الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة
في المحرم استقر الوزير كريم الدين ابن كاتب المناخات في نظر الديوان المفرد مضافاً للوزارة، وفيه أمطرت في حمص ضفادع خضراء امتلأ منها الأزقة والأسطحة ووصل الخبر بذلك.
وفيه شغب الجند المماليك فزيد في أرزاقهم كل واحد أربعمائة فسكنوا.
وفيها رجع إسكندر بن قرا يوسف إلى تبرير فملكها بعد رحيل شاه رخ، ووقع لها الغلاء المفرط حتى أكلوا الكلاب.
وفي شوال أغار على قرقماس بنحسين بن نعير على ابن عمه مدلج ابن علي بن نعير، فانهزم قرقماس ودخل مدلج ومن معه بيوت قرقماس فنهبوها، فكر عليهم قرقماس بمن معه فقتل مدلج، وذلك في ذي القعدة وعمره نحو العشرين سنة، فقدم سليمان بن عذراء إلى القاهرة فأمره الأشرف على العرب عوضاً عن عمه مدلج فوصل إلى حلب في سادس ذي القعدة، وورد على يده مثال للأمراء المجردين أن يتوجهوا مع نائب حلب ليقبضوا على قرقماس، فبلغ ذلك قرقماس فأرسل يطلب الأمان، فورد المثال السلطاني بطرده عن البلاد، فتوجهوا الجميع من حلب يوم الجمعة سابع ذي القعدة وقرقماس يومئذ محاصر مدينة جعبر، فأسرعوا السير فادركوه وهو على المهد تجاه جعبر على شاطئ الفرات، فلما رآهم ركب وانهزم فركبوا في إثره وتشاغل بعض العرب الذين معهم والعسكر بالنهب، واستمر العسكر ف إثر قرقماس فأبعد عنهم وقد تعبت خيولهم وغلمانهم، فكر فيهم قرقماس ومن معه فقتلوا الدشاري
وكان على الساقة وأخذوا غالب الخيول التي وقفت والتي وجدوها، وقتل من العسكر جماعة في تلك الوقعة ونهبت بعض خيامهم وأثقالهم ورجعوا إلى العرب في إثرهم يتخطفونهم، ولما تحقق قرقماس رجوعهم خشي عاقبتهم فتوجه إلى جهة الشرف، فدخل الامراء إلى حلب سابع عشر ذي القعدة وقد نهب من أثقالهم وخيولهم وسلاحهم شيء كثير جداً.
وفيها ورد كتاب شاه رخ ملك الشرق يستدعي من الأرف هدايا منها كتاب في العلم منها فتح الباري بشرح البخاري لابن حجر فجهزت له ثلاث مجلدات من أوائل الكتاب، ثم عاد طلبه في سنة تسع وثلاثين فلم يتفق تتمة الكتاب.
وفيها نقض عبد الواحد بن أبي حمو بيعة أبي فارس صاحب تونس، فجهز أبو فارس إليه ابن أخيه ابن الركاعنة، فظفر بعبد الواحد عمه فقتله واستقر في مملكة تلمسان في ذي القعدة منها.
وفيها مات أزبك الدويدار وكان قد نفي إلى القدس بطالاً في شهر بيع الأول منها بعد ضعف طويل.
وفي مستهل جمادى الأولى سافرالناس إلى مكة ليجاوروا بها صحبة سعد الدين ابن المراة وكان استقر ناظراً على مكس البهار الوارد عليه في جدة.
وفيها أوقع قرا يلك بملطية وماردين، وساق بعد ذلك إلى البلاد الحلبية حتى وصل عينتاب يعيث وينهب.
وفيها هلك صاحب الحبشة إسحاق بن داود بن سيف أرغد الحبشي الأمخري في ذي القعدة، وأقيم بعده ولده أندراس بن إسحاق فملك أربعة أشهر، وأقيم عمه خرنباي بن داود فتملك سبعة أشهر ثم هلك، فأقيم سلمون ين إسحاق بن داود المذكور فهلك سريعاً، فأقيم
بعده صبي صغير إلى أن هلك في الطاعون الذي كان عندهم سنة تسع وثلاثين - فذكرت ذلك هنا تحصيلاً للفائدة، وكانت ولاية إسحاق إحدى وعشرين سنة منذ مات أبوه.
وفي زمانه حصرت دولته بعد أن كانت همجاء، وكان أبوه يركب وهو عريان كزي بقية الحبشة فصار هذا يركب في الملابس الفاخرة وشعار الملك، والسبب فيه أن قبطياً كابتاً كان يقال له فخر الدولة فر من حادث حدث له فدخل بلاد الحبشة بكتاب البترك، فحظي عند إسحاق ورتب له أمور المملكة وجبي الأموال، وصادف دخول أمير من الجراكسة يقال له الطنبغا معزق وكان يعرف أنواع العمل بالسلاح والفروسية فعلم جماعة منهم رمي النشاب والطعن بالرمح والضرب بالسيف، وكانوا لا يعرفون القتال إلا بالحراب، وعمل له زردخاناة ملأها بجميع آلات السلاح مما كان يجله له التجار الذين يترددون إلى بلاده خصوصاً على التوريزي الذي ذكرنا قتله قبل ذلك وقد ذكرت خبره فيما مضى.
وفي المحرم جهز أو فارس عسكراً في البحر إلى جزيرة صقلية فنازلوا أولاً مازر فأخذوها عنوة وحصروا مألقة فانهزم من جملة الجند العلوج واخذ، فانهزم بهزيمته جماعة واستشهد بعض الأعيان، ثم تراجعوا وقبضوا على العلج وبعثوه إلى أبي فارس فأمدهم بجيش.
وفيها كان الغلاء الشديد بحلب ودمشق والطاعون بدمشق وحمص.
وفي يوم الخميس سادس عشري صفر صرف كاتبه والعيني عن وظيفة الحكم، واستقر فيها التفهني والبلقيني، واستقر صدر الدين ابن العجمي في مشيخة الشيخونية عوض التفهني، وشرط على الشافعي عشرة نواب، وللحنفي ثمانية، وللمالكي ستة، وللحنبلي أربعة؛ ولا يولى أحد من غير مذهبه.
وفيها حجر المحتسب اينال الششماني على جلاب القمح من البيع وشغل الطحانين جميعهم بشراء القمح من شؤن السلطان، واستمر على ذلك مدة فكثرت الغلال من الجلابة فانحط السعر كثيراً - ولله الحمد.
وفي الرابع من ربيع الآخر يوم الأربعاء صرف اينال الششماني من الحسبة وأعيد العني إليها.
وفي التاسع منه أمر بإحضار نائب الإسكندرية الامير آقبغا التمرازي، وقرر في نيابتها شهاب الدين أحمد الدوادار المعروف بالاسود ابن الأقطع.
وفي خامس عشريه استقر آقبغا الجمالي عوضاً عن عبد القادر بن أبي الفرج في وظيفة الأستادارية، لكونه كان التزم بحمل مائة ألف دينار بعد التكفية، ثم لما تمادى الحال عجز فآل أمره إلى الإهانة كما سياتي ذكره، وسلم عبد القادر وألزمه لآقبغا، ثم أفرج عنهم على مال.
وفي رجب مات ياقوت، ويلقب فخر الدين الحبشي مقدم المماليك، واستقر عوضه نائبه فيها خشقدم الرومي اليشبكي - وكان من مماليك يشك واشتهر في أيام المؤيد وترقى وعرف بالحرية.
وفي رجب أيضاً قدم تغري بردى المحمودي من دمياط، فامر أن يتوجه إلى دمشق أميراً كبيراً.
وفي ذي القعدة أضيفت وظيفة الأستادارية الكبرى للوزير فباشرهما معاً. وقبض على آقبغا الجمالي وعوقب، ثم افرج عنه وولي كشف الجسور في أواخر السنة.
وفي ثامن عشرة ركب السلطان إلى مصر، ثم ركب النيل إلى المقياس وخلقه، وفتح الخليج الناصري بحضرته، وهي اول سنة فعل فيها ذلك بنفسه.
وفي ذي القعدة ظهر للحاج من جهة البحر كوكب يرتفع ويعظم ويرتفع منه شرر كبار، فلما أصبحوا اشتد عليهم الحر فهلك من المشاة عالم كثير، وتلف من جمالهم وحميرهم
كثير - واشتهر أمر الطاعون في الوجه البحري فيقال مات بالمحلة خمسة آلاف نفس وبالبحرارية تسعة آلاف، ومات في الإسكندرية في كل يوم مائة وخمسون إلى غير ذلك، وعد هذا من النوادر لأنه وقع في قوة الشتاء وكان قبل ذلك قد فشا في برصا وغيرها من بلاد الروم حتى بلغ عدد من يموت في اليوم زيادة على الألف على ما قيل، فلما استهل ربيع الآخر كان عدة من يموت بالقاهرة اثنتي عشرة نفساً، وفي آخره قاربوا الخمسين.
وفي أول يوم من جمادى الأولى بلغوا مائة، فنودي في الناس بصيام ثلاثة ايام وبالتوبة وبالخروج إلى الصحراء في اليوم الرابع، وخرج الشريف كاتب السر والقاضي الشافعي وجمع كثير من بياض الناس وعوامهم، فضجوا وبكوا ودعوا وانصرفوا قبل الظهر، فكثر فيهم الموت أضعاف ما كان وبلغ في اليوم ثلاثمائة بالقاهرة خاصة سوى من لا يرد الديوان؛ ووجد بالنيل والبرك شيء كثير من الاسماك والتماسيح موتى طافية، وكذا وجد في البرية عدة من الظباء والذئاب.
ومما وقع فيه من النوادر أن مركباً ركب فيها أربعون نفساً قصدوا الصعيد، فما وصلت إلى الميمون حتى مات الجميع؛ وان ثمانية عشر صياداً اجتمعوا في مكان، فمات منهم في يوم واحد أربعة عشر فجهزهم الأربعة، فمات منهم وهم مشاة ثلاثى، فلما وصل الآخر بهم إلى المقبرة مات؛ وبلغ في سلخ جمادى الأولى إلى ألف وثمانمائة.
وفي رابع جمادى الأولى بلغت عدة الموتى بالقاهرة خاصة في اليوم ألف نفس ومائتي نفس، ووقع الموت في مماليك السلطان حتى زاد في اليوم على خمسين نفساًمنهم، وانتهى عدد من صلى عليه في اليوم خمسمائة وخمسين نفساً، وضبط جميع المصليات في يوم فبلغت ألفي نفس ومائتين وستاً وأربعين نفساً،
ووقع الموت في السودان بالقرافة إلى أن مات منهم ماتحو ثلاثة آلاف، وعز وجود حمالي الموتى وغساليهم ومن يحفر القبور حتى عملوا حفائر كباراً كانوا يلقون فيها الأموات، وسرق كثير من الأكفان، ونبشت الكلاب كثيراً فأكلتهم من أطراف الأموات، ووصل في الكثرة حتى شاهدت النعوش من مصلى المؤمني إلى باب القرافة كأنها الرخم البيض تحوم على القتلى، وأما الشوارع فكانت فيها كالقطارات يتلو بعضها بعضاً.
وفي جمادى الأولى وعك يوسف ولد السلطان فتصدق عنه بوزنه فضة.
وفي نصف جمادى الآخرة جمع الشريف كاتب السر أربعين شريفاً اسم كل منهم محمد وفرق فيهم مالاً، فقرأ بعد صلاة الجمعة بالجامع الازهر ما تيسر من القرآن، فلما أن قرب العصر قاموا فدعوا وضجوا. وكثر الناس معهم في ذلك إلى أن صعد الأربعون إلى السطح فأذنوا العصر جميعاً وانفضوا، وكان بعض العجم قال للشريف إن هذا يدفع الطاعون، ففعل ذلك فما ازداد الطاعون إلا كثرة حت دخل رجب، فلما دخل رجل تناقص؛ قرأت بخط قاضي الحنابلة محب الدين أن شخصاً يقال له على الحريري كان له أربعة مراكب فيها مائة نفر وعشرون نفراً ماتوا كلهم بالطاعون إلا واحداً، ولما اشتد الامر بالطاعون أمر السلطان باستفتاء العلماء عن نازلة الطاعون هل يشرع الاجتماع للدعاء برفعه أو يشرع القنوت له في الصلوات؟ وما الذي وقع للعلماء في الزمن الماضي؟ فكتبوا الأجوبة وتشعبت آراؤهم وتحصل منها على انه يشرع الدعاء والتضرع والتوبة، وتقدم قبل ذلك التوبة، والخروج من المظالم، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وانهم لا يستحضرون عن أحد من السلف أنهم اجتمعوا لذلك إلا أن الاجتماع أرجى للإجابة؛ وأجاب الشافعي بجواز القنوت، لأنها نازلة وقد صرح الشافعية بمشروعية القنوت في النوازل، وأجاب الحنفي والمالكي بالمنع، واجاب الحنبلي بأن عندهم روايتين ومن جوزه خصه بالإمام الاعظم في غير يوم الجمعة؛ ثم طلب القضاة والعلماء إلى حضرة السلطان
فقرئت الفتاوى وفسرها له محب الدين ابن الأقصراني فأجاب: أنا أتابع الصحابة والسلف الصالح ولا أخرج بل كل أحد يبتهل إلى الله تعالى في سره! ثم سالهم عن المراد بالمظالم التي كتبوا في الفتاوى أنهم يخرجون منها، فذكروا اشياء مجملة فقال: مهما تجدد بعد الظاهر برقوق أنا أزيله! فقال له الشافعي: قد نجدد في هذه السنة ثلاث مظالم: التشديد على التجار الكارمية في بيع البهار للسلطان وإلا منعوا من التجارة فيه، والتشديد على الباعة في طرح النطرون والتحكير على القصب أن لا يزرع إلا في بلاد السلطان، فلم يتحصل من الجواب عن ذلك كبير امر، وأمر السلطان القضاة والامراء بأن يامروا الناس بالتوبة والإقلاع عن المعاصي والإكثار من الطاعات ونحو ذلك، ونودي بالقاهرة بمنع النساء من الخروج إلى الترب، وتوعد المكاري بالشنق والمرأة بالتغريق وانصرفوا على ذلك؛ ففي الحال دخل إليه بعض خدمه فأخبره أن ابنه الكبير محمداً طعن، وذكر القاضي زين الدين التفهني أنه رأى في النوم حسام الدين درغان الخادم بالشيخونية وكان من جملة من مات في هذه السنة بالطاعون فسأله عن حاله فقال: الجنة مفتحة للمسلمين، سمعت ذلك منه، وكان حسام الدين رجلاً جيداً كثير النفع للطلبة بالشيخونية منذ اقام بها وباشر الخدمة بها مباشرة حسنة.
وفيها في جمادى الآخرة أمر السلطان القضاة والحجاب وغيرهم أن لا يحبسوا أحداً على دين! فاستمر ذلك إلى شوال منها، وحكى أبو بكر ابن نقيب الأشراف - وكان باشر بعد موت أخيه شهاب الدين أمور كتابة السر من قبل أن يلبس الخلعة - أن السلطان ورد عليه كتاب فلم يجد من يناوله إياه حتى استدعى مملوك من بعض الطباق.
وفي ثامن عشر شعبان بلغ السلطان أن كمال الدين بن الهمام عزل نفسه من مشيخة المدرسة الاشرفية فسئل عن السبب في ذلك، فأخبر أن وظيفة شغرت عن صوفي فعين فيها
شخصاً وعارضه جوهر اللألأ فنزل غيره فغضب وقام بعد أن حضر التصوف وقت العصر فقال: اشهدوا على أني عزلت نفسي من هذه الوظيفة وخلعتها كما خلعت طيلساني هذا! ونزع طيلسانه ورمى به وتحول في الحال إلى بيت له في باب القرافة، فلم يعرج السلطان عليه، وقرر أمين الدين يحيى بن الأقصرائي في المشيخة، ونعم الرجلان هما! فنزل أمين الدين لابن أخيه محب الدين ابن مولانا زاده عن المشيخة بمدرسة جاني بك.
وفيها سقط العيني عن بغلته فانكسرت رجله، فأقام عدة أشهر منقطعاً واستقر محب الدين المذكور يقرأ عند السلطان السير والقصص التي كان يقرأها العيني.
وفي ثامن عشر شعبان شكى برد بك الحاجب فطلبه، فادعى عليه الشاكي أنه ضرب بغير ذنب، فقال: طلبته فامتنع، فأرسله إلى الحنفي فحكم بعزله عن وظيفته فعزل اياماً، ثم أوصى خصمه فصفح عنه فتكلموا له مع السلطان فأعاده.
وفي تاسع رمضان قرر السلطان في مدرسته بقية المذاهب ولم يكن نزل بها أولاً إلا الحنفي.
وفي ثامن عشر رمضان استقر القاضي شهاب الدين ابن السفاح في كتابة السر وكانت شعرت بموت جلال الدين ابن مزهر، وتكلم فيها شرف الدين ابن الأشقر نيابة إلى أن دخل ابن السفاح، واستقر ولده عمر في وظائفه بحلب.
وفي رمضان وصل كتاب شاه رخ صحبة شريف اسمه هاشم بغير ختم أوله: ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل، ثم خاطب السلطان فيه بالأمر وأرعد وأبرق وتهدد، فكتب إليه جوابه من جنس كتابه.