الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
736 - يونس بن حبيب أبو عبد الرحمن الضبى النحوىّ
«1»
مولى لهم، وكان من أهل جبّل [1]. أخذ عن أبى عمرو [2] وحمّاد بن سلمة [3]، وكان النّحو أغلب عليه، ودخل المسجد يوما وهو يهادى [4] بين اثنين من الكبر، فقال له رجل كان يتّهمه على مودته: بلغت ما أرى [5] يا أبا عبد الرحمن، قال:
هو الذى ترى فلا بلّغته.
وقال أبو الخطاب زياد [6] بن يحيى: مثل يونس كمثل كوز ضيّق الرأس، لا يدخله شىء إلا بعسر، فإذا دخله لم يخرج منه- يعنى لا ينسى.
وقال أبو عبيدة: لم يكن عنده- يعنى يونس- علم إلا ما رآه بعينه [7].
وقال أبو زيد النحوىّ: ما رأيت أبذل لعلم من يونس [8].
[1] جبل، بفتح الجيم وتشديد الباء المضمومة: بلدة بين النعمانية وواسط- ياقوت.
[2]
أبو عمرو بن العلاء، تأتى ترجمته للمؤلف باب الكنى.
[3]
هو حماد بن سلمة بن دينار، تقدمت ترجمته للمؤلف في الجزء الأول ص 364، 365.
[4]
[5]
فى الأصلين: «رأى» ، والصواب ما أثبته من طبقات الزبيدىّ.
[6]
هو زياد بن يحيى بن زياد أبو الخطاب؛ ذكره ابن حبان في الثقات، وتوفى سنة 354 تهذيب التهذيب 3:389.
[7]
نقله الزبيدىّ عن أبى الخطاب زياد بن يحيى.
[8]
نقله الزبيدىّ عن ابن سلام عن أبى زيد النحوىّ.
وقال أبو عبيدة، عن يونس، قال: كنت عند أبى عمرو [بن العلاء [1]] فجاءه شبيل بن عزرة الضّبعىّ [2]، فقام إليه وألقى له لبد بغلته، فجلس عليه، ثم أقبل عليه يحدّثه، فقال شبيل: يا أبا عمرو، سألت رؤيبتكم عن اشتقاق اسمه فما عرفه- يعنى رؤبة- قال يونس: فلم أملك نفسى عند ذكره، فرجعت إليه، ثم قلت له: لعللّك تظنّ أن معدّ بن عدنان أفصح منه [3] ومن أبيه، أفتعرف أنت ما الرّوبة، والرّوبة، والرّوبة، والرّوبة والرّؤبة، فأنا غلام رؤبة، فلم يحر جوابا، وقام مغضبا فأقبل علىّ أبو عمرو، وقال: هذا رجل شريف يقصد مجالسنا، ويقضى حقوقنا، وقد أسأت فيما فعلت ممّا واجهته [4] به. فقلت له: لم أملك نفسى عند ذكر رؤبة، فقال أبو عمرو: أو سلّطت على تقويم الناس! ثم فسّر لنا يونس فقال:
الرّوبة خميرة اللبن، والرّوبة قطعة من اللّيل، وفلان لا يقوم بروبة أهله، أى بما أسندوا إليه من أمورهم، والرّوبة جمام ماد الفحل، والرؤبة (مهموز): القطعة التى يشعب بها الإناء [5].
وقال ابن سلّام: قلت ليونس: تجيز: إياك زيدا؟ فقال: قد أجاز ابن أبى إسحاق للفضل [6] بن عبد الرحمن [فى قوله]:
[1] من طبقات الزبيدىّ.
[2]
شبيل بن عزرة الضبعى، تقدمت ترجمته للمؤلف في الجزء الثانى ص 76.
[3]
الزبيدىّ: «من رؤية» .
[4]
الزبيدىّ: «فيما واجهت به» .
[5]
الخبر نقله الزبيدىّ في الطبقات 48، 49. وفي مراتب النحويين»: «والرؤبة، بالهمز:
القطعة من الخشب يرأب بها الصدع».
[6]
فى الأصلين: «المفضل» ، والصواب ما أثبته من طبقات الشعراء 63؛ وهو الفضل بن عبد الرحمن بن عباس؛ شيخ بنى هاشم.
إيّاك إيّاك المراء فإنّه
…
إلى الشرّ دعّاء وللشّرّ جالب [1].
وذكر ابن سلّام محمد أنه كان يشرب المطبوخ.
وتوفّى سنة اثنتين وثمانين ومائة، ما بين السبعين والثمانين وفي بعض الروايات أنه جاوز المائة.
وجرى القدر في مجلسه فقال: لا فكر لى فيه.
قال المبرّد محمد بن يزيد: يونس بن حبيب بن عبد الرحمن، أراه مولى بنى ليث.
وقال الأصمعىّ: كان أصل يونس من جبّل، فلقيه رجل من ولد أبى عمير، فقال: يا أبا عبد الرحمن، ما تقول في جبّل، أينصرف؟ فافترى [2] عليه، والتفت العميرىّ، فلم ير أحدا يشهده عليه، فتركه حتى إذا كان من الغد، وجلس يونس للناس أتاه العميرىّ، فقال: يا أبا عبد الرحمن، ما تقول في جبّل، أينصرف؟
قال يونس: الجواب ما قلته لك أمس.
وكان يونس بارعا في النحو، وقد سمع من العرب كما سمع من قبله، وروى عنه سيبويه وأكثر، وله قياس في النحو ومذاهب ينفرد بها، وقد سمع منه الكسائىّ والفرّاء، وكان من الطبقة الخامسة [3]، وكانت حلقته بالبصرة ينتابها الأدباء، وفصحاء الأعراب والبادية.
قال أبو عبيدة: اختلفت إلى يونس أربعين سنة، أملأ كلّ يوم ألواحى من حفظه.
[1] البيت من شواهد الكتاب 1: 141.
[2]
فى ابن خلكان: «فشتمه» .
[3]
ذكره الزبيدىّ في الطبقة الخامسة من اللغويين البصريين.
وقال أبو زيد النّحوىّ: جلست إلى يونس بن حبيب عشر سنين، وجلس إليه قبلى خلف الأحمر عشرين سنة.
وقال يونس: قال رؤبة بن العجاج: حتّام تسألنى عن هذه البواطل وأزخرفها لك! أما ترى الشّيب قد بلغ في لحيتك! وقال أبو عبيدة: كنت في حلقة يونس، فجاء أعرابىّ، فوقف علينا، فقال:
من ينصرنى نصره الله. فقال يونس: أتتكم [1] والله من قرب، من يرزقنى رزقه الله قال الله عز وجل:(مَنْ كانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ)
[2]
، أى يرزقه الله.
وقال محمد بن إسحاق النّديم: قرأت بخطّ أبى عبد الله بن مقلة: قال أبو العباس ثعلب: جاوز يونس المائة، وقد تفرّغ من الكبر، ومات في سنة ثلاث وثمانين ومائة. ومن خط إسحاق بن إبراهيم الموصلىّ: عاش يونس ثمانيا وثمانين سنة لم ينزوّج ولم يتسّر، ولم تكن له همة إلا طلب [3] العلم ومحادثة الرجال.
وله من الكتب التى صنّفها: كتاب «معانى القرآن» . كتاب «اللّغات» .
[كتاب «النوادر» الكبير [4]]. كتاب «الأمثال» . كتاب «النّوادر» الصغير [5].
[1] ب: «أتاكم» .
[2]
سورة الحج 15.
[3]
فى الأصلين: «لطلب» .
[4]
من الفهرست.
[5]
الفهرست 42 وفي معجم الأدباء: «ومن تصانيفه كتاب «معانى القرآن الكبير» . كتاب «معانى القرآن الصغير» . كتاب «اللغات» . كتاب «الأمثال» .
وقال محمد بن سلّام: قدم الكسائىّ البصرة على الرّشيد، فجلس إلى يونس فى حلقته، فألقى عليه بعض من حضر في المجلس بيت الفرزدق:
غداة أحلّت لابن أصرم طعنة
…
حصين عبيطات السّدائف والخمر [1].
وأنشده هكذا، فقيل للكسائىّ: على أى شىء رفعت «الخمر» ؟ فقال: أضمرت فعلا، كأنه:«وحلّت له الخمر» ، فقال يونس: ما أحسن والله ما وجّهته.
غير أنى سمعت الفرزدق ينشد:
غداة أحلّت لابن أصرم ضربة
…
حصين عبيطات السّدائف والخمر [1].
جعل الفاعل مفعولا، كما قال الحطيئة:
فلما خشيت الهون والعير ممسك
…
على رغمه ما أمسك الحبل حافره [2].
والقصيدة على الرفع، جعل الفاعل مفعولا، فقال الكسائىّ: هذا على هذا وجه.
[1] ديوانه 317. وفي شواهد العينى 156: «هو من قصيدة يذكر فيها حصبن بن أصرم وقد قتل له قريب، فحرم على نفسه شرب الخمر وأكل اللحم العبيط حتى يقتل قاتله، فلما طعنه وقتله أحلت له تلك الطعنة شرب الخمر وأكل اللحم العبيط. غداة، نصب على الظرفية وأضيف إلى الجملة. وطعنة فاعل «أحلت» ، وحصين بالجر عطف بيان لابن أصرم. وعبيطات السدائف، كلام إضافى مفعول «أحلت» ، وهو جمع عبيط، اللحم الطرى. والسدائف: جمع سديف وهو شحم السنام وغيره مما غلب عليه السمن». والشاهد في قوله: «والخمر» بالرفع، حيث حذف منه الفعل، تقديره: وحلت له الخمر.
وانظر الجزء الثانى من إنباه الرواة 2: 265.
[2]
ديوانه 10؛ قال السكرى في شرحه: ما دام الحمار مقيدا فهو ذليل معترف بالهوان؛ وهو مقلوب. أراد ما أثبت الحبل حاقره، فقلب فجعل الفاعل مفعولا والمفعول فاعلا».