الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة تسع عشرة وثمانمائة
استهلت والغلاء بالقاهرة مستمر، ففي ثاني المحرم أرسل السلطان فارس الخازندار الطواشي بمبلغ كبير من الفضة المؤيدية، ففرقها على الجوامع والمدارس والخوانق، فكان لكل شيخ عشرة دنانير وإردب قمح، ولكل طالب أو صوفي أربعة عشرة مؤيدياً، ومنهم من تكرر اسمه حتى أخذ بعضهم في خمس مواضع، ثم فرق في السؤال مبلغاً كثيراً لكل واحد خمسة مؤيدية، فكان جملة ما فرق أربعة آلاف دينار، ثم رسم بتفرقة الخبز على المحتاجين، فانتهت تفرقته في كل يوم ستة آلاف رطل، واستمر على ذلك قدر شهرين، وتناهى سعر القمح في هذا الشهر إلى ثمانمائة درهم الإردب، وقرر السلطان في الحسبة الشيخ بدر الدين العينتابي وأضاف إليه إينال الأزعوري وذلك في الخامس من المحرم، وألزم الأمراء ببيع ما في حواصلهم فتتبعها إينال.
وفي سادس المحرم وردت عدة مراكب تحمل نحو ألفي إردب قمح فركب إينال ليفرقها مع المحتسب، فاجتمع خلق كثير فطرد الناس عن القمح خشية النهب فتزاحموا عليه فحمل عليهم، فمات رجل في الزحمة، وغرقت امرأة، وعمد إينال إلى أربعة رجال فصلبهم، وضرب رجلين ضرباً مبرحاً، ونهب الناس في هذا الحركة من العمائم والأردية شيء كثير، وسألت أدمية جماعة من ضرب الدبابيس.
وفي الثاني عشر من المحرم سفر الخليفة المستعين إلى الإسكندرية فسجن بها، وسفر معه أولاد الناصر فرج وهم فرج ومحمد وخليل وكان الذي سافر بهم صهر كاتب السر
ابن البارزي واسمه كزل الأرغون شاوى، وفي هذا الشهر كثر البرسيم الأخضر، فانحط بكثرته سعر الشعير واستغنت البهائم عنه.
وفي صفر تيسر وجود الخبز في حوانيت الباعة، وفي آخره قدم مرجان من الصعيد وعلى يده شيء كثير من الغلال وقد انحط السعر بالقاهرة، فرسم له أن يبيع ما اشتراه بالسعر الحاضر ولو خسر النصف.
وفي رابع عشر ربيع الآخر صرف العينتابي من الحسبة وأعيد ابن شعبان، وفي آخره استقر العينتابي في نظر الأحباس بعد موت شهاب الدين الصفدي ثم صرف ابن شعبان في رجب منكلي بغا ويقال إنه أول من أضيفت وظيفة الحسبة من الترك.
وفيها أوقع أقباي نائب حلب بالتركمان بناحية العمق وكبيرهم كردي بك بن كندر ومن انضم إليه فهزمهم وانتصر عليهم، ثم أوقع أقباي بالعرب بأرض البيرة فكسرهم بعد أن نال عسكره منهم مشقة عظيمة ووهن.
وفي ثاني عشر المحرم نقلت الشمس إلى برج الحمل فدخل فصل الربيع، وابتدأ الطاعون بالقاهرة فبلغ في نصف صفر كل يوم مائة نفس، ثم زاد في آخره مائتين، وكثر ذلك حتى كان يموت في الدار الواحدة أكثر من فيها، وكثر الوباء بالصعيد والوجه البحري حتى قيل إن أكثر هو هلكوا، وفي طرابلس حتى قيل إنه مات بها في عشرة أيام عشرة آلاف نفس، وبلغ عدد الأموات بالقاهرة في ربيع الأول ثلاثمائة في اليوم، ثم في نصفه بلغوا خمسمائة، وفي التحقيق بلغوا الألف لأن الذين يضبطون إنما هم من يرد الديوان وأما من لا يرده فكثير جداً، وماتت ابنتاي غالية وفاطمة، وبعض العيال، وكان كل من طعن مات عن قرب إلا النادر، وإن أهل فاس أحصوا من مات منهم في شهر واحد فكان ستة وثلاثين ألفا، حتى كادت البلدان تخلو من أهلها وتصدى الأستادار لمواريث الأموات، ثم ابتدأ الموت في النقص من نصف ربيع الأول إلى أن انتهى في أول ربيع الآخر إلى مائة وعشرين، ثم بلغ في تاسعه إلى ثلاثة وعشرين، وتزايد الموت بدمشق وكان ابتداؤه عندهم في ربيع الأول فبلغت عدة من يموت في ربيع الآخر في اليوم ستين نفساً، ثم بلغ مائتين في أواخره ثم كثر في جمادى الآخرة بها، وكذلك وقع في القدس وصفد وغيرها، ثم ارتفع في آخر ربيع الآخر فنزل في الثالث والعشرين منه إلى أحد عشر نفسا.
وفيه قدم مفلح رسول صاحب اليمن بهدية جليلة إلى الملك المؤيد، فأكرم مورده وأمر بأن يباع الهدية وتصرف في عمارة المؤيدية فحصل من ثمنها جملة مستكثرة، وعين كاتبه للتوجه إلى اليمن في الرسلية عن السلطان فاستعفى من ذلك فأعفى، وعمل الملك المؤيد الخدمة في إيوان دار العدل، ورتب الجند في القلعة ما بين الباب الأول إلى باب الدار المذكورة قياما في هيئة جميلة مهولة، وطلب قاصد صاحب اليمن فأحضر فرأى ما يهال وقدم الكتاب الواصل صحبته ثم أحضر الهدية بعد ذلك على مائتي جمال وخلعت عليه خلعة سنية.
وفيها مات أحمد بن رمضان أمير التركمان وكان قديم الهجرة في الإمارة وقد تقدم في حوادث سنة خمس وثمانين قتل أخيه إبراهيم واستقراره بعده إلى هذا الغاية وكان معه أذنة وإياس وسيس وما ينضم إلى ذلك وكان يطيع أمراء حلب طوراً ويعصى عليهم طوراً.
وقدم على الناصر فرج سنة ثلاث عشرة، فخلع عليه وتزوج ابنته ورده إلى بلاده مكرماً.
وفيه في الثاني عشر من المحرم قرر تقي الدين عبد الوهاب بن أبي شاكر في الوزارة وكانت بيده مباشرة النظر على ديوان سيدي إبراهيم ابن السلطان، فقبل الوزارة بعد تمنع شديد وكانت شاغرة منذ سفر السلطان في العام الماضي، فباشرها مباشرة حسنة.
وفي أواخر المحرم جمع السلطان الصناع من الحجارين أمرهم أن يقطعوا العمارة بجامعه داخل باب زويلة من مكان عينه تحت دار الضيافة وأقام هناك يوماً كاملاً،
وفي هذا الشهر ركب كزل نائب ملطية في جماعة من المخامرين فهجم على مدينة حلب فقاتلوه، فقتلت طائفة وأنهزم.
وفيه استقر عمر بن الطحان في نيابة قلعة صفد.
وفيه كانت الفتن بين عرب الرحوم وعرب العاند بأرض القدس والرملة وغزة.
وفيه قبض على إينال أحد أمراء دمشق وسجن بالقلعة.
وفيه قبض على ابن أبي بكر بن نعير ففر أخوه أحمد ثم قتل في جمادى الآخرة، ونزل أخوه الآخر فأحرق الرحبة.
وفي المحرم جمع السلطان القضاة والعلماء وأحضر من يتكلم في العمارة، وذكر أن الشيخ شرف الدين ابن التباني تكلم معه في أن كثير من الأمور التي باشرها من يتكلم بالعمارة لا تجري على أحكام الشرع من أخذ بيوت الناس بغير رضاهم، وهدم الأوقاف بغير طريق ونحو ذلك، فأصغى السلطان وجمع الجميع فأدار الكلام بينهم فتعصبوا الجميع على ابن التباني وفجر عليه أحمد بن النسخة شاهد القيمة ووافقه غيره، إلى أن عجز عنهم وأعيته أجوبتهم، فانفصل المجلس على غير شيء، وحققوا للسلطان أنه متعصب عليهم وأن له غرضا في الوقيعة فيهم، والتزم له القضاة بأنهم لا يجرون أموره في العمارة إلا على الوجه الشرعي المعتبر المرضي وانفصلوا على ذلك وسيسألون
أجمعين عن ذلك، واستمرت في سفر العمارة بالجامع ونودي أن لا يسخر فيه أحد، وأن يوفى الصناع أجرهم بغير نقص، ولا يكلف أحد فوق طاقته، واستمر ذلك.
وفي أول صفر أمر السلطان القضاة الأربعة بعزل جميع النواب وكانوا قد قاربوا مائتي نفس، فمنعوا من الحكم، ثم عرضهم في ثاني عشر صفر، وقرر للشافعي والحنفي عشرة عشرة وللمالكي خمسة وللحنبلي أربعة، ثم سعى كثير ممن منع عند كاتب السر بالمال إلى أن عادوا شيئاً فشيئاً.
وفي نصف صفر نودي أن لا يزوج أحد من العقاد أحداً من مماليك السلطان إلا بأذنه.
وفي ربيع الأول عرض السلطان أجناد الحلقة فمر به شيخ يقال له قطلوبغا السيفي وكان قد أمر في دولة منطاش تقدمة ألف ثم أهين بعد زوال دولته وخمل في الأيام الظاهرية إلى أن صار بأسوء حال، فعرفه السلطان فسأله عن حاله فأعلمه بسوء حاله، فاتفق أن السلطان كان تغير على أقبردي المنقار نائب الإسكندرية وعزله فقرر هذا في نيابتها بغير سعي ولا سؤال ولا قدرة حتى أنه لم يجد ما يتجهز به.
وفي سابع عشر شهر ربيع الأول أشهد عليه السلطان بوقف الجامع الذي جدده، ثم اشتد الأمر في العمارة في وسط السنة، وتباهى أهل الدولة في جلب الرخام إليها من كل جهة وكذلك الأعمدة.
وفيه ثار عليه ألم رجله وصار ذلك يعتاده في قوة الشتاء وفي قوة الصيف ويخف عنه في الخريف والربيع.
وفي ربيع الأول هجم الفرنج نستروه فنهبوا بها وحرقوا ثم قدموا في ربيع الآخر إلى يافا فأسروا من المسلمين نساء وأطفالاً، فحاربهم المسلمون ثم أفتكوا منهم الأسرى منهم بمال، ثم كان منهم ما سنذكره قريباً.
وفيه هم السلطان بتغيير المعاملة بالفلوس، وجمع منها شيئاً كثيراً جداً، وأراد أن يضرب فلوساً جدداً، وأن يرد سعر الفضة والذهب إلى ما كان عليه في الأيام الظاهرية، فلم يزل يأمر بترخيص الذهب إلى أن انحط الهرجة من مائتين وثلاثين إلى مائتين وثمانين والأفلوري إلى مائتين وعشرة، وأمر أن يباع الناصري بسعر الهرجة ولا يتعامل به عددا وعدل أفلوريا من الذهب بثلاثين من الفضة، فاستقر ذلك إلى آخر دولته، ثم كان ما سنذكره في سنة خمس وعشرين.
وفي هذا الشهر جردت طائفة من الأمراء إلى الصعيد لقتال العرب المفسدين به، وجردت طائفة أخرى لقتال من بالوجه البحري، فرجع المجردون إلى الوجه البحري وقد غنموا أموالاً وأغناماً وجمالاً، وحصل لفخر الدين الكاشف من ذلك ما لا يدخل تحت الحصر حتى كان جملة ما حمله للسلطان في مدة يسيرة أكثر من مائة ألف دينار.
وفيه اشتد الغلاء بالرملة ونابلس وكثر فساد محمد بن بشارة بمعاملة صفد.
وفيه كان وقعة بين نائب حلب وكزل فانهزم كزل، وجرح وجماعة من أصحابه، استولى حسن بن كبك على ملطية فأساء السيرة بها، وغلب نائب حلب على حميد بن نعير وهزمه، وغنم منه مالا جزيلاً - وجمالاً.
وفيه توجه حديثة بن سيف أمير آل الفضل إلى الرحبة صحبة نائبها عمر ابن شهري وطائفة عسر الشام، ففر عذراء وسبى ولدا على ابن نعير، فرجع العسكر الشامي وأقام حديثة
على الرحبة، ونزل قريباً من تدمر، فأتاه عذراء في ثلاثة آلاف نفس، فوقعت بينهم مقاتلة عظيمة، وكان النصر لحديثة.
وفيه غضب السلطان علي بدر الدين الأستادار المعروف بابن محب الدين وشتمه وهم بقتله وعوقه بالقلعة، فتسلمه جقمق على ثلاثمائة ألف دينار، وكان عاجزاً في مباشرته مع كثرة إدلاله على السلطان وبسط لسانه بالمانة عليه حتى أغضبه.
فلما كان في الخامس والعشرين من هذا الشهر وهو ربيع الأول أعيد فخر الدين ابن أبي الفرج إلى الأستادارية، واستمر بدر الدين في المصادرة، ثم اشتد الطلب عليه في أول جمادى الآخرة، وعوقب بأنواع العقوبات، ثم خلع في رابعه على فخر الدين، واستقر مشيراً ثم نقل المذكور إلى بيت فخر الدين الأستدار فقبض على امرأته وعوقبت فأظهرت مالاً كثيراً، ثم أفرج عن ابن محب الدين في أواخر رجب، وقرر كشف الوجه القبلي بعد أن قرر عليه مائة ألف دينار باع فيها موجوده وأثاثه وأثاث زوجته بعد أن عوقبت واستدان شيئاً كثيراً.
وفي هذا الشهر أمر السلطان الخطباء إذا وصلوا إلى الدعاء له في الخطبة أن يهبطوا من المنبر درجة أدبا ليكون ذكر - اسم الله ورسوله في مكان أعلى من المكان الذي يذكر فيه السلطان، فصنع كاتبه ذلك في الجامع الأزهر وابن النقاش ذلك في جامع ابن طولون، وبلغ ذلك القاضي جلال الدين فما أعجبه كونه لم يبدأ بذلك فلم يفعل ذلك في جامع
القلعة، فأرسل السلطان يسأله عن ذلك فقال: لم يثبت هذا في السنة، فسكت عنه وترك فعل ذلك بعد ذلك، وكان مقصد السلطان في ذلك جميلاً.
وفي ذي القعدة أخذ نائب طرابلس قلعة الجواي وهي من قلاع الإسماعيلية عنوة وخربها حتى صارت أرضاً.
وفي أخر ربيع الآخر ابتدأ النيل في الزيادة ثم توقف ونقص أربعة عشر إصبعا، فأرسل السلطان طائفة من القراء إلى المقياس، فأقاموا، فيها أياماً يقرؤن القرآن وتطبخ لهم الأطعمة، وأمر سودون صوفي حاجب الحجاب أن يركب إلى شاطئ النيل ويحرق ما يجده هناك من الأخصاص التي توضع للفساد ويظهر الفسقة فيها المناكر من الزنى وشرب الخمر واللواط متجاهرين بذلك غير محتشمين منه فأوقع بهم فنهب بعضهم بعضاً، فقدر الله بعد ذلك بوفاء النيل وزاد بعد الوفاء - زيادة بالغة إلى أن انتهت إلى عشرين ذراعاً سواء وثبت إلى وقت انحطاطه ثباتاً حسناً.
وفي ثاني عشري ربيع الآخر دخل مينا الإسكندرية مركب من الفرنج ببضاعة فثار بينهم وبين بعض العتالين شر آل إلى القتال فأخذ الفرنج مركبا فيها عدة من المسلمين فبعث إليهم النائب غريمهم العتال فردوا ما أخذوه من المسلمين وانتقموا من العتال، ثم وثبوا على مركب وصلت للمغاربة فأخذوها بما فيها، فما نجا منها غير خمسة عشر رجلاً سبحوا في الماء.
ثم في سادس عشر جمادى الآخرة قدم صلاح الدين بن ناظر الخاص إلى الإسكندرية لتحصيل ما بها من المال فبينا هو في الخمس وبين يديه أعيان البلد إذ أسر شخص أن الفرنج الذين وصلوا في ثمانية مراكب قد عزموا أن يهجموا عليه ويأسروه، فلم يكذب الخبر وقام مسرعاً فتسارع الناس فسقط فانكسرت رجله، وحمل إلى داره ثم أركب إلى النيل ثم ركب إلى أن وصل القاهرة منزعجاً وهجم الفرنج عقب صنعه ذلك، فكاثرهم أهل البلد حتى أغلقوا باب البحر، فعاثوا فيمن هو خارج الباب من المسلمين فقتلوا منهم عشرين رجلاً وأسروا جماعة تزيد عن السبعين وأخذوا ما ظفروا به وصعدوا مراكبهم، ثم حاصروا البلد فتراموا بالسهام جميع الليل، فأخذ كثير من المسلمين في الفرار من الإسكندرية وقام الصياح على فقد من أسر أو قتل، فاتفق قدوم مركب من المغاربة ببضاعة فمال الفرنج عليهم فقاتلوهم، فدافعوا عن أنفسهم حتى أخذوا عنوة وضربوا أعناقهم وأهل الإسكندرية يرونهم من فوق الأسوار ما فيهم منعة، ووصل ابن ناظر الخاص بعد أن خرج أبوه لما سمع الخبر وخرج صحبته جماعة من الجند، ثم سار الشيخ أبو هريرة بن النقاش في أناس من المطوعة على نية الجهاد في سبيل الله فقدموا الإسكندرية فوجدوا الفرنج قد أخذوا ما أخذوا وساروا مقلعين في مراكبهم. وفات ما فات.
وفيه نفى كزل العجمي إلى غزة ثم إلى صفد فسجن بالقلعة، واستمر إلى أن أطلق في أيام الظاهر ططر في سنة أربع وعشرين.
وفيها أحدث الوالي وهو خرز على النصارى واليهود برسم المماليك في المحمل في رجب المصادرة لهم على خمر كثير فتجوهوا في بعضه ببعض أهل الدولة فحقد
ذلك عليهم، ثم استأذن السلطان وركب وكبس سويقة صفية خارج القاهرة، والكوم خارج مصر، فأراق عدة جرار من الخمر، وكتب على أكابرهم إشهادات بأمور اقترحها عليهم حتى كف عنهم.
وفي ربيع الآخر نقل جانبك الصوفي من سجنه بالقاهرة بالقلعة إلى الإسكندرية.
وفيه نزل العرب المعروفون بلبيد على ريف البحيرة في خمسمائة فارس سوى المشاة فأوقعوا بأهلها.
وفيه قبض على ابن بشارة وهو محمد بن سيف بن عمر بن محمد ابن بشارة وكان قد زاد إفساده في طريق الشام وقطع الطريق فحمل إلى دمشق.
وفي رجب غضب السلطان على نجم الدين ابن حجي بسعاية شهاب الدين الشريف ابن نقيب الأشراف عليه وكانت بينهما منازعة أفضت على العداوة الشديدة حتى رحل إلى القاهرة في السعي عليه، فلم يزل به إلى أن أوصل بالسلطان ما يقتضي الغضب عليه، فأرسل بالكشف عليه بعد النداء بعزله وأن من له عليه حق يحضر إلى بيت الحاجب فاستمر النداء أياماً فلم يثبت عليه شيء، ثم نقل إلى المدرسة البيبرسية بالشرف الأعلى ورسم عليه وقرر في الحكم اثنان من نوابه وكتب عليه له إشهاد بما بيده من الوظائف وأنه إن ظهر بيده زيادة على ذلك كان عليه عشرة آلاف دينار على سبيل النذر لعمارة الأسوار، واستمر غضب السلطان عليه، وعرض منصب القضاء بدمشق على كاتبه مراراً فامتنع وأصر على الامتناع فأراده على ذلك ورغبه فيه حتى صرح بأن للقاضي بدمشق
في الشهر عشرة آلاف درهم فضة معاليم قضاء وأنظار إذا كان رجلاً جيداً فإن كان غير ذلك كان ضعف ذلك، فأصر على الامتناع وبالغ في الاستعفاء، فسعى بعض الشاميين لابن زيد قاضي بعلبك، فقرر في قضاء دمشق على ثلاثمائة ثوب بعلبكي، وفي عقب ذلك قدم نجم الدين ابن حجي القاهرة، فأنزله زين الدين عبد الباسط ناظر الخزانة عنده، وقام بأمره، ولم يزل إلى أن صلح حاله عند السلطان وأعاده على القضاء في بقية السنة، فلبس الخلعة بذلك في رابع ذي الحجة، وعاد من كان منكرا على كاتبه في الامتناع مادحاً على ذلك وكان شق هذا القدر على كثير من الناس حسداً وأسفا فلله الحمد على ما أنعم.
وفي جمادى الأولى تقاول فخر الدين الأستادار وبدر الدين ابن نصر الله ناظر الخاص بين يدي السلطان فأفضى الحال إلى السلطان ألزم ناظر الخاص بحمل خمسين ألف دينار.
وفي رجب قبض فخر الدين الأستادار على شمس الدين بن محمد بن مرجونة وكان متدركاً بجوجر، ثم سعى إلى أن ولي قضاءها فأمر بتوسيطه فوسط وذهب دمه هدرا، وأحيط بموجوده فبلغ نحو خمسين ألف دينار، فحملها إلى السلطان.
وفي ربيع الآخر شغر قضاء الحنفية بموت ابن العديم، فسعى فيه جماعة وكاد أمره أن يتم للقاضي زين الدين التفهني، بحيث أنه أجيب وبات على أن يخلع عليه
في يوم الاثنين ثامن عشر ربيع الآخر، ثم تأخر ذلك وأمر السلطان بطلب ابن الديري من القدس، فوصل الخبر فتجهز وحضر في الثالث عشر من جمادى الأولى وهرع الناس للسلام عليه ثم اجتمع بالسلطان ففوض قضاء الحنفية في يوم الاثنين سابع عشر جمادى الأولى - فباشره بصرامة ومهابة.
وفي أواخر شعبان استقر زين الدين قاسم العلائي في قضاء العسكر وإفتاء دار العدل عوضاً عن تقي الدين بن الجيتي بحكم وفاته في الطاعون وشغرت الوظيفتان هذه المدة، وكان سعى فيها شمس الدين القرماني خادم الهروي فأجيب إلى أحديهما، ثم غلبه قاسم عليهما.
وفي ذي الحجة قدمت خديجة زوج ناصر الدين بك بن خليل بن قراجا بن دلغادر على المؤيد في طلب ولدها، وكان السلطان استصحبه معه من بلادهم فأكرم مجيئها ورتب لها رواتب وجمع بينها وبين ولدها، وهذه هي التي تزوج بعد ذلك الملك الظاهر جقمق ابنتها في ثلاث وأربعين، وقدم أبوها طائعاً فأكرم غاية الإكرام.
وفي رجب غضب قاضي الحنابلة القاضي علاء الدين ابن المغلي من الدويدار الكبير فعزل نفسه، ولزم منزله، وكان السبب في ذلك أن حكومة رفعت إلى الدويدار في جمال الدين الإسكندراني نقيب القاضي، فبعث يطلبه فامتنع قاضيه من إرساله، فأرسل بعض نوابه يسأل عن القضية فأفحش القول له فأعاد الجواب فغضب لاعتماده على كاتب السر فقام كاتب السر في تسكين القضية إلى أن أصلح بينهما وتحيل على السلطان حتى أمر له بخلعه فخلعت عليه بسبب قدومه بعد غيبته، وأوهم السلطان أنه خشي لطول الغيبة أن يكون ولايته بطلت فأذن له فلبس الخلعة، وقرره على ولاية القضاء ومشى الأمر على السلطان في ذلك، وذلك كله من جودة تدبير كاتب السر وقوة معرفته بسياسة الأمور.
وفي شعبان مات أيدغمش التركماني في الاعتقال بدمشق.
وفيها فوض أمر النظر على الكسوة للقاضي زين الدين عبد الباسط بعد أن استعفى منها ناظر الشيخ فأعفي.
وفي شعبان قبض على محمد بن عبد القادر وأخيه عمر بغزة وحملا إلى القاهرة.
وفيه قدمت هدية كرسجي بن أبي يزيد بن عثمان من بلاد الروم فأكرم قاصده وقبلت هديته وأمر بصرف ثمنها في العمارة.
وفي سابع رمضان عزل خرز من ولاية القاهرة واستقر أقبغا شيطان وكان بيده شد الدواوين فاستمرت معه، ثم انتزعها منها خرز واستمر خرز في نيابة الجيش أيضاً.
وفيه قدم بركات بن حسن بن عجلان إلى القاهرة، ومعه خيل وغيرها فقدمها، فقبلت منه وأنزل عند ناظر الخاص وكتب تقليد أبيه بعودة إلى إمرة مكة، وعزل رميثة، فوصل الكتاب في شوال فبعث إلى آل عمر القواد وكانوا مع رميثة فاستدعاهم إلى الرجوع في طاعته فامتنعوا وقاموا مع رميثة محاربين لحسن، فركب حسن إلى الزاهر ظاهر بمكة في ثاني عشر من شوال، ووافاه مقبل بن نخبار أمير ينبع منجداً له بعسكره، ثم دخلوا مكة بعسكر بقرب العسيلة فوقعت الحرب هناك فانكشف رميثة ومن معه وغلب حسن ومن معه فدخلوا البلد بعد أن أحرقوا الباب، وكثرت الجراحات في الفريقين، فخرج الفقهاء والفقراء بالمصاحف يسألون حسن بن عجلان الكف عن القتل فأجابهم، فخرج رميثة من مكة هو ومن معه وتوجهوا إلى جهة اليمن، ودخل حسن مكة في سادس عشر من شوال فغلب عليها ونادى بالأمان واستقرت قدمه وأقام ولده بركات في القاهرة ثم سار منها بإذن السلطان في أول ذي القعدة فوافى الحجاج قبل ينبع،
وفي رمضان حضر السلطان مجلس سماع الحديث بالقلعة وفيه القضاة ومشايخ العلم، فسألهم عن الحكم في شخص يزعم أنه يصعد إلى السماء ويشاهد الله تعالى ويتكلم معه، فاستعظموا ذلك، فأمر بإحضاره فأحضر وأنا يومئذ معهم، فرأيت رجلاً ربعة عبل البدن أبيض مشربا بحمرة كبير الوجه كثير الشعر منتفشه، فسأله السلطان عما أخبر به، فأعاد نحو ذلك وزاد بأنه كان في اليقظة وأن الذي رآه على هيئة السلطان في الجلوس وأن رؤيته له تتكرر كثيراً، فاستفسره عن أمور تتعلق بالأحكام الشرعية من الصلاة وغيرها، فأظهر له أنه جاهل بأمور الديانة، ثم سئل عنه فقيل أنه يسكن خارج باب القرافة في تربة خراب وإن لبعض الناس فيه اعتقاد كدأبهم على أمثاله، فاستفتى السلطان العلماء، فاتفق رأيهم على أنه إن كان عاقلاً يستتاب فإن تاب وإلا قتل، فاستتيب فأمتنع، فعلق المالكي الحكم بقتله على شهادة شاهدين يشهدان أن عقله حاضر، فشهد جماعة من أهل الطب أنه مختل العقل مبرسم، فأمر السلطان به أن يقيد في المارستان، فأستمر فيه بقية حياة السلطان، ثم أمر بعد موت السلطان بإطلاقه.
وفي شوال كانت الفتن بين أهل البحيرة فقتل موسى بن رحاب وحلاف بن عتيق وحسين بن شرف وغيرهم من شيوخهم، وتوجه الأستادار لمحاربتهم ففتك فيهم، وقدم في ذي القعدة ومعه من الغنم والبقر شيء كثير ووصل في طلبهم إلى العقبة الصغرى، ثم توجه منها إلى جهة برقة فسار أياماً ثم رجع.
وفيه قدم ركب التكرور في طلب الحج ومعه شيء كثير من الرقيق والتبر.
وفيه قدم إلى دمشق الخاتون زوجة إيدكي صاحب الدشت في طلب الحج وصحبتها ثلاثمائة فارس فحجوا صحبة المحمل الشامي.
وفي ذي القعدة أفرج عن سودون الأشقر من الإسكندرية وأرسل على القدس بطالا.
وفي أواخر شوال قلع باب مدرسة حسن، وكان الملك الظاهر قد سده من داخله ومنع من الصعود منه، ثم هدمت بعد ذلك بمدة البوابة، ثم اشترى الملك المؤيد الباب من ذرية حسن والتنور الذي هو داخله بخمسمائة دينار، فركبا بجامعه الذي أنشأه بباب زويلة.
وفي أوائل رمضان أعيد قاسم البشتكي إلى نظر الجوالي بعد أن كان عزل وصودر وأهين.
وفيه عاود المؤيد ضعف رجليه بالمفاصل.
وفي رمضان نودي على المؤيدي أن يكون بثمانية والأفلوري بمائتين وثلاثين والفلوس كل رطل بخمسة ونصف، فكان في ترخيص الذهب سبب إلى تكثير الفضة، وأما ترخيص الفلوس فلا يعقل معناه فإنه رخيصة جداً بالستة وكان في الستة ترفق بمن لا يد له بالحساب لسرعة إدراك نصفها وثلثها وربعها وغير ذلك بخلاف الخمسة والنصف.
وفي سادس شوال قدمت رسل قرا يوسف على المؤيد فسمع الرسالة وأعاد الجواب.
وفي أواخر شوال مات أمير الركب الأول قمارى وكان أمير عشرة، فسار بالركب الأمير صلاح الدين ابن ناظر الخاص صاحب بدر الدين ابن نصر الله وكان قد حج في هذه السنة، فشكروا سيرته فيهم بعد أن وصلوا.
وفي العشرين من ذي القعدة استقر فخر الدين في الوزارة مضافاً إلى الأستادارية بعد موت تقي الدين ابن أبي شاكر.
وفيه غلا البنفسج بالقاهرة حتى لم يوجد منه شيء البتة، ووجدت باقة واحدة فبيعت بعشرين درهماً فضة.
وفيه حاصر نائب طرابلس قلعة الجوابي إحدى قلاع الإسماعيلية، فأخذها عنوة وخربها حتى صارت أرضا وفي آخره - مات محمد بن هيازع أمير آل مهدي من العرب فقرر مكانه مانع بن سنيد.
وفي أول ذي الحجة أمر جقمق الدويدار بعرض أجناد الحلقة ليسافروا صحبة ركاب السلطان إذا تجهز للبلاد الشمالية، فاشتد عليهم جقمق وحلف السلطان ناظر الجيش بطلاق زوجته وبكل يمين أنه لا يكتم عنه شيئاً، فاشتد الأمر على أجناد الحلقة جداً، ثم أمر السلطان أن يعرضوا عليه فكان ما سنذكر في السنة الآتية.
وفي عاشر ذي الحجة يوم عيد النحر أنزل المستعين بالله أبو الفضل العباس بن محمد العباسي إلى ساحل مصر على فرس وبفرج وخليل ومحمد أولاد الملك الناصر فرج في محفة وتوكل بهم الأمير كزل الأرغون شاوي وكان أحد الأمراء بحماة وزوج بنت كاتب السر فسار بهم إلى الإسكندرية، وكان المستعين لما خلعه المؤيد من الملك نقله من القصر إلى دار من دور القلعة ومعه أهله وحاشيته ثم نقله إلى برج قريب من باب القلعة وكان الظاهر
حبس فيه أباه المتوكل ثم نقله في هذا الشهر إلى الإسكندرية فأنزله في برج من أبراجها ولم يجر عليه معلوما ولا راتبا وانتهت هذا السنة وقد بلغت النفقة على الجامع المؤيدي أربعين ألف دينار ذهباً.
وفي ثاني عشر ذي الحجة توجه السلطان إلى الربيع فأقام برسيم خمسة عشر يوماً، ونزل ليلة السابع والعشرين من ذي الحجة في حراقته الذهبية فجمع له بعض الناس له عدة مراكب وزينوها بالوقيد الكثير، وكان الهواء ساكنا فكانت ليلة معجبة.
وفي هذه السرحة قدم الأستادار عشرة آلاف دينار ومائة وخمسين جملاً غير الخيول - واستمر ذلك سنة بعده على المباشرين.
وفيها مات أحمد - ابن رمضان أحد أمراء التركمان وكان بيده سيس وأذنة فاختلف أولاده بعده.
وفيها بلغ السلطان في يوم الأربعاء الثامن من ذي الحجة أن نائب الحكم ببلبيس أخبر أنه ثبت عنده هلال ذي الحجة ليلة الثلثاء، فانزعج على القاضي الشافعي ونسبه إلى التفريط في الأمور المهمة. وتكلم في القضاة كلهم بكلام خشن.
وفي هذه السنة غلب الأمير بهار بن فيروز شاه بن محمد شاه ابن تهمتم بن جردن شاه بن طغلق بن طبق شاه سيف الدين بن قطب الدين على ملك هرمز، وكان حسام الدين بن عدي قد خرج على أبيه وغلب على هرمز، فثار عليه بهار المذكور في هذه السنة ففر منه إلى جزيرة تاردب، ثم حج سنة عشرين وثمانمائة.