الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
942 - أبو القاسم بن فيّره بن أبى القاسم الرّعبنى الشاطبىّ الأندلسى المكفوف المقرئ النحوى اللغوى
«1»
ولد بشاطبة، إحدى ثغور الأندلس، فى آخر سنة ثمان وثمانين وخمسمائة، وبها نشأ، وقرأ القرآن وتعلّم النحو واللغة؛ وتفننّ فى قراءة القرآن والقراءات وهو حدث، وقرأ الناس عليه في بلده، واستفادوا منه قبل سن التكهّل [1].
أخبرنى المحيىّ [2] بن سراقة الشاطبىّ، قال: قال لى أبى: إننى قرأت القرآن على أبى القاسم بن فيّره بشاطبة. ورحل أبو القاسم إلى المشرق للحجّ، واستوطن مصر، وتصدّر في جامع عمرو بن العاص للإقراء والإفادة، وتزوّج إلى قوم يعرفون ببنى الحميرىّ. ثم نقله الفاضل عبد الرحيم بن علىّ البيسانى إلى مدرسته الّتى أنشأها بالمعزّية القاهرة، وأفرد له فيها حجرة لطيفة مرخّمة على يسار الدّاخل من الباب؛ وكان مقيما بها للإقراء والإفادة، وأفرد لأهله دارا أخرى خارج المدرسة، ولم يزل على ذلك إلى حين وفاته رحمه الله.
[1] كذا في ب، وفي الأصل:«الكهل» .
[2]
ب: «الحبى» بالباء.
كان رحمه الله عالما بكتاب الله تعالى؛ من قراءته وتفسيره. وبحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم مبرّزا فيه، وكان إذا قرئ عليه البخارىّ ومسلم والموطّأ، تصحّح النّسخ من حفظه، ويملى النكت على الموضع المحتاج إلى ذلك فيها. وذكر أنّه نظم في كتاب «التمهيد» لابن عبد البرّ رحمه الله قصيدة داليّة في خمسمائة بيت، من حفظها أحاط بالكتاب علما. وكان مبرّزا في علم النحو والعربية. عالما بعلم الرؤيا، حسن المقاصد، مخلصا فيها، يقول ويفعل ونظم القصيدة الطويلة في القراءات، أودعها كتاب «التيسير» فى القراءات تسهيلا لحفطه؛ وعليها أكثر القراء إلى اليوم، وقد شرحت في مجلدين، شرحها بعض تلاميذه، وقال رحمه الله: لا يقرأ أحد قصيدتى هذه إلا ونفعه الله عز وجل بها، لأنّى نظمتها لله تعالى. وكان يجتنب فضول القول، ولا يتكلّم في سائر أوقاته إلا بما تدعو إليه ضرورة، ولا يجلس للإقراء إلا على طهارة، وفي هيئة حسنة، وخضوع واستكانة، ويمنع جلساءه من الخوض والحديث إلّا في العلم والقرآن، وكان يعتلّ العلّة الشديدة ولا يشتكى ولا يتأوّه، وإذا سئل عن حاله قال:
العافية، ولا يزيد على ذلك.
وذكر له يوما جامع مصر، وقيل: قد قيل إنّ الأذان يسمع فيه من غير المؤذّنين، ولا يدرى ما هو! فقال: قد سمعته مرارا لا أحصيها عند الزوال.
وقال يوما: جرت بينى وبين الشيطان مخاطبة، فقال لى:[إن [1]] فعلت كذا فسأهلكك، فقلت له: والله ما أبالى بك!
[1] زيادة من الأصلين يقتضيها السياق.
وقال يوما: كنت في طريق، وتخلّف عنى من كان معى وأنا على الدابّة، وأقبل اثنان، فسّبنى أحدهما سبّا قبيحا، وأقبلت على الاستعاذة وبقى ما يشاء الله، ثم قال لى الآخر: دعه، وفي تلك الحال لحقنى من كان معى، فأخبرته بذلك، فطلبه يمينا وشمالا فلم يجد أحدا.
وكان رحمه الله يعذل أصحابه فى السرّ على أشياء لا يعلمها منهم إلا الله عز وجل، وكان يجلس إليه من لم يعرفه فلا يرتاب في أنّه مبصر، لأنه لذكائه لا يظهر منه ما يظهر من الأعمى في حركاته.
أخذ القراءات في الأندلس عن الشيخ الإمام الزاهد أبى الحسن بن هذيل، عن أبى داود، عن أبى عمرو الدّانى. وأخذها أيضا عن أبى عبد الله محمد ابن أبى العاص النقرىّ، وكتبا له بذلك له خطهما، وطوّلا في الذى كتباه تطويلا يدل علىّ الاعتناء به. فأما خطّ النقرى له فكان في شهر ربيع الآخر عام خمسة وخمسين وخمسمائة.
وله أشعار مأثورة عنه في ظاءات القرآن، وفي مواضع الصّرف، وفي نقط المصحف وخطّه، وفي أنواع من المواعظ رحمه الله.
مات في يوم الأحد بعد صلاة العصر، وهو اليوم الثامن من بعد العشرين من جمادى الآخرة، سنة تسعين وخمسمائة، ودفن يوم الاثنين في المقبرة المعروفة بسارية على جانب الخندق في تربة البيسانىّ، وصلّى عليه الشيخ أبو إسحاق المعروف بالعراقىّ إمام جامع مصر يومئذ.