت البلد وتوجه بعض الأمراء بالبشارة، وباع فرساً على العادة فاشتراها علم الدين داود بن الكويز ناظر الجيش باثنين وسبعين ألفاً مؤيدية يكون حسابها ألفين وأربعمائة دينار وحملها إلى السلطان فتصدق بها.

وفي الحادي والعشرين من شوال ظهر ابن العجمي فشفع فيه الشيخ يحيى السيرامي عند السلطان فرضي عنه وفرح به أصحابه وأمنه السلطان، واستمر يتردد إلى الأعيان على عادته.

وفي ثالث عشري شوال استقر كمال الدين محمد بن ناصر الدين البارزي في كتابة السر عوضاً عن أبيه، واستقر بد الدين بن مزهر في نيابة كتابة السر عوضاً عن كمال الدين، وكان ابن مزهر منذ مات البارزي هو الذي يباشر.

وفي أوائل ذي القعدة دل شهاب الدين، الملقب دُرّابه على ذخيرة لناصر الدين البارزي فحولت إلى القلة ومقدارها يزيد على سبعين ألف دينار ما بين هرجة وافلورية وناصرية والناصرية أقلها، فاستشعر الناس أنها ذخيرة لفتح الله لأن ابن البارزي دخل صحبة المؤيد قبل أن يشتهر بالمال الكثير، وفي مدة المؤيد ما كانت المعاملة إلا بالأفلورية وأما الهرجة فقليل جداً فاستولى الملك على ذلك المال وأضافه إلى بيت المال.

وفي ذي القعدة أحضر من بعض بلاد الغربية من الوجه البحري محضر يتضمن أن امرأة وبنتها خرجتا تلتقطان ما يسقط من الحب فوجدتا خرقة عتيقة فيها صرة قديم قعد ذلك فوجد فيها بضعة وأربعين مشخصاً وجهر ذلك إلى السلطان

ص: 225

فوقفنا عليه وأمرنا أن نقرأ ما فين نقشه، فوجدت على الدينار الذي دفع إليّ ضرب هذا الدينار سنة إحدى وثمانين ومائة، وإذا به قد ضرب في خلافة الرشيد بن هارون بن المهدي، وأظن بقية الذهب من ذلك النمط.

وفي ثامن شعبان كسر الخليج وانتهت زيادة النيل في هذه السنة إلى

، وكان فصل الربيع قليل الحر جداً. وتحرك الطاعون في الفسطاط دون القاهرة وبالإسكندرية بالصعيد ثم تحرك بالقاهرة في أول بؤنة قليلاً ثم ارتفع وكان الصيف قليل الحر أيضاً.

وفي جمادى الآخرة أحدثت جمعة بالمدرسة التي أنشأها زين الدين عبد الباسط ناظر الخزانة جوار منزله وأذن له السلطان في إقامتها وأقيمت وبجوارها بنحو سبعة أبيات مكان تقام فيها الجمعة عند ابن وفا، وقرر فيها شيخ خانقاه بها وهو صاحبنا عز الدين عبد السلام العجلوني - وذلك في أول يوم رجب.

وفيها رفع إلى القاضي الشافعي أن شخصاً يقال له أبو بكر العزولي يدعي المشيخة ويتكلم على الناس فضبطوا عليه أنه قال: الأنبياء عرايا عن العلم لقوله تعالى " قالوا سبحنك الله لا علم لنا إلا ما علمتنا " ونح ذلك من الأشياء الشنيعة، فمنعه القاضي من الكلام بعد أن عزره بالقول، وهذا أبو بكر هو أخو شمس الدين رئيس المؤذنين بجامع ابن طولون، وفي ذي القعدة مات قرا يوسف التركماني الذي تملك تبريز وبغداد وغيرهما، وخمدت الفتنة بموته جداً.

ص: 226