الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
923 - أبو عبد الله حسين بن محمد التميمىّ العنبرىّ الدّارونىّ القيروانىّ المغربىّ النحوى الإفريقىّ المعروف بابن أخت العاهة
«1»
والدّارون: موضع بعمل القيروان. وكان إماما في اللّغة والعلم بالشعر، وقرئ عليه، وسمع منه في حياة أبى محمد المكفوف النحوىّ، وكان مشغوفا بديوان ذى الرّمة، وكان أعلم الناس به وبغيره من دواوين الشعراء، إلى معرفته بأخبار العرب وأنسابها وأيامها ووقائعها، وكان يتفقّه بالكوفيّين. وكان معجبا بعلمه، ونسبه، شديد الافتخار به، يتجاوز فيه الحدّ، ولا يحضر مجلسا إلا افتخر فيه بتميم، ويسرف في ذلك حتى يملّ، وينسب فيه إلى السّخف، قال بعض جلسائه [1]: كنت يوما جالسا معه في المسجد الّذى يجلس فيه، وقوم يقرءون عليه، إلى أن دخل رجل فسلّم، وسأله عن حاله، فذكر أنه قدم من الشّرق، فقال: أين بلغت؟ قال: البصرة، قال: كيف تميم هناك؟ قال: قوم حالهم مثل حال غيرهم، ومنهم قوم في البادية، ومن كان بالبصرة، فواحد تاجر، وآخر صانع [2].
وبيّاع وعمّال إلى غير ذلك، فساءه ذلك وغمّه، وقال: إنا لله! صارت بنو تميم إلى هذه الحال! ووجم، وأمر الذين يقرءون عليه أن ينصرفوا، ولم يسمعهم فى ذلك اليوم شيئا من الغمّ بما أخبره.
وكان له بنات فخطب إليه جماعة ممّن يتّجر ويحترف، فامتنع من تزويجهم، وكان يمضى إلى البادية فإذا وجد رجلا غريبا لا حرفة له زوّجه على ألّا يعمل بيده
شيئا، ولا يحرث ولا يحصد، ويضمن له القيام بمعيشته، حتى زوّجهنّ كلّهنّ على ذلك، فكثر عياله، وساء حاله لقيامه ببناته وأزواجهنّ، ولم يزل على هذه الحال إلى أن مات.
قال بعض الرواة [1]: أتانى يوما فسألته عن حاله، فجعل يحدّثنى وكأنّه مشغول القلب، فقلت له: ما بالك؟ فقال: ابنى تميم جاء معى، فقلت: يدخل- وأمرت الغلام بإدخاله فلم يجده- فتبسّم وقال: أنفس بنى تميم! لمّا دخلت وتركته غضب.
وكان الدارونىّ شاعرا مجوّدا كثير الشّعر جيّد الطّبع، مقتدرا على المعانى.
وأملق أبو عبد الله الدارونىّ [2] يوما، فكتب إلى أبى جعفر المروزىّ، وكان يخدم الشّيعة:
كتمت إعسارى وأخفيته
…
خوفا بأن أشكو إلى معسر
وأن يقول النّاس إنّى فتى
…
لم أصن العرض ولم أصبر
فإن تكن في حاجة شاكيا
…
فاشك إلى مثل أبى جعفر
فهو لما أمّلته أهله
…
وما أراه اليوم بالموسر
فأجابه وقال:
أفضل ما يذكره ذاكر
…
إغاثة المحتاج والمقتر
لا سيما شكوى حسين لما
…
مضّ به قلب أبى جعفر
فلو حباه كلّ ما يحتوى
…
لم يك في ذلك بالمكثر
لكنّه صادف أحواله
…
منظرها يشهد بالمخبر
فوجّه التّافه من قوته
…
نزرا، ولو أكثر لم يكثر
[1] فى طبقات الزبيدىّ: «قال أبو علىّ» .
[2]
الزبيدىّ: «وحدثنى أبو إسحاق القرشى المعروف بالقدرى، وكان كثير الملازمة للدارونى» .