الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفي أول هذه السنة تلفت السلطان إلى المتجر بإغراء الخازندار له، فامر بتجهيز مال إلى جدة ليشتري له وحجر على الفلفل أن يشتري لغيره، وألزم جميع التجار أن لا يتوجه أحد ببضاعة إلى الشام ولا غيرها بل إلى القاهرة ولا يباع إلا بالإسكندرية بعد أن يكتفي السلطان، والزم الفرنج بشراء الفلفل بزيادة خمسين ديناراً عن السعر الواقع، فاشترى الفرنج شيئاً ورجعوا باكثر بضائعهم وما معهم ن النقد إلى بلادهم، فلم يحصل للسلطان مقصوده، وحصل على التجار من البلاء مالا يوصف، وتمادى الامر على ذلك ولا يزداد الأمر في سنة إلا شدة.
وفيه حجر على باعة الثياب البعلبكي والموصلي والبغدادي ثم بطل ذلك.
وفيه حجر على السكر مدة ثم بطل أيضاً.
وفي شهر ربيع الآخر عقد مجلس عند كاتب السر اجتمع فيه القضاة ومشايخ العلم بسبب أن السلطان اشترى من وكيل بيت المال أرضاً ثم وقفها، وثبت ذلك عند الشافعي ونفذه الباقون إلا الحنفي فادعى أن الحكم باطل، واستند إلى أن علم الدين ولد شيخنا البلقيني ذكر له البطلان، ووافقه بعض نواب الحكم من الشافعية المنفصلين، وكان القائم في امر الشراء المذكور ناظر الجيش، فامر كاتب السر أن يستفتي علماء الشافعية في ذلك، فأفتوا بالجواز إلا القمني والعلم، فلما حضروا وقع البحث في ذلك، فرجع القمني وقال: إذا استوفى الحاكم الشروط صح البيع، وكان قبل ذلك كتب بأن البيع لا يصح وأطلق، وأما العلم فاعتل بأنه يلزم من ذلك اتحاد الموجب والعابل وذلك لا يختص كما يتعاطى الجد لحفيده، وأن وكيل بيت المال وكيل السلطان فإذا اشترى السلطان من وكيله فكأنه اشترى من نفسه، وفاته ما صرح به جماعة من العلماء بأن وكيل بيت المال وكيل عن الجهة للمسلمين لا عن خصوص السلطان، وإنما وظيفته ولاية لا نيابة وقد صرح بذلك السبكي وغيره؛ ثم ظفرت بأن ذلك صنع للسلطان صلاح الدين في وقف الصلاحية ببيت المقدس ونقله السبكي في فتاويه، وقال الأذرعي في شرح المنهاج: اغتر بعض الناس بتسميته وكيلاً فقال: إنه ينعزل بموت السلطان، هو غلط، ثم أحضر حكم الدين البلقيني في مثل ذلك وكذلك من قبله أبو البقاء وعز الدين ابن جماعة، فاصر على دعوى البطلان وأصر الحنفي على الامتناع ن التنفيذ اعتماداً على قول المذكور مع قصوره في الفهم ونزارة ما عنده من العلم، ثم حملته العصبية على أن اجتمع بالسلطان وعرفه أن البيع باطل وأن الشافعية راعوا القاضي الشافعي فوافقوه فيما عمل، فأمرهم بالاجتماع عنده فحضروا يوم الاثنين ثامن الشهر المذكور، فبدا الشافعي فسأل الحنفي: لم امتنعت من تنفيذ هذا الحكم؟ فقال: لأن الشافعية قالوا إنه باطل فوقفته على فتاوي الشافعية فاسند الامر للقمني وللعلم فوقفته على فتوى القمني الثانية فقال: هذا لا يعتمد عليه لأنه تناقض، فسئل العلم في المجلس عن مستنده في دعوى البطلان فقال: نص الشافعي في عيون المسائل أن الوالي في رعيته بمنزلة الوصي في مال اليتيم، فسئل ما وجه الدلالة من هذا النص لصورة المسألة، فخلط في جوابه وانتقل فأخرج له نص الشافعي في مختصر المزني بأن المراد بذلك فيما يتعلق برعاية المصلحة للجهتين فكابر، فرد عليه من حضر وقالوا: إذا كان الكلام مطلقاً وذكر له في موضع آخر قيد وجب الحمل عليه وعمل بالخاص، ثم استظهر الشافعي بأن للسلطان أن يقف ما يراه من أراضي بيت المال على من يراه، وأن الوصي ليس له ذلك في مال اليتيم، فدل على أن النص ليس على عمومه، فاستمر على العناد فبان للجماعة قصوره وتعصبه. وأما الحنفي فتبين له أن لا حجة للقمني والعم فأصر على التعصب وقال: لا يجب على التنفيذ وكأنه خشي أن ينفذ في الحال فيقال إنه غلب فجنح إلى هذا العذر، وانفصل المجلس على ذلك؛ وسئل علماء الحنفية عن ذلك فقالوا: بل يجب على الحاكم إذا اتصل به حكم غيره وسأله صاحب الحق التنفيذ أن يفعل، وممن كتب بوجوب ذلك عليه وإثمه إذا لم يفعل التفهني وابن الديري ونظام الدين السيرامي وصدر الدين ابن العمي وعبد السلام البغدادي وكمال الدين ابن الهمام بدر الدين القدسي وأمين الدين الأقصر أي والقاضي المالكي والقاضي الحنبلي، فيما بلغه ذلك استفتى فما إذا حصلت عند العجمي ريبة في الحكم هل يجب عليه أن ينفذه مع الريبة، فطافوا بها فلم يكتب عليها أحد، فأشير عليه بأن يرجع وينفذ، فآل الأمر إلى أن نفذ الحكم بعد ذلك في السادس عشر من الشهر المذكور.
وفي اواخر شهر ربيع الآخر قدم فيروزمن المدينة وخلع عليه بعد أيام وعاد إلى مكانه، وزاد تمكناً بحيث اقتصر السلطان من القدماء عليه وعلى التاج الوالي وولي الدين ابن قاسم وأحمد الأحدب الشامي ومراد العجمي - هؤلاء قدماء الحضرى، ومن طرأ عليهم من غيرهم مقتوه إلىأن يخرجوه.
وفي يوم الاثنين مستهل جمادى الآخرة استقر شهاب الدين أحمد ابن محمد بن صلاح المعروف بابن المحمرة وبابن السمسار في قضاء الشام عوضاً عن أبي البقاء ابن حجي، وبقيت بيده مشيخة سعيد السعداء وتدريس الشيخونية وغير ذلك من جهاته بالقاهرة، فاستناب فيها وسافر في رجب
وكان السلطان طلب العلم البلقيني وفوض إليه قضاء الشام فامتنع وقال: أنااوثر به وجه السلطان في هذا الشهر مرة علىهذا، فقال له: قد بعث النبي صلى الله عليه وسلم معاذاً إلىاليمن فلم بعتذر بمثل هذاّ فتعجب من حضر من استحضاره هذه القصة المناسبة، ولم يؤثر ذلك في العلم لشوقه إلى العود بالقاهرة، فلما استقر ابن المحمرة أرسل له السلطان محقة وأذن له أن يستنيب في وظائفه بالقاهرة. وفه استقر جمال الدين يوسف ابن الصفي الكركي في نظر الجيش بدمشق عوضاً عن الشريق شهاب الدين، واستقر شمس الدين محمد بن علي بن عمر الصفدي في قضاء الحنفية بدمشق عوضاً عن القاضي شهاب الدين ابن الكشك نقلاً من القضاء بطرابلس، واستقر في قضاء طرابلس ولد الصفدي المذكور.
وفي ليلة الخميس ثاني عشر جمادى الآخرة هبت ريح بالتراب برقة الأهواء، فأثارت منه ما ملأ البيوت وكاد الناس يهلكون من الغم وأصبح الجو أصفر.
وفي ليلة النصف خسف القمر ولم يشعر به أكثر الناس.
وفي ثالث شعبان استقر نظام الدين عمر بن القاضي تقي الدين إبراهيم ابن الشيخ شمس الدين محمد بن مفلح في قضاء الحنابلة بدمشق عوضاً عن القاضي شهاب الدين ابن الحبال، وكان ابن الحبال قد ضعف بصره حتى قيل إنه عمي وقوي صمعه وضعفت قوته، فلما استقر نظام الدين وبلغه ذلك تحول إلى بلده طرابلس، فأقام بها إلى أن مات في السنة المقبلة.
وفي شعبان هجم جماعة من المماليك بيت الوزير فنهبوا، وكانت كائنة شنيعة؛ وفيه اشتد فساد المماليك الجلب وأفسدوا حتى منع السلطان الناس عن العمل إلا عن أمره إشفاقاً عليه، وسار الامراء إلى خرت برت فأوقعوا بمن فيها. وفيه وقع الوباء بدرندا. وفيه قدم نائب الشام سودون من عبد الرحمن وقدم معه كاتب السر ابن البارزي ثم رجعا على وظيفتيهما، وسار بعدهم العسكر المجهز إلى البلاد الحلبية وهم: الحاجب الكبير والدويدار الكبير وغيرهما، ومعهم من الطبلخانات والعشراوات جماعة ومن المماليك السلطانية أربعمائة نفس، فوصلوا إلى حلب وأقاموا بها لحفظها من التركمان، ثم وقعت لهم مع التركمان وقعة قتل فيها ولد لقرايلك صاحب تلك البلاد، وصادف وصول الخبر بذلك يوم وفاء النيل، فحصل للناس بذلك بشران، وشاع أن قرا يلك مات ثم تبين كذب الإشاعة. وفيها قدم بيرم التركماني صاحب هيت فاراً من أصبهان من قرا يوسف، فأكرمه السلطان واجرى له راتباً ثم أقطعه ناحية من الفيوم. وفيها في رجب استقر سودون من عبد الرحمن أتابك العساكر نقلاً من نيابة الشام، واستقر في نيابة الشام جارقطلي عوضاً عنه.
ذكر من مات
في سنة 832 من الاعيان
أحمد بن إبراهيم بن أحمد بن أبي بكر بن عبد الوهاب، المرشدي المكي أخو محمد وعبد الواحد، ولد سنة ستين وسبعمائة، وسمع من عبد الرحمن بن عل التغلبي ابن القارئ جرء ابن الطلابة أنا الأبرقوهي، ومن محمد بن أحمد بن عبد المعطي صحيح ابن حبان أنا الرضي والصفي الطبريان، ومن عبد الله بن أسعد اليافعي صحيح البخاري، ومن عز الدين ابن جماعة من مناسكه الكبرى - ومن غيرهم،
وأجاز له الصلاح ابن أبي عمر وابن أميلة وابن هبل وابن قواليح وأبو البقاء السبكي وآخرون، وحدث؛ ومات بمكة يوم الخميس رابع ذي القعدة، وقد حدث قبل موته بسنة بشرح السنة لبغوي بإجازة من بعض شيوخه، ومن قبل موته بشهر بالشمائل بإجازته من الصلاح المذكور.
أحمد بن عمر بن أحمد بن عيسى، الشاب التائب شهاب الدين المصري الشاذلي، نزيل دمشق، ولد في ذي الحجة سنة سبع وستين، واشتغل بالفقه قليلاً، وتعاني المواعيد فمهر فيها، وكان يلقي من حفظة عنان، وطاف البلاد في ذلك فدخل اليمن مرتين ثم العراق مراراً ودخل حصن كيفا وكثيرا من بلاد الشرق وأقام بدمشق مدة وحج مراراً، وكان فصيحاً ذكياً يحفظ شيئاً كثيراً، وله رواج زائد عند العوام، وبنى عدة زوايا بالبلاد؛ مات في رجب.
برسبغا الجلباني، تقدم في أيام الناصر فرج بواسطة عبد اللطيف الطواشي وكان
يخدمه، واستقر في الدويدارية، وكان فصيحاً عارفاً لا يظن من عرفه إلا أنه من أولاد الناس، وكان نفي في الدولة المؤيدية إلى القدس، ثم أعيد في الدولة الأشرفيةوباشر الدوالب السلطانية بالصعيد؛ مات في شهر رجب.
خشرم بن دوغان بن جعفربن هبة الله بن جماز بن منصور بن جماز مع رفيقه كما ذكرنا في عجلان.
رابعة بنتي زوج شيخ الشيوخ محب الدين ابن الأشقر ماتت وكان مولدها في رجب سنة إحدى عشرة، وكانت قد تأهلت بشهاب الدين ابن مكنون قبله، وسمعت معي في سنة خمس عشرة من الشيخ زين الدين ابن حسين بمكة، وأجاز لها جمع كثيرمن أهل مصر والشام - عوضها الله الجنة.
سعد الآمدي سعد الدين، نزل بطرابلس وشغل الناس في الحاوي، ولم يكن مشكوراً في دينه؛ مات في جمادى منها.
عبد المعطي زين الدين الكوم الريشي الحنفي، مات في هذه السنة - وقد تقدم خبره في حوادث سنة عشر وثمانمائة.
عجلان بن نعير بن منصور بن جماز بن شيحة بن قاسم، العلوي الحسيني، أمير المدينة، قبض عليه في سنة إحدى وعشرين وثمانمائة فسجن ببرج في القلعة، ثم أفرج عنه بمنام رآه القاضي عز الدين عبد العزيز بن علي الحنبلي فقصه على المؤيد، وأمر بالإفراج عنه في ذي الحجة. وقتل فيها ايضاً قريبه خشرم بن دوغان بن جعفر بن هبة الله ابن جماز بن منصور.
علي بن حسين بن علي، الحاضري نور الدين، ولد في جمادى الأولىسنة 755، واشتغل وباشر عدة وظائف سلطانية، وكان كثير التودد طلق الوجه حسن العشرة، وكان في دولة منطاش قد أهين ونفي، ثم عظم لما عاد الظاهر وتولى ابن أخيه بيبرس الدويدارية؛ مات في العشرين من شعبان وقد شاخ ورق حاله.
علي بن محمد بن يوسف، التوريزي نور الدين، كان أبوه من كبار التجار ونشأ هو في كنفه، ثم مات أبوه واشتهر بالتجارة أخواه الجمال محمد والفخر أبو بكر، وتعاني هذا السفر إلى بلاد الحبشة والتجارة بها فشهر بذلك، وصارت له عندهم منزلة وصورة كبيرة ووجاهة، وصارت كلمته عندهم مقبولة لقيامه في خدمتهم بما يرومونه من النفائس التي يحضرها لهم من القاهرة وغيرها، فلما أكثر من ذلك نقم عليه بعض الناس موالاته للكفار الحبشة ونسبوه إلى شراء السلاح لهم والخيول، وعثر عليه مرة بشيء من ذلك في الدولة المؤيدية، فاستتيب وأقسم أنه لا يعود، فلما كان في أثناء العام الماضي زعم بعض من يتعصب عليه أنه توجه رسولاً من ملك الحبشى إلىملك الفرنج يستحثه على المسلمين، وهذا عندي لا يقبل لأن معتقد الطائفتين
مختلف، ويقال إنه دخل بلاد الفرنج بسبب تحصيل صليب عندهم بلغ أمره ملك الحبشة فاحب أنيراه، ولما شاع ذلك عنه خشي عى نفسه في مكان بالقرب من الخانقاه الناصرية بسرياقوس، فنم عليه عبد السلام الجبرتي ووشى به إلى السلطان فامر والي القاهرة فقبض عليه، فوجد معه امتعة من ملابس الفرنج وشيئاًمن سلاح وناقوسين من ذهب وكتاب فيه مراسلة من صاحب الحبشة يستدعي منه أشياء يصوغها من صلبان ونواقيس ويحضه على أن يشتري له مسماراً من المسامير التي سمر بها المسيح بزعمهم، والكتاب كله بالحبشية فعرب فحبس، ثم عقد له مجلس ففوض السلطان أمره للمالكي وذلك في حادي عشر جمادى الأولى، فتسلمه المالكي، وسمع عليه الدعوى فأنكر، فشهد عليه صدر الدين ابن العجمي، والشيخ نصر الله وآخرون وشهد أكثرهم بالاستفاضة، فأعذر إليه فيمن شهد عليه، فادعى عداوة بعضهم وأعذر لبعضهم، فحم بقتله بشهادة من أعذر لهم، فضربت عنقه بين القصرين تاسع عشر الشهر المذكور وهو يعلن بالشهادتين وقراءة القرآن ويتبرأ من كل دين يخالف دين الإسلام، فتسلمه أهله فغسلوه وصلوا عليه ودفن، ثم بعد أيام أعاد السلطان لأهله ماكان وجد له بين لأكثر الناس أنه مظلوم، وذكر لي خادمي فاتن الطواشي الحبشي - وكان على هذا هو الذي جلبه من بلاد الحبشة - أنه كان ببلاد الحبشة يواظب على الصلاة والتلاوة، ويؤدب من لم يصل من أتباعه، وعنده فقيه يقرئ أولاده واتباعه القرآن، وللمسلمين به نفع، وهم به في بلاد الحبشة في إكرام واحترام؛ ولم يمتع منشهد عليه بل لحق به بعد قليل كما سيأتي - والله أعلم بغيبه.
علي بن محمد بن الصفي، علاء الدين بن صدر الدين بن صفي الدين الأردبيلي، شيخ الصوفية بالعراق، قدم دمشق سنة ثلاثين ومعه أتباع فحج وجاور، ثم قدم دمشق
ولده ومعه جمع كثير، وذكروا أن له ولوالده بتلك البلاد اكثر من مائة ألف مريد؛ ومات علاء الدين المذكور بعد رجوعه من الحج ودخوله بيت المقدس في شهر ربيع الآخر.
علي السفطي نور الدين، كان يتعاني الشهادة عند الامراء، وباشر نظر المارستان مدة، ثم ولي وكالة بيت المال والكسوة؛ ومات في اواخر جمادى الآخرة وقد جاوزالخمسين.
محمد بن إبراهيم بن أحمد، الشيخ شمس الدين الصوفي، ناظر المارستان، ولد سنة تسع وأربعين واشتغل بالعلم، وأحب المذهب الظاهري والانتماء إلى الحديث، ورافق برهان الدين ابن البرهان لما دخل بغداد، ثم اتصل بالملك الظاهر برقوق وقام معه لما عاد إلى السلطنة، فرعى له ذلك وولاه نظر المارستان، ثم خشي منه فاستأذنه في الحج وتوجه فدخل اليمن وجال فيالبلاد، ثم عاد بعد موت الظاهر بمدة فأقام بالقاهرة منجمعاً، وكان يرجع إلى دين وتعبد، وعمي مدة إلى أن مات في مسجد بالكافوري في ليلة الثلاثاء ثالث عشر المحرم منها.
محمد بن إبراهيم بن عبد الله، الشيخ شمس الدين الشطنوفي الشافعي ولد بعدالخمسين وقدم القاهرة شاباً، واشتغ لميرزق الإسناد العالي بل كان عنده عن التقى الواسطي ونحوه، واشتغل بالفقه ومهر في العربية، وتصدر بالجامع الطولوني في القراآت
وفي الحديث بالشيخونية، وانتفع به الطلبة لاتصابه لشغلهم متبرعاً بالجامع الازهر، وكان كثير التواضع مشكور السيرة؛ مات في ليلة الاثنين سادس عشري ربيع الأول بعد علة طويلة.
محمد بن أحمد بن علي، الحافظ تقي الدين أبو الطيب الفاسي ثم المكي المالكي، مفيد البلاد الحجازية وعالمها، ولد سنة خمس وسبعين وسبعمائة وأجاز له بإفادة الشيخ نجم الدين المرجاني ابن عوض وابن السلار وابن المحب وجماعة من الدماشقة، وعني بالحديث فسمع بعد التسعين من جماعة ببلده، ورحل إلى القاهرة والشام مراراً، وولي قضاء بلده للمالكية، وهو أول مالكي ولي القضاء بها استقلالاً، وصنف أخبار مكة وأخبار ولاتها وأخبار من احتل بها من أهلها وغيرهم عدة مصنفات طوال وقصار، وذيل على العبر للذهبي وعلى التقييد لابن نقطة، وعمل الاربعين المتباينة وفهرس مروياته، وكان لطيف الذات حسن الاخلاق عارفاً بالامور الدينية والدنيوية، له غور ودهاء وتجربة وحسن عشرة وحلاوة لسان، ويجلب القلوب بحسن عبارته ولطيف إشارته، رافقين في السماع كثيراً بمصر والشام واليمن وغيرها، وكنت أوده وأعظمه وأقوم معه في مهماته، ولقد ساءني موته وأسفت على فقد مثله - فلله الامر! وكان قد أصيب ببصره وله في ذلك اخبرا، ومكن من قدحه فما أطاق ذلك ولا أفاده؛ ومات في رابع شوال.
محمد بن سعيد، الصالحي، شمس الدين، نسبة للصالح صالح بن الناصر، وكان سعيد مولى بشير الجمدار وبشير مولى الصالح فنسب شمس الدين لمولى مولاه، وكان
أحد القراء في الجوق بالنغم، ويلقب سويدان، وهو آخر الحلبة الأولى من تلامذة الشيخ خليل المشبب وممن قرا مع الزرزاي وابن الطباخ، وقد حظي في أيام الناصر فرج، وولي حسبة القاهرة مراراً وقد جاوز السبعين، وكانت بيده مشيخة العلانية وإمامة القصر وغير ذلك؛ مات في يوم الاثنين صفر.
محمد بن عبد الله بن حسين، المعروف بابن المواز شمس الدين، اشتغل كثيراً ونزل في بعض المدارس، وكان يؤدب أولاد أبي هريرة ابن النقاش، الغالب عليه الانجماع؛ ومات فجأة يوم الأحد في ربيع الأول.
محمد بن عبد الله، شمس الدين الزفتاوي الملقب فت فت، كان يكتسب بالشهادة ثم عمل التوقيع وتقدم في ذلك وأقرأ أولاد بعض الرؤساء وكان ينوب في الحكم في بعض المراكز، وكان كثير التلاوة، خيراً، سليم الباطن، أكمل الثمانين.
محمد بن عبد الوهاب بن محمد، الشيخ ناصر الدين البارنباري الشافعي، ولد قبيل السبعين بيسير، وقد قدم القاهرة فاشتغل ومهر في الفقه والعربية والحساب والعروض وغير ذلك، وتصدر بالجامع الأزهر احتساباً، وكان من خيار الناس، ودرس وخطب وأفتى، واقرأ مدة بالقاهرة ودمياط وقد ذكرت ما جرى له مع شمس الدين البرماوي في السنة الماضية، وأصاب ناصر الدين عقب ذلك فالج أبطل نصفه، واستمر به موعوكاً إلى أن مات في ليلة الأحد حادي عشر شهر ربيع الأول وقدناف علىالسبعين.
محمد ويدعى الخضر بن علي بن أحمد بن عبد العزيز بن القاسم، النويري الشافعي، ولد في ربيع الآخر سنة 762، وتفقه قليلاً، واسمع على العز ابن جامعة
وابن حبيب وابن عبد المعطي والاميوطي ومن بعدهم، وأجاز له البهاء ابن خليل والجمال الأسنوي وأبو البقاء السكي وغيرهم، وناب في الحكم عن قريبه عز الدين بن محب الدين ابن ابي الفضل، وولي قضاء المدينة مدة يسيرة ولم يصل إليها بل استناب ابن المطري وصرف، وكان ضخماً جداً؛ مات في رابع عشر ذي الحجة وقد دخل السبعين، وانصلح بأخرة، وهو والد أبي اليمن خطيب الحرم.
محمد بن بدر الدين محمد بن أحمد بن مزهر، الدمشقي بدر الدين، ولد سنة 786، ونشا في كنف ابيه ثم مات أبوه عنه وهو صغير، فكفله زوج أخته محي الدين أحمد المدني، وتولى التوقيع عنده لما ولي كتابة السر بدمشق، فاتصل بالمؤيد وخدمه وقدم.. ثم سلمه إلى نائب القلعة يشبك بن أزدمر فحبسه عنده وضيق عليه إلى أن وقع الإفراج عنه بعد قتل الناصر، فقدم مع التجريدة إلى القاهرة، فولي نظر الإصطبل، وباشر توقيع الدست مع البازري، ثم صار نائب كاتب السر في مباشرة ولده فمن بعده إلى أن استقر فيها استقلالاً فكانت مدته في ذلك نيابة واستقلالاً نحو تسع سنين، لأنه باشر ذلك عقب وفاة ناصر الدين ابن البازري في ثامن شوال سمة ثلاث وعشرين، وباشر في غضونها نظر الجيش نيابة عن ناظر الجيش لما حج في سنة ست وعشرين، وكان فصيحاً مفوهاً عارفاً بالامور الدنيوية عرياً عن معرفة الأمور الأخروية، إنماهمه الاعظم تحصيل الدرهم ولو كان فلوساً، حتى حصل في هذه المدة ما يزيد على مائتي ألف دينار تمزقت بعده، وبقي منها ما اشتراه من العقار فإنه بقي لذريته، وكان ابتدأ مرضه في اول ربيع الآخر حصلت له ذبحة في حلقه فصار ينفث الدم قليلاً، ولم ينقطع عن الركوب إلى الحادي والعشرين من الشهرالمذكور، فحصل له
رعاف كثير حتى أفرط فانقطع بسببه، ولازمه الاطباء وأكثروا له من الحقن والأدوية إلى أن استفرغوا قوته كلها مع ما يخرج من أنفه من الدم، ثم تنوعت به الأمراض من القولنج وغيره إلى أن مات في ليلة الأحد اثنتين وعشرين جمادى الآخرة عن نحو الخمسين، واشيع بأنه سم وكان هو يلوح بذلك، ولم يغب ذهنه في طول مرضه، وحرص مراراً على أن يوصي ببر أو صدقة أو خلاص ذمة فلم يقدر له ذلك ومات باحماله لم يحط عنه منها شيء إلا أن كان اغتيل فإن في ذلك كفارة كبيرة، وكثر الثناء السيء عليه بعد موته بسوء معاملته وطمعه - والله يسمح له! فلقد كان يقوم في الحق أحياناً، وله بر وصلة وصدقة لبعض الناس ومحبة في الصالحين ومروءة وعصبية لاصحابه - رحمه الله تعالى! واستقر بعده في كتابة السر ولده جلال الدين.. محمد ولقب بلقب أبيه بدر الدين ولم يستمر ذلك، وخلع على شرف الدين سبط ابن العجمي بنيابة كتابة السر، وتلقى الامور عن جلال الدين لصغر سنه، ويقال إنه أخذ لأجل ذلك من مال أبيه مائة ألف دينار.