الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أنت منطيقىّ، ما نعارضك، وكلامك في لغة العرب، ما نرضاه. فسكت أبو علىّ خجلا، وبعد انفصاله من المجلس نظر في اللّغة وتبحّر فيها، وعمل رسائل أودعها نوعا متوفّرّا من اللغة. وسأل علاء الدولة ابن الجبان عما تضمّنه من الغريب، فعلم بعضه وأنكر بعضا [1]، فقال أبو علىّ: الكلمة الفلانية معناها كذا، وهى مذكورة في الكتاب الفلانىّ، وشرح جميعها، وأحال على الأصول، فخجل أبو منصور بن الجبان، وفطن لما فعله ابن سينا، واعتذر إليه اعتذارا طويلا، وشرع في تصنيف كتاب في اللغة، أحسن ترتيبه وتبويبه، واستوفى فيه اللغة غاية إمكانه، وجاء كبيرا، وسمّاه لسان العرب. ومات قبل إخراجه من المسوّدة، فبقى على حاله.
953 - أبو منصور محمد بن أحمد بن طلحة بن نوح بن الأزهر الأزهرىّ الهروىّ اللّغوى الشافعى
«1»
كنيته أشهر من اسمه، فذكرته في باب الكنى.
إمام عالم باللّغة والعربية، قيّم بالفقه والرّواية، سافر عن هراة في شبيبته إلى أرض العراق، وحجّ فأسرته الأعراب في طريقه- أظن ذلك في وقعة
[1] ب: «عن بعضه» .
الهبير [1]، والله أعلم- وأقام في أسرهم مدّة يرعى الإبل، ثم تخلّص ودخل بغداد، وقد استفاد من الألفاظ الغربية ما شوّقه إلى استيفائها، وحضر مجالس أهل العربية.
قال الخطيب أحمد بن علىّ بن ثابت: أخبرنى أبوذرّ الهروىّ، قال: أخبرنى الأزهرىّ، قال: دخلت على أبى بكر محمد بن دريد داره ببغداد، لآخذ عنه شيئا من اللغة، فوجدته سكران، فما عدت إليه.
ثم رجع أبو منصور رحمه الله إلى هراة، واشتغل بالفقه على مذهب الشّافعىّ. وأخذ اللغة عن مشايخ بلده، ولازم المنذرىّ الهروىّ اللّغوىّ، وأخذ عنه كثيرا من هذا الشأن، وشرع في تصنيف كتابه المسمى ب «تهذيب اللغة» وأعانه في جمعه كثرة ما صنّف بخراسان من هذا الشأن في ذلك الوقت وقبله بيسير، كتصنيف أبى تراب وأبى الأزهر، وغيرهما ممّا اعتمده الجمع الكثير.
وكان رحمه الله مع الرواية، كثير الأخذ من الصّحف، وعاب هذه العلة على غيره في مقدّمة كتابه، ووقع فيها، والدّليل على ذلك أنه لمّا ذكر أبا عمرو الشيبانىّ في مقدمة كتابه، قال: هو إسحاق بن مراد، فصحّف «مرادا» ، وإنما هو «مرار» بإجماع نقلة العلم، ولم يذكر له إلا كتاب «النوادر» ، وذكر رجلا آخر إسمه أبو عمرو الهروىّ، ونسب إليه كتاب «الجيم» وإنما الجيم لأبى عمرو إسحاق بن مرار، وهو كتاب مشهور.
ثم قال: إن أبا عمرو سمّاه الجيم، وبدأ فيه بحرف الجيم، وهذا غلط فاحش وإنما بدأ فيه بالألف على ترتيب حروف المعجم، وسمّاه بالجيم لسرّ خفىّ تشهد
[1] الهبير: رمل زرود في طريق مكة، كانت عنده وقعة ابن أبى سعد الجنابى القرطبى بالحاج لاثنتى عشرة ليلة بقيت من المحرم سنة 312، قتلهم وسباهم وأخذ أموالهم. ياقوت.
عليه مقدمة الكتاب، ولقد بلغنى أنّ أولاد الرؤساء بمصر، سألوا ابن القطّاع اللّغوىّ الصّقلىّ عند تكرارهم إليه بحلقته عن السبب الموجب لتسمية الكتاب بالجيم، وأوّله الألف، فقال: من أراد علم ذلك فليعطنى مائة دينار لأعلمه به، فما في الجماعة من تكلّم بعد ذلك [1].
ولما وهم أبو منصور رحمه الله في نسبة هذا الكتاب إلى شمر، وغلط فى ترتيب حروفه، وأحسّ من نفسه أنه ليس على حقيقة ممّا ذكره، فتحمّل حديثا طويلا آخره:«عدم الكتاب المذكور بالغرق» . تجاوز الله عنّا وعنه.
ولقد قال لى قائل: يحتمل أن يكون هذا الاسم قد أطلق على الكتابين، فقلت له: الّذى يبعد الاحتمال أنه لو كان ذكر في ترجمة أبى عمرو إسحاق بن مرار كتابه الجيم، كان ذكر ذلك لشمر بن حمدويه، وما علم أن لإسحاق كتابا اسمه الجيم، فقد وهم من «أبى عمرو إسحاق» إلى «أبى عمرو شمر» ، وهذا ظاهر يشهد لنفسه.
ولما صنّف أبو منصور كتابه «التّهذيب» قرأه عليه الأجلّاء من أهل بلده وأشرافها، ورواه عنه أبو عبيد الهروىّ المؤدّب، مصنّف كتاب «الغريبين» وكان تلميذا له، وملازما حلقته، ومن كتابه صنّف غريبه وهو أى التهذيب كتاب قد اشتمل من لغة العرب على جزء متوفّر مع جسأة [2] فى عبارة المصنف، وعجرفيّة في ألفاظه، يلوح عليها الثاء المعجمة، وقد رزق التصنيف سعادة، وسار
[1] سبق للمؤلف أن أورد هذا الخبر في الجزء الأول ص 225 في ترجمته أبى عمرو الشيبانى.
[2]
الجسأة: الخشونة.
فى الآفاق، واشتهر ذكره اشتهار الشّمس، وقبلته نفوس العلماء، ووقع التسليم له منهم، وصادف طالع سعد عند تأليفه، وشوهد على المجلّد العشرين من تأليفه من النسخة التى بخط المصنف رحمه الله وكانت بمرو، عند آل السمعانى رحمهم الله، وذهب خبرها في وقعة الترك سنة سبع عشرة وستمائة، بخط الإمام فخر خوارزم أبى القاسم محمود بن عمر الزمخشرى ما صورته:«ظفرت من هذه النسخة التى هى نسيج وحدها- لكونها بخط المصنّف، وسلامة لفظها من التحريف والزّلل، الذى لا تكاد تبرأ منه يد كاتب في كتاب خفيف الحجم، وإن أحضر ذهنه، وأمده إتقان، وساعده حفظ ودراية، فضلا عن [1] عشرين مجلدة- بضالّتى المنشودة، فأكببت عليها إكباب الحريص، وقلّبتها بالمطالعة، وعلّقت عندى ما فيها من الأحاديث الّتى خلت عنها مصنّفات أبى عبيد والقتبىّ والخطّابى، والأمثال التى لم تكن فى كتابى الذى سميته بالمستقصى في أمثال العرب، وكلمات كثيرة من الغريب المشكل، وسألت الله تنوير حفرة المصنّف، وإنزاله في ظلال الفردوس بفضله ورأفته. وكتب محمود بن عمر الزمخشرى الخوارزمى بمدينة مرو بخطّ يده، حامدا الله ومصلّيا على خير خلقه محمد وآله، بتاريخ رجب الواقع في سنة ثلاث وخمسمائة» .
وكان عليه بخط المؤلف ما مثاله:
«وكتب محمد بن أحمد بن الأزهر بيده» . ثم بعد ذلك: «يقول محمد بن أحمد ابن الأزهر: قرأ علىّ سيّدى أبو يعلى أدام الله له العزّ والتأييد هذا الكتاب
[1] فى الأصلين: «فى» .