المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر من ماتفي سنة سبع وثلاثين وثمانمائة من الأعيان - إنباء الغمر بأبناء العمر - جـ ٣

[ابن حجر العسقلاني]

فهرس الكتاب

- ‌سنة ست عشرة وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة ست عشرة وثمانمائة من الأعيان

- ‌سنة سبع عشرة وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتسنة سبع عشرة وثمانمائة من الأعيان

- ‌سنة ثماني عشرة وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة ثماني عشرة وثمانمائة من الأعيان

- ‌سنة تسع عشرة وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة تسع عشرة وثمانمائة من الأعيان

- ‌سنة عشرين وثمانمائة

- ‌من الحوادث غير ما يتعلق بسفر السلطان

- ‌ذكر من ماتفي سنة عشرين وثمانمائة من الأعيان

- ‌سنة إحدى وعشرين وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة إحدى وعشرين وثمانمائة من الأعيان

- ‌سنة اثنتين وعشرين وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة اثنتين وعشرين وثمانمائة من الأعيان

- ‌سنة ثلاث وعشرين وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة ثلاث وعشرين وثمانمائة من الأعيان

- ‌سنة أربع وعشرين وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة أربع وعشرين وثمانمائة من الأعيان

- ‌سنة خمس وعشرين وثمانمائة

- ‌ذكر الحوادث الواقعة في هذه السنة

- ‌ذكر من ماتفي سنة خمس وعشرين وثمانمائة من الأعيان

- ‌بسم الله الرحمن الرحيم

- ‌سنة ست وعشرين وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة ست وعشرين وثمانمائة من الأعيان

- ‌سنة سبع وعشرين وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة سبع وعشرين وثمانمائة من الأعيان

- ‌سنة ثمان وعشرين وثمانمائة

- ‌ذكر غزاة قبرس الأولى

- ‌سنة تسع وعشرين وثمانمائة

- ‌ذكر غزوة قبرس الكبرى

- ‌ذكر من ماتفي سنة تسع وعشرين وثمانمائة من الأعيان

- ‌سنة ثلاثين وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة ثلاثين وثمانمائة من الأعيان

- ‌سنة إحدى وثلاثين وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة 831 من الأعيان

- ‌سنة اثنتين وثلاثين وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة 832 من الاعيان

- ‌سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة

- ‌سنة أربع وثلاثين وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة أربع وثلاثين وثمانمائة من الأعيان

- ‌سنة خمس وثلاثين وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة خمس وثلاثين وثمانمائة من الأعيان

- ‌سنة ست وثلاثين وثمانمائة

- ‌ذكر السفرة الشماليةفي يوم الجمعة تاسع عشر شهر رجب

- ‌ذكر الحوادثفي غيبة السلطان الأشرف بالقاهرة

- ‌ذكر من ماتفي سنة ست وثلاثين وثمانمائة من الأعيان

- ‌سنة سبع وثلاثين وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة سبع وثلاثين وثمانمائة من الأعيان

- ‌سنة ثمان وثلاثين وثمانمائة

- ‌من الحوادث

- ‌ذكر من ماتفي سنة ثمان وثلاثين وثمانمائة من الأعيان

الفصل: ‌ذكر من ماتفي سنة سبع وثلاثين وثمانمائة من الأعيان

وفيها أخرب أصبهان بن قرا يوسف بغداد وتشتت أهلها منها، وأخرب قبل ذلك الموصل.

وفيها جهز السلطان الجنيد أمير آخور إلى الغرب لمشتري الخيول، فعاد ومعه كتب من تونس وهدية من صاحبها وخيول جياد اشتراها.

‌ذكر من مات

في سنة سبع وثلاثين وثمانمائة من الأعيان

.

إبراهيم بن داود بن محمد - بن أبي بكر - العباسي ولد أمير المؤمنين المعتضد ابن المتوكل العباسي، ولم يكن بقى له غيره، وكان رجلاً حسناً كبير الرئاسة، قرأ القرآن وحفظ المنهاج واشتغل كثيراً، وخلف أباه لما سافر خلافة حسنة شكر عليها، ومات بمرض السل في ليلة الأربعاء ثالث عشر ربيع الأول بالقاهرة ولم يكمل الثلاثين، ولم يبق لأبيه ولد ذكر، وذكر أنه تمام عشرين ولدا ذكرا.

أحمد بن محمود بن أحمد بن إسماعيل - بن محمد - بن أبي العز، الدمشقي شهاب الدين الحنفي المعروف بابن الكشك، انتهت إليه رئاسة أهل الشام في زمانه، وكا شهماً قوي النفس مستحضراً لكثير من الأحكام، ولي قضاء الحنفية استقلالاً مدة ثم أضيفت إليه نظر الجيش في الدولة المؤيدية وبعدها ثم صرف عنهما معاً، ثم أعيد لقضاء الشام وعين لكتابة السر بعد موت شهاب الدين ابن السفاح، فاعتذر لضعف يعتريه وهو عسر البول،

ص: 520

وكانت بينه وبين نجم الدين ابن حجى معاداة فكان كل منهما يبالغ في الآخر، لكن كان ابن الكشك أجود من ابن حجى - سامحهما الله تعالى! عاش ابن الكشك بضعاً وخمسين سنة وكانت وفاته ليلة الخميس سبع ربيع الأول بالشام.

إسماعيل بن أبي بكر بن المقرئ عالم البلاد اليمنية، شرف الدين أصله من الشرجة من سواحل اليمن، وولد سنة خمس وستين وسبعمائة بأبيات حسين، وسكن زبيد، ومهر في الفقه والعربية والأدب، وجمع كتاباً في الفقه سماه عنوان الشرف، يشتمل على أربعة علوم غير الفقه، يخرج من رموز في المتن عجيب الوضع، اجتمعت به في سنة ثمانمائة ثم في سنة ست وثمانمائة، وفي كل مرة يحصل لي منه الود الزائد والإقبال، وتنقلت به الأحوال، وولي إمرة بعض البلاد في دولة الأشرف، ونالته من الناصر جائحة تارة وإقبال أخرى، وكان يتشوف لولاية القضاء بتلك البلاد فلم يتفق له. ومن نظمه بديعية التزم أن تكون في كل بيت تورية مع التورية باسم النوع البديعي، وله مسائل وفضائل، وعمل مرة ما يتفرع من الخلاف في مسألة الماء المشمس فبلغت آلافا، وله شرح - مختصر - الحاوي في مجلدين، وحج سنة بضع عشرة، وأسمع كثيراً من شعره بمكة رحمه الله تعالى.

ص: 521

آقبغا الجمالي الذي كان عمل الأستادرية الكبرى غير مرة، وفي الآخر ولاه السلطان كشف البحيرة فتوجه إلى هناك فأغار على بعض العرب، فتجمعوا عليه وذهب دمه هدراً، وكان أهوج مقداماً غشوماً، وهو من مماليك كمشبغا الجمالي، وخرج الوزير الأستادار عبد الكريم ابن كاتب المناخات بعسكر فجمع العرب وأمنهم وأحضرهم إلى السلطان في 21 ربيع الآخر.

أبو بكر بن علي بن حجة، الحموي الحنفي، الشيخ الأديب الفاضل، شاعر الشام، تقي الدين الأزراري، كان في ابتداء أمره يعقد الأزرار، وكان يخضب بالحمرة، ثم تعانى النظم فتولع أولاً بالأزجال والمواليا ومهر في ذلك وفاق أهل عصره، ثم نظم القصائد ومدح أعيان أهل بلده، ودخل الشام فمدح برهان الدين ابن جماعة قبل التسعين بقصيدة كافية أعجبته، فطاف بها على نبهاء عصره فقرظوها له، ودخل بسبب ذلك إلى القاهرة فدل على القاضي فخر الدين بن مكانس ومدحه وطارح ولده وكتب له على القصيدة، ومن نظمه:

سرنا وليل شعره ينسدل

وقد غدا بنومنا مسفرا

فقال صبح ثغره مبتسما

عند الصباح يحمد القوم السرى

ومنه:

في سويدا مقلة الحب نادى جفنه

وهو يقنص للأسود صيدا

لا تقولوا ما في السويداء رجال

فأنا اليوم من رجال السويدا

واجتمعت به إذ ذاك، ثم عاد مرة أخرى فتأكدت الصحبة، ولما رجع في الأول صادف الحريق الكائن بدمشق لما كان الظاهر يحاصر دمشق بعد أن خرج من الكرك وكان أمراً مهولاً، فعمل فيه رسالة وكاتب بها ابن مكانس وهي طويلة، وأقام بحماة يمدح أمراءها وقضاتها، وله قصيدة في علاء الدين ابن أبي البقاء قاضي دمشق، ومدح أمين الدين الحمصي كاتب السر حينئذ وغيره ودخل القاهرة، ثم نوه به القاضي ناصر الدين البارزي في الدولة المؤيدية فعظم أمره وشاع ذكره، وكان نظم قصيدة بديعية على طريقة شيخه المعز الموصلي وشرحها في ثلاث مجلدات، وجمع مجاميع أخرى مخترعة وله في المؤيد غرر القصائد وقرر في ديوان الإنشاء منشئ الديوان، وعمل في طول

ص: 522

الدولة المؤيدية من إنشائه مجلدين في الوقائع، ودخل مع المؤيد بلاد الروم، فلما انقضت الدولة المؤيدية رق حاله فرجع إلى بلده حماة فأقام بها على خير إلى أن مات في الخامس والعشرين من شعبان، سمعت من نظمه كثيراً، وسمعت عليه معظم شرحه على بديعيته وجملة من إنشائه، ولقيته بحماة سنة ست وثلاثين ذهاباً وإياباً، وبيننا مودة أكيدة - والله المسؤول إن يرحمه ونعم الرجل كان - رحمه الله تعالى.

أبو بكر المقيم ببولاق، أحد من كان يعتقد، وكان مقيماً بالحسينية ظاهر القاهرة ثم تحول إلى بولاق وبنيت له زاوية، فاتفق أنه أمر بأن يبنى له بها قبر فبنى، فلما انتهت عمارته ضعف فمات فدفن فيه في المحرم، ويحكى عنه كرامات، ومكاشفات - وكان في الغالب ثملاً -.

جار قطلي نائب الشام، تنقل في الخدم إلى أن ولي نيابة حماة في الدولة المؤيدية ثم نقل إلى نيابة حلب عوضاً عن تاني بك البجاسي واستقر البجاسي في نيابة دمشق فكان دخوله

ص: 523

إلى حلب في شوال سنة ست وعشرين، ثم نقل إلى القاهرة في سنة ثلاث وثلاثين فأمر تقدمة، ثم قرر أتابك العساكر بها ثم نقل إلى نيابة دمشق بعد عزل سودون من عبد الرحمن، فكانت مدة ولايته لها قدر سنة واحدة إلى أن مات - ليلة الإثنين في تاسع عشر - في شهر رجب، وكان شهماً مسرفاً على نفسه، يحب العدل والإنصاف ولم يخلف ولداً، واستقر بعده في نيابة الشام قصروه نائب حلب نقلاً منها، واستقر عوضه في نيابة حلب قرقماس الحاجب الكبير، واستقر عوضه في الحجوبية يشبك المشد، ومن الاتفاق أن رفيقاً لي رأى لما كنا في سفرة آمد قبل أن ندخل حلباً وذلك في رمضان أن الناس اجتمعوا فطلبوا من يؤم بهم فرأوا رجلاً ينسب إلى الصلاح فسألوه أن يؤم بهم فقال بل يؤم بهم قرقماس، ففي الحال حضر قرقماس فتقدم فصلى بهم، فوليها بعد ذلك بدون السنة، ونفى سودون من عبد الرحمن الذي كان نائب الشام إلى دمياط بعد أن كان بذل في نيابة الشام ستين ألف دينار يعجل نصفها ويجهز ويرسل نصفها بعد الولاية فلم يجب، واستقر عوضه في إمرته الأمير الكبير إينال الجكمي أمير سلاح، واستقر عوضه آقبغا التمرازي أمير سلاح وكان أمير مجلس، واستقر عوضه أمير مجلس جقمق أمير آخور، واستقر عوضه أمير آخور تغرى برمش الذي كان نائب الغيبة في سفر الشام، كل ذلك في يوم الخميس سلخ رجب، وفي الثالث من شعبان ماتت أم تغرى برمش المذكور، وكان الجمع في جنازتها حافلاً ومنع ابنها أكابر الناس من المشي في جنازتها وركب وركبوا إلى مصلى المؤمني.

رمبثة بن محمد بن عجلان، الحسني الذي كان ولي إمرة مكة، وكان خرج في طائفة من العسكر للوقيعة ببني إبراهيم على نحو من ثمانية أيام من مكة، فقتل في المعركة.

ص: 524

عبد الله بن عبد الله العفيف المعروف بالأشرفي كان مملوكاً رومياً اشتراه أرغون الفاخوري ورباه، فتعلم الخط وحذق اللسان العربي وتعانى الخدم، فرآه البرهان المحلى - التاجر - فأعجبه، فاشتراه من أرغون ثم أعتقه، ثم تنقلت به الأحوال حتى اتصل المذكور بالملك الأشرف إسماعيل صاحب اليمن، فعظم عنده جداً وفوض إليه أمر المتاجر بعدن، وصار يكتب بخطه الأشرفي واشتهر بها، فشرق به المحلى وتولدت بينهما العداوة، وكان يباشر بصرامة وشهامة وبعض عسف مع معرفة تامة، فلم يزل على ذلك من سنة ثمانمائة يتنقل الحال في ذلك بينه وبين نور الدين ابن جميع إلى أن مات الأشرفي وتولى ولده الناصر ومات ابن جميع، وتحول العفيف الأشرفي إلى مكة فسكنها نحواً من عشر سنين، ثم تحول إلى القاهرة فقطنها، واستقام أمره إلى أن قدر أنه خرج في تجارة إلى جهة طرابلس فأسر من طائفة من الفرنج وقعوا بالمركب الذي هو فيه فانتبهوا ما معه، واستمر في الأسر نحواً من أربع سنين إلى أن مات في هذه السنة في ربيع الآخر.

عبد الله جمال الدين بن الشيخ شمس الدين محمد بن محمد، العراقي الحلبي الأصل نزيل القاهرة، ولد سنة 64 تقريباً بحلب، وكان أبوه من صدور علمائها، وتربى هو بعد موته عند الشيخ شهاب الدين الأذرعي، وحصل له وظائف أبيه، ثم تعلق بعد أن كبر بولاية الحكم فناب في عدة بلاد وولي قضاء بعض البلاد على غير مذهبه، ولم يكن متحرياً وكان يعرف الشروط، ويستكثر من شراء الكتب مع عدم فراغه للاشتغال، وقدم القاهرة سنة إحدى وعشرين فقطنها إلى أن مات، وفي هذه السنة قيل للسلطان إنه لم يحج، فأرسل إليه في العشر الأخير من شوال، فسأله عن ذلك فاعترف، فأمره أن يحج

ص: 525

في هذه السنة، فبادر إلى الإجابة وأظهر الفرح بذلك، فنزل في الحال فتجهز وتوجه صحبة الركب الأول، فقدرت وفاته بمغارة نبط - ذاهباً - على ما بلغنا، ولم أعرف له سماعاً في الحديث ولا حدث، وكان مبغضاً للناس بغير سبب غالباً - عفا الله عنه -.

عبد الله بن مسعود، التونسي المكي الشيخ الجليل المعروف بابن القرشية أخذ عن والده وذكر أنه.... قرأت بخطه أن من شيوخه شيخنا بالإجازة أبا عبد الله بن عرفة وقاضي الجماعة أبا العباس أحمد بن محمد بن جعدة أخذ عن محمد بن عبد السلام شارح ابن الحاجب، ومنهم أبو القاسم أحمد بن أبي العباس الغبريني، أخذ عن أبي جعفر بن الزبير وعن ابن عربون وابن هارون، ومنهم أبو العباس أحمد بن أدريس الزواوي شيخ بحاية، وحدث بالحديث المسلسل بالأولية ومصافحة المعمر، ومنهم أبو عبد الله بن مرزوق، ومنهم أبو الحسن محمد بن أبي العباس أحمد الأنصاري البطرني، وذكر أنه قرأ عليه القراآت وسمع عليه كثيراً من الحديث وألبسه خرقة التصوف، ومنهم أبو العباس أحمد بن مسعود بن غالب البلنسي، أخذ عن الوادياشي وعن أبي عبد الله بن هزال.

عبد العزيز السلطان أبو فارس بن أبي العباس أحمد بن محمد بن أبي بكر بن يحيى بن إبراهيم بن يحيى بن عبد الواحد بن عمر الهنتاني الحفصي صاحب تونس، مات وهو قاصد إلى تلمسان وقد مضى كثير من أخباره في الحوادث، قرأت بخط صاحبنا أبي عبد الله محمد ابن عبد الحق الهنتي فيما كتب من سيرته أنه بلغه أنه كان لا ينام من الليل إلا قليلاً حتى حزر مقدار ما ينامه بالليل أربع ساعات لا يزيد قط بل ربما نقصت، وليس له شغل إلا النظر في مصالح ملكه، وكان يؤذن بنفسه ويؤم بالناس في الجماعة ويكثر من الذكر ويقرب أهل الخير، وقد أبطل كثيراً من المفاسد والتركاس بتونس منها العيالة وهو مكان يباع فيه الخمر للفرنج ويحصل منه في السنة شئ كثير وكان لأكثر الجيش عليه رواتب فأبطله وعوضهم - وأخرج المحسس بولده، قال - وشكى إليه قلة القمح - بالسوق - فدعا تجاره فعرض عليهم قمحاً من عنده وقال: أريد بيع هذا بسعر دينار ونصف، فاسترخصوه، فأمر ببيعه بذلك السعر وأن لا يشتري أحد من غيره بفوق ذلك، فاحتاجوا أن يبيعوا بذلك القدر فترك هو البيع فبلغه أنهم زادوا قليلاً فأمر بأن يباع ما عنده بسعر دينار واحد، وتقدم إلى خازنه أنه إن وجد القمح بالسوق لا يبيع من عنده شيئاً وإلا باع بسعر دينار فاضطروا إلى أن باعوا، فكانت تلك من أحسن الحيل في تمشية حال الناس، ولم يكن ببلاده كلها شئ من المكوس ولكنه كان يبالغ في أخذ الزكاة والعشر،

ص: 526

وكان محافظاً على عمارة الطرق حتى أمنت القوافل في أيامه في جميع بلاده. وذكر أنه حضر محاكمة مع منازع له في بستان إلى القاضي فحكم عليه، فقبل الحكم وأنصف الغريم، وكان إذا مر في الأسواق يسلم، ولا يلبس الحرير ولا يجلس عليه ولا يتختم بالذهب. وكانت صدقاته إلى الحرمين وإلى جماعة من الصلحاء بالقاهرة وغيرها مستمرة، وما سافر قط مع كثرة أسفاره إلا قدم بين يديه صدقات للزوايا وكذلك إذا عاد، وكتب إليه ابن عرفة مرة: والله لا أعلم يوماً يمر - علي ولا ليلة - إلا وأنا داع لكم بخير الدنيا والآخرة فإنكم عماد الدين ونصرة المسلمين؛ مات في 14 ذي الحجة عن ست وسبعين سنة بعد أن خطب له بفاس وتلمسان وما والاهما من المدن والقرى إحدى وأربعين سنة وأزيد، وقام من بعده حفيده المنتصر أبو عبد الله محمد بن الأمين أبي عبد الله محمد ابن أبي فارس.

عبد العزيز عز الدين بن القاضي بدر الدين محمد بن عبد العزيز بن الأمانة، مات في سابع عشرى جمادى الأولى، وكان شاباً صالحاً عفيفاً فاضلاً، اشتغل كثيراً ودرس وعمل المواعيد بالجامع الأزهر.

علي بن حسين ابن عروة المشرقي ثم الدمشقي الحنبلي أبو الحسن ابن زكنون، ولد قبل الستين وكان في ابتداء أمره جمالاً، وسمع علي بن يحيى بن يوسف الرحبي ويوسف الصيرفي ومحمد بن محمد بن داود وغيرهم، وكان يذكر أنه سمع من ابن المحب ثم أقبل على العبادة والإشتغال فبرع، وأقبل على مسند أحمد فرتبه على الأبواب، ونقل في كل باب ما يتعلق بشرحه من كتاب المغنى وغيره، وفرغ في مجلدات كثيرة، وكان منقطعاً في مسجد يعرف بمسجد القدم خارج دمشق، وكان يقرئ الأطفال ثم انقطع ويصلي الجمعة بالجامع الأموي ويقرأ عليه بعد الصلاة في الشرح،

ص: 527

وثار بينه وبين الشافعية شر كبير بسبب الاعتقاد، وكان زاهداً عابداً قانتاً خيراً لا يقبل لأحد شيئاً، ولا يأكل إلا من كسب يده؛ توفي في ثاني عشر جمادى الآخرة، وكانت جنازته حافلة.

عمر بن علي بن حجى، الشيخ الحنفي البسطامي، أصله من العجم، وصحب بعض الفقراء، ودخل القدس فلازم الشيخ عبد الله البسطامي فعرف به، وأخذ عن الشيخ محمد القرمي، ثم قدم مصر وسكن بقرب اللؤلؤة بالعارض، وكان خيراً ساكناً، يعتقدون الناس فيه، وله مدد من عقار يملكه ويستأجره، وكان قد أقعد وهو مع ذلك ملازم الصلاة والذكر، وقل أن ترد رسائله؛ مات في حادي عشر ذي الحجة وقد قارب التسعين، وسمعت بعض الناس يذكر أنه جاوز المائة وليس كما يظن.

قطلو بغا حجى البانقوسي حمو الظاهر ططر، ولي نظر الأوقاف في أيام الأشرف مدة، وباشر بعنف شديد ثم لانت عريكته، ثم انفصل ومات في يوم السبت 25 صفر.

محمد بن أحمد، المالكي فتح الدين ابن النعاس - بالعين والسين المهملتين - أحد موقعي الحكم، كان حسن الخط عارفاً بالوثائق، وولي الخطابة بمدرسة ناظر الجيش عبد الباسط وكان يتلمذ لإبن وفاء وتقدم في الصلاة عليه بإشارة ناظر الجيش بحضور القاضي الحنبلي وغيره من الأعيان. ولم يتفق لي حضورها.

ص: 528

محمد بن أبي بكر بن محمد بن سلامة. المارديني الحلبي الحنفي الشيخ بدر الدين، اشتغل ببلده مدة ولقى أكابر المشايخ وحفظ عدة مختصرات ومهر في الفنون وشغل الناس، وقدم إلى حلب مراراً فاشتغل بها ثم درس في أماكن وأقام بها مدة عشر سنين ثم رجع، ولما غلب قرايلك على ماردين نقله إلى آمد فأقام مدة، ثم أفرج عنه فرجع عنه إلى حلب فقطنها، ودرس في عدة مدارس، ثم حصل له فالج قبل موته بنحو عشر سنين فانقطع، ثم خف عنه وصار ثقيل الحركة، وكان حسن النظم والمذاكرة، اجتمعت به في حلب، وذكر لي أن مولده سنة خمس وخمسين ومدحني بقصيدة رائية وأجبته عنها، ومات ثانى صفر سنة 837، وكان فقيهاً فاضلاً صاحب فنون من العربية والمعاني والبيان، وأخذ عن شريحاً وجماعة، وقد ذكرت له ترجمة حسنة في معجمي ومات وله اثنتان وثمانون سنة ولم يخلف بحلب بعده مثله.

محمد ابن أبي بكر بن محمد السمنودي المقرئ تاج الدين الشهير بابن تمرية، ولد قبل الثمانين بيسير، وكان أبوه تاجراً بزازاً، فنشأ هو محباً في الإشتغال مع حسن الصورة والصيانة وتعانى القراآت فمهر فيها، ولازم الشيخ فخر الدين بالجامع الأزهر والشيخ كمال الدين الدميري، وولي خطابة جامع بشتاك، وأخذ أيضاً عن الشيخ خليل المشبب، مات يوم الجمعة عاشر صفر.

ص: 529

محمد بن عبد الله السلمي الشيخ بدر الدين، مات في تاسع عشر ذي الحجة.

محمد بن علي بن محمد بن أبي بكر، قاضي مكة جمال الدين القرشي العبدري المكي الشيبي أبو المحاسن، ولد في رمضان 779، وسمع على برهان الدين ابن صديق وغيره، وله إجازة من النشاورى والحافظ العراقي ونحوهما، وتعانى الأدب والنظر في التواريخ، وصنف أشياء لطيفة، منها ذيل على حياة الحيوان سماه طيب الحياة، ومن نظمه قوله في القاضي جلال الدين لما أعيد إلى القضاء بعد الهروي في سنة إثنتين وعشرين:

عود الإمام لدى الأنام كعيدهم

بل عودة لا عيد عاد مثاله

أجلى جلال الدين عنا غمة

زالت بعون الله جل جلاله

وولى سدانة البيت في سنة 27، ثم ولي قضاء مكة بعد صرف أبي السعادات في سنة ثلاثين فباشره، فحمدت سيرته وأضيف إليه نظر الحرم، ولم يكن يعاب إلا بما يرمى به من تناول لبن الخشخاش.

قال القاضي تقي الدين الشهبي: ولي حجاجة البيت سنة 28 وولي قضاء مكة سنة ثلاثين وجمع مجاميع كثيرة، منها تعليق على الحاوي وطيب الحياة مختصر حياة الحيوان مع زوائد، وكان رحل إلى شيراز وبغداد، وكتب بخطه حوادث زمانه؛ مات ليلة الجمعة ثامن عشرى ربيع الأول عن نحو من سبعين سنة.

محمد بن علي الحكري - بدر الدين -، ولي أبوه القضاء مدة لطيفة، كما تقدم ذكره في سنة ست وثمانمائة، ونشأ ابنه هذا نشأة حسنة واشتغل كثيراً ثم ناب في الحكم مدة، وكان جميل الصورة حسن المعاشرة متواضعاً، فاشتغل ومهر وبحث المقنع والمستوعب على القاضي الحنبلي، وكتب بخطه كثيراً؛ ومات في أول شهر ربيع الأول، طلعت له جمرة في قفاه فمات بها، وعاش ثلاثاً وخمسين سنة

ص: 530

محمد بن قطلبك الكماخي - بالخاء المعجمة - شمس الدين، أحد نواب الحنفي؛ مات في الخامس من جمادى الآخرة، وكان مذموم السيرة.

محمد بن محمد بن محمد بن القماح، التونسي المحدث بها أبو عبد الله، سمع من أبي عبد الله بن عرفة وجماعة وحج فسمع من شيخنا تاج الدين ابن موسى خاتمة من كان عنده حديث السلفي بالعلو بالسماع المتصل بالقاهرة من شيخنا حافظ العصر زين الدين العراقي ومن مسند القاهرة برهان الدين السامي وجماعة، ورجع إلى بلاده فعنى بالحديث واشتهر به وكاتبني مراراً بمكاتبات تدل على شدة عنايته بذلك ولكن بقدر طاقته في البلاد، وقد ولي قضاء بعض الجهات بالمغرب، وحدث بالإجازة العامة عن البطرني الأندلسي مسند تونس وخاتمة أصحاب ابن الزبير بالإجازة وعن غيره من المشارقة وحدث بالكثير؛ مات في أواخر شهر ربيع الآخر، كتب إلي بوفاته الشيخ عبد الرحمن البرشكي من تونس وقال: كان حسن البشر سمح الأخلاق محباً للحديث وأهله - رحمه الله تعالى.

محمد بن شفشيل، شمس الدين الحلبي، أحد الفقهاء بها، اشتغل كثيراً وفضل، سمعت من نظمه بحلب، وكتب عني كثيراً؛ مات في جمادى الأولى.

محمد بن الفخر، المصري ناصر الدين المعروف بابن النيدي.. كان أبوه

ص: 531

تاجراً، فنشأ هو محباً في العلم فمهر في العربية، وصاهر شيخنا العراقي على ابنته، ثم ماتت معه فتزوج بركة بنت الشيخ ولي الدين أخي زوجته الأولى ومات وهي في عصمته وخلف ولدين وكان معروفاً بكثرة المال فلم يظهر له شيء وله بضع وستون سنة.

محمد بن فندو ملك بنجالة جلال الدين أبو المظفر ويلقب بكاس، وكان سبب تملكه لها أن أباه كان كافراً فثار على شهاب الدين مملوك سيف الدين حمزة بن غياث الدين أعظم شاه بن إسكندر شاه بن شمس الدين، فغلبه على بنجالة وأسره، وكان أبو المظفر قد اسلم فثار على أبيه واستملك منه البلاد، وأقام شعار الإسلام، وجدد ما خربه أبوه من المساجد، وراسل صاحب مصر بهدية، واستدعى بعهد من الخليفة وكانت هداياه متواصلة بالشيخ علاء الدين البخاري نزيل مصر ثم دمشق، وعمر بمكة مدرسة هائلة، وكانت وفاته في شهر ربيع الآخر، واقيم بعده ولده المظفر أحمد شاه وهو ابن أربع عشرة سنة.

محمد الدمشقي المعروف بابن تيمية ناصر الدين، وكان يتعانى التجارة ثم أتصل بكاتب السر فتح الله وبشمس الدين بن الصاحب وسافر في التجارة لهما، وولي قضاء الإسكندرية مدة، وكان عارفاً بالطب، ودعاويه في الفنون أكثر من علمه؛ مات في تاسع شهر رمضان وقد جاوز السبعين.

ص: 532

مقبل بن عبد الله الرومي الذي كان دويدارا عند موت المؤيد، وفر إلى الشام فرقاً من ططر، ثم أمنه واستعان به على جقمق الذي كان نائب الشام ثم استقر في النيابة بصفد فباشرها مدة طويلة وحسنت سيرته فيها وسمعته، وكان فارساً بطلاً عارفاً بالسياسة؛ مات بصفد في يوم الجمعة 29 ربيع الأول، واستقر في نيابتها بعده اينال الششماني وكان قريب العهد من المجئ من إمرة الحاج وهم يشكون من جوره ووهنه - فلله الأمر

ص: 533