الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أتباعه وشاعت بدعته فآل أمره إلى أن أمر السلطان بقتله فضربت عنقه وسلخ جلده وصلب، وقد وقع لبعض أتباعه كائنة في سلطنة الأشراف وأحرقت كتابه معه فيه هذا الاعتقاد وأردت تأديبه فحلف أنه لا يعرف ما فيه وأنه وجده مع شخص فظن أن فيه شيئاً من الرقائق فأطلق، بعد أن تبرأ مما في الكتاب المذكور تشهد والتزم أحكام الإسلام، وكان سبب وقوع ذلك أن شخصاً شريفاً قدم من الشام وذكر أنه لم يزل يسعى في الإنكار على هؤلاء إلى أن عثر بهذا وكتب له مرسوم بالقيام عليهم في بلاد الشام، ثم قدم علينا شخص من أهل أنطاكية فذكر لنا عنهم أموراً كثيرة وكتب له مراسيم بالقيام عليهم وذلك في سنة 841
من الحوادث غير ما يتعلق بسفر السلطان
في المحرم وضعت جاموسة ببلقس مولوداً برأسين وعينين وأربعة أيد وسلسلتي ظهر ودبر واحد ورجلين اثنتين لا غير وفرج واحد أنثى والذنب مفروق باثنين، فكانت من بديع صنع الله.
وفي العشرين من المحرم عرض القاضي زين الدين عبد الباسط الكسوة التي استعملها
فكانت في غاية الحسن، وكان الموت في جمال الحاج كثيراً فتضرر طوائف من الحاج وغلا السعر معهم.
وفي أواخر المحرم صرف منكلي بغا عن الحسبة وأعيد محمد بن يعقوب.
وفي صفر توجه فخر الدين الأستادار إلى الوجه البحري فأسعره ناراً من كثرة المصادرات حتى فرض على كل قرية وكفر وبلد ذهباً معيناً فحصله في أسرع مدة ومنع من بيده رزقه من قبض خراجها. وكان ذلك شيئاً عظيماً إلا أنه رجع عن ذلك. واستقوى على المستضعفين وتتبع من يعرف بالمال في الوجه البحري فبالغ في استخلاص الذهب منهم بالمصادرة والرماية وغير ذلك.
وفي ربيع الأول ابتدأ فخر الدين الأستادار بهدم الأماكن التي بظاهر المقس إلى قنطرة الموسكي إلى ما يقابل داره الجديدة التي كانت تعرف بدار بهادر الأعسر وكانت تعرف قديماً بدار الذهب وهي مطلة على الخليج الحاكمي. فشرعوا في الهدم ونقل التراب فدخل في ذلك من الدور والمساجد والحوانيت ما يكون قدر مدينة كبيرة، وأراد أن يعمل ذلك بستاناً كبيراً فشرع فيه، ثم أجرى الماء بعد وفاء النيل من الخليج الناصري ومات قبل أن يتم ما أراد من ذلك فصارت تلك النواحي مكانة مهولة بالأتربة.
وفي حادي عشر ربيع الأول قدم فخر الدين بن أبي الفرج من الوجه البحري، وفيه تهدمت الدور التي أحدثت فوق البرج الذي يجاور باب الفتوح واتخذ هناك مكان وأمر السلطان بحبس أولى الجرائم فيه عوضاً عن خزانة شمائل، وفيه كثر الإرجاف بمجيء الفرنج فشرع أهل الإسكندرية في حفر الخندق واستعدوا لذلك.
وفيه شرع فخر الدين في التجهز إلى جهة الصعيد ليفعل فيها ما فعله في الوجه
البحري، فاستعد لذلك وجمع فرسان العربان من كل جهة وأوسع لهم في إخراج العدد التامة من أنواع السلاح، ووسع لهم في العطايا.
وخرج في سادس عشره في جمع كثير فأوقع بطوائف منهم يقال لهم عرب لهانة بناحية القلندون والأشمونين فانهزموا، واستمر متوجهاً وحصل له من البقر والجاموس والجمال والغنم ما لا يدخل تحت الحصر فإن بعضه هلك وبعضه وصل وشرعوا في رميه على الناس وقرر على البلاد الصعيدية نحو ما قرر على البلاد البحرية.
وفيه مات فرج بن الناصر فرج بن الظاهر برقوق بالإسكندرية مطعوناً، فشاع بالقاهرة أنه هو وأخوه والخليفة ماتوا جميعاً فلهج الناس بأنهم ماتوا بالسم، ثم تبين فساد ذلك وأنه لم يمت إلا هذا وحده بالطاعون، وانكسرت بموته حدة كثير من المماليك السلطانية الناصرية، وكانوا في كل وقت يشاع أنهم يريدون الثورة ليسلطنوه، وفشا الطاعون بالإسكندرية ودمياط، ووقع منه بالقاهرة شيء يسير بلغ في اليوم أربعين نفساً.
ومن الحوادث أن السلطان نزل في سادس ذي الحجة وحده بغير أمير من الأمراء إلى الجامع بباب زويلة فنظره وطلع إلى أعاليه وشاهد المواضع التي أخرت من الأبنية ولم يكن صحبته سوى الأستادار وكاتب السر ونحو عشرة من المماليك، فلما نزل من الجامع دخل بيت كاتب السر ثم خرج مه فدخل بيت زين الدين عبد الباسط ناظر الخزانة الشريفة.
وفي سابع عشر ربيع الآخر سقط من العمارة بالمؤيدية عشرة أنفس، فمات أربعة وكسر ستة.
وفي أواخر ربيع الآخر توجه مفلح رسول صاحب اليمن وصحبته بكتمر السعدي مملوك ابن غراب رسولاً عن السلطان.
في يوم الجمعة ثاني جمادى الأولى أقيمت الخطبة بالجامع المؤيدي ولم يكمل منه سوى الإيوان القبلي وخطب به عز الدين عبد السلام
…
أبن أحمد المقدسي الشافعي نيابة عن القاضي ناصر الدين البارزي، وتوجه الصاحب بدر الدين بن نصر الله ناظر الخاص إلى الشام في عاشر الشهر ومعه محضر بما أنفق في المؤيدية وكان ولده صلاح الدين حينئذ شاداً بها، ثم قدم فخر الدين الأستادار من الصعيد ومعه ستة آلاف بقرة وثمانية آلاف رأس غنم وألفا جمل وألفا قنطار قند، ومن العبيد والإماء شيء كثير جداً خارجاً عن الذهب، وشرع في رمي ذلك على الناس فعم الضرر أهل البوادي والحواضر، وحصل في هذه المدة اللطيفة من المال شيئاً كثيراً أرصده لمجيء السلطان.
وفي جمادى الأولى وقف النيل ونقص شيئاً كثيراً، ثم عاد واستمرت الزيادة فانحل سعر القمح بعد أن غلا.
وفي جمادى الآخرة صرف ابن يعقوب عن الحسبة وقرر عماد الدين ابن بدر الدين ابن الرشيد المصري، وكان ينوب في الحسبة عن التاج وغيره فسعى في الحسبة عن التاج وغيره فسعى في الحسبة استقلالاً عند نائب الغيبة، وألزم تعمير البرجين اللذين أحدهما بباب السلسلة تحت القلعة، وقدرت الغرامة عليهما بخمسمائة دينار فلم يمكن الأستادار مخالفته وكان ابن
يعقوب من جهته، فاستمر معزولاً وساءت حال عماد الدين بعد ذلك وهرب كما سيأتي، ولو سلك طريق أبيه لكان أولى به فإن أباه ناب في الحسبة أربعين سنة متوالية ولم يطلب الاستقلال قط فمضى على سداد إلى أن مات، وانتهت زيادة النيل في هذه السنة في سادس عشر توت إلى عشر أصابع من عشرين ذراعاً.
وفي السادس من شعبان أمسك نصراني زنى بامرأة مسلمة فاعترفا بالزناء فحكم شرف الدين عيسى الأقفهسي برجمهما، فرجما خارج باب الشعرية ظاهر القاهرة عند قنطرة الحاجب، وأحرق النصراني ودفنت المرأة، وعاب الناس على القاضي صنيعه هذا من عدة أوجه منها استبداده بذلك وإسراعه بالحكم ودعوى المرأة الإكراه ولم يقبل ذلك منها إلا ببينة فأحضرت واحداً ولم يؤخرها حتى تسمع الشهادة لكون النصراني أسلم لما تحقق الرجم وغير ذلك، ثم جاني المذكور وتنصل مما نقم عليه، فالله أعلم.
وفي سادس شعبان رفع إلى الأستادار أن نصرانياً في خدمته يقال له ابن الحضري وقع منه ما يقتضي إراقة دمه فأحضر القاضي المالكي وكان من جيرانه وحضر معه خلق كثير، فادعى عليه فأنكر، فتشطرت البينة فحكم القاضي بتعزيره، فعند ما جرد ليضرب أسلم فترك واستمر، يباشر وهو غير محب الدين الآتي ذكره، وقرئ البخاري بالمدرسة المؤيدية، وحضر من كان يحضر في القلعة.
وفي هذا الشهر منع النصارى من تكبير العمائم، ولبس الفراجي والجبب بالأكمام الواسعة كهيئة قضاة الإسلام، وركوب الحمر الفره واستخدام المسلمين.
وفي نصف شعبان وصل كتاب السلطان من حلب بشرح سيرته في السفرة المذكورة في بلاد الروم وما ملك من القلاع التي لم يملكها أحد من الترك قبله وغير ذلك. فقرأته في الجامع الأزهر وكان يومه مشهوداً.
وفي الثامن عشر من شعبان أسلم الأسعد ابن الحضرمي النصراني كاتب الأستادار، وكان يميل إلى المسلمين حتى حفظ قطعة القرآن وشدا طرفا من النحو، فسماه فخر الدين محمداً ولقبه محب الدين.
وفي رمضان مات قاضي الحنابلة بدمشق شمس الدين ابن عبادة، وقرر بعده القاضي عز الدين المقدسي الحنبلي، ومات ابن عرب في أواخر ذي القعدة، واستقر عوضه في تدريس المؤيدية الشيخ محب الدين أحمد بن الشيخ نصر الله البغدادي.
وفي ثامن عشر رمضان توجه بركات بن حسن بن عجلان إلا مكة، والتزم فخر الدين الأستادار عنه وعن أبيه بمال للسلطان.
وفيه هم فخر الدين بنقل سجن أصحاب الجرائم المسمى بالخزانة إلى نصر الحجازية واستأجره وأمر بعمارته، ثم شغل عنه فلم يتم.
وفي ثامن ذي القعدة سار إبراهيم بن سلطان إلى الوجه القبلي لأخذ تقادم العربان وولاة الأعمال فقام بخدمته ابن محب الدين الكاشف.
وفي حادي عشر ذي القعدة قدم محمد وخليل ولدا الناصر فرج من الإسكندرية بعد الاعتقال بإذن السلطان، وقدمت رمة أخيهما فرج فدفنت عند جده الملك الظاهر.
وفي ذي القعدة خرج السلطان إلى البحيرة فوصل إلى رأس القصر، ثم رجع فنزل القصر الذي أنشأه كاتب السر بالشاطئ الغربي قريب منباية.
ثم في هذا الشهر كان لبعض أهل الصعيد غنم يزيد على عشرين ألف رأس فرعت في بعض المراعي فماتت عن آخرها، وقيل إن ذلك من المراعي وكان فيه من حشائش السم.
وفي سلخ ذي القعدة نودي أن يكون كل رطل ونصف من الفلوس بنصف درهم فضة من المؤيدية، وبلغ الذهب إلى مائتين وثمانين والأفلوري إلى مائتين وستين، وأمر الأستادار والوزير وناظر الخاص أن يشتريا من الفلوس ما استطاعوا، ففرض على الأستادار مائة ألف دينار وعلى الآخرين مائة ألف دينار، وأمر أن يحصلوا بثمنها فلوساً، ونودي: من كان عنده فلوس فليحملها إلى الديوان السلطاني وينكل من امتنع من حملها أو سافر بها، وساق فخر الدين الأستادار في الأضاحي إلى السلطان خاصة ألف رأس من الكباش العلوفة ومائة وخمسين بقرة، وقام عنه في التفرقة على الأمراء وغيرهم بعشرة آلاف رأس.
وفي سادس عشريه نزل السلطان إلى الجامع المؤيدي ثم إلى بيت كاتب السر وهو بثياب جلوسه.
وفي رابع عشري ذي القعدة أضيفت الحسبة إلى أقبغا شيطان الوالي وصرف عماد الدين، وقرر سودون القاضي في كشف الصعيد وصرف بدر الدين ابن محب الدين وأمر بإحضاره.
وفي تاسع عشري ذي الحجة قدم إبراهيم بن السلطان من السفر.
وفي ذي الحجة كانت الفتنة بدمياط، وكان وإليها ناصر الدين محمد السلاخوري سيء السيرة غاية في الظلم والفسق كثير التسلط على نساء الناس وأولادهم. فتعرض لناس يقال لهم السمناوية يتعيشون بصيد السمك من بحيرة تنيس ومساكنهم بجزائر يقال لها العزب بضم العين وفتح الزاي بعدها موحدة فأنفوا من سوء فعله وفحش سيرته فتجمعوا ليوقعوا به ففر إلى داره فحاصروه الأدب أنهما ليسا له لأنه لم يقع له قريب من ذلك. بها، فرماهم بالنشاب فقتل منهم واحداً وجرح ثلاثة، فازداد حنقهم وتكاثروا إلى أن هجموا عليه. فهرب في البحر في سفينة إلى الجزيرة فتبعوه فتناوبوا ضربه وردوه إلى البلد وحلقوا نصف لحيته وشهروه على جمل والمغاني تزفه ثم قتلوه. ثم أخرجوا الوالي من الحبس فأرادوا إثبات محضر يوجب قتله، فبادر سفهاؤهم فقتلوه وسحبوه وأحرقوه بالنار ونهبوا داره وسلبوا حريمه وأولاده فقتل من أولاده صغير في المهد وقيل مات من الرجفة، فكانت هذه الكائنة من الفضائح.
وفي تاسع عشري ذي الحجة طرق جمع من الحرامية وفيهم فارسان داخل القاهرة فمروا على باب الجامع الأزهر ووصلوا إلى رحبة الأيدمري، فنهبوا عدة حوانيت وقتلوا رجلين ورجعوا إلى حارة الباطلية فتوزعوا فيها فلم يتبعهم أحد، فكانت من الفضائح أيضاً.
وفيها في أواخرها مالت المئذنة التي بنيت على البرج الشمالي بباب زويلة للجامع المؤيدي، وكادت أن تسقط واشتد خوف الناس منها وتحولوا من حواليها فأمر السلطان بنقضها، فنقضت بالرفق إلى أن أمن شرها، وعامل السلطان من ولى بناءها بالحلم بعد
أن كان أرجف بأنه يريد أن يغرمهم جميع ما أنفق فيها، فهدمت وشعر في بناء التي تقابلها، واتفق أن كان ناظر العمارة بهاء الدين ابن البرجي كما تقدم فأنشد تقي الدين بن حجة في ذلك:
على البرج من بابي زويلة أنشئت
…
منارة بيت الله والمعهد المنجي
فأخنى بها البرج الجنيت أمالها
…
ألا صرحوا يا قوم باللعن للبرجي
وقال شعبان بن محمد بن داود الأثاري في ذلك وكان قدم القاهرة في هذه السنة.
عتبنا على ميل المنار زويلة
…
وقلنا تركت الناس بالميل في هرج
فقالت قربني برج نحس أمالني
…
فلا بارك الرحمن في ذلك البرجي
وكنت قلت قبل ذلك وأنشدتهما في مجلس المؤيد:
لجامع مولانا المؤيد رونق
…
منارته بالحسن تزهو وبالزين
نقول وقد مالت عن القصد أمهلوا
…
فليس على جسمي أضرمن العين
فأراد بعض الجلساء العبث بالشيخ بدر الدين العيني فقال له إن فلانا قرض بك. فغضب واستعان بمن نظم له بيتين ينقض هذين البيتين ونسبهما لنفسه، وعرف كل من يذوق الأدب أنهما ليسا له لأنه لم يقع له قريب من ذلك.
وأنشد بعض الأدباء بنقض الأمرين وهو نجم الدين ابن النبيه الموقع:
يقولون في ميل المنار تواضع
…
وعين وأقوال وعندي جليها
فلا البرج أخنى والحجارة لم تعب
…
ولكن عروس أثقلتها حليها
وفي هذه السنة ملك أويس بن زادة بن أويس بن حسين البصر، انتزعها من مانع أمير العرب بعد حروب، وكانوا انتزعوها منهم من إمارة عمه أحمد بن أويس من أوائل القرن، وقوى أويس المذكور وانضم إليه عسكر عمه.
وفي أواخر هذه السنة هرب يشبك الدويدار الثاني من المدينة النبوية وهو يومئذ أمير الحاج المصري، والسبب في هربه أنه بلغه ما اتفق في أفباي نائب الشام وكان من إخوته فخاف، وبلغه أيضاً أن السلطان كتب إلى مقبل أمير ينبع أن يقبض عليه، فأخر مقبل ذلك إلى أن رحل المذكور من المدينة فقبض عليه هناك، فاستشعر ذلك فاختفى بعد رحيل الحاج من المدينة، فلما نزلوا البركة لم يقفوا له على خبر فسار بهم أقبغا الزيني دويداره وترفق في سيره بالحاج ونبالغ في الإحسان م، فقدموا وهم يشكرونه، وكان الرخص كثيراً وكذلك المياه، ووصل يشبك في هربه إلى بغداد، فتلقاه محمد شاه بن قرا يوسف فأكرمه ثم هرب منه إلى قرا يوسف نفسه في سنة اثنتين وعشرين فأكرمه وأقام عنده.