الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
919 - أبو عمرو بن العلاء المقرى النحوىّ
«1»
إمام أهل البصرة فى القراءة والنّحو، قدوة في العلم باللّغة. أخذ عن جماعة من التابعين. وهو في النّحو في الطبقة الرابعة بعد علىّ بن أبى طالب كرم الله وجهه.
واختلف في اسمه ونسبه؛ فأمّا اسمه فقيل: اسمه زيّان [1]. وقيل: العريان.
وقيل: أبو عمرو، ولا اسم له غيره. وكذلك أبو سفيان بن العلاء، اسمه كنيته، لا اسم له غيره. وكان أبو سفيان بن العلاء أخوه ناسبا [2]، وكان لهما أخ اسمه معاذ، روى ذكره ابن معين [3].
فأمّا نسبه في الروايات؛ فأبو [4] عمرو بن العلاء بن عمار بن عبد الله بن الحصين ابن الحارث بن جلهم بن خزاعىّ بن مازن بن مالك بن عمرو بن تميم- ويقال:
ابن جلهم- بن حجر بن خزاعىّ.
وقال المبّرد: هو من بنى مازن بن مالك بن عمرو بن تميم.
[1] كذا في الأصل بالزاى، وفي ب:«ربان» ، وهى أيضا رواية، ذكرها أبو الطيب اللغوى فى مراتب النحوين 14.
[2]
منسوبا إلى النسبة، أى يعرف الأنساب.
[3]
هو يحيى بن معين بن معن، من أئمة الحديث ومؤرخى رجاله. وله كتاب التاريخ والعلل فى الرجال وكتاب معرفة الرجال، عاش في بغداد، وتوفى بالمدينة حاجا سنة 233. خلاصة الخزرجى.
[4]
فى الأصلين: «أبو» .
وقال محمد بن سلّام: مرّ أبو عمرو بن العلاء بمجلس قوم، فقال رجل من القوم:
ليت شعرى، فمن هذا؟ أعربىّ اليوم أم مولى؟ وهو على بغلة له، فقال: النسب فى مازن: والولاء في العنبر، وقال: عدس [1] للبغلة، ومضى.
وقال يحيى بن معين: معاذ بن العلاء، أخو عمرو، ولهم أخ آخر يقال له أبو سفيان بن العلاء، ثقة، وهم من خزاعىّ بن تميم، وقدما إلى الكوفة، وأخذ النّاس عنهما، وكان لهما بنون. وتوفّى أبو عمرو سنة أربع وخمسين. هذا كلّه قول يحيى بن معين.
وسأل رجل أبا عمرو بن العلاء حاجة فوعده بها، ثمّ إنّ الحاجة تعذّرت على أبى عمرو، فلقيه الرجل بعد ذلك، فقال له: يا أبا عمرو، وعدتنى وعدا فلم تنجزه، فقال له أبو عمرو: فمن أولى بالغمّ؟ أنا أو أنت؟ قال الرجل: أنا، قال أبو عمرو: لا، بل أنا والله، قال: وكيف ذلك أصلحك الله! قال: لأنّى وعدتك وعدا، فأنت بفرح الوعد، وأنا بهمّ الإنجاز، وبتّ ليلتك فرحا مسرورا، وبتّ ليلتى مفتكرا مهموما، ثم عاق القدر عن بلوغ الإرادة، فلقيتنى مدلّا، ولقيتك محتشما.
وقال العريان بن أبى سفيان بن العلاء: كنت عند عمّى أبى عمرو، فأتاه أكّار له، فأخبره عن أرض بما كره، فقال:
قرعت مروتى الحوادث حتّى
…
ما أبالى أكثرت أم أقلّت
ولأبى العلاء أولاد، منهم ولد يقال له بشر: قال بشر: لما حضرت والدى الوفاة جزعت، فقال: يا بنىّ لا تجزع، فإنّك لم تمت أباك، إنما أفنيته.
قال الأصمعىّ: قال أبو عمرو بن العلاء: لقد علمت من النّحو ما لم يعلمه الأعمش [2]، وما لو كتب لما استطاع أن يحمله.
[1] عدس، اسم فعل يقال في زجر البغل أو الحمار.
[2]
كذا في الأصل. وفي ب: «الا، الأعمش» 9، والأعمش هو سليمان بن محمدان الأسدى.
كان عالما بالقرآن والحديث والفرائض. توفى سنة 148. ابن خلكان 1: 213.
وقال الأصمعىّ: سألت أبا عمرو بن العلاء عن ألف مسألة فأجابنى فيها بألف حجّة.
وكان أبو عمرو رأسا في حياة الحسن بن أبى الحسن البصرىّ [1]، مقدّما في عصره.
وقال أبو عبيدة: كان أبو عمرو أعلم النّاس بالعرب والعربيّة وبالقرآن والشّعر، وكانت داره خلف دار جعفر بن سليمان، وكانت كتبه التى كتب عن العرب الفصحاء قد ملأت بيتا له إلى قريب من السّقف، ثمّ إنه تغيّر فأحرقها كلّها، فلمّا رجع إلى علمه الأوّل لم يكن عنده إلا ما حفظه بعلمه، وكانت عامة أخباره عن أعراب قد أدركوا الجاهليّة.
وقال الأصمعىّ: جلست إلى أبى عمرو عشر حجج، فلم أسمعه يحتجّ ببيت إسلامىّ.
قال: وفي أبى عمرو بن العلاء يقول الفرزدق:
ما زلت أغلق أبوابا وأفتحها
…
حتى أتيت أبا عمرو بن عمّار [2].
وذكر أبو عبيد القاسم بن سلّام، قال: دخل أبو عمرو بن العلاء على سليمان ابن علىّ، فسأله عن شىء فصدقه فلم يعجبه ما قال، فوجد أبو عمرو في نفسه وخرج، وهو يقول:
أنفت من الذّلّ عند الملوك
…
وإن أكرمونى وإن قرّبوا [3].
[1] هو الحسن بن يسار البصرى أبو سعيد. إمام أهل البصرة وحبر الأمة في زمانه. ولد في المدينة وشب في كنف على بن أبى طالب، واستكتبه الربيع بن زياد وإلى خراسان في عهد معاوية، ثم سكن البصرة. وأخباره كثيرة مشهورة. توفى سنة 110. تهذيب التهذيب.
[2]
ديوانه 1: 382. وورد أيضا في نور القبس 25، وأورد بعده بيتا ثانيا، وهو:
حتى أتيت فتى ضخما دسيعته
…
مرّ المريرة حرا، وابن أحرار.
[3]
نور القبس 30
إذا ما صدقتهم خقتهم
…
ويرضون منّى بأن يكذبوا
قال الأصمعىّ: كان أبو عمر بن العلاء يغلّ من دار له فى كلّ يوم فلسين، وكان يشترى بفلس في كل يوم كوزا يشرب فيه يومه، فإذا أمسى تصدّق به، ويشترى بفلس ريحانا فيشمّه يومه، فإذا أمسى أمر الجارية أن تجفّفه ويدقّ فى الأسنان.
قال الأصمعىّ: جلست إلى أبى عمرو بن العلاء، ولى تسع عشر سنة، وتوفّى أبو عمرو ولى سبع وعشرون سنة، ما سمعت أحدا يسأله عن شىء عىّ بجوابه، ولا سألته أنا عن شىء إلّا وجدت عنده منه علما.
وذكر [ابن أخى] الأصمعىّ عن عمّه، قال: كنت إذا سمعت أبا عمرو ابن العلاء يتكلّم ظننت أنه لا يحسن شيئا ولا يلحن، يتكلّم كلاما سهلا.
وقال أبو عمرو بن العلاء: نظرت في هذا العلم قبل أن أختن، وهو يومئذ ابن أربع وثمانين.
وقيل له: حتى متى يحسن بالمرء أن يتعلّم؟ قال: ما دامت الحياة تحسن به.
وأخافه الحجّاج [1] بن يوسف- وكان يستتر منه- قال: فحرجت يوما أريد التنقّل من الموضع الّذى كنت فيه إلى غيره، فسمعت منشدا ينشد:
ربّما تكره النّفوس من الأمر له فرجة كحلّ العقال [2].
[1] الحجاج بن يوسف الثقفى. ولد ونشأ بالطائف، وانتقل إلى الشام، فلحق بروح بن زنباع نائب عبد الملك بن مروان، فكان في عديد شرطته، ثم ما يزال يظهر حتى قلده عبد الملك بن مروان عسكره، وأمره بقتال عبد الله بن الزبير، فهزمه ثم قتله، فولاه عبد الملك مكة والمدينة والطائف، ثم أضاف إليه العراق. وأخباره في الأدب والحرب مشهورة: ابن خلكان 1: 123.
[2]
اللسان- فرج، ونسبة إلى أمية بن أبى الصلت، وذكر قبله:
لا تضيق بالأمور فقد تك
…
شف غماؤها بعد احتيال
وسمعت عجوزا تقول: مات الحجّاج. قال: فما أدرى بأيّهما كنت أسرّ؟ بقول المنشد: «فرجة» بالفتح، أو بقول العجوز:«مات الحجاج» ! وسمعت في هذا الخبر زيادة أن أبا عمرو سأل المنشد، وقال له:«فرجة» بالضمّ؟ فقال له: «الفرجة» بالفتح بين الأمرين، وبالضمّ بين الجبلين.
وسئل أبو عمرو عن اشتقاق الخيل، فلم يعرفه، فمرّ أعرابىّ محرم، فأراد السائل سؤال الأعرابىّ، فقال له أبو عمرو: دعنى، فأنا ألطف بسؤاله وأعرف، فسأله، فقال الأعرابىّ: اشتقاق الاسم من فعل المسمّى، فلم يعرف القوم ما أراد الأعرابىّ، فسألوا أبا عمرو عن ذلك، فقال: ذهب إلى «الخيلاء» الّتى فى الخيل والعجب، ألا ترى أنها تمشى العرضنة [1] خيلاء وتكبّرا! وسمع أبو عمرو منشدا ينشد:
ومن يغو لا يعدم على الغىّ لائما [2]
فقال له: أقّومك أم أتركك تتسكّع في طمّتك! فقال: قوّمنى؛ قال: قل:
«ومن يغو» بكسر الواو، ألا ترى قول الله عز وجل:(فَغَوى)
[3]
.
[عنى] بقوله: «تتسكّع» أى تتلوّث. والطّمه. الخرأة.
وخرج أبو عمرو بن العلاء عن البصرة طالبا للشام، ليجتدى عبد الوهاب ابن إبراهيم [4]، فمات في طريق الشّام سنة أربع وخمسين ومائة، وله عقب بالبصرة.
[1] يمشى العرضنة والعرضنى، أى في مشيته بغى من نشاطه. القاموس.
[2]
صدره:
ومن يلق خيرا يحمد الناس أمره
والبيت للمرقش الأصغر، وهو في اللسان (غوى) والمفضليات 1:247.
[3]
سورة طه 20.
[4]
هو عبد الوهاب بن إبراهيم الإمام بن محمد العباسى. أمير من الشجعان القادة. سيره عمه المنصور سنة 140 في سبعين ألفا إلى ملطية، قد خلها بعد أن خربتها الفرنجة، وغزا الصائفة سنتى 151، 152. وتوفى ببغداد سنة 157، تاريخ ابن الأثير في حوادث السنتين المذكورتين.
هذا قول القتيبىّ، وهو غير صحيح، والصّحيح ما ذكره أبو عبيدة، قال:
خرج أبو عمر بن العلاء إلى دمشق إلى عبد الوهاب بن إبراهيم يجتديه، ثم رجع فمات بالكوفة، فصلّى عليه محمّد بن سليمان، وهو أمير الكوفة يومئذ، وكان يغشى عليه ويفيق، فإذا ابنه بشر يبكى، فيقول: ما يبكيك وقد أتت علىّ أربع وثمانون سنة! وقيل: توفّى سنة تسع وخمسين ومائة.
وقبر أبى عمرو بالكوفة مكتوب عليه: «هذا قبر أبى عمرو بن العلاء مولى بنى حنيفة» .
ولولا أنّنى وقفت عند قول أبى عمرو بن العلاء: «الحقّ نتف، ويكره الإكثار فى كلّ باب، وأحسن الأشياء أن يقصد إيجاز الكلام» ؛ لأطلت في أخباره، وأكثرت من إيراد آثاره، رحمه الله ورضى عنه وأرضاه! وجاء عيسى [1] بن عمر الثّقفىّ إلى أبى عمرو بن العلاء، فقال له: يا أبا عمرو، ما شىء بلغنى أنّك تجيزه؟ قال: وما هو؟ قال: بلغنى أنّك تجيز: «ليس الطيب إلّا المسك» بالرفع، فقال أبو عمرو: نمت يا أبا عمر، وأدلج الناس [2]! ليس فى الأرض حجازىّ إلا وهو ينصب، ولا في الأرض تميمىّ إلّا [3] وهو يرفع. قال
[1] الخبر بروايته عن أبى محمد اليزيدى في طبقات الزبيدىّ 38، ومجالس العلماء 1 - 4، وأمالى القالى 3: 39، والأشباه والنظائر للسيوطىّ 3: 23، 165. وانظر المعرب للجوالبقى 9، 210.
[2]
الإدلاج: السير آخر الليل.
[3]
الزبيدىّ: «وليس في الأرض تميمىّ» .
اليزيدى [1]: [ثم قال لى أبو عمرو [2]]: تعالى يا يحيى، وتعال يا خلف- يعنى الأحمر- اذهبا إلى أبى المهدىّ [3] فلقنّاه الرفع، فإنه لا يرفع- وكان حجازيا باهليّا- واذهبا إلى المنتجع التميمىّ فلقناه النصب، فإنه لا ينصب. قال اليزيدىّ:
فذهبت أنا وخلف، فأتينا أبا المهدىّ، فإذا هو يصلّى، وكان به عارض، وإذا هو يقول في الصلاة: اخسأنانّ عنّى! ثم قضى صلاته، وانفتل إلينا، وقال:
ما شأنكما؟ فقلنا: جئتا نسألك عن شىء من كلام العرب، فقال: قولا، فقال خلف: كيف تقول: «ليس الطّيب إلا المسك» ، فقال: أتأمرانى بالكذب على كبر السّنّ! فأين الجادىّ [4] وأين كذا؟ وأين كذا؟ فقال له خلف:
ليس الشّراب إلا العسل، قال: فما تصنع سودان هجر؟ ما تعرف شرابا إلا التمر [5]، قال اليزيدىّ: فلما رأيت ذلك منه قلت: ليس ملاك الأمر إلا طاعة الله والعمل بها، [فرفعت [6]]. فقال: هذا كلام لا دخل [7] فيه، ثم قال:«ليس ملاك الأمر إلا طاعة الله، والعمل بها» ، فنصب. قال [8] اليزيدىّ: فقلتها بالرفع [8]، فقال:
ليس هذا من لحنى ولا من لحن قومى، فكتبنا منه ما سمعنا، فقال: ألا أنشدكما أبياتا قلتها حين سمعت تراطن هذه الأعاجم حولى؟ قلنا: بلى، فأنشدنا:
يقولون لى شنبذ ولست مشنبذا
…
طوال اللّيالى، أو يزول ثبير [9].
[1] هو يحيى أبو محمد اليزيدى راوى الخبر.
[2]
من طبقات الزبيدىّ.
[3]
ترجم له القفطى فيما يلى، برقم 956 باسم أبى مهدية ص 176.
[4]
الجارى: الزعفران.
[5]
الزبيدىّ: «ما بعمان شراب إلا هذا التمر» .
[6]
من الزبيدىّ.
[7]
الدخل: العيب والريبة.
(8 - 8) الزبيدىّ: «قال أبو محمد: فقلت له: ليس ملاك الأمر طاعة الله والعمل به. فرفعت.
[9]
وردت هذه الأبيات في المعرب ص 9. قال الجواليقى: «شنيذ، يريدون: «شون بوذى».
زوذ: عجل. وبستان: خذ، بالفارسية».
ولا قائلا «زوذا» لأعجل صاحبى
…
و «بستان» فى صدرى علىّ كبير
ولا تاركا لحنى لأحسن لحنكم
…
ولو دار صرف الدّهر حيث يدور
قال اليزيدىّ: فكتبنا هذه الأبيات، وأتينا المنتجع، فأتينا رجلا يعقل، فقال له خلف: كيف تقول: «ليس الطيّب إلا المسك» ؟ فقالها ورفع، فلقّنّاه النّصب، وجهدنا به في ذلك، فلم ينصب، وأبى إلّا الرّفع، قال: فأتينا أبا عمرو، فأعلمناه وعنده عيسى بن عمر لم يبرح، قال: فأخرج عيسى خاتمه من يده فقال: لك الخاتم، بهذا والله فقت الناس.
وسأل أبو عمرو بن العلاء أبا حنيفة النّعمان بن ثابت، عن رجل ضرب رأس آخر بصخرة عظيمة، لا ينجو منها من ضرب بها، فقال: لا قود عليه، ولو ضرب رأسه ب «أبا قبيس» فقال له أبو عمرو: هذا كلام بشع، فقال أبو حنيفة:
وما بشع؟ فقال أبو عمرو: ولا تعرف البشع أيضا! قلت: وهذا ليس يقدح في الإمام أبى حنيفة رضى الله عنه، فإن الفرقة النازلة بالكوفة من العرب كانوا لا يظهرون الإعراب فى تثنية مثل هذا، ومنه قول الشاعر:
إنّ أباها وأبا أباها
…
قد بلغا في المجد غايتاها [1].
وأما قوله: «بشع» فليست باللّغة المستعملة الشائعة في ذلك الوقت، ولا ممّا سار على ألسن أهل المدر نقلا عن أهل الوبر، وإن نقلها أبو عمرو بن العلاء
[1] البيت من شراهد ابن عقيل شارح الألفية، ونسبه العينى والمرتضى الزبيدىّ في شرح القاموس إلى أبى النجم العجلى، ونسبه الجوهرى إلى رؤبة بن العجاج.
عن أعراب المربد، فما نقلها أبو حنيفة عن قاطنى الكوفة، وإذا أردت أن تعرف قلّتها وشذوذها، فتتبّعها في منظوم الشعراء من أهل البادية ومنثور البلغاء منهم، فلا نجدها سارية سائرة، بل هى في كلامهم كالحوشىّ الوحشىّ، ثم إذا تطعّمتها بآلة ذوق الألفاظ، وجدتها غير جليّة الجرس، وإذا وزنتها بميزان الألفاظ ألفيتها غير خفيفة على النّفس.
وجاء عمرو بن بن عبيد المتكلم المعتزلىّ [1] إلى أبى عمرو، فقال: يا أبا عمرو، أخلف الله وعده؟ قال: لا، قال: أفرأيت من وعده الله على عمله عقابا يخلف وعده فيه؟ فقال أبو عمرو: أمن العجمة أتيت أبا عثمان [2]! إنّ الوعد غير الوعيد، إن العرب لا تعد عارا ولا خلفا، والله عز وجل، إذا وعد وفّى، وإذا أوعد ثم لم يفعل كان ذلك كرما وتفضّلا، وإنما الخلف أن تعد خيرا ثم لا تفعله، قال:
وأجد هذا في كلام العرب؟ قال: نعم، أما سمعت قول الأوّل:
ولا يرهب ابن العمّ ما عشت صولتى
…
ولا أختفى من صولة المتهدّد [3].
وإنى وإن أوعدته أو وعدته
…
لمخلف إيعادى ومنجز موعدى
وتكلم في هذه الآية: (وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنا ما وَعَدَنا رَبُّنا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قالُوا نَعَمْ)
[4]
قال: فكيف خرج القول من الفريقين بلفظ واحد، وهو وعد؟ فقال: لأن العرب تقول:
«وعدته خيرا ووعدته شرا» فلو أسقطوا الخير والشر، قيل في الخير: وعدت، وفي الشّر: أوعدت.
[1] هو عمرو بن عبيد بن باب. شيخ المعتزلة، وأحد الزهاد المشهورين. توفى سنة 144.
ابن خلكان 1: 384.
[2]
أبو عثمان، كنية عمرو بن عبيد.
[3]
لعامر بن الطفيل. اللسان (وعد).
[4]
سورة الأعراف 44